الجمعة، 31 مارس 2017

إخوان البحر الميت


إخوان البحر الميت



ليست قمة، بل حفلة"ماتينيه" لمجموعة من الممتلئين نشوة بانتصارهم على ربيع الشعوب العربية، كل الكلام فيما سميت "قمة" لم يكن عن الشعوب، بل عن استقرار الأنظمة التي ترفل في دفء الرضا الأميركي، والقبول الصهيوني. باستثناء كلمة أمير قطر، لم يكن هناك كلام في السياسة، أو عن المواطن العربي، فيما جاءت معظم الكلمات، على ركاكتها، أشكالاً من الدجل وفنون الردح والمكايدة والابتزاز، ومباراة في إظهار الولاء للسيد ترامب، والسيدة إسرائيل.. 
غير أن الأبرز كان التجاهل التام للشعوب العربية، ومسيرتها إلى التغيير الديمقراطي، باستثناء ذلك الهتاف ضد ثورات الربيع العربي، باعتبارها أصل الخراب والتدمير.

كانت قمة ترامب، من حيث جدول الأعمال، والخطب، والنتائج، وكغيرها من قمم عرب الانقلابات والثورات المضادة، لا تغضب إسرائيل، أو حتى تثير بعض انتباهها، بل وضعت في سلتها ثماراً جديدة، مثل تلك التي ألقى بها القيادي الإخواني في لندن، بحديثه عن"دولة إسرائيل".

هذا البيان الإخواني هو أبرز أعمال القمة، وأسوأها على الإطلاق، إذ لم يكن مطلوباً من الإخوان، ولا غيرهم من الحركات السياسية، أن يدلوا بدلوهم في أمر لا يخصهم من الأساس، ولا أذكر أنهم سبق لهم إصدار بيانات من هذا النوع في اجتماع نواكشوط، العام الماضي، أو الاجتماع الذي سبقه في شرم الشيخ، ما يجعلنا أمام لحظة تناغم مع قمة تضع في مقدمة أولوياتها الإجهاز على ما تبقى من ملامح مشروع ثورات شعبية، مرت على العرب.

بمقياس الأرباح والخسائر، لم يفعل هذا البيان أكثر من تعميق حالة الانشقاق داخل جمهور الإخوان المسلمين، ولم يثن المجتمعين في البحر الميت عن تقديم مزيد من الرعاية لجنرالات الحرب على أحلام الشعوب العربية، في الحرية والعدل واحترام حق الحياة، وهو ما يعبر عنه بيان إخواني، لاحق، صدر بعد انتهاء "القمة" يرفض نتائجها، جملة وتفصيلاً، قبل أن يقدم اعتذاراً واضحاً وشجاعاً عن خطيئة البيان الأول.

والحاصل أنك لن تكون مجحفاً لو حذفت وصف "قمة" مما جرى، ذلك أن القمة الحقيقية كانت قد انعقدت برئاسة الكيان الصهيوني، في المكان ذاته، سراً بحضور ثلاثي دول المواجهة- سابقاً- قبل أن تتحول فعلياً إلى دول الموالسة والموالاة والمؤانسة، السيسي من مصر وعباس من رام الله وعبد الله من الأردن، وبرعاية أميركية في فبراير/شباط من العام الماضي، وفيها طرح نتنياهو "خطة النقاط الخمس" لبناء الثقة مع الفلسطينيين مقابل قمة تجمعه بقادة السعودية ودول الخليج، وفق ما كشفت عنه"هآرتس" الإسرائيلية.

جل النائمين فوق المقاعد، والساقطين على العتبات، جاءوا من أجل مشروع وحدوي ضد نضال الشعوب العربية طلباً للديمقراطية والتغيير، وهو المشروع ذاته الذي يلتقون فيه مع الكيان الصهيوني، وهو الموضوع الأول في جدول الأعمال، منذ قمة شرم الشيخ، التي سعى خلالها السيسي، حثيثاً، لإنشاء قوة عربية مشتركة، تحارب، نيابة عن إسرائيل، ضد الربيع العربي، وكما وصفتها في ذلك الوقت من العام 2015 كانت محاولة لتوفير غطاء أممي عربي لرغبات مجنونة، تؤرق تحالف دعم الانقلابات، أو "القيادة العامة لتنظيم الثورات المضادة"، ليصبح بإمكان شلة الأصدقاء الكارهين للثورات أن يذهبوا إلى الحرب، لتثبيت مشاريعهم الحارقة للربيع، وقتما شاءوا.

مصرياً، لم تكن حفلة البحر الميت تعني لعبد الفتاح السيسي سوى مناسبة لتلعيب الحواجب، وتطليع اللسان، برقاعة فائقة لدولة قطر، مهرولاً من القاعة، وخلفه فرقته الاستعراضية، إلى حيث يجلس ملك السعودية، بإحدى القاعات الجانبية، لتنطلق بعدها زغاريد الاحتفال الماجن بما اعتبرته دوائره السياسية والإعلامية "انتصاراً فشيخاً حققه دكر السلطة على قطر" على نحو يذكرك ببلاهة انتصار وزير خارجيته على"مايك الجزيرة".

كان السيسي قبلها يتحدث عن فلسطين والوحدة العربية والمصير المشترك، تماماً كما تتحدث سما المصري عن إصلاح منظومة القيم، وتجديد الخطاب الديني، وتبشر ببرنامجها الروحاني القادم على شاشة التلفزة الرمضانية.

قمة الفشل.. !!



قمة الفشل.. !!

د.عبدالعزيز كامل
تأسست (الجامعة العربية) - كفكرة بريطانية – بهدف خدمة أغراض الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية، ولكي يجعل الغرب رابطة (العروبة) القومية العنصرية العلمانية؛ بديلًا عن رابطة الأخوة الإسلامية.. ومن يومها ظل العرب يتنقلون بانتظام وبصورة جماعية؛ من فشل إلى فشل، ومن تراجع إلى تراجع في كل المجالات - في الوقت الذي تطورت فيه أمامهم قوة دولة اليهود في جميع الحالات.!

المحصلة الحقيقية والنتائج الإجمالية للقمم العربية المتعاقبة منذ قمة أنشاص عام 1946 وعلى مدى سبعين عامًا.. كان عنوانها الدائم هو الفشل.. فالقادة المتعاقبون من يومها لا يسأمون من تكرار المُكرر.. واجترار الكلام عن الأخطار، دون إدراك لأبعادها، ولا تصدٍ حقيقيٍ لها.. وما من مشروع جاد عُرض أمام تلك الجامعة؛ إلا حاد عن الجادة، و أُجهض بعد مدة..

- قضية فلسطين وأرضها المغتصبة التي طالما تاجر الأكثرون بها؛ لم تنجح جيوش دول الجامعة مجتمعة في تحرير شبر منها على مدى سبعين عامًا.. ولم يُجمعوا يومًا على شيء جاد جديد بشأنها، اللهم إلا إجماعهم منذ نحو خمسة عشر عامًا على ضلالة (المبادرة العربية) التي لا تُعد إلا استنساخًا ممسوخًا لكامب ديفيد المصرية الإسرائيلية..! وهم لايزالون ينتظرون من يومها " تفضل" الدولة العبرية بقبولها كي يُقبلوا جميعًا على التطبيع معها بعد الاعتراف بها ..

- إرهاب اليهود؛ أجمع عرب الجامعة على تناسيه في نهاية المطاف، بعد أن قزَّموا الصراع معهم وصغَّروه ، من صراع يُفترض أنه (إسلامي/ يهودي)..إلى ما سُمى ماضيًا بـ (الصراع العربي الإسرائيلي) ليصل – بعد فشل(قومية المعركة) إلى خلاف (فلسطيني/ إسرائيلي) ولينكمش أكثر فأكثر..فيتحول بعد تدجين المنظمة من صراع وجود، إلى مجرد "نزاع" محدود بين منظمة (حماس) وكيان اليهود..

- الأمين العام للجامعة العربية - الذي لم يحسن النطق بالعربية في جملة واحدة - جدد في البيان الختامي لمؤتمر البحر الميت الدعوة الممجوجة لإحياء موات عملية السلام – الإسرائيلية - التي تموت وتحيا دائمًا بحسب رغبات القوى الصهيونية، وتقلبات السياسة الأمريكية.. وبقدر ما تحتاج بعض القيادات العربية من اكتساب لـ (الشرعية)اللاشرعية..

- مع التبني الواضح لتوجه أمريكا ترامب لدق طبول الحرب - ضد إيران - مستعملًا ما تبقى من جيوش العرب، فإن الأزمة السورية التي أظهرت تعاظم خطر الرافضة، وتجبُّرالتحالف بين الروس والمجوس؛ تحولت في أعين المؤتمرين إلى مجرد قضية لاجئين مثل قضية فلسطين، انتظارًا لبت دول التحالف فيها من خلال مفاوضاتهم السياسية ؛ بعد أن أحرقوا الأخضر واليابس بمغامراتهم الحربية وتجاربهم العسكرية..

- الجامعة العربية التي تنكرت للشرعية في مصر؛ والتي تحمست – في تناقض واضح - لدعم (تحالف دعم الشرعية) في اليمن؛ أظهرت التمسك - في البيان الختامي - بمبادرة دول الخليج التي أجهضت كل الثورات العربية - بما فيها اليمنية - بإشارة غربية .. وأيضًا فإن مصير بلاد الرافدين التي سلمتها دول الجامعة (العربية) – على مراحل - ليد إيران (الفارسية) تُذرف دموع التماسيح عليها اليوم بعد مقاومة المقاومة فيها أثناء الغزو..ومجاهدة المجاهدين فيها بعد نجاحهم في دحر الغزو، بدعوى تهديدهم "الآمنين".. وفي مقدمتهم اليهود في فلسطين..!

فشل القمة سيلقي بأصحابها إلى قمة الفشل.. خاصة وأن بعض قادة العرب سلموا قيادهم بشكل نهائي إلى معسكر الفُرس. بينما ارتمى الآخرون في أحضان الروم.. ومع ذلك يوهموننا أنهم متضامنون مجتمعون..
فأنى يؤفكون..؟!

الخميس، 30 مارس 2017

بين.. بين


بين.. بين


الخميس 02 رجب 1438 الموافق 30 مارس 2017




كم مرَّة سمعنا معلّقاً رياضياً يُقارن بين لاعبين مثل: (رونالدو) و(مسّي) مثلاً؟

أو آخر يُقارن بين قناتين مثل: (الجزيرة) و(العربية)؟

أو بين شركتين مثل: (أبل) و(مايكروسوفت)؟

أو حتى بين نظامين؛ كالرأسمالية والاشتراكية أو الولايات المتحدة وروسيا؟

ومن المقارنة حمى التنافس الميداني على السبق بين الشركات والشبكات، وكم استطاعت واحدة أن تطيح بالأخرى عبر اقتباس ميزاتها وإضافتها إلى ما لديها نظير ما فعل برنامج الانستقرام مع (السناب شات).

ولله المثل الأعلى، حين يقول المؤمن والمؤذن: (الله أكبر)، فليس في الأمر مقارنة، فهو -سبحانه- لا تُضرب له الأمثال، وهو أكبر من أن يُدرك بالحواس، أو أن يُقاس بالناس.

وكل ما دون الله فخاضع للمقارنة، حتى الرسل:
{فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (253:البقرة)، والملائكة: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} (1:فاطر).

يتعاطى الإنسان المقارنات بين الأشياء في مجالات الحياة كلها؛ السياسي، والرياضي، والاجتماعي، و..، و..

غالباً ما نلجأ لبيان ميزة شيء أو تفوّقه أو نقصه إلى مقارنته بغيره مما يؤكد نسبيّة الأحكام في حالات كثيرة.

اللغات زاخرة بكلمات المقارنة التي نسميها: التفضيل، فهذا حسن، وهذا أحسن، وهذا الأحسن على الإطلاق..

في الدراسات يهتمون بالمقارنة الفقهية أو الدينية أو مقارنة الأنظمة أو الأشخاص أو البرامج.

عند الفشل يلجأ أناس إلى المقارنة ليُثبتوا أنهم وإن أخفقوا إلا أنهم أفضل ممن هو أردأ منهم، بمعنى أنهم يعترفون بدرجتهم المتدنية، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى الحضيض، ومن سار على الدرب وصل!

حين يكون بلد عربي في درجة ٢٩٠ ضمن قائمة التنمية أو التعليم فهو يفتخر بأنه لا يزال ضمن القائمة!

نقيض أصحاب الطموح الذين يرفعون رؤوسهم لمن هو أعلى منهم؛ ليؤكدوا أنه لا زال أمامهم حلم جميل ينتظر التحقق، وأفق أسمى، ودرجة أرقى، ولم يصلوا بعدْ إلى مرحلة الكمال..

وهل ثَمّ مرحلة كمال للإنسان؟

كلا؛ ليس ذلك في الحياة الدنيا.

فلو كان ذلك لتوقف المرء عن التفكير والتحسين والتطوير، وبدأ في التراجع.

وفي التنزيل:
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} (19:الانشقاق)، {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (37:المدثر).

ليس من شأن الكائن الإنساني ولا الحياة البشرية الثبات والاستقرار، الحياة دوارة موارة متحركة إما باتجاه الصعود والرقي أو للانحدار والفساد والسقوط.

التدرب على عمل المقارنات المدروسة الإيجابية يسلط الضوء على جوانب خفية وأسرار ومعانٍ وملامح قد تتعذر رؤيتها إلا عبر استحضار نماذج عديدة وطرح الأسئلة حولها.

هذا يختلف عن المقارنة السلبية التي تستخدم للتضليل وخداع الآخرين، وأحياناً خداع النفس وحفزها على فعل الخطأ:
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا..} (8:يوسف)، أو الجمود على حال باعتبار أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان.

أحياناً نصنع من المقارنات سلّمًا نصعد عليه درجة درجة أو ننزل منه درجة درجة...

حين نقرأ الواقع اليوم سياسياً أو أخلاقياً ندرك (خطورة) مقارنة تقنعنا بأننا الأفضل نتيجة موهبة لغوية تجيد فن الإطراء، وتقتل أحلامنا وطموحاتنا باستدعاء تاريخ القبيلة أو تاريخ الأمة.. فمن عجز عن رؤية المستقبل يلتفت للماضي!

وفي الوقت نفسه ندرك (أهمية) مقارنة تجعلنا نعرف الممكن ونسير إليه باعتدال، بدل التِّيه في مثاليات واهمة لا وجود لها إلا في الذهن والخيال.

يمكن للمرء أن يقارن نفسه بالآخرين لا ليُثبت تفوقه، بل ليعرف جوانب قوته، ويكشف جوانب نقصه، ويدري أنه (لن) يكون محايداً في قضية هو أحد أطرافها!

ويمكن أن يقارن نفسه بنفسه ليدري إلى أين يسير، وهل هو في صعود أو هبوط..

بعض المقارنات نغذيها للصغار مع الحليب حتى يكرهوا ذاك المثال ويكرهوا التمثيل ومعه كل أفعال التفضيل (فلان أشطر منك)!

أحياناً نحتاج السباحة عالياً في الخيال تلك المساحة الهائلة التي تتوه فيها أفعال التفضيل وتتعطل وتصبح بلا قيمة..

الخيال هبة السماء يوم أن تضيق عليك شبابيك المقارنات الأرضية..

عن رقصة منى عبد الناصر

عن رقصة منى عبد الناصر



وائل قنديل


لا يكفي في معالجة زوبعة منى جمال عبد الناصر والسفير الصهيوني، اعتبار المسألة لا تستحق أكثر من تصريحات سريعة، على لسان أسرة "الزعيم" تنفي فيها حضور السفير حفل زواج حفيده، داخل منزل الوالدة بالقاهرة.
الكلام عن حضور سفير العدو مناسبة عائلية، بمنزل عائلة الرجل الذي تسجل ذاكرة التاريخ أن إسرائيل اعتبرت يوم موته عيداً، هو بمثابة زلزال سياسي، لا يقل في شدته عن زلزال ذهاب أنور السادات إلى القدس المحتلة، ومن  ثم فإن التصدي له لا يصح أبداً أن يقتصر على تصريحات للشقيقة "هدى" أو للشقيق الأصغر "عبد الحكيم" يقولان فيها إنها محض شائعة، بينما الطرف الأساس في الحكاية المسيئة تلتزم الصمت، فيما تتمدد أحبال النميمة والثرثرة، بين من يؤكد، ومن ينفي.
شائعة مثل هذه، إن صحت فهي فضيحة وعار تاريخي، وإن كانت كاذبة فهي جريمة بحق مطلقيها وناشريها، تستوجب الاعتذار عن النشر، أولاً، وإعلان الاستعداد للمساءلة ثانياً، وكما قلت في لحظتها فإن أي شخص لديه تأكيد لخبر حضور السفير الصهيوني حفل منى عبد الناصر، يتفضل مشكوراً ويخرس كل الألسنة ويعلن وثائق جريمتها.
‏وإن لم يستطع تأكيد الخبر فعليه قبل أن يخرس ويرحمنا من الكذب الفاحش، أن يعتذر عن جريمته، ويُحاسَب عليها.
واللافت أن إطلاق هذه الحدوتة جاء في توقيت دال للغاية، إذ راجت القصة قبل أن يشد الحكام العرب الرحال إلى البحر الميت، للاجتماع في "قمة عربية" هي الأكثر إرضاء للمشيئة الصهيونية، إذ تراجع فيها الموضوع الفلسطيني، الذي هو من المفترض نظرياً، قضية العرب المحورية والأولى، لصالح الموضوع المفضل لدى العدو الصهيوني، وهو الحرب على الإرهاب، التي باتت تتخذ معنى جديداً منذ بدأت سلسلة الانقلابات على ثورات الشعوب العربية، بحيث صار الإرهاب وفقاً للترجمة العبرية، مرادفاً لمقاومة الاحتلال، ومناهضة الثورات المضادة في بلاد العرب.
وكأن المنتج المنفذ لدراما قهر الذات العربية، والعبث بذاكرتها القومية، قد اختار سيناريو "بنت عبد الناصر والسفير الصهيوني" بعناية فائقة، وتوقيت شديد الذكاء، ليهيئ الأذن العربية للتعاطي السلس مع قمة لا تنشغل بمواجهة العدو الصهيوني، بقدر ما تشغل نفسها بمزيد من الرعاية والاحتضان للجنرالات الذين يتنافسون على إسعاد إسرائيل وكسب رضاها.
من هنا كان التفكير في إغراق الجماهير في حكاية شديدة الإثارة الدرامية، محورها الرئيس أن ابنة جمال عبد الناصر، الذي قضى نحبه بعد دقائق من انتهاء قمة عربية خصصت للتباحث بشأن إعلان الحرب على إسرائيل لمحو عار هزيمة يونيو/ حزيران 1967، ترقص في حضور سفير دولة العدو، احتفالاً بزفاف ابنها وابن أشرف مروان، الذي لا تترك الميديا الصهيونية مناسبة إلا وتعلن فيها أن زوج ابنة الزعيم أنفق نصف عمره خادماً للمشروع الصهيوني، بعد تجنيده جاسوساً للاحتلال.
بالطبع يدرك صناع هذه الدراما، أنها وإن كانت كاذبة، فهي صالحة للاستهلاك والرواج، في مناخ مشبع بأبخرة الرغبة في الشماتة والتشفي وغرس الأنياب في لحوم الخصوم التاريخيين، فكان أن انزلق كارهو عبد الناصر إلى الفخ، وتعاملوا مع القصة على أنها حقيقة لا تقبل الشك، فيما انصرف اهتمام آخرين إلى رقصة أم العريس احتفالاً بولدها، بينما قرر تجار الحكاوى التاريخية الحريفة استثمار الموضوع، مستعرضين عضلاتهم المعلوماتية المنتفخة، باستدعاء قصة أشرف مروان، والانطلاق منها إلى الجزم بأن السفير قد حضر، وأن ابنة عدو دولة السفير قد رقصت بحضوره.
غير أن أكثر ما يدعو للدهشة أن تكتفي عائلة عبد الناصر بمداخلة تلفزيونية، من دون أن تذهب أبعد من ذلك، وتطالب الصحف التي نشرت الحدوتة باعتذار في مساحة مساوية لمساحة النشر، أو ترفع شكواها لنقابة الصحافيين، أو تذهب إلى القضاء، كما كانت تفعل في مناسبات أقل إساءة وأصغر فضائحية من الادعاء بأن ابنة الزعيم دعت سفير الصهاينة إلى عرس ابنها، ورقصت.
السؤال هنا: إذا كانت تلك رغبة المنتج المنفذ في صناعة دراما تطبيعية فاضحة، لمناسبة انعقاد قمة البحر الميت، فلماذا تستسلم أسرة عبد الناصر لرغبات المنتج وتقف مكتوفة الأيدي على هذا النحو الغريب؟!

الأربعاء، 29 مارس 2017

نحو آليات ذكية في مواجهة الإرهاب

نحو آليات ذكية في مواجهة الإرهاب



تعجب الكثيرون من المبالغات التي فرضتها توجهات الأميركيين فيما يتصل بسياسات التأمين والتحوط والاشتباه بعد حادث 11 سبتمبر/أيلول، وخاصة أن هذه الإجراءات والبروتوكولات أصبحت تثير الانطباع المتجدد بأنها تترك نهر الاحتمالات الخطرة والكامنة واسعا وتركز غاية التركيز على جدول صغير من نهر الاحتمالات.
ولا يقف الأمر عند هذا التركيز المكاني غير المتناسق لكنه يمتد ليضفي على معظم سياسات التأمين -إن لم يكن كلها -ملمحا انفعاليا بدلا من أن يصبغها بما يعطيها طابعا استشرافيا واستباقيا حقيقيا وليس إجراء تحفظيا.

يكاد الباحث المتأمل الذي تعامل تعاملا مباشرا مع المرض (في نفسه أو في المقربين إليه) يلحظ أن السياسة الأميركية تكاد تقصر تفكيرها وآلياتها على المجابهة المستمرة والدؤوبة للاحتمالات المتوقعة هنا وهناك باعتبار هذه الاحتمالات ظواهر مرضية وبالحرص على إنكار أن بعضها ظواهر فسيولوجية.


والأمر في هذا شبيه بأبوين من ذوي التعليم القاصر والخبرة المحدودة يظنان أن من واجبهما أن يوقفا زيادة طول ابنهما وهو في السادسة عشرة لأنه أصبح أطول من شقيقه الذي يكبره بست سنوات!! لأن هذا يتعارض في رأيهما أو في إدراكهما مع المنطق الذي يؤمنان به، ومع خشيتهما من أن يصبح الأصغر متشجعا على هزيمة الأكبر (أو التجني عليه) بكل ما تحمله هذه الهزيمة من اضطراب في موازيين القوى.
"أصبحت أميركا بمؤسساتها العقلية والسياسية الآن في حاجة ماسة إلى إعادة صياغة جادة وجديدة لمقاربات التنبؤ الإستراتيجي والسياسي المستندة إلى تجليات حديثة في علوم النفس والاجتماع، ومدى ما يمكن لهذه التجليات أن تسهم به في إعادة صياغة الأسس الحاكمة للعلاقات والسياسات الدولية"
في مقابل هذا الهلع الأميركي الذي تعبر عنه بصدق واقتدار نبرات أصوات مذيعات الفضائيات الأميركية في تعاملهن مع كل مادة إخبارية آناء الليل وأطراف النهار؛ فإن الفلاح الأميركي يبتسم وهو يروي لأبنائه أنه كان أطول من شقيقه الأكبر وأنهما كانا أقصر من الشقيق الأصغر على الرغم من أن ثلاثتهم أشقاء.

يعبر أساتذة الطب المتمرسون عن هذه الحالة العقلية بأن أصحابها لا يفهمون الفسيولوجيا، ومن الطريف الذي لا يمكنني التصريح به أن بعض المهن والدراسات القريبة جدا من الطب لا تفهم -في مجملها -الفسيولوجيا ولا تدرك حدودها على نحو ما هو الحال في السياسة الأميركية الراهنة.

أقفز من هذا التبسيط النظري إلى التأمل على سبيل المثال في الإجراءات التي فرضت على الطائرات المدنية ووسائل تأمين الرحلات الجوية والمطارات؛ فأذكر ملاحظة يكاد كل القراء يشاركونني الرأي فيها، وهي أن كل هذه الإجراءات قامت على فرضية تكرر حادث 11 سبتمبر بحذافيره، وبلغ الخوف من تكرار هذا الحادث حدا تضاعفت معه السيطرة المطلقة لهذا الحادث على التصميم والتشغيل لدرجة لا نصفها بأنها مرضية فحسب، وإنما نصفها بما هي أولى به من التشخيص القاطع بأنها سرطانية.

وخذ على سبيل المثال أو حتى الخيال ما حدث عن قريب من أن الكابتن القائد لإحدى الرحلات ذهب لدورة المياه فاشتبكت مساعدته مع إحدى المضيفات في خلاف بسيط ارتفعت فيه الأصوات فلما خرج الكابتن من دورة المياه ووجد الأصوات المرتفعة آثر أن يتعامل معها بدون أن يزعج مساعدته فأغلق باب الكابينة بيده بطريقة تلقائية سريعة!! ولم يمر بخاطره أن مساعدته خارجها مشتبكة مع المضيفة!

وهكذا عاشت الطائرة عشر دقائق من الرعب المتنامي إلى أن تمكن الكابتن من تحطيم باب الكابينة والدخول إليها قبيل دقيقة أو دقيقتين من تنفيذ الأوامر العسكرية القاضية بتحطيم هذه الطائرة بمن فيها في الجو من باب الاحتياط من كوارث أكبر يتوقعها العقل من طائرة هائمة لا ترد على نداءات غرف المراقبة الجوية ولا تستجيب لأي تنبيه ولا يعرف مصير قائدها ومساعدته، ومع هذا كله فإن ما يترامى من أصوات الاشتباك من بعيد يشير إلى أن هناك معركة قائمة على متن (ولا نقول أرض) الطائرة.

لا يخرج أمر معظم الإستراتيجيات الأميركية الراهنة عن مضمون هذا الإطار الدرامي الذي أصبح يصور لنفسه أن الدنيا خلقت لتحيط بأميركا فحسب، وأن من واجب الأحياء في هذه الدنيا أن يلتزموا بما يضمن شعور الولايات المتحدة الأميركية بالأمان الذي يكفل لها ألا تفاجئها الأحداث بأي صورة مشابهة لما أربك إستراتيجياتها من قبيل الوقائع المفاجئة التي جاءت على غير توقع كامل من الأميركيين فأربكت حساباتهم في العقود الأربعة الماضية:


- فلا تشن دولة منهكة ودائرة في الفضاءالسوفياتي البطيء حربا مفاجئة من أجل تحرير أرضها حتى لوكان هذا هو سبيلها الوحيد لاستعادة الكرامة والأرض والتنمية.

- ولا تنجح جماعات جهادية مسلحة في القضاء على نظام انقلابي شيوعي وسقوط اتحاد السوفياتي مع هذا الانقلاب العميل، حتى لو تم هذا برضا أو مساعدة أميركا نفسها، بل وفي صالحها أو لصالحها.

- ولا تندلع انتفاضة أطفال بريئة تعبر عن أقصى درجات القهر التي يستشعرها أبناء شعب وجدوا العالم يغض الطرف عن قوم جاءوا ليحتلوا أرضه ويطردوه منها بناء على أساطير غير منطقية.

- ولا يتسع نطاق ثروات مشروعة عبرت بأرقى ما هو ممكن عن تطلعات شريفة نحو الحق والحرية والسلام.
"إن الحرب العالمية الثالثة التي بدأتها أميركا ضد الإسلام باتت تشي بوضوح بأنها رغم تسارعها وانتشارها وتعدد بؤرها وتحالفاتها ومركباتها لن تنتهي بالقضاء على الإسلام ولا توهينه، بل على العكس من ذلك فإنها تمهد له ولنشره ولفهمه ولتقديره"
- ولا يكون رد الفعل الشعبي تجاه الانقلابات العسكرية المصنوعة صلبا على هذا النحو الذي جسدته المجابهة الشعبية لانقلابات مصر وتركيا ومقدونيا.

أحسب أن أميركا بمؤسساتها العقلية والسياسية أصبحت الآن في حاجة ماسة إلى إعادة صياغة جادة وجديدة لمقاربات التنبؤ الإستراتيجي والسياسي المستندة إلى تجليات حديثة في علوم النفس والاجتماع، ومدى ما يمكن لهذه التجليات أن تسهم به في إعادة صياغة الأسس الحاكمة للعلاقات والسياسات الدولية، فعلى سبيل المثال السريع جدا فإن كفاءة استصدار القرارات العسكرية تطورت بفضل أجهزة المحمول بأكثر مما تطورت بفضل الارتقاء في فعالية الذخيرة أو كفاءة الصاروخ بل إن الجندي البسيط أصبح بفضل أجهزة جي بي إس متفوقا في التفكير والمبادرة على أمهر المساحين ورسامي الخرائط ومقتفي الأثر.

وليس هناك شك في أن أميركا قادرة تماما على أن تنجز هذا التحول الإستراتيجي عبر استلهام ذكي ومتعمق لتجربتيها السابقتين في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، ذلك أن الحرب العالمية الثالثة التي بدأتها أميركا ضد الإسلام باتت تشي بوضوح بأنها رغم تسارعها وانتشارها وتعدد بؤرها وتحالفاتها ومركباتها لن تنتهي بالقضاء على الإسلام ولا توهينه، بل على العكس من ذلك فإنها تمهد له ولنشره ولفهمه ولتقديره.

وعلى صعيد آخر فإن هذه الحرب الراهنة أثبتت بكل وضوح أن ثمن استمرار التحالف الغربي في هذه الحرب الخبيثة مكلف الى أبعد الحدود كما أن العمر الافتراضي للعملاء المحليين (أو من باب السخرية: الوطنيين) يتناقص مع الزمن بمنحنى انحداري حاد، وأن كفاءاتهم المضخمة التي يصنعها الاعلام الكاذب قد أصبحت محل نفي مستتب، وليست محل شك فحسب، وأن استنساخ عبد الناصر وحافظ وصدام ومعمر لم يعد مجديا فضلا عن أن يكون ممكنا رغم ضخامة الإنفاق على الدعاية والتلميع ورغم كفاءة التكنولوجيات الحديثة.

وهكذا فان العطب قد أصاب كل عناصر بناء هذه الإستراتيجيات الخبيثة على الرغم من استبقاء الإستراتيجية لوجاهة أهدافها وبريق منتوجاتها المرجوة أو المتمناة.

وإذا كان لي من ذكر مثل بسيط للتحول المطلوب أو الممكن في الإستراتيجية فإني أقترح على فرنسا أن تشرع فورا وفي خلال ثلاثة أشهر في بناء مائة مسجد بسيط لكنه مريح للأعصاب بحيث يكون -بالإضافة إلى وظيفته الأصلية كمصلى- مثابة لأولئك المهمشين والمأزومين من تدفق مشكلات الحياة ومفاجآتها القاسية أو الحادة، وبحيث يجدون فيه العلاج النفسي البسيط الذي هو كفيل كما علمنا التاريخ بأن يخرج بمتلقيه من مزاج سوداوي إلى حالة طبيعية على نحو ما تخبر الطبقات البرجوازية حاجتها إلى الإجازات العادية وغير العادية.

إذا نجحنا -عبر سنة أو سنتين- بخطوات من مثل هذه الخطوة في إزالة نسبة عالية من التوتر والاستقطاب وما يترتب عليهما من هذه الحوادث الفجائية غير المبررة فإننا نكون قد لجأنا إلى علاج ناجع وناجح فضلا عن أنه قليل التكلفة لكن الأهم هو أننا نكون في سبيلنا إلى الانتصار على المرض الذي بدونا وكأننا منهزمون أمامه وسعداء بتكرار الانهزام أمامه دون استيعاب لدروس الفسيولوجيا والباثولوجيا.




الإصلاح بالإسلام


الإصلاح بالإسلام 


د.محمد عمارة

في القرن التاسع عشر، ومع تصاعد المد الإستعماري، جاءت إلى الشرق الإسلامي نظريات الحداثة الغربية: الفلسفة المادية والوضعية، والعلمانية والدارونية.. إلخ.. إلخ، وبدأت هذه النظريات الغربية في مزاحمة المرجعية الإسلامية في التقدم والنهوض.

وكان الإمام محمد عبده (1266 - 1323 هـ، 1849 - 1905 م) رائد المدرسة الإصلاحية الداعية إلى اتخاذ الإسلام سبيلا للتقدم والنهوض، وداعية التجديد الذي يخرج العقل المسلم من قيود التقليد للموروث، والتقليد للوافد الغربي جميعا.

لقد انتقد الإسلاميين الذي يهاجرون من العصر إلى التراث والماضي، والذين يقفون عند ظواهر النصوص، دون فقه العلل والحكم التي جاءت لها هذه النصوص، ووصفهم بأنهم لم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء!

وانتقد التمدن الغربي المادي، الذي برع أهله في اكتشاف أسرار المادة، ثم عجزوا عن اكتشاف الفطرة الدينية التي هي السبيل لسعادة الإنسان.

وانتقد العلمانية، التي تفصل الدين عن السياسة والدولة والقانون، وأكد أن الإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على ماله، ويأخذ على يده في عمله، لأن الإسلام - دين وشرع - كمال للشخص، وألفة في البيت، ونظام للملك، امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم تدخل فيه.

وتحدث عن أن الحكم في الإسلام "مدني من جميع الوجوه" والأمة هي التي تولي الحاكم، وهي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي تخلعه متى رأت ذلك في مصلحتها، وأن قلب السلطة الدينية - الثيوقراطية - هو أصل من أجل أصول الإسلام.

وتحدث عن أن الانفتاح على الآخرين، والتفاعل معهم لا يعني التفريط في المبادئ الثابتة التي تؤكد أن التقدم والنهوض لا يكون إلا بالإسلام، فقال: "إن أهل مصر قوم أذكياء، يغلب عليهم لين الطباع، واشتداد القابلية للتأثر، لكنهم حفظوا القاعدة الطبيعية، وهي أن البذرة لا تنبت في أرض إلا إذا كان مزاج البذرة مما يُتغذى من عناصر الأرض، ويتنفس بهوائها، وإلا ماتت البذرة بدون عيب على طبقة الأرض وجودتها، ولا على البذرة وصحتها، وإنما العيب على الباذر".

أنفُس المصريين أُشربت الانقياد إلى الدين حتى صار طبعا فيها، فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذرا غير صالح للتربة التي أودعه فيها، فلا ينبت، ويضيع تعبه ويخفق سعيه.

إن سبيل الدين لمريد الإصلاح في المسلمين سبيل لا مندوحة عنها، فإن إتيانهم من طرق الأدب والحكمة العارية عن صبغة الدين يحوجه إلى إنشاء بناء جديد ليس عنده من مواده شئ، ولا يسهل عليه أن يجد من عماله أحد.

وإذا كان الدين كافلا بتهذيب الأخلاق، وصلاح الأعمال، وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله من الثقة فيه ما ليس لهم في غيره، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلم العدول عنه إلى غيره؟!

وأكبر شاهد على ذلك ما شوهد من أثر التربية التي يسمونها أدبية من عهد محمد علي (1184 - 1265 هـ، 1805 - 1849م) إلى اليوم، فإن المأخوذين بها لم يزدادوا إلا فسادا، وإن قيل إن لهم شيئا من المعلومات، فما لم تكن معارفهم وآدابهم مبنية على أصول دينهم، فلا أثر لها في نفوسهم".

هكذا دعت المدرسة الإصلاحية الإسلامية إلى الإحياء الإسلامي، وانتقدت جمود المقلدين للتراث، وجمود المقلدين للوافد الغربي، وأكدت أن التقدم والنهوض إنما يكون بتجديد الإسلام.


قصيدة قمم قمم قم ..

قصيدة قمم قمم قم .. معزى على غنم .. 

مظفر النواب



قمم

قمم..

معزى على غنم

جلالة الكبش

على سمو نعجة

على حمار

بالقدم

وتبدأ الجلسة

لا

ولن

ولم

ونهي فدا خصاكم سيدي

والدفع كم ؟!

ويفشخ البغل على الحضور

حافريه

لا . نعم

وينزل المولود

نصف عورة

ونصف فم

مبارك .. مبارك

وبالرفاه والبنين

أبرقوا لهيئة الأمم

أم قمم

كمب على كمب

أبا كمباتكم

على أبيكم

جائفين

تغلق الأنوف منكم الرمم

وعنزة ... مصابة برعشة

في وسط القاعة بالت نفسها

فأعجب الحضور ..

صفقوا .. وحلقوا...

بالت لهم ثانية

وستعر الهتاف...

كيف بالت هكذا ..!!!

وحدقوا .. وحللوا...

وأجلوا

ومحصوا

ومصمصوا

وشخت الذمم

وأهبلتكم أمكم

هذا دم أم ليس دم ؟؟!

يا قمة الأزياء

يا قمة الأزياء

سوّدت وجوهكم

من قمة

ما أقبح الكروش من أمامكم

وأقبح الكروش من ورائكم

ومن يشابه كرشه فما ظلم

قمم ... قمم .. قمم...

قمم

معزى على غنم

مضرطة لها نغم

لتنعقد القمة

لا تنعقد القمة

لا.تنعقد القمة

أي تفو على أول من فيها

إلى آخر من فيها

من الملوك .. والشيوخ .. والخدم

أجمل شيء في الحياة

  أجمل شيء في الحياة


سلمان العودة 

من الموصل إلى الرباط.. هل انهارت الأحلام الإسلامية؟!

من الموصل إلى الرباط.. هل انهارت الأحلام الإسلامية؟!

محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة

بينما يُحاصر تنظيم الدولة الإسلامية في عاصمته "الموصل" بعد انهيار سائر المدن التي سيطر عليها في العراق، يتلقى عبد الإله بن كيران إقالة مهينة من الملك المغربي بعد فشله في تشكيل الحكومة، وهو الفشل الذي يعلم الجميع أنه إنما كان بسببٍ من الملك نفسه عبر الأحزاب المرتبطة به. وما بين التجربتين أطياف أخرى من التجارب المتعثرة تبدأ من أقصى اليمين عند التيار الجهادي الذي ذروته تنظيم الدولة الإسلامية، ومرورا بأطياف التيار الإخواني الذي ينتهي عند الغنوشي وبن كيران، وفي الخلفية تيارات سلفية اعتزلت السياسة أو مدخلية جعلت من نفسها عملاء بلا أجر للأنظمة الحاكمة.

وهنا يبدأ السؤال المتكرر عند كل تجربة فاشلة: أين يكون الحل؟ فلا حمل السلاح أفضى إلى المطلوب كما في العراق وسوريا وليبيا، ولا الثورات السلمية كما في مصر واليمن، ولا التماهي مع الأنظمة الحاكمة كما في الأردن وتونس والجزائر والمغرب. 
وأصعب من الإجابة عن سؤال كهذا أن نتفق على بعض الأمور التي يمكن أن نجعلها معيارا نقيس به هذه التجارب، هذه السطور ليست إلا محاولة للإشارة إلى بعض هذه النقاط، وقد وصل بي اجتهادي إلى أنها خمسة نقاط:

 (1) قيمة الاعتراف بالفشل
أقصى وأقسى ضربة يمكن أن تضيع بها دروس أي تجربة أن يصر أصحابها أنهم لم يفشلوا، يفعل هذا المتعصبون لجماعتهم وحزبهم تماما مثلما يفعلها القادة الذين فشلوا. صحيح أن شعور الفشل مرير لا يحب أي إنسان أن يذوقه، لكن اللحظة التي لا نعترف فيها بالفشل هي ذاته اللحظة التي يبدأ فيها تزوير المعاني وإفساد الحقائق، فالحركة التغييرية الثورية إذا فشلت في التغيير فسوَّقت لنفسها وأنصارها أنها لم تفشل فإنما تبدأ في هذه اللحظة كجماعة علمية أو دعوية فقط، هنا تتغير وجهتها وهدفها ونمط حركتها وتطمس ما في أدبياتها من ثورية وتغيير وتعيد صناعة جلدها الجديد، فمن هنا تبدأ رحلة طويلة من تزوير المعاني والحقائق والتاريخ فقط لتنجو من الاعتراف بالفشل، ولربما عاشت أجيال بل ماتت وهلكت أجيال جرَّاء هذا التزييف.

لا يعجز أحد عن صناعة المبررات، وحتى الخونة لديهم منطقهم في ارتكابهم للخيانة، واللحظة التي تختل فيها معايير القياس فيُسَوَّق الفشل على أنه نجاح هي لحظة الضلال الكبير، وفي مثل هذه اللحظة تكثر الحاجة إلى المثقفين والفلاسفة وأصحاب القلم، أولئك الذين لديهم القدرة على قلب الحق باطلا. كان عبد الناصر يحتاج إلى هيكل لتحويل لحظة النكبة الكبرى إلى مجرد "نكسة"، وفي حاجة إلى أحمد سعيد لتحويل "النكسة" إلى انتصار باعتبار أن إسرائيل لم تستطع إسقاط الزعيم، وطالما بقي الزعيم فقد انتصرنا.

في الحركات الإسلامية أيضا أمثال هيكل وأحمد سعيد، أولئك الذين يسوِّقون عودة تونس للنظام القديم على أنه حكمة غنوشية، ويسوقون امتصاص ملك المغرب لإرهاصات الثورة واحتوائها بالإسلاميين على أنه حكمة بنكيرانية، تماما مثلما سوَّقوا قديما لحكمة محفوظ نحناح الذي كان إلى جانب الانقلاب العسكري في الجزائر على جبهة الإنقاذ الإسلامية، وسارت الأيام تحكي تجربة مغاربية مختلفة ومتفردة ومتميزة عن تجربة المشرق، ولم يكن الأمر سوى أن الحركات الإسلامية ألقت بنفسها في حضن الأنظمة العلمانية، واتخذتها تلك الأنظمة زخرفا وزينة لا أكثر، فخسر الإسلاميون رسالتهم ووجهتهم وثوريتهم وكسبت الأنظمة كل الأوراق.

لا تحسم المعارك الحضارية بمجرد السياسة ومهارات التفاوض، تلك سيرة الدنيا وقصة التاريخ، ليس ثمة أمة أو حضارة قبلت الاستسلام والذوبان والخضوع لأمة أو حضارة أخرى بمجرد التفاوض والإقناع
ما إن يسمع أصدقائي المغاربيين مثل هذا مني حتى يقولون: كسبنا حقن الدماء، وكنا أفضل من مصر. وأرد مكررا: في مصر كان صمود مرسي هو السبب في بقاء الانقلاب انقلابا مجرما وبقائه رئيسا شرعيا، ومجرد وضوح الحق من الباطل مكسب عظيم، أما أنتم فسلَّمتم الثورة إلى الأنظمة ففازت الأنظمة نفسها بالبلاد بشرعية كاملة. لا يزال السيسي حتى الآن يخطب ويحاول تبرئة نفسه من الخيانة والانقلاب، بينما لا يرى السبسي أنه ناقص الشرعية ولا بقلامة ظفر.

يستطيع الجميع أن يحقن الدماء، الانسحاب خيار يملكه الجميع، وقد قيل بحق: أسرع وسيلة لإنهاء الحرب الانسحاب منها. ولو كان حقن الدماء مكسبا يُراعى في الصراعات الحضارية لكان أولى الناس بالإدانة المجاهدون في كل مكان وعلى رأسهم أحمد ياسين وعمر المختار والبشير الإبراهيمي وعبد الكريم الخطابي وغيرهم. ولو كان الخلاف بين الشعوب والأنظمة خلافا بسيطا لما استحق أن تندلع له ثورات ينزل فيها من يبذل دمه راضيا ولا استحق أن تستخدم الأنظمة كافة ما لديها من آلة عسكرية لسحق الثورة ولو بهدم البلاد وقتل ملايين العباد.

نحتاج قبل كل شيء أن نعترف إذا فشلنا، فإن المكابرة ضلال وتضييع للأجيال. وقد تعلمنا في الكتاتيب قديما أن صاحب المعصية خير من صاحب البدعة، فالأول معترف بخطئه، وأما الثاني فيرى خطأه تجديدا في الدين!
 
 (2) المرض في حالة متأخرة
إننا أمة مستضعفة، نرزح منذ قرن على الأقل تحت الاحتلال وعملاء الاحتلال، لا يكاد يوجد في عالمنا المعاصر من وصل إلى الحكم بغير ترتيب أو إذن المحتلين. 
نحن تحت احتلال متعدد الطبقات، الطبقة الأولى منه أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يدعمهم المحتل لإطالة بقائهم فوق رؤوسنا وذلك لكفاءتهم في تعبيدنا له ولمصالحه. وقد أثمر طول هذا الوقت شبكات من المصالح والنظم والعائلات ممن انتفع بهذا الوضع، فصارت محاولات تغييره تصطدم بمصالح الكثيرين ممن يلتصقون بالأنظمة الحاكمة. وقد أنتج كل هذا فارقا هائلا في القوى لا يزال يتسع باضطراد بين قوة الأمة وقوة عدوها.

وفي ظل هذا الوضع يُعدُّ من الطبيعي أن نجرب كثيرا من محاولات الفشل قبل الوصول إلى النجاح، إن المعركة بطبيعتها طويلة ومرهقة، وما من محاولة فاشلة إلا وهي لبنة في طريق النجاح شرط أن نتعلم منها، فإن لم نتعلم فلسنا من أهل الإيمان الذين وصفهم قائدهم بقوله "لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".

ونعم! إن الفارق بيننا وبين العدو هائل كبير، ولكن كل تجربة فاشلة كان سبب فشلها الرئيسي من أنفسنا (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).. لكن يجب أن نعلم في النهاية أن معركة الأمة مع الاستبداد والاحتلال هي معركة طويلة لن تخلو أبدا من هزائم وعثرات ومحاولات فاشلة أو غير مكتملة.
 
 (3) القوة والسياسة معًا
لا تحسم المعارك الحضارية بمجرد السياسة ومهارات التفاوض، تلك سيرة الدنيا وقصة التاريخ، ليس ثمة أمة أو حضارة قبلت الاستسلام والذوبان والخضوع لأمة أو حضارة أخرى بمجرد التفاوض والإقناع، ولو كان الأمر هكذا لكان أولى الناس بالنجاح الأنبياء، فهم أكمل البشر نفسا وعقلا وروحا، ومعهم الحق الخالص من السماء، ومع هذا احتاج الأنبياء لحمل السيف والجهاد في سبيل الحق، فمنهم من قُتِل ومنهم من أصيب، ولقد أصيب نبينا وسال دمه الشريف وهو يجاهد، ثم جاهد صحابته من بعده حتى بلغ الدنيا أقصى الشرق والغرب. ومن هنا يبدو بائسا مثيرا للشفقة والسخرية ذلك المنهج الذي يحصر نفسه في الدعوة والتربية والتعليم والإصلاح متوهما أنه يبلغ بذلك غايته في التغيير.

لقد كانت التجارب الفاشلة واحدا من اثنتين: قوة تهمل السياسة أو سياسة تهمل القوة. فهذا تنظيم الدولة كنموذج القوة التي تهمل السياسة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر كنموذج للسياسة التي تهمل القوة
وفي نفس الوقت لا تحسم المعارك أيضا بمجرد القوة والسيف والسلاح، بل لقد احتاج أقوى حكام التاريخ إلى السياسة والتفاوض والسفارة وتحييد الأعداء، ولقد امتن الله على سليمان -أقوى ملك في التاريخ- أنه كان يُفهِّمه {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًافانظر كيف لمن سخر الله له الريح والجن والطير يكون له سفارة ويبدأ بالرسائل ويستعمل الحرب النفسية والإقناع حتى يصل إلى غايته بغير حرب، ولقد امتن الله على يوسف وهو الذي تحت يده أموال خزائن الأرض بأنه {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}، وكذلك امتن على يوسف المضروب به مثل في القوة والهيبة بأنه {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. ولقد سمَّى الله اتفاقية صلح الحديبية بـ "الفتح المبين" وليس فيها من مكسب -بالاصطلاح السياسي المعاصر- إلا أنها اعتراف إقليمي بالدولة الإسلامية.

لقد كانت التجارب الفاشلة واحدا من اثنتين: قوة تهمل السياسة أو سياسة تهمل القوة. فهذا تنظيم الدولة كنموذج القوة التي تهمل السياسة، يُفترض أن يشعل المعركة مع نظام بغداد، فإذا به يتمدد إلى سوريا ويشعل معركته مع الأكراد والأتراك والمقاتلين بل والإسلاميين والجهاديين، فضلا عن التمدد إلى أوروبا والسعودية وأفغانستان. فهيَّج عليه الهائج والساكن، وصاحب العداوة الأصيلة ومن يدفعه عن نفسه، وها هو الآن يُقاتَل في عاصمته من بعد انسحابات متكررة من المدن والقرى والأنحاء.

وهذا تنظيم الإخوان في مصر، وإن أردت في أي بلد آخر فالخلاف ليس بعيدا، يسعى بالسياسة ويسحب الذرائع ويفوت الفرص ولا يُقدِم نحو المصلحة "كي لا يُقال كذا"، حتى بلغ حالا مريعا، فإذا به أضعف ما يكون أمام أي نظام، فإما احتواه وقبل به زخرفا وزينة في منظومة حكم بلا صلاحيات، وإما انقلب عليه وسفك دمه وحاكمه بتهمة الإرهاب! وإما تركه ضمن المساحة المحصورة المحدودة لا يخرج منها إلا بإذن ولا يملك لنفسه حتى ضمان استمرار هذه المساحة!

ولا يزال النموذجان اللذان يمكن ضرب المثل بنجاحهما حتى الآن هما نموذج أردوغان في تركيا وحماس في غزة، وكلاهما يبدو واضحا فيهما المزاوجة بين القوة والسياسة. بقيت نقطتان أخريان، نرجئهما بإذن الله إلى المقال القادم.. فالله المستعان.