الخميس، 31 مارس 2016

هشام جنينة.. أثار دبابير الفساد فأقاله السيسي





هشام جنينة.. أثار دبابير الفساد فأقاله السيسي

تاريخ ومكان الميلاد: 7 ديسمبر 1954 - المنصورة
 المنصب: رئيس للجهاز المركزي للمحاسبات
الدولة: مصر


رجل قانون عينه الرئيس المصري المعزول محمد مرسي رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أهم جهاز رقابي على السلطة التنفيذية في مصر. وبعد ثلاث سنوات ونصف أقاله الرئيس عبد الفتاح السيسي من منصبه انتقاما منه لكشفه حجم الفساد المالي المستشري في جهاز الدولة، والذي قال إنه بلغ 600 مليار جنيه في عام واحد.
المولد والنشأة
ولد هشام أحمد فؤاد جنينة يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1954 في مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية الواقعة شمال شرقي الدلتا.

الدراسة والتكوين
حصل جنينة على الإجازة في الحقوق من جامعة عين شمس عام 1976، وبكالوريوس علوم شرطة 1976.

الوظائف والمسؤوليات
عُين جنينة في بداية مساره المهني ضابطا في الأمن العام خلال 1976-1978، ثم عُين 1978 معاونا للنيابة العامة في نيابة الجيزة، فوكيلا للنائب العام بمكتب النائب العام خلال 1980-1985.

وانتخِب لعدة دورات عضوا في مجلس إدارة نادي القضاة حتى أصبح سكرتيراً عاماً له في الفترة من 2001 وحتى 2008. وشارك 2006 ضمن اللجنة المُشكلة من وزارة العدل لتعديل قانون السلطة القضائية. وتولى رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة وزير خلال 2012-2016.

التجربة القانونية
دخل جنينة مرحلة حاسمة من مساره المهني حينما عُين قاضياً في محكمة الجيزة الابتدائية، ثم رئيساً لمحكمة شمال القاهرةالابتدائية. وانتقل إلى الكويت حيث أُعير للعمل قاضياً في محاكمها خلال 1995-2001، ثم عاد إلى ممارسة القضاء في مصر.

ظل جنينة في سلك القضاء حتى وصل إلى أعلى درجاته حين عين رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة. واعتبارا من 6 سبتمبر/أيلول 2012 تولى أعلى مناصب الإشراف القانوني على السلطة التنفيذية، حين عينه الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة وزير بقرار جمهوري رقم 172 لسنة 2012.

ويهدف الجهاز أساسا إلى تحقيق الرقابة الفعالة على أموال الدولة وأموال الشخصيات العامة الأخرى وغيرهم من الأشخاص المنصوص عليهم في القانون، كما يعاون مجلس الشعب في القيام بمهامه في هذه الرقابة.

ويعود تأسيس هذا الجهاز إلى العهد الملكي في مصر قبل عام 1952، حيث صدر في 16أغسطس/آب 1942المرسوم الملكي رقم 52 بإنشاء "ديوان المحاسـبة" كهيئة مستـقلة للرقابة على المال العام وأداة للتحكم في مراقبة إيرادات ومصروفات الدولة، ثمّ غُيّر اسمه بالقانون رقم (129) لسنة ١٩٦٤ بمسمى الجهاز المركزي للمحاسبات.

وقد مكث جنينة في منصبه هذا حتى أقاله السيسي من منصبه يوم 28 مارس/آذار 2016. ولم تكن الإقالة -التي جاءت مخالفة للدستور حسبما يؤكده قانونيون- أمرا مفاجئا، بل كانت إجراء متوقعا من النظام الذي ظل منزعجا لكون جنينة عينه مرسي، وازداد انزعاجا بعد كشفه جزءا من فساد النظام.

كما أن المستشار جنينة يعتبر أحد رموز "تيار استقلال القضاء" المعروف بدعمه الكامل لثورة 25 يناير 2011، وكان أحد أبرز المرشحين لوزارة العدل في حكومة هشام قنديل إبان رئاسة مرسي.

ومن تصريحاته الشهيرة أنه قال "إن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي هو الذراع الأمنية لنظام مبارك، وممدوح مرعي وزير العدل وقتها هو الذراع القانونية لاستهداف القضاء، والنظام كان يحتمي بالسلطة القضائية لتزييف الانتخابات".






ردد جنينة كثيرا عبارة "الفساد للرُّكَب" لوصف حجم الفساد المستشري في أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، واقترب من مناطق ساخنة كانت محظورة على الجميع بحديثه أكثر من مرة -لا سيما في فترة حكم مرسي- عن تجاوزات مالية في الأجهزة السيادية ووزارة الداخلية والجيش، مؤكدا تقديمه بلاغات وتقارير للنيابة العامة، ومشيرا في الوقت نفسه إلى عدم رد النيابة على تلك البلاغات.

وبعد تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات وجد جنينة أنه يقع على عاتقه تلبية مطالب ثورة 25 يناير بالكشف عن ملفات الفساد، وتحديد آليات العدالة الاجتماعية عبر بوصلة المراقبة.

وبعد مرور حوالي ستة أشهر على توليه منصبه قال إن القوات المسلحة المصرية وافقت على إخضاع أنشطتها لرقابة الجهاز، باستثناء تلك المتصلة بالأمن القومي. وأكد أن الجهاز المركزي لم يعد تابعاً لرئيس الجمهورية مع الدستور الجديد، وأن الرئيس مرسي لم يتدخل في عمله.

وأكد جنينة أن الغرض من استقلالية الجهاز أن تظل التقارير الرقابية بعيدة عن تحكم كل الجهات والمسؤولين في الدولة، مشددا على أن الجهاز المركزي للمحاسبات جهاز قومي يحافظ على المال العام، ويجب أن يكون مستقلا ولا يتبع أي حزب أو تيار سياسي، كما يجب ألا يزج به في أي خلاف.

وقد أثبت سير الأحداث أن جنينة كان مستهدفا من دبابير الفساد المنتشرة التي أعادت إنتاج نفسها بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي على مرسي، خصوصا بعد أن رفض الرجل أن يصمت أو يجاري رموز هذا الفساد ومن يحميهم.

وحين صرح جنينة بأن المبالغ المفقودة بسبب الفساد بلغت 600 مليار جنيه مصري خلال عام 2015 وحده، شكل السيسي لجنة للتحقيق في هذه التصريحات، وقالت اللجنة إن جنينة "يبالغ، وأن حجم الفساد ستة مليارات وليس 600".

وعندما حاول جنينة تقديم الدليل على ما قاله، قام نظام السيسي بحظر نشر أدلته، ثم فوجئ الجميع بإحالته إلى نيابة أمن الدولة العليا، ثم عُزل خلال ساعات بقرار جمهوري أصدره السيسي بدعوى "إضراره بسمعة البلاد وتأثيره على الاستثمار والاقتصاد"، وُمنع من السفر خارج البلاد.

وقد نُشر قرار الإقالة في الجريدة الرسمية للدولة رغم أن المادة 216 في الدستور الذي تم أقر عام 2014 بعد الانقلاب على مرسي لا يسمح بإقالة رئيس الجهاز المركزي من منصبه، وهو ما يتوافق مع نص المادة 20 من قانون الجهاز المركزي.

ومساء يوم الاثنين 28 مارس/آذار 2016 أصدرت النيابة العامة المصرية قرارا يقضي بالقبض عليه، وذكرت نيابة أمن الدولة العليا أن التحريات "أشارت إلى قيام هشام جنينة بجمع المستندات والتقارير والمعلومات والاحتفاظ بصورها وبعض من أصولها مستغلا صلاحيات منصبه".

المصدر : الجزيرة

كلمات مفتاحية: مصر هشام

تغريدات محمد حامد الأحمري

محمد حامد الأحمري: لقد كان أعداء مصر أغبياء حاقدين حين صادروا الثورة وغرسوا العنف والاستبداد

 د.محمد حامد الأحمري

شؤون خليجية-متابعات
قال الكاتب والمفكر محمد حامد الأحمري عبر صفحته الرسمية بموقع التدوينات القصيرة "تويتر" :"لقد كان أعداء # مصر أغبياء حاقدين حين صادروا الثورة وغرسوا العنف والاستبداد والفساد وحاربوا التحرر والديمقراطية # الحرية آتية لا ريب فيها."
الثورة المضادة
تنحى مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير 2011 بعد 18 يوما من ثورة شعبية انطلقت احتجاجا على عنف الشرطة والفساد المستشري والسعي الحثيث من جانبه لتوريث السلطة لابنه جمال، إلا أنه بعد خمس سنوات على إسقاط مبارك، عاد الموت تحت التعذيب في أقسام الشرطة، وأضيف إليه الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي للشباب والمعارضين، بحسب منظمات حقوق الإنسان التي تصف نظام عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على أول رئيس مدني منتخب محمد مرسي يوم 3 يوليو  2013، بأنه "أكثر قمعية من نظام مبارك".
وفي الوقت نفسه، يجد الاقتصاد المصري صعوبة في التعافي، مع انهيار السياحة وهروب الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع الأسعار، والتضخم، وارتفاع الدولار، وانتشار الفساد.
أطاح نظام السيسي بالمستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بعد كشفه عن حقائق مخيفة عن الفساد في مصر.
ثورات الربيع العربي وثورة مصر
كانت رؤية الأحمري، ثاقبة تجاه ثورات الربيع العربي رصدها في مقاله بعنوان "التحالف ضد ثورات الإصلاح" في 28 إبريل 2011"، قائلاً: "يشهد العالم العربي تحالف الديكتاتوريات ضد الثورات العربية التي سارت بقوة للخلاص من رموز العمالة والإفساد في العالم العربي، وتلك الشخصيات كانت متعادية في التاريخ الماضي، ولا يجمعها اليوم إلا الحرب ضد النهضة التي شع فجرها على الأمة العربية من تونس إلى مصر واليمن وسوريا..".
وبعد مرور خمس سنوات مرت على الربيع العربي صدقت توقعات الأحمري بعد الانقلاب على الثورة المصرية واليمنية واحتواء الثورة التونسية، حيث قال: إن "..ثقافة العزة والخروج من التبعية للحكومات الغربية مخيفة لمن عششوا في ظلمات الاستبداد، فالصلاح والديمقراطية تهدم عششهم المظلمة التي تكلست ويبست ورمت على فساد مقيم، ولهذا فحربهم على الإصلاح ضروس وستزيد في السنوات القادمة بوتيرة متشددة.."
وبرغم ذلك بشر بالأمل، في المقال نفسه مؤكدا أنه "..ليس من مصلحة الأمة أن يقف أي فرد أو مؤسسة أو طائفة أو حكومة ضد الثورات التي حملت الحرية والكرامة للأمة، وأنهت المفسدين المدمرين للمجتمعات الذين تميزت فترات حكمهم بغاية المهانة والعبودية للمستعمرين والجور على السكان المساكين..إن حلف الظلام ضد الليبيين واليمنيين والسوريين، إن بقي فترة وزادت حلكته، فسوف ينبلج عن فجر عام للأمة العربية..".

لقد كان أعداء أغبياء حاقدين حين صادروا الثورة وغرسوا العنف والاستبداد والفساد وحاربوا التحرر والديمقراطية آتية لا ريب فيها.

«ساسة بوست» يستقصي: كيف تشكلت الحاضنة الشعبية لـ«ولاية سيناء»؟



«ساسة بوست» يستقصي: كيف تشكلت الحاضنة الشعبية لـ«ولاية سيناء»؟

يجول مسلحو «ولاية سيناء» بسيارات دفع رباعي بشمال شبه جزيرة سيناء، في أرجاء قرى جنوب الشيخ زويد، ورفح، وغيرهما، وتمكنوا سابقًا من الوصول لأبراج مراقبة للجيش المصري ورفع رايتهم السوداء عليها. كل ذلك وأكثر من المشاهد يراها أهالي سيناء ليتأكدوا أن المسلحين يريدون بذلك تحدي الجيش المصري.
لم تقتنع القوات المصرية بأن التمرد المسلح والعنف في سيناء لا يمكن القضاء عليه بعنف مماثل، انتهجت سياسية القضاء على كل مشتبه به، وتفاخرت بعملياتها العسكرية التي كانت بالغالب ضد المدنيين، ونشرت على الملأ جثثًا لمواطنين سمتهم بـ«الإرهابيين».
في بداية الحملات العسكرية ضد المسلحين المحليين، كان هدف الجيش المصري تفكيك شبكة من أعداد تقدر في أقصى حد ببضع مئات ينشطون في مساحة معروفة من سيناء، ثم أصبح اليوم مطلوب من الجيش المصري ملاحقة تنظيم مسلح ذي امتداد إقليمي بعد أن بايعت جماعة أنصار بيت المقدس في نوفمبر 2014 وتحولت لولاية سيناء.
فإذا ما استقرأنا نتيجة هذا التعامل من الجيش المصري يتضح أن الحملات العسكرية لمواجهة «الجهاديين السلفيين» في سيناء باتت ذات تأثير محدود للغاية، ويستدل على هذه النتيجة بتضاعف أعداد المسلحين بشكل كبير، إذ قدرها مصدر خاص لنا بـ ثلاثة آلاف بعد أن كانوا لا يتعدون 300 شخص قبل ستة شهور، فقد أصبحت كل مراكز محافظة شمال سيناء الست في مرمى نيران التنظيم، وفي المحصلة تنظيم ولاية سيناء مثل باقي الجماعات التي تعمل خارج إطار الدولة، توسع بسبب ضعف قبضة السلطة المركزية للدولة على الأطراف.
كل ذلك يثير تساؤلات هامة: هل فعلًا توجد حاضنة شعبية لتنظيم «ولاية سيناء»، جعلت سيناء ملكًا حقيقيًّا لهذا التنظيم؟ ولماذا ينضم الشباب السيناوي للتنظيم المتشدد؟ «ساسة بوست» يجول في سيناء، ويُسائل مواطنيها الخائفين عن علاقتهم بـ«ولاية سيناء»، ويستعرض مع نشطاء من مدن سيناوية، أسباب الحاضنة الشعبية التي مكنت التنظيم هناك.

الانتقام بالانضمام لـ«داعش»

أيام هادئة قضاها الشاب السيناوي أحمد (اسم مستعار) في قرية «الجورة»، الواقعة جنوب مدينة الشيخ زويد. كان يصول ويجول وسط حقول القرية الصغيرة، بحلم اقتطاع جزء من الأرض الزراعية، ليبني عليه منزلًا يتزوج فيه.
لكنه قبل أن يبلغ 26 عامًا، تحولت حياته كليًا. لا أحد من معارفه يتعجب الآن، أنه أصبح أحد مسلحي «ولاية سيناء» الذين «يُدوخون» الأمن المصري، ويرعبون أيضًا أهالي سيناء بسلاحهم وقدرتهم على فعل أي شيء.
تغير كل شيء عندما قتل والد أحمد وأخيه في قصفٍ للجيش المصري على منزلهم، وقبل أن يستوعب الشاب حقيقة فقدان الأب والأخ الوحيد وهدم المنزل، تفاجأ مباشرة بعد أيام قليلة بقيام الجيش المصري بحملة عسكرية هدمت ما تبقى من منزله، ومطاردة شرسة من الجيش لأنه يريد اعتقاله على اعتبار أنه «إرهابي». تصرف كالغالبية من السيناويين المطاردين، فعجَّل بترك كل شيء والذهاب إلى إحدى المحافظات المصرية مصطحبًا والدته وأخته، وهناك تمكن من تزويج أخته لأحد أصدقائه، فأمن عليها وعلى أمه، ثم عاد إلى سيناء رافضًا البقاء بأمان بعيدًا عن سيناء.
في المعلومات التي استقصتها «ساسة بوست» أكد شهود العيان أن هذا الشاب لم يكن له أي علاقة بالمسلحين قبل حادث مقتل أبيه وأخيه، وقد أسرّ إلى أحد رفاقه الذي روى لنا الحكاية بأن : «قوات الجيش هي من أجبرته على الانضمام إلى التنظيم بسبب قتلهم لأبيه وأخيه».

من مدرّس إلى قيادي بـ«تنظيم الدولة»!

يبلغ «س.أ» الشاب السيناوي الذي يسكن مدينة رفح 28 عامًا، يمكننا تلخيص حكاية الرجل بأنه كان يعمل مدرسًا بإحدى مدارس القرى الجنوبية للمدينة، ثم أصبح خلال العام الأخير قيادي في «ولاية سيناء».
وفي تفاصيل الحكاية التي توصلنا إليها خلال تحقيقنا، تعود نقطة التحول إلى يوم رأى «س.أ» طريقة فض اعتصام رابعة من قبل الأمن المصري، فقد كان من قبل ذلك شابًّا مصريًّا لا تثيره أي اهتمامات بالشأن السياسي الداخلي. بل إن بعض المواطنين، قالوا لنا إنّه لم تكن لديه أي ميول نحو الالتزام الديني، أو حتى الأخلاقي. «لقد كان يتعاطى المُخدرات»، يقول لنا بعض المواطنين ممن عرفوه.
تغيرت الأمور كليًا، بعد صدمته بما وصفه لرفاقه بـ«فض ووحشية وحرق لجثث معتصمي رابعة»، ثم أثاره غضبًا طريقة تعامل الجيش المصري مع الظروف الأمنية بسيناء، وأخذ يتحدث كثيرًا عن الظلم الواقع على أبناء جلدته، ولاحظ من حوله التغير الكبير الذي نال منه.
وظل هذا التغيُّر يزداد حتى انضمّ قبل عامٍ واحد إلى تنظيم «ولاية سيناء»، فقد اعتبر «س.أ» أن الانضمام لهذا التنظيم المسلح سيمكنه من الانتقام من «حرق قوات الجيش والشرطة للجثث وقتل الأبرياء بسيناء» كما نقل عنه، أما الآن فـ«س.أ» أحد أهم «القيادات العسكرية داخل الحسبة والشرطة الإسلامية بولاية سيناء» كما يقول من يعرفه.

نكايةً بالجيش!

انتقلنا للحديث مع أحد أبناء سيناء، وهو الباحث والأكاديمي أحمد سالم. تحدث الرجل إلينا عن حال أهالي سيناء. قال سالم إن أهالي سيناء يتعرضون  لحملات قاسية من الجيش المصري، وهو يخضع المنطقة بأكملها لتأديب جماعي وتكتيكات سياسة الأرض المحروقة التي لم تراع فيها أي حقوق للمدنيين، سبق ذلك كله حسب «سالم» تاريخ حافل بالتهميش من طرف الدولة لأبناء سيناء، كل ذلك ساهم بخسارة الجيش المصري لقطاعات كثيرة من مؤيديه في سيناء، لذلك يعتبر سالم أن سياسة الجيش المصري هي ما «ساعدت في توفير ما يمكن تسميته بحاضنة شعبية للمسلحين في بعض المناطق».
ويرى سالم أن «التطور النوعي والانتشار الملحوظ للمسلحين يبدو انعكاسًا لحاضنة شعبية عريضة». مضيفًا: «كما أنه مرتبط بشكل أكبر بحجم الغضب تجاه ممارسات الجيش على الأرض إضافة إلى خوف المتعاونين مع الجيش من سكين تنظيم ولاية سيناء». ويصل الأمر حسب سالم إلى اعتبار أن هذه الجماعات: «حلَّت محل الدولة التي تخلت عن واجبها تجاه المواطنين إما في تقديم بعض الخدمات أو توفير الأمن والحماية لمكونات أهلية، فأصبح لهذه الجماعات حواضن شعبية بسبب الخدمات أو الحماية»، معتبرًا أن ما أسماه بـ «الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد» كبل يد الدولة المصرية من فرض تواجد أمني حقيقي.
ويشدد «سالم» على أن الأسباب الرئيسية التي دفعت بعض الأهالي للتعاطف أو حتى الالتحاق بالتنظيمات المسلحة ليست عقائدية، بل كانت لأسباب سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى كما أنها مرتبطة بشكل كبير بحجم الانتهاكات التي تعرضت لها هذه المنطقة.

«ما عليهم لوم لو صاروا داعش»

لتوها انتهت أم عمر (35 عامًا) من الوقوف بطابور سيارات قوامه 500 سيارة، لقد كان انتظارها الأطول على كمين «الريسة»، فهناك كان على جميع المارين أن يخضعوا لتفتيش دقيق، الرجال يقوم الجيش بتفتيشهم، أما النساء فتتولى سيدة مارة تفتيش امرأة أخرى.
تحدثنا إلى أم عمر، السيدة التي اضطرت تحت وطأة الرعب في رفح، إلى أن تترك كل شيء وتغادر لاستئجار منزل في العريش، لكن ما زالت الظروف تفرض عليها الذهاب إلى رفح لقضاء مصالح لها هناك، كأن تذهب تتفقد منزلها خوفًا من أن يدمر أو يستغل في بناء نفق تحته كما تخبرنا.
في هذا المشوار خرجت من العريش السابعة صباحًا، وعندما وصل دورها بالمرور كانت الساعة تقترب من العاشرة، هذه المدة كانت على أكثر من أربع كمائن، كانت السيدة تريد الوصول لمدرسة ابنها في مدينة رفح للحصول على ورقة خاصة، تقول السيدة: «وصلنا المدرسة الساعة 11، كان الطلاب قد غادروا».
تخبرنا السيدة أن طول الانتظار لا يبيحُ لأحد أن يتراجع ويعود من حيث أتى، لأن مصير من يقرر الخروج من الطابور هو إطلاق النار عليه، «يعنى اضلك غصبن عنك» كما تقول أم عمر. وتتابع بلهجتها البدوية: «الجيش يُهيج (يحرض) الشعب والعالم على أهل سيناء ورفح والشيخ زويد، وهم ما لهم ذنب»، تروي لنا السيدة المزيد من آلامها وهي ترى شباب سيناء يسجنون ظلمًا ويعذبون، متسائلة عن حال شاب طرده الجيش من بيته ثم أخذوا البيت وحولوه إلى معسكر، وتتابع السيدة القول بقهر: «ما عليهم لوم لو صاروا داعش، ويقتلون أهلهم، لأن الجيش هدم بيوتهم، وأخذ أراضيهم».

منظومة المشايخ الحكومية خلقت حاضنة لـ«الإرهاب»

يؤدي المشايخ دورًا مؤثرًا في حياة أهالي سيناء البدو، وقد أدرك الجيش المصري ذلك، فسارع لوضعهم تحت منظومة «ولائه»، اختار منهم من يكون «مُطبلًا» لقرارات الحكومة المصرية، ومن يمهد لفعل أي شيء تحت مبدأ التضحية الوطنية من أجل محاربة الإرهاب في سيناء. وأدرك الشباب السيناوي أن مشايخه في الغالب هم صورة أخرى من صور البطش الحكومي.
يُخبرنا الباحث في الشأن السيناوي عبد الرحمن يوسف بأن مكتب شؤون القبائل في المخابرات الحربية بسيناء كان سببًا في «التفرقة بين القبائل عن طريق اختيار مشايخ يوالون السلطة فقط» وعمل على إبعاد القادة الطبيعيين. وبالتالي لم يعد الناس مُلتفين – بحسب يوسف – حول قادة طبيعيين يستطيعون توجيههم بناء على الثقة المتبادلة بينهم.
ويؤكد يوسف لـ«ساسة بوست» أن السياسات الأمنية والعسكرية أثرت على تكوين حاضنة شعبية للجماعات الإرهابية والمسلحة في سيناء «لأنها لم تكن قائمة على احتضان أهالي سيناء، بل باعتبار الكثير منهم هدفًا محتملًا ومشكوكًا فيه» على حد تعبير يوسف الذي يتابع القول إن: «كثيرًا من أهالي سيناء تعرضوا للظلم وهو ما استغلته «الجماعات الإرهابية المسلحة» في تجنيد أفراد من العائلات المُنكل بها.
ويشدد يوسف على وطنية الأهالي ومساهمتهم في تحرير سيناء مُشيرًا إلى عدم مراعاة الأمن الخصوصية الثقافية في تعامله مع النساء مُنذ تفجيرات شرم الشيخ ودهب في عامي 2004 – 2005 ولفت إلى أن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في تفتيش المنازل أو في الأكمنة هي أمور شديدة الحساسية ولها غضب مُضاعف عند أهل سيناء.
وهو ما يؤكد عليه أحمد صقر – مساعد رئيس جهاز تعمير سيناء الأسبق – عندما قال إن السياسات الأمنية «الخاطئة» تسببت في احتقان مجتمعي «ووفرت بيئة خصبة لنمو التطرف» ويضيف صقر لـ«ساسة بوست»: «انفلات الإستراتيجية الأمنية يقابله انفلات في السلام الاجتماعي».
ويوضح صقر أن البطش الأمني جعل تكلفة خسائر المواطن إذا تواطأ مع «الإرهابيين» هي نفس التكلفة إذ لم يتواطأ معهم وهو «ما استغلته داعش لجذب الشباب السيناوي» على حد تعبير صقر، الذي ختم حديثه «لو لم تُدجن الحكومة منظومة المشايخ الحكومية لما كان النسيج المجتمعي ضعيفًا بهذا الشكل».

مئات القتلى في صندوق سيناء الأسود

هناك قتل تعسفي أو خارج نطاق القانون نتيجة للعمليات العسكرية بشبه جزيرة سيناء في الوقت الذي رفضت فيه السلطات المصرية طلبات تواجد مسؤولين أمريكيين بسيناء – لمراقبة استخدام السلاح – لأسباب أمنية لمدة استمرت لعام.
هكذا أفادت وزارة الخارجية الأمريكية في دراسة نشرها مركز بروكينجز للدراسات والأبحاث في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن تأثير القمع على المستقبل السياسي لمصر.
إذً رفض الجيش المصري السماح لحليفه الأمريكي بمراقبة الأوضاع الأمنية في سيناء بالرغم من سعي النظام المصري آنذاك من وقف تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية. في الوقت الذي سعى فيه الأمريكيون من مراقبة الوضع في سيناء لنظر إمكانية استخدام قانون ليهي الذي يحظر على الإدارة الأمريكية التعاون مع دولة ينتهك جيشها حقوق الإنسان.
وهو ما يعكس حساسية الوضع الأمني في سيناء ورغبة النظام في إخفائه حتى عن حلفائه الإستراتيجيين. ففي سيناء لا يسمح النظام المصري من مصدر للمعلومة سوى الجيش من خلال بيانات المتحدث العسكري، حتى أن أحد مصوري جريدة مُقربة من النظام وهو أحمد أبو دراع حُبس مطلع سبتمبر (أيلول) 2013 ليحاكم عسكريًّا بتهمة نشر أخبار كاذبة عن القوات المسلحة. وفي هذا الصدد يفيد تقرير لنيويورك تايمز أن الجيش المصري يريد أن يُبقي على أدلة انتهاج سياسة الأرض المحروق لمحاربة المتشددين «مخفية».

ولمعرفة عدد القتلى في سيناء أجرت ساسة بوست مسحًا لمنشورات المتحدث العسكري على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» في الفترة منذ بداية سبتمبر (أيلول) 2013 – بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة بأسبوعين – حتى نهاية شهر مارس (آذار) الجاري تحديدًا حتى يوم 28 مارس 2015 .
وقد قتل الجيش المصري ما لا يقل عن 2100 ممن وصفهم بالعناصر الإرهابية أو التكفيرية، وألقى القبض على ما لا يقل عن 2718 شخصًا كان أغلبهم مُشتبهًا فيهم وضمت الحصيلة «مطلوبين أمنيًّا» على حد وصف المتحدث العسكري.
وفي ظل التعتيم الإعلامي يتعثَّر حصر عدد الضحايا المدنيين، ولكن في الوقت ذاته فإن عدم وجود مصادر محايدة في سيناء يزيد من الشكوك بأن بعضًا ممن يصفهم الجيش بالتكفيرين أو الإرهابين قد يكونون غير ذلك، وعلى كلٍّ فإن سياسة الأجهزة الأمنية في سيناء ينتقدها محللون لكونها قد تؤدي إلى توفير تربة خصبة للـ«عنف».

مزيد من العطش

مزيد من العطش 


مصر وإثيوبيا والسودان في مواجهة موجة جفاف قاتلة







لم يعد هناك مبرر كبير أن ينشغل المصريون بمشكلة "سد النهضة" لأن هناك مشكلة أكبر في الطريق، وهي الجفاف الذي يضرب إثيوبيا، ويهدد بانخفاض موارد المياه خلال الأعوام المقبلة بنسبة 70% تتحمل مصر معظمها.

بلغة الأرقام، لا تعتمد إثيوبيا على مياه النيل بأكثر من 3% فيما تبلغ حصة السودان الرسمية من مياه النيل وفق اتفاق 1959 أقل من ثلث حصة مصر (12.5 مليار متر مكعب سنوياً)، ومع ذلك فالسودان لا تعاني بالضرورة من نفس الأزمة المائية التي تواجهها مصر صاحبة الحصة الأكبر من مياه النيل (55 مليار متر مكعب سنوياً).

عطش الهضبة الإثيوبية



ولكن الهضبة الإثيوبية دخلت الآن على خط المعاناة، ومعها ستزداد معاناة مصر، فمن هذه الهضبة ينبع النيل الأزرق الذي يساهم وحده بكمية تصل إلى 65 مليار متر مكعب سنوياً من المياه تصب في النيل تحصل مصر على معظمها، ولكن موسم الأمطار على تلك الهضبة سجل مؤشرات مقلقة منذ منتصف العام الماضي 2015 حيث سجل انخفاضاً حاداً ينذر بجفاف لم تر إثيوبيا مثله منذ عام 1984.

مراكز الأبحاث ترجع ما تواجهه إثيوبيا إلى ظاهرة عالمية تدعى "النينو" تؤدي بشكل دوري إلى ازدياد الحرارة عالمياً وجفاف ومجاعات في مناطق مختلفة، وأفريقيا إحدى أكبر المناطق المهددة بتلك الظاهرة في 2016.

آثار الجفاف بدأت في الظهور بالفعل في الشهور المتعاقبة خلال نهاية 2015 وبداية عام 2016 حيث انخفضت معدلات الأمطار الإثيوبية بنسب تتراوح بين 50% و75%.

الأمطار هي المصدر الرئيسي للحياة في إثيوبيا، وسكانها يعتمدون على المياه المتجمعة في الأماكن المختلفة لتوفير احتياجاتهم اليومية، ولذلك فالتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة كثيرة، ولهذا السبب أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمقاومة موجة الجفاف الحادة، كما طلب رئيس الوزراء، هيلاماريم ديسالين من المجتمع الدولي تبرعات ومساعدات غذائية، وقدرت منظمات إغاثية حاجة الدولة إلى 1.4 مليار دولار بشكل عاجل لحماية السكان من مخاطر الجفاف.

بعيداً عن المشكلة الاجتماعية والاقتصادية، سيكون الجفاف تحدياً يواجه مشروع "سد النهضة" على النيل الأزرق الذي يفترض أن يبدأ ملء خزانه هذا العام ولمدة قد تصل إلى 7 سنوات، إذ يبدو تنفيذ الخطة "مهمة مستحيلة" في ظل انخفاض متوقع في مصادر المياه بنسبة 70%.

لا كهرباء ولا مياه


أسرات بيرهانوا، خبير الطاقة الهيدروليكية الإثيوبي قال لـ "هافينغتون بوست عربي" إن "التأثيرات الخطيرة لمشكلة الجفاف على تدفق المياه في النيل الأزرق بدأت تظهر بالفعل، فبعض سدود إثيوبيا على هذا النهر تم تخفيض إنتاجها الكهربائي إلى 10% من طاقتها الإجمالية".

ويضيف: "ثاني أكبر السدود الإثيوبية (وهو سد جيبا 3) يولد الآن 500 ميجا وات فقط بدلاً من 1870 ميجا وات، بسبب انخفاض المياه في بحيرة التخزين".
تقارير إثيوبية عن متابعة الجفاف، تقول إن بحيرات التخزين في سدود أخرى مثل ديري وليجنداري لم تمتلئ خلال الموسم المطري الماضي، ما يشكل خطراً على إمداد العاصمة أديس أبابا بالمياه".
إزاء ذلك أعلنت الإدارة المحلية في العاصمة الإثيوبية ضرورة ترشيد استخدام المياه، وهو ما يعني احتمالات قطعها أكثر من ثلاثة أيام كل أسبوع.

بيرهانوا يرجو ألا يستمر الجفاف عاماً آخر على التوالي، لكن المؤشرات الحالية -كما يقول- تستوجب تعاوناً سريعاً بين دول النيل الشرقي (مصر والسودان وإثيوبيا) لوضع حلول جادة تستبعد المناورات السياسية.

الخطر على مصر والسودان

بعيداً عن إثيوبيا يتمدد الخطر إلى السودان ومنه إلى مصر، يقول مسؤول مصري في الهيئة المشتركة لمياه النيل -فضل عدم ذكر اسمه- إن "تقارير الرصد الأخيرة لمناسيب النيل الأزرق في محطات قياس مختلفة تمتد من السودان وحتى بحيرة ناصر جنوب مصر سجلت تراجعاً كبيراً، يؤشر إلى أن موسم الفيضان المقبل في يوليو سيكون منخفضاً للغاية".
وأكد المسؤول المصري أنه يتم الآن التقاط صور بالأقمار الصناعية لمعرفة حقيقة الوضع على طول مجرى النيل الأزرق، ولحساب ما سيصل مصر خلال موسم الفيضان المقبل ولا سيما مع انخفاض منسوب مياه بحيرة ناصر خلال العام الماضي للوفاء باحتياجات مصر الداخلية".
ويضيف: "الأرقام الحالية تؤكد خطورة الوضع في السودان، فمنسوب المياه خلف سد الروصيرص تراجع إلى 5.9 مليار متر مكعب بدلاً من 7.1، وتراجعٌ مشابه حصل في خزان سد سنار، وكان لذلك تأثير على قدرات هذه السدود في توليد الكهرباء".
ويقول تقرير لمنظمة الأنهار الدولية أنه وفقاً لسيناريوهات نموذج الدورة العامة للنيل هناك مؤشرات قوية على أن تدفق المياه في النيل الأزرق سيتأثر بسبب الجفاف بنسب قد تصل إلى 70% من حجم التدفق في المعدلات الطبيعية، وهو ما يهدد بتأثيرات اجتماعية واقتصادية لكافة المناطق الواقعة على ضفاف النهر من إثيوبيا حتى بحيرة السد العالي في مصر، فضلاً عن توقع حدوث خلافات في سحب كل دولة من المياه للوفاء باحتياجاتها المحلية.
ويشير تاريخ موجات الجفاف التي تعرضت لها الهضبة الإثيوبية أن تأثيره يمتد على الأقل لمدة 7 سنوات تقل فيها معدلات المياه تليها 7 سنوات تزيد فيها المعدلات ثم 6 سنوات بمعدلات متوسطة".

في انتظار أكتوبر

مزيد من الشرح للمخاطر يقدمه خالد أبو زيد، أمين عام الشراكة المائية المصرية، والخبير بالمجلس العربي للمياه، يقول: "‏إذا امتدت موجة الجفاف حتى شهور الأمطار الرئيسية على الهضبة الإثيوبية (يوليو إلى أكتوبر)، فسيؤثر ذلك على إيراد النيل الأزرق".
ويضيف: "الحقيقة ستظهر مع انتهاء أشهر الفيضان في أكتوبر، فمتوسط المياه الذي يوفره النيل الأزرق هو 50 مليار متر مكعب سنويا‏ً، قد يزيد إلى 65 وقد يقل إلي 30 مليار متر مكعب، و80% من حجم مياه هذا النهر يتجمع في أشهر الفيضان ولذلك سنرى الصورة بوضوح في ذلك التوقيت".
وأكد أن: "أي نقص في تدفقات الهضبة الإثيوبية سيؤثر بشدة على مخزون بحيرة السد العالي المصرية؛ فالنيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية يمثل أكبر رافد من روافد نهر النيل ويسهم وحده بحوالي 68% مما يأتي من الهضبة الإثيوبية وحوالي 60% من إيراد نهر النيل".

سد النهضة والجفاف



أبو زيد يرى أيضاً أنه إذا استمرت فترة الجفاف حتى أكتوبر المقبل وتزامن ذلك مع بدأ ملء خزان سد النهضة سيكون لذلك آثار وخيمة على مخزون بحيرة السد العالي، وسيجعل التعرف على حجم المشكلة عسيراً، إذ سيكون من الصعب قياس التدفق الطبيعي للنيل الأزرق ومعرفة حجم فيضانه لهذا العام لأن التدفق الطبيعي سيتأثّر بالسد وما يرتبط به من حجم التخزين وفواقد التبخر والتسرب وأي سحب من بحيرة السد".

ممنوع من الأمل لدواع عسكرية

ممنوع من الأمل لدواع عسكرية

آيات عـرابي

في القرآن، أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون ليقولا له (أرسل معنا بني إسرائيل). 

كان جزءا من ابتلاء الله لهم أن يظلوا تحت عذاب فرعون وهامان وجنودهما. 

تقرأ القصة في القرآن، فتدرك أن جُل أمانيهم وقتها كان الخروج من مصر، وهو الحدث الذي تصاعدت معه أحداث القصة، لتنتهي بمطاردة فرعون لهم وغرقه وجنوده في البحر. 

الشاويش بعضشي، فرعون مصر الحديث، الذي كان هامانا من قبل، فسعى بانقلابه أن يصبح فرعونا، فارتكب أو ارتكبت مليشياته جريمة جديدة في كفر الشيخ. 

تقول الرواية الانقلابية إنهم انتشلوا 9 جثث غارقة لمصريين وصوماليين وسوريين، ونجحوا في إحباط هجرة غير شرعية، وألقوا القبض على 127 شخصا، وتضيف الرواية الانقلابية أن ما اسمته إحباط العملية تم بالتعاون بين المخابرات الحربية وحرس الحدود. 

وتصر الرواية الانقلابية على تقديم الأمر بلهجة تشتم فيها الشعور بالفخر بالإنجاز الذي تحقق، وتسمي العملية (إحباط هجرة غير شرعية)، وتكاد ترتسم أمامك صورة الجنرال السمين يقف أمام الميكروفونات ليلقي البيان العسكري رقم (1) عن نجاح قواتهم في إغراق مركب الهجرة غير الشرعية والقبض على الجناة، ثم تبدأ المارشات العسكرية في العزف. 

وتبدأ رائحة (الزفارة).. كما يقول الأمريكيون، تتصاعد من الرواية الانقلابية حين تقرأ أن ركاب مركب الصيد حين شعروا بوجود قوات حرس الحدود قفزوا في المياه، ما أدى لغرقهم. 

وهناك إصرار على ترديد عبارة (من ذوي البشرة السمراء) كما لو كانت تلك الجملة ستخفف من تأثير الخبر، وهي عجرفة غير مستغربة على عسكر عربيات البليلة الذين يضعون أنفسهم في مرتبة أعلى من مرتبة البشر. 

في الصور المنشورة للحادث، تلمح عجرفة ولا مبالاة ترتسم على وجوه الواقفين حول جثامين الغرقى، إحدى الصور تستفزك بشدة حين ترى رجلا سمينا يمسك بجهاز اتصال ما، يرتدي حلة وينظر في عدم اكتراث لجثمان طفل يذكرك بالطفل السوري الغارق على سواحل تركيا.

لا تعرف من الصورة إن كان الطفل مصريا أم سوريا أم صوماليا، ولا تقرأ سوى العبارة القبيحة (من ذوي البشرة السمراء). 

من الواضح أننا بصدد جريمة قتل جديدة ارتكبتها مليشيات الجيش المصرائيلي أدت إلى غرق عدد من الأبرياء، لم يعادوا أحدا، ولم يعتدوا على أحد، فقط أرادوا الإبحار بعيدا عن واقعهم المؤلم، أرادوا توديع تلك الخرائب المنصوبة في بلادنا منذ خمسينيات القرن الماضي. 

لا أمل في معرفة حقيقة ما حدث إلا إذا تسربت أجزاء من الرواية الحقيقية للحادث عبر أحد الناجين، فالعسكر يطبقون قواعد التعتيم الإعلامي على ما يحدث، كما يفعلون في سيناء. 

لا يمكنك وأنت تنظر إلى جثمان الطفل الغارق وتقرأ الرواية الانقلابية ألا تتذكر تلك السيدة المصرية في سيناء، التي أطلق عليها جنود أحد الكمائن الرصاص، فأصابوها في قدمها، وأصابت الرصاصة الثانية بطنها، فقتلت طفلتها ذات الشهور السبعة، والصورة التي تسربت عبر صفحة سيناء 24 ثم الرواية العسكرية الصبيانية التي تحدثت بعدها عن رجال الصاعقة الذين تحولوا إلى سوبرمان وانتفخوا وهم يطاردون التكفيريين الذين أصابهم الذعر... الخ. 

وهي الرواية التي افتضح كذبها حين نسي محرر الخبر على موقع البوابة الانقلابي التابع للمخابرات عبارة (زود دي للخبر) التي ذيل بها ضابط الشؤون المعنوية القصة الركيكة الكوميدية التي أملاها على المحرر. 

العسكر يُعاملون الشعب بمنطق فرعون (إنَّا فوقهم قاهرون). 

ابقوا في أماكنكم نحن سنقتلكم.. نحن نمتلك رقابكم وحياتكم.. أنتم عبيد. 

لا يحق لمصري أن يفر من تلك الخرائب، ولا يحق له أن يصرخ لارتفاع الأسعار التي تسحقه كل لحظة، حتى بات البحث عن عشاء ضربا من المآسي. 

تحولت مصر على يد العصابات العسكرية إلى أنقاض وخرابات لا يمكنك مغادرتها، ولا يمكنك العيش فيها. 

لا يحق لك أن تفر، ولا يحق لك أن تشتكي، ولا يحق لك أن تصرخ، أنت ممنوع من السفر، وممنوع من الكلام، وممنوع من الشكوى، وممنوع حتى من الدعاء على الظالمين. 

أنت ممنوع من السفر والهجرة.. ممنوع من الكرامة والحرية.. ممنوع من الأمل، ممنوع من كل شيء لدواعي القتل والاستعباد. 

مزيج لا تجده إلا في قصص الطغاة في القرآن، فرعون وهامان والنمرود وكفار قريش. 

البخار المحتبس في القِدر شارف على الانفجار، والانفجار هذه المرة لن يبقي حجرا على حجر، ولن يرحم أحدا. 

السيسي في خدمة المستوطنات


 السيسي في خدمة المستوطنات


 وائل قنديل
ماذا يعني أن تحضر مصر السيسية مهرجاناً إسرائيلياً، انعقد لمواجهة حملات المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
نعم، حدث هذا، قبل يومين، حين أرسل السفير المصري لدى الاحتلال الصهيوني ممثلةً للسفارة، كي تشارك في مهرجان الدفاع عن المنتجات الإسرائيلية، بمواجهة حملات المقاطعة التي دعا إليها الفلسطينيون في الداخل، وتعاطف معها أصحاب الضمير في العالم كله، حيث تفاعلت الحملة في معظم العواصم الأوروبية، وبلغ صداها وتأثيرها في لندن، في الأسبوع الأول من الشهر المنتهي، أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية عنونت مذعورة "صباح من الكراهية في قطارات لندن.. ملصقات ضد إسرائيل".
أربع لافتات جرى تعليقها في نحو 500 محطة قطار في لندن، ضمن فعاليات أسبوع "الأبارتهايد الإسرائيلي"، فيما شهدت فرنسا ودول أخرى فعاليات شعبية مماثلة، ضد إسرائيل والحكومات الداعمة لها.
حدّثني عن عاصمة عربية واحدة شهدت مشاركةً شعبيةً أو نقابية في مصر ضمن هذه الحملة الدولية..
جامعة القاهرة، أم الجامعات المصرية، التي كانت تشتعل بالغضب النبيل ضد كل ما هو صهيوني، لم يعد مسموحاً لطلابها بالتظاهر أو الهتاف..
رئيس الجامعة يجاهد ويناضل ويكافح من أجل بيع تذاكر حفلات آمال ماهر وشيرين، ويدلي، كل يوم، بتصريح يطمئن فيه جموع الشعب العظيم بقرب الانتهاء من نفاد التذاكر.  
القومجيون الحنجوريون الناصريون مشغولون بحملات تعويم الجنرال الغارق في فشله وبلادته، المستجير بإسرائيل، كلما تعقدت أمامه الأمور وانسدت المخارج. 
ربما كان الباحث المثقف، محمد عصمت سيف الدولة، تقريباً، واحداً من سياسيين مصريين لا يزالون يصرخون في البرية، للإبقاء على الضمائر حيّة، والدفاع عن ثغور الأبجدية القومية، ليظلّ الناس على علم بمن هو العدو ومن هو الصديق (أنتهز الفرصة لأعطي سيف الدولة حقه في أن أبيّن لقرائه، ومتابعيه، أنه ليس ناصرياً، ولم يكن يوماً، وأن أصحّح معلومة خاطئة وردت في مقال سابق، عن كونه ناصرياً).
كان أنور السادات وحسني مبارك يمارسان التطبيع، سرّاً وعلانية، غير أنه كانت هناك بقايا مساحات من الخجل القومي، تجعلهما يطلقان العنان لصيحات غضبٍ، بعضها تلقائي وحقيقي، وبعضها الآخر في حدود الدور المرسوم، يتجلى في مانشيتاتٍ زاعقة، أو إفساح مجال أمام الخارجية المصرية، لإظهار مواقف إعلامية لطيفة، تبدو وكأنها ضد إسرائيل، ولعل أفضل تجسيد لهذه الحالة كان مثلث "عمرو موسى - شعبان عبد الرحيم - مصطفى بكري"، ودائماً ما كانت القاهرة توافق سراً، وتنفي وتكذب علناً.
الآن، لم يعد أحد ينفي أو يكذب، أو يعترض على ما تريده وتعلنه إسرائيل، وقد تحدّيت، في هذا المكان، أن يصدر من القاهرة السيسية تصريح واحد يكذّب رواية إسرائيليةً، أو ينفيها، بشأن بيانات الخضوع الكامل للإرادة الصهيونية. ومن ذلك أن مسؤولاً مصرياً واحداً لم يردّ على وزير البنية التحتية الإسرائيلي، حين قال إن القاهرة دمّرت أنفاق غزة بطلب إسرائيلي.
وأخيراً وليس آخراً إعلان موقع ديبكا الصهيوني أن السيسي وجّه رسالةً سريةً إلى أوباما، يطلب قوات أميركية تشارك في تدمير سيناء وتهجير سكانها.
الأسوأ من تسريب أخبار الرسالة الكارثية، إنْ صدقت، أن أحداً في مصر لم يخرج بتصريح يتيم يُسكت الإعلام الصهيوني، أو يحترم رأياً عاماً خدّروه طويلاً بحبوب أوهام العلاقة الندية الخشنة بين السيسي وأوباما، وحشوا رأسه بحواديت مسلية عن "الزعيم" الذي اهتزّت لمجيئه إلى الحكم خرائط الجغرافيا ومجلّدات التاريخ.
والآن، يأتي حضور مصر رسمياً مناسبة إسرائيليةً، تبحث في دعم سبل مواجهتها، ما يعني أننا دخلنا مرحلة ما بعد، أو ما وراء التطبيع، وتجاوزنا بمسافاتٍ مسميات التطبيع البارد والتطبيع الساخن، وانتقلنا إلى زمنٍ جديد، لن نفاجأ فيه بأن تبدي إسرائيل اعتراضها على وصف ما يجري بينها وبين نظام السيسي بأنه "تطبيع"، انطلاقاً من هذا التماهي التام، على مستوى الحكم، بحيث لم يعد مقبولاً الحديث عن طرفين، بل كيان واحد ووجدان واحد، يضرب فيه نظام السيسي الأعلى في: كيف تدافع عن الاستيطان والمستوطنين. 

بلا حدود- سيلاذيتش: المنطقة تحتاج حوارا لا تقسيما جديدا

سيلاذيتش: العالم سيشهد تغيرات كبرى وإسرائيل ستتضرر



قال رئيس المجلس الرئاسي الأسبق في البوسنة والهرسك حارث سيلاذيتش إن الشرق الأوسط كله يعاني من المشاكل، والشعوب تريد حلا يرجع إليها وليس اتفاقية "سايكس بيكو" جديدة.
وأكد سيلاذيتش في حلقة (30/3/2016) من برنامج "بلا حدود" على حاجة العالم إلى حوار صادق، متوقعا حدوث تغيرات عالمية كبيرة جدا خلال فترة من خمس إلى عشر سنوات.
وأرجع تجزئة الشرق الأوسط إلى أمور جيوسياسية والحركة الداخلية للشعوب، مستبعدا امتداد الحروب الحالية إلى دول الخليج، ومطالبا في الوقت ذاته من يقودون العالم بالحكمة في مساعدة الشعوب، والأطراف المتصارعة بإيجاد الحل دون غطرسة.
وقال "تعلمنا من التاريخ أننا بحاجة إلى الحوار وإعطاء كل شعب كرامته"، مؤكدا أن روسيا وأميركا تعتقدان أنهما لا بد أن تضعا النظام العالمي، وهذه هي الإمبريالية.
بوتين والكنيسة الأرثوذكسيةوأشار سيلاذيتش إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتشاور مع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية يوميا، مضيفا أن الدور السياسي للكنيسة معروف ومعلن، وعزا سبب الاستعانة بالكنيسة هناك إلى فشل الشيوعية.
وذكّر المسؤول البوسني السابق بمؤتمر عقد في إيطاليا خلال ستينيات القرن الماضي، وكانت أغلب الآراء تدور حول عداء الاتحاد السوفياتي لأوروبا، لكن منظّرًا إيطاليًّا قال إن "روسيا الروحية" من خلال كنيستها الأرثوذكسية هي العدو.
وفي السياق نفسه، قال سيلاذيتش إن الكنيسة الأرثوذكسية كانت من الركائز الأساسية للتدخل في البوسنة والهرسك.
واستغرب الحديثَ الغربي المتواصل عن "الخطر الإسلامي" رغم عمليات القتل المستمرة لمئات الآلاف من المسلمين في سورياوالعراق وليبيا وغيرها، وأرجع ذلك إلى التخوف من العقيدة التي تتمسك بالإيمان في مقابل الحداثة التي وصلت إلى لا شيء.
ولخّص سيلاذيتش الأهداف الروسية من التدخل في سوريا، في الرغبة بالسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، والاحتفاظ بدور "اللاعب الجديد على مستوى العالم"، لافتا إلى أن أوروبا وأميركا في حالتي مواجهة ومهادنة دائمة مع روسيا في آن واحد.
سيناريوهات المنطقةواستبعد سيلاذيتش أن يتم تقسيم سوريا، موضحا أن الحديث عن ذلك مجرد ضغط على أطراف سورية من أجل قبول الهدنة، لأن واشنطن لا تريد التجزئة، وأكد أن هناك توجها أميركيا عاما للمحافظة على المصلحة الأميركية في العالم.
ومضى يقول إن العالم يسعى لهدنة في سوريا إلى حين تقسيم المصالح الحالية للدول الكبرى، ناصحا المفاوضين السوريين بالتمسك بوحدة أراضي بلادهم.
وقال إن تركيا تلعب دورا مهما في الأزمة السورية، ويكفي أنها تستقبل نحو 2.5 مليون لاجئ وهو ما يعادل نصف اللاجئين السوريين، لافتا إلى أنها لو تدخلت بريا في سوريا لكان خطأ كبيرا.
وعن الموقف الإسرائيلي مما يحدث في المنطقة، قال سيلاذيتش "لو كنت مكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لمكثت ساكنا أشاهد ما يحدث في المنطقة وحسب"، لكنه تدارك أن إسرائيل ستتضرر مما يحدث في المنطقة لاحقا.
ومضي يقول إن توجه أميركا نحو آسيا سيضر بالمصالح الإسرائيلية في المنطقة، مؤكدا أن اللوبي الإسرائيلي في أميركا بدأ يضعف.
وفي نظرة استشرافية للمستقبل، قال سيلاذيتش إن الواقع الدولي الحالي يؤدي إلى تعددية حقيقية، والعالم بحاجة إلى حوار صادق، متوقعا تغيرات كبيرة جدا في العالم خلال فترة من خمس إلى عشر سنوات. كما توقع أن تصبح دول جنوب شرق آسيا هي القوة الجديدة التي ستقود العالم.


وعن الشأن الفلسطيني، يرى سيلاذيتش أنه بحاجة إلى إجماع عالمي لتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطين. وأشار في المقابل إلى أن هناك فئة في إسرائيل لا تريد السلام لأنها لا تستطيع أن تعيش دون حرب.