الخميس، 20 سبتمبر 2012

إساءة دولة وإساءة شيوخ


إساءة دولة وإساءة شيوخ


محمد موافي


المسيئون للرسول باسم الرسول أكثر من المسيئين لقامة رفيع القامة باسم المغضوب عليهم والضالين. الإساءة منا وإلينا وفينا وبيننا, وأولا: أليس من الأجدى الآن الانتفاض فى وجه السفيه الإيرانى, الذى أعلن عن قرب الانتهاء من اللمسات الأخيرة لفيلم بعنوان "محمد صلى الله عليه وسلم".
وأنا قلت لكم يوم تم إنتاج مسلسل الفاروق عمر: إنهم يقتربون من مشكاة النبوة, وإن السماح بذلك هو لف ودوران واقتراب وحومان حول الحمى, وإننا مواقعوها لا محالة. ولم يصدقنى البعض, وشتمنى البعض, وقلت: لا بأس فإن أبى ووالدتى وعرضى لعرض محمد منهم وقاء.
إن تجسيد النبى صلى الله عليه وسلم بطريقة مسيئة أو بطريقة غير مسيئة, كلتيهما مسيئة, فكل ما يمكن تخيله ثم تجسيده, هو تقليل من قيمة من لا تعرف قيمته كلمة "التقليل".
ولا أعلم أيهما اليوم أحق بالاعتراض: إيران أم الولايات المتحدة, فالأولى جاهلة والثانية جاهلية. الأولى فئة ضالة والثانية أمة الضالين,ونحن بين الجهلة والجاهليين والضالة والضالين كالأيتام على موائد اللئام.
وثانيا: نحن نسيء لأنفسنا أكثر من إساءات الآخرين, ولعلكم تذكرون أيضا أحد الشيوخ الذى خرج يوم وفاة البابا شنودة, وهات يا شتيمة ويا شماتة, ولما قلنا له سراً: يا أيها الداعية اتق الله, أخذته العزة بالإثم, فقلنا له: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم"، قال أنت من الجاهلين, فقلت: إذن أعرض عن أمثالى وأنا سأقف بالمرصاد لمن يسوقون إلينا الإساءة بحمقهم.
كلامى بالطبع لا يعنى عدم غضبى من السفهاء الذين حملهم الحقد على تخيل الإساءة لنبينا صلى الله عليه وسلم, كما لا يعنى أننى أحمل هذا الشيخ أو تلك الدولة مسئولية ما حدث والتسبب فى إنتاج الفيلم,لكن أقول: حنانيكم فالإساءة قد تأتى من بين شفتيكم وأنتم تنتفخون غضبا, وتخالفون هدى محمد صلى الله عليه وسلم, ثم تبررون ما تفعلون بأنه من سنته, وسنته غير ذلك لو نظرتم بعين المحبة والرفق والغيرة أيضا.
هذان مثلان من إساءة أنفسنا لأنفسنا, فكل الإساءات لا تقترب أبدا من مشكاة النبوة, فهو منصور وقد نصره الله, وهو مصون بدرع ربانية:"إنا كفيناك المستهزئين"، والمصيبة الكبيرة هم أولئك الذين يهرفون باسم الدين.
mowafi@outlook.com
 

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

بشارة المسيح


بشارة المسيح


محمد موافي
لك كل العذر لو مللتنى، ولكن إياك وإياك أن تمل الصلاة على سيدى، دون شطط أو ابتداع، وقلت: إن دفترى يهتز طرباً، وإن للأوراق صوتاً، وتكاد تنطق -من مس حبر اسمه - السطور، فهو النبى لا كذب، وهو ابن عبد المطلب، سيد ولد آدم، وحقيق به الرفعة، وجدير سيدى بالتبجيل، مع أنه بشر، لا نعظمه إلا بما يتفق وسنته، ولا نفعل ما فعل الضالون بالمسيح عليه السلام، بل نقول:
فغاية القول فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلهمِ..
المبعوث رحمة والعزيز عليه عنتنا والحريص علينا، صاحب الفضائل والشمائل والمكارم والسبق:
سبقت نبوته وآدم طينةٌ فله الفخار على جميع الناسِ
سبحان من خص النبى محمدا بفضائلٍ تُتلى بغير قياسِ،

دعوة إبراهيم وبشارة عيسى، وعيسى أخوه محمدٌ/ وكلاهما بانٍ وشائد، يعرف عيسى فضله، ونعرف نحن لعيسى فضله، فنحن أمة محمد، ومحمد سيد المرسلين.
لأننا ابتعدنا عن سيرته العطرة، فجاءنا نبأ شر الإساءة، بخبر تذكير وجوب الثناء عليه، فصلوا عليه وسلموا تسليما.
لو يعلم الجاهلون مقدار النفع الذى يعود علينا لغيرتنا عليه، ما أساؤوا وما مارسوا الحماقة والبغي، ولا لهثوا بلسانهم الذى لا يهدأ، فشكرا للظروف التى أولتنا رعاية قلوبنا بالتنبه إلى وجوب محبته، مع أن كلمة الوجوب قاسية، فمحبته فطرة، ومحبته كشجرة أصلها ثابت بجدران أفئدة مُحبة، وفرعها سُلّمٌ نحو السماء.
كم أنت جميل يا سيدي، كم أنت جميل؟ يتخيلون أن الإساءة إليك تضرنا، فإذا جمال سيرتك يعيد إلينا حياة شُغلنا بالتفاهات عنها، وبالهموم والعيال والبلد، فإذا بنا نعود، والعود أحمد، وعيسى مُبشرٌ بك يا أحمد، وبشارته بك ركن فى رسالته، ونشهد أنه عليه السلام قد بلغ رسالته، وقيل لنا إن النجاشى شهد أنك يا سيدى النبى الذى ينتظره أهل الكتاب، فنحمد الله أننا لم نكن من المغضوب عليهم الذين كذبوا ابن مريم وحسدوك، ولا نحن من الضالين الذين جحدوا بشارته بك وأنكروك.
فهل رأيت يا سيد العفو، كم أنت جميل يا سيدي.. وكم نحن محظوظون بك وسعداء لو تمسكنا بسنتك، وأعلون ونحن نتبع وقع خطاك بالطائف ترفع بصرًا نحو سماء تحبك، فيأتيك جبريل بعرض الانتقام، فتعفو وتدعو ونقول "صلى الإله على الرحمة المهداة"، فيأتيك عداس على ظمأ، بعنقود عنب، فتؤجل التقاط الحبة، وتسأله بالمحبة: من أين، فيرد: من نينوى، فيؤمن بك كما آمن أجداده بيونس عليكما السلام.
يا سيدي، كم أنت جميل، وجميل أنت يا سيدي..فصلى الله عليك وسلم.

mowafi@outlook.com 

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

على رسلك يا دكتور!!


