قمّة نكون أو لا نكون
وائل قنديل
ارتبط اسم بنيامين نتنياهو، منذ ظهوره الأوّل على المسرح السياسي في الكيان الصهيوني، بإعلان الطوارئ في مؤسسة القمّة العربية، التي تنعقد بشكل عاجل وطارئ في الدوحة، للتباحث حول ردّ عربي على العدوان الإسرائيلي على قطر الذي نفّذته عشر طائراتٍ بإشرافٍ مباشر من نتنياهو للقضاء على قيادات المقاومة الفلسطينية.
في يونيو/ حزيران 1996 كان نتنياهو قد صعد للمرّة الأولى إلى رئاسة حكومة الكيان الصهيوني، فانطلقت صفارات الإنذار والإشارات الحمراء في العواصم العربية، وقرّر الحكام العرب الاجتماع بشكل عاجل في قمّة طارئة استضافتها القاهرة من 21 - 23 يونيو/ حزيران لاتخاذ موقف عربي موحّد من ذلك اليميني الصهيوني المتطرّف الذي يقود إسرائيل.
كان الصهيوني الليكودي الشاب، في ذلك الوقت، بنيامين نتنياهو قد أسقط العجوز شيمون بيريز، صاحب حلم الشرق الأوسط الجديد، في الانتخابات، وقبل أن يشكّل الفائز حكومته، أعلن أنّ عقيدته في الحكم هي الاستيطان بشكل موسّع، مُظهراً نيّته التملّص من استحقاقات الاتفاقيات الموقّعة مع الجانب الفلسطيني (أوسلو وما تلاها) متعهداً بالتقليل من أضرارها إلى الحدود القصوى، إن لم يتسنَّ له إلغاؤها وشطبها من الوجود.
جاءت القمّة العربية الطارئة في القاهرة بعد صيام ست سنوات كاملة عن انعقاد قمّة عربية، وقد حضرها كلّ العرب باستثناء العراق، الذي كان لا يزال يلعق جراحه بعد الحرب التي قادتها واشنطن والغرب، بمشاركة قوّات عربية، بعد أزمة غزو الكويت التي أحدثت شرخاً عميقاً في الذات العربية وما زالت آثاره ممتدّة.
قرّر العرب في قمتهم الطارئة، المُنعقدة لمناسبة التغيير المفاجئ في بنية نظام الحكم في الكيان الصهيوني، أنّ شروط السلام الشامل مع إسرائيل، تشمل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، ومن الجولان السوري والجنوب اللبناني. كما دعا المؤتمر إلى وقف النشاط الاستيطاني وتوقيع إسرائيل على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كما قرّروا الموافقة المبدئية على إنشاء محكمة العدل العربية، وميثاق للأمن والتعاون العربي، بالإضافة إلى آلية تابعة لجامعة الدول العربية للوقاية من النزاعات.
الآن، تنعقد قمة عربية في الدوحة بعد غد الأحد بعد وصول نتنياهو بمستوى الإجرام الصهيوني إلى حدّ اعتبار أن كلّ عاصمة عربية ليست في منأىً عن ضرباته واعتداءاته، إن لم تعتقل قيادات المقاومة الفلسطينية وتُحاكمها أو تطردها، وإلا سوف يتولّى مهمة اغتيالها من خلال عمليات عسكرية أكبر مما شهدته الدوحة.
يسلك نتنياهو هذه المرّة باعتباره ملك الشرق الأوسط المتوّج ومالكه ومديره والمتحكّم في حدوده الجغرافية وعلاقاته السياسية، حتى علاقات الأشقاء بعضهم ببعض، فارضاً على الجميع تحدّيات وجودية غير مسبوقة في خطورتها، تجعل من انعقاد قمّة القاهرة الطارئة 1996 نوعاً من الترف السياسي، بالنظر إلى أنّ الحكومة الصهيونية الحالية لم تعد تعترف بالقانون الدولي والمنظمات الأممية أصلاً، ناهيك عن إسقاطها، عمليّاً، كلّ الاتفاقات الموقّعة بينها وبين العرب والفلسطينيين.
يضع هذا الوضع العرب جميعاً أمام سؤال المصير: نكون أو لا نكون، حيث يقول الكيان الصهيوني للجميع: أنتم أعدائي إن لم تستقيلوا من القضية الفلسطينية تماماً وتخرجوا من الموضوع بغير رجعة، الأمر الذي يجعل واجب الوقت هو التحرّر من سجن العلاقات السياسية والاقتصادية مع عدوٍّ يتربّص بالجميع، ويستبيح كلّ شبر في الأرض العربية، وأن تسفر القمّة عن ردّ حقيقي وعملي يتجاوز حدود بلاغة البيانات الختامية، مع الأخذ في الاعتبار أنّ العرب ليسوا بالضعف والعجز اللذيْن يجعلان نتنياهو يتصرّف في المنطقة بهذه الثقة في أنّ أحدًا لن يرفع صوته أو رأسه.
حين انعقدت قمّة العرب الطارئة في القاهرة يونيو/ حزيران 1996، أطلق الشاعر الكبير نزار قباني صرخته إلى الحُكّام العرب في يوم انعقاد قمّتهم، مُناشداً إياهم "أحبوا بعضكم قبل أن تنقرضوا"، حيث كتب "اسمحوا لي أن أحلم مع مائتي مليون عربي بأن الله قد فتح عليكم خيراً... وزرع في قلوبكم وردة العشق وعمدكم بماء المحبة. إذا كان بنيامين نتنياهو استطاع أن يرفع ضغظكم العالي ويشعل النار في جهازكم العصبي ويغير فصيلة دمكم... فشكرًا له".
ما أشبه الليلة بالبارحة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق