الأحد، 31 يناير 2016

لازم نفهم | انفراد.. أول تصريح لقاضي تحقيق فساد الداخلية

قيادات الأمن بمصر نهبت الأموال ورفضت إعادتها (فيديو)

     قرار الإحالة في المليار جنيه اكتفى بـ12 متهما مع العادلي - أرشيفية 


القاهرة - عربي21 - حسن شراقي
كشفت تقارير صحفية النقاب، عن أن قيادات وزارة الداخلية المصرية، المتهمين في القضية المعروفة إعلاميا بـ"فساد وزارة الداخلية"، وعددهم بالعشرات، رفضوا رد ملايين الجنيهات التي حصلوا عليها تحت اسم "حافز مواجهة المخاطر الأمنية"، على عكس ما رددته وسائل إعلام عن قيامهم بسداد تلك المبالغ.

وقرر قاضي التحقيق في القضية، المستشار محمد عبد الرحمن أبو بكر، أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد 80 مسؤولا بمؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الداخلية والمالية والنقل والجهاز المركزي للمحاسبات، في قضية اتهام  اللواء حبيب العادلي، (آخر وزير داخلية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك)، بالاستيلاء على أكثر من مليار جنيه من ميزانية الوزارة.

لم يردوا أي أموال

وفي مداخلة هاتفية مع برنامج "لازم نفهم"، عبر فضائية CBC eXtra، السبت، فجر قاضي التحقيق المذكور، مفاجأة كبرى، عندما كشف أن ما نُشر عن رد قيادات الداخلية لما تقاضوه من أموال، ليس له أي أساس من الصحة.

وقال: "محصلش.. أن أي حد - ممن تم استدعاؤه للتحقيق - سدد أي مبالغ".

وأكد المدير الأسبق لقطاع الإنتاج الإعلامي بوزارة الداخلية، العميد علاء محمود، المتهم باختلاس 11 مليون جنيه، ما ذكره قاضي التحقيقات، قائلا إنه لم يرد جنيها واحدا من هذا المبلغ، مقرا - في الوقت نفسه - بصرف المبلغ باسمه، لكنه زعم أنه تم استخدامه في صناعة أفلام، وأغان، ومواد دعائية، ضمن مهام إدارته.

وأضاف أن التحقيقات انتهت معه إلى أنه لا وجه لإقامة الدعوى، بعد أن قدم المستندات التي تؤكد إنفاقه لجميع المبالغ في قنواتها الشرعية، وأن التحقيقات جرت في حجم إنفاق بامتداد 11 سنة، بداية من عام 2000 حتى 2011، وكانت الوزارة تنتج عن طريق الإدارة التي يتولى مسؤوليتها برامج عدة بالإضافة لأفلام تسجيلية وأغان واحتفالات، وأن هذه الأمور كانت تتم بموافقات رؤسائه، وقيادات الوزارة.
كما قالت "رشا"، ابنة مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الشؤون القانونية، اللواء الراحل حمدي عبدالكريم، إن والدها لم يقم برد أي أموال في القضية التي أُقيمت بعد وفاته، مشيرة إلى أنها بدأت في إجراءات التأكد مما نشر حول حصوله على 935 ألفا و844 جنيها، تحت مسمى: "حافز احتياطي لمواجهة الأهداف الأمنية".

وكان مدير المباحث بجهاز الأمن الوطني سابقا، (أمن الدولة)، اللواء محسن الفحام، رد في وقت سابق 35 مليون جنيه لجهاز الكسب غير المشروع، في قضايا، ومخالفات أخرى.

قرار الإحالة في المليار جنيه اكتفى بـ12 متهما مع العادلي

وفي قراره اكتفى قاضي التحقيقات بإحالة وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، و12 قيادة أمنية أخرى، إلى محكمة الجنايات، بتهمة إهدار المال العام، في الفترة من 2000 حتى 15 تموز/ يوليو 2011، كونهم المسؤولين عن صرف هذه المبالغ إلى باقي المتهمين المستبعدين، ومن ثم قضى بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى" ضدهم، ما ترتب عليه عدم رد تلك القيادات للمبالغ التي أعلنتها وسائل الإعلام.
وحددت محكمة الاستئناف جلسة 7 شباط/ فبراير المقبل للنظر في القضية.

وجاء بأمر الإحالة أنه بناء على الثابت من التحقيقات مع المتهمين (12 متهما بخلاف العادلي)، أمر الرئيس بمحكمة الاستئناف، المستشار محمد عبدالرحمن، بإحالتهم إلى المحاكمة الجنائية.
ونسبت الإحالة للمتهم الأول (حبيب العادلي) أنه بصفته موظفا عموميا، والقائمين على السلطة العامة (وزير الداخلية)، استولى بغير حق، وبنيّة التملك، على 530  مليونا و514 ألف جنيه، المملوكة للوزارة لكونه الوزير، بأن وافق على خلاف القانون، وبغير مقتضى على صرف مبالغ من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة (الأجور والتعويضات)، تحت مسمى "احتياطي مواجهة الأهداف الأمنية"، واختص منها بالمبلغ، وارتبطت الجناية بجناية تزوير ارتباطا لا يقبل التجزئة.

ونسبت الإحالة للمتهم الثاني، نبيل خلف، أنه بصفته رئيس الإدارة المركزية للحسابات والميزانية بدرجة وكيل وزارة، استولى بغير حق، وبنيّة التملك على 41 مليونا و155 ألف جنيه، المملوكة للدولة لكونه مختصا بالعرض على الوزير، وحصل على موافقته لصرف المبلغ من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة.

وكذلك أشار أمر الإحالة إلى أن المتهمين جميعا أضروا عمدا بالجهة التي يعملون بها، بمقدار مليار ومائة وأربعة وثلاثين مليونا وتسعمائة ألف، بأن أضاف المتهم الثاني - على خلاف القانون - إلى بنود حوافز العاملين بالوزارة، بندا يسمى "احتياطي مواجهة الأهداف الأمنية".

"متهم وجريمة ولا نستطيع محاكمته"

وكانت الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية نشرت، خلال اليومين الماضيين، تقارير مطولة عن فساد قيادات سابقة بوزارة الداخلية المصرية، تشمل تلقيها لسنوات ملايين الجنيهات، تحت اسم "حافز مواجهة المخاطر الأمنية".

وجاء على رأسهم مدير مباحث أمن الدولة الأسبق، اللواء مصطفى الفحام، بواقع 37 مليونا، و10 ملايين أخرى لمدير أمن القاهرة الأسبق، إسماعيل الشاعر، و8 ملايين لمدير شرطة المجتمعات العمرانية الأسبق، محمد درويش.

كما وردت أسماء ثلاثة من أمناء الشرطة هم: محمد عبدالسميع بالإدارة العامة لمباحث الأمن الوطني، وحصل على مليون ونصف المليون جنيه، وكرم أبو زهرة الذي حصل على مليون و350 ألف جنيه، وفرج حسن محمد، مندوب الإدارة العامة للإعلام والعلاقات بالوزارة الذي حصل على 4 ملايين جنيه.
والأمر هكذا، وصف الكاتب الصحفي محمود سعد الدين "فساد الداخلية" بأنه "متهم وجريمة ولا نستطيع محاكمته".

وقال إن مديري أمن وقيادات كانوا يصدعوننا يوميا بأنهم حماة الوطن وحراسه، إلا أن الواقع كشف غير ذلك، وكانت المفاجأة الكبرى أن كل المعلومات المنتشرة بشأن رد قيادات الداخلية ملايين الجنيهات غير صحيحة، وأنه لم ترد أي قيادة من القيادات الأمنية أي أموال، لأنهم كانوا حسني النية عن تلقيهم تلك الأموال، وحصلوا عليها بطريق مشروع من المدير المالي بوزارة الداخلية، وبالتالي لا يوجد في القانون ما يلزم قيادات الداخلية برد الأموال.

وتابع: "أنا وأنت لا نستطيع محاسبتهم قانونا.. لماذا؟.. لأن القانون في صالحهم.. القانون منح عددا من الضباط عشرات الملايين، كان من المفترض أن يصل لباقي الضباط ممن يخدمون الوطن فعلا.. لدينا جريمة مكتملة الأركان، ولا نستطيع محاسبة الجاني".

