الخميس، 31 يوليو 2025

هل مخترع التكييف يدخِل الجنة؟!

 هل مخترع التكييف يدخِل الجنة؟!

ردًا على «حمدي رزق»

بقلم د. محمود القاعود

31 يوليو 2025

ما أشبه بعض المقالات الساخرة بـ«المراوح الصدئة»، تُصدر ضجيجًا ولا تُحرّك هواء، تطنّ حول الأذهان طنينًا يخال المرء معه أنه أمام رؤية فلسفية أو موقف إنساني، بينما هي في جوهرها تسطيح للحقائق وسخرية من ثوابت، وإمعان في خلط المفاهيم.
والمقال الذي كتبه حمدي رزق بعنوان «هل يدخل الخواجة كارير الجنة؟!» ونُشِر في صحيفة «المصري اليوم» يوم 30 يوليو 2025م، مثالٌ فجّ على هذا اللون من الكتابة الذي يسخر من الإسلام، ويتذاكى على أحكام العقيدة بأسلوب يخلط السخرية بالجهل، ويُقدّم المدنية على الإيمان، ويقيس مصائر الآخرة بعدّادات الكهرباء والتكييفات، وكأنّ الجنة مرفق خدمات عامة لا مآل أبدية تُبنى على الإيمان والعمل الصالح وعبادة الله الواحد القهار. الإيمان لا يُقاس ببراءة الاختراع ابتداءً، لا يختلف اثنان على أن المخترع الأمريكي ويليس كارير قد خدم البشرية باختراعه لنظام التكييف، شأنه في ذلك شأن نيوتن في الجاذبية، ولويس باستور في الأحياء، وفاراداي في الكيمياء.. وهذه إسهامات يشكر عليها الإنسان، وتُقدَّر في ميزان الحضارة، لكنها لا تساوي شيئًا في ميزان الآخرة إن لم يكن معها إيمان بالله ورسله، قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (الفرقان: 23). وهذه ليست قسوة إلهية -كما يحلو للبعض أن يصوّر- بل عدالة مطلقة؛ إذ مَن لم يُؤمن بالله، فكيف يرجو ثوابه؟ ومن لم يسجد لخالقه، فكيف يطلب جنته؟ هل يعقل أن يُكافأ من أنكر وجود الله عزَّ وجل أو استكبر عن عبادته، بمقام الخلود الأبدي في جنة عرضها السماوات والأرض؟ من قال: إن السلفيين يكرهون التكييف؟ ورد في المقال تعريض ساخر بالسلفيين بأنهم «يتكيّفون في التكييف» ويكرهون الخواجة كارير! وهذه مغالطة مزدوجة. أولًا: الإسلام لا يُعادي العلم ولا الصناعات، بل أول آية نزلت من كتاب الله كانت: (اقْرَأْ) (العلق: 1). والقرآن الكريم مملوء بالإشارات الكونية والعلمية التي دعت الإنسان للتأمل والاكتشاف. ثانيًا: السلفيون -كغيرهم- يستخدمون التكييف والإنترنت والطائرات، لكنهم يفرّقون بين الانتفاع المادي والانبهار الثقافي؛ فهم لا يعبدون المدنية الغربية، ولا يسوّغون بأجهزتها ما فيها من انحلال عقدي وأخلاقي. هل إذا استخدمت مصباح أديسون، وجب عليّ أن أؤمن بديانته؟! وهل إذا ركبت طائرة بوينج وجب عليَّ أن أتبنى فلسفة الغرب في الإلحاد والزواج بين قوم لوط؟! استعمال منجزات الأمم لا يعني التسليم لأفكارهم، وقد استخدم الصحابة رضوان الله عليهم سيوف الروم والفرس ولم يعبدوا آلهتهم. معيار الجنة ليس «الخدمة المدنية» الجنة ليست جائزة «نوبل»، ولا تذكرة حضور في مؤتمر علمي، الجنة وعد الله تعالى لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الإيمان بالله واليوم الآخر شرط لازم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به، إلا كان من أصحاب النار» (صحيح مسلم). فهل نخالف كلام سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم إرضاءً لمشاعرنا تجاه مخترع مكيف؟ عَدل الله أوسع من خيالنا ربما يعترض البعض: «ولكن كارير لم تصله دعوة الإسلام، أو لم يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!» وهذا اعتراض منطقي. والجواب: أن الله سبحانه وتعالى عادل لا يظلم أحدًا، فقد بيَّن في القرآن الكريم أن من لم تبلغه الرسالة تقوم عليه الحجة بما أعطاه الله من عقل وفطرة،
قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء: 15). وقد بيَّن العلماء أن من لم تبلغه الدعوة يُمتحَن يوم القيامة امتحانًا خاصًا، فلا يُعذَّب إلا بعد قيام الحجة عليه. إذن، فكارير في علم الله عزّ وجل، لا في علمنا، ولسنا نحن من يُقرر له الجنة أو النار، لكننا نُقرر أصلًا شرعيًّا: أن الإيمان شرط لازم لدخول الجنة. فقه النِّعم وأدب الشكر من التناقض البين أن نتمتع بنعمة (كالمكيف)، ثم نجعلها مدخلًا للتهكُّم على الإسلام الذي أباح لنا الانتفاع بثمرات العلم وعمارة الكون. إن من تمام الشكر أن تقول: «الحمد لله الذي سخّر لنا ما في السماوات وما في الأرض»، لا أن تسخر من أهل التديّن أو من نصوص الإسلام. نعم.. نُقدّر كارير، ونحترم إبداعه، لكن لا نقدّمه على الأنبياء، ولا نجعل اختراعه بوابة لاحتقار المسلمين وأهل الإيمان. أما من يتهكّم على الإسلام باسم المكيف؛ فقد جهل الإسلام والمكيف معًا. لن نُدخل الخواجة كارير النار، ولن نُدخله الجنة، هذا شأنٌ إلهي، لكن الجنة جزاءٌ إلهيّ على معرفة الخالق سبحانه وتعالى وتوحيده والإيمان برسله وعبادته. الحذر واجب من الاستهانة بالإسلام من أجل مكيف، أو بيع الآخرة بنسمة باردة، فرُب مكيف أنقذ جسدك من حر الدنيا، ولكن لن يُنقذك من حرّ جهنم إن لم يكن في قلبك إيمان؛ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) (النساء: 56). اللهم متّعنا بنعمك، واهدنا لشكرها، ولا تجعلنا من الساخرين بشريعتك، ولا من الغافلين عن آخرتك.

رد الدكتور عطية عدلان علي خطبة الشيخ بلال الرفاعي

 بسم الله الرحمن الرحيم

رد الدكتور عطية عدلان علي خطبة الشيخ بلال الرفاعي ومشروع الدولة الوطنية
د. عطية عدلان
مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
قرأت حديث النقّاد عن خطبة الشيخ بلال الرفاعي؛ فدفعتني الرغبة في الوقوف على الحقيقة إلى سماعها، فاستمعت إليها، في البداية أحبُّ أن أسجل انطباعي الذي لازمني من أول الخطبة إلى آخرها عن الشيخ بلال، فإنّ الرجل يتحدث بلهجة صادقة، ويبذل النصح بلا رياء ولا غرض، وينشد الخير لأمته ولبلده؛ وما هذا على رجل من آل الرفاعي بغريب ولا عزيز، فهم أهل العلم والتقى وبيت الدعوة والتربية، وهم الذين جعلوا بيوتهم ومحاضنهم التربوية قبلة للمؤمنين طوال عهود الاستبداد؛ فما يستباح عرضهم لزلة ولا يُعَرَّض بسمعتهم لسقطة، لكنّ الحقّ أحقُّ أن يُتَّبع.
تغريد خارج السرب
تحدث الشيخ حديثًا قارن فيه بين نتائج العمل بالمشروع الإسلاميّ ونتائج العمل بمشروع الدولة الوطنية القطرية، وربط حديثه بالأحداث التي تجري اليوم بين أهل السنة والطائفيين، وكأنّ هذه الأحداث سبَّبَها إعلان الرئيس أحمد الشرع إقامة النظام الإسلاميّ وتطبيق الشريعة، بينما الذي جرى ويجري
- وسيظلّ يجري ما لم يحسم الأمر بإجراءات صارمة - هو أنّ الطائفيين من العلويين والدروز وقسد وغيرهم لا يريدون دولة مستقرة - في أيّ صورة من الصور - لا يكونون فيها في الذروة التي وضعهم فيها الاستعمار الفرنسيّ ثم الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيليّ، فلا مساغ لحشر هذه المقارنة في سياق لا علاقة له بها ولا علاقة لها به، ولا مفرّ من أن يواجه العلماء السلطة الحالية بالخطأ الفادح المتمثل في التعجيل بإيقاف المسار الثوريّ وتعطيله والاكتفاء بالمسار السياسيّ، وبضرورة استدراك هذا الخطأ الفاحش بعدالة ناجزة تقضي على جيوب الفتنة ومعاقل الثورة المضادة، والتوقف عن مدّ خط العفو والتسامح - الذي حتمته ضرورات المعركة وقتها - ليشمل رؤوس الفتنة الذين لم يسلموا سلاحهم عنادًا ولم ينصاعوا للدولة استقواءً بأعدائها، وإذا كانت سوريا الدولة ضعيفة لا حيلة لها فإنّ سوريا الثورة لا تزال قوية فتيّة تملك الكثير من أوراق الضغط تستطيع أن تدير بها اللعبة مع كل من يريد التلاعب بمصير سوريا.

وصفة مجربة ولكنّها فاشلة
ومع ذلك لم يستطع الشيخ أن ينعت لنا علاجًا ناجعًا لمشكلة الطائفية التي سببتها الأقليات المارقة عن الملة، فهل نسي الشيخ - إذ ينعت لنا الدولة الوطنية حلًّا - أنّ هذه (الوصفة!) هي التي فرضها الاحتلال الإنجليزي والفرنسي (المباشر) ثم الاحتلال الأمريكي (غير المباشر) على بلادنا العربية والإسلامية؛ ليفرقها شيعًا، كل شيعة تعلي من شأن جاهليّاتها القديمة، كالفرعونية والبابلية والآشورية والفينيقية وغيرها؛ ليتذبذب ولاء المسلم بين الولاء للإسلام والولاءات الموزعة بين جاهليات ضاربة في أعماق التاريخ؟ أم إنّه نسي أنّ (سوريا الأسد) كانت تعلن أنّها دولة وطنية، مثلما تعلن مصر - دولة العسكر - أنّها دولة وطنية، لكنّ أهل السنة في سوريا كانوا مواطنين درجة ثانية وثالثة بعد الأقلية العلوية، والمسلمين في مصر لايزالون يطمحون في أن يعاملوا من الدولة كما تعامل الأقلية المسيحية؟
إنّ الدولة القومية الوطنية دولة أوربية أنشأها الفكر الأوربيّ الذي لم يجد غيرها ليخلص من إشكالية الازدواجية السلطوية وتسلط الكنيسة على الدولة وعلى الحياة السياسية، تلك الإشكالية التي لم تكن عندنا يومًا من الأيام، وعندما أرادت أوربا أن تصَدّر لنا تجربتها نفضت عنها كل ما يرجى منه النفع، وركبت فيها كل ما ينتظر منه الأذى والضرر، وآية ذلك أنّ الغرب اليوم يعمل بارتياح شديد في خطة إعادة تقسيم المقسم؛ لأنّ الدولة الوطنية التي صدّرها لنا تتيح له ذلك بما اشتملت عليه من تموضعات غير صحيحة للطائفية والإثنية، ومن حدود ملتهبة وملغومة بين الدول (الوطنية).
روسّو والعقد الاجتماعي
أمّا عن جان جاك روسّوا وعن عقده الاجتماعيّ وعن الدولة التي أنشأها فكره فهذا موضع البيان؛ لئلا نُلَبِّسَ على الناس دينهم، فمن لم يعرف هذا الرجل - الذي يُعَدُّ كتابُه العقد الاجتماعي إنجيل الثورة الفرنسية - فإنّه من الجهة الفكرية بدا متناقضاً غاية التناقض في نظريته؛ بسبب التنازع بين مبدأ الحقوق الفردية ومبدأ الإرادة العامة؛ لذلك لا تعجب إذا رأيت فكره الذي يدعو إلى الحرية يؤسس لنشأة العبادة الرومنسية للجماعة؛ مما حدا ببعض الكتاب إلى الهجوم الشديد عليه؛ بسبب أنه: "ليس في كتاباته كلها على الإطلاق أية كتابة يمكن ردها إلى مذهب متسق"( )،
أمّا العقد الاجتماعيّ - الذي طوره بعد جون لوك وتوماس هوبز والذي يُعَدُّ الفكرة الرئيسية المحورية في كتابه - فهو عقد افتراضيٌّ، يبحث عن المسوغ الفكريّ لقيام الدولة، فيفترض أنّ الناس كانوا في حالة فوضى بلا دولة ولا حتى مجتمع سياسي، ثم تعاقدوا على أن يتنازلوا عن بعض حقوقهم وحرياتهم في سبيل قيام السلطة التي تنظم حياتهم، هذا العقد لا وجود له في التاريخ، وقد أثبتت الدراسات السياسية المتأنية بطلانه، فإنّ الثابت أنّه "لم يوجد البشر قط في حالة سابقة على التعاون الاجتماعيّ، وفكرة أنّهم وجدوا ذات مرة على شكل أفراد معزولين يتفاعلون عبر عنف معنويّ (هوبز) أو جهل مسالم ومتبادل فيما بينهم (روسو) ليست صحيحة على الإطلاق ...
وفي البشر نزعة فطرية لإيجاد الأعراف أو القواعد واتباعها؛ لأنّ المؤسسات في جوهرها قواعد تقيد الحرية الفردية"( )،
وما دفع روسّو ولا من سبقه إلى الذهاب إلى هذه الفرضية إلا الهروب من إسناد نشأة الدولة إلى سبب دينيّ شرعيّ، وقد دفعهم إلى ذلك شرطية تاريخية ضاغطة على الفكر الأوربيّ - الخاضع دومًا للشرطيّات التاريخية والواقعية - وهي الرغبة في الخلاص من سلطان الكنيسة التي كانت تمارس الاستبداد والعسف، وما بنا نحن المسلمين من حاجة إلى شيء من ذلك اللغط.

ما هي الدولة الوطنية؟
وما دام الحديث عن الدولة الوطنية جاء مرتبطًا في كلام الشيخ بفكر روسّو؛ فالحقيقة أنّ وصف الدولة المعاصرة بالوطنية والسكوت عند ذلك يُعَدُّ - قُصد أو لم يُقْصَد - مخاتلة فكرية؛ لأنّ الدولة المعاصرة التي أنشأها الفكر المعاصر هي الدولة المدنية قبل أن تكون القومية أو الوطنية أو الحديثة، وأهم وأبرز وصف لها هو المدنية، وعلى الرغم من أنّ لفظة المدنية تحتمل معاني متعددة منها ألا تكون الدولة عسكرية، وأن تكون حديثة تأخذ بأسباب العلم، إلّا أنّ المصطلح غير اللفظ، ومن راجع تاريخ نشأة المصطلح ونشأة الدولة في الغرب تأكد له أنّ المقصود به بالدرجة الأولى - إن لم يكن حصريًّا - هو الدولة التي لا سلطان فيها للدين، والواقع أنّ الدولة المدنية التي ظلّت صارمة في تنحية الدين عن الدولة قد تجبرت وتألهت وسحقت المجتمع والفرد، كما يقول أحد مفكري الغرب: "الدولة ذات السيادة تعتبر القدرة الفاعلة في بناء نفسها ... وهو ما يمكن قياسه على الخلق الإلهي من العدم، وتشترك السيادة في مضامينها الكاملة مع التوحيد في كثير من الصفات،
أولها: كلية القدرة؛ فكل الأشكال السياسية متاحة لها، ثانيها: أنها تملأ الزمان والمكان؛ فهي حاضرة بالقدر نفسه في حياة الأمة وفي كل موقع ضمن حدودها، ثالثها: أننا لا ندركها إلا من خلال ما تنتجه"( )، وهذا ما سجله كثير من المفكرين في الغرب والشرق.
وإذ كانت الحداثة هي التربة الفكرية التي نشأت فيها الدولة المدنية؛ فإنّ الحداثة ضدّ الدين بشكل كامل، فإنّ "الأيديولوجية الغربية للحداثة - والتي يمكن أن نسميها بالحداثية - قد ألغت فكرة الذات وفكرة الله المرتبطة بها ... يقول أنصار الحداثة:
إنّه لا المجتمع ولا التاريخ ولا الحياة الفردية تخضع لكائن أسمى يجب الإذعان له ... الفرد لا يخضع إلا لقوانين الطبيعة"( )، وإذا كانت سيادة الإنسان على الطبيعة هي القيمة الأسمى في الحداثة فإنّ الدولة المدنية تحلّ سيادة الإنسان محلّ سيادة الرحمن.
ولقد صارت الدول القومية الوطنية في ظل النيوليبرالية كالزنازين المغلقة، فالحاصل أنّ: "الرؤية النيوليبرالية للعولمة محدودة إلى حد بعيد بحركة رأس المال والبضائع، وتزيد فعلا الحواجز أمام التدفق الحر للبشر والمعلومات والأفكار، وقد تضاعف حجم حرس حدود الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث مرات تقريبا منذ التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، وهذا ليس مدهشا على الإطلاق؛ إذْ لو لم يكن ممكنًا أن تسجن فعليا أغلبية الناس في العالم في معاقل بائسة فلن يكون ثمة حافز لدى شركة Nike أو The Gap لنقل الإنتاج هناك بادئ ذي بدء، مع إتاحة حرية الأشخاص سينهار مجمل المشروع النيوليبراليّ ... فالإنجاز الأساسيّ للدولة/الأمّة خلال القرن الماضي كان تأسيس منظومة متجانسة من الحواجز ذات الحراسة المشددة حول العالم"( ).
ما علاقة التدرج بما يقول الشيخ؟
أمّا التدرج في إقامة الدين وتطبيق شريعة ربّ العالمين فلا علاقة له بما طرحه الشيخ، فلا يكون تدرجًا في إقامة منهج الله أن يقف عباد الله على الأرض التي يقف عليها أعداء الله، وأن يتخذوا من قواعد الجاهلية منصّات للانطلاق، هذا ليس منطلقًا يحالفه التوفيق ويرافقه السداد، إنّما هو منطلق للخبال وإرباك المجال، إنّ التدرج الحقيقيّ هو الانتقال بالأمة خطوة خطوة نحو الرشد المنشود، عبر آليات وتقنيات لا تقلل من شأن الدين عندما تقرر تطبيق ما نقدر على تطبيقه وتأجيل ما لا نقدر عليه حتى نتمكن من ذلك، منها البدء بإقامة النظام الاجتماعي وبناء مؤسسات المجتمع القوية المستقلة، ولاسيما العلمائية والتربوية والدعوية، والبدء بتطبيق أحكام العدالة الانتقالية الناجزة الصارمة، والشروع في تطبيق الأحكام المحققة للعدالة الاجتماعية انطلاقا من الفقه المتعلق ببيت المال وغيره، وهكذا، وإنّني لممن يقول بالتدرج ولكن ليس انطلاقًا من قواعد جاهلية، أمّا الإجراءات والأساليب فهذا ما ينبغي أن تقام له الندوات.

هل صحيفة المدينة عقد اجتماعيّ؟
يشيع بين كثير من المثقفين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام الدولة في المدينة على عقد اجتماعيّ، ويذكرون في هذا السياق صحيفة المدينة، وقد نحا الشيخ في خطبته هذا المنحى، فهل هذا الطرح صحيحًا؟ الواقع أنّه طرح لا يثبت أمام المناقشة إلا بقدر ما يثبت الهباء الخفيف السخيف أمام الريح العاتية، ومع أنّني أميل إلى تصحيح الصحيفة بمجموع طرقها وبأنّها كما قال شيخ الإسلام: "معروفة عند أهل العلم"( )،
فإنّني أرى أنّ اعتبارها عقدًا اجتماعيًّا ضرب من ضروب السخف؛ لأنّ العقد الاجتماعيّ يسهم في إنشائه المواطنون بكافّة طوائفهم، وما كانت صحيفة المدينة كذلك، إنّما كانت شرعًا مفروضًا، وما على الرسول إلا البلاغ، وقد اشتملت الصحيفة على مادة جوهرية تكررت مرتين وهي أنّ ما اختلف فيه أهل المدينة كلهم فمرده إلى الله وإلى محمد( )،
وليس إلى ما اتفق عليه المواطنون، والتوصيف الشرعيّ الصحيح هو أنّه عقد ذمة بدون جزية، قال الشافعيّ رحمه الله: "لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً ‌عَلَى ‌غَيْرِ ‌جِزْيَةٍ( ).
وأخيرًا .. لو كان الشيخ يعرف شيئًا - ولو قليلًا - عمّا قيل في شخص روسو وأخلاقه لما لطخ منبر رسول الله ولا عكر أجواء بيت الله بسيرته، فلقد سجل أحد الأكاديميين - والعهدة على الراوي -
قائمة بعيوب روسو الأخلاقية جاءت على هذا النحو المقرف:
"مازوكي، محب للمظاهر، نوراستيني مصاب بوسواس مرضيّ، ممارس للعادة السرية، شاذ جنسيا شذوذا كامنا، لحوح، عاجز عن الحب الأوبويّ، شديد الارتياب في الآخرين، نرجسي، شديد الانطواء، يملؤه الشعور بالذنب، جبان لدرجة مرَضِيّة، مريض بالسرقة، صبياني السلوك، سريع الاستثارة، بخيل"( )،

وإنّنا لفي حاجة إلى هدي محمد بن عبد الله لا إلى فكر روسو.

 ردي على خطبة الشيخ بلال الرفاعي
  قطعته ووضعته في التعليقات      
             ها هنا  👇👇👇             
د. عطية عدلان

وأخيرًا .. لو كان الشيخ يعرف شيئًا - ولو قليلًا - عمّا قيل في شخص روسو وأخلاقه لما لطخ منبر رسول الله ولا عكر أجواء بيت الله بسيرته، فلقد سجل أحد الأكاديميين - والعهدة على الراوي - قائمة بعيوب روسو الأخلاقية جاءت على هذا النحو المقرف: "مازوكي، محب للمظاهر، نوراستيني مصاب بوسواس مرضيّ، ممارس للعادة السرية، شاذ جنسيا شذوذا كامنا، لحوح، عاجز عن الحب الأوبويّ، شديد الارتياب في الآخرين، نرجسي، شديد الانطواء، يملؤه الشعور بالذنب، جبان لدرجة مرَضِيّة، مريض بالسرقة، صبياني السلوك، سريع الاستثارة، بخيل"( )، وإنّنا لفي حاجة إلى هدي محمد بن عبد الله لا إلى فكر روسو.

د. عطية عدلان

هل صحيفة المدينة عقد اجتماعيّ؟
يشيع بين كثير من المثقفين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام الدولة في المدينة على عقد اجتماعيّ، ويذكرون في هذا السياق صحيفة المدينة، وقد نحا الشيخ في خطبته هذا المنحى، فهل هذا الطرح صحيحًا؟ الواقع أنّه طرح لا يثبت أمام المناقشة إلا بقدر ما يثبت الهباء الخفيف السخيف أمام الريح العاتية، ومع أنّني أميل إلى تصحيح الصحيفة بمجموع طرقها وبأنّها كما قال شيخ الإسلام: "معروفة عند أهل العلم"( )، فإنّني أرى أنّ اعتبارها عقدًا اجتماعيًّا ضرب من ضروب السخف؛ لأنّ العقد الاجتماعيّ يسهم في إنشائه المواطنون بكافّة طوائفهم، وما كانت صحيفة المدينة كذلك، إنّما كانت شرعًا مفروضًا، وما على الرسول إلا البلاغ، وقد اشتملت الصحيفة على مادة جوهرية تكررت مرتين وهي أنّ ما اختلف فيه أهل المدينة كلهم فمرده إلى الله وإلى محمد( )، وليس إلى ما اتفق عليه المواطنون، والتوصيف الشرعيّ الصحيح هو أنّه عقد ذمة بدون جزية، قال الشافعيّ رحمه الله: "لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً ‌عَلَى ‌غَيْرِ ‌جِزْيَةٍ( ).

د. عطية عدلان

ما علاقة التدرج بما يقول الشيخ؟
أمّا التدرج في إقامة الدين وتطبيق شريعة ربّ العالمين فلا علاقة له بما طرحه الشيخ، فلا يكون تدرجًا في إقامة منهج الله أن يقف عباد الله على الأرض التي يقف عليها أعداء الله، وأن يتخذوا من قواعد الجاهلية منصّات للانطلاق، هذا ليس منطلقًا يحالفه التوفيق ويرافقه السداد، إنّما هو منطلق للخبال وإرباك المجال، إنّ التدرج الحقيقيّ هو الانتقال بالأمة خطوة خطوة نحو الرشد المنشود، عبر آليات وتقنيات لا تقلل من شأن الدين عندما تقرر تطبيق ما نقدر على تطبيقه وتأجيل ما لا نقدر عليه حتى نتمكن من ذلك، منها البدء بإقامة النظام الاجتماعي وبناء مؤسسات المجتمع القوية المستقلة، ولاسيما العلمائية والتربوية والدعوية، والبدء بتطبيق أحكام العدالة الانتقالية الناجزة الصارمة، والشروع في تطبيق الأحكام المحققة للعدالة الاجتماعية انطلاقا من الفقه المتعلق ببيت المال وغيره، وهكذا، وإنّني لممن يقول بالتدرج ولكن ليس انطلاقًا من قواعد جاهلية، أمّا الإجراءات والأساليب فهذا ما ينبغي أن تقام له الندوات.

د. عطية عدلان

ما هي الدولة الوطنية؟
وما دام الحديث عن الدولة الوطنية جاء مرتبطًا في كلام الشيخ بفكر روسّو؛ فالحقيقة أنّ وصف الدولة المعاصرة بالوطنية والسكوت عند ذلك يُعَدُّ - قُصد أو لم يُقْصَد - مخاتلة فكرية؛ لأنّ الدولة المعاصرة التي أنشأها الفكر المعاصر هي الدولة المدنية قبل أن تكون القومية أو الوطنية أو الحديثة، وأهم وأبرز وصف لها هو المدنية، وعلى الرغم من أنّ لفظة المدنية تحتمل معاني متعددة منها ألا تكون الدولة عسكرية، وأن تكون حديثة تأخذ بأسباب العلم، إلّا أنّ المصطلح غير اللفظ، ومن راجع تاريخ نشأة المصطلح ونشأة الدولة في الغرب تأكد له أنّ المقصود به بالدرجة الأولى - إن لم يكن حصريًّا - هو الدولة التي لا سلطان فيها للدين، والواقع أنّ الدولة المدنية التي ظلّت صارمة في تنحية الدين عن الدولة قد تجبرت وتألهت وسحقت المجتمع والفرد، كما يقول أحد مفكري الغرب: "الدولة ذات السيادة تعتبر القدرة الفاعلة في بناء نفسها ... وهو ما يمكن قياسه على الخلق الإلهي من العدم، وتشترك السيادة في مضامينها الكاملة مع التوحيد في كثير من الصفات، 
أولها: كلية القدرة؛ فكل الأشكال السياسية متاحة لها، ثانيها: أنها تملأ الزمان والمكان؛ فهي حاضرة بالقدر نفسه في حياة الأمة وفي كل موقع ضمن حدودها، ثالثها: أننا لا ندركها إلا من خلال ما تنتجه"( )، وهذا ما سجله كثير من المفكرين في الغرب والشرق.
وإذ كانت الحداثة هي التربة الفكرية التي نشأت فيها الدولة المدنية؛ فإنّ الحداثة ضدّ الدين بشكل كامل، فإنّ "الأيديولوجية الغربية للحداثة - والتي يمكن أن نسميها بالحداثية - قد ألغت فكرة الذات وفكرة الله المرتبطة بها ... يقول أنصار الحداثة: إنّه لا المجتمع ولا التاريخ ولا الحياة الفردية تخضع لكائن أسمى يجب الإذعان له ... الفرد لا يخضع إلا لقوانين الطبيعة"( )، وإذا كانت سيادة الإنسان على الطبيعة هي القيمة الأسمى في الحداثة فإنّ الدولة المدنية تحلّ سيادة الإنسان محلّ سيادة الرحمن.
ولقد صارت الدول القومية الوطنية في ظل النيوليبرالية كالزنازين المغلقة، فالحاصل أنّ: "الرؤية النيوليبرالية للعولمة محدودة إلى حد بعيد بحركة رأس المال والبضائع، وتزيد فعلا الحواجز أمام التدفق الحر للبشر والمعلومات والأفكار، وقد تضاعف حجم حرس حدود الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث مرات تقريبا منذ التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، وهذا ليس مدهشا على الإطلاق؛ إذْ لو لم يكن ممكنًا أن تسجن فعليا أغلبية الناس في العالم في معاقل بائسة فلن يكون ثمة حافز لدى شركة Nike أو The Gap لنقل الإنتاج هناك بادئ ذي بدء، مع إتاحة حرية الأشخاص سينهار مجمل المشروع النيوليبراليّ ... فالإنجاز الأساسيّ للدولة/الأمّة خلال القرن الماضي كان تأسيس منظومة متجانسة من الحواجز ذات الحراسة المشددة حول العالم"( ).

د. عطية عدلان

روسّو والعقد الاجتماعي
أمّا عن جان جاك روسّوا وعن عقده الاجتماعيّ وعن الدولة التي أنشأها فكره فهذا موضع البيان؛ لئلا نُلَبِّسَ على الناس دينهم، فمن لم يعرف هذا الرجل - الذي يُعَدُّ كتابُه العقد الاجتماعي إنجيل الثورة الفرنسية - فإنّه من الجهة الفكرية بدا متناقضاً غاية التناقض في نظريته؛ بسبب التنازع بين مبدأ الحقوق الفردية ومبدأ الإرادة العامة؛ لذلك لا تعجب إذا رأيت فكره الذي يدعو إلى الحرية يؤسس لنشأة العبادة الرومنسية للجماعة؛ مما حدا ببعض الكتاب إلى الهجوم الشديد عليه؛ بسبب أنه: "ليس في كتاباته كلها على الإطلاق أية كتابة يمكن ردها إلى مذهب متسق"( )، أمّا العقد الاجتماعيّ - الذي طوره بعد جون لوك وتوماس هوبز والذي يُعَدُّ الفكرة الرئيسية المحورية في كتابه - فهو عقد افتراضيٌّ، يبحث عن المسوغ الفكريّ لقيام الدولة، فيفترض أنّ الناس كانوا في حالة فوضى بلا دولة ولا حتى مجتمع سياسي، ثم تعاقدوا على أن يتنازلوا عن بعض حقوقهم وحرياتهم في سبيل قيام السلطة التي تنظم حياتهم، هذا العقد لا وجود له في التاريخ، وقد أثبتت الدراسات السياسية المتأنية بطلانه، فإنّ الثابت أنّه "لم يوجد البشر قط في حالة سابقة على التعاون الاجتماعيّ، وفكرة أنّهم وجدوا ذات مرة على شكل أفراد معزولين يتفاعلون عبر عنف معنويّ (هوبز) أو جهل مسالم ومتبادل فيما بينهم (روسو) ليست صحيحة على الإطلاق ... وفي البشر نزعة فطرية لإيجاد الأعراف أو القواعد واتباعها؛ لأنّ المؤسسات في جوهرها قواعد تقيد الحرية الفردية"( )، وما دفع روسّو ولا من سبقه إلى الذهاب إلى هذه الفرضية إلا الهروب من إسناد نشأة الدولة إلى سبب دينيّ شرعيّ، وقد دفعهم إلى ذلك شرطية تاريخية ضاغطة على الفكر الأوربيّ - الخاضع دومًا للشرطيّات التاريخية والواقعية - وهي الرغبة في الخلاص من سلطان الكنيسة التي كانت تمارس الاستبداد والعسف، وما بنا نحن المسلمين من حاجة إلى شيء من ذلك اللغط.

د. عطية عدلان

وصفة مجربة ولكنّها فاشلة
ومع ذلك لم يستطع الشيخ أن ينعت لنا علاجًا ناجعًا لمشكلة الطائفية التي سببتها الأقليات المارقة عن الملة، فهل نسي الشيخ - إذ ينعت لنا الدولة الوطنية حلًّا - أنّ هذه (الوصفة!) هي التي فرضها الاحتلال الإنجليزي والفرنسي (المباشر) ثم الاحتلال الأمريكي (غير المباشر) على بلادنا العربية والإسلامية؛ ليفرقها شيعًا، كل شيعة تعلي من شأن جاهليّاتها القديمة، كالفرعونية والبابلية والآشورية والفينيقية وغيرها؛ ليتذبذب ولاء المسلم بين الولاء للإسلام والولاءات الموزعة بين جاهليات ضاربة في أعماق التاريخ؟ أم إنّه نسي أنّ (سوريا الأسد) كانت تعلن أنّها دولة وطنية، مثلما تعلن مصر - دولة العسكر - أنّها دولة وطنية، لكنّ أهل السنة في سوريا كانوا مواطنين درجة ثانية وثالثة بعد الأقلية العلوية، والمسلمين في مصر لايزالون يطمحون في أن يعاملوا من الدولة كما تعامل الأقلية المسيحية؟
إنّ الدولة القومية الوطنية دولة أوربية أنشأها الفكر الأوربيّ الذي لم يجد غيرها ليخلص من إشكالية الازدواجية السلطوية وتسلط الكنيسة على الدولة وعلى الحياة السياسية، تلك الإشكالية التي لم تكن عندنا يومًا من الأيام، وعندما أرادت أوربا أن تصَدّر لنا تجربتها نفضت عنها كل ما يرجى منه النفع، وركبت فيها كل ما ينتظر منه الأذى والضرر، وآية ذلك أنّ الغرب اليوم يعمل بارتياح شديد في خطة إعادة تقسيم المقسم؛ لأنّ الدولة الوطنية التي صدّرها لنا تتيح له ذلك بما اشتملت عليه من تموضعات غير صحيحة للطائفية والإثنية، ومن حدود ملتهبة وملغومة بين الدول (الوطنية).

د. عطية عدلان

تغريد خارج السرب
تحدث الشيخ حديثًا قارن فيه بين نتائج العمل بالمشروع الإسلاميّ ونتائج العمل بمشروع الدولة الوطنية القطرية، وربط حديثه بالأحداث التي تجري اليوم بين أهل السنة والطائفيين، وكأنّ هذه الأحداث سبَّبَها إعلان الرئيس أحمد الشرع إقامة النظام الإسلاميّ وتطبيق الشريعة، بينما الذي جرى ويجري - وسيظلّ يجري ما لم يحسم الأمر بإجراءات صارمة - هو أنّ الطائفيين من العلويين والدروز وقسد وغيرهم لا يريدون دولة مستقرة - في أيّ صورة من الصور - لا يكونون فيها في الذروة التي وضعهم فيها الاستعمار الفرنسيّ ثم الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيليّ، فلا مساغ لحشر هذه المقارنة في سياق لا علاقة له بها ولا علاقة لها به، ولا مفرّ من أن يواجه العلماء السلطة الحالية بالخطأ الفادح المتمثل في التعجيل بإيقاف المسار الثوريّ وتعطيله والاكتفاء بالمسار السياسيّ، وبضرورة استدراك هذا الخطأ الفاحش بعدالة ناجزة تقضي على جيوب الفتنة ومعاقل الثورة المضادة، والتوقف عن مدّ خط العفو والتسامح - الذي حتمته ضرورات المعركة وقتها - ليشمل رؤوس الفتنة الذين لم يسلموا سلاحهم عنادًا ولم ينصاعوا للدولة استقواءً بأعدائها، وإذا كانت سوريا الدولة ضعيفة لا حيلة لها فإنّ سوريا الثورة لا تزال قوية فتيّة تملك الكثير من أوراق الضغط تستطيع أن تدير بها اللعبة مع كل من يريد التلاعب بمصير سوريا.

