الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

فيديو اليوم





القيادي في حماس اسماعيل هنية :
خذوا كل المناصب و كل المكاسب وكل الكراسي .... لكن لا تفرطوا في فلسطين ولا تفرطوا في الاقصى و لن لن نعترف باسرائيل

لماذا تقتل يا زيد؟..

لماذا تقتل يا زيد؟..
 قصة حقيقية للمقاومة العراقية


- الكتاب: لماذا تقتل يا زيد؟
- المؤلف: يورغن تودنهوفر
- الصفحات: 336
- الناشر: دار نشر بيرتلسمان، ميونيخ
- الطبعة: الأولى/2008
- الطبعة العربية صدرت في 25/5/2009 عن مؤسسة النشر المصرية (الدار المصرية اللبنانية)
هذا الكتاب هو الأكثر جرأة وموضعية وحيادا مما نشر فى السنين الأخيرة حول علاقة الغرب بالعالم الإسلامى , وهذا يفسر انتشاره الواسع وبقاءه على قائمة الكتب الأكثر مبيعا فى ألمانيا , عند صدوره فى مارس 2008 مما دفع أغلب المحطات التيلفزيونية إلى دعوة المؤلف للحديث معه عما أورده فى كتابه من وقائع وأحداث وفرضيات تتعلق بهذه العلاقة وكيف توصل إليها من قلب الأحداث ..
لماذا تقتل يا زيد ؟ كتاب يتسم بسياق اجتماعى إنسانى ثرى, تتمركز أحداثه حول " زيد" باعتباره الشخصية الرئيسية للأحداث..
ذلك الفتى العربى الوسيم الخجول المقاوم, نموذج للصمود العراقى والإيمان بحتمية حقه فى أرضه ووطنه وسيادته .. فدائى من بين آلاف غيره, آلوا على أنفسهم رفض ممارسات الغرب ضد بلادهم .. يحكى تلك القصة الحقيقة لهذه المقاومة الباسلة بلا رتوش أو أقنعة.

نبذة عن المؤلف:يورجين تودينهوفر 1940 
ولد في الثاني عشر من نوفمبر العام 1940 في أوفمبرج- ألمانيا. درس الحقوق في جامعات ميونيخ وباريس وبون وفرايبرج. وهو سياسي ألماني سابق؛ كان عضوا في البرلمان الألماني من 13 ديسمبر 1972 وحتى 20 ديسمبر 1990 (خمس فترات متتالية).يعتقد تودينهوفر أن إدارة بوش، أثناء الحرب العراقية، قامت بتضليل الشعب. وأن الحرب الأمريكية على العراق أزهقت مئات الآلاف من المواطنين العراقيين. ولقد قام تودينهوفر بزيارة العراق لأكثر من مرة، وأجرى مجموعة من البحوث لأجل كتابه "لماذا تقتل يا زيد؟"
لقاء مع يورجين تودينهوفر

قراءة منقولة
- تبدأ الصفحة الأولى من الكتاب بتمهيد من الناشر لتعريف القاريء العربي بمضمون الكتاب، يقول التمهيد : 
هذا الكتاب هو الأكثر جرأة وموضوعية وإنصافا مما نشر في السنين الأخيرة حول علاقة الغرب بالعالم الإسلامي.
وهذا يفسر إنتشاره الواسع وبقائه على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المانيا. 
إن رسالة الكاتب تودنهوفر الأساسية التي أراد إيصالها من خلال هذا الكتاب هي أن حروب الغرب الإستعمارية والإستباقية ضد الدول الإسلامية جلبت الدمار للإنسانية وعرقلت الإندماج الثقافي والحضاري بين الغرب والشرق وأعطت المبرر لظهور العنف والإرهاب في البلدان التي تتعرض لعدوان الغرب، وأن على الغرب أن يحترم ثقافة الشعوب الإسلامية وأن يتخلص من نزعة التفوق العنصري وينبذ الحرب ووسائل قسر الشعوب الأخرى كالعقوبات الإقتصادية والهيمنة الثقافية، وأن يحترم حق الشعوب في تقرير المصير ويبدأ بحوار وتفاعل جدي مع العالم الإسلامي لخلق عالم مبني على قيم العدل والمساواة. 
ولكي يعطي تودنهوفر المصداقية لطروحاته إبتدأ بمعالجة القضية الأكثر سخونة في علاقة الغرب بالعالمين العربي والإسلامي وهي الإحتلال الأمريكي للعراق.
ولم يستند في معالجة هذه القضية الى ما ينشره الإعلام الغربي عن الوضع في العراق المحتل، بل ذهب الى معاقل المقاومة في العراق ورأى الحقيقة بأم عينيه.
فقد سافرالى مدينة الرمادي في غربي العراق بدون علم القوات الأمريكية أو مخبريها، وهناك قضى خمسة ايام مع المقاومين وتحاور معهم، ووثّق حقيقة أن هناك مقاومة عراقية للإحتلال، وأن هذه المقاومة لا علاقة لها بالإرهاب، بل هي تحارب الإرهاب وتحرّم إستهداف المدنيين، وأن المقاومين العراقيين هم من كل مكونات شعب العراق: مسلمين ومسيحيين، عربا وكردا، سنة وشيعة، وأن المرأة العراقية تلعب دورا فاعلا في المقاومة، وأن هذه المقاومة تعمل وفق برنامج عسكري وسياسي محدد لتحقيق أهداف وطنية يأتي في مقدمتها إيقاع الهزيمة المطلقة بالمحتل وتحرير العراق وإقامة حكومة وطنية عراقية ديمقراطية تحفظ وحدة العراق أرضا وشعبا وتحفظ هويته العربية والإسلامية.
وقدّم الكاتب تودنهوفر عرضا مفصلا لحالة شاب عراقي إسمه زيد دفعته جرائم أمريكا بحق وطنه وأسرته الى الإنضمام للمقاومة، وجعل قضية زيد عنوانا لكتابه (لماذا تقتل يا زيد؟) 
ليصل بالقاريء في آخر المطاف الى السؤال الحقيقي وهو (لماذا تقتل يا بوش؟). 

ثم إنتقل الكاتب تودنهوفر الى دراسة وتحليل العلاقة التاريخية بين الغرب والعالم الإسلامي، وبالذات خلال القرنين الماضيين، وخَلصَ إلى أن عنف الغرب وليس عنف المسلمين هو مشكلة عصرنا الحالي، فخلال المائتي سنة الأخيرة، لم يقمْ بلد إسلامي بالهجوم على الغرب ولو لمرة واحدة؛ بل إن القوى من أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية كانت دائمًا هى المعتدية، وأكّد أن الغرب لم يكترث يومًا بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية في الشرق الأوسط..
وإنه كان وما زال يحارب من أجل النفط، وتساءل : كيف يمكن للعالم الإسلامي أن يؤمن بقيمنا حول كرامة الإنسان ودولة القانون والديمقراطية، بينما لا يرى منا إلا الاضطهاد والإذلال والاستغلال؟ 

وبشأن ظاهرة الإرهاب يؤكد الكاتب بالوقائع والأرقام بإن سببه الرئيسي هو الطريقة غير الإنسانيةالتي يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي، بدءا من العنصرية الخفية التي تجعل الساسة الغربيين يعتقدون أن المسلم هو من طبقة أدنى من البشر، مرورا بحروب الغرب الإستعمارية ونهبه ثروات البلدان الإسلامية، ويخلص في النهاية الى القول : لن نتغلب على الإرهاب إلا إذا تعاملنا مع الدول الإسلامية بعدل وإنصاف، مثلما نريد ونحب أن يُعاملنا الآخر تمامًا. 
إن كتاب تودنهوفر هو صرخة ضمير يطلقها مواطن غربي يؤمن بالإنسانية ويدعو فيها ساسة الغرب ومنظّريه الى نبذ أوهام التفوق والعنصرية والإنفتاح والتفاعل الإيجابي مع شعوب العالم. 
لقد جازف الدكتور تودنهوفر بحياته في السفر الى العراق دون علم قوات الإحتلال، وإلتقى بقادة المقاومة العراقية ونقل مواقفهم وعملياتهم القتالية، وهو أمر عجز عنه كثير من الكتاب (القوميون) العرب.
وإستطاع تودنهوفر بهذا الكتاب أن يكسر الحصار الإعلامي في الغرب على المقاومة العراقية، ومطلوب من محبي الحرية وأنصار المقاومة العمل على توزيع هذا الكتاب على أوسع نطاق ممكن، مع التذكير أن ريع الكتاب، أسوة بريع الطبعتين الألمانية والإنجليزية سيذهب الى أهداف إنسانية في مقدمتها معالجة أطفال العراق ضحايا الغزو والإحتلال الأمريكي. 


قراءة وعرض/نبيل شبيب
لا يستهان بقيمة الشهادة التي يطرحها هذا الكتاب مع مرور العام الخامس على احتلال العراق، إذ تصدر عن سياسي وإعلامي وخبير، يحمل شهادة الدكتوراة في القانون الدولي، وكان قد درس في جامعات ميونيخ وبون وباريس، وشغل لزمن طويل موقع الناطق لشؤون التنمية والرقابة على التسلح باسم كتلة الحزب المسيحي الديمقراطي في المجلس النيابي الاتحادي بألمانيا، حيث كان نائبا بين عامي 1972 و1990م.


وقد اشتغل الكاتب في الإعلام عبر دار نشر بوردا الكبرى منذ عام 1987م، وهو يشغل منصب نائب المدير العام فيها حاليا.
يضاف إلى ذلك أن الكاتب د. يورغن تودنهوفر، الذي يُعد من المنصفين الغربيين، لم يكن ككثير من السياسيين الذين يتحدّثون عن بُعد عن قضايا دولية عديدة، فتقتصر رؤاهم على منظور مواقعهم هم وسياسات بلادهم.
فقد كان حريصا على زيارة المناطق التي يكتب عنها، والاحتكاك المباشر بمن يتحدث عنهم، لا سيما ممن يمثلون "الطرف الآخر" بمن فيهم من أساء الإعلام الغربي في عرض صورتهم إساءات كبيرة، وكانت أولى رحلاته إلى أفغانستان عام 1980م أثناء الاحتلال الشيوعي السوفيتي، وزارها كما زار العراق بعد الاحتلال الأميركي.
وكتابه هذا حصيلة زيارة مدينة الرمادي غربي بغداد، ومعايشته للمقاومين فيها بصورة مباشرة، ولقاءاته مع عدد كبير منهم، فهو ينقل بدقة ما دار من أحاديث، وما تولد لديه من قناعات وانطباعات، ويضيف إلى ذلك ما لديه من معلومات وفيرة عن حقيقة الحرب الجارية، ليطرح موقفه القاطع فيها، لا للحروب الأميركية.
كتاب على نحو آخر
فور صدور كتابه الجديد في النصف الأول من مارس/آذار 2008 اتخذ مكانه مباشرة في المرتبة 13 و14 بين أكثر الكتب المبيعة وفق القائمتين الأشهر في ألمانيا، لمجلتي دير شبيغل وشتيرن، ولا يستبعد صعوده إلى مرتبة متقدمة في الأسابيع القادمة، لا سيما بعد أن استضافت الكاتب محطات تلفزيونية عديدة، بما في ذلك المجلة الصباحية المشتركة بين القناتين الأولى والثانية.
عنوان الكتاب "لماذا تقتل يا زيد"؟ وهو عنوان أخذ حيزا بحدود ثلث حجمه (124 من أصل 336 صفحة) وفيه يتناول المقاومة في العراق بصورة مباشرة.
ويبدو الكتاب بمجموعه مختلفا عن سواه حتى من النواحي الشكلية، فهو لا يتناول موضوعا واحدا، بل مواضيع عدة، ولكنها تدور جميعا حول محور واحد، يتلخص في رفض الحروب الأميركية ورفض ما يُطرح لها من تعليلات، مع التأكيد على الواقع المأساوي وعلى الضحايا من وراء تلك الحروب، إضافة إلى رفض كثيرٍ ممّا يقال عن الإسلام والمسلمين في الحملة المرافقة لتلك الحروب.
من البداية يكتسب الكتاب علامته المميّزة عبر مقدمته المطوّلة (زهاء ثلاثين صفحة) وقد وسمها الكاتب بـ"مقدّمة على نحو آخر: بحثا عن الحقيقة".
وهنا يتحدّث عن خلفية المقاومة الحالية عن طريق طرح صورة موجزة للعامل التاريخي العربي والإسلامي، لا سيما ما شهدته الحقبة الاستعمارية الغربية، كما يتحدّث عن رحلاته هو إلى عدد من البلدان، ولا سيما الأخيرة إلى الرمادي في العراق التي يعتبر الكتاب حصيلة لها.
وقد أورد في المقدمة -بأسلوب أقرب إلى الروائي منه إلى التحليلي- عددا من الردود على ما يقال عن الإسلام والمسلمين في الغرب، مستخلصا تعليلها بأنّ الجهل بالإسلام والمسلمين منتشر على نطاق واسع للغاية بين غالبية الغربيين، مقابل انتشار المعرفة بالغرب حتى على المستويات "الشعبية" بين العرب والمسلمين.
"الفتنة بين الشيعة والسنة ليست فتنة محلية، بل الذي أشعل أوارها عمليات استهدفت ذلك مباشرة"
وفي المقدمة أيضا اعتبر الكاتب أنّ رحلته الأهم كانت عبر ترجمة القرآن الكريم، ويلخّص ما وصل إليه بقوله: 
"لم أقرأ كتابا أكثر إثارة وقدرة على استخدام الكلمات مثل العهد القديم (التوراة) ولا كتابا ينشر إحساس المحبة بين أوراقه مثل العهد الجديد (الإنجيل) ولا قرأت كتابا حافلا بروح العدالة في طيّاته مثل القرآن، الذي يخترق بإبداعه البلاغي حتى الحاجز الذي تصنعه الترجمات الضعيفة لنصه العربي".
ويضع الكاتب بذلك عنصر العدالة عنصرا مميزا للنص القرآني، مقابل عنصري الإثارة والمحبة في التوراة والإنجيل كما يراهما.
وتجد هذه العبارة تفسيرا لها في أكثر من ستين صفحة من الفصل الأخير من الكتاب، غير ما ضمّه من ملاحق توثيقية تضيف الكثير إلى القيمة الذاتية للكتاب.
وقد أعطى الفصل الأخير عنوان "الإنجيل والقرآن" فضم استشهادات عديدة، يعبر عن غايته منها بقوله "اخترت مواضع من الإنجيل والقرآن كثيرا ما أسيء استخدامها في الاستشهاد بها، وتتناول قضايا محددة هي العنف والنساء والرقيق، ويظهر لنا فيها كم نحن بحاجة إلى الموضوعية في مناقشاتنا".
وقبل الدخول في صلب موضوع الكتاب وفق عنوانه، نلاحظ أيضا عودة الكاتب في جزء لا بأس به (حوالي خمسين صفحة) إلى ما سبق أن طرحه في كتب سابقة، دارت محاورها حول الحروب الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية أيضا، فعنوان أحد الفصول: ما مصير عبدول وتانايا.. وما مصير أسرتي آندي ومروة؟
كلمة عبدول تعني عبد الله أو عبد الرحمن وسواهما مما يبدأ بكلمة عبد بالعربية، وقد اعتاد كثير من الألمان على طرح الاسم على هذا النحو.. وفي هذا الفصل متابعة لِما سبق أن طرحه المؤلف في كتاب له عام 2003 بعنوان (من يبكي على عبدول وتانايا.. ضلالات الحرب الصليبية ضد الإرهاب) مؤكدا أن ما صنعته الحرب الأميركية على أفغانستان، كان قتل ضحايا أبرياء، وزرع بذور مزيد من الإرهاب في وقت واحد.
وفي الفصل نفسه متابعة لما سبق أن طرحه المؤلف في كتاب آخر عام 2005، مركزا فيه على موقع "الضحايا" في حرب لا جدوى منها، وكان الكتاب بعنوان (آندي ومروة.. طفلان وحرب) وكلمة طفلان تعني هنا أنهما دون مستوى الوعي بالحرب وحقيقة أهدافها، وكانا في سنّ النشأة الأولى من الشباب، وهما جندي أميركي شاب قتل في العراق وفتاة عراقية قُطعت قدمها وقُتلت أختها في الحرب نفسها، ولم يجتمعا معا قط، ولكن جمع بينهما كونهما من ضحايا الحرب.
تبرئة المقاومة وإدانة الاحتلال
الفصل المحوري من الكتاب "لماذا تقتل يا زيد"؟ يثبت مشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، مع تبرئتها من الخلط بينها وبين عمليات إرهابية، إضافة إلى نقد التغييب الإعلامي لحقائق ما يشهده العراق.
وربما أراد الكاتب أن يحدّد المغزى من هذا الفصل إذ وضع في صدارته ترجمة الآية القرآنية {..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..} المائدة 32.
واتبع الكاتب في تبرئة المقاومة أسلوبا روائيا يجعل كتابه مؤثرا على العامة من القراء، الذين تقتصر معرفتهم على ما تطرحه وسائل الإعلام، فهو يطرح عليهم روايات عديدة من مشاهداته المباشرة ومن أحاديثه المباشرة مع شباب المقاومة ومع من يدعمها من السكان، وهي من التفصيل والموضوعية مع إضافة شيء من الشرح والتعليل عند الحاجة، بحيث تجعل من العسير على من يقرأ الكتاب ألاّ يقتنع بما أراد الكاتب تثبيته.
وهذا هو ما يسري على ما كان يطرحه في اللقاءات التلفزيونية ويجد تصفيقا حادّا وتأييدا واضحا من جمهور الحضور.
الخوف الذي صنعته الاعتداءات والممارسات الأميركية مطروح من خلال مواقف عديدة، أحدها على لسان الشاب المقاوم زيد، عندما رفض في البداية أن يتحدث بالتفصيل عن قصته وسبب انخراطه في المقاومة "لماذا تقتل يا زيد"؟
فأجاب قبل أن تتوطّد أسباب الثقة بينه وبين "الزائر الصحفي الألماني" بقوله: "لن أخبرك بشيء، أم تريدني أن أذهب بنفسي إلى غوانتانامو وأبعث بأسرتي إلى أبو غريب"؟
"العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين لا تزيد على 5% من أصل مائة عملية يوميا، ولكن وسائل الإعلام تنشر الكثير عن تلك الـ5% وتتجاهل سواها، كما أن 95% من ضحايا أكثر من مائة غارة أميركية يوميا مدنيون، ولا يتكلم الإعلام إلا عن الـ5% التي تصيب المقاتلين"
تجنب إصابة المدنيين أمر يطرحه الكاتب في مواقف عديدة أخرى، من بينها ما يرويه أبو زيد عن ابنه، عندما زرع عبوة ناسفة، وانتظر ساعتين حتى وصلت مصفحة أميركية إلى مقربة منها، ولكن في اللحظة نفسها اقترب مدني عراقي مسنّ، فامتنع عن تفجير العبوة الناسفة، وأتى رفاقه وهو شديد الحزن والألم، فاحتضنوه وأيدوا قراره كأمر مفروغ منه.
سبب الانخراط في المقاومة العراقية بعد رفض استخدام العنف دام سنتين بعد دخول الاحتلال، يتحدّث عنه زيد، بأسلوب بسيط مؤثر، وهو يروي مشاعره أمام رؤية المروحيات الأميركية تهدم المساجد على من فيها في بغداد والرمادي، ثم عندما سقط أخواه وعمه ضحية لغارة أميركية عشوائية، فلم يعد زيد يمارس عملا من أعمال المقاومة، إلا وأجساد الضحايا وحطام المساجد أمام عينيه المليئتين بالدموع.
كما يطرح الكاتب عبر أحاديث مماثلة، قضايا أخرى، يكملها بسرد وقائع من مجرى الحرب، مثل رفضه الاقتناع بأن الحدود السورية "تسهّل" تسلل عناصر مسلحة أو أسلحة، وكان قد دخل بنفسه عبر الحدود قادما من دمشق إلى الرمادي.
وكذلك رفض القول إن الفتنة بين الشيعة والسنة فتنة محلية، بل الذي أشعل أوارها عمليات استهدفت ذلك مباشرة، ولم تكن من صنع المقاومة العراقية التي يميز بينها وبين عمليات إرهابية تستهدف المدنيين في الأسواق والشوارع والمساجد وفي المناسبات الدينية وغيرها، فجميع ذلك لا يعدو أن يكون 5% من أصل معدل وسطي لعمليات المقاومة في حدود مائة عملية يوميا.
ولكن وسائل الإعلام تنشر الكثير عن تلك الخمسة في المائة، وتتجاهل سواها، وهو ما يمثل المقاومة المشروعة الحقيقية للشعب ضد الاحتلال.
ويقابل ذلك كما يؤكد الكاتب أن القوات الأميركية ترتكب يوميا أكثر من مائة غارة وعملية مداهمة وغيرها، ويسقط المدنيون ضحايا لأكثر من 95%، ولا تصيب أحدا من المسلحين "المقاومين أو الإرهابيين" إلا في حدود أقل من 5%، فيركز عليها الإعلام ولا ينقل ما يكفي عن حقيقة الضحايا من المدنيين.
وعندما يسأل الكاتب المقاوم العراقي أبا باسم عن مستقبل وجود "القاعدة" في العراق إذا ما انسحب الأميركيون، يأتي الجواب واضحا وقاطعا: "لقد جاءت الفوضى مع الأميركيين وسترحل برحيلهم، إن الانسحاب السريع قد يسيء لأميركا ولكن ليس للعراق".
ومن المقولات التي ينقضها الكاتب ما ينتشر في الإعلام عن استهداف المسيحيين في العراق، فيأتي ذلك على لسان الشاب المقاوم يوسف الذي تحدث عنه وعن المقاومة التي يمارسها طويلا، ثم كانت عبارات يوسف واضحة الدلالة وهو يقول: "قل لأناسك في ألمانيا، ليس المسلمون وحدهم الذي يمارسون في العراق المقاومة ضد الولايات المتحدة الأميركية، بل المسيحيون أيضا.
فنحن نريد الحرية، نريد التحرر من قوات الاحتلال الغربي، ومن مجموعات الإرهاب الغربي، نحن نريد ذلك أيضا، نحن المسيحيين" ويوسف أحد المقاومين المسيحيين العاملين مع المسلمين في المقاومة الشعبية العراقية.
"جميع التعليلات التي أوردها الأميركيون لحرب الاحتلال كانت تعليلات كاذبة منذ البداية، وكل حديث عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية حديث معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهر في العراق بعد أن فتح البطش العسكري الأميركي الباب أمامها"
كتاب شاهد على الجريمة
قد يشوه الاختصار الشديد الانطباع العميق الذي يتركه هذا الفصل على القارئ الألماني، فأسلوب السرد القصصي مع الاستشهادات المفصلة، لا يقبل الاختصار، إنما لا يفسح المجال للحديث عن جميع من تحدّث الكاتب عنهم في الرمادي، وجسدهم تجسيدا حيا ومؤثرا في الكتاب، وكان منهم كثيرون غير من ذُكرت أسماؤهم.
ويختلط الحديث عن مواقف المقاومين بحديث الكاتب وحديثهم عن حياتهم اليومية الحافلة بالمشاهد الإنسانية التي تقربهم من القارئ وتعطيهم "القيمة البشرية الطبيعية" لدى من لم يعرف "أهل العراق" و"المقاومين فيها" سوى في صيغة خبر يتحدّث عن جرائم من يرتكب عمليات القتل، وأرقام تذكر عدد الضحايا أحيانا.
الكتاب شاهد من شواهد عديدة لم تعد تنقطع في الكتابات الغربية عموما، وليس في ألمانيا تخصيصا، عن حقيقة أنّ جميع التعليلات التي أوردها الأميركيون لشن حرب الاحتلال كانت تعليلات كاذبة من البداية، وأنّ كل حديث عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية حديث معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهر في العراق بعد أن فتح البطش العسكري الأميركي الباب أمامها، ولم يكن لها وجود من قبل.
ولا يبقى بعد الاطلاع على الكتاب شكّ في أن الاحتلال لن يستقر في العراق، ومدينة الرمادي بالذات شاهد على ذلك، وقد أصبحت بعد تدمير الفلوجة عام 2004 هي المعقل الأول للمقاومة -وليس الوحيد- وشهدت معارك لم تنقطع لأكثر من عامين بين قوات الاحتلال وبين المقاومين فيها، وكانت الحصيلة ما نقلته صحف أميركية نشرت وثائق لوزارة الدفاع من عام 2006 تؤكد أنه قد "استحالت السيطرة على الرمادي".
من يقرأ هذا الكتاب مع بداية العام السادس للاحتلال، ويسمع قول الرئيس الأميركي بوش الابن يقول إن الأهداف الأميركية تتحقق في العراق، لا يملك سوى القول: الأهداف إذن هي اغتيال العراق والإنسان العراقي.
الجدير بالذكر أن للكتاب موقعا على الشبكة العنكبوتية مخصصا له باللغات الألمانية والإنجليزية والعربية، ويقول المشرفون عليه ساعة كتابة هذه السطور، إن القسم العربي لم يكتمل بعد.

- الطبعة العربية صدرت في 25/5/2009 عن مؤسسة النشر المصرية (الدار المصرية اللبنانية)

قراءة / محمد نبيل

يعد كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" لمؤلفه الخبير والإعلامي الألماني، "يورجن تودينهوفر"، مقدمة ضرورية لفهم أحداث و حقائق الاحتلال الأمريكي للعراق، و الذي يدخل عامه السادس. فالمؤلف يثير العديد من القضايا الهامة التي تلامس حقيقة وجهة النظر الأمريكية عن الاحتلال، و دور القوات الأمريكية في حجب واقع العراق اليومي، الذي يكتوي بناره المواطن العراقي .

كتاب "يورجن تودينهوفر"، هو حصيلة زيارته لمدينة الرمادي، غربي بغداد، ومعايشته للمقاومين فيها ولقاءاته الحية معهم. كما يعد فرصة للتعرف عما نقله الكاتب من أحاديث، و معلومات مهمة عن حقيقة الحرب الجارية في المنطقة، لكن من وجهة نظر مغايرة لتلك التي تعبر عنها سلطات واشنطن. وتقول المصادر الألمانية، إن الترجمة العربية للكتاب هي في طور الإنجاز. ترى من هو "يورجن تودينهوفر"؟ وما هي مضامين كتابه عن معاناة العراقيين الحقيقية في ظل الاحتلال الأمريكي؟

"يورجن تودينهوفر" (67 عاما) ، يعمل مديرا تنفيذيا لمجموعة إعلامية أوروبية لأكثر من عشرين عاما. وكان قبل ذلك عضوا في البرلمان الألماني، لثمانية عشر عاما، ومتحدثا رسميا لشئون التنمية والحد من التسليح للإتحاد الديمقراطي المسيحي والإتحاد الاجتماعي المسيحي. كما قام بتأليف كتابين عن الحروب في أفغانستان والعراق، وصلا إلى قائمة أفضل المبيعات. وقد أقام من عائدات الكتابين مأوى للأطفال في أفغانستان، كما يقوم ببناء عيادة للأطفال في الكونغو. وسوف يقوم "يورجن تودينهوفر" من عائدات كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" بتمويل العديد من المشاريع كتقديم مساعدات طبية لأطفال اللاجئين العراقيين من خلال المنظمة الدولية للهجرة.

الخفي في الحرب على العراق

مؤلف "لماذا تقتل يا زيد؟" يبدأ بـ"مقدّمة يعنونها ب"بحثا عن الحقيقة"، و كأنه يريد منذ البداية، أن يطرح أمامنا حقائق لا تراها العين، بسبب هيمنة القراءة الأمريكية للحرب في العراق. ويتحدث المؤلف في فصول كتابه، عن خلفية المقاومة الحالية من خلال صورة موجزة للعامل التاريخي العربي والإسلامي، لا سيما تداعيات وتأثير الاستعمار الغربي للعديد من البلدان العربية . كما يتحدّث عن رحلات الكاتب إلى عدد من البلدان، وخصوصا العراق التي يعتبر الكتاب حصيلة لها. وفي هذا السياق، علق المؤلف للصحافة الألمانية، عن حقيقة الوضع في العراق قائلا : "نحن لا نشاهد الحرب الحقيقية، حيث تقوم القوات الأمريكية في كلِّ يوم بنحو مائة عملية عسكرية ضدّ الشعب العراقي - من هجمات بالقنابل وحملات مداهمة وتبادل لإطلاق النار. نحن لا نشاهد هذه العمليات، لأنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ستكون مضطرة لو خرجت هذه العمليات إلى شاشات التلفزة إلى الاعتراف، بأنَّها ما تزال تخوض حربًا ضدّ الشعب العراقي."

و بأسلوب فيه تسلسل حكائي ممتع، يستخلص "تودينهوفر" ، بأنّ الجهل بالإسلام والمسلمين منتشر على نطاق واسع للغاية بين غالبية الغربيين، مقابل انتشار المعرفة بالغرب حتى على المستويات "الشعبية" بين العرب والمسلمين. وفي مقابل ذلك، يرى في تحليله للوضع الدولي الراهن، أنَّ سياسة الحرب على الإرهاب التي يتَّبعها الغرب سياسة فاشلة، لأن جل السياسيين الغربيين لم يتعاملوا بجدية مع ظاهرة الإرهاب، والسب في ذلك يعود حسب "تودنهوفر"، إلى أن "معظم السياسيين الغربيين يجهلون العالم الإسلامي، كما أنَّهم لم يقضوا على الإطلاق بضعة أيام لدى أسرة مسلمة، وهم لا يدركون أنَّ هذا العنف الذي يرتد إلينا حاليًا في شكل إرهاب هو في الواقع نتاج ممارساتنا العنيفة".

العراق تحت نار الواقع المر

الكتاب يضم كذلك استشهادات عديدة، من الإنجيل والقرآن، ويتناول بين طياته قضايا عدة كالعنف والنساء والرقيق. أما الفصل المحوري من الكتاب، فيؤكد على مشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، مع تبرئتها من الخلط بينها وبين عمليات إرهابية، إضافة إلى نقد التغييب الإعلامي لحقائق ما يشهده العراق. فالخوف الذي صنعته الاعتداءات والممارسات الأميركية مطروح من خلال مواقف عديدة، أحدها على لسان الشاب المقاوم زيد، عندما رفض في البداية أن يتحدث بالتفصيل عن قصته وسبب انخراطه في المقاومة .

وحسب المهتمين الألمان بالصراع في الشرق الأوسط، الكتاب هو شهادة حية على حقيقة جميع التعليلات والذرائع التي صرح بها الأميركيون، لشن حرب الاحتلال والتي كانت في حقيقة الأمر، كاذبة من البداية، وأنّ كل كلام عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية، هو كلام معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهرت فجأة في العراق ولم يكن لها أي وجود قبل دخول البطش العسكري الأميركي إلى العراق.

أما عن أجواء الانتخابات و دور الحكومة العراقية في زرع بذور الأمل في الواقع العراقي، " تودنهوفر" له رأي مخالف و تحليل مغاير. فهو يقول في حوار أجرته معه جريدة "تاتس" الصادرة في برلين، "إن حقيقة الأمر هو أن العراقيين خلال السنوات الأخيرة وتحت حماية ضخمة من الشرطة، يقومون بإلقاء ورقة الانتخاب في مكان يُسمى صندوق الاقتراع، ويسمح لهم بالانتخاب من قائمة لأسماء لا يعرفون عنها شيئاً، إضافة لذلك فإنهم لا يفيدونهم في شيء ".

ويواكب واقع التجاهل و الجهل في عراق اليوم، ماساة أخرى تتعلق بفقر كبير تشهده العديد من المجالات الحيوية. فمؤلف " تودنهوفر" يعري عن حقيقة "توفر أدوية أقل اليوم مما كان عليه قبل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة و المنافية للقانون الدولي، وكذلك القليل من المياه النظيفة الصالحة للشرب، و المواد الغذائية ذو المواصفات الصحية، و لم يستتب الأمن في معظم مناطق العراق" . ويضيف " تودنهوفر"، مقدما مثالا حيا عن واقع البؤس العراقي : "إن الأب الذي يفقد أطفاله جراء القصف بالقنابل الأمريكية لن يقول: "شكراً، لأجل هذا ينبغي علي الانتخاب".

ويأتي مؤلف " تودنهوفر"، في سياق فضح و تعرية ما يقع على ارض الميدان. ففصول الكتاب تشير إلى أن المقاومة العراقية تنفذ في كلِّ يوم نحو مائة عملية عسكرية ضدّ قوات الاحتلال. ويقول الكاتب ، "نحن لا نشاهد هذه العمليات أيضًا، وإلا فلا مناص أمام الإدارة الأمريكية سوى الاعتراف بوجود مقاومة عسكرية قوية ضدّ وجودها في العراق، هذه المقاومة التي تلقى دعما قويا من قبل غالبية الشعب العراقي.

وعين " تودنهوفر" اللاقطة لكل ما هو جزئي و كبير في واقع العراق، تتحدث عن معطيات لا تنقلها وسائل الإعلام الغربية . "فكل يوم تنفذ ما بين عمليتين إلى ثلاث عمليات انتحارية إجرامية، يقوم بها إرهابيو تنظيم القاعدة الأجانب المتبقين في العراق، والذين يبلغ عددهم أقل من ألف إرهابي. لكن على الرغم من أنَّ تنظيم القاعدة لم يعد تقريبًا يلعب أي دور عسكري في العراق، إلاَّ أنَّنا نشاهده في كلِّ يوم تقريبًا، لأنَّ الإدارة الأمريكية بحاجة له لكي تدّعي أنَّها تخوض في العراق حربًا ضدّ هذا التنظيم". لكن مصالح واشنطن تظل متعلقة بشكل أساسي بالذهب الأسود. وفي هذا الصدد قال "تودنهوفر " للصحافيين، " في الحقيقة لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحارب مثل ذي قبل من أجل النفط، في حين تعتبر القاعدة مجرّد ذريعة "مفيدة".

الكاتب يدعو وبصراحة إلى ضرورة مغادرة القوات العسكرية الغربية العراق وأفغانستان وكذلك الصومال، لأنَّ "الحرب على الإرهاب لن تحسم عسكريًا، بل في قلوب المليار وربع المليار مسلم". "تودنهوفر " لا يتردد في التصريح للصحافة و ووسائل الإعلام في ألمانيا، "بأنه يجب علينا أن نتعامل مع العالم الإسلامي مثلما نريد أن يتعامل معنا الآخرون - باحترام وعدالة ونزاهة. وعندما نتعامل مع العالم الإسلامي كتعاملنا مع إسرائيل بكل سخاء ورحابة صدر، فعندئذ لن يكون في المستقبل إرهاب يتقنّع بقناع إسلامي".

كتاب "تودنهوفر" هو كذلك توطئة مهمة لتوضيح أبعاد رؤية الغرب للآخر العربي و المسلم، لكن أية رؤية في نظر المؤلف؟.
 " إنها نوع من العنصرية الخفية، تتمثل في عقدة التفوق التي لا يقر بها الغرب، فيعتقد كثير من الغربيين في دواخلهم، إن حياة الإنسان الأوروبي أكثر قيمة من حياة أي مسلم. وهذا التفكير ليس غير أخلاقي فقط، ولكنه تفكير أحمق أيضا".










أيّها الروس: سورية مقبرة للغزاة

أيّها الروس: سورية مقبرة للغزاة



د.غازي التوبة

قامت الثورة في سورية في 15/03/2011م، وساهمت فيها كل أطياف الشعب السوري، وقد قامت المساجد بدور كبير في تغذية هذه الثورة، وقد مرّت هذه الثورة منذ انطلاقتها بثلاث مراحل، وهي:

المرحلة الأولى: الصمود والانتصار:


بدأت الثورة من درعا بكتابة أطفال صغار تفاعلوا مع الربيع العربي الذي حدث في البلدان المجاورة، وكتبوا على جدران الشوارع: "إجاك الدور يا دكتور"، ثم حاسب النظام الأطفال وأهليهم، وإن دلّ هذا الأمر على شئ فهو يدل على جبروت النظام وتعنته.

عندما بدأت الثورة في سورية كانت الأوضاع بلغت الذروة في الاستبداد، فهناك ثلاثة عشر جهاز أمني يحتوي مئات الآلاف من الموظفين الذين يحصون أنفاس الناس وتحركاتهم وأقوالهم، وقد ربط نظام الأسد كل حياة الناس من السفر والزراعة والصناعة والتعليم والاجتماع والثقافة والبيع والشراء وحتى إجراءات الموت بهذه الأجهزة الأمنية.

وقد بلغ القهر السياسي قمته عندما ورّث حافظ الأسد الحكم لابنه بشار بعملية مزرية اقتضت تغيير الدستور، والقوانين، وما يتعلق بحزب البعث من قيادة قطرية وقومية، وما يتعلق بقيادة الجيش من تراتبية عسكرية، فلم يحترم رجال الدولة ما رسموه وأقرّوه بأيديهم من هياكل ومؤسسات وأُطُر سابقة.

أما الفساد المالي فقد بلغ الذروة، فهناك سرقات الكبار المحيطين بحافظ الأسد وابنه لأموال مشاريع الدولة، ولقد كان قتل محمود الزعبي رئيس الوزراء السوري جزءاً من معطيات عملية الفساد المالي التي كانت تلف معظم المسؤولين السوريين إن لم يكن كلهم، أما الفساد والسرقات فقد انعكست على الشعب، فقد أصبح معظم السوريين تحت خط الفقر، كما زادت العشوائيات في العاصمة وغيرها من المدن السورية، كما ساهمت هجرة أهل الريف إلى المدن في تدني المردود الاقتصادي الزراعي.

إنّ رسوخ الاستبداد والقهر والاذلال، وإنّ انعدام حرية الرأي، وارتباط العملية السياسية بأجهزة الأمن والأسرة الحاكمة وحدها، وإنّ تعميم الفقر وتدني مستوى الدخل الذي شمل معظم أفراد الشعب إلخ...، كل تلك العوامل وغيرها هي التي عجّلت في شمول الثورة لكل المدن السورية وريفها، وعجّلت في تقدم الثورة وانتصارها على النظام، لذلك كان النظام على وشك السقوط في نهاية عام 2012م، ولكن التدخل الإيراني هو الذي أنقذه من السقوط، وهنا بدأت مرحلة ثانية في حياة الثورة السورية.



المرحلة الثانية: التدخل الإيراني:

لقد تلقى النظام بعد قيام الثورة عام 2011م مساعدات من طرفين هما: إيران وروسيا، وقد كان الدعم من إيران مالياً واستخبارياً ولوجستياً إلخ...، وقد كان الدعم من الروس دبلوماسياً.

ولكن عندما اهتز النظام، وكاد أن يسقط في نهاية عام 2012م، أمر خامئني حزب الله من لبنان، وقوات الحرس الثوري من إيران، ومليشيات شيعية في العراق واليمن وباكستان بإرسال قواتها إلى أرض سورية لمساندة النظام، لذلك تدفق آلاف المقاتلين من حزب الله ومن الحرس الثوري ومن المليشيات الأخرى مثل عصائب الحق وغيرها، وانتشرت كل هذه العصابات في مختلف أنحاء سورية، في دمشق ومحيطها بحجة المحافظة على المقدسات الدينية مثل: منطقة السيدة زينب، كما انتشرت في ريف حمص، وإدلب.
 لو أرادت أمريكا إنهاء "داعش" لأنهتها في أيام، لذلك ترغب أمريكا والغرب في استمرار وجودها من أجل هدف بعيد هو توليد "الإسلام الأمريكي" الذي يقوم على أسس متفقة مع الحضارة الغربية من خلال لَيْ النصوص الإسلامية، وتطويعها لمفاهيم الحضارة الغربية المتصادمة مع الإسلام. 


ونستطيع أن نعتبر أنّ معركة "القصير" التي وقعت في حزيران من عام 2013م هي المعركة التي عدّلت ميزان القوى لصالح النظام، وحالت دون سقوطه، لكن مع كل هذا الدعم الذي جاءه من دولة إيران ومليشياتها التي بلغت أربعين مليشيا وعصابة، لم يستطع أن يصمد النظام، بل تفكك جيشه، وأصبح محاصراً في دمشق ومنطقة الساحل، ويسيطر – الآن – فقط على 18 بالمائة من مساحة سورية، وهذا ما استدعى مرحلة ثالثة، هي: التدخل الروسي.

المرحلة الثالثة: التدخل الروسي:

لم يستطع النظام أن يستعيد نفوذه على أية أرض جديدة رغم الدعم المتواصل الذي جاءه من إيران وعصاباتها خلال ثلاث سنوات متتالية، ورغم حجب أصدقاء سورية عن ثوار سورية أية أسلحة نوعية تتعلق بمواجهة الدبابات أو الطيران، ورغم عدم تحديد أية منطقة آمنة يحتمي بها الشعب من البراميل المتفجرة التي يلقيها طيران النظام السوري، ومع ذلك جاء التدخل الروسي – في هذه الأيام - من أجل الحيلولة دون سقوط النظام وانهياره المفاجئ، ومن أجل الحيلولة دون انتصار الثوار واحتلالهم مزيداً من الأرض، وتحقيقهم مزيداً من التمكين في الأرض، بعد أن بدا واضحاً لكل المتابعين علامات الانهيار على النظام والتقهقر المستمر.

لذلك أمدّ الروس نظام بشار بطائرات حديثة متقدمة، وأنظمة صواريخ متقدمة أيضاً، لم تخرج إلى أحد خارج روسيا، سوى النظام السوري، كما أمدّت روسيا نظام الأسد بعدد من الخبراء يتراوح عددهم بحدود ( 500 ) خبيراً، كما أقامت روسيا قاعدة بحرية جديدة في جبلة بالإضافة إلى القاعدة القديمة التي كانت تستخدمها في طرطوس، وبهذا تحقق روسيا حلم روسيا القديم في الوصول إلى المياه الدافئة.

وقد صرّح الروس بأن هدفهم الرئيسي من هذه المساعدات هو محاربة "داعش"، ونعتقد أنهم كاذبون في ذلك، هم وأمريكا بشكل خاص، والغرب بشكل عام، ونعتقد أن أمريكا لو أرادت إنهاء "داعش" لأنهتها في أيام، لذلك ترغب أمريكا والغرب في استمرار وجودها من أجل هدف بعيد هو توليد "الإسلام الأمريكي" الذي يقوم على أسس متفقة مع الحضارة الغربية من خلال لَيْ النصوص الإسلامية، وتطويعها لمفاهيم الحضارة الغربية المتصادمة مع الإسلام من مثل: نسبية الحقيقة، واعتبار عالم الغيب خرافات وأوهاماً، واعتبار الكون مادة صلبة لا روح فيها، واتخاذ البراغماتية أساساً في التعامل، وتقديمها على الأخلاق إن حدث تعارض بين البراغماتية والأخلاق، إلخ...

وقد وضّح هذا جنرال القوات الجوية الأمريكية مايكل هايدن لجريدة لوفيغارو في 8/7/2015م، وكان الجنرال قد ترأس وكالة الأمن القومي الأمريكية من 1999-2005م، ونائب منسق المخابرات في إدارة المخابرات القومية بين عامي 2005-2006م، وترأس الاستخبارات المركزية C.I.A من 2006-2009م، فقد اعتبر أن الصراع الذي يحدث بين "داعش" والمسلمين في المنطقة يشبه الصراع الذي شهدته المسيحية في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عاماً، إذ يُعيد المؤرخون الحداثة الأوروبية إلى معاهدة وستفاليا، لحظة ظهور الفصل بين الكنيسة والدولة. والإسلام لم يقم بهذه الخطوة حتى الآن، ويجب علينا مساعدة المعتدلين، والجنرال مايكل هايدن يعتبر دعوة عبدالفتاح السيسي إلى التجديد الديني والتي طرحها في الأزهر الشريف قبل عدّة أشهر، يعتبرها في هذا الإطار لخلق "الإسلام المعتدل" أي "الإسلام الأمريكي" كما وضحنا سابقاً.

ومن الجدير بالملاحظة فإن الإسلام الذي يقوم عليه أهل السنة والجماعة هو إسلام معتدل في طبيعته، وهو الذي عليه معظم مسلمي الأرض، فلم تُشكّل "داعش" إلاّ جزءاً يسيراً جداً من وجود المسلمين، كذلك لم يُشكّل أسلافها "الخوارج" إلاّ جزءاً يسيراً من المسلمين على مدار التاريخ الماضي، عدداً ووجوداً وحضوراً.
 سورية كانت باستمرار مقبرة للغزاة، فقد انتهى الهجوم الوحشي التتري والذي دمّر شرقي العالم بدءاً من الصين وانتهاءً ببغداد، والذي قاده هولاكو، لقد انتهى في معركة عين جالوت عام 1260 جنوبي سورية، كما انتهى الهجوم الصليبي الذي استمر مائتي عام بعد معركة حطين التي قادها صلاح الدين عام1187 في جنوبي سورية أيضاً. 


فمن الواضح أن أمريكا تريد هذه الحرب الدينية بين داعش والمسلمين من أجل أن تُولّد هذه الحرب إسلاماً جديداً ترضى عنه أمريكا، ويكون بداية ل "الحداثة الغربية" في حياتنا، على غرار الحداثة الأوروبية التي بدأت في أوروبا بعد معاهدة وستفاليا في القرن السابع عشر.

لذلك نقول لروسيا التي تدخلت في سورية بحجة مقاتلة "داعش"، لا تنطلي علينا هذه الكذبة، لا منها ولا من أمريكا، بل تدخلت روسيا من أجل مصالحها، ومن أجل توسيع امبراطوريتها، ومن أجل الوصول إلى المياه الدافئة الذي هو حلم روسيا القديم.

ولكننا نحذرها ونذكرها بأن سورية كانت باستمرار مقبرة للغزاة، فقد انتهى الهجوم الوحشي التتري والذي دمّر شرقي العالم بدءاً من الصين وانتهاءً ببغداد، والذي قاده هولاكو، لقد انتهى في معركة عين جالوت عام 1260 جنوبي سورية، كما انتهى الهجوم الصليبي الذي استمر مائتي عام بعد معركة حطين التي قادها صلاح الدين عام1187 في جنوبي سورية أيضاً.

الخلاصة: انطلقت الثورة شعبية في سورية ربيع 2011، وكادت تسقط النظام في نهاية عام 2012، لكن تدخل إيران هو الذي أخَر سقوطه بعد معركة القصير في حزيران (يونيو) 2013.

ثم جاء التدخل الروسي كمرحلة ثالثة لتلافي الانهيار المفاجئ للنظام، وقد جاء الروس بحجة محاربة "داعش"، لكنهم جاؤوا –في الحقيقة- من أجل مصالحهم الاستراتيجية، ونقول لهم بأعلى صوتنا:
"أيها الروس ستكون سورية مقبرة لكم كما كانت للغزاة من قبلكم".

فاجعة الحج جذورها أعمق بكثير من مجرد التجاذبات الطائفية

Real Lessons Of The Hajj Tragedy
فاجعة الحج جذورها أعمق بكثير من مجرد التجاذبات الطائفية
ديفيد هيرست

شعيرة الحج السنوي تعني عدة أشياء؛ إنها فريضة على كل مسلم بالغ يكلف بأدائها على الأقل مرة في العمر إذا تحققت لديه الاستطاعة، وهي واحدة من أركان الإسلام الخمسة، وهي البوتقة التي تجمع معا في صعيد واحد البشر من كل عرق ولون ومن أمم متعددة وحدها الانتماء إلى هذا الدين، وهي عبادة مثيرة ومرهقة في الوقت نفسه. كما أنها معيار لحال الأمة الإسلامية على مستوى العالم بأسره، وفرصة لقياس نبضها ومزاجها وحالتها الصحية.

يمكن الإستنتاج من كارثة الأسبوع الماضي بأن الأمة ليست في أحسن أحوالها، ونحن هنا نتحدث عن حادثة تدافع الحجاج التي تمخضت عن سحق المئات منهم حتى الموت إثر اندفاع موجتين من الحجاج في مواجهة بعضهما البعض داخل طريق ضيق قبيل القيام بشعيرة رمي الجمرات.

مازال عدد الذين قضوا نحبهم في هذه الكارثة محل تجاذب مرير وخلاف شديد. فقد بثت قناة تلفزيون بريس تي في الإيرانية تقارير زعمت من خلالها أن عدد الحجاج الذين قتلوا في التدافع تجاوز 4 آلاف حاج.

وادعت السلطات الإيرانية والباكستانية أن السعوديين أخبروا الدبلوماسيين الأجانب بأن ما يزيد عن ألف حاج قضوا نحبهم بينما أعلنت المملكة العربية السعودية نفسها أن محصلة عدد القتلى هو 769 حاجا، بالرغم من أن العدد كان ما يزال في تزايد.

في هذه الأثناء طالب آية الله خامنئي، القائد الأعلى في إيران، العائلة الملكية الحاكمة في السعودية بالاعتذار عن الحادث، بينما طالب رئيس الجمهورية حسن روحاني الأمم المتحدة بالتحقيق، وقال المدعي العام الإيراني سيد إبراهيم رئيسي في تصريح بثه التلفزيون الرسمي بأن إيران ستطالب بمحاكمة العائلة الملكية الحاكمة في السعودية على "جرائمها" أمام "المحاكم الدولية".

من جهتها، وجهت المملكة العربية السعودية أصابع الاتهام باتجاه الدور الذي تزعم أن مجموعة من الحجاج الإيرانيين لعبته، وتسبب بدوره في وقوع الكارثة. ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مسؤول سعودي كان يقوم بمهمة التنسيق والتواصل مع بعثة الحج الإيرانية الزعم بأن 300 حاج إيراني لم يتوقفوا عند الخيم المخصصة لهم صباح الخميس، ولم يتقيدوا بالجدول الزمني المقرر لتفويج كل مجموعة من الحجاج.

وادعى المسؤول السعودي أن الحجاج الإيرانيين ساروا مباشرة عبر الشارع رقم 204 في اتجاه معاكس لمسار الكتلة الرئيسية من الحجيج مما أدى إلى التدافع والتصادم، وقد مات من الحجاج الإيرانيين في هذا الحادث ما لا يقل عن 140 حاجا.

يذكر أن التلاسن والتجاذب بين إيران والمملكة العربية السعودية حول موسم الحج السنوي ليس بالأمر الجديد، بل يعود إلى سنوات طويلة مضت، ولعله بدأ بقيام محمد بن عبد الوهاب بادئ ذي بدء بتحطيم وإزالة المقامات التي يقدسها الشيعة ثم جاء الملك عبد العزيز بن سعود ليسير على نهجه ويقتفي خطاه. وقد وقع أكثر من مرة أن علقت مشاركة الإيرانيين في الحج، وكان أبرزها تلك التي تلت الحادثة التي جرت عام 1987 عندما مات ما يزيد عن 400 حاج إيراني في صدامات مع الشرطة السعودية وصفها السعوديون حينها بأنها اضطرابات وشغب بينما اعتبرها الإيرانيون مذبحة بحق حجيجهم.

تعتبر رعاية الأماكن الإسلامية المقدسة مصدرا لشرعية آل سعود، وهي الشرعية التي يسعى جيرانهم الإيرانيون إلى منافستهم عليها.
وكان موسم حج هذا العام هو الأول الذي يتولى ولي العهد السعودي الجديد محمد بن نايف الإشراف عليه، وكان بمثابة اختبار للنظام الجديد في عهد الملك سلمان، ولا غرابة إذ ذاك أن يكون ما وقع في الحج هذا العام على درجة عالية من الحساسية السياسية داخل المملكة.

إضافة إلى ذلك تتصاعد حدة المشاعر الطائفية، وتبلغ ذروتها في عام يشهد تنازع القوتين الإقليميتين المملكة العربية السعودية، وإيران وتنافسهما في ثلاثة أقطار تدور فيها رحى صراعات بالوكالة بين البلدين، هي اليمن والعراق وسوريا.

إلا أن ثمة تفسيرات أبسط بكثير لما وقع في مكة الأسبوع الماضي، وهي تفسيرات تجافي الرغبة الجامحة لدى البعض في تفسير الأمور من منطلق طائفي بحت.

فما الذي جرى؟

الرواية التالية مصدرها حاج سني بريطاني كان قد عبر من خلال الطرق الضيقة قبل حدوث التدافع، ولم يدر بوقوعه إلا بعد أن توالت الرسائل النصية على هاتفه النقال من أصدقائه تستفسر منه عن حالته وما إذا كان قد سلم من الكارثة.

بدأت المشاكل المتعلقة بحركة ما يقرب من مليون ونصف المليون حاج تظهر قبل اليوم الذي وقعت فيها الفاجعة، فقد شهد مطار جدة طوابير طويلة، واضطر بعض الحجيج إلى الانتظار تسع ساعات قبل أن يتمكنوا من تجاوز موظفي الهجرة والجوازات، أي أطول مما استغرقته رحلاتهم الجوية. ولم يكن يتواجد في أماكن الشعائر ممن يمكن أن يرشد الحجاج سوى حراس الأمن، سواء من منتسبي الحرس الوطني أو القوات المسلحة.

لم تكن هناك أي مراكز معلومات يقوم عليها مدنيون، ولم يكن ثمة تواجد لمن يتحدث بأي لغة سوى اللغة العربية لتوجيه الحجاج الذين قدموا من أصقاع الأرض ويتحدثون بمختلف لغات العالم أو ليجيبهم على تساؤلاتهم.

ما من شك أن موسم الحج يشكل كابوسا لوجستيا، إلا أن ضعف هذا العدد أمكن التعامل معه من قبل بدون حوادث تذكر، حتى أن أحد المرشدين ممن يعملون في تنظيم رحلات الحج منذ ما لا يقل عن 25 عاما قال: "كان هذا الموسم واحدا من أسوأ المواسم التي شهدتها".

تفرض الشعائر على الحجاج التواجد في أماكن محددة في أوقات بعينها في مختلف مراحل رحلة الحج: إذ يتوجب على الحجاج أن يبقوا ضمن الحدود الصحيحة لكل منطقة من المناطق التي تقام فيها الشعائر.

ففي اليوم الثامن من ذي الحجة (في التقويم العربي)، يتوجب على الحجيج التجمع في منى على بعد خمسة أميال خارج مكة، وفي صبيحة اليوم التاسع يتوجب عليهم الانتقال إلى عرفات التي تبعد 12 ميلا من مكة، ويبقون هناك حتى مغيب الشمس، ثم بعد ذلك ينتقلون إلى مزدلفة التي ينطلقون منها فيما بعد نحو الجمرات ما بين منتصف الليل ومشرق شمس اليوم الـ10، الذي هو يوم عيد الأضحى.

وهذان اليومان هما اليومان الأشد ازدحاما، حيث تعتمد حركة ما يزيد عن مليون من الحجيج على الحافلات وعلى قطار سكة حديد تم إنشاؤها مؤخرا ضمن مشروع سكة حديد الأماكن المقدسة، والذي كلف إنجازه ما يقرب من 7 مليارات دولار، إلا أن وسيلتي النقل هاتين كلاهما لم تعملا بكفاءة يوم الأربعاء والخميس الماضي.

يقول الحاج البريطاني: "كنت واحدا من المحظوظين في المجموعة الأولى التي حاولت التحرك من المزدلفة إلى الجمرات، انتظرت على الرصيف ما يقرب من ثلاث ساعات ونصف الساعة، وكان المسنون من الرجال والنساء ينهارون من حولي. شاهدنا القطارات تأتي وتروح فارغة، بلا سبب واضح، لم تكن هناك أي معلومات، فيما عدا رسائل تفيد بأن بعض القطارات لم تكن لاستخدام الجمهور وإنما فقط لنقل موظفي الشركة التي تدير القطارات".

منذ السابعة صباحا من يوم عرفات (الأربعاء )، اضطربت خدمة القطارات بل إنها تعطلت لأوقات طويلة. وحينها حصل تدافع على البوابات وانهار 204 من الحجيج ( كما ذكرت التقارير السعودية الرسمية) واحتاج بعضهم إلى عناية طبية. وكانت أحوال الحافلات أسوأ من ذلك. لم يتمكن بعضها من مغادرة عرفات قبل الساعة الرابعة من صباح الخميس، أي بعد 10 ساعات من الموعد الذي كان مقررا لانطلاقها.

بدأ عدد كبير من الحجاج بالسير على الأقدام، واستغرقتهم رحلة العودة إلى مكة تسع ساعات في أجواء حارة تجاوزت درجة الحرارة فيها 40 درجة مئوية.

والذي حدث في موقع الفاجعة أن موجتين من الحجيج، واحدة قادمة من منى والأخرى تعبر من خلال منى، اصطدمتا بمجموعة أخرى من الحجيج تسير في الاتجاه المعاكس. ومما فاقم الأمر أن حراس الأمن المتواجدين حول الخيام الموجودة عند هذه النقطة رفضوا ابتداء فتح البوابات ليخففوا الضغط عن الطريق، وخلال ثوان تحول عنق الزجاجة إلى تدافع قاتل.

استمرت الفوضى إلى وقت طويل بعد وقوع التدافع الذي تمخض عنه سحق كثير من الحجيج. ففي الساعات والأيام التالية مشى كثير من الحجاج لساعات في درجات حرارة حارقة بحثا عن سيارات أجرة تقلهم إلى مواقع إقامتهم في منى أو في ضواحي مكة في طريق عودتهم من المسجد الحرام حيث أغلقت السلطات الطرق المحيطة بالمسجد الحرام لمسافة 6 كيلومترات في بعض الاتجاهات.
مع أن تجربة القطارات المرعبة لا تخفى على أحد، إلا أنه يجرم اليوم في المملكة العربية السعودية من يغرد شيئا عنها.

ولا أدل على ذلك من أنه في العام الماضي حكم على الداعية الشهير محمد العريفي، والذي يتابعه على "تويتر" 12 مليون شخص، بالسجن 40 يوما لأنه نشر تغريدة قال فيها إن قطار المشاعر المقدسة كان"واحدا من أسوأ القطارات في العالم".

ما هو المغزى من هذه القصة؟

بالإضافة إلى كل ما يمثله الحج فإنه يشتمل على رسالة اجتماعية مهمة، فمن خلال ما يرتديه الحجاج، ومن خلال الأعداد التي تنساب لأداء المناسك، يعتبر الحج واحدا من أعظم الشعائر مساواة بين البشر؛ فهاهنا تجد الغني والفقير، السني والشيعي، القادم من الغرب والقادم من الشرق، الآسيوي والأفريقي، ملايين الحجاج الذين يصلون في اللحظة نفسها من الزمن، يرتدون الزي نفسه، ويشتركون في أداء المناسك نفسها.
عندما أدى النبي (صل الله عليه وسلم) مناسك الحج، إنما قام بذلك بصفته الفردية، ولم يكن محاطا بحراس أمن، وكانت رسالته إلى الناس على النقيض تماما مما عليه اليوم حال الدولة العربية المعاصرة أو الدولة الإيرانية المعاصرة، حيث تسخر الدولة بأسرها لخدمة النخب الحاكمة، وحيث يوفر الأمن للأثرياء دون غيرهم.

ولكن ثمة درس أعمق من ذلك، وله علاقة بالأسئلة الكبيرة التي تثيرها هذه الفاجعة حول المدى الذي يقدر فيه حكام المسلمين قيمة حياة البشر العاديين.

لا يوجد مكان تنتهك فيه كرامة الإنسان وحياته بشكل دائم وبأشد الأشكال توحشا كما هو حاصل في بلاد المسلمين أنفسهم – ولك أن تأخذ بالاعتبار البراميل المتفجرة التي يسقطها بشار الأسد على رؤوس الناس في المدن والقرى السورية (بدعم إيراني فعلي)، وكذلك المذابح التي ارتكبها الجيش المصري بحق المتظاهرين السلميين في شوارع القاهرة (بتمويل من المملكة العربية السعودية)، وحدث ولا حرج عن آلاف اللاجئين الذين يركبون أمواج البحر المتوسط في قوارب نجاة مطاطية ما تلبث أن تلفظهم في المياه العميقة ليلقوا حتفهم غرقا.

ليس ما وقع في الحج مؤخرا سوى كارثة واحدة في سلسلة طويلة من الكوارث، ثمة فروق وخلافات كثيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولكن كلاهما يدعى اكتساب الشرعية من الإسلام نفسه، وكل واحدة منهما تتمسك برواية مختلفة ومنطق مختلف، ولكنهما يتفقان فيما بينهما على مركزية نبي الإسلام محمد (صل الله عليه وسلم) وعلى الالتزام التام بسنته ونهجه، ولكنهما كلاهما يتجاهلان واحدا من أهم تعاليمه.

لقد علم النبي (صل الله عليه وسلم) أتباعه قبل 14 قرنا بأن حرمة النفس البشرية عند الله أعظم من حرمة الكعبة نفسها وأن قتل النفس التي حرم الله أعظم عند الله من هدم الكعبة نفسها.

إن التعليم الذي يؤكد على حرمة النفس البشرية مبدأ إسلامي بقدر ما هو مبدأ إنساني عالمي.

لا المملكة العربية السعودية ولا إيران، اللتان تخوضان حربا ضد بعضهما البعض، وصلا مستوى كاف من النضج بحيث تتأهلان للاستفادة من القدرات الكامنة لشعوبهما، ولا أدل على ذلك العجز من الطريقة التي يعامل بها الحجيج، والذين أتوا لأداء مناسك عبادة تدعي الدولتان حرصهما على توفير الحماية لها، ما لبثت خدمة الحرمين الشريفين تستغل مصدرا للشرعية، ولا تجدها تؤدى كما لو كانت واجبا أو حملا للمسؤولية.

فقط حينما تكتسب هذه الشرعية من خلال الانتخابات الحرة، وعندما تفرض للمواطنين حقوق، وعندما يتمتع الضيوف بحقوق كما يتمتع به المواطنون، وعندما تمنح الحقائب الوزارية لمن هو مؤهل لحملها بدلا من أن توزع كما لو كانت هبات أو مكرمات أو رقيق وتنتقل من أمير إلى أمير، حينها، وحينها فقط، يمكن لمشاكل الحج أن تعالج.

المصدر: عن صحيفة ذي هافينغتون بوست، ترجمةعربي 21

هل تعلم ؟

هل تعلم ؟
عدد الابرياء الذين قتلتهم امريكا منذ عام 1940 هو 17 مليون انسان وهو يساوي اضعاف المضاعفة لمجموع ما قتلته كل المنظمات و الدول التى صنفتها امريكا على انها ارهابية على مر التاريخ .
و مع ذلك لا توصف امريكا بالارهاب و لا تدان جرائم جيشها ولا يحاكم قادتها بهذه الجرائم في المحاكم الدولية ..


الصورة لجندي امريكى الطيب القلب و مرهف الاحساس يلتقط صورة تذكارية لطفل عراقي في الحادية عشر من العمر و اخيه ذو 21 ربيعا بعد ان قتلهم لمجرد التسلية و شعوره بالفراغ في مارس من عام 2004
صورة تؤكد نشر الديمقراطية في العراق 
منقول

نصر الله ومساعي مداراة الفضيحة


نصر الله ومساعي مداراة الفضيحة


ياسر الزعاترة

لم يُطل نصر الله الغيبة، وما كان له أن يطيل، فالنعوش التي توالت من الزبداني منذ شهور، كان تحتم عليه الظهور بعد اتفاق الهدنة، مع جيش الفتح،
وبالطبع لكي يهدئ من روع جمهوره الذي تعب من الثمن الباهظ الذي دفع ويدفع، وأصبح يشعر أن الزبداني التي سوّقها «السيد» كمجرد نزهة عابرة، ما لبثت أن تحولت إلى محطة استنزاف.
وهكذا احتاج «السيد» لمقابلة من ثلاث ساعات كي يوصل رسائله ويطمئن جمهوره.

وفيما حاول أن يظهر الأمر على أنه انتصار بالحديث عن كثرة المسلحين في الزبداني، مع التقليل من أعداد «شهداء الواجب» كما يسميهم حزبه،
لم ينجح في تغيير مزاج الهزيمة الذي ينطوي عليه الاتفاق، ليس لأن مسلحي الزبداني هم بضع مئات فقط محاصرون منذ شهور، بل أيضا لأن الاتفاق كان ينطوي على انتصار للثوار إذا أخذنا في الاعتبار الخلل الفادح في ميزان القوى بينهم وبين من يملكون الطيران والقوة التدميرية التي جعلت الزبداني مجرد أطلال.

وكان من الطبيعي أن يعرّج على موضوع التدخل الروسي الذي يستحوذ على اهتمام السياسيين ووسائل الإعلام، وهنا سعى بكل ما أوتي من قوة لكي يتجاوز معضلة الدور الإسرائيلي في القصة، واكتفى بالقول إن إسرائيل غير راضية عن التدخل، من دون أن يقول لنا لماذا خرج نتنياهو في غاية الرضا من لقائه مع بوتين، ولماذا تم ترتيب لجنة تنسيق عسكرية وأمنية بين الطرفين؟!

إنها الفضيحة في ذورة تجلياتها بعد أن أعلن نتنياهو بالفم الملآن أنه يلتقي مع الروس على ضرورة بقاء بشار الأسد، من دون أن يقول بالطبع إنه يفضل بقاءه ضعيفا منهكا، وبمرجعية إيرانية جديدة متصالحة مع الغرب، على خيارات أخرى غير مضمونة.

إن هذا اللقاء بين روسيا ونتنياهو وإيران، وبالضرورة اتباعها على بقاء بشار ليس من النوع الذي يسهل تغطيته بفذلكة الكلام، فقد سقط تماما شعار المقاومة والممانعة، وبزرت دولة المذهب، وبرز حزب الله كأداة للنفوذ الإيراني لا أكثر ولا أقل. أليس يعلن أن مرجعيته تتمثل في الولي الفقيه الذي يرسله أنى يشاء، حتى إن أحد قتلى حزب الله قد جاء من العراق مؤخرا، ولا يُستبعد أن نسمع عن آخرين قادمين من اليمن، مع أن ذلك سيغطى بطبيعة الحال عبر سوريا.

لأجل تغطية هذه التبعية، وهذا الدور المفضوح تعب نصر الله، وهو يتحدث عن استقلالية قرار حزبه، وأنه يصدر عن مجلسه الشوري، فيما الكل يعرف أن ذلك محض هراء، وأن ما يقرره الولي الفقيه، ومندوبه قاسم سليماني هو الذي يمضي، ولو أجمع مجلس الشورى على عكسه تماما.

في السياق الروسي، برز التناقض الفاضح في تنظير نصر الله، فهو يعتبر تدخل التحالف العربي في اليمن غزوا، رغم أنه جاء بدعوة من حاكم منتخب بعد ثورة شعبية، بينما يقاتل أصحابه في اليمن إلى جانب الطاغية الذي ثار عليه الشعب.

نعم يعتبر ذلك غزوا، بينما يعتبر أن التدخل الروسي في سوريا أمرا عاديا ويستحق الترحيب، رغم أنه يأتي بدعوة من حاكم يعلم نصر الله كيف جيء به إلى السلطة عبر مؤسسة أمنية وعسكرية طائفية، حين تم تغيير الدستور من أجله في خمس دقائق لا أكثر.

لقد قلنا مرارا إن اليمن كان ذروة الفضيحة للتحالف الإيراني، ولا إضافة هنا، لكن نصر الله الذي يعلم حجم التراجعات التي أصابت أصحابه من قطاع الطرق في اليمن، ذهب يبرر ذلك بالتفوق الجوي، لكأن صاحبه بشار يتفوق في الميدان الأرضي، وينسى بالمقابل أن على الأرض يمنيين يقاتلون الغزاة الذين هبطوا من صعدة بمسلسل من الأكاذيب، ومعهم مقاتلون يتبعون طاغية فاسدا ثار عليه الشعب.

لا حاجة للحديث عن مشاركته في لطمية حادث منى، أسوة بأسياده في طهران، ولا حديثه عن الشأن اللبناني الداخلي المليء بالأكاذيب والغطرسة، والذي كاد يجعل من ميشال عون وليا من أولياء الله، فكل ذلك صار عاديا، ومن يتخذ المسار الخاطئ، فلا مجال أمامه سوى تسويقه بالأكاذيب.

لم تعد لنصر الله أية مصداقية في أوساط غالبية الأمة، وهو كلما ظهر تزداد كراهيته بين أبنائها، لكنه يظهر تباعا لأن لديه جمهورا بحاجة لأن يقنعه بجدوى هذا العبث الذي يمارسه هنا وهناك، وبأنه يستحق الثمن الباهظ الذي يُدفع من أرواح أبناء الطائفة في لبنان، دفاعا عن مشروع توسع مجنون يركض خلفه محافظو إيران بلا توقف، إلى الآن على الأقل.•  @yzaatreh

بلدي خير من يرعى موسم الحج


بلدي خير من يرعى موسم الحج

أحمد بن راشد بن سعيد

مأساة كبيرة حدثت في منى في موسم حج هذا العام، أعقبت مأساة سقوط الرافعة في المسجد الحرام، وكأني أستمع إلى أمير الشعراء وهو يقول بنبرة حزينة:
جرحان يمضي الأمّتان عليهما
                   هذا يسيل وذاك لا يلتامُ.
الذين لقوا حتفهم في الرافعة 111، والمصابون 331، أما الذين تُوفّوا فى التدافع بمنى، فكانوا 769، والجرحى 934. في الحادث الأول أعلنت القيادة السعودية بشجاعة عن خطأ بشري تسبّب في الحادث، واتخذت إجراءات عقابية حاسمة.
ثم جاء حادث منى ليُنسيَ بهوله حادث الحرم. كان حجم الضحايا كبيراً، والصدمة أكبر.
كان صباح عيد الأضحى، وتوالت إحصاءات الضحايا على حساب الدفاع المدني السعودي في موقع تويتر، معلنةً في البدء أن المُتوفَّيْن 100 والجرحى 400، ثم ارتفع العدد بوتيرة حبست الأنفاس وأدمت القلوب. هل ثمة خطأ بشري آخر؟ وارد جداً. لا يمكن أن يقع كل هذا العدد من الضحايا اتفاقاً، ثمة سبب أدّى إلى حدوث هذه الكارثة التي لم يشهد مثلها الحج منذ موسم حج 1426 (كانون الثاني/يناير 2006) عندما حصل تدافع عند الجمرات أسفر عن وفاة 362 حاجاً، واستجابت له السلطات السعودية ببناء جسر عملاق للجمرات من 4 طوابق بتكلفة تجاوزت 4 بلايين ريال، وقد مثّل المشروع إنجازاً كبيراً، وأسهم في تيسير رمي الجِمار، ولم يحدث بعده تدافع مميت كالذي حصل في منى هذا العام.
لقد حدثت مأساة التدافع بعيداً عن الجسر، أما الرمي فقد كان ميسوراً، وقد شاهدنا كيف رمى حاج الجمرات بيده اليمنى، وهو يحمل حافظة (ترمس) القهوة باليد اليسرى.
ثمة من يتحدث عن فشل الحكومة السعودية في «إدارة الحشود». باطل أُريد به باطل.

من الصعب جداً النظر إلى موسم الحج بوصفه أنموذجاً لإدارة الحشود.
نحن لا نتحدث هنا عن قُدّاس يقيمه بابا الفاتيكان في ساحة عامة، ولا عن مشجعي مباراة في ملعب كرة قدم، ولا عن جمهور مغنيّة في بهو فندق. 
موسم الحج فريد على مستوى الكون. الحجاج بالملايين ولا يمكن مقارنتهم بالحشود التي نراها في مناطق عدة في العالم، وقد يحدث فيها تدافع ويسقط ضحايا كثيرون. لا يوجد تجانس لغوي وثقافي وبيئي بين الحجاج، ما قد يؤدي إلى اختلاف وبلبلة وسوء فهم، وربما نزاع وشجار. فضلاً عن ذلك، ثمّة حجاج أميون، أو محدودو التعليم، وثمّة حجاج مسنّون ضعفاء وقد يسقطون سريعاً في أي حادث تدافع. إدارة الحشود بالمفهوم التقليدي لا تنطبق على موسم الحج؛ لأنه لا نظير له في التاريخ. 
من الظلم إذن الزعم بأن المملكة فشلت في إدارة الحشود، وهي التي تسخّر كل طاقاتها لخدمة موسم الحج، وتستنفر كل أجهزتها الأمنية لحماية من تسمّيهم «ضيوف الرحمن»، وتنفق أموالاً طائلة على إنجاز مشاريع تجعل أداء الحج أكثر سهولة وأقل خطراً.
إيران التي تتربص بالسعودية الدوائر، وتمارس القتل الجماعي للعرب السنّة في الشام والعراق واليمن، تباكت على دماء الضحايا في منى، وألقى مرشدها خامنئي، ورئيسها روحاني، مسؤولية التدافع على سلطات المملكة وكأنها باشرت قتل الحجاج. خامنئي طالب السعودية بالاعتذار للأمة الإسلامية، وطالب الأمة بإيجاد «حل» للمشكلة. الحل طبعاً هو انتزاع إدارة الحج من المملكة، وتسليمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، ما يعني «تدويل» الحج، وهو ما أفصح عنه محمد إمامي كاشاني، خطيب جمعة طهران، الذي زعم أن السعودية باتت مشغولة بإنتاج «داعش والإرهابیین، أو قتل الناس في الیمن، ولیس لدیها وقت» للاهتمام بالحج.

تسابق رموز الكيان الصفوي إلى استغلال الفاجعة، والسعودية لم تفرغ بعد من إحصاء الضحايا وإنقاذ المصابين، الأمر الذي أكّد فقدان القوم أدنى خصال المروءة ومكارم الأخلاق. 
مساعد مدير مكتب روحاني، حميد أبو طالبي، استنكر «عدم كفاءة الحكومة السعودية في هذه الحادثة»؛
أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، زعم أن «عدم کفاءة القائمین علی النظام فی الحج يُعدّ من الأسباب الرئیسة لوقوع کارثة منی»؛ 
مساعد وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، قال إن «إهمال الرياض لا يُغتفر»، والتلفزيون الرسمي نقل صور متظاهرين يهتفون بالموت لقادة المملكة معبّرين عن غضبهم من عجزها عن «إدارة الحج، وعدم أهليتها له» 
(السفير، 26 أيلول/سبتمبر 2015).
فكرة «تدويل الحج» ليست جديدة، وهي تُطرح للنكاية بالدولة السعودية.