وأضاف: "تخيل أن هناك أمين شرطة حصل على 4 ملايين جنيه مكافآت.. ليه يعني.. بمناسبة إيه.. إيه الخدمة العظيمة التي كان يعملها للبلاد؟.. وتخيل أن مندوب شرطة.. أقصد أنه بدرجة أقل من أمين الشرطة حصل على مليون جنيه".

السليط الإخباري - الحلقة التاسعة

السليط الإخباري

الحلقة التاسعة

العالم يبكي خشوعاً بعد سماع أدعية فضيلة الرئيس محمود عباس.
حلم نيكولاس ينهار بسبب ميركل وطاجيكستان.
من السيسي إلى شعب مصر العظيم: التاريخ لن ينسى شهداء مصر الأبرار. 


كاريكاتير يمشي على قدمين

كاريكاتير يمشي على قدمين

 وائل قنديل

كان الناس يسخرون من الرئيس الديكتاتور الفرعون المنتخب، محمد مرسي، بالكاريكاتير والغرافيتي على أسوار قصره، يرسمون خروفاً، وينقشون على الجدران أحطّ العبارات، وأكثر المفردات بذاءة، ويعودون إلى بيوتهم آمنين.
كانت النخب السياسية والثقافية تعتبر ذلك إبداعاً احتجاجياً، ونضالاً سياسياً، تتم استضافة أصحابه في الاستوديوهات، بما يليق بأبطال مغاوير.
الآن، صار رسم كاريكاتير ينتقد عبد الفتاح السيسي على صفحةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي جريمةً تقود صاحبها إلى المعتقل، وباتت عبارةٌ في مقالٍ، أو جملة في حوار تلفزيوني، كافية لإطاحة مرتكبها.
الذين يديرون عبد الفتاح السيسي عن بُعد، يجيدون العزف، فيرفعون إيقاع الانتهاكات، ويخفضونه في توقيتاتٍ مدروسةٍ بعناية، فحين يبدو المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، متجهاً إلى تدليل جزار سورية بشار الأسد وتعويمه، بعد كل هذا السجل من الجرائم، تلتقط منظومة السيسي الإشارة سريعاً، وترفع منسوب القمع والمصادرة والقتل خارج القانون والعصف بالحريات.
لا يمكن النظر إلى دعوة وزير العدل إلى هولوكوست للمعارضة بمعزلٍ عن تجريد الباحث عاطف بطرس من مصريته، والتحريض على اغتيال الشابين، شادي ومالك، والإمعان في عمليات القبض والاعتقال، التي كان آخر ضحاياها فنان الكاريكاتير الشاب إسلام جاويش، بتهمة انتقاد السيسي.
ينزعج السيسي من الكاريكاتير، لأنه يدرك أنه ليس أكثر من "فوتوشوب"، أو كاريكاتير سياسي يمشي على قدمين، زعامة كارتونية مصطنعة، لا تصمد أمام تيار هواء نقي. لذا، يضعونه في "فاترينة زجاجية" مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب والتصوير".
بعد أسبوعين من قرصنة السيسي على الحكم، قلت إن السؤال المطروح الآن، بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب: هل سيكون مسموحاً بمعارضة النظام الجديد/ القديم الصاعد إلى سدة الحكم مشياً فوق أشلاء الديمقراطية؟ 
ورصدت أن الأمر، بعد انقشاع بعض الغبار عن سماء السياسة المصرية، يشير بوضوح إلى أن كل ما كان يُشتم محمد مرسي، ويُهان بسببه، يحدث الآن من السلطة الجديدة، وسط تصفيق حاد من المعارضة (أو من كانت المعارضة)، وتبريرٍ لا يتوقف لكل أعمال القتل والتنكيل والاعتقال التي تدور بلا هوادة.
وأن من كانت معارضةً تأخذ على عاتقها، الآن، مهمة الدفاع عن كل ممارسات السلطة الجديدة، وكأنهم انسخطوا جميعاً، وتحولوا إلى حالة "أحمد سبع الليل"، جندي الأمن المركزي الذي كان يحارب أعداء الوطن في فيلم "البريء"، للراحل عاطف الطيب.. 
ويدهشك أن بعضاً من زملاء ورفاق عاطف الطيب أنفسهم يتقمّصون شخصية "سبع الليل" حالياً في مواجهة الأعداء في "رابعة" و"نهضة مصر" و"رمسيس".
تلك هي المسألة بدقة: أن تسكت أمام قمع وانتهاك من لا تحبهم، بل وتحرّض عليه أحياناً، لا يعني أنك في أمن من جنون السلطة التي تصفق لإجرامها، وهذا ديدن الثورات المضادة والانقلابات في تاريخ البشرية، تستخدم مجموعاتٍ من أجل الفتك بمجموعات أخرى، وحين تفرغ منها تنقض على المجموعات الأولى.
هنا، تبرز قيمة المبدئية وأهميتها، وتظهر وضاعة الانتهازية وحقارتها.. فليس أفضل من أن تكون مع الحق، حيثما كان، وتنحاز للعدل، أينما حل، فتدافع عن حق من تختلف معهم، وتطالب بالعدل لخصومك، مثلما، بل قبلما، تطلبه لنفسك.
أقول ذلك، وأنا أرى فريقاً من ضحايا الظلم والعسف لا يجدون ما يتعاملون به مع الاستقالة المدوية للقاضي محمد السحيمي، احتجاجاً على مكارثية وزير عدل السيسي وفاشيته، سوى التفتيش في المواقف القديمة للضحية، وإبداء نوعٍ من الشماتة فيه، أو بالحد الأدنى، التشكيك في الدوافع الأخلاقية لاستقالته، بحجة أنه كان ضد "الإخوان"، أو جزء من النظام الانقلابي، على نحو يذكّرك بتلك المشانق التي علقها نفر من داعمي الشرعية للمستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بدلاً من التعاطي بجدية وإيجابية مع تقريره المزلزل عن فساد الجهات السيادية.
اطلبوا العدل ولو للخصوم، وانشدوا الحرية للجميع، لا للأصحاب والأصدقاء فقط، وراجعوا تجربة الثلاثين شهراً الماضية، ستكتشفون أنكم أكلتم يوم أكل الثور الأبيض، وأنتم تتفرجون صامتين.

جو تيوب | بطرمان السيسي حلقة جديدة ٢٠١٦ هتموت من الضحك


Joe Tub

  جو تيوب   

 بطرمان السيسي 



حلقات جوتيوب


شهادتي على ميلاد أمة في رابعة الصمود


شهادتي
 على ميلاد أمة في رابعة الصمود




-العنوان: شهادتي على ميلاد أمة في رابعة الصمود
-المؤلف: د. جمال عبد الستار محمد
-عدد الصفحات: 198 صفحة
-الناشر: مؤسسة الريان
-الطبعة: الأولى، بيروت، 2014

عرض/جاد الكريم المطاوعي

يعرض مؤلف كتاب "شهادتي على ميلاد أمة في رابعة الصمود" شهادته، ويروي بقلمه وكاميرته الكثير من الأسرار ومشاهداته في اعتصام رابعة، حيث شارك وعايش أحداثه كلها لحظة بلحظة.
د. جمال عبد الستار ليس مجرد أزهري ومتخصص بالدعوة الإسلامية أستاذا وداعية ومسؤولا حكوميا (وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة أيام مرسي).. بل شاهد عيان المحرقة.

وفي البداية يجيب المؤلف عن سؤال: لماذا الاعتصام؟ حيث يوضح أنه بعد أن وصل الإسلاميون لسدة الحكم وفق الآليات الديمقراطية نكص المتشدقون بالمدنية ونادوا بلا خجل بدولة عسكرية، بل هدموا ما بناه الشعب وقتلوا المخالفين أو اعتقلوهم، وعسكروا الشوارع والميادين.
لذا كانت المواجهة حتمية لا بين تيار بعينه، بل شعب تاق للحرية وبين قوة غاشمة ألفت رؤية الشعب خاضعا لها، فاتخذ الاعتصام وسيلة لاستكمال أهداف ثورة يناير "فكانت رابعة ميدانا وميقاتا لإعداد أمة جديدة ومخيما ربانيا عجيبا".

من قلب الحدث
يقول الكاتب: لم أتحدث عن اعتصام "ميدان النهضة" ليس تجاهلا، فأنا لم أشرف بالذهاب إليه لاعتصامي الكامل في رابعة من أولى لحظاته، فآثرت ألا أكتب إلا ما رأيته.

ثم يشرع بالدخول فيخيرنا بين أي من مداخل الميدان الأربعة الرئيسة (المنصة وطيبة مول وصلاح سالم والتأمين الصحي)، فتقع عينك على متطوعين مهمتهم الحفاظ على السلمية بالتأكد من شخصية الداخلين ومنع البلطجية والمندسين، وقد مرض أحدهم وكان مسنا فأبى إلا الاستمرار حتى سقط مغشيا عليه ثم لقي ربه مرابطا.

ويتنقل بنا بين خيام الاعتصام فترى إبداعا في بنائها، وكأنك تجد لكل قرية مصرية خيمة، وساكنوها من مختلف الطبقات والأعمار والتوجهات، وقاسمهم المشترك رفض الانقلاب، وهم بين القرآن والتزكية والنقاش، ورغم "الازدحام الشديد ينفصل الرجال عن النساء في أدب راقٍ وخلق رفيع".

أما منصة الميدان -التي أذهلت الملايين وأربكت حسابات الانقلابيين وتابعتها أجهزة الاستخبارات العالمية والمحلية- ففيها تُلقى البيانات، ويعتليها سياسيون وصحفيون وفنانون وشعراء وقضاة، والعلماء تاج رأس المنصة.

ويدلف الكاتب بنا لخيمة التوثيق المزودة بأجهزة حاسوب وكاميرات تصوير لحفظ الفعاليات لتكون أرشيفا للأجيال.. وطائرات بسيطة بدون طيار مزودة بكاميرات تم شراؤها عن طريق الإنترنت، سعر الواحدة عشرة آلاف جنيه.


غرفة السلاح.. والبث


وينتقل الشاهد (المؤلف) بين جنبات مسجد رابعة وقد أصبح مؤسسة تربوية سياسية اجتماعية إعلامية صحية علمية أدبية متكاملة، وقد خصصت فيه ساحة للنساء.
ويطلعنا على غرفة الإمام وقد أصبحت مقرا لمجموعة من العلماء لتوزيع المحاضرات وإمامة الصلوات ودروس النساء، علاوة على بث روح الثبات في قلوب المعتصمين وترشيد حماسة الشباب.

ويضيف: ظلت الغرفة صامدة حتى أحاطت بها النيران فاحترقت بكل ما فيها حتى أتت على السلاح الذي غمز به الانقلابيون. وفي لحظة اعتراف يقول الشاهد: نعم، كان هذا السلاح مع أكثر المعتصمين أفرادا وعلماء، وفي كل خيمة.. لقد أحرقوه، إنه كتاب الله.

ويتحدث الكتاب عن دور بعض مهندسي الاتصالات والإعلاميين المعتصمين في إعادة تشغيل أجهزة التلفزيون الحكومي بعد أن انصرف الطاقم بعد الفض ليعود بث الجزيرة والحوار والقدس واليرموك وغيرها، ولتنقل وقائع الاعتصام من أول لحظة، وأحلك عشر ساعات لمذبحة فض رابعة، ولينكشف زيف الإعلام الرسمي.


من روائع الميدان


ويسطر الشاهد صورا ونماذج للصمود نقتطف منها: "استوقفتني امرأة، قائلة: يا دكتور أنا فقيرة، فظننتها تريد صدقة لكنها سرعان ما قالت إنها لا تجد ما تنفقه على المعتصمين غير ما تبقى لها من ذكرى زوجها (دبلة الخطوبة).

ويمضي: "ومُسن استشهد أحد أبنائه الثلاثة وأصيب الثاني واعتقل الثالث، يقول "قد حضرت لأكمل المشوار حتى نسقط الانقلاب..".

ويحكي باسما عن خيمة لأسرة تطل على غرفة الإمام يستيقظ أطفالها باكرا بالصياح واللعب، والأم تهدهد رضيعها مداعبة "ارحل يا سيسي.. يسقط حكم العسكر". وشاب يحفظ القرآن أصيب فيوصي ابن قريته "أنا اقترضت من شركة فودافون رصيدا.. أرجوك سدده عني" ثم تفيض روحه.

وآخر يستعطف الكاتب أن يدعو له بالشهادة، فيخبره والده بالنبأ سعيدا، فأبادره "لقد صدق الله فصدقه"،

وثالث رُزقَها ولم يعتصم لتردده جراء أكاذيب بعض "الإعلاميين" لكنه حسم أمره وتوجه للميدان ينقل المصابين فجاءته رصاصة من خلفه، ورابع طلب أن يُحلق له "حلاقة الشهادة" فيُلبى له طلبه، ويستجيب له ربه، وخامس يأبى تحت وقع الرصاص إلا أن يؤذن لصلاة الفجر لوقتها وهو يترنم بصوته حتى أكمل نداء الصلاة، قائلا "فيا هناء من استشهد وهو يرفع الأذان".

وشيخ، يلفظ شابٌ أنفاسه الأخيرة على يديه قائلا "اثبتوا.. الجنة حلوة "أوي" (جدا)". وامرأة أرستقراطية تأتي وبيدها زوجها المستشار "هندخل علشان ندعمكم" بعد أن كانت تصرخ في المعتصمين "انتو شوية كلاب". وصعيدية تدفع ابنها يوم الفض "كيف نترك إخوتك ونخون الدماء؟ لا يا بني، يا نموت معاهم يا نحقق مناهم".

صمود المعتصمين واتساع دائرة التأييد للشرعية والزحف الشعبي خاصة بالعيد وفقد الأمل في يأس المعتصمين عوامل عجلت بفض الاعتصام
وأسرة قضى بالغاز السام اثنان من أطفالها الثلاثة، والأب المكلوم يخاطب زوجه "لم يعد لي في هذه الدنيا مكان، فإما أن أسترد حق أولادي أو ألحق بهم". فتودعه، وبعد عشر دقائق يأتيها محمولا وقد تفجر رأسه برصاصة فلحق بصغيريه.

بأي ذنب قتلونا؟

وفي الفصل الثاني يروي د. عبد الستار بعضا من أسرار مجزرة الحرس والمنصة وفض رابعة، ففي جمعة 5 يوليو "تعاهدنا على المسير إلى الحرس الجمهوري للمطالبة بتسليمنا الرئيس المنتخب، وألا يخرج أحدنا إلا بعد كتابة وصيته".

واصطف الأئمة بزيهم الأزهري يحملون المصاحف، فهرعت الآلاف خلفهم فتحولت لمليونية قوبلت برصاص قوات نادي الحرس وعلت الرؤوس الطائرات ولم يمنع القتل من زحف الجماهير.. "فأخذت أنادي على كل واحد منهم (قيادات الحرس) باسمه ورتبته أن احفظوا مصر من الفتنة، وذكرناهم بحب الله ثم الوطن".

وكان الدعاء مع اليقين حتى تأثر الجند فانهمرت الدموع من عيونهم فاضطروا لاستبدالهم، وكانت لحظات صدق فـ"الشعب والجيش يد واحدة" ومر السبت بهدوء وجاء الأحد يوم التفاوض والحوار، وحضر لنا عميد فأخبرناه بمطلبنا فوعدنا أن يبلغ القيادة طالبا مهلة ساعة.. وجاء الرد بالركعة الثانية لصلاة الفجر: قنابل غاز ورصاص حي في ظهور الساجدين بدعم مجموعة من فوق أسطح المباني تمارس هواية إصابة العيون وتفجير الرؤوس.

واستمر القتل حتى التاسعة والنصف صباحا تقريبا، وكان من بين الشهداء أساتذة وطلاب جامعات أزهر وإعلاميون ومهندسون ودعاة.

ومن نجا اعتُقل، وقد أرغموا البعض على التصوير وهم يحملون السلاح ولفقوا لهم قضايا قد تصل إحداها للإعدام، وقد نقل الشاهد عن واحد ممن أطلق سراحه أنه شاهد بنفسه رصاصة تأتي من جهة قوات الجيش لتستقر بجسد أحد الضباط فترديه قتيلا.

وفي جمعة الـ17 من رمضان تقاطر المصريون على "رابعة" حتى وصل ذروته بعد صلاة العشاء والقيام، فجاءت فكرة التمدد خارج الميدان بالقيام بمسيرة في شارع النصر، واصطدمت بكمين و"لاحظنا حقدا دفينا من استهداف المعتصمين السلميين" وضربا استمر من الواحدة ليلا حتى التاسعة صباحا، ولم يسلم من لاذ بجامعة الأزهر للاحتماء من نيران بلطجية أمن الدولة من أعلى كلية الدعوة الإسلامية ومسجد الزهراء. ويتساءل الشاهد: من فتح لهم الأبواب، ومن أدخل الأسلحة والقنابل؟

ويفند الكاتب ادعاء وزير الداخلية بأن المعتصمين كانوا ينوون حرق قاعة المؤتمرات "وأنا أعجب من تصديق العامة وصمت العلماء وخرس مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية: فكيف عرف السفاح نيتهم؟ وهذه القاعة كانت تقع بمنطقة الثوار فلماذا لم يحرقوها؟ وهل بمجرد النية يقتل المئات ويصاب ما يزيد على ألف؟ وهل من حق الشرطة أن تقتل بمجرد الظن؟

المحرقة 
ويتساءل الشاهد الناجي من المحرقة: لماذا فض الاعتصام بالقوة والأجهزة السيادية والأمنية على علم -من خلال عناصرها داخل الاعتصام- بتفاصيل ما يحدث بالميدان والخيام والمنصة على الهواء مباشرة؟

ويجيب: كنا ندرك أننا أمام اعتداء غاشم بسبب صمود أحرج الانقلابيين، اتساع دائرة التأييد للشرعية والزحف الشعبي خاصة بالعيد، فقد الأمل في يأس المعتصمين، المسيرات لبعض الوزارات أحدثت زلزلة لدى حكومة الانقلاب، الاقتراب من بداية الدراسة والحذر من انضمام الحركات الطلابية، التيقن من سلمية الاعتصام خاصة بعد زيارة الهيئات الدولية الحقوقية.

ويقترب الشاهد من أولى لحظات الحرق صباح الأربعاء 14 أغسطس "مع أول دقيقة ارتقى شهيد ثم طفل رضيع.. وتوالت الاعتداءات واقتربت الطائرات من الرؤوس، ولو كان هناك أدنى سلاح بالميدان لأصابها.. وأضحى الموت أقرب من شراك النعل.. "فلا تكاد تسير خطوة إلا تجد شهيدا أو جريحا، والدماء تغطي كل المكان، وأنظر في وجوههم النضرة فأقول: ماذا أجرمت في حق وطنك ودينك ليقتلوك؟

مع أول دقيقة من فض الاعتصام ارتقى شهيد ثم طفل رضيع.. وتوالت الاعتداءات واقتربت الطائرات من الرؤوس ولو كان هناك أدنى سلاح بالميدان لأصابها
ثم خرجت هائما من الصالات التي أضحت أكبر "سلخانة" بشرية في العصر الحديث، وخرجت متوجها لشارع الطيران والطلقات تدوي فإذا بي أمام خيمة المقطم خلف المنصة وقد غاب عنها الأحياء وملأها الشهداء، والمصابون يصرخون.. وظلت المنصة صامدة وقد أضحت هدف المعتدين الأول ولم يخفت صوتها إلا في حدود الخامسة، حيث فوجئنا بالجرافات تدخل من الخلف بعد إحراق وتجريف خيمة المقطم بما فيها من الجثث والمصابين.. وتهاوت راية المنصة بعد 48 يوما وقد أذهلت العالم.

في العمر بقية
ويضيف الشاهد: ووسط القصف والغاز والنار التي بدأت تأكل الميدان خرجت مسرعا فاخترقت الزحام أستجدي الهواء واشتد خفقان القلب، ودون تفكير وجدت نفسي ومجموعة كبيرة بشارع الطيران أمام المسجد وقد تحول لرماد وخراب، وإذا بالمفاجأة: قوات أفرادها يصرخون "ارفعوا أيديكم" والطلقات تخرج من فوهات رشاشاتهم حارقة.. ونمر أمامهم (ويتعجب) فلماذا لم يقتلونا أو يأسرونا؟ هل أعمى الله أبصارهم؟

ويكمل شهادته بقوله إنهم اتجهوا بعد ذلك لمسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد، حيث تم تجميع ما أمكن إحضاره من جثامين الشهداء قبل أن يقوموا بإحراق الميدان والمسجد بما فيهما من أحياء وأموات.

وأسدل الستار على شهادة ناجٍ من "أسود يوم بتاريخ مصر حصدت فيه أرواح أكثر من ستة آلاف مصري وما يزيد على عشرين ألف مصاب، ليزرعوا فتنة ويوزعوا على القرى والمدن أحزانا ونيرانا لا يعلم إلا الله متى تنطفئ. أحرقوا الميدان لتلعنهم الميادين.. أحرقوا رابعة فأراد الله أن تكون أشهر معلم بالكرة الأرضية".

السبت، 30 يناير 2016

وطن هذا..أم لص محترف؟

وطن هذا..أم لص محترف؟

 وائل قنديل

من أخبار الأمس والأيام الماضية في مصر ما يلي:
1- السلطات تعتقل زوجة الباحث الإسلامي، يحيى رفاعي سرور، لإجباره على تسليم نفسه.
2- السلطات تمنع دخول الباحث المصري المقيم في ألمانيا، عاطف بطرس، مدى الحياة، وعاطف يعتصم في مطار القاهرة، رافضاً ترحيله عن بلده إلى الأبد.
3- المستشار محمد السحيمي، القاضي في محكمة قنا الابتدائية، يتقدم باستقالته إلى مجلس القضاء الأعلى، هرباً من جحيم أحمد الزند وزير الانتقام (العدل سابقاً).
4- السلطات تلغي المؤتمر الصحافي لمؤسسة دراسة وبرامج الشفافية لحقوق الإنسان، لإعلان مؤشر مدركات الفساد لهذا العام، بذريعة "الظروف لا تسمح".
5- بيان من 59 شخصية عامة وسياسية وحقوقية للمطالبة بالإفراج عن الناشط القبطي، محب دوس، المحبوس احتياطياً بتهمة الانضمام لما يسمى "حركة 25 يناير".
6- بيان من مائة شخصية للمطالبة بالإفراج عن الباحث والصحافي، هشام جعفر، الذي أتم يومه المائة في الحبس الاحتياطي.
7- أطباء مستشفى المطرية يتنازلون تحت التهديد عن بلاغهم ضد أمناء شرطة سحلوهم داخل المستشفى.
8- رئيس لجنة التحفظ على أموال "الإخوان المسلمين" يعلن أن حجم أموال المستشفيات والمدارس، فقط، التي تم الاستيلاء عليها، بمعرفة اللجنة، تجاوز ثمانية مليارات جنيه.
يمكن أن أضيف إلى ما سبق أخباراً أخرى تشي بأن مصر السيسية تحولت من"وطن للجميع" إلى لص محترف، يسرق الحريات والأقوات، يصادر الكرامة، وينشر الإهانة في ربوعه، ينتقل من ممارسة الاضطهاد والإقصاء على المختلفين معه، إلى تطبيق سياسة الإبعاد والتهجير، على نحو يذكّرك بإجراءات الاحتلال ضد من يقاومه، ولو سلمياً.
ويبقى بقاء الباحث عاطف بطرس عالقاً في مطار القاهرة، متشبثاً بمصريته، بمواجهة فرمان إجلائه عن بلاده، ومنعه من دخول أراضيها مدى الحياة، تجسيداً نموذجياً لجريمة التهجير القسري، المدانة بكل النصوص الدستورية والمواثيق الدولية.
وتظل استقالة القاضي المدوية فراراً من بطش جزار وزارة العدل، عنواناً على انتقال مصر إلى حالة الدولة الخارجة على القانونين، الدولي والمحلي، تتجاوز مرحلة "الدولة اللصة" إلى مرحلة "الدولة المعربدة"، تلك التي تجمع بين ملامح كل أنواع الدول الفاسدة التي تحدث عنها أعلام الفلسفة التاريخية في التاريخ، والتي يعدد الفيلسوف أبو نصر الفارابي منها "المدينة الجاهلة والمدينة الضالة ومدينة النذالة ومدينة الخسة والاجتماع الخسيس".
بالفعل حولوها دولة نموذجية لما أسماه الفارابي "الاجتماع الخسيس"، إذ لا مكان فيها إلا للأوغاد السفاحين الذين باتوا يهيمنون على المعاني والمعايير، كما يسيطرون على الثروات ومفاتيح السلطة، فحولوا الوطنية من معنىً محترم إلى أغنية مشينة، بصياحهم المبتذل، طوال الوقت، عن الخيانة والعمالة، في"كورال" انتقامي كريه، يصرخ فيه مصاصو دماء ومنتهكو أعراض ولصوص أراض وثروات.
عقب جريمة دولة حسني مبارك بحق ثوار التحرير، المعروفة باسم "موقعة الجمل" كتبت غير مندهش "من اجتماع هذا الخليط الغريب من التافهين من لاعبي الكرة وفناني المناسبات الرئاسية ومطربي أعياد الشرطة وإعلاميى الحضرة الرئاسية، ورجال أعمال الحزب الوطني، وبلطجية الحمير والجمال والأسلحة البيضاء، وضباط التعذيب والتنكيل بعباد الله، كلهم وجوه مختلفة لعملة رديئة واحدة".
قلت يومها، وكنا في اليوم الثالث من فبراير/شباط 2011، إن مبارك سقط بالفعل، وما ترونه من سعار وشراسة في تقتيل البشر وإحراق الأخضر واليابس في البلد هو صناعة البطانة الفاسدة التي كوّنت ثروتها ونفوذها في كنفه، ومن ثم هي تقاتل بكل ما تملك من أسلحة جرثومية قذرة لكي تحتفظ بما احتلته من مساحات شاسعة في خارطة البلد، أو بالحد الأدنى تريد أن تؤمن لنفسها انسحاباً مأموناً وسريعاً بما استولت عليه من أموال ونفوذ".
عاد الأوغاد، فلا مكان لمن يحترمون هذا الوطن ويحبونه إذن.