د. عطية عدلان

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
قرأت حديث النقّاد عن خطبة الشيخ بلال الرفاعي؛ فدفعتني الرغبة في الوقوف على الحقيقة إلى سماعها، فاستمعت إليها، في البداية أحبُّ أن أسجل انطباعي الذي لازمني من أول الخطبة إلى آخرها عن الشيخ بلال، فإنّ الرجل يتحدث بلهجة صادقة، ويبذل النصح بلا رياء ولا غرض، وينشد الخير لأمته ولبلده؛ وما هذا على رجل من آل الرفاعي بغريب ولا عزيز، فهم أهل العلم والتقى وبيت الدعوة والتربية، وهم الذين جعلوا بيوتهم ومحاضنهم التربوية قبلة للمؤمنين طوال عهود الاستبداد؛ فما يستباح عرضهم لزلة ولا يُعَرَّض بسمعتهم لسقطة، لكنّ الحقّ أحقُّ أن يُتَّبع

هل تتنحى حماس وتُسَلِّم سلاحها؟

 هل تتنحى حماس وتُسَلِّم سلاحها؟

مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي

عند هذا الحدّ ينفد الصبر الإنسانيّ؛ لم يعد في حيّز الإمكان تصور ما يجري، كيف يصل الأمر إلى هذه الدرجة من القسوة واللاإنسانية؟ الناس يتزاحمون ويتدافعون والجوع يدفعهم صوب الطعام، وليس منهم أحد يؤمل العودة إلى خيمته الرثّة إلا بقدر ما يؤمل المحكوم عليه بالإعدام العودة إلى السرير الوثير، اليومَ صار كثير من الصهاينة المشاركين في الاحتلال وفي اغتصاب الأرض وتهجير أهلها يفزعون من هول ما يجري، ويجوبون شوارع تلّ أبيب معبرين عن فزعهم بمظاهرات ضدّ حكومة وأدت الإنسانية كلها بقتلها لأطفال غزة، الرُّحَماء من عباد الله راحوا من يأسهم يطرحون ما لديهم من مساعدات في عرض البحر؛ رجاء أن يكون الموج الموّارُ أرحمَ من أناس رابضين على تلال القسوة لا يتحلحلون؛ فهل ستستجيب حماس لهذا الضغط الذي يمارس عليها بأخسّ الأساليب وتتنحى عن حكم غزة وتسلم سلاحها؟ هل ستستسلم لإرادة المجتمع الدوليّ فيما سمي بإعلان نيويورك؟

مَن الإرهابيُّ المقاومةُ أم الكيان؟

واعجبًا من هذه الصفاقة الدولية! وواعجبًا من الصفاقة عندما تكون دولية! في الوقت الذي تدعم فيه أمريكا وحلفاؤها في الغرب دولةَ الاحتلال بالمال والسلاح -وبالفيتو في المواقف الفاصلة- يُطلَب من المقاومة أن تسلّم سلاحَها، وفي الوقت الذي يَغتصب فيه الصهاينةُ أرضَ الفلسطينيين يريد المغتصب ومَن وراءه من عصابة الاغتصاب (الدولي!) أن يفرضوا إرادتهم على هذه الأرض؛ فينَحُّوا من شاؤوا ويُحِلُّوا مكانهم من شاؤوا، أين هو العدل إذَنْ وأين هي الإنسانية؟ أهذا هو ما يسمى بالنظام الدوليّ؟ إذا كان هذا نظامًا فما أجدرَ الفوضى وما أجداها على الدنيا! لقد اتضح واستبان أنّ المراد هو الإذلال والتركيع، فأمّا المقاومة فلن تركع ولن تستكين، فمن أراد أن يركع ويخشع ويلين ويستكين فطريقُهُ مفتوحٌ وسبيلُهُ ممهود، لكنْ عليه أن يعلم أنّه في طريق التمهيد والتوطيد للمشروع الصهيونيّ الكبير.

الطوفان هو الحلّ

وقد أَعْلَنَ الإعلانُ وبَيَّنَ البيانُ أنّ المعتدي هو الطوفان؛ وإِذَنْ فالحلّ هو الطوفان، لا سبيل للأمة إذا نَشَدَت الخلاصَ من هذا الاحتلال الغاشم إلا أن تمدّ الطوفانَ على استقامته، وآية ذلك أنّنا تعودنا من سلوك الاحتلال وداعميه أنّ المقاومة الحقيقية هي التي تقُضّ مضاجعهم، وأنّهم لا يرهبهم ويزلزل عروشهم إلا المقاومة الصادقة، وهنا يجدر أن نقول للذين لا يزالون يرتابون في قرارات المقاومة: إنّ المقاومة هي المقاومة ولا صوت يعلو فوق صوتها، هي التي تعرف متى تُقْدِم ومتى تُحْجِم، وهي التي تُقَدِّرُ بمعاييرها وتقيس بمقاييسها وتدرك بخبراتها المتراكمة وتجاربها الحية حجم المصالح والمفاسد، وقدر المغانم والمغارم.

عليلٌ من تُعْيِيه معرفة الطبيعة التي يصطبغ بها هذا الصراع، وكَلِيلٌ من لا يراه صدامًا حتميًّا بين حقٍّ واضحٍ كفلق الصبح وباطل مظلم كغسق الليل، عليلٌ وكليلٌ من ينظر إلى ما يجري فيحار فيه ويحاول أن يجد له في معايير الواقع البليد مقياسًا ينطبق عليه، إنّ ما يجري ليس نزاعًا بين قوتين على أمر تختلف فيه الحسابات والتقديرات، وإنّما هو صراع بين حقٍّ صريح وباطل صريح، بين مقاومة تدفع العدو عن الأوطان التي اغتصبها والمقدسات التي استباحها، ومحتلٍّ غاصبٍ غاشمٍ لا حق له في شيء من ذلك كله؛ لذلك لا تقاس النتائج والمقدمات بالمقايس ذاتِها التي تُقاس بها سائر الصراعات، وغالبًا ما تتسع زاوية النظر لمن يروم باعتدال تقييم النتائج والحكم بموجبها على المقدمات؛ فلا تقف عند الحسابات الحسّية الضيقة، بل تتجاوزها إلى آفاق من المعاني التي تحييها المقاومة في الأجيال.

المآلات بين المغارم والمغانم

لا نستبعد أن يقع شيء مما نخشاه، ولو استبعدناه فلن نغير شيئًا من قدر الله، ولو أنّ غَزَّةَ فَنِيَتْ عن آخرها -لا قدر الله- وأُجهضتْ بالتبعيةِ المقاومةُ -لا سمح الله- فلن يقلل ذلك من نصر الله؛ ذلك لأنّ حقيقة الانتصار لا تنحصر في صورة واحدة “الحسم العسكريّ”، فإنّ الثبات إلى الممات نصر يلهم الأجيال، وإنّ دماء الشهداء التي بذلت من أجل تحطيم الأوهام وتكسير الأصنام وإسقاط الأساطير وهدم جدار الخوف والوهن مقدمة أكيدة للنصر الكبير، ومن أراد أن يعرف قدر وحجم ووزن ما حققته المقاومة من إنجاز حقيقيٍّ فليصرف نظره وتقديره إلى قدر وحجم ووزن التغَيُّرات التي أحدثها فِعْلُ المقاومة في نفوس المسلمين والكافرين على السواء. لقد رفعت الأحداث هِمَمَ المسلمين وألهمتهم من المعاني ما فقدوه تحت مطارق الانقلابات والحروب الأهلية، وأرعبت الكفار المعتدين وكشفت تهافتهم وزيف ادعاءاتهم، وأسعدت الكثيرين من المغيبين في العالم بمعرفة الحقّ الذي تتوق إليه نفوسهم، إنّها انتصارات وليست نصرًا واحدًا، ومع ذلك فإنّنا نرجو ما ليس على الله بعزيز.

إنْ قلت إنّ المقاومة في غزة بطوفانها هذا اقتلعتْ الأساطير الإسرائيلية من جذورها، أو قلت إنّها بضرباتها الرشيقة المتتابعة دَقَّتْ مسمارًا في نعش النظام الدوليّ المتهالك، أو قلت إنّ جملة الأحداث -من لدن طوفان الأقصى إلى هذه الأيام الأكثر بشاعة- تمثل صيحة كصوت الحادي أو كنداء المؤذن، سيكون لها سريان في جيل أقعده اليأس كسريان مادة الحياة في الشجرة الجرداء؛ إن قلت شيئًا من ذلك أو تجشمت قول ذلك كله؛ فلن تكون راكبًا عودًا من حطب، ولا ممتشقًا بالزعم سيفًا من قصب، لقد ارتقت المقاومة في جهادها للعدو الصهيونيّ من مستوى تهديد الاستقرار إلى مستوى تهديد الوجود، ومن رتبة العمليات الجزئية إلى رتبة المواجهة الشاملة، ومن استراتيجية الدفع إلى استراتيجية التحرير، ولقد وثبت وثبة عالية بهذا الطوفان، شبت بها عن الطوق، وتجاوزت بها عقدة الحسابات المعقدة.

هل ترحل حماس وتخبو المقاومة؟

إن رحلت حماس -لا قدر الله- فلن تموت المقاومة، لأنّ حماس حركة والمقاومة فكرة، والفكرة ليس من طبيعتها أن تموت، فقد تذهب الحركة تاركة وراءها فكرة محفورة في قلوب الأجيال كالجذوة المتقدة، لا تلبث أن تستعر وتتوهج إذا وجدت من يغذيها ويمدها، ولقد ذهب أصحاب الأخدود فما ماتت فكرتُهم، ولا أثموا إذْ فنوا من أجل أن تحيا الفكرة؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.

القائد الناجح هو الذي يعرف كيف يصنع الوقائع

 القائد الناجح هو الذي يعرف كيف يصنع الوقائع

فرص ذهبية نادرة
  مضر أبو الهيجاء

ضربت إسرائيل دمشق في عقر دارها وأهانتها وهي تعلم عدم قدرتها على الرد، فقد قام بالدور المطلوب بتدمير الشام ابن الحرام بشار الأسد وأكملت المسار أمه طهران لصالح مزيد من النفوذ برعاية الأمريكان!

ما لا يدرك كله لا يترك جله.

من نافلة القول إن دولة سورية الجديدة باتت بلا أظافر، فقد قلمها الجيش الإسرائيلي بطلب أمريكي فور التحرير.

لكن سورية الحرة الجديدة امتلكت العنوان الأخطر والأكثر فاعلية وهو الشعب الذي يملك إرادة حرة، وتتشكل وحدته من ثقافته ومشاعره وعذاباته المشتركة وآماله الواحدة.

إعلان الجبهة الشامية العربية والإسلامية لمناهضة التطبيع مع المحتلين.

لا يجوز الخروج من المشهد السوري الحالي دون نتائج حقيقية عبر صناعة وقائع جديدة تمكن الشعب من التعبير العملي عما لا تستطيع الدولة أن تعبر عنه نتيجة إكراهات السياسة، كما يمكن للشعب أن يحقق ما تعجز عن تحقيقه الحكومة.

الفرص الذهبية نادرة وعابرة!

على قامات السوريين ونخبهم المنتمين وثوارهم الأحرار أن يبدعوا بإطلاق جبهة عريضة تتسع لكل الصادقين وتحشدهم تحت راية سليمة محقة ومعبرة عن واقع الحال، وليس هناك أفضل من جبهة تفتح الطريق والقنوات أمام الشعوب العربية والإسلامية (تركيا) المتحرقة على أرض الشام وتحريرها من الأنجاس.

إن تشكيل الجبهة الشامية العربية والإسلامية لمناهضة التطبيع مع المحتلين، سيشكل رافدا حقيقيا للحكومة السورية، وهو إطار ناجع يرجح الكفة السورية في مواجهة التحديات الخارجية والمحيطة بسورية.

نداء للقادة الأشاوس في أرض الشام لتشكيل جبهة شعبية واسعة لمواجهة التحديات الخارجية وتمتين الوحدة الداخلية تحت شعارات محقة وعادلة وسوية.

فمن سيطلق المبادرة؟

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 16/7/2025

الفاشر تحت النار.. مدينة تختنق وسط تواطؤ العالم

الفاشر تحت النار.. مدينة تختنق وسط تواطؤ العالم

الأربعاء، 30 يوليو 2025

الواقع الجيوسياسي السوري نعمة أم نقمة؟

الواقع الجيوسياسي السوري نعمة أم نقمة؟
د.أحمد الهواس 
كاتب وإعلامي سوري

شكل الموقع الجغرافي لسوريا ومازال دورًا مهمًا في فهم الصراع الدائر على هذه منطقة قديمًا وحديثًا، فضلًا عن دور الشام الحضاري لاسيما في عهد الدولة الأموية وخضوع امبراطوريات سابقة لسلطة دمشق عسكريًا واقتصاديًا. 
وحين نتحدث عن سوريا فإن أول ما يقفز في الذهن بلاد الشام عامة لبنان وفلسطين والاردن وأجزاء في العراق وتركيا والسعودية ، وليس فقط الحدود الجيو-سياسية لكل دولة مما ذكرنا، أي أن التقسيم الفعلي إن صحت التسمية قد طال بلاد الشام، وأثمر عن ذلك ليس نشوء الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة، بل زرع كيان غريب تعهّد الغرب بحمايته وتفوقه ليس على جواره بل على العرب مجتمعين، وهذا يستوجب وجود كيانات حوله تتساند معه وإن ادعت العداء معه!

سوريا من الاضطراب إلى السكون:

تأسست سوريا باسم المملكة العربية السورية في 8 آذار مارس 1920 كما أعلن عن ذلك الملك فيصل وتم احتلالها وإنهاء الملكية من قبل فرنسا في 28 تموز 1920 . 
ورغم تقسيمها إلى دويلات ، ومن ثم إعادة تجميعها في حدود جيوسياسية متغيرة ، حتى استقلالها في 17 نيسان/ أبريل 1946 إلا أنها دخلت في نفق مظلم منذ تنفيذ أول انقلاب عسكري في المنطقة وكان بقيادة حسني الزعيم في 30 آذار/مارس 1949، وما تلاه من انقلابات قوّضت الحياة السياسية وأثّرت على المجتمع والاقتصاد، ومن ثم وحدة فاشلة مع مصر في 22 شباط /فبراير 1958 ثم الانفصال في 28 أيلول1961. 
 والانقلاب البعثي في 8 آذار 1963 ثم انقلاب البعثيين على البعثيين في 22 شباط / فبراير 1966، لينتهي حكم البلاد بانقلاب وزير الدفاع حافظ ألاسد في 16 تشرين الثاني 1970 ،لتنتهي البلاد تحت حكم طائفي، وحاكم متهم بتسليم الجولان للصهاينة وتهجير أهلها في هزيمة 5 حزيران 1967. 
حكم رضي عنه المعسكران الشرقي والغربي، والأهم رضا الجار الصهيوني،الذي خاض معه حربًا تحريكية في 6 تشرين الأول/اكتوبر 1973 ليتعهد بعدها بحماية الحدود وتصفية البندقية الفلسطينية في لبنان.

الثورة السورية وموقف الصهاينة منها :

منذ أن بدأت الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، مع بدأ ثورات الربيع العربي، وقف الصهاينة منها موقفًا مختلفًا عن بقية الثورات العربية، ففي الوقت الذي توجد دولة عميقة في مصر يمكن أن تقود ثورة مضادة فإن واقع الحكم في سوري يقوم على حكم طائفي مستندًا على قوة عسكرية وأمنية تقود المراكز القيادية فيها قيادات علوية، مع تحالفات داخلية تقوم على مبدأ المنفعة وأخرى خارجية كالتحالف مع إيران على أساس طائفي، والتحالف مع إيران يعني حكمًا التحالف مع أذرعها في لبنان والعراق واليمن . 
وهذا يستدعي إما سحق الثورة وإبقاء النظام ، أو سحق الدولة في حال الفشل في إنهاء الثورة ، وتحويلها إلى دولة ضعيفة تسيطر عليها الأقليات ، وبدل أن تكون دولة تحكمها أقلية تنتهي إلى دولة تسيطر عليها الأقليات في كيانات مجتمعية تكون الأطراف فيها أقوى من المركز، ولا تسيطر على حدودها ولا ثرواتها، وحتى يتحقق ذلك كانت عمليات التهجير للكتلة الصلبة ( السنة) مع تغيير ديمغرافي وعقدي قادته إيران ، وقد كان الصهاينة منذ البداية هم أصحاب الكلمة الأعلى في بقاء النظام والتغطية على جرائمه ، فقد كتب المحلل الصهيوني الشهير ألوف بن في بداية الثورة السورية محذرًا من التغيير الذي قد يطرأ في سورية، ورد رامي مخلوف مختصرًا الوضع مخاطبًا إسرائيل: أمنكم من أمننا. 
وقد رفعت لافتات في إسرائيل تصف بشار الأسد بأنه ملك ملوك بني إسرائيل، وقد نقلت صحيفة التايم البريطانية في 30 أيار مايو 2012 ، إسرائيل تقول :
الأسد يجب أن يبقى.

وقد اتضح فيما بعد أن كل التدخلات التي جرت في سوريا لمقاتلة الثورة السورية، تمت برضا إسرائيل وذلك من خلال الصمت أو الموافقة الأمريكية، فقد ذكر( بن رودس) نائب مستشار الأمن القومي زمن أوباما، في كتابه العالم كما هو : أن أوباما كان معجبًا بإيران محتقرًا للعرب وكان يهمه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولم تكن الثورة السورية في اهتمامه. 
وكذلك كان التدخل الروسي حيث بطلب من نتياهو، بعد أن تقهقر النظام السوري ومن معه في مواجهة الثورة السورية، فقد نشر الكاتب الصهيوني مقالا في يديعوت احرونت في ال 17 ، من أيلول 2015 ، قبيل الغزو الروسي بأسبوعين ألون بن دافيد : 
"لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا ، بل يسافر كي ينسق فقط" ولا يختلف الموقف الأمريكي في الموافقة على ذلك، فقد ذكر أندرو أكسوم في شهادته أمام الكونجرس الأمريكي أن أمريكا سمحت لروسيا بالدخول لسوريا ودعم نظام بشار الأسد ، بعد أن وصل المتمردون-حسب وصفه- إلى مسافة قريبة من قصر المهاجرين ، وأن بشار الأسد كافح طويلًا من أجل بقاء الدولة الوطنية العلمانية التي بنيناها في المنطقة !

السقوط المفاجئ والموقف الصهيوني :

كانت كل المعطيات، تشير إلى أن النظام السوري باق، فقد تم له بمساعدة حلفائه استعادة كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الثوار ، وبقيت منطقة إدلب واقصى الشمال الشرقي ، بيد الثوار، في حين يسيطر تنظيم البي كاكا الإرهابي، المتخفي باسم قسد بدعم أمريكي وغربي على مناطق الثروة السورية ، وهو لايشكل تهديدًا للنظام فقد نشأ على عينه وتعاون معه منذ بداية الثورة السورية ، وأصبح خوف السوريين على المناطق المحررة ، فقد تمت إعادة تأهيل بشار الأسد عربيًا، وثمة دول عربية تسعى لإعادة تأهيله دوليًا، وبدا أنه المنتصر على المؤامرة الكونية كما كان يصف الثورة ، بل يجهز نفسه لأبعد من ذلك باستعادة مناطق المحرر السوري، وليس معنيًا بالطلب التركي للقاء معه.. 
لكن ثمة تغييرات في المنطقة والعالم ،كانت تفت في عضد النظام الطائفي وحلفائه، فقد غرقت روسيا في حرب أوكرانيا وتلقت هزائم متكررة ، ما دعاها لسحب جل طائراتها من قاعدة حميم ، ولم يبق لديها ما يمكن أن يشكل خطرًا حقيقيًا على الثوار السوريين ، كذلك حزب الله الذي فقد خيرة مقاتليه في عملية البيجر، ومن ثم الضربات الساحقة التي تلقاها من إسرائيل ، وهي الغارقة في حرب غزة وتبحث عن نصر معنوي . 
ظروف كثيرة لعبت دورًا مهمًا في استغلال الثوار السوريين لتلك الظروف، مع حنق تركي من أسلوب بشار الأسد في الرد على دعوة الرئيس التركي للقاء به . 
لقد أدى الانتصار الساحق للثورة السورية في اطلاقها عملية ردع العدوان، واسقاط النظام في 8 كانون الأول 2024 إلى صدمة ليست في المحيط العربي فحسب بل إلى زلزال حقيقي عند قادة الكيان الصهيوني، لذلك سارع الكيان إلى تدمير السلاح النوعي السوري حتى لا يقع بيد الثوار ويشكل خطرا عليها . 
ولم تكتف بهذا بل استمرت غاراتها بشكل شبه يومي بتدمير المقرات العسكرية، ووصل الأمر بها إلى تدمير مراكز مدنية، والتقدم في جنوب سوريا ، مع محاولة واقع جديد بعد أن أعلنت تخليها عن اتفاقية فك الاشتباك الموقع مع الجانب السوري عام 1974 . وجد الصهاينة أنفسهم في مواجهة جار يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية قدمت أكثر من مليون شهيد، وملايين المهجرين وبلد مدمر، مع رغبة عارمة ببناء بلد مستقر مزدهر، هذا الأمر يتنافى مع الإستراتيجية الصهيونية في أن يكون دول الجوار إما أنها تملك جيوشًا تقوم بحماية الحدود ، أو مناطق عازلة تحت قيادة عملاء تابعين لها، لذلك فقد أغرت الأقليات بعدم التعاون مع النظام الجديد، وأنها ستكون حامية للدروز والأكراد، ودعت لتعاون وثيق بين العلويين والدروز والأكراد ، وهددت بالتدخل العسكري في حال فكرت الدولة السورية ببسط نفوذها على السويداء، ولهذا كان دور الهجري ومجلسه العسكري في العمل على استفزاز الدولة السورية وعدم التعاون معها بدعم اسرائيلي واضح ، وهذا يعني أن غياب الدولة العميقة التي قضت عليها الثورة يستوجب التنسيق مع الأقليات ولاسيما الجيب الانفصالي الكردي والجيب الدرزي، وما الأحداث الأخيرة إلا دليلا على أن الصهاينة ماضون في صناعة قوس درزي يكون فاصلا بينهم وبين نظام دمشق .


زيارة لمجتمع الغربة القسرية!