لا يمكن أن تحدث «إدارة مشتركة» لموسم الحج من دون مس بسيادة المملكة على ترابها الوطني. والتدويل كارثة كبيرة حيث سيجعل الحج محكوماً بالتوافقات، وخاضعاً للمزايدات، وسيفتح الباب أمام طقوس لا صلة لها بجوهر المناسك، كالتظاهرات واللافتات والشعارات والهتافات، وما يسمّيه الخطاب الصفوي الإيراني: «إعلان البراءة من المشركين»، وهو ما لا يمكن أن تقبل به دولة تستند في شرعيتها إلى خدمة الحرمين، ونصرة المسلمين، والإبقاء على عقيدة التوحيد بمنأى عن العبث.
خادم الحرمين، الملك سلمان، أمر بمراجعة خطط الحج، وولي العهد، الأمير محمد بن نايف، أمر بتشكيل لجنة تحقيق. خطوتان ضروريتان تنمّان عن الإحساس بالمسؤولية. 

إن مأساة تدافع منى تحتّم إجراء تحقيق شامل و «شفّاف»، كما تحتّم الإعلان عن نتائجه مهما تكن قاسية، وكشف المسؤولين ومحاسبتهم. لكن يجب أن يفوّت السعوديون والمسلمون الصادقون حيث كانوا الفرصة على من يريدون انتزاع مكاسب سياسية رخيصة من أشلاء الضحايا، ودموع محبّيهم. 
وهنا لا بد من الإشادة بموقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تصدّى للانتهازية الإيرانية، فاستنكر إظهار المملكة بمظهر المذنب، قائلاً إنه ليس لأحد الحق في انتقاد إجراءات الحج، مشيراً إلى أن السلطات السعودية تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وأنه لاحظ خلال أدائه الحج والعمرة اهتمامها بتنظيم أداء الشعائر، معرباً عن ثقته بأنها ستتخذ قرارات صارمة بعد التدافع في منى، ورافضاً إشراك دول أخرى في تنظيم الحج بقوله إن «التفكير بطريقة عاطفية أمر خاطىء» وإن السعودية تعمل باستمرار على تطوير البنية التحتية، وجميع الاستعدادات المتعلقة بالحج (تركيا بوست، والجزيرة نت، 25 أيلول/سبتمبر 2015).
مأساة التدافع مؤلمة حقاً، ولكن يجب على الجميع انتظار نتائج التحقيق وعدم القفز إليها، بما في ذلك لوم الحجاج. 

ثمة تقارير تتحدث عن تسبّب إيرانيين في التدافع، وهو أمر غير مستبعد لاسيّما أن مواسم حج سابقة شهدت ضلوع إيرانيين في حوادث قتل وتخريب، ولاسيما أن المملكة تقاتل اليوم تدخّل إيران في اليمن، وتتصدى لتوحشها في سوريا.
من المهم إذن المبادرة إلى التحقّق والمساءلة، ومن المهم في الوقت نفسه الاصطفاف بالكامل مع قيادة البلاد في مواجهة تداعيات المأساة، ورفض المتاجرة بها.

• @LoveLiberty

صورة وتعليق


صورة وتعليق



جبهة خراب مصر ما كانوا معارضبن بحق شرفاء ولو كذلك لعارضوا الدبابة !!

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

حلم أم رؤيا:صلى الله عليه وسلم؟!


حلم أم رؤيا:صلى الله عليه وسلم؟!


د. محمد عباس

في الزمن الماضي كنت أعتبر رؤية الرسول في المنام كنزا مخفيا لا يجب أن أعلنه.
بعد ذلك قرأت تفسير الإمام الشاطبي لحديث الرؤية،والحقيقة أنني اقتنعت به،ولو من باب التحفظ والمحافظة على نقاء الدين،وكي لا نفعل به ما فعله اليهود والنصارى والمتصوفة والشيعة،الذين باختصار اعتبروا،بالحقيقة أو بالمجاز،أن هناك وحيا غير الوحي وبعد الوحي وحاخاما يغير وبابا معصوما له وحده حق الفهم والتفسير بل والتبديل،أوشيعيا ومتصوفا يسئ ويتعسف في معنى الظاهر والباطن والتقية والعلم اللدني فيبدل كلام الله.
أخذت برأي الشاطبي إذن في تفسر رؤية الرسول ﷺ ،والذي -فيما أذكر يكاد يقصر تطبيق الحديث على الصحابة رضي الله عنهم- والذي يلخصه فتوى الشيخ الفوزان:
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قد تحصل، والحديث الوارد فيها صحيح (26).لكن هذا في حق من يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف صفاته صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ الشيطان لا يتشبَّه به في صفاته وشخصه عليه الصلاة والسلام، فمن كان يعرفُهُ حقَّ المعرفة، ويُميِّزُهُ حقَّ التَّمييز عن غيره؛ فهذا قد يراه في المنام، أما الذي لا يعرف صفات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يُميِّزُ شخصيَّته الكريمة عليه الصَّلاة والسلام؛ فهذا قد يأتيه الشيطان، ويدَّعي أنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يُضَلِّلُهُ في دينه؛ فليس الأمر على إطلاقه. 
أما الناحية الثانية، وهي أنَّ الرسول علَّمه وِردًا في رُؤياه؛ فهذا - كما تفضل السائل - أمر باطل؛ لأنَّ التشريع قد انتهى بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3.]، ولا يُرِدُ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تشريع شيء وزيادة شيء على ما كان قبل وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لا وِردٌ ولا غيره؛ فليُتَنبَّه لهذا.
بعد هذه المقدمة الضرورية أروي لكم ما رأيت الليلة
كنت قد نمت حزينا جدا عاجزا جدا محاصرا جدا وأنا أردد لنفسي الأمر أبعد من انقلاب في مصر أو سفاح في سوريا أو سحق للعراق أو ملك ابن سفاح من خادمة يهاجم القرآن ويستهزئ به أو مسيلمة كذاب يحاول أن يضيع الدين كله بإعادة تفسيره كي يتوافق مع الكفر والكفار حتى ليصبح الإلحاد غير مخرج من الإسلام، ويصبح الإسلام إرهابا، أو هجوم من الإعلام.
إنه الهجمة الأخيرة لاقتلاع الإسلام الحقيقي،الإسلام السني، إسلام أهل السنة والجماعة والإبقاء على أنواع الإسلام المحرفة التي يمكن أن تتوافق مع اليهودية والنصرانية بل والكفر.
كنت أيضا مسحوقا ومعذبا ومصدوما بما حدث في منى
وفي المنام :
رأيت أنني أسعى بين الصفا والمروة. كان المكان شبه خال،وكنت أسأل نفسي لماذا يتحدثون عن زحام شديد. كنت أسعى بهمة وسعادة ونشاط. وسمعت بعض الناس يقولون:انظروا إليه: يكفيه الوصول إلى سفح الصفا والمروة لكنه يصر على على الصعود إلى أعلى نقطة من الجبل.
فجأة 
رأيت حبيبي وسيدي ومولاي ﷺ كان في الجانب الآخر، الجانب الأيمن وأنا في اتجاه المروة خارج المسجد،وهو الجانب الآخر من الكعبة، كان بعيدا لكنني كنت أرى ملامحه بوضوح،كان حزينا جدا.
وقلت لنفسي -في المنام-:
إنه حزين كحزنه يوم رأيته في رابعة (أنا بالفعل رأيته أيام رابعة وكان حزينا جدا وكنت غاضبا جدا لأنهم لم يجعلوه يتحدث على المنصة)،لكن في رابعة كان حوله خلق كثيرون، لكنه الآن يسير في صحراء قاحلة تنبت فيها بعض الأعشاب البرية الشحيحة.
كان وحيدا
وحيدا تماما
وحيدا وحزينا
وكان يسير لا يلوي على شيء
أدركت أنني لن أدركه
خاصة أنني كنت مشغولا بالتوجه إلى الكعبة لتقبيل الحجر الأسود
خطر لي أنه في انعدام الزحام هذا سأستطيع الاستمتاع والانفراد به كما كنت أفعل منذ أربعين عاما..
منذ 13 عاما لم أستطع تقبيله.برح بي الشوق.
وكانت الكعبة في الجهة الأخرى ولكنها لا تظهر وليس في اتجاهها أناس على الإطلاق
وتساءلت مرة أخرى:لماذا إذن يتحدثون عن الزحام الشديد
وأنا أتلمس الطريق إلى الكعبة كان حبيبي وسيدي ومولاي ﷺ قد اختفى وفي هذه اللحظة أدركت في المنام أني أحلم،فأخذت أدعو الله وأتضرع إليه أن يستمر الحلم حتى أشرف -ولو في الحلم- بتقبيل الحجر الأسود،ورحت أغذ السير ملحا في الدعاء
لكنني استيقظت
وكنت أردد:
كان حزينا كيوم رابعة
لكنه كان وحيدا

في دقيقة عاهرة بني صهيون


   في دقيقة   

  عاهرة بني صهيون  


حول مطالبة السيسي بإنضمام الدول العربية 


لمعاهدة الاستسلام مع الكيان الصهيوني

فلسطين بين ثوابتنا وثوابتهم

فلسطين بين ثوابتنا وثوابتهم

د.عبدالعزيز بن مصطفى كامل
الحديث عن (الثوابت) في قضية فلسطين، يمارسه كل الناس: أنصار الشعب الفلسطيني وأعداؤه، الصادقون في النصح وأدعياؤه، الراغبون في الحل والراغبون عنه والزاهدون فيه.
كل هذا قد يكون طبيعياً باعتبار اختلاف وجهات النظر ومكونات الفكر والمصالح، أما ما ليس طبيعياً، فهو أن يُراد سَوْق الجميع سَوْقاً، طوعاً أو كرهاً إلى السير وفق منهج من «الثوابت» الإسرائيلية، المسنود بمصالح ورؤى غربية يُطلق على مجموعها: (الشرعية الدولية)!


والأعجب من ذلك أن ينتدب إلى الدفع في هذا الاتجاه أقوام من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في داخل الأرض المقدسة وخارجها، لتكون السيادة في النهاية لتلك «الشرعية الدولية» الغربية الصهيونية ـ على (الشرعية الإسلامية) التي هي أساس الأسس ومنطلق الحلول الحقة العادلة في هذه القضية؛ فالإصرار يزداد على استبعاد الثوابت الإسلامية عنها كلما ازداد اتضاح الحق من جانبنا، وانفضاح الباطل من جانب أعدائنا.

لقد كانت قضية فلسطين، ولا تزال وستظل «قضيةً شرعية» بالمعنى الإسلامي؛ بمعنى أنها نازلة تحتاج دائماً لنظر وعلاج شرعي من قِبَل المسلمين، باعتبار أن العوامل والمسائل التي تحيط بها؛ أكثرها ذات طبيعة دينية، إما من ناحية العرب والمسلمين، أو من ناحية أعدائهم من صهاينة اليهود والنصارى المعتدين. فحقيقة الصراع على أرض فلسطين تحكي قصة المغالبة والنزال بين مقتضيات الحق الإسلامي عقيدة وشريعة، وبين أهداف وغايات أعدائه، القائمة على الباطل ديناً ودنيا. ولهذا فلا بد أن يكون البُعد الشرعي حاضراً ـ وبقوة ـ في كل جولات تلك المغالبة، مع من يمثلون الأبعاد الدينية الكتابية، يهودية كانت أو نصرانية. فلا يصلح أن يظل هؤلاء الأعداء متشبثين وحدهم بمفردات الخطاب العقائدي؛ بينما نظل نحن متراجعين ومطالبين بمزيد من التراجع تحت دعوى المطالبة بـ (تجديد الخطاب الديني) في لهجتنا الإسلامية أو تحديث حديثنا باتجاه «العقلانية» و«الواقعية» الاستسلامية.

إن المفردات الدينية عند أتباع الديانتين اليهودية والنصرانية؛ لا تزال تُصنَّع من مجموعها كل حين (ثوابت) يهتدي بها الساسة، وتوجه في مساربها مسارات السياسة، ولقد كانت ـ وستظل ـ الظِل المخيم في خلفية الأفكار والخطوات والمخططات التي تنطلق منها مشاريعهم فيما يتعلق بقضية فلسطين على وجه الخصوص، وقضية الشرق الأوسط ـ القديم أو الجديد ـ على وجه العموم. ولعل أحداث السنوات الأخيرة من الألفية الثانية، والسنوات الأولى من الألفية الثالثة تثبت أن تلك (الثوابت) لا تزال تعشش في أدمغة الفريقين، حتى وإن سترتها ظاهرياً القبعات أو الخوذات؛ فالاعتقاد بأحقية اليهود والنصارى الدينية في أرض فلسطين، وملكيتهم لما يسـمونه بـ (جـبل الهيكل) المقام عليه المسجد الأقصى، بل ووراثة هؤلاء للأرض الممتدة من النيل إلى الفرات كبداية للحرب ضد (محور الشر) وأوهام الاختيار الإلهي لهم كمحور للخير، ونحو ذلك؛ كلها تمثل ثوابت إجمالية نظرية عندهم، تتفرع عنها ثوابت تفصيلية عملية، يحرصون على تنفيذها على أرض الواقع.

وتترجم هذا أحداث السنوات القليلة الماضية، مثل: خلفيات أحداث انتفاضة الأقصى، وملابسات افتعال الحرب العالمية على الإسلام بزعم محاربة الإرهاب، وتضاعيف الحملة المدبرة منذ عقود لإسقاط «بابل» للوصول إلى الفرات، وكذلك التربص العنيد باليقظة الإسلامية في فلسطين، والتوجه المنظم لحصار الشام بعد حصار العراق، والتهديدات المبطنة والمعلنة لإغراق مصر وخنق السودان وحرق إيران ولبنان، وإطلاق «الفوضى الخلاَّقة» في غيرها من البلدان... كل ذلك بتداعياته، وما قد يأتي بعده، يمثل دلالـة على أن القـوم لا يـزالون على العهد ـ القديم والجديد ـ ضد أمة القرآن المجيد!

تشريع الظلم وتقنين الجنون:

مع ما يظهر من غياب مقتضيات العدل والعقل في تلك الأفكار؛ غير أنها تجد مساندة مما يسمى بـ (الشرعية الدولية). فجنون اليهود يتحول إلى «قانون» في شرعة الأمم المتحدة علينا، وظلامات النصارى الغربيين؛ تصير بعد حين «شرائع دولية»، هذا ما شهدناه وشهده آباؤنا وأجدادنا على مدى ما مضى من عقود تداعي الأمم على قصعتنا المكشوفة! فتقسيم العالم الإسلامي بعد إسقاط كيانه الجامع تحت مظلة «عصبة الأمم» وإعطاء إنجلترا «حق الانتداب» على الأرض المقدسة، ريثما تتم تهيئتها لليهود عبر ثلاثة عقود، ثم صدور قرار التقسيم «العادل» بين المغتصِب والمغتصَب، وتزايد قرارات فرض السلام مع هذا المغتصِب... كل ذلك يجري باسم «الشرعية الدولية» التي تتخذ كل حين آليات جديدة لزيادة الضغط وتفجير المواقف الثابتة للعرب والمسلمين.
ففي مـا يتـعلق بقـضية فلسـطين، كُـونت في السـنوات الأخـيرة لجـنة منبـثقة عـن الجـهات المتحكمة في تلك الشـرعية، هـي التـي أُطـلق عليها (اللجـنة الرباعية) والتي تضم الولايات «المتحدة» والأمم «المتحدة» و «الاتحاد» الأوروبي»، و «الاتحاد» الروسي! وكل هذه الأطراف (المتحـدة) قـد تـوافـقـت على «ثوابت» فيما يخص القضية الفلسطينية فـي ظل الفُـرقة التي تجمعنا. هذه الثوابت، التي يطلق عليها «مطالب الرباعية» تتمثل في: ضرورة أن يلتزم الفلسطينيون ـ والعرب والمسلمون من ورائـهـم ـ بـ (الاعـتراف) بحـق دولة اليهود في الوجـود على أرض فلسـطين؛ أي بمعنى أحقيتها في كل ما اغتصبته ولا تزال تغتصبه من أراضٍ ومقدرات ومقدسات هناك، هذا أولاً. أما ثانياً: أن يلتزم الفلسطينيون ـ والعرب والمسلمون معهم ـ بـ (نبذ العنف) أي عدم تحريك ساكن ضد جرائم اليهود القائمة كلها من أولها لآخرها على مسلسل من العنف الدموي الإجرامي من خلال الحروب والمعارك المتتابعة والتي وصلت الآن لست حروب في ستة عقود، بخلاف «حروب الحواشي» التي أُقحِم فيها العرب والمسلمون من أجل سواد عيون أبناء صهيون. أما الأمر الثالث من مطالب الرباعية أو ثوابتها، فهو «التزام» كل الاتفاقات السابقة بين العلمانيين العرب، والعقائديين اليهود، ابتداء من اتفاقات (كامب ديفيد) عام 1978م، ومروراً باتفاقية (أوسلو) عام 1993، و (وادي عربة) عام 1994م، وواي ريفر عام 1998م ووصولاً إلى «خارطة الطريق» عام 2002م؛ وهي كلها تـركز على ثابتين: الاعتراف بدولة اليهود، وتجريم أي مقاومة ضدها.
لكن اتفاقية أوسلو ـ على وجه الخصوص ـ هي الثابت الأول الذي يصرّ الأمريكيون والإسرائيليون والأمم المتحدة والروس على أن تكون أساساً لأي بناء يقام فيه أي كيان فلسطيني محتمل، سواء كان ذا وجهة علمانية أو صبغة إسلامية، أو هجيناً من هذا وذاك في شكل حكومة (وحدة وطنية).
وهـذه حقـيقة المعـركة التي تخوضها حماس الآن؛ فلقد كنت مقتنعاً منذ نجاحها في الانتخابات ـ ولا زلت ـ بأن تلك المطالب أو الثوابت (الرباعية) سيظل أصحابها يصرون على جر المسلمين والعرب والفلسطينيين إليها رويـداً رويـداً، مـرة بإشـعال النـار في مـعارك ومـداهـمات ومؤامـرات، ومرة بإحكام الحصار السياسي والاقتصادي، ومرة بإسقاط الخيارات وإفشال الحكومات التي يمكن أن تنشأ على غير تلك «الثوابت» الثلاثة التي استقرت عليها «الشرعية» الدولية، وتبعتها عليها «الشرعية» العربية.

«أوسلو» التي يحتكمون إليها:

هذه الاتفاقية التي أُبرمت عام 1991م في البيت الأبيض بين الطرف الفلسطيني الذي مثله (عرفات) والإسرائيلي الذي مثله (إسحاق رابين) رئيس الوزراء الأسبق، برعاية الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) كانت منعطفاً حاداً في خط سير القضية الفلسطينية؛ إذ إنها مثَّلت الركن الذي يرتكز عليه كل المبطلين للحق الإسلامي في فلسطين، بدءاً من اليهود وأعوانهم من الأوروبيـين والأمريكيين والروس، وانتهاءً بالعلمانيين العرب الذين لم يَثبُتوا على أي مبدأ خلال الستين عاماً الماضية من عمر القضية، والذين يلحّون الآن على التمسك فقـط ببنـود تلك الاتفـاقية، مع أن المـفاوضات السرية التي سبقتها وقادت إليها لم يُحط بها علماً أي زعيم عربي، حتى الذين سـبقوا إلى إبـرام معـاهدات (سلام) مع اليـهود!!


ـ نصت الاتفاقية في وثيقة (إعلان المبادئ) على انسحاب اليهود من منطقتي قطاع غزة والضفة الغربية اللتين احتُلتا عام 1967م، بحيث تترك إدراتهما لسلطة فلسطينية تُجرى انتخابات بشأن تكوينها، على أن يكون من مهام تلك السلطة الرئيسية (حفظ الأمن) في الضفة والقطاع بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية، من خلال لجنة للتعاون الأمني المشترك! وكان المعنى العملي لهذا البند من الاتفاقية، أن يتخندق الفلسطينيون العلمانيون من السُلطة إلى جانب الصهيونيين المحتلين لعموم فلسطين، ضد بقية الفلسطينيين ـ الإسلاميين ـ الذين (يعكرون) أمن اليهود!!
وهذا تماماً ما حصل خلال السنوات الأولى من قيام السلطة في عهد عرفات، حيث قام العميل (دحلان) بتأدية المهمة شر قيام.


ـ ونصت الاتفاقية على أن الجانب الفلسطيني لن يتلقى أي معونات اقتصادية من الخارج إلا من خلال لجنة مشتركة مع الإسرائيليين، تحدد معايير القبول أو الرفض، ومسارات الإنفاق أو الاستثمار لتلك الأموال، وهو ما فرض منذ وقت مبكر آلية رسمية صهيونية لفرض الحصار الإسرائيلي على الفلسطينيين في أي وقت يريده اليهود.


ـ حددت الاتفاقية مجالات الولاية المسموح بها إسرائيلياً لهذه السلطة على الأرض التي ينسحب منها اليهـود «تكتيكاً» وهي مجالات: (الصحة ـ التربية ـ الثقافة ـ الشؤون الاجتماعية ـ الضرائب ـ السياحة ـ الأمن الداخلي) وهو ما يعني إراحة اليهود من تبعة إدارة شؤون شعب معادٍ لهم، ريثما تكمل مخططات (الترانسفير) أو التهجير. أما القضايا الكبرى مثل: القدس والأقصى والمستوطنات والقواعد العسكرية في الأراضي المحتلة، والحدود واللاجئين وغير ذلك؛ فإن اتفاق أوسلو أرجأ البت فيها إلى ما بعد مرور ثلاث سنـوات من إبرام الاتفاقية، حتى يتسنى التأكد من (حسن السير والسلوك) لدى السلطة التي ستنشأ عن اتفاق أوسلو؛ حيث تنص الاتفاقية على البدء بعد تلك السنوات الثلاث فـي مفاوضات بشأن (الحل النهائي) للقضايا الكبرى.
وقد مرت السنوات الثلاث، وبعدها ثلاث وثلاث وثلاث، في اثني عشر عاماً، ولم يتأكد الإسرائيليون بعدُ من (حُسـن النـوايا) الفلسـطينية فـي سُلـطة عرفات، ومن بعدها سُلطة محمود عباس؛ لكي يبدؤوا بداية جدية في تلك المفاوضات النهائية التي جرت منها فقط مرحلة هزلية في نهاية أيام بيل كلينتون، أُطلق عليها (كامب ديفيد الثانية) عام 1999، ثم سرعان ما فشلت بعدما اكتشـف عـرفـات أنها ما بُـدئت إلا من أجل تسليم كلينتون للإسرائيليين مفاتيح مدينة القدس والمسجد الأقصى بشكل رسمي قبل أن يغادر البيت الأبيض، لكي يفعلوا فيه أو في أرضه بعد هدمه ما يشاؤون، تنفيذاً للمبادرة المشهورة بمبادرة (مازن ـ بيلين) التي يعترف فيها محمود عباس (أبو مازن) في اتفاقه مع يوسي بيلين (وزير العدل) الإسرائيلي السابق، بأن تكون القدس لليهود، وللفلسطينيين منطقة خارجها هي (أبو ديس) يتخذونها عاصمة بعد أن يُطلق عليها اسم (القدس)!!

الحل النهائي للتفاوض، والأقصى هو الهدف: بعدمـا فشـلت مـباحـثات (كـامـب ديفـيـد الـثانية) عام 2000م، وبعدما أدرك اليهود والأمريكيون أن استلام الأقصى سلمياً ورسمياً، ليس من السهولة بمكان، وكذلك التسليم بأن القدس يهودية؛ شرع شارون في تهييج اليهود ضـد الفلسطيـنيين، إسـلاميـين وعلمانيين، وهـو ما أشعل انتفاضة الأقصى التي استمرت نحو أربع سنوات؛ ومن يومها؛ والضغوط تتوالى على الفلسطينيين بكافة توجهاتهم من أجل إنشاء ظروف جديدة، تسمح بمعطيات أكثر حظاً لليهود عند أي دخول في مفاوضات نهائية، وقد جرت أثناء مدة المأفون شارون عدة تطورات، تهدف كلها لكسر الإرادة الفلسطينية أو تليينها، حتى تـذعـن لثـوابـت الـيهـود، وتـرضـى بـثوابت مـا يسـمـى بـ (الشرعية الدولية)!! وفي ظـل تلك «الشرعية» جرى قتـل وجرح واعتقال عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وقتل واغتيال العشرات من القادة والرموز، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، كما لم يسلم من غدر اليهود ياسر عرفات نفسه، حيث حاصروه في مقر السلطة التي منحوها له، وشاع أنهم تسببوا في قتله بالسُّم، حتى يُفسَح الطريق أمام قيادات جديدة، أكثر ليونة أو رعـونـة، ترضى ـ بعد كل ذلك ـ أن تُلتقَط لها الصور التذكارية في الاجتماعات (التشاورية) الودية، مع (شارون) ومن بعده (أولمرت) المتآمر القديم على القدس والأقصى أثناء تسلمه لمنصب بلدية القدس لعشر سنوات بدءاً من عام 1993م.
لا شك في أن ما جرى مؤخراً من فصول جديدة من التآمر ضد القدس والأقصى، يمثل مرحلة متقدمة من المشروع الهادف إلى إحكام سيطرة اليهود عليهما بشكل نهائي، حيث إن الأقصى يتوجب هدمه جذرياً، والقدس يتـوجب ضمها نهائياً، حتى تكتمل معالم (الدولة اليهودية) التي أشـار جـورج بوش الابن إلى ضرورة توافق الجميع على استكمالها، في حضور العديد من الزعماء العرب ـ ومنـهم محمود عباس ـ في مؤتمر خليج العقبة عام 2003م!
قناعتي أن الأقصى سيظل يختصر معالم الصراع الديني في قضية فلسطين، إسلامياً ويهودياً ونصرانياً، حيث يتوافق الجميع ـ بغير اتفاق ـ على أنه يبقى بؤرة صراع الأديان في المستقبل القريب والمستقبل البعيد، بعد أن كان محوراً لهذا الصراع منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام، عندما بنى داود ـ عليه السلام ـ مدينة القدس وأعاد ابنه سليمان بناء المسجد الأقصى فيها.

هذه ثوابتنا:
الأقصى هو المركز في قصة صراع الحق والباطل بين أتباع الديانات الثلاث؛ ولذلك فمنه ابتدئ سرد ثوابتنا الإسلامية؛ التي يُراد التصدي لها، أو القفز من فوقها إلى حيث ثوابت المغضوب عليهم والضالين، ومن دار في فلكهم من المنافقين:
ـ المسجد الأقصى ليس مجرد مسجد يمكن استبداله أو التفريط فيه؛ فهو يرمز إلى المعتقد الحق، الذي جاء به رسول الحق #، ناسخاً الشرائع السابقة؛ ولذا فإن التفريط فيه تفريط في العقيدة والشريعة معاً.
ـ الأرض المباركة حول المسجد الأقصى، قُدست لارتباطها بقدسية الرسالات السماوية التي خُتمت برسالة خاتم الأنبياء # ـ كما دلت حادثة الإسراء، والاعتراف بحق اليهود في الوجود فيها كدولة، هو خيانة لله وللرسول وللمسلمين.
ـ هذه الأرض فتحها المسلمون الأوائل من الصحابة ومن تبعهم؛ فلكل المسلمين فيها حقوق وعليهم واجبات؛ لأنها وَقْفٌ عليهم جميعاً، ولهذا لا يحق لكائن من كان أن ينفرد بتقرير مصيرها لغير صالح الإسلام والمسلمين؛ لأن نُصرتها أمانة في أعناقهم جميعاً بأرضها وشعبها ومقدساتها ومجاهديها ومرابطيها وأسراها وجرحاها.
ـ قضايا المسلمين الكبرى ـ كقضية فلسطين ـ لا بد أن يُرَدَّ الفصل فيها لأهل الحل والعقد من المسلمين، الذين يمثلهم في الأساس أهل العلم والفقه على مستوى العالم الإسلامي، أما الساسة والمتنفذون؛ فما عليهم إلا التنفيذ في حال القدرة والاستطاعة، إذا كانوا حقاً مخلصين للأمة.
ـ غـيـر المخـلصـين للمسـلمين، مـن المعادين للديـن أو المهادنين لأعدائه، ليس لهم من الأمر شيء، ولا ولاية لهم على قضـايا المسلمين انفراداً أو شراكة، بل ولا مشورة ولا بطانة؛ وتقريبُ هؤلاء أو التقرب منهم، فيه إزراء بالدين، وتغرير بالمسلمين.
ـ كل اتفاق أو معاهدة أو مبادرة تُبرَم أو تُطلَق من غير الاستناد الواضح لمرجعية الإسلام التي يقول بها العدول من أهل العلم، فهي مجرد حبر باهت على ورقٍ مهترئ، لا قيمة لها ولا اعتبار، ولهذا لا يجوز أن يكون الموقف حيالها هو الاحترام أو الالتزام.
ـ اليهود كانوا ـ وسيظلون للأبد ـ أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ويدخل في حكمهم من شايعهم من النصارى وغيرهم، ولهذا فإن دعوى (السلام الدائم والعادل) معهم، افتراء على الحق، وتضييع للحقيقة؛ لأن عداوتهم زادت وتضاعفت باغتصابهم لحقوق المسلمين وأراضيهم، وجهاد هـؤلاء لا يمكن القول بإبطاله أو تأجيله عن وقته، فضلاً عن القول بنبذه والتبرؤ منه؛ لأنه شرعة واجبة إما عينياً أو كِفائياً، وبخاصة في أرض فلسطين.
ـ الشريعة الإسلامية ـ لا النظم العلمانية ـ ستظل مرجع الحاكمية الواجبة في فلسطين وغيرها؛ فالتحاكم إليها واجب حتى عند عدم القدرة على تنفيذها، والعجز عن الحكم بها لا يسوِّغ التحاكم أو الرضى بغيرها، فضلاً عن السعي لتمكين غيرها للحكم في رقاب المسلمين ودمائهم وأعراضهم وسائر شؤونهم.
ـ أرض فلسطين وسائر بلاد الشام، فتحها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين الذي أحلوا فيها نهج الحق والسنَّة، فيجب تعظيم قدرهم فيها، وتعظيم المنهج الذي أحلُّوه فيها، دون فتح المجال لإجلال وتمكين البدعة وأهلها فيها من أعداء الصحابة وأعداء منهجهم الحق، كما حدث ذلك فيما جاور فلسطين من بلاد الشام.
ـ كما ظلت القومية والوطنية العلمانية وكذلك الثورية والليبرالية، تمثل خطراً على مسار القضية الفلسطينية من الخارج؛ فإن التقيد بالحزبية أو القطرية أو المجاملات الرسمية، يمكن أن ىؤخر مسار التقدم باتجاه هذه القضية المركزية عند كل المسلمين.
أعرف أن هناك من سيقول: أين نحن مما تتحدثون عنه، في زمن هوان المسلمين، وظروف تمكن الأعداء، ومناخ المعادلات الدولية والنظرات الواقعية لموازين القوى المؤثرة في طبائع الأحداث؟!

فأقول: الواقع ليس حُكماً على الشــريعة والعقيدة، هذا من ناحية.
 ومن ناحية ثانية: فإن هذا الواقع يتغير بسرعة لصالحنا كلما غيَّرنا ما بأنفسنا، كما تشهد بذلك ساحات الانتصارات الأخرى.
ومن ناحية ثالثة: فإن في مقابل تلك الثوابت الإسـلامية، هناك ثوابت (دينية) صهيونية، نصرانية تقابل كل بـند فيها، ولعلِّي أتـرك للقـارئ إجـراء تلك المقابلة والمقــارنـة، التـي لـم تحـجزهـم عـنها أوهـام الواقعية أو العصرانية.
ومن جهة رابعة: فإن الأجيال الإسلامية، لا بد أن تنشأ على المفاهيم والثوابت الإسلامية في قضاياها، حتى إذا عجزنا نحن، لم نورِّثهم ذلك العجز، أو نسلِّمهم لمسلَّمات وثوابت المبطلين، من العلمانيين وأشياعهم.
إن العلمانية العربية هي أكثر الأطراف حديثاً عن «الثوابت» ولكنها ثوابت تختلف عن ثوابتنا الإسلامية؛ ومـع هــذا فإنها كانت ولا تزال الأكثر تفريطاً فيها وتجاوزاً لها؛ فمن الذي لا يذكر ممنوعات عبد الناصر، ولاءات السادات، ومحرمات عرفات، واحتجاجات وتحفظات جبهات (الصمود والتصدي) و (البعث العربي) و (الجامعة العربية) بمؤتمراتها ومقرراتها التي تذهب تبـاعاً أدراج الرياح؟

إن تلك الثـوابت لـم يـبق مـنها الآن إلا بعض أشكال الممانعة التي تتشبث بها فصائل المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما؛ ومع هذا يراودها الأكثرون عليها، ويحاولون إبعادها عنها!
وبعدُ: فما الذي أوصل إلى كل هذا التراجع من طرفنا... مع ازدياد العناد والمزايدة من أطراف أعدائنا..؟!

السؤال الكبير:
في النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن الهجري، أي ما يوازي منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن الفائت، كان هناك سؤال يثور في الأذهان، ويدور على الألسنة، مؤدّاه: «لماذا أفغانستان وليس فلسطين؟!» حيث كان الجهاد لتحرير أفغانستان من الغزو الروسي يكتسب وقتها زخماً إسلامياً عالمياً، بعد أن أخذت القضية الأفغانية بُعداً اعتقادياً، جمع حولها قلوب المسلمين أفراداً وجـماعات ومجتمعات، بينما كانت قضية فلسطين ـ الأكبر والأخــطـر والأقدم ـ تعـانـي إهمالاً واضحاً، وضموراً لافتاً في الضمائر، انعكس على ما تترجمه السرائر والظواهر..!
لم يكن على الساحة الفلسطينية ـ حتى ذلك الوقت ـ بروز يُذكر لأي تجمع إسلامي شعبي يجاهد لأجل تحرير فلسطين، بالرغم من مضي زمان يزيد على زمن التيه من احتلالها، بينما وُجد في أفغانستان في غضون سنوات قلائل، جمع من المنظمات الجهادية، ظلت تنازل أكبر جيش في العالم في ذلك الوقت حتى أخضعته وأخرجته صاغراً من الأرض الأفغانية! لقد كان الجزء الأكبر من الإجابة على ذلك السؤال: «لماذا أفغانستان وليس فلسطين؟!» يكمن في وصف الحال هنا ووصفه هناك؛ حيث كان الفرق الكبير هو أن القضية الأفغانية أخذت بُعدها الإسلامي الاعتقادي إعلامياً وسياسياً بشكلٍ كافٍ؛ بينما كان أسر الإسرائيليين لفلسطين يكتسب الضمانات والحصانات من العلمانية العربية والفلسطينية التي ميَّعت القضية بخطاب بارد جاف، منزوع العقيدة، فاقد التأثير في قلوب المسلمين وعقولهم.
إن هذه الأمة مهما اعتورها من دَخَن أو دَخَل خارجي، هي في جوهرها الداخلي إسلامية القلب، إيمانية الوجهة، ولا يسـتطيع أن يؤثر فيها أو يأسر قلبها إلا من خاطبها بلسان الإسلام والإيمان، حتى ولو كان ذلك بالمظاهر والشـعارات؛ فهـي قـد تُخـدَع لمن خدعها بالإسلام، ولكنها تصدُق مع من صَدَقها في خطاب الإيمان. وقد فهم أعداء الأمة هذا جيداً، فكانوا حريصين كل الحرص على ألاَّ يخاطبها أحد بذلك الخطاب الإسلامي إلا فيما يتقاطع مع مصالحهم، في حين لا يزعجهم كثيراً خطاب الشعارات المائعة، قومية أو وطنية، ثورية أو ليبرالية؛ فهي وإن علا صوتها وتزاحم ضجيجها، فإنها لا تعدو أن تكون قعقـعة في بطن جوعان أو زوبعة في قعر فنجان!! وهـذا ما حدث عندما خاض العرب تحت تلك الرايات والشعارات حروب الهزائم الكبرى، مستبعدين الإسلام، متجاهلين المسلمين غير العرب، لتظل هذه القضية، قضية (قومية عربية) علمانية.. لم تلبث أن تحولت إلى قضية (وطنية فلسطينية) علمانية أيضاً.

لكن لما ظهرت التوجهات الإسلامية في فلسطين على يد حماس والجهاد الإسلامي، كان واضحاً أن هناك تغيراً طرأ على الساحة الفلسطينية، وهو قابل للتطور باتجاه (أسلمة القضية) وهنا قال العلمانيون.. وقال الإسرائيليون والأمريكيون قبلهم: لا...! ولهذا كانت (مدريد) وكانت (أوسلو) التي تعد الوليد ـ أقصد اللقيط ـ الأول للعلاقة الجديدة الناشئة بين العلمانية الفلسطينية والكيان الصهيوني.
لقد أطاحت(أوسلو) وأخواتها بأهم الثوابت المتعلقة بالصراع مع اليهود المغتصبين، بعد أن أغلقت فتح ملف الثوابت الفلسطينية، ولم تُبْقِ منها إلا مسألة الدولة الفلسطينية بزعامة علمانية «صديقة» لليهود، ومع ذلك ظل أصحابها يتحدثون أكثر من غيرهم عن (الثوابت الفلسطينية) التي لا تختلف الآن كثيراً عن الثوابت الإسرائيلية التي تنافح عنها (اللجنة الرباعية) وكان آخر ذلك تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مع حركة حماس؛ حيث قال في لقائه مع كونداليزا رايس وإيهود أولمرت: «كل الوزراء في الحكومة سيلتزمون بثوابت الرباعية، ولن يلتزموا بإملاءات الجهة التي جاؤوا منها» (يقصد حماس بالطبع)!
إننا أمام معادلة تقول: كلما انخفض سقف الخطاب العربي والإسلامي في القضية الفلسطينية، ارتفع سقف الطمع في التنازلات والتراجعات على الجانب المعادي، إسرائيلياً كان أو أمريكياً أو أوروبياً؛ ولهذا أقول: إن هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه الإسلاميين الفلسطينيين في حماس وغيرها.

السؤال الأكبر:
بعـد عام تقريباً من الآن، يكون الاحتلال اليهودي لفلسـطين عـام 1948م قـد مضـى علـيه سـتون عاماً، وإذا أرَّخنا لضياع فلسطين باحتلال الإنجليز لها عام 1918م، والذي تواصَل حـتى الاحتلال الإسـرائيـلي، يكون قد مضى في العام القادم على القضية الفلسطينية تسعون عاماً!
خلال الستين عاماً... أو التسعين عاماً، أضاع العرب والمسلمون الكثير والكثير من الفرص لتحرير فلسطين، وما ذلك ـ في رأيي ـ إلا بسبب التخبط والتردد والتخليط في اختيار الرايات التي ستُحرَّر تحت ألويتها الأرض المقدسة المغصوبة، حيث أكثرَ ساستنا التنقل بين الليبرالية والاشتراكية والقومية والوطنية، مستعينين تارة بالشرق، ومرتمين تارة في أحضان الغرب، وهو ما جعل «ثوابت» القضية الفلسطينية لا تكاد تثبت على حال.
تراودني كثيراً في الآونة الأخيرة تساؤلات، تنطوي على مقارنات، بين أوضاع قضية (احتلال فلسطين) التي مضى عليها ما يقرب من ستين عاماً أو تسعين عاماً، وبين قضية (احتلال العراق) التي مضى عليها نحو أربع سنوات فقط!!
وتبرز في تلك التساؤلات الكثير من الفروق والمفارقات:
فلسطين أكثر قدسية أم العراق..؟
اليهود أكثر عداوة للذين آمنوا أم الأمريكان..؟
الجيش الأمريكي أقوى أم الجيش الإسرائيلي..؟
الاحتلال الصهيوني لفلسطين أقدم وأخطر وأطول، أم الاحتلال الأمريكي «المؤقت» للعراق...؟
الدعم الحكومي الرسمي والدعم الشعبي العربي والإسلامي لحركات «التحرير» الفلسطينية كان أكثر على مدى الستين عاماً الماضية، أم «الدعم» المقدم لحركات المقاومة العراقية على مدى أربع سنوات..؟!

المشاركة والتسهيل والدعم لاحتلال أراضي فلسطين عامي 48، 67، كان أخطر؛ أم أن ذلك الذي كان في حالة العراق، إلى الدرجة التي أوصلت إلى وجود احتلال «إيراني» موازٍ للاحتلال الأمريكي في أرض الرافدين..؟!
سنجد بعد الإجابة الموضوعية عن تلك الأسئلة ـ أن الفارق كبير جداً بين مؤهلات الانتصار الأسهل في فلسطين (افتراضاً) ومسببات الانتصار الأصعب في العراق (واقعاً)!
وهـنا نعـيد السـؤال القـديم ـ بصــيـغة جـديـدة ـ: «لماذا العراق.. وليس فلسطين؟!» لا تقليلاً من قدر العراق أو تهويناً من خطر الأمريكان، ولكن، لنطرح ذلك التساؤل الأصعب: كيف حققت المقاومة العراقية تلك الانتصارات المذهلة في ذلك الوقت القياسي القليل جداً، مع تلك الإمكانات المحدودة جداً وفي تلك الظروف الأصعب جداً؟! في حين أنها تقاتل في وقت واحد عدوين كبيرين: علوج الأمريكان الهائجة وجُعلان إيران الهمجية؛ إضافة إلى قوات التحالف المجموعة من حثالات الأمم!
إن المقاومة في العراق لم تحرز انتصارات كبيرة على أمريكا وحلفائها فحسب، في ظروف استضعاف وتنكُّر وخذلان وإعراض من الأكثرين؛ بل إن أداءها الأسطوري المرعب لأعداء الله، كان سبباً ـ بفضل الله ـ في حماية بقية دول الجوار من بقية مسلسل الجور الأمريكي الذي كان مخططاً لما بعد نجاح الغزو في العراق.
ونعود إلى فلسطين.. حيث السؤال الذي لا يزال يفرض نفسه: متى نرى في اليهود هناك، مثل ما نرى في الأمريكيين وحلفائهم في العراق..؟!

إن الجواب يمكن التفصيل فيه، ولكنه يكمن في كلمات محددوة: تنقية الراية، وتصفية وتقوية الثوابت الفلسطينية إسلامياً لتكون خالصة من شوائب «الثوابت» العلمانية، ومصادرها الرئيسية المستمدة من مبادئ الظلم الكامنة في «الشرعية الدولية» ذات الوجهة الصهيونية.
إن الشعب الفلسطيني ـ من حيث هو ـ شعب أبيٌّ صابر ومجاهد ومرابط، ولا يمكن المزايدة على تضحياته بتضحيات أخرى، ولكن تسلط بعض زعاماته بفرض قناعات بعيدة عن المنهج السوي، هو ما قلل من قطف ثمرات تلك التضحيات، وإن ما نشهده من تضييق (الحصار المنهجي) على حركة حماس لتتخلى عن الثوابت الإسلامية، لهو أخطر من الحصار الاقتصادي المفروض على بقية الشعب؛ لأن حصار البطون سيهون وينتـهي، ولكن حصار العقول والقلوب لو نجح ـ عياذاً بالله ـ فسوف يباعد أكثر من النصر، ويمكِّن أكثر للعدو، ويفتح المجال لسنن الاستبدال.
إن فلسطين في حاجة إلى مزيد من التشبث بتحرير الولاء لله، لتحرير المقدسات والأراضي والمقدرات من أعداء الله، وهذا ما سوف يحدث قطعاً، عندما تكون الرايةُ الإسلامَ، والغاية العبودية؛ فبهذين الوصفين، سيلتفت العرب وسيتضامن المسلمون، بل سينطق الحجر والشـجـر لنـصرة المظـلومين ضد اليهود الظالمين، مصداقاً لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله!» فالنداء هنا بوصف الإسلام ووصف العبودية وليس بالقومية أو الوطنية العلمانية التي أضاعـت الأرض والعرض في فلسـطين لنحو تسعين عاماً.