الأحد، 14 ديسمبر 2025

الصليبيون الجدد (6)

  الصليبيون الجدد (6)

فاتن فاروق عبد المنعم

لقاء الشرق والغرب:
في أكثر من صورة، قد يكون ناعما مثل إقامة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والفنية، وقد يكون خشنا على غرار الحروب الصليبية التي توقفت من جانبنا فقط بينما هم حافظوا على ديمومتها حتى هذه اللحظة بكل الصور والأشكال، أما التلاقي الناعم فكان بعد انتهاء الحروب الصليبية الأولى مباشرة، ذلك أنها لم تحقق المرجو منها مما جعلتهم آلوا على أنفسهم أن يتوازى التلاقي الناعم والخشن على حد سواء ويصبح صعودهما طرديا ويخدم الآخر بصورة ما، فلا يخفت أواره أبدا لاحتواء الإسلام نفسه أكثر من المسلمين، لأن المسلمين بشر أغيار سهل اختراقهم من ثغور شتى أهملوها ولا أعني هنا الثغور المادية فقط وإنما الثغور الدينية والثقافية والفكرية والعلمية والتربوية، فالمعضلة الحقيقية بالنسبة إليهم هي الإسلام نفسه، ويتضح ذلك مع قدوم نابليون وعساكره إلى بلادنا الذين قادوا حملات استكشاف وتنقيب ممنهج وعادوا إلى بلادهم وبدأوا بدراسة الشرق الإسلامي، وعكفوا على الإسلام تصنيف وتبويب كي يصلوا إلى ما هو مقبول لهم وما هو ممنوع علينا لأنه خطر عليهم، بمعنى إعادة تصدير الإسلام إلينا بالشكل الذي يريدونه ويصبح مقبولا لديهم تجنبا لقيادة العالم مرة أخرى، إسلام مقلم الأظافر، وكل من لا يقبل بالإسلام الذي أعادوا تصديره إلينا يصنف إرهابيا وهذا ما جعلهم يأتوا إلى غزة، تلك البقعة الصغيرة جدا الفقيرة في كل شيء إلا من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فعينوا على غزة حاكم دولي هو توني بلير ودبجوا الخطط والمواثيق التي بها يعيدونها إلى النظام العالمي فلا تكون بذرة لخروج المارد مرة أخرى، واستيعاب التجربة الوليدة قبل أن تصبح البذرة شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وحتى لا ليبلغوا المرحلة التي فيها يعيدون نفس الجملة التي قيلت وقتما قطع العرب البترول عن الغرب عام 1973 وهي:

“يبدو أن العرب يريدون وضع أيديهم على العالم”

وترى كارين أن هذا الخوف غير مبرر من قبلهم لأن المسلمين لم يكن ينتوون مواصلة الزحف إلى أوروبا لفتحها لأنهم كانوا يرونها مكانا كريها والأوروبيين سكانا بدائيين متخلفين لا يختلفون كثيرا عن زنوج أفريقيا الهمج.

والحق أنني لم أقرأ ما ذكرته عن نظرة المسلمين للأوروبيين إلا في مؤلفها هي، وأخالفها الرأي في عدم نيتهم مواصلة الزحف إلى أوروبا لفتحها لأن أفسق الفساق في المسلمين في ذلك الزمان كان يحمل هم الدعوة التي ينبغي أن تصل إلى كل إنسان.

هي بذلك خلصت إلى فكرة نمت ولم تمت لدى الغرب بعامة مفادها أن بالإسلام فقط فتح المسلمون الأمم شرقها وغربها وهذه مبعث خوفهم الدفين من الإسلام لذا سيظل الغرب حريص على إحكام قبضته على الدول الإسلامية بعامة وتمسكهم ببقاء الكيان المحتل لفلسطين لأن هذا ليس إلا صراع وجود بالنسبة إليهم، لذا فإن المقاومة في غزة تحدي سافر وآثم بالنسبة إليهم سيبذلون قصارى جهدهم حتى تموت الفكرة في القلوب، والقرآن يرد عليهم:

(إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون) 36 الأنفال

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) التوبة


الأنفاق….. قبور:
أنفاق مجازا ولكنها في الحقيقة ليست إلا قبور، إنها الموت المختار كي يهبهم ربهم الحياة، الخروج من عباءة النظام العالمي، نظام الشيطان، يحررون أنفسهم أولا كي يكونوا جديرين بالقيادة، خلق فضاء آخر موازي في باطن الأرض، قرأت عنها كثيرا ولكن أبرزهم كان نفقا بعمق ثلاثين مترا وبطول ثمانية كيلومترات، تحت عين عدو لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة بأقمارهم الصناعية وعملائهم داخل غزة نفسها ومسيراتهم وأجهزة استخباراتهم التي نعلمها والتي لا نعلمها، دون لوادر أو أية معدات حديثة ولك أن تتخيل حفر هذا النفق بأدوات بدائية، كم يكون شاقا مجهدا، إنه النصر الذي يكون حليف الصبر.

وهذا لا يصدر إلا من نفوس سليمة إيمانيا وعقديا، كي يثبتوا على المبدأ ويتحدوا قوى الاستكبار العالمي في إصرار على تحرير أرضهم بالجهاد الذي يخافه الغرب.

أبلغ رد…. إثبات بالتجربة:
وبعد أن أسهبت كارين في الحديث عن مخاوف الغرب من عودة المسلمين إلى الجهاد واعتبار هذا الفكر يهدد وجودهم، وأسهبت بنقس القدر وربما أكثر عن ما جذب شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للإسلام أكثر من شعوب أوروبا، فقالت:

“غير أن الشعوب التي غزتها الجيوش الإسلامية كان لها رأي مغاير تمام فيما يخص الجهاد فلم تعتبر الفتوحات الإسلامية كارثة، بل العكس تماما هو الصحيح، كانت تلك الفتوحات بداية مرحلة جديدة ومثيرة في تاريخها، قد يتراءى هذا غريبا لنا في القرن العشرين، إذا لو قامت دولة أجنبية بغزو بلادنا لانتابنا الذعر طبعا، لكن علينا أن نتذكر أن شعوب القرن السابع لم تكن تفكر في بلادها كما نفكر نحن اليوم، لقد بقيت شعوب الشرق الأوسط تتبع امبراطورية واسعة الأرجاء، واحدة تلو الأخرى على مدى ألف عام، ولم تكن لديها أية تطلعات للاستقلال الوطني، والانتصارات الإسلامية لم تعن لها شيء سوى استبدالها قوة عالمية بعيدة بأخرى، فيما كان مسيحيو شمال أفريقيا ولمدة طويلة من الزمن جزء من الإمبراطورية الرومانية وإن كان سادتهم الجدد أصحاب دين مختلف إلا أن كثيرين منهم وجدوا الإسلام دينا شديد الجاذبية”

وإضافة لما ذكرت كارين فإن المسلمين الفاتحين كانوا إذا دخلوا بلدا فإنهم لا يفرضون على الناس الإسلام ولا حتى كثقافة وافدة متغلبة، وإنما يتركون أهل البلد بدينهم ولغتهم وأطعمتهم ولباسهم وطقوسهم الحياتية ويتخذون أماكن بعيدة عنهم يبنون بيوتا ومساجد تخصهم، وكانوا يطلبون منهم الجزية مقابل الحماية العسكرية وعدم التعاون مع عدو صائل، وهذا ما حدث مع ميراث الفرس والروم والبيزنطيين لذا دخل الناس في دين الله أفواجا، ولا عزاء لكل كذاب أشر يقبض من خلف الأبواب وأسفل الموائد يتقيأ علينا ليطمس الحقيقة.

الحصـــــــــــاد:
قبل الحديث عن حصاد المقاومة في غزة بعد عامين من العمل الدؤوب تحملوا خلالها المشاق، فلابد من التذكير بأن الفلسطينيين مجتمع مثل أي مجتمع، متباين ومتفاوت في كل شيء، يتراوحون ما بين الضعف والقوة في الإيمان ونظرتهم لما تعانيه بلدهم، منهم من تركها مرغم وذاب في المجتمعات الأخرى، ومنهم من يرى وجوب الاستسلام للأمر الواقع، ولكن السواد الأعظم منهم متمسكون ببلدهم، وطبعا الكيان الغاصب لفلسطين ينشر بينهم كل أنواع الموبقات من المخدرات بأنواعها وبأرخص الأثمان والأمراض التي يبثونها في الماء والهواء والغذاء، وبالطبع سيتهاوى الضعفاء، ولكن هذا لا ينفي ولا يطمس ما فعلته بهم المقاومة وما أحدثوه من رضوض نفسية أصابتهم في العمق ولكن إعلام الرايات الحمر لن يذكر لك ذلك.

وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) النساء


وإليك حصاد رجال المقاومة الذين لم يهنوا في ابتغاء عدوهم، ومن إعلام العدو نفسه:

من 25% إلى 30% من الإسرائيليين يستعدون لمغادرة فلسطين نهائيا بلا عودة، وخلال العامين المنصرمين غادر 840 ألف يهودي فلسطين إلى البرتغال واليونان على وجه الخصوص بصورة نهائية ويقفون طوابير للحصول على الجنسية الجديدة.

لديهم حوالي من 30 إلى 40 ألف من المصابين بإصابات خطيرة من جراء الحرب على غزة، و20 ألف بترت بعض أعضائهم، وأكثر من مائة ألف مصابين إصابات نفسية من جراء الصدمة التي حدثت لهم بعد المواجهة مع رجال المقاومة ليكتشفوا حقيقة جيشهم الذي لا يهزم!

هناك 2500 قيد الاعتقال لأنهم هربوا من الخدمة بالجيش.

سلفان آدمز ملياردير يهودي كندي من أشد الداعمين ماليا وسياسيا للكيان الغاصب لفلسطين يقول إنه يهدف لنقل مليون مهاجر إلى فلسطين للحفاظ على التوازن الديموغرافي للسكان ويريد تسكينهم على حدود غزة ويراه أمر مهم ويