ترجمة عربي21
نشرت مجلة “ذي نيشن” الأمريكية تقريرا مطولا للصحفية الاستقصائية باربرا كوبل، سلطت فيه الضوء على تاريخ طويل من التدخلات الأمريكية في شؤون الدول الأخرى، مؤكدة أن الولايات المتحدة دأبت، منذ مطلع القرن العشرين، على استغلال الانقلابات العسكرية والحركات المعارضة لإسقاط حكومات منتخبة أو قائمة، لمجرد أنها رفضت الخضوع للسياسات الأمريكية أو هددت مصالح الشركات الكبرى.
وبحسب التقرير، فإن القاسم المشترك بين القادة الذين استهدفوا أمريكيا يتمثل في تبنيهم سياسات داخلية مستقلة، شملت إعادة توزيع الأراضي، وتعزيز النقابات العمالية، وتطوير أنظمة الصحة والتعليم، وتأميم الصناعات الاستراتيجية.
ورغم ذلك، كانت واشنطن تصف هؤلاء القادة بأنهم “شيوعيون” أو “اشتراكيون”، بزعم أنهم يشكلون خطرا على الهيمنة الأمريكية والنظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده.
من السرية إلى العلنية
تشير كوبل إلى أن هذه التدخلات كانت تدار في السابق بسرية تامة، خصوصا بعد توقيع الولايات المتحدة على ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية، اللذين ينصان بوضوح على عدم شرعية تغيير الأنظمة بالقوة.
غير أن هذا النهج بدأ يتغير مع نهاية الحرب الباردة، وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، حين تخلى سياسيون ومفكرون أمريكيون عن سياسة الإنكار. ففي عام 1998، كتب المحافظان الجدد ويليام كريستول وروبرت كاغان مقالا في صحيفة نيويورك تايمز دعوا فيه صراحة إلى إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، معتبرين أن ذلك ضروري “لضمان عظمة أمريكا”.
فريق بوش والاندفاع نحو التدخل
ومع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، انتقل هذا التوجه من التنظير إلى التطبيق العملي. فقد انضم إلى كريستول وكاغان كل من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز ولويس “سكوتر” ليبي وريتشارد بيرل، وشكلوا معا نواة صلبة لسياسة خارجية تقوم على التدخل المباشر حيثما ترفض الأنظمة تنفيذ “خارطة الطريق” الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين، باتت جميع الخيارات مفتوحة، بما في ذلك الغزو العسكري، ودعم الانقلابات، والحصار الاقتصادي.
فنزويلا.. الهدف الأحدث
تعد فنزويلا أحدث دولة تعتبرها واشنطن تهديدا استراتيجيا، لا سيما أنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، يفوق احتياطي الولايات المتحدة بخمسة أضعاف.
وقد اختار الرئيس الراحل هوغو تشافيز، ومن بعده نيكولاس مادورو، اتباع سياسة نفطية مستقلة، رغم العقوبات الأمريكية.
وبحسب التقرير، تواصل فنزويلا تصدير نفطها إلى الصين التي تستحوذ على الحصة الأكبر، إضافة إلى الهند وكوبا وتركيا، وحتى كميات محدودة إلى إيطاليا وإسبانيا، وهو ما تعتبره واشنطن وضعا “غير مقبول”.
تصعيد عسكري غير مسبوق
وفي هذا السياق، أرسل ما وصفه التقرير بـ“الثلاثي المتشدد” — دونالد ترامب وبيت هيغسيث وماركو روبيو — سفنا حربية وطائرات مقاتلة وصواريخ ونحو 15 ألف جندي إلى السواحل الفنزويلية.
وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، استولت الولايات المتحدة على ناقلة نفط فنزويلية، بعد أن كانت قد دمرت قبل ذلك 23 زورقا بحريا، ما أسفر عن مقتل 87 شخصا كانوا على متنها.
وتزعم الإدارة الأمريكية أن هذه العمليات تهدف إلى وقف تهريب مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، رغم عدم تقديم أي دليل على وجود المخدرات على متن الزوارق.
ويصر ترامب على أن كل زورق تم تدميره كان يحمل كمية من الفنتانيل “تكفي لقتل 25 ألف أمريكي”، فيما يحذر التقرير من أن الحشد العسكري قد يمهد لغزو وشيك.
سجل طويل من التدخلات والدم
وتؤكد كوبل أن ما يجري في فنزويلا ليس استثناء، بل امتدادا لنهج أمريكي قديم. فقد تدخلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في انتخابات 81 دولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفقا لعالم السياسة دوف ليفين، بينما جاءت روسيا في المرتبة الثانية بـ36 تدخلا.
وتشمل قائمة الدول التي شهدت تدخلات أو انقلابات بدعم أمريكي: إيران (1953)، غواتيمالا (1954)، الكونغو (1960)، البرازيل (1964)، إندونيسيا (1965-1967)، تشيلي (1973)، الأرجنتين (1976)، غرينادا (1983)، هايتي (1991)، ليبيا (2011)، وأوكرانيا (2014).
إندونيسيا والبرازيل وتشيلي.. نماذج دامية
في إندونيسيا، دعمت واشنطن الإطاحة بالرئيس سوكارنو وتنصيب الجنرال سوهارتو، ما أدى إلى مقتل ما بين 750 ألفا ومليون شخص.
وفي البرازيل، أسفر الانقلاب المدعوم أمريكيا عام 1964 عن دكتاتورية عسكرية استمرت 24 عاما.
أما في تشيلي، فقد دعم الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر انقلاب أوغستو بينوشيه الذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور أليندي عام 1973.
اعترافات صريحة ونفاق مستمر
يستحضر التقرير تصريح الجنرال الأمريكي المتقاعد سميدلي بتلر عام 1935، حين قال: “قضيت معظم وقتي كرجل عصابات رفيع المستوى في خدمة الشركات الكبرى والمصرفيين”.
وفي نيسان/ أبريل 2025، اعترف ديفيد كيرك، مساعد رئيس قسم دراسات الاستخبارات في الجامعة العسكرية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى “الإنكار والخداع” لإخفاء خططها عن خصومها.
ورغم ذلك، يواصل البنتاغون سياسة الغموض، إذ قال المتحدث باسمه برايان ماكغاري، عند سؤاله عن الأسلحة التي أرسلتها واشنطن إلى إسرائيل وأوكرانيا منذ 2023: “لا نعلق على التفاصيل”.
المصدر: عربي 21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق