الأربعاء، 28 فبراير 2018

الشيخ الخضر.. عالم المغرب العربي وشيخ الأزهر

الشيخ الخضر.. عالم المغرب العربي وشيخ الأزهر


د. محمد الجوادي
كان الأستاذ الشيخ الخضر حسين من الشخصيات التي أسعدني الحظ بالكتابة عنها أكثر من مرة حتى صدر كتابي عنه، وقد ركزت في كتابي عنه على فقه السياسة في الإسلام وهو الموضوع الذي أدلى فيه بآرائه القيمة التي لم يصل غيره إلى استيفائها واستكمالها على نحو ما استكملها هو.

وقد اكتملت في شخصية الشيخ الخضر حسين مقومات زعامة حقيقية مارست القيادة ونجحت في فرض ذاتها وسلوكها وأمانيها. فقد كان من الذين يظلون الآخرين بفضلهم، كما كان من الذين يسعى الناس للاستظلال بظله، وكان من الزعماء الحقيقيين الساعين قولا وفعلا إلى جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، وليس أدل على هذا من أن الجمعيات التي رأسها أو وجهها لم تشهد انقساماً أو تحزباً، كما يكفي للتدليل عليه أن اسمه كان يدل على نشأته وتعليمه في تونس، وأن اسمه بالصورة التي انتهى إليها كما بينا في المقدمة يدل على استيطانه دمشق والقاهرة، وهو قبل هذا جزائري الأصل والميلاد والصبا.

وفي بيت الشيخ بالقاهرة كان المغاربة من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا يلتقون ويجتمعون، وفي جمعياته كانوا يجاهدون ويخططون ويتعلمون ويتناقشون، وهو في كل هذا قدوة حانية تأخذ بيد الجميع. كان الشيخ الخضر زعيما عاملا متفاعلا بقوة مع مجتمعه نشطا مواظبا حاضرا لكنه مع هذا كان مترفعاً عن الصغائر في حياته، وفي جداله، وفي مناقشاته العلمية، وقد وصف الشيخ بأنه هادئ النقاش هادئ الحديث عف اللسان مع كونه جريء الجنان. وكان حبه للإصلاح بمعناه الخلقي السامي يأخذ عليه مجامع نفسه، ويغلب على موضوعاته ومقارباته، حتى إن بعض الناشرين الذين نشروا كتبه آثروا أن يتخذوا من عنوان "رسائل الإصلاح" عنواناً لعدد من مؤلفاته القيمة.

لم يكن هذا الشيخ معنياً بالتقدير الوظيفي ولا الاجتماعي، ومع هذا فقد كان حريصاً على التقدير العلمي، ويذكر له أنه لم يجد أي حرج أن يتقدم لامتحان الشهادة العالمية في الأزهر بينما كان أستاذا معروفا
كان الشيخ واسع الاطلاع في الآداب العربية والأجنبية، ويذكر له على نطاق واسع أنه صحح لبعض الغربيين معتقدهم الفاسد في أن ابن خلدون قال بأن العرب لا يصلحون لملك ولا يحسنون حكماً للأمم، وقد أشار الشيخ الخضر لهؤلاء أن ابن خلدون إنما قصد بهذه العبارة عرب الجاهلية، وأن ابن خلدون نفسه قرر في مقدمته أن العرب في الإسلام أحسنوا السياسة وقاموا بأعباء الملك خير قيام، وأنه خصص لهذه الحقيقة فصلاً في كتابه، ومن العجيب أن بعض المسلمين والعرب المعاصرين لا يزالون يجتزئون عبارة ابن خلدون ويحتجون بها على دعواهم الفاسدة الملفقة القائلة بأن الإسلام (وليس العرب فحسب) لا علاقة له بالسياسة وممارستها وبالتفوق فيها.

لم يكن هذا الشيخ معنياً بالتقدير الوظيفي ولا الاجتماعي، ومع هذا فقد كان حريصاً على التقدير العلمي، ويذكر له أنه لم يجد أي حرج أن يتقدم لامتحان الشهادة العالمية في الأزهر بينما كان أستاذا معروفا مارس العلم والتعليم في تونس ودمشق والجزائر وإسطنبول وألمانيا لأكثر من عشرين عاماً. 

وعلى سبيل العموم فإن مؤلفات هذا الرجل كاشفة عن شخصيته، كذلك فإن شخصيته مؤثرة في كتاباته، وليس لنا أن نعجب حين نجد هذه اللمحات البارزة في بحوث ومحاضرات هذا الإنسان والعالم الكبير، وذلك من قبيل بحثه عن "حياة اللغة العربية"، وعن "الخيال في الشعر العربي"، وعن "القياس في اللغة العربية"، وعن "نشأة علم البلاغة"، ونجد بالموازاة لهذه البحوث الأصيلة، والمحاضرات الضافية بحوثاً مشابهة في الفكر الإسلامي فهو يكتب عن "الحرية في الإسلام"، وعن "الدعوة إلى الإصلاح"، و"مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها".

روى الأستاذ محمد على النجار في تأبين الشيخ محمد الخضر حسين أن الأستاذ محمد شفيق غربال أعطاه كتاباً لمستشرق كندى وضعه في تاريخ الإسلام في العصر الحديث، وقد تحدث هذا المستشرق في فصل من هذا الكتاب عن مقالات الشيخ محمد الخضر حسين في مجلة "نور الإسلام" ـ التي أصبحت بعد ذلك تسمى "مجلة الأزهر" فأثنى على عمق النظر فيها كما أثنى أطيب الثناء على شخصية الأستاذ الخضر ووصفه بأنه مثالي: "أما أنه رجل مثالي فهذا ما يتبادر من كتابته، وهو مثالي من الوجهة النفسية والأخلاقية على حد سواء".

وقد تحدث الأستاذ محمد على النجار نفسه عن المثل العليا التي امتاز بها الأستاذ محمد الخضر حسين فقال: "ومثله في المشاركة الفعلية، وجهاده في إصلاح المجتمع، ومثله في الدماثة الشخصية حتى مع أعدائه، ولكن مع التحرر من معرة الملق والمداهنة، ومن نقيصة التظاهر والرياء، ومثله في الكمال العقلي الدقيق، واحترام النفس، والاعتدال، والبعد عن النقائص، مثل الكبر والمهانة، هذه المثل وغيرها يصورها الخضر بصورة واضحة خاصة به لرسم طابعها الخلقي".
قد ترك الشيخ محمد الخضر حسين كثيراً من الآثار الشعرية التي تحث قراءها على الثورة وتدعو إلى الأخذ بأسباب الحياة المعاصرة، وتحديث أساليب الحياة

وهذه فقرة جميلة للأستاذ خليل مردم يتحدث فيها عن سعادته بمعرفة الشيخ محمد الخضر حسين طيلة الفترة التي أقامها في دمشق، وحسرته حين علم بنيته مفارقة دمشق: "إن من خير ما أثبته في سجل حياتي وأشكر الله عليه معرفتي إلى الأستاذ الجليل السيد محمد الخضر التونسي، وإخوانه الفضلاء وصحبتي لهم، فقد صحبت الأستاذ عدة سنين، رأيته الإنسان الكامل الذي لا تغيره الأحداث والطوارئ، فما زلت أغبط نفسي على ظفرها بهذا الكنز الثمين حتى فاجأني خبر رحلته عن هذه الديار، فتراءت لي حقيقة المثل "بقدر التواصل تكون حسرة التفاصل".

وقد ترك الشيخ محمد الخضر حسين كثيراً من الآثار الشعرية التي تحث قراءها على الثورة وتدعو إلى الأخذ بأسباب الحياة المعاصرة، وتحديث أساليب الحياة، وهو ما يمكن وصفه بلغة زماننا الحاضر، بتعبير "معرفة المجتمع"، والأخذ بأسباب القوة العصرية، وفي هذا فإنه يشير إلى أن الصنائع قد ذللت وأصبحت متاحة للجميع، وفي هذا المعنى يقول:
أبناء هذا العصر هل من نهضة 
تشفي غليلاً حسره يتصعد
هــــذى الصنــــائع ذللـــــت أدواتـها
وسبيلها للعالمين ممهد
إن المعــــارف والصـــــنائــع عـــدة 
 باب الترقى من سواها موصد
وكان الأستاذ محمد الخضر حسين فيما نظم من شعر يتمنى أن تكون أخراه في صورة يسيرة رحيمة، وهو لهذا يؤثر أن يجد مَنْ يدعو له بعد موته، فذلك أحب إليه من أن يقال الشعر في رثائه، وهو يقول في هذا المعنى أبياتاً جميلة يتمنى فيها أن يحظى بدعاء الساجد له على أن تقال فيه أشعار من وزن فعولن فاعلات: 

تساءلنى هل في صحابك شاعر 
إذا مت قال الشعر وهو حزين
فقلت لها :لا هم لى بعد موتتى
سوى أن أرى أخراى كيف تكون
وما الشعر بالمغني فتيلا عن امرئ
يلاقى جزاء والجزاء مهين
وإن أحظ بالرحمى فما لى من هوى 
سواها وأهواء النفوس شجون
فخلى فعولن فاعلات تقال فى ..
 أناس لهم فوق التراب شؤون
وإن شئت تأبينى بدعوة ساجد
 به بين أحناء الضلوع حنين






























الإخوان المسلمون المفسدون!


الإخوان المسلمون المفسدون!

عبدالرحمن نوار

تطالعنا كل يوم أخبار جديدة عن الفاسد والمفسدين والمرتشين، فمنذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013م ونسبة المفسدين الذين تولوا المناصب وانكشف أمرهم كان كثيراً، ولا يبدو أن الأمر منذ الانقلاب العسكري الحالي فقط، لكن المفسدين برزوا وتوغلوا وسيطروا منذ الانقلاب العسكري في عام 1952م وزيادة العسكر الذين سيطروا على مقاليد الدولة وأعوانهم.

فقد رأينا علي صبري والأموال التي ثبت سرقتها وتهريبها إلى لندن، وشمس بدران، وصلاح نصر، والدسوقي الشيشتاوي، وغيرهم الكثير الذين تكشفت أمورهم للجميع.

وعلى مرور الوقت، كانت منظومة الفساد يتكشف عنها الكثير وتظهر للجميع، لكن كان التعامل معها سلبياً سواء من قبل القضاء أو الشعب، وسرعان ما يتناسى الشعب فساد المفسدين، ويرفعونهم مرة أخرى فوق الأعناق.


وفي السنوات الأخيرة، كان المفسدون هم من يتولى زمام الدولة، ويعلن عبر الإعلام كل يوم أنهم سيضربون بيد من حديد على الفساد، وسرعان ما يفتضح أمرهم بالقبض عليهم من قبل الرقابة الإدارية، فقد رأينا وزراء مثل وزير الزراعة والتموين وغيرهما ومحافظين وضباط وقضاة، وكأن النظام الحالي يشجعهم على ذلك طالما يثبتون له الولاء والتضحية، ثم تُرمى بهذه التهم جماعة الإخوان.

لقد كوَّن الإخوان في الملكية شركات تجارية ومصانع وشبكات مواصلات، ومع ذلك لم تكتب صحيفة واحدة عن قضية طالت الإخوان بالفساد أو السرقة أو الرشوة، ومنذ جاء العسكر للحكم وعملوا على تشويه تاريخ الإخوان والقبض على قيادتهم بين الحين والآخر ومحاولتهم الزج بهم في قضايا الفساد، إلا أنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك، ورغم القضايا الكثيرة التي اتهم فيها الإخوان وحبس منهم الكثير عشرات السنين، وقُتل منهم من قتل، فإن كل القضايا منذ الملكية حتى الآن هي قضايا من نوع العهر السياسي الذي تمارسه الأنظمة ضد أي مصلح لهذا الوطن وضد رغبة هذه الأنظمة التي ثبت بالفعل رعايتها للفساد والمفسدين.

لم يثبت على الإخوان أي قضية فساد أو خيانة للوطن، بل على العكس، هم مفسدون يُفسدون على كل فاسد خططه ويقفون في وجه كل ظالم أراد بالوطن شراً.

هم مفسدون لأنهم أفسدوا على المستعمر خطط وجوده في البلاد الإسلامية؛ حيث أيقظوا الرأي العام الإسلامي ضد المحتلين.

هم مفسدون لأنهم لا ينافقون فاسداً أو يحابونه أو يوافقون على فساده الذي يستشري به وسط الناس.

حتى الآن لم يثبت على أحد من الإخوان تورطه في قضايا فساد في أي وطن من الأوطان، وذلك لإيمانهم برب العالمين وحسن مراقبتهم لله والتزامهم بما جاء في كتاب الله وسُنة نبيه.

لقد صودرت أموالهم في كل عصر، ومع ذلك لم يقابلوا السوء بالسوء، لكن تعاملوا بأخلاق الإسلام وشحذ الهمم للتصدي لكل فاسد.

ربما يكون لهم أخطاء –وهذا أمر واقعي وطبيعي- لكن لم يقبض على أحد حتى الآن لفساد أو تخريب متعمد، حتى المحاولات المضنية التي تقوم بها الأنظمة العربية لوصمها بالإرهاب، إلا أنه لا يصدق هذا الهراء المنطلِق في فضاء البلاد العربية.

ماذا وراء التعديلات الأخيرة التي أحدثها محمد بن سلمان في المناصب؟

ماذا وراء التعديلات الأخيرة التي أحدثها محمد بن سلمان في المناصب؟



د.مضاوي الرشيد

يجتاح الجيش والجهاز الحكومي السعودي أكثر من تعديل، في السادس والعشرين من فبراير/شباط أصدر الملك سلمان مرسوماً ملكياً قرر بموجبه فصل أو ترقية أو استبدال العديد من كبار ضباط الجيش وموظفي الدولة ومستشاري الديوان الملكي ورؤساء البلديات والحكام المحليين. 

مثل هذه التعديلات ليست غير مألوفة ولكن توقيتها يثير تساؤلات. 

عامل الشعور بالرضى عن الذات
يجد النظام السعودي أنه في أمس الحاجة إلى الاستفادة إلى أقصى حد من عامل "الشعور بالرضى عن الذات" بينما تساور المراقبين الأجانب شكوك حول استقرار المملكة وحول الحكمة من كثير من التغييرات التي جرت مؤخراً، بما في ذلك الجدوى من حملة مكافحة الفساد والوعد بإنهاء الاعتماد السعودي على النفط. 

يتعلق عامل الشعور بالرضى عن الذات بالإصلاحات الأخيرة مثل تعيين النساء في مناصب عليا ورفع الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة النساء للسيارات، والسماح للنساء بحضور الحفلات الفنية والمباريات الرياضية، وآخرها دعوة النساء للتقدم لشغل وظائف داخل المؤسسة العسكرية. 

لا يقصد من التغييرات الأخيرة اتخاذ تدابير تعد بتحقيق كفاءة أعظم ومحاسبة أكبر داخل الجهاز الحكومي وإنما التوجه نحو توزيع النخب المحلية على المناصب العليا، الأمر الذي سينجم عنه تضخيم الجهاز الحكومي، والذي هو أصلاً متضخم جداً. 

يجد الملك نفسه مضطراً لتوسيع دائرة المستفيدين في الوقت الذي يشعر فيها الجميع بأنهم "موضع شك" من وجهة نظر الملك وابنه. ولذلك ثمة حاجة لاستبدال الحرس القديم بعناصر من الجيل الجديد حتى لا يشعر هؤلاء بأنهم يتعرضون للإقصاء والحرمان من فرص الإثراء والوجاهة.

والنظام الآن مضطر لأن يجري تعديلات في المناصب العليا في الدولة من خلال ترقية البعض وفصل البعض الآخر، وذلك في خطوة يائسة تستهدف إيجاد قاعدة من الموالين الذين أصبحوا يشعرون بأن لهم نصيب داخل الحكومة. 

كما شعر الملك بأنه مضطر لأن يعين امرأة في منصب نائب وزير، تماماً كما فعل الملك عبد الله قبيل وفاته عندما عين عنود الفايز نائباً لوزير التعليم، والتي ما لبث أن فصلها من وظيفتها الملك سلمان عندما جلس على العرش في عام 2015. 

ورقة الجندر
لا يشذ القرار الأخير بتعيين تماضر الرماح نائباً لوزير العمل والتنمية عن النمط السابق في تعيين امرأة في مثل هذا الموقع ثم فصلها من وظيفتها في وقت لاحق.

ومع ذلك كان التعيين كفيلاً بإثارة حالة من الحماس في الأوساط الإعلامية السعودية والأجنبية حول تعيين "رمزي" نُظر إليه على أنه تمكين للمرأة ومؤشر على تغيير ثوري من الأعلى إلى الأدنى. 

جاء هذا التعيين الأخير لامرأة في منصب رفيع مباشرة بعد الإعلان عن دعوة النساء للتقدم لشغل وظائف داخل المؤسسة العسكرية كجنود في ظروف مقيدة.

من الجدير بالذكر أن النساء يعملن داخل المؤسسات الأمنية وفي أجهزة المخابرات السعودية، ويشير كثير من السعوديين إلى أن هؤلاء النسوة يتقاضين رواتب سخية ضمن نظام تعويضات يعرف ببدل السمعة. 

وللمرء أن يتساءل ما الذي يفعله هؤلاء النسوة فينال من سمعتهن ويتطلب تعويضهن بدفعات مالية سخية. 


بات اللعب بورقة الجندر أمراً مهماً في الوقت الذي يخضع تعهد المملكة العربية السعودية بتمكين النساء للاختبار من قبل الوكالات الأجنبية مثل الأمم المتحدة والشركات العالمية ووسائل الإعلام الغربية. 

يجد النظام السعودي نفسه في أمس الحاجة إلى جذب المستثمرين الأجانب الذين يحرصون بشكل عام على توظيف النساء السعوديات أكثر مما يحرصون على توظيف الرجال السعوديين. 

ومع ذلك لا يعني جذب النساء للانتساب إلى المؤسسة العسكرية أننا سنرى قريباً مجندات يحرسن الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن أو يتجولن في شوارع الرياض، ناهيك عن أن يقمن بحراسة العائلة الحاكمة أو المرافق النفطية الحساسة. 

لربما ظلت مثل هذه المهام مقتصرة حصرياً على لواء أجنبي مرتزق يتكون من ألف من الجنود الباكستانيين الذي تم إرسالهم مؤخراً إلى المملكة العربية السعودية بعد مرور ثلاثة أعوام على انتظار وصولهم. 

السياسة والممارسة السعودية
لقد أثبت الجيش السعودي أنه غير قادر على تحقيق الانتصار على ما كانوا يوصفون بالبلطجية الحوثيين على الجانب الآخر من الحدود داخل اليمن. فهل سيتمكن رئيس الأركان الجديد من إنجاز النصر الأخير المرتقب في هذه الحرب التي تدور رحاها مع الحوثيين منذ ثلاثة أعوام؟

يبدو أن حرب اليمن باتت عصية على الكسب، فالغارات الجوية لم تنجح إلا في تدمير بلد فقير ولن ينجم عنها تحقيق السلام أو الاستقرار. بل من المرجح أن تتوقف الحرب من خلال تسوية سياسية وليس بفضل القنابل التي تلقى على رؤوس الناس داخل البلاد.  

شملت التغييرات الأخيرة تعيين أبناء الجيل الجديد من الأمراء حكاماً على الأقاليم. وهذه ممارسة لم تنقطع منذ إقامة الدولة السعودية، وفيما عدا استثناءات محدودة جداً، يأتي جميع الحكام المحليين في الأقاليم من داخل العائلة الملكية الحاكمة. 

يمنح الأمراء المحليون ميزانيات لينفقوها على التنمية المحلية. إلا أن هذه المناصب ما هي سوى فرص يستغلها الأمراء ليصبحوا حكاماً على سكان الأقاليم، وهؤلاء بدورهم لا يحظون بأي تمثيل في الإدارة لا من خلال مجالس منتخبة ولا من خلال سلطات محلية. 

ومع ذلك لا تتساوى هذه الأقاليم من حيث المكانة والأهمية. فعلى سبيل المثال منصب حاكم الرياض، وهو المنصب الذي شغله الملك سلمان لعدة عقود، منصب مهم لا يمكن مقارنته بمنصب حاكم إقليم ناء مثل الجوف في شمال البلاد أو نجران في جنوبها، لا من حيث الامتياز ولا من حيث الثروة ولا من حيث النفوذ. 

ففي المناطق النائية تلك يفصل الملك أميراً وينصب مكانه أميراً آخر لضمان إشراك الحكام المحليين في المنظومة الحاكمة، فيصبحون بذلك على استعداد للدفاع عنها بعد أن باتوا مستفيدين منها، وإن كان تعيين المرء أميراً على إقليم ناء أقرب إلى النفي منه إلى المكافأة. 

ومع ذلك يبقى ذلك أفضل حالاً من الإقصاء الذي ينتهي بالأمير في حال من السخط على الهامش محروماً من الأبهة والنفوذ والمال.  

من غير المحتمل أن تتمكن مثل هذه المراسيم الملكية من إحداث ثورة في السياسة والممارسة السعودية، فهي تُفرض على شعب لا يملك حق الانتخاب ولا يجد سبيلاً للإنصاف ولا وسيلة للتعبير عن إرادته. 

لا يملك أي موظف الاحتجاج ضد قرار فصله من عمله ولا يستطيع شخص عادي ولا أمير من الأمراء تفسير لماذا يتم ترقية شخص ما ليصبح واحداً من أكثر أعضاء دائرة النفوذ الداخلية ثقة. 

للمراسيم الملكية منطق خاص بها، والأغلب أن ذلك يتعلق بالرغبة الجامحة في إحكام القبضة على السلطة وتقويض أي محاولة للتمرد أو المعارضة وتوليد الولاءات المستمرة. ولا يستوعبها سوى أولئك الذين يساعدون الملك في اتخاذ القرار الخاص بمن ينبغي عليه فصله من عمله أو ترقيته في منصبه. 

ولا يملك المسؤول المفصول من عمله سوى أن يأمل في الحصول على تقاعده بعد أن اقتلع من موقعه بينما يستمر من بقي من موظفي جهاز الدولة في الأمل بأن يحصلوا في يوم من الأيام على ترقية يصبحون بسببها وزراء في الدولة، حيث أن منصب الوزير هو أعلى وأكثر ما يمكن أن يرغب فيه أعضاء النخبة السعودية من الذكور، وربما من النساء أيضاً. 

ترجمة "عربي21" عن موقع ميدل ايست آي

هل سيكون خامنئي آخر مرشد يحكم إيران؟

هل سيكون خامنئي آخر مرشد يحكم إيران؟



محمد مجيد الأحوازي

تشهد إيران منذ عدة شهور صراعا خفيا؛ ليس على منصب "المرشد" ومن يكون خليفة خامنئي بعد وفاته، بل على إلغاء منصب المرشد، أو ما يعرف بـ"الولي الفقيه"، من نظام الحكم، واستبداله بهيئة للحكم أو مجلس للقيادة.
 
وبرز هذا الخلاف بعد تسريب فيديو من اجتماع سري لمجلس خبراء القيادة الإيراني بعد وفاة الخميني، والذي كشف أن خامنئي انتخب كقائد أو مرشد مؤقت لقيادة البلاد حتى موعد طرح الاستفتاء على الشعب الإيراني حول تعديل قانون انتخاب المرشد.
 
وصوّت نصف أعضاء مجلس الخبراء القيادة؛ المكلف بانتخاب المرشد، على قانون انتخاب "هيئة القيادة" (شوارى رهبرى) بدلا من انتخاب المرشد، ولكن كشفت مداخلات أعضاء خبراء القيادة عن مخطط تم الإعداد له مسبقا من قبل الزعيم الإيراني رفسنجاني لتثبيت خامنئي في المنصب، في وقت كان فيه فاقدا لمؤهلات المرشد وفقا للدستور الإيراني، ولم تتوفر فيه الشروط الشرعية، حيث ينص الدستور الإيراني على انتخاب المرشد من بين مراجع التقليد الشيعة، وكان خامنئي حينها يحمل درجة "حجة الإسلام" من الحوزة، وليس درجة المرجعية بحسب الفقه الشيعي الإثني عشري.
 
في الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية، فاجأ الرئيس الإيراني حسن روحاني الرأي العام بتصريح خطير، وقد يكون الأخطر من نوعه ضد خامنئي، عندما قال إنه يجب أن يتم تفعيل المادة 59 من الدستور الإيراني التي تجيز الرجوع إلى الشعب الإيراني؛
من خلال طرح استفتاء شعبي حول القضايا الخلافية التي لم تحل عن طريق المؤسسات وسلطات الحكم في إيران. لكن روحاني لم يحدد ماذا يريد من طرح الاستفتاء الشعبي، ولماذا لجأ إلى الشارع الإيراني وليس للسلطات التنفيذية أو البرلمان الإيراني.

من هنا بدأت الشكوك تثار حول مخطط روحاني بجانب التيار الإصلاحي لإلغاء نظام "ولاية الفقيه"؛ للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه إيران، والذي قتل جميع الفرص لإصلاح النظام.
 
تيار روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف وفريقهما السياسي المدعوم إصلاحيا داخل إيران، ودوليا من قبل الأوروبين، وصلوا إلى قناعة تامة بأن النظام الإيراني يمر بأخطر مرحلة حساسة وتاريخية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية، ويعتقدون بأن النظام الايراني الحالي أصبح أمام مفترق طرق خطير، وعليه أن يختار بين مواجهة الشعب الإيراني ومن ثم السقوط، وبين الإصلاح من الداخل لتجديده. والعقبة الرئيسية أمام خطوة إعادة هيكلة النظام تتمثل في منصب "الولي الفقيه" الذي يمتلك كافة الصلاحيات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والدينية، بينما لا يملك الرئيس الكثير من الصلاحيات لتغيير طبيعة السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية في أبرز الملفات الهامة التي يطالب الشارع الإيراني بتغييرها.

ضمن هذه الأجواء برز شعار "الاستفتاء، الاستفتاء" بقوة، من بين جميع الشعارات التي رفعها المحتجون خلال المظاهرات التي شهدتها إيران مؤخرا، ويريد روحاني استغلال هذا الحراك الشعبي المتململ من سلطة الولي الفقيه التي تمتلك صلاحيات ملكية مقدسة، وربما إلهية، وفقا لتعبير الإيرانيين، من خلال طرح استفتاء شعبي وإنقاذ "الجمهورية الإسلامية" من الانهيار والتفكك، تبعا لقناعته بأنه في حال لم يتم التخلص من صلاحيات "ولاية الفقيه" وهيمنة المرشد على مؤسسات الحكم في البلاد. فقد تكون الموجة المقبلة من المظاهرات في إيران، بمثابة تسونامي شعبي لا يفرق بين الإصلاحيين والمحافظين، وهذا ما حذرت منه قيادات إصلاحية وسياسية ونخب ومفكرون، كعبدي وزيبا كلام ونوري زاد، وغيرهم من النخب الإيرانية.
 
وصل روحاني إلى هذه القناعة عن طريق الدراسات والاستشارات التي قُدمت له ولفريقه من قبل الخبراء الإيرانيين المقيمين في أوروبا، والتي تعامل معها بوصفها رسائل غربية تعني دعما له في حال أراد العمل من أجل التغيير في إيران.
 
بعد تصريحه عن الاستفتاء؛ هوجم الرئيس روحاني من قبل جميع وسائل الإعلام الإيرانية التي تُعرف بالأذرع الإعلامية لتيار المحافطين والحرس الثوري. واعتبرت "كيهان"، الصحيفة الإيرانية التي تتحدث بلسان المرشد خامنئي، أن روحاني بدأ يلعب في مربع العدو، أي أنه بدأ يطرح ما يريده الأمريكان والأوروبيون، وأنه يهدف إلى اتخاذ خطوات بنيوية لإحداث التغيير في النظام الإيراني.
 
واتُهم روحاني شخصيا، بأنه متواطئ مع جهات خارجية وداخلية لتغيير نظام ولاية الفقيه في إيران. 

وما يعزز هذا القول هو تصريح حميد بقائي؛ النائب الأول للرئيس السابق أحمدي نجاد، والذي قال إنه فوجئ بعد مصادرة أصول إحدى المؤسسات المالية الإيرانية، بأنه تم إصدار قرار ذكر فيه أن "أموال المؤسسة التي تمت مصادرتها يتم وضعها تحت تصرف "المرشد الإيراني" أو "شورى القيادة الإيرانية"، في حال لم يكن هناك منصب مرشد في إيران".
 
خيار طرح الاستفتاء والاحتكام إلى شارع الإيراني الذي يريد روحاني تطبيقه، مرتبط بشكل مباشر بالمظاهرات التي شهدتها إيران أيضا؛ لأن روحاني في إحدى الجلسات الخاصة التي جمعته بقيادات إصلاحية، صرح بأنه يمتلك الصندوق الأسود للمظاهرات التي شهدتها البلاد، وأنه سيكشف خيوط المؤامرة التي كانت تحاك ضده، وتهدف للانقلاب عليه، وعلى حكومته من خلال تحريك الشارع، بدءا من مظاهرات مدينة مشهد.
 
ويتوقع كثيرون، أن الساحة الداخلية الإيرانية ستشهد خلال الشهور القادمة تقلبات سياسية غاية في الأهمية؛ بعد دخول أحمدي نجاد وتياره على خط المواجهة مع خامنئي ورجاله في النظام، كما هو حال الأخوين لاريجاني، وكل ذلك يشير إلى أن منصب المرشد في إيران قد أينع وحان وقت التخلص منه، سواءً من داخل النظام أم عن طريق تسونامي المظاهرات الشعبية المتوقعة.

فسطاط الغوطة..ومقدمات الفتوح ..


فسطاط الغوطة..ومقدمات الفتوح ..

د.عبدالعزيز كامل
لا أحد غيرُ الله يعلم ما ستؤول إليه تطورات المعارك والمحارق الروسية المجوسية النصيرية بالغوطة على أبواب دمشق، بتواطؤ مكشوف من طواغيت الشرق والغرب، لكن تلك الأحداث في جميع أحوالها لن تغير مسار الأقدار القاضية بتهيئة تلك البقاع وأهلها ومن يَفِدُ إليها، لتكون حصنًا للإيمان ومعقلًا وفسطاطًا لجهاد ومدافعة أولياء الشيطان، الطامحين لتقاسم أرض النبوات والنبوءات كلها بين قوى الكبر الكبرى الراعية لمشروعات الضرار الأخرى كإسرائيل الكبرى، وإيران الكبرى ، وكردستان الكبرى..

وبالرغم مما يبدو من مظاهر الواقع البئيس التعيس في بلاد المسلمين عامة، وأرض الشام خاصة، ودمشق والقدس وما حولهما بوجه أخص ؛ فإن ما يجري اليوم من بلاء هو مقدمات لما سيكون في الغد بعد التمحيص والابتلاء، حيث تتأكد المزية والرمزية الحاضرة والمستقبلية لتلك الحواضر التي ستظل بالإسلام زاهرة ظاهرة، وهو ما يشير إليه قول النبي لى الله عليه وسلم : ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق ما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله،لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) أخرجه الطبراني في الأوسط (47) وأبو يعلى (6417) وابن عدي في الكامل (7/48).
و أحداث اليوم على أبواب دمشق وما حولها – حيث الغوطة ومثيلاتها – سيكون لها ما بعدها ، فلا نشك أن ما يحدث اليوم هو مقدمات وإرهاصات لأقدار خير لمجموع الأمة، وإن اكتسى بلبوس بأس الكافرين وبؤس المستضعفين ، فقد قال النبي صلى الله عليه سلم : ( إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها دمشق، من خير مدائن الشام ) (أخرجه أبو داود وصححه الألباني برقم 4298)..
وبطبيعة الحال؛ لا ينبغي تقحُّم أسرار غيبٍ تفرد الله بعلمه، ولكنها البشارات النبوية ، من وراء ما يمارسه الأعداء من إرهاب ، تمامًا كما كان الحال في غزوة الأحزاب.. حيث بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حصارهم مبكراً بما أصبح يُذكر بعد ذلك تاريخًا عابرًا، وهو فتحهم مدائن كسرى وقيصر في أقل من ربع قرن .. تالين بكل اليقين قوله تعالى : 
( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) ( الأحزاب/22) .

روائع الطنطاوي (1)


روائع الطنطاوي (1)


النَّاسُ كسَواقي الغُوطةِ، عميقُ النَّفْسِ لا تُدرَكُ قرارتُه، ولا تُعرَفُ حقيقتُه، وواضحٌ بيِّنٌ؛ ظاهرُه كباطنِه، وباطنُه كظاهرِه، وجيَّاشٌ صخَّابٌ وصامتٌ سَكوتٌ، ونقيُّ الطَّويَّةِ وخبيثُ السَّريرةِ، ومُنصِفٌ وظالمٌ، وكبيرٌ وصغيرٌ... وكلٌّ يستمِدُّ مِن غيرِه ويُمدُّ سواه.

[ذكريات علي الطنطاوي ٢/ ٢٨٧].


إن العاطفةَ تَضيقُ حتى لا تشمَلَ إلا شخصًا واحدًا، وتنحَطُّ حتى تنزِلَ مِن قلبِ هذا الشَّخصِ إلى ما تحت القلبِ، إلى ما تحت السُّرَّةِ..! وتسمو حتى تُحيطَ بالمُثُلِ الإنسانيَّةِ العاليةِ، وتعُمُّ حتى تشمَلَ الأمَّةَ كلَّها، بل الإنسانيَّةَ جمعاءَ.

[فصول إسلامية ص ٥٢].


ليسَ المنكوبُ مَن ذهَب مالُه، أو احترقَتْ دارُه؛ فإن الصِّحَّةَ تَردُّ المالَ، والمالُ يُعيدُ الدَّارَ، ولكنِ المنكوبُ مَن ثُكِلَ أفكارَهُ، وأضاعَ ذكاءَهُ، وعاشَ بائسًا، وماتَ مغمورًا مُنكَرًا، وقد كان أهلًا لأن يَسعَدَ حيًّا بذكائهِ، ويخلُدَ ميِّتًا بآثارِه.

[مقالات في كلمات ١/ ١٧٨].


إنَّ انهدامَ مساجدِ الإسلامِ كلِّها حتى ما يبقى منها حجَرٌ على حجَرٍ، أهونُ في نظرِ الإسلامِ نفسِه مِن دخولِ الإلحادِ على قلبِ شابٍّ مؤمنٍ، أو وصولِ الأذى إلى عِرْضِ فتاةٍ مُسلِمةٍ.

[مقالات في كلمات ٢/ ١١٨].


إنَّك لتجِدُ في رمضانَ في بيتِ اللهِ الحرامِ خمسين ألفًا بأيديهم المصاحفُ يقرَؤونَ القُرآنَ، ولكن لا تجِدُ خمسينَ منهم يفهَمونَ أو يُفكِّرونَ في أن يفهَموا معانيَ ما يقرَؤونَ.

[ذكريات علي الطنطاوي ٧/ ١٩٣].


فيا أيُّها الدُّعاةُ إلى اللهِ، ابدَؤُوا بالشَّبابِ، بالشَّبابِ بنينَ وبناتٍ؛ فإنَّ الدَّعواتِ كلَّها، الطَّيِّبَ منها والخبيثَ، إنَّما قامَتْ على عواتِقِ الشَّبابِ.

[ذكريات علي الطنطاوي ٧/ ٢٧٣].


لقد كسَبْتُ عداواتِ ناسٍ أقوياءَ ولكنَّني أرضَيْتُ اللهَ، واللهُ أقوى منهم، ومَن ابتغى رضَا اللهِ بسخَطِ النَّاسِ رضيَ عنه اللهُ، وأرضى عنه النَّاسَ، فلم تَمضِ إلا مُدَّةٌ يسيرةٌ حتى رضيَ النَّاسُ عمَّا كان، وحمِدوا اللهَ عليه، وشكَروني أنِّي كنتُ السَّببَ فيه.

[ذكريات علي الطنطاوي ٤/ ٢١٩].


فالإيمانُ بالقدَرِ حياةٌ؛ لأنَّه يفتَحُ لك في كلِّ ظُلمةٍ شُعاعَ ضياءٍ، وفي كلِّ عُسرةٍ بابَ رجاءٍ، ولولا الرَّجاءُ لَماتَ المريضُ مِن وهمِه قبل أن يُميتَه المرَضُ، ولقُتِلَ الجُنديُّ في الحربِ مِن خوفِه قبل أن يقتُلَه العدوُّ، ولولا الرَّجاءُ ما كانت الحياةُ.

[صور وخواطر ص ١٧١].


إنَّ الدِّيكينِ إذا اجتمَعا على الدَّجاجةِ اقتَتَلا غَيْرةً عليها وذَودًا عنها، وعلى الشَّواطئِ في الإسكندريةِ وبيروتَ رجالٌ مُسلِمونَ لا يَغارُونَ على نسائِهم المُسلِماتِ أن يراهُنَّ الأجنبيُّ.

[صور وخواطر ص ٢٠٨ - ٢٠٩].


حياةُ البنتِ التي فجَعها الرَّجلُ بعفافِها أشَدُّ عليها بمائةِ مرَّةٍ مِن الموتِ على النَّعجةِ التي فجَعها الذِّئبُ بلحمِها، إي واللهِ، وما رأى شابٌّ فتاةً إلا جرَّدها بخيالِه مِن ثيابِها ثَّم تصوَّرَها بلا ثيابٍ، إي واللهِ أحلِفُ لكِ مرَّةً ثانيةً.

[صور وخواطر ص٢٠٤]







أوطاننا كلها غوطة

أوطاننا كلها غوطة


محمود عبد العزيز العايد
نتألم وجعا ليس على ما يحدث في الغوطة فحسب، بل نتألم وجعا ونبكي دما على واقع الأمة المزري، بالأمس كنا نبكي على القدس، وقبلها على ما حل في حلب وأهلها والموصل وسكانها، واليوم على الغوطة ومن فيها، وغدا حتما سنبكي على غيرها، والحبل على الجرار، متى ندرك كشعوب مستهدفة أن الأمة كلها غوطة وإن لم يصل بعد جدارنا اللهيب الحارق؟ ومتى نستوعب أن التعاطف وحده لا يكفي لنصرة قضايا الأمة المفصلية والجوهرية؟ ومتى سنعي أن تعاطفنا مرحلي ومنقوص وليس منظما وموجها ولا يرقى للمستوى المطلوب؟ ومتى سنفهم أن سذاجتنا تخطت المعقول وتجاوزت العقول؟

فتجدنا تارة نعول على أنظمة مهترئة، وجيوش بوصلتها مشوهة لتحرير الأمة، وتارة أخرى نعول على الشعوب المنبطحة والمغيبة، أوطاننا كلها غوطة لو نظرت إلى أم الدنيا مصر ستجد كيف يسعى السيسي جاهدا لهدمها وحرقها على رؤوس ساكنيها، لقد عاث في مصر خرابا وتدميرا وجعلها جحيما لا يطاق، قتل الألوف وهجر عشرات الأولوف، واعتقل مئات الألوف، استطاع أن يحول مصر إلى سجن كبير، وليت الأمر يقف هنا، المهمة الموكلة إلى "الجنرال" هي أن يجعل مصر تعيش في حقب ما قبل التاريخ.

لو سألت عن فلسطين لقالوا لك محتلة منذ عقود، وشعبها ما بين مقاوم ومطارد ولاجئ وعميل، لكنهم لن يخبروك أن فلسطين رغم احتلالها فإنها ما زالت حرة وتعيش بلا قيود
لو أمعنت النظر في ليبيا لوجدت حفتر مدعوما بالمال والسلاح والمرتزقة ليقضي على الثوار والأحرار والمهمة المناطة إليه هي إزهاق الأرواح ومسح ليبيا عن وجه الخارطة، ولو نظرت إلى بلاد الرافدين لرأيت النظام الطائفي المتمثل في الشيعة يذل أهل السنة فيها ويسومهم سوء العذاب، ولو أمعت النظر في اليمن السعيد لرأيته يقطر تعاسة ولا يطاق، فلا غذاء ولا هواء ولا ماء وحضارته أصبحت قيد النسيان، ولو تأملت في السودان لرأيته وطنا مليئا بالفساد والاستبداد، ولو دققت النظر في الصومال لوجدت لا فرق بينها وبين غوطة الشام؛ جوع وقتل ودمار والوضع فيها يزداد سوء وجحيما.

ولو ألقيت نظرة عابرة على جيبوتي وجزر القمر وموريتانيا لوجدت أنها أوطان لا تصلح فيها الحياة من شدة الفقر والجوع والاضطهاد، ولو نظرت إلى لبنان ورأيت الطائفية كيف تفتك بها لقلت يا ليتنا في غوطة الشام، ولو تأملت واقع الأردن وأن فيها شعبا مصدرا طبيعيا للطاقة ينفق على حكومته لقلت ما لا يقال، حكومة تقتات على جيوب مواطنيها، وكلما أعلنت الإفلاس توجهت مسرعة إلى جيب المواطن لتملأ بطون الفاسدين والمفسدين، ولو نظرت إلى الخليج لوجدته بلا خليج ووضعه لا يطاق، مقسوم على بعضه، فيه الظالم والمظلوم وكل همه إرضاء الأميركان وتطبيع مع دولة الاحتلال، والمصيبة أنه أصبح يتحكم في زمام الأمور بعد غياب بغداد والقاهرة ودمشق وعمان.

ولو سألت عن فلسطين لقالوا لك محتلة منذ عقود وشعبها ما بين مقاوم ومطارد ولاجئ وعميل، لكنهم لن يُخبروك أن فلسطين رغم احتلالها فإنها ما زالت حرة وتعيش بلا قيود، وما زال فيها من يقاوم الاحتلال ويرفض التطبيع، ولو نظرت للجزائر لبكيت دما وقهرا على حال الناس، الرئيس فيها لا يقوى على أداء شؤون حياته اليومية لكنه يَقوى على إدارة شؤون البلاد والعباد، ولو أخذت نظرة إلى المغرب لوجدت الناس فيها يسبحون بحمد أمير المؤمنين.

وتونس الخضراء لو رأيت حالها مع النهضة لقلت بئس هي الثورات التي ينادي ثوارها بالتطبيع مع الاحتلال، ولو سرقت نظرك على حال الأمة العربية لوجدت فيها نارا تلتهب في صدور الشعوب من سياسات الإفقار والتجويع والخنوع والاضطهاد، ولو همس مواطن يطلب تحسين الأوضاع لانهالت عليه السياط من كل حدب وصوب، ولرأى نفسه وقتئذ يعيش في غوطة الشام.

لا تبكوا الغوطة وحدها وابكوا على حال الأمة كلها، وإذا بقيت الشعوب متفرجة على ما يحدث في غوطة الشام وغيرها من ديار الإسلام؛ فإن مصيرها لا محالة كغوطة الشام
رويترز
 
نضحك على ذواتنا إذا كنّا نعتقد أن لدينا دولا وفيها جيوش، وتسعى لحماية الأوطان من أي اعتداء، ولا خلاص لهذه الأمة من الظلم الواقع عليها والطغيان الذي يمارس عليها إلا بالخلاص من بقايا الاستعمار وطعمة الطغيان، وقبضة السجّان، وبعيدا عن الغوطة وما يحدث فيها من جرائم مروعة يندى لها الجبين، الأمة كلها غوطة ومحتلة منذ زمن بعيد، وكل من يعتقد ولو للحظة أن هذه الأمة مستقلة برأيها ولها سيادتها على أرضها فهو واهم وجاهل، فالمستعمر عندما خرج من أرض الأمة -عنوة تحت ضربات الأجداد المتتالية- وضع له أذنابا، وأذنابه اليوم يحكمون الأمة، ويتحكمون في مصيرها، ويعملون لصالح الاستعمار.

‏لو نظرت لفيالق الشيعة لرأيتها تأتي تباعا من طهران، وقد احتلت جزءا من أوطاننا كالعراق واليمن ولبنان وسوريا، وعينها إلى غيرها لاحتلال غيرها من أوطاننا، وتقاتل أيضا إلى جانب طاغية الشام، وجيوشنا تُعلَّف من جيوبنا وعلى حساب قوتنا ولا تحرك ساكنا، وتأتمر بأمر الصهاينة والأميركان، وستكون مهمتها الخلاص منا إذا فكّرنا بالتحرر من قيودنا وطالبنا بالحرية والعيش بسلام وأمان، فلا تبكوا الغوطة وحدها وابكوا على حال الأمة كلها، وإذا بقيت الشعوب متفرجة على ما يحدث في غوطة الشام وغيرها من ديار الإسلام؛ فإن مصيرها لا محالة كغوطة الشام، مسألة وقت وستصل النيران لكل الأوطان، فالأنظمة المهترئة كلها تعمل لصالح الاستعمار.