بين العقيدة والأخلاق

بين العقيدة والأخلاق
إحسان الفقيه

علم ذلك الأسير المسلم أن أعداءه قد أجمعوا على قتله، فأراد أن يَلقَى الله ببدن نظيف يتناسب مع ذلك القلب النقي، ومن محبسه طالب القوم بموسي يستحد به، فناولته سيدة المنزل إياه وهو مُقيّدٌ، لكن عينيها وقعتا على مشهد انخلع له قلبها.

فصبيها الصغير دنا من الأسير، فأجلسه الأخير على فخذه، والموسى بيده، لقد حانت الفرصة إذن للأسير لأن يُحرق قلوبهم قبل أن يجهزوا عليه، غير أن الأسير قد عاجلها بقوله: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك.

كان الأسير الذي اقتيد للقتل بعد أن صلى لله ركعتين خففهما حتى لا يظن أعداؤه به جزعا هو خبيب بن عدي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بُعث ليتمم صالح الأخلاق، فلا عجب أن يصدر منه هذا الفعل وقد تربى في مدرسة الأخلاق المحمدية.

*إنها صورة مشرقة لما كان عليه الصدر الأول من مكارم الأخلاق، التي صارت لا تحتل مكانتها الأولى في عصر سادت فيه لغة المادة وطوفان القيم الرديئة.

النظام الأخلاقي في الإسلام مُتفرد؛ لأنه رباني المصدر، فقد رعى الإسلام وحفظ وأكد على كل الخصال التي دعت إليها الفطرة السليمة، وقرّر خصالا أخرى من خلال التشريعات، واعتبر الأخلاق جزءا أساسا في النظام الإسلامي العام، لا ينفك عن جوانب الاعتقاد والعبادة.

وفي الوقت الذي تهيمن نسبية القيم والأخلاق على الحياة الغربية، وترى مثلا قيمة العدل تُراعى في مواطن معينة ويتم تجاهلها في أخرى، وتفرِض سياسة الكيل بمكيالين نفسها في صيغة التعامل مع الأفراد والشعوب بحسب الجنس والدين والعرق، تأخذ في ظل الإسلام بعدا ثابتا لا يتغير، فيأمر بالعدل حتى مع الأعداء والخصوم، ويتبرأ من الممارسات الخاطئة في تطبيق تلك القيمة.

وصدق شوقي إذ يقول:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيَت    فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فالأخلاق ليست من الكماليات، إنما هي من صلب هذا الدين، وأحد المكونات الأساسية للخطاب القرآني، وهي كذلك أساس في أي مشروع نهضوي، ولن تشهد هذه الأمة بعثا جديدا ونهضة حقيقية إلا إذا استصحبت في مسارها ذلك النظام الأخلاقي وتفاعلت معه.

فبين قيام وسقوط الدول والحضارات عوامل أبرزها الجانب الأخلاقي، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

كان الجانب الأخلاق من أهم ما يميز الحضارة الإسلامية، وأبرز خصائصها كما يقول مصطفى السباعي رحمه الله وهو يعدد خصائص تلك الحضارة: "ثالث خصائص حضارتنا أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية المحل الأول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها، وهي لم تتخل عن هذه المبادئ قط، ولم تجعلها وسيلة لمنفعة دولة أو جماعة، أو أفراد .. في الحكم، وفي العلم وفي التشريع، وفي الحرب، وفي السلم، وفي الاقتصاد، وفي الأسرة، روعيت المبادئ الأخلاقية تشريعا وتطبيقا، وبلغت في ذلك شأنا ساميا بعيدا لم تبلغه حضارة في القديم والحديث".

*المتأمل في واقع الأمة يجد أنها تخلت إلى درجة كبيرة عن هذا المكون الحضاري الهام، وسادت في أوساطها قيمٌ أخرى بديلة، سواء كانت مستوردة وفدت إلينا على جناح التغريب، أو قيما أصيلة أصابها التشوه والاهتراء، فتشبعنا بها دون وعي.

لقد أخرجت المحن الأخيرة -خاصة مع تيار الثورات المضادة للربيع العربي- أسوأ ما فينا، ولئن كنا نحمد الله على سقوط الأقنعة وظهور أمراض كانت تنخر في أساس الأمة دون نشعر، إلا أن حجم الفساد والقيم الرديئة كان أكبر من المتوقع بكثير.

*أبرز الأسباب التي أدت إلى ضعف البنيان الأخلاقي لدى المسلمين، كان الفصل بين الأخلاق وبين المكون الأول لهذا الدين، وهو الجانب الاعتقادي.

فعندما انفصلت الأخلاق والقيم في حس المسلمين عن العقيدة، وصار الكثيرون يتعاملون معها باعتبارها من الجوانب التكميلية، وأن التركيز ينبغي أن يُسلط على العقيدة باعتبارها طريق النجاة، صنع هذا الفصام النكد نوعا من التهميش للأخلاق والقيم.

ولو نظر هؤلاء إلى نصوص الوحيين بشيء من التأمل، لشاهدوا الارتباط بين العقيدة والأخلاق، كان هذا الارتباط واضحا في رسالة الإسلام التي صاغها الصحابي الجليل ربعي بن عامر في كلمات وجيزة أمام قائد الفرس، عندما قال: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، فتضمنت الرسالة جانب الاعتقاد وجانب القيم المتمثل في العدل وإزالة الجور.

*ولما وقف جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي يعدد له أهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، جمع بين الجانب العقدي والأخلاقي، فقال: "دعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار".

وفي الوقت ذاته، اعتبرها الشارع جزءا من الإيمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان).

*القرآن ذاته أظهر هذا الارتباط بين العقيدة والأخلاق: {أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدعُّ اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين} فجمع بين أمر الاعتقاد وأمر القيم والأخلاق.

لذا اشتملت دعوة الرسل -التي هي دعوة الإسلام- على دعوة الناس إلى الإيمان وإلى تصحيح السلوكيات في الوقت ذاته، فنبي الله لوط يدعو قومه إلى التوحيد وإلى التنزّه عن الفاحشة (إتيان الرجال)، ونبي الله شعيب يدعو قومه إلى التوحيد وإلى الأمانة والقسط في الميزان.

العقيدة السليمة تُنتج أخلاقا سليمة؛ لأن الإطار الأخلاقي في الإسلام يرتبط بمبدأ الثواب والعقاب الأخروي، فكلما زادت قوة الاعتقاد والارتباط بالآخرة، كلما دفعت المسلم إلى فضائل الأخلاق والقيم، فهو ينظر إليها باعتبارها تشريعا ربانيا.

ولذا تغير مَنْ دخل في الإسلام عن سابق عهده، بعد أن خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فتحول الصلد الجبار إلى صاحب قلب رحيم، وتحول ضعيف النفس إلى قوي شجاع.

ولئن كان الانفصال بين العقيدة والأخلاق في حس كثير من المسلمين أبرز أسباب التشوه الأخلاقي، فإن التنبيه على التربية العقدية السليمة لا نعني به العلم النظري الذي يعتمد على سرد المعلومات من كتب التراث، فتعليم العقيدة ينبغي أن يرتبط بواقع الناس وسلوكياتهم، وأن تكون التربية عليها متعلقة بتطبيقاتها وإظهار آثارها في سلوك المسلم، وهو ما يعرف بحيوية العقيدة.

الصبر على السلمية أولى من السقوط في أتون حرب أهلية

الصبر على السلمية أولى من السقوط في أتون حرب أهلية

عـزام التـميمي



  الفرضيات الخاطئة كما المقارنات الخاطئة تقود إلى استنتاجات        خاطئة.                                                                             
في معرض نقد منهج السلمية الذي يلزم الإخوان المسلمون به أنفسهم في مصر، تجد من يستشهد بمقاومة أهل ‏فلسطين للاحتلال الصهيوني لإثبات نجاعة الرد على العنف بالعنف. 
وهي مقارنة غير صحيحة، فلو أردنا أن نقارن مقارنة صحيحة، فإن النظام الانقلابي في مصر تعادله في فلسطين سلطة أوسلو وليس سلطة الاحتلال، وهذا ينطبق على كافة الأنظمة العربية الأخرى بما هي عليه من استبداد وفساد وقهر للشعوب.
ليكن معلوماً أن قتال الغازي الأجنبي المحتل للأوطان مبرر بكافة الوسائل وفي كل الأوقات، وعلى أيدي الأفراد كما على أيدي الجماعات. 

أما قتال أبناء المجتمع الواحد والوطن الواحد مهما كان الخلاف ومهما كانت المظالم والتجاوزات، فحساباته مختلفة لأن تداعياته يمكن أن تكون كارثية. والحكم على فشل سلمية الإخوان حكم جائر خاطئ. فها هي عسكرة الثورات في البلدان العربية من ‏ليبيا إلى ‏اليمن، مروراً ب‏سوريا، لم تأت بخير، بل جلبت دماراً يجر دماراً، وحولت هذه البلدان إلى ساحات معارك دولية بالوكالة.

يمكن للمجتمعات العربية أن تفرز أغلبية وأقلية أمام صناديق الاقتراع، أما أمام صناديق الرصاص وفي مواجهة المجنزرات والمدرعات، فالناس تغرق في بحار من الحيرة كما تغرق في بحار من الدم، تمزق صفوفها التحزبات، وتنهكها معارك الاستنزاف.
ولا تكاد تجد بيتاً واحداً يسلم من تدابر وتباغض وتشاحن. فيمسي الأخ يقتل أخاه، والجار يفتك بجاره، وأبناء العشيرة الواحدة ينتهك واحدهم حرمات الآخر.
ولو كان حمل السلاح في وجه الظالمين مجديا لما نهى الله عنه جماعة المؤمنين طوال ثلاثة عشر عاماً قضوها في مكة يدعون إلى الله بالحسنى بينما يقابلهم خصومهم بالتنكيل والتشريد والقتل والتجويع.
ولم يرفع حظر استخدام السلاح رداً على المعتدين إلا بعد الهجرة إلى أرض تحقق للجماعة المؤمنة فيها التمكين، وبات مبرراً رد العدوان بالمثل، بل وأمر المؤمنون بإعداد القوة لردع كل من تسول له نفسه العدوان.
ما لا يفطن إليه المنادون باستخدام العنف سبيلاً للرد على الانقلابيين، أن مثل هذا العنف يصبح مع مرور الوقت سلاحاً في أيديهم، يبررون من خلاله مزيداً من العنف والقهر، حتى إنهم إذا لم يجدوه افتعلوه، وسخروا كل أدوات السحر والشعوذة (وسائل الإعلام التابعة لهم) لتبرير الاستمرار في سفك الدماء وانتهاك الحرمات.
وقد تمنى بشار الأسد في الأيام الأولى من ثورة الشعب السوري، حين كانت سلمية بحتة، أن تتحول السلمية إلى عنفية، ليبرر كل وسائل البطش والاستعانة على ذلك بأوليائه في الشرق والغرب، وهو الأمر الذي يتمناه السيسي وكل طغاة الأرض في وطننا العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.

والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

كردستان الكبرى وشبح جنوب السودان

كردستان الكبرى وشبح جنوب السودان



شريف عبدالعزيز
السبت، 30 يناير 2016
حين يأتي ذكر منطقة الشرق الأوسط ، أو النطاق الإقليمي الممتد من المحيط إلى الخليج ، غالبًا ما يتم الحديث عن الثقافات الثلاث ؛ العربية والفارسية والتركية ، باعتبارها المثلث الرئيسي الذي شكل الملامح الثقافية والسياسية والاجتماعية للمنطقة ، منذ مقتل الخليفة العباسي الأمين واستلام أخيه ذي الميول الفارسية ، المأمون ، 
أي منذ قرابة ثلاثة عشر قرنا من الزمان، وذلك نظرًا لغلبة أعداد المنتمين لهم ديموغرافيًا، بين حوالي 350 مليون منتم للثقافة العربية، وحوالي  100 مليون للثقافتين الإيرانية والتركية، وبينما تتمركز أقليات ثقافية مثل الأمازيغ والنوبيين على هامش المنطقة جغرافيًا، وبأعداد صغيرة نسبيًا، فإن الأكراد، البالغ عددهم حوالي 30 مليونًا، يُعَدون استثناءً لهذه القاعدة، إذ يعدهم البعض ضلعًا رابعًا وصغيرًا للمثلث الإقليمي.
والأكراد أنفسهم لم يكن عندهم مشكلة الإحساس بفقدان الهوية طوال هذه العهود حتى ظهور القومية الطوارنية والعربية فى مطلع القرن العشرين ، وأواخر عهد الدولة العثمانية ، فالجميع كان انتماؤه للإسلام وللدولة الجامعة التي تمثل المظلة الشرعية لكل المسلمين على اختلاف قومياتهم وعرقياتهم ؛ الدولة العثمانية في تلك الأثناء. فلما تفجرت القومية بجناحيها الطوراني والعروبي ، بدأ الأكراد بدورهم يطرحون على أنفسهم أسئلة الهوية والقومية ، ولما لا ؟ والعرب والأتراك يسارعون في بناء أيديولوجياتهم الجديدة التي ستكون بديلا عن الهوية الإسلامية الفضفاضة الجامعة ، ومن ثم بدأ الأكراد رحلة البحث عن الذات القومية .
ولطالما شكل غياب الدولة القومية ، حاجزًا أمام الأكراد لإثباث حضورهم في الساحة سياسيًا وعسكريًا في القرن العشرين، وهو أمر طبيعي بالنظر لهيمنة الدول الغربية على مقدرات المنطقة والعالم بأسره، ومركزيتها للفعل السياسي طوال القرن الماضي، بيد أن ما يجري مؤخرًا، والتفكك الذي طال المنظومة القومية التي رسمها الاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية، قد خلق فراغًا كبيرًا في العراق والشام أدى إلى ظهور كيانات غير قومية، أبرزها بالطبع دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، وكذلك الأكراد، فاليوم قد أصبح كل من الأكراد وداعش مصمما الخريطة الإقليمية الجديدة . فطموحات وآمال الفريقين غيرت قوانين اللعبة في المنطقة، وغيرت نتيجة ذلك التوازن السياسي بين أطراف القوة المختلفة التي تؤثر في المشهد .
فقبل مئة عام تم تصميم خريطة الشرق الأوسط من قبل أطراف خارجية، سواء بريطانيا أو فرنسا. أما اليوم فإن مصممي الخريطة الإقليمية هم لاعبون محليون، وفي الوقت الذي شكلت فيه البنى القومية الدول، فإن القرن الواحد والعشرون يتميز بظهور مؤثرين آخرين غير الدولة القومية ،وفي الوقت الذي سيطرت فيه القومية العربية خلال القرن العشرين،تسيطر اليوم أطراف إسلامية وعرقية،وهي التي تحدد البرنامج اليومي السياسي.
وإذا كان الجيش الحكومي هو الذي يقرر في السابق، فإن المقرر اليوم هو جيش غير نظامي، ميلشيات ومنظمات مسلحة ،وقادة لم يعملوا بالسياسة أو يمتثلوا لقواعد اللعبة الدولية ،ولا يعترفون بنظام الدولة المعاصر، ولكن الفارق ، فالأكراد يتمتعون بدعم غير مسبوق من كل القوى الدولية المتصارعة ، في حين أن تنظيم الدولة "داعش" تواجه عسكريا هذا التحالف الداعم للأكراد ، مما أضفى على المشهد الإقليمي تعقيدا غير مسبوق .
فقد نجح الأكراد بعد عقود من الزمان في اجتذاب التعاطف مع قضيتهم،من باب الترويج لأكبر قومية في العالم لا تمتلك دولة،واستثمر الأكراد في أحداث المنطقة المشتعلة مؤخرًا، وقدموا أنفسهم للعالم بطريقة البديل، في ظل فشل القوى الغربية في الاعتماد على فصائل منظمة أو مجموعات ذات هدف مشترك أثناء الصراعات الدائرة في المنطقة، لاسيما في عملية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" .
فأداء الأكراد في الحرب مع داعش أعطى فرصة لإحياء قضيتهم واكتساب مساحة جديدة من مشاعر التعاطف الدولي مع قضيتهم، حيث يرى محللون أننا بإمكاننا الحديث عن مجيء اليوم الكردي في الشرق الأوسط .
فالحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية (داعش) داخل العراق وسورية، تعتمد بشكل كبير على المليشيات الكردية كقوات أرضية تابعة للتحالف على الأرض، ومنذ بدء الضربات الجوية الدولية في سبتمبر عام 2014، استعادت قوات البيشمركة الكردية في العراق حوالي 25 إلى 30% من الأراضي التي تم خسارتها لحساب داعش، ونجم عن هذه المكاسب الإقليمية إضعاف وصول تنظيم داعش لموارد النفط والغاز، وتجفيف بعض عائداته، ولكن قصة نجاح البيشمركة ليست كاملة، كون هذه القوات تستغل الضربات الجوية لقوات التحالف لهندسة التغييرات الإقليمية والديموغرافية المعادية لمصالح العرب السنة في المجتمع العراقي . والمشهد ذاته تكرر  فقد سيطرت وحدات القوات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في يونيو 2015 على مدينة "تل أبيض" على الحدود السورية التركية، فعطلت بذلك اتصال "داعش" بتركيا جغرافياً وسمحت بربط كانتوني "كوباني" و"الجزيرة"، وحاولوا ربطها بعفرين لإقامة دويلة " روجافا " الكردية على غرار كردستان العراق، إلا أن ما يقلق الأكراد أو يخيفهم هو رفض تركيا وبشكل مطلق اتصال المناطق الكردية السورية وإنشاء إقليم يتمتع بحكم ذاتي . ولكن رغم كل هذا التطور في الشأن الكردي والتقدم الكبير الذي حققه الأكراد على طريق حلم إقامة الدولة القومية للأكراد ، والدعم الأمريكي الروسي المشترك في سبيل إقامة هذا الكيان القومي الجديد ، فإن المشاكل والصعاب التي تواجه هذه الدولة المستقبلية أكبر من هذه البساطة والأريحية التي يتحدث بها قادة الأكراد عن دولتهم كأنها أمر واقع لا محالة .
وبعيدا عن الرفض التركي القاطع لإقامة دولة للأكراد خاصة في سوريا ، واعتبار هذه المسألة خطا أحمر للأمن القومي التركي لا يمكن التنازل عنه ، ثمة أمور أخرى تصعب قيام هذه الدولة ، وتجعلها حال ولادتها دولة فاشلة تماما مثل دولة جنوب السودان.
فثمة تباين ثقافي وأيديولوجي وسياسي داخل النسيج الكردي ، يجعل من فكرة إقامة كيان قومي بعيدة المنال ، إن لم تكن مستحيلة . فالأكراد هُم واحدة من الشعوب المنتمية عرقيًا ولغويًا إلى الشجرة الإيرانية،حيث تُعد لغتهم جزءًا من مجموعة اللغات الإيرانية الشمالية الغربية، وهي تنقسم إلى ثلاث لهجات (أو لغات) رئيسية، أبرزها الكورمانجي (الشمالي)، ويتحدثها حوالي 15 أو 20 مليون بجنوبي شرقي تركيا وشمال العراق وجنوبي غربي إيران، والسوراني (الوسطى) ويتحدثها حوالي 6 أو 7 ملايين في كردستان العراق وإيران، والبهلواني (الجنوبي) ويتحدثها حوالي ثلاثة ملايين بولايتي كرمانشاه وإيلام في إيران، أضف لذلك الگوراني والزازا، وهما لغتين غير كرديتين تتحدثهما مجموعات كردية عرقيًا في إيران وتركيا ، على الرُغم من تصنيف تلك اللهجات كلهجات للغة الكردية، إلا أنها تتسم بفروق كبيرة دفعت الكثير من الباحثين الغربيين إلى تصنيفها كلغات مختلفة، بل إن هناك من يقول أن البعض من بين متحدثي السوراني والكورمانجي لا يفهم بعضه البعض بسهولة، وأن الفرق بينهما يصل إلى الفرق بين اللغتين الألمانية والإنجليزية. 
هذه الفروق تنعكس على الهويات الداخلية، أو الهويات ما دون الكردية إن جاز القول، والتي يكون لها تأثير سياسي، كما تشي بذلك الحالة العراقية مثلًا، حيث يميل معظم متحدثي الكورمانجي إلى حزب كردستان الديمقراطي الذي يقوده مسعود برزاني، في حين يميل الكثير من متحدثي السوراني إلى الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال طالباني .
كذلك العيش لعقود طويلة في بيئات مختلفة قد خلق اختلافات بين ثقافات الأكراد في تركيا وإيران والعراق وسوريا، فالسوراني يُكتَب بحروف عربية وفارسية نظرًا لرواجه بالأساس في العراق في إيران، في حين يُكتَب الكورمانجي بالحروف اللاتينية نظرًا لتمركزه بجنوبي شرقي تركيا.
أما على الصعيد السياسي والعسكري ، فقد أدى التباين الثقافي إلى توتر سياسي كبير بين الأكراد أنفسهم، فحزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، والمتمركز في جنوب تركيا وشمال سوريا، يعَد ندًا أساسيًا لحزب كردستان الديمقراطي الذي يقوده بزراني ويسيطر بشكل كبير على حكومة كردستان الإقليمية بشمال العراق، ورؤاهما كذلك لماهية أهداف الأكراد تختلف بشكل كبير، كما تشي بذلك سياساتهما وتكتيكاتهما ناحية الحكومات الأربعة التركية والإيرانية والسورية والعراقية .
فقد اندلعت حرب أهلية كردية مريرة في التسعينيات بين حزب كردستان الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني في التسعينيات، وهو الصراع الذي مال فيه أوجلان لصالح طالباني لإضعاف برزاني. 
ثم ما لبث أن أعتقل أوجلان ودب الضعف في حزبه ، وبدأ يفقد بريقه لصالح حزب العدالة والتنمية الذي اهتم بالمناطق الكردية، في حين قفز برزاني بحكومة كردستان بعد غزو العراق وأصبح قاب قوسين أو أدني من الهيمنة على تمثيل الأكراد إقليميًا ودوليًا، لا سيما مع انفتاحه على أردوغان، والذي وجد في جهوده لاحتواء حزب العمال فرصة لبسط سلطانه الكردي تمامًا، بل وحل المسألة الكردية في تركيا عن طريق أربيل بشكل يغلق الطريق تمامًا أمام بروز حزب العمال من جديد ، غير أن الثورة السورية أطاحت بآمال برزاني وبثت الروح في حزب العمال مرة أخرى ، وتشكل نطاق سلطانها الخاص (روجافا)  كنواة لنظام حكم ذاتي يناطح كردستان العراق، وهي قوة كانت في خلال عامين قد بدأت في التكشير عن أنيابها تجاه برزاني وحزبه، حيث قامت بحملة عبر منابرها الإعلامية ضد هيمنة حزب كردستان الديمقراطي في شمال العراق، ودعمت حركة التغيير الشبابية الكردية “گوراني” التي نافست الحزب في انتخابات كردستان العراق، مما أتاح لها أن تحل ثانية بعد الحزب في ظهور قوي أطاح بحزب طالباني للمركز الثالث في الانتخابات المحلية .
هذه الحسابات المعقدة، تعني ببساطة أن مقومات الدولة القومية غير موجودة على الأرض نظرًا لتصارع عناصرها مع بعضها البعض بشكل أشبه بسيناريو جنوب السودان، والذي عزز من دعايا الانفصال عن السودان لسنوات دون أن يدرك أنصار استقلاله أنه لا يملك بنيانًا متماسكًا يمكن للدولة القومية أن تنبت منه، ولكن فصيلين عسكريين على الأرض لم تكن العداوة بينهما بادية نظرًا لتركيزهما على عدوهم المشترك، وهو ما أشعل صراعًا جديدًا بالطبع بينهما فور الإعلان عن استقلال جنوب السودان .
فكردستان العراق بقيادة برزاني ستحاول احتواء روجافا سوريا بقيادة أوجلان ، وستشعل تركيا نار الخلافات بينهما لتكون هي الرابحة من هذا الصراع ، وأمريكا ستفيد من كل الأحوال ، والأوضاع سواء قامت دولة للأكراد أو لم تقم تسير لصالح المشروع الأمريكي حيال المنطقة، فمآل الاشتباك الجاري في الملف السوري والعراقي سيقود لخيارين كلاهما مفيد للأمريكان ، فأما حكم ذاتي و كيانات منفصلة ، وأما حرب عربية – كردية يمتد لهيبها من العراق إلى سوريا مشعلة المنطقة الإقليمية ببحر من النار تتصارع فيه الأقليات والطوائف ، وهو الصراع الذي لا يدويه زمان ، ولا يلجمه زمام من دين أو عرف أو عقل.

توقيع




في مثل هذه الأيام من العام الماضي حدثت مجزرة البروانة في محافظة ديالى قتل فيها مئات السنة من العراقيين، وهذه الأيام تتكرر مجزرة المقدادية بالأدوات نفسها !
جريمة طائفية واحدة لم تتوقف!

أشد أنواع الورع في ثلاثة أبواب:
ورع اللسان: فيحبس لسانه عن اللغط القيل والقال، ومنه حبس القلم عن كتابة السوء!
ورع العين:فيحفظ بصره عن النظر المحرم!
الورع في المال: فيتوقى الشبهات!
وما أشقها في عصرنا الحاضر !

السلطة الفلسطينية ليست إلا أداة أمنية لقمع الفلسطينيين،فبعد التماهي مع العدو الصهيوني والتنسيق الكامل معه، هاهي ذي السلطة تنسق لقمع المخيمات الفلسطينية في لبنان!

محصلة دعوات التقريب بين المسلمين والنصارى اختراق النصارى لبلاد المسلمين !
ومحصلة دعوات التقريب بين السنة والشيعة اختراق الشيعة لمناطق السنة !

جرائم الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي في ديالى والفلوجة وغيرها ليست جرائم فردية معزولة كما يزعمون؛ بل هي جرائم ممنهجة يتحمل كبرها آيات قم والنجف، وساسة إيران والعراق، وتنفذها عصابات المليشيات المسلحة !

تفاخر مسؤول مخابرات السلطة الفلسطينية بإحباط مئتي عملية كانت ستنفذ ضد الصهاينة في انتفاضة القدس، ألا يدل على أن السلطة ذراع أمني عميل زرع لحماية العدو الصهيوني ؟!

بعض المفكرين يرى أن أمريكا تستدرج المنطقة لصراع طائفي سني شيعي، ويرون أن نقطع الطريق عليهم بنزع فتيل الطائفية بتعايش سلمي مع إيران!
ولا أستبعد أن أمريكا تستدرج المنطقة لصراع من هذا النوع، لكن أهل السنة لم يختاروا هذا الطريق، بل فرض عليهم فرضا؛ فإيران اختارت تصدير الثورة وعسكرتها!
وهي دولة طائفية بامتياز استثمرت رغبة الغرب وتحالفت معه لتمرير مشروعها.
فالحل ليس بدعوات التقارب أو التعايش ﻷن التجربة العملية أثبتت فشلها!
فدعوة التقريب التي انخدع بها بعضهم كانت بابا لاختراق الشيعة لمناطق أهل السنة وتشييعها!
ودعوة التعايش حولت بعض السنة في العراق إلى خدم لمشروع إيران وأدوات لترسيخ النفوذ الإيراني!
وحين نحذر من المشروع الإيراني فإننا في الوقت نفسه نحذر من المشروع الصهيوأمريكي، فكلاهما يمثل خطرا وجوديا علينا، والواقع أثبت أن أهدافهما في المنطقة متقاربة، ولذا صاروا حلفاء يتقاسمون الأدوار !

المقدادية، الفلوجة، مضايا،الغوطة، تعز .. أمثلة صارخة على جرائم وحشية غير مسبوقة يمارسها الرافضة بفتاوى ملالي قم والنجف !
ثم يقال لنا إياكم واستثارة الطائفية!

رأينا جرائم النصارى في أفريقيا الوسطى، واليهود في غزة، والبوذيين في بورما، والوثنيين في بوروندي .. لكن أشهد أن جرائم هؤلاء جميعا اجتمعت في الرافضة في سوريا والعراق!

بعض مقاطع التعذيب والاذلال التي نرى الحشد الشعبي الرافضي يمارسها ضد أهل السنة، تدل على مخزون عداء وحقد طائفي بغيض!
فاللهم انتقم للمستضعفين!

ما المصالح التي تحققت من تفجيرات باريس وإسطنبول وجاكرتا ؟
ابحث.. ثم ابحث، ولن تجد إلا مفاسد في إثر مفاسد، وستدرك أن أقل وصف لهذا الفعل أنه عمل عبثي أحمق، استدرج له من لا يعقل، واستطاع أن يوظفه الأعداء بخبث ظاهر!

ما محصلة أكثر ثلاث عشرة سنة من الاحتلال الإيراني للعراق ؟
سلب ونهب، قتل وتهجير، وتصفية طائفية بأدوات حقودة، وإذا أردت صورة تختزل المشهد فانظر ما حدث أمس في ديالى!
إنها جرائم حرب إيرانية فتح بابها الاحتلال الأمريكي فهم شركاء في القتل، أنصار في الجريمة!

القتل والدمار نتيجة طبعية للحروب؛لكن توحش روسيا وإيران وحزب الله في سوريا بلغ حدا من الجريمة والإفساد تجاوز كل الأعراف والقيم!
فيارب إنهم طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد .. فاللهم صب عليهم سوط عذاب!

إصرار حزب الله على تجويع مضايا وقتل أهلها ببطء ليست جريمة حرب فحسب .. بل هي جريمة ضد الإنسانية لم يطق حتى بعض شيعة لبنان السكوت عليها!
فاللهم انصر المستضعفين وانتقم لهم يارب العالمين.

جرائم في إثر جرائم، تكشف الوجه القبيح لإيران ومليشياتها المتوحشة، وخاصة ما يسمى بحزب الله الذي يسقط في كل يوم سياسيا وأخلاقيا سقوطا ذريعا.
والمجتمع الدولي بمؤسساته السياسية ومنظماته الإنسانية شريك في هذه الجريمة .. فهو يتفرج بل يتغافل ويتواطأ ويمد المجرمين في غيهم!