على رسلك يا دكتور!!

محمد جلال القصاص

بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
على رسلك يا دكتور!!

كتب الدكتور سيف الدين عبد الفتاح متحدثاً للسلفيين بأن عليهم أن يتخلوا حال التظاهر دفعاً للمتطاولين على الدين ومقام سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بعض العبارات حتى لا يخيفوا الأقباط!!

وبعيداً عن أن ما جاء به الأقباط في "فيلمهم" لا يوازي أي كلامٍ مهما قيل، فقد انحطوا وأتوا بما لم نسمع بمثله في التاريخ؛ وبعيداً عن أن العبارات الشديدة حال التظاهر لا يؤخذ بها، إذْ ليست كأختها التي تصدر في حالة طبعية؛ وبعيداً عن أن الخطاب السلفي جملةً وتفصيلاً لم يبادر النصارى في مصر ـ أو غير مصر ـ لا بقليل ولا بكثيرٍ، فليس في الخطاب السلفي المصري ـ مع قِدمه في الساحة المصرية ـ طرحاً يتجه للنصارى مباشرة، لا بقليل ولا بكثير، فقد غفلت الحالة الصحوية السلفية ـ والإخوانية أيضاً ـ عن النصارى تماماً كأنها لم توجد، ذلك مع تكرار حملات التنصير على العالم الإسلامي عموماً ومصر خصوصاً منذ قدم الاحتلال الإنجليزي ومع انتشار الردود على تلك الحملات، وممن لهم صوت عالٍ في الساحة الفكرية كالعقَّاد وحسين هيكل، إلا أن الحالة السلفية لم تتجه للأقباط، ولم تجعلهم هدفاً لها لا بقليل ولا بكثير وإلى يومنا هذا !!

بعيداً عن هذا كله فإن صدور هذا الكلام من شخصية مثل الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أمر في منتهى الغرابة. فالمفترض أن الدكتور سيف الدين عبد الفتاح سياسي؛ بل يتواجد الآن كـ "خبير سلطة"، ومن قريب تواجد في المشهد كنائب لأحد أبرز مرشحي الرئاسة . والسياق العام لشخصية الدكتور سيف الدين عبد الفتاح هو "التجديد" السياسي، أو العمل من أجل "المشروع الحضاري الإسلامي"، فالمفترض في شخصية كهذه أن تكون أعمق في رؤيتها، وأوسع في ثقافتها، وأثبت في مواقفها، وأدق في حديثها. ولكن حديثاً كهذا من شخص كهذا يجعلنا نفقد الثقة في السياسي "الإسلامي"... في ثقافته.. في تفكيره...أو في ضميره.. وعزمته... أو في كل ذلك.

غفل مستشار رئيس الجمهورية عن سياقين في غاية الوضوح وفي غاية الأهمية:

السياق الأول: أن الحالة القبطية ـ أو نقول الأقليات عموما ـ ظهرت في إطار الحرب على الخلافة الإسلامية، في اليونان، وفي الشام (ضد إبراهيم باشا)، ثم في إطار الضغط على "الأوطان"، فما سمع بهؤلاء إلا بعد قدوم الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي، وبعد ضعف "دول" العالم الإسلامي وتبعيتها للدول "الكبرى". وقد وضح هذا الأمر الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" وهو يتحدث عن فتنة 1910 التي أعقبت مقتل "بطرس غالي"؛ فتمايز جزء في المجتمع بمطالب بوصف خاص ومطالب خاصة، ومساندته من قبل الغرب إحدى وسائل التدخل والضغط. أمارة ذلك أن كل مجتمع من البشر في كل مراحل التاريخ ـ بما في ذلك المجتمعات الغربية التي تأوي الأقليات وتدافع عنها ـ به أقلية وأكثرية، وفي كل هذه المجتمعات تكون الأقلية تبعاً للأكثرية، فقط عندنا نسمع "حقوق الأقليات"، وما هي إلا وسيلة تدخل.
كان على سياسي مثل الدكتور سيف أن يقف ضد فكرة وجود أقلية قبطية ـ أو غير قبطية ـ في البلد متميزة عن غيرها، فإن هذا يعارض سيادة القانون، ويعارض مبدأ الديمقراطية... أن السيادة للأغلبية؛ وأن هذا جزء لا يتجزأ من الوقوف في وجه "المخالف"... كسر لإحدى وسائله التي يقاتلنا بها.

والسياق الثاني يتعلق بنصارى مصر أنفسهم؛ فما جاء في الفيلم المسيء لمقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتردد على لسان الكنيسة الرسمي، نسمعه منهم من عشر سنوات، في القنوات الفضائية، والغرف الصوتية، والمنتديات الكتابية، ومن شخصيات رسمية لم تشلح من الكنيسة المصرية، مثل زكريا بطرس، فقد كان يتحدث وهو يرتدي الزي الرسمي للكنيسة، وكتبه مصدَّرة بصورة زعيمهم شنودة، ويلتقي وشنودة في أمريكا لقاء المتحابين، بل حين سئل شنودة من عمرو أديب عما يردده بطرس ـ وهو ما جاء في الفيلم وزيادة ـ لم ينكر عليه، بل تحدث بما يشير إلى تأييده!!

ويتولى كبر التطاول على الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآن قمص منتسب للكنيسة .. لم يشلح بعد يُدعى "مرقس عزيز"، وقد أيد ما جاء في "الفيلم المسيء"؛ وفي لقاءاته باسمه الصريح وكتاباته (تحت مسمى الأب يوتا) تحدث بأفحش مما في الفيلم.
والأنبا بيشوى، وهو "الرجل" الأول عندهم الآن وأكثرهم حظاً في خلافة شنودة، تحدث علانية بأننا ضيوف، وبالتالي على الضيف أن يرحل ... هكذا تنظر الكنيسة في مصر للمسلمين يا دكتور سيف..، وضُغط عليه ولم يتراجع ولم يعتذر لا هو ولا الكنيسة...بل غاب أياماَ ثم خرج علينا يسب القرآن.. يقول محرف قد زيد فيه بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ!!. ولم يعتذر!!

وإن النظرة المتأنية للسياق القبطي المصري تعطي دلالة صريحة على أن القوم جادون في الاستيلاء على مصر وما حولها لإقامة "كنيسة الرب" على أرض مصر، يصرحون بهذا، وقد رصد شيئا من خططهم الشيخ محمد الغزالي في كتابه "قذائف الحق". وما أقباط المهجر إلا ذراعاً خارجية يستعملها أقباط الداخل في تمرير مشاريعهم. وأقل ضرر يصيبنا من "أقباط المهجر" أن أطروحاتهم المتطرفة وسيلة من وسائل إضفاء الوسطية على أطروحات الداخل. فنجد أنفسنا قد أدخلنا في حصرٍ وهمي.. نُخيَّر بين متطرفين.. أحدهما يطالب بالدولة كاملة والآخر يطالب بحصة تزيد على خمسة أضعاف حجمه الحقيقي فهؤلاء من أولئك. . وكله سياق واحد...

فلا يشك عاقل أن ما جاء في الفيلم خطاب رسمي، ولو كانت الكنيسة صادقة في نبذها لما قيل في الفيلم لشلحت من فعل، أو كذَّبت ما بداخله، ولكنها فقط استخدمت لغة خادعة، تقول: ضد الإهانة.. وتحترم... ولم يصب من فعل منها أذى وهو ابنها.. وطوع أمرها.. فلا نخدع.
بل راح أولياءُ الكنيسة .. المتحالفون معها حقيقة أو ضمناً.. يحاولون إفشال سعي الطيبين المنتصرين لسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ بل واستغلال الحدث في صرف النظر عن الانتصار للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بالقول بأنها فتنة طائفية وعلينا أن لا نستجيب، ويحمل الوزر المعتدي لا المدافع، والعاقل يسير للمعتدي ليأخذه حتى لا يعود؛ وبتخويفنا من غضبة الأمريكان، وما عدنا نسمع، ولا عدنا نخاف، فهم أحوج، وقد تجرأ عليهم الناس ونالوا منهم في الصومال والعراق والأفغان. بل وتمادى أولياء الكنيسة في استغلال الحدث فحاولوا التصعيد في اتجاه النيل من رئاسة الجمهورية التي يعمل الدكتور سيف عبد الفتاح مستشاراً لها. حاولوا بألسنتهم وبأيديهم (عن طريق البلطجية أمام السفارة).
وإن القراءة الأعمق للنصرانية عموماً تفسر الحالة المصرية ـ وغير المصرية ـ وهي أن الكنيسة تنكمش وتتمدد... إن ضُغِطوا تراجعوا وانكمشوا.. ورددوا: دع ما لقيصر لقيصر، وإن تُركوا تمددوا.. وركبوا قيصر .. وأهانوا قيصر .. وقتلوا قيصر كما حدث في العصور الوسطى... وذلك لانعدام الدلالة النصية عندهم.. فكل شيء قابل للتأويل.. وهذه الوجود التعسة التي تقود القطيع النصراني حرة في الفهم ومتبوعة إن قالت يسمع لقولها.

وإن حنكة السياسي تقول بأن وجود ذراع خارجية "أقباط المهجر" غير خاضعة لسلطة الدولة أمر غير مقبول، ولابد من القضاء عليه، أو تحجيمه، والأمر سهل هين، إذ أنه يتحرك من الداخل، وإن فصل عن الداخل فلن يجد له مأوى بالخارج، فلابد من عرض سفاهات "اقباط الخارج" على من بالداخل وطلب موقفٍ واضح محددٍ منهم. والآن ..

وإن واجب الثوري .. ذي المشروع الحضاري الإسلامي أن يعلم أن النصارى هم من يحركون الساحة السياسية المعادية للتوجه الديني والثوري في مصر. فقد اصطفوا جميعاً خلف "المخلوع" وأيدوا توريث الحكم لابن المخلوع ولم يشاركوا في الثورة ولا أيدوها إلا بعد رحيل "المخلوع" بأيام، ثم اصطفوا خلف أحمد شفيق.. ولا يخفى دورَ "ساويرس"، ولا يخفى أن المشاهير من المعارضين يترددون على الكنيسة، وما ذهب هؤلاء وتحدثوا من منابرهم إلا لظنهم أن القوم أهل بأس.. أو بأيديهم خيوطاً..

وإن المفكر الإسلامي ذي المشروع الحضاري كالدكتور سيف يعي جيداً أن عامة الفوضى الفكرية في الساحة الإسلامية أحد مصدرها المباشرة النصارى، وسل عن سيد القمني، وسل عن خليل عبد الكريم، وسل فاطمة ناعوت، ومحمد أبو حامد، وكتابات مارجليوث التي انتشرت كأفكار او ككتابات كاملة (ويخبرك أنور الجندي بالأدلة).

وإن واجب الإنسان ذي القلب الرحيم يحتم عليه أن يقف في وجه هذه الفئة التي تترأس الكنيسة المصرية، فقد تعدوا على "شعب الكنيسة" فأذاقوهم بأسهم، ويخبرك عن هذا "أقباط 38".. نصف مليون رجل وإمرأة بالمحاكم يشتكون من ظلم "رجال الدين".. أوقودوا الصدور .. وأوقدوا البيوت.. صدور أتباعهم.. وبيوت أهليهم... فكيف حالهم معنا لو تمكنوا منا.

إن هَدْهَدَتُهم تجرئهم علينا وعلى شعبهم... ولا يشبعون. إنهم جزء من الفساد القديم.. وإن حالنا وحالهم يعرفه القاصي والداني فكيف يخفى على "مستشار رئاسي" ؟!.

محمد جلال القصاص
صباح الاثنين
‏17‏/09‏/2012
 

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

من الذي يبث ثقافة الكراهية (*)؟



من الذي يبث ثقافة الكراهية (*)؟
 د. محمد الأحمري

أحد الطلاب العرب حكى لي شقيقه قصته أمس، فقال: أخي طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة، ملامحه عربية كغالب العرب، ملتح وزوجته محجبة، جاءته جارته عجوز أمريكية، وطلبت منه أن تدخل البيت فأذن لها أن تدخل، وتفقدت البيت، وبحكم أنها من وسط الناس وعامتهم صرحت لهم بالسبب، قالت: إنني حلمت بأنك ـالطالب العربي صاحب الشقةـ سوف تختطف طائرة ثم تصدم بها شقتي! وقد قلقت من هذا الحلم، واتصلت بالشرطة، فقالوا لي إنه من الأحسن أن تزوريهم، وتطمئني، ولهذا زرتكم!!

قلت: إن هذا الشرطي عاقل جدا، ومؤدب لم يستجب للثقافة الحكومية الأمريكية السائدة اليوم في أمريكا، فهي الثقافة التي صنعت هذا الهوس عند هذه المسكينة.

وهو موقف خلاف السائد، ففي محاكمة أحد الطلاب العرب ادعت الحكومة الأمريكية في قائمة تهم المحكمة له أنه اتصل -أو له علاقة- بمحمد أسد!!

محمد أسد في الأصل من يهود النمسا، قدم للجزيرة العربية قبل أكثر من خمسين عاما، وأسلم وكتب كتابا مهما أعيدت طباعته بالإنجليزية والعربية مرات عديدة، وهو إلى الآن في الأسواق. ومات قديما، ولكن الطالب المتهم قال في محادثته مع أحدهم سهرت البارحة مع محمد أسد!! وهو يعني: مع كتاب محمد أسد، فتوهمت الحكومة أو.. أن محمد أسد زعيم عصابة إرهابية!! ولصاحبنا علاقة به، ومخطط قادم، وخلية نائمة ولكنها سهرت تلك الليلة على برنامج عمل مريع قادم!!

ولهذا، فقد كنت أطلب من الأصدقاء الذين يتحدثون على الهاتف من أو إلى أمريكا أن يشرحوا تماما وبوضوح ما يقصدون، ولا يتركوا مكالماتهم تحت رحمة مترجم غبي، أو حاقد مشبع بثقافة الكراهية، فكلمات مثل: "الموضوع الذي تعرف، أو النقاش السابق، أو جماعتنا، أو الشباب، أو الإخوان، أو القصة التي حدثتك عنها، قد تجر عليك ما لا قبل لك به، ومن أسهل التهم أنك عضو في خلية نائمة أو قائمة!

من الأساطير الأخرى، التي تنشرها ثقافة الكراهية: أن بعض الطلاب العرب لديهم أسلحة نووية في شققهم!! تستغربون!! من بين أعضاء الفريق الذين فتشوا شقة طالب عربي كان خبير لأسلحة نووية.

عندما ذكر لي الأخ قصة أخيه تذكرت أنني كنت في صباح ذلك اليوم مسافرا بين جدة والرياض، ولقيت في الطائرة صديقا قادما من بلد غربي آخر -أقل حدة على المسلمين من أمريكا- فسألته السؤال المعروف الذي يسأل عنه اليوم أي عربي قادم من بلاد ثقافة الكراهية، كيف أنتم وأجهزة الأمن؟ قال: الحقيقة أنهم آذوني كثيرا، فبعد زيارات كثيرة لرجال الأمن، مزعجة ومملة، وليس عندهم معلومات ولا حوار معقول، قالوا له في آخر لقاء: "نحب أن تعمل معنا" قال: كيف وأين؟ فسروا للسؤال، وبشائر الاستجابة للطلب، وقالوا: في بلدك، فلنا مصالح وأشخاص يهمنا أمنهم.

كنت ـ ولم أزل ـ أتمنى أن يكون في بلاد العرب من يهتم، فيدعو الحكومات الأمريكية أولا ثم غيرها تبعا؛ أن تخفف من سيل ثقافة الكراهية والحقد الشديد الذي ينشر ضد العرب، ويشوه المسلمين في كل لحظة، فالموقف الرسمي للحكومة الأمريكية من العرب والمسلمين ـ كما ينشر إعلامها ـ حاقد ومريع، مهيج لشعبها ليصنع ثقافة إرهابية ضد كل ما هو عربي وإسلامي.

نقدر حاجة الحكومة الأمريكية لأن تحشد الشعب للحرب ضد العرب والمسلمين، وليقف الشعب مع الجمهوريين ومع من يسمونهم باليهود الجدد، أو المحافظين الجدد، لتبرير الإرهاب الصهيوني، وتبرير ذبح العرب ومطاردتهم، ولكن ثقافة الكراهية الصادرة من أمريكا أصبحت تصنع الجنون حتى لعامة الناس، وأصبحت الأحلام كوابيس عربية!!

ثقافة حقد ورعب لا يطيقها الشعب الأمريكي نفسه، فهل آن للعقلاء من أي مكان أن يوقفوا هذا الهوس؟ أو يخففوا من ثقافة الكراهية؟

(*) المقال قديم نشرته العصر في ديسمبر 2004 ونعيد نشره اليوم تزامنا مع تجدد حملة الكراهية التي يتلى كبرها بعض متعصبي النصارى وناشطي اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.

جئت يا مرسي

 جئت يا مرسي

خالد الشافعي

2012-09-09


أيها الذي جاء بعد أن فقدنا القدرة على الأمل
أيها الذي جاء وقد نضبت ينابيع الحلم
أيها الذي جاء وقد توقفت عصافير الفرح
أيها الذي جاء على شوقٍ عمره بعمر الوعي والإدراك فينا
أيها الذي جاء بعد سنين عجاف وأيام لا مشترك بينها إلا البؤس والقهر والعجز والغربة
أيها الذي جاء ومياه حياتنا آسنة من طول الركود
أيها الذي جاء ومراكبنا علاها الصدأ وشوارع عوالمنا ملأها العبث والفوضى
جئت وقد أصاب العطب كل محركات الفرح فينا وملأ العنكبوت كل منازلنا
جئت بعد أن صرنا أقزاماً لا يرانا العالم ولا يأبه أنه يحطمنا بأحذيته
جئت والإحباط سيد مدننا
جئت بعد أن ظننا أنك لست بآت وأن أجيالنا كتب عليها أن تعيش بالعجز وتموت من القهر والإحباط
جئت والظلام دامس والهمم خارت
إطلالاتك الأولى كانت توحي أنك لست المنتظر
قلنا فليكن مرحلة، فلنتصبر به
لم يكن هناك خيارات أخرى
كنت أنت أو جبت الطاغوت المخلوع
انتخبتك على مضض
ولم انتظر منك أحلاماً ولا أماني كبار
فقط قلت فرصة لالتقاط الأنفاس وبرزخاً بين عالمين
وعلى حين غرة أخذتنا
في عز اللحظة التي تيقنت من أنك عادي جداً
في عز هذه اللحظة أخذتني عالياً جداً جداً جداً
زلزالك كان كافياً أن تتحول ليالي الزنازين والمطاردة وكمائن الطرق السريعة ومقالات وبرامج الشياطين ومرارات لا تعد ولا تحصى، رجفة واحدة من زلزالك أحالت القهر رضا والمرارات حلاوة والظلم صفحًاً والغربة موطناً وإياباً
شكرًاً
شكرًا
شكرًاً
بعدد الليالي التى قضيناها في العتمة
بعدد المقهورين الذين اشتفوا
بعدد الشموس التى زارت بلادي ومدني وشوارعي
شكراً بعرض الأمل الذي نبت فينا
وبطول السكك التي مشيناها إلى هذا اليوم
ليس في حرف من كلامي تهويلاً
أنا أكتب ما أشعر به فقط
ومن رأى ما رأيت وعانى ما عانيت وعاين ما عاينت، عرف
شكر مختلط بامتنان، اختلاط دموعي وابتساماتي وقلقي في الميدان وسلطان يقرأ النتيجة
شكر مختلط بعرفاني، اختلاط دموعي وابتساماتي حين خلعت طنطاوي وعنان ورفاقهما
شكر مختلط بدهشتي، اختلاط دموعي بطعامي ومذيعة الأخبار تعلن أنك أعدت فتح المعبر
وبكائي وأنت ترتجل كلمة كلها آيات وأحاديث وأقارن بينك وبين القزم المجرم المخلوع
بين خطبك وخطبه
وأحاديثك وأحاديثه
وصلاتك وصلاته
ياااه أكاد أموت من الدهشة وأحيا من الفرحة وأطير من السرور
شكر لا يوصف على مشاعرٍ لا توصف حين ترضيت على سادتنا أمام أعنيهم
يااااه يا سيادة الرئيس إنك منذ جئت تبكيني كثيراً بكاء الفرح
قبل مجيئك كان البكاء معظمه من الأسى والعجز
أيها المدهش كان المنصب قبلك سيء السمعة
وكانت خطب الرئيس لا يسمعها أحد
وكانت زياراته ولقاءاته محض سخافة
أيها البطل -على الأقل بالنسبة لي- يا فارس أحلامي
أشكرك
جميلك لا يُنسى
وفضلك لا يُكافئ
وقد جئت يا مرسي
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام


الخميس، 13 سبتمبر 2012

جســـر التعــــب


جســـر التعــــب
إبراهيم السكران
26 شوال 1433هـ
الحمد لله وبعد،،
إذا أخذت تتصفح (مفكرة المهام) الصغيرة أمامك، أو استخرجت من درج مكتبك أوراقاً عتيقة كنت قد رسمت فيها لنفسك (خططاً) علمية ودعوية، أو حتى مهنية، سيثور مع غبار هذه الأوراق شيء من الحزن وستشعر أنك ما زلت في أدنى الوادي، بينما طموحاتك وأمنياتك وأحلامك مازالت هي الأخرى تعانق السحاب! وليس إلى وصلها سبيل بعد..
فكيف إذا حرث المرء ذهنه وتذكر طموحاً أجمل من هذه الطموحات كلها، كطموح المرء أن يرافق محمداً –صلى الله عليه وسلم- في قصور الفردوس، فيعيش مستقبله السرمدي مع تلك الكوكبة الراقية..
ما السبب يا ترى أن تلك الأحلام والخطط الجميلة، ركضت فوقها السنوات بحوافرها، حتى بهت حبرها؛ ولم تتحقق بعد؟
الحقيقة أن تفسير الإخفاق، وتعثر الخطط والطموحات، له عوامل كثيرة، دلت على بعضها النصوص الشرعية، ودلت على بعضها الخبرة البشرية الهائلة اليوم في علوم الإدارة والتخطيط والنجاح، وخصوصاً المعرفة الإدارية المبرهنة تجريبيًّا/إمبيريقيًّا..
ولكن ثمة عاملٌ له في نفسي حفاوةٌ خاصة، عامل يفسر كثيراً من فشل الطموحات والأحلام.. هذا العامل بكل اختصار: هو أن الخطط فوق الصخور والأرجل ما زالت ناعمة ما حفيت بعد..
مازال في كثير من النفوس وهم مطمور أنه يمكن أن يبلغ المرء المجد وهو لم يكابد المشاق ويلعق الصبِر..
لقد ركَّب الله في هذه الحياة أن (معالي الأمور) التي نص عليها القرآن، كالرسوخ في العلم، وإظهار الهدى ودين الحق على الدين كله، والتمكين في الأرض، وإصلاح الأمة، ونحوها من المطالب الكبرى لا تحصل للمرء وهو مستكملٌ راحته وطعامه وشرابه ونومه وأوقات استرخائه.. هذه حقيقة دلَّ عليها الشرع وصرخت بها تجارب الحياة..
إذا كان المرء ينام حتى تُجهره أشعة الحمرة في عينيه، ويبسط خوان الطعام كلما اشتهى، ويخصص الأوقات الطويلة للقهوة والشاي والعصائر والفطائر، ولا يسمح لنفسه بأن تتنازل عن أي فرصة فسحة أو مسامرات مع أصحابه، ولا يستطيع كبح جماح تصفح الانترنت أن يسرق ساعاته، إذا كان المرء كذلك .. ومازال يرجو أن تتحقق يوماً ما خططه العلمية والدعوية والإصلاحية فمثل هذا الشخص قد استأصل عقله، وزرع بدلاً منه مصباح علاء الدين!
معالي الأمور، والطموحات الكبرى، في العلم والتعليم والتأليف والإصلاح والتغيير والنهضة بالأمة؛ لا تكشف وجهها لك، حتى تمسح العرق عن جبينك بيدٍ ترتعش من العناء.
كنت أتحدث مرةً مع أحد أقراني الناشطين في ميدان (التربية الدعوية)، فقال لي: ما وجهة نظرك في أكبر مشكلة تهدد المحاضن التربوية مع هذه المتغيرات والتحديات الفكرية الجديدة؟ فقلت له بقناعة تحفر أخاديدها في عقلي: صدقني يا أبا فلان، دع عنك كل هذه الانحرافات الفكرية، فليست بشيء، أخطر مشكلة تهدد التربية الدعوية (نقص الجدية).
في بيئةٍ يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة .. أتُراها يمكن أن تنتج مُسنَداً أو مدونةً أو مَعْلَمةً أو معجماً؟! منطق الحياة يأبى ذلك.. والعلم خلقه الله ثميناً لا يُجلب في الأسواق المخفضة..
سل من شئت من أهل العلم المبدعين، ونقِّب في السيرة الذاتية لمن يأسرك تدفقه بالعلوم.. وستجد في كل هذه الشخصيات أن المتضرر الأكبر في حياتهم هو النوم والطعام والشراب والترفيه..
خططنا في شواهق الجبال .. ومازالت أقدامنا غضة طرية! بل .. ونتوهم أنه في يومٍ من الأيام ستهبط النتائج بلا مقدمات..
خذ مثلاً .. ما أكثر ما تجد عند طلاب العلم والباحثين (مسوَّدة كتاب أو مؤلَّف) لم يتجاوز تقسيم الموضوع والعناصر، وبعض الشواهد والنصوص والملاحظات المهمة، وتسري عليه السنون، تزاور الشمس عن يمينه وشماله.. ولم ير النور بعد، ولا أظنه سيراها .. طالما أن فضول النوم، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، وفضول الخلطة، وفضول الحديث والكلام، وفضول النظر، قد استكملت أوقاتها وأخذت نصيبها غير منقوص..
وهكذا تجد في عزم كثير من الناس شُعباً من الخير والإنجاز والإنتاج.. لكنها لم تتجاوز بعد مرحلة (المشروع)..
بل خذ أمراً من شؤون الدنيا ذاتها .. ما أكثر ما تجد شابًّا يحدث نفسه، وأهله، وأصدقاءه؛ عن عزمه على البدء بمشروع تجاري في غضون "الأيام القادمة".. ومع ذلك تمضي السنوات ومازالت هذه "الأيام القادمة" التي يحدثك عنها لم تأت بعد!  لأنه لم يستطع التخلي عن حصص الترفيه والراحة والسهرات من برنامجه اليومي!
لما كان الإمام مسلم بن الحجاج يصنف كتابه "الصحيح" الذي هو أحد مفاخر هذه الأمة، وبلغ -رحمه الله- أحاديث الصلاة، وبلغ منها تحديداً أحاديث مواقيت الصلاة، جاء لحديث عبد الله بن عمرو المشهور في تحديد أوقات الصلاة، وكان هذا الحديث جاء بروايات متفرعة متعددة، فرتبها ترتيباً حسناً استوعب اختلاف الطرق فيها عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو، فلما رأى رحمه الله صنيعه هذا أراد أن يوصل رسالة لقارئ كتابه أن هذه النتيجة الحديثية التي توصل إليها في حديث عبد الله بن عمرو لم تأت إلا بالعناء المضني، فأخرج بعدها أثراً عن الإمام الحافظ يحيى بن أبي كثير (ت129هـ) يقول فيه:
(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" )[صحيح مسلم:612].
وموطن العجب هاهنا أن الإمام مسلم لا يخرج في كتابه إلا أحاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا شرطه في الكتاب من حيث الأصل، فكيف روى هذا الأثر عن إمام من صغار التابعين، يتحدث فيه عن التعب في العلم، ووضعه بين أحاديث الصلاة؟
يقول القاضي عياض (ت 544هـ) في كتابه إكمال المعلم:

(فكثيرٌ من يسأل عن ذكره هذا الخبر فى هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- ولا من شرط الكتاب ، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلماً رحمه الله أعجبه ما ذكر فى الباب، وعرف مقدار ما تعب فى تحصيله وجمعه من ذلك، فأدخل بينها هذا الخبر تنبيهاً على هذا، وأنه لم يحصِّل ما ذكر إلا بعد مشقة وتعب فى الطلب، وهو بيِّن، والله أعلم)[القاضي عياض، إكمال المعلم: 2/577].
واضح جدًّا أن هذه العبارة التي قالها الإمام يحيى بن أبي كثير: (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها كانت ذات وقع في نفس الإمام مسلم، وكأنه كان يستحضرها بشكل خاص، فالعبارات التي تهيج النفس على الجلد والدأب والمثابرة في العلم كثيرة، لكنه اختار من بين هذه النصوص عبارة الإمام يحيى بن أبي كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) لأن لها في نفسه أثراً أقرب إلى روحه.
ومن تأمل في ضخامة العلم، وقصر العمر، وكثرة متطلبات الحياة؛ أدرك حقاً أن عبارة الإمام يحيى بن كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم)أنها: لم تخرج من طرف الذهن.. ولم تكتب بحبر الأدب.. وإنما حفرت حروفها بإزميل التجارب..
ما أكثر ما رأيتُ عالماً شابًّا بزَّ أقرانه يتدفق بالأسانيد والمسائل، أو رأيت عملاً علميًّا رصيناً صار أصلاً في بابه .. إلا قلت في نفسي: رحم الله يحيى بن أبي كثير حين قال (لا يستطاع العلم براحة الجسم).
وهذا التعب الذي يجب تحمله ومكابدته لا يختص بمطلب دون مطلب، بل هو عام في (الكمالات الإنسانية) كلها، كما يقول ابن القيم (الكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب)[ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 2/895، طبعة مجمع الفقه].
وأعظم المتعبين ثمرةً أولئك الذين أنفقوا تعبهم باتجاه المستقبل الأبدي، وقد قال ابن القيم رحمه الله (هيهات ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى، ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب)[ابن القيم، بدائع الفوائد، 3/1187، طبعة مجمع الفقه].
ومن المهم أن يلاحظ المرء (حكمة الله) في هذه العلاقة بين (التعب والإنجاز) كما أشار لذلك ابن القيم حين شرح مسائل القدر الكوني وحكمة الله فيه فقال:

(يوضحه الوجه الحادي والعشرون: أنه قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق)[ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص448، طبعة دار التراث].
وهذه العلاقة بين (التعب والإنجاز) ليست معنى شرعيًّا يختص بالأمم التي بلغها الوحي، بل هو معنى تستنتجه العقول فور معاركتها الحياة .. وأول من رأيته نبّه على تواطؤ الثقافات على هذا المعنى بعبارة بديعة جدًّا، الإمام الحافظ الزاهد أبو إسحاق إبراهيم الحربي (285هـ)، صاحب الكتاب المشهور تاريخيًّا عن (غريب الحديث)، وهو من تلاميذ أحمد بن حنبل، حيث نقل عنه ابن تيمية عبارة تهز النفوس مما فيها من البلاغة وهيبة المعنى، حيث يقول ابن تيمية:
(قال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم" )[ابن تيمية، قاعدة في المحبةمطبوعة ضمن جامع الرسائل، 2/393، تحقيق رشاد سالم]
وروى هذه العبارة الخطيب البغدادي في تاريخه عن إبراهيم الحربي بصيغة مختلفة قليلاً، وتحدث فيها ابراهيم الحربي بأمور عن نفسه في غاية العجب،  ليس في كونه يتحمل المشاقَّ فقط، بل في معنى أدق، وهو كونه لا يأبه بها ولا يلتفت إليها، حيث جاء في تاريخ الخطيب:

(أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجرِ مع القدر لم يتهنَّأ بعيشه، كان يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع، وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كلها، هذا الجانب وذلك الجانب، لا أحدث نفسي أني أصلحها، وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلي امرأتي، ولا إلي بناتي قط: حُمّى وجدتها، الرجل هو الذي يدخل غمّه على نفسه، ولا يَغُمّ عياله، كان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشان إلى الليلة الثانية)[الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 6/522، طبعة بشار].
وبكل صراحة فإن مثل هذا النمط من الاشتغال بالمطالب العالية والإعراض التام عن الالتفات للمشاق والتعب؛ نمط استثنائي لا أظن يطيقه إلا النوادر في التاريخ..
وهذه العبارة لإبراهيم الحربي شاع معناها في من جاء بعده من أهل العلم، فتتابعوا على تأكيد تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وتداوله بين الأمم، حتى قال ابن القيم في تأثر واضح بعبارة إبراهيم الحربي:


(العقلاء قاطبة متفقون على استحسان إتعاب النفوس في تحصيل كمالاتها، وكل من كان أتعب في تحصيل ذلك؛ كان أحسن حالاً وأرفع قدراً)[ابن القيم، شفاء العليل، ص449، طبعة دار التراث].
إذا كنت في مسجد حيكم تدور تتحفظ متناً من متون العلم .. أو كانت المراجعُ منشورةً بين يديك، مطوية زواياها، وقد غصصت في منتصف البحث .. أو كنت واقفاً في مهمة دعوية تراوح بين قدميك .. ثم داهمك النعاس، أو تلقيت رسالة من أصدقائك تعرض عليك مشروع نزهة .. فبالله عليك تذكّر قول إبراهيم الحربي (أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم) وسترى كيف تتراقص همتك مجدداً وتقبل على شأنك..
ولا يقتصر التعب والجهد في الوصول إلى أعلى مطلب وهو الجنة والسلامة من النار، أو المطالب الشريفة كالعلم والإيمان وإطعام المساكين والإصلاح المجتمعي، بل حتى اللذائذ الدنيوية التي يطلبها الناس كالمال والصيت والمنصب الخ، فإنها أيضاً تتطلب العبور على جسر التعب، كما قال ابن تيمية:


(لذات الدنيا لا تُنال غالباً إلا بنوع من التعب)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص20/146].
والحقيقة أن هذا التعب الذي تتطلبه المعالي من أعظم ما يعين النفس على تحمله أن يستحضر المرء الثمرة، وأن يستدعي في ذهنه حسن العاقبة، فإن الجدوى والمكتسب تهوّن على النفس تحمل المشاق والتعب، كما يقول ابن الجوزي في استعارة مكثفة:


(تلمّح فجر الأجر يهُن ظلام التكليف)[ابن الجوزي، المدهش، ص295، طبعة الكتب العلمية].
حسناً .. هذه العلاقة بين (التعب والنجاح)، هل جاءت الإشارة إليها في القرآن والسنة النبوية؟

نعم، جاءت إشارات كثيرة لهذه العلاقة، من أهمها ذلك التصوير النبوي الأخاذ إذ قال -صلى الله عليه وسلم- في جملة مكثفة بيانية جميلة:
 (حُفّت الجنة بالمكاره)[صحيح مسلم:2822]
فالجنة لا يوصل إليها إلا بمكابدة ما تكرهه النفوس من ترك الهوى والشهوات..
وفي تصوير نبوي آخر في غاية الجمال الأدبي رسم النبي –صلى الله عليه وسلم- مشهد المؤمن وهو يتحمل الكلفة والجهد بقوله:
 (الدنيا سجن المؤمن)[صحيح مسلم:2956].
وإذا قارنت بين تصوير القرآن لأهل الجنة، وتصوير القرآن لأهل النار؛ تلاحظ كيف يذكر القرآن أن أهل الجنة ازدحموا فوق جسور التعب في الدنيا، وأهل النار استرسلوا مع الراحة والنزوة..

تأمل –مثلاً- كيف يذكر الله تقليل أهل الجنة لنومهم في الدنيا وسهرهم في عبادة الله، كما قال الله (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[الذاريات:16-17]. وقول الله عن قلة نوم سادات الصحابة (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)[المزمل:20]  وقول الله لنبيه (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)[المزمل:2].
بالله عليك أعد تأمل هذه الآيات "قليلاً من الليل ما يهجعون"، "قم الليل إلا قليلا" ونحوها، وقارن ذلك بوسائدنا التي تقوست من نوم الليل والنهار..
إنها المعالي تحتاج المكابدة..

وفي مقابل أهل الجنة، قارن نمط معيشة أهل النار لما كانوا في الدنيا وكيف يصورها القرآن؟ يقول الله عن أهل الشمال (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)[الواقعة:45].
ولذلك فإن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة استقبلتهم الملائكة بالتهاني والترحيب بألفاظ تشير إلى هذا المعنى كما قال الله:

(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد:23-24].فلاحظ كيف جعلت الملائكة العبارة الترحيبية "بما صبرتم" بما يشير لأمور تخالف الراحة حملوا أنفسهم عليها..
ومن أعظم مصادر معرفة هذه المعنى تدبر أخبار وقصص الأنبياء في القرآن، وما عانوه مع أممهم، انظر –مثلاً- كيف لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وكيف كان يستثمر كل الأوقات الممكنة في دعوتهم كقول نوح صلى الله عليه وسلم (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا)[سورة نوح:5]
وقوله أيضاً (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)[سورة نوح:8-9].
وفوق هؤلاء كلهم العناء والأهوال التي كابدها سيد ولد آدم محمد –صلى الله عليه وسلم- حتى مكّن الله له، ولخص ابن القيم جزءاً من المشهد بقوله:


(وكما دخل رسول -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- إلى مكة ذلك المدخل العظيم، بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه..، وبالجملة: فالغايات الحميدة فى خبايا الأسباب المكروهة الشاقة)[ابن القيم، إغاثة اللهفان، ص2/817، طبعة مجمع الفقه].
وبسبب تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وكون الناس يدركونه من مجالدة كبَد الدنيا، فقد تنافس الشعراء في تجسيد هذا المعنى في أبيات سائرة، ومن ذلك قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي(ت 231هـ) في قصيدته الشهيرة في فتح عمورية:

(بَصُرت بالراحة الكبرى فلم ترها ** تُنال إلا على جسر من التعبِ) [ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/49، طبعة دار الكتاب]
بل إن أبا تمام قابل مقابلة بديعة بين نوعين من النوم، لا يحصل أحدهما إلا بهجر الآخر! كما قال:

(ولم تُعطِني الأيام نوماً مُسكّناً ** أَلَذُّ به؛ إلا بنوم مشرّد)[ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/245، طبعة دار الكتاب]
فحتى النوم الهانئ لا يحصل للمرء إلا بساعات أخرى يعاني فيها هجر النوم! وأقرب صورةٍ لهذا الذي ذكره أبو تمام هي صورة (النوم بعد الإنجاز) فإن له مذاقاً لا يعدله نوم البطالة العمر كله..
ثم جاء المتنبي (ت354هـ) بعد أبي تمام، ونحت هذا المعنى في صورٍ متعددة في منتهى البراعة الأدبية، حيث أشار المتنبي أن هذه المشاقّ وألوان التعب والعناء هي التي أصلاً صنعت الفروق بين الناس في المجد والمعالي، وإلا لاستووا، كما يقول المتنبي:


(لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يُفقِر، والإقدام قتّالُ) [ديوان المتنبي، ص490، طبعة دار بيروت].
وأقام المتنبي في بيت من عيون الشعر علاقة عكسٍ وتضاد بين النفس والبدن، وأن النفس إذا كانت همتها عالية أتعبت البدن، وإذا انخفضت الهمة ارتاح البدن!، كما يقول المتنبي:


(وإذا كانت النفوس كباراً ** تعبت في مُرادها الأجسامُ) [ديوان المتنبي، ص261، طبعة دار بيروت].
وفي بيت آخر نسج المتنبي هذا المعنى بتشبيه أخاذ، وهو أنه برغم أن النحل يدافع عن بيوته بلسع من يقترب منه فإن الناس تغامر لتجني العسل والتمتع بحلاوته، وهكذا طموحات الحياة، كما يقول المتنبي:
 (تريدين لقيان المعالي رخيصة ** ولابد دون الشهد من إبر النحل) [ديوان المتنبي، ص518، طبعة دار بيروت].
وشواهد هذا العلاقة بين (التعب والنجاح) لا يمكن حصرها، في النصوص الشرعية والأدبية، وفي ثقافات الأمم الأخرى، ولكن تبقّى فقط احتراز من لبس في الفهم قد يقع لبعض الناس، أو قد يتساءل عنه البعض، وهو: هل هذا يعني أن الإنسان يبحث عن التعب والنصب؟ أليس هذا يخالف تيسير الإسلام وأن المشقة تجلب التيسير؟
وهذا سؤال مهم، ولكشف مكمن الإشكال فيه يجب التمييز بين مستويين للمشقة دلت عليهما النصوص: أولهما (المشقة المعتادة التبعية) والثاني (المشقة المقصودة بالأصالة).
فأما المشقة المعتادة التبعية، أي التي تكون تابعة للعبادة، ولازمة لها، ولا يمكن التخلص منها؛ فهذه يحمد للإنسان أن يتحملها ويجاهد نفسه عليها، ويكون الأجر على قدر مصلحة العبادة ومنفعتها.

وأما المشقة المقصودة بالأصالة، فهي مشقة منفصلة عن العبادة، يتكلف الإنسان وجودها، ويستدعيها، فليست في مصلحة العمل ولا منفعته، وهي مشقة خارجية عن أصل العبادة، فهي قدر زائد، فهذه مشقة مذمومة لا يحمد للمرء أن يستدعيها ويتكلفها.
وقد دلت على هذا التقسيم النصوص، فـ(المشقة المعتادة التبعية) المحمود تحملها كقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة في العمرة (أجرك على قدر نصبك)[الصحيحين]. فنص النبي على ربط الأجر بحجم التعب الذي يكون في مصلحة العبادة ومنفعتها.
وذكر الله الأجر على "التعب والجوع والعطش"، ثلاثتها في قوله تعالى:
 (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْلَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)[التوبة:120].
بل حتى تعب تلاوة القرآن الذي يحصل لمن يعانون صعوبات لغوية له أجر خاص، كما قال صلى الله عليه وسلم (والذى يقرأ القرآن، ويتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران)[مسلم:1898].وأما التعب والنصب الذي يتكلفه الإنسان ويستدعيه، وليس في مصلحة العبادة ومنفعتها، فيكون قدراً زائداً على ما تحتاجه العبادة؛ فهذا مذموم، وجاءت فيه نصوص، ومن ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- (رأى شيخاً يُهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني" ، وأمره أن يركب)[البخاري: 1865].
فهذه مشقة يتكلفها المرء، وليست تابعةً للعبادة، أو لازمة لها، فهي غير محمودة.
ومثل هذا حديث عروة بن مضرس المشهور، وهو من أصول المناسك، وفيه أنه قال:

(أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالموقف، يعني بجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟  فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات، قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه، وقضى تفثه)[أبو داود: 1950].
فإذا ضم الباحث جواب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعروة بن مضرس، إلى جواب رسول الله لعائشة؛ استبان له أن النصب والتعب المحمود ما كان معتاداً تابعاً للعبادة لازماً لها، دون ماكان خارجاً عنها متكلفاً.

وقد نبّه كثير من أهل العلم على هذا التمييز، كما قال أبو العباس ابن تيمية:
(فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودٌ من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رُفِعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا قد تكون المشقة مطلوبة منهم)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص 10/622].
وهذا التمييز بين مستويات المشقة هو تنبيه احترازي فقط لدفع لبس محتمل، وليس من أصل موضوعنا، وإنما أصل الموضوع أنني صرت أرى في نفسي، وفي كثير من إخواني من حولي؛ أننا نفكر ونخطط لأحلام وأمنيات وطموحات كبرى في العلم والدعوة والإصلاح والنهضة بالأمة، ولكن الحال التي نعيشها وما فيها من الرفاه واستكمال الراحة، وفضول النوم، وفضول الحديث والكلام، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، لا تتناسق مع هذه الطموحات الكبرى، وأخشى إن لم نبادر عاجلاً بالصعود إلى جسر التعب أن نصطدم يوماً بتصرم العمر دون تحقق شيء من تلك الطموحات، وما أقسى خيبة نهاية النفق..
اللهم ارحم الإمام يحي بن أبي كثير إذ قال (لا يستطاع العلم براحة الجسم)
وارحم يا ألله إبراهيم الحربي إذ قال (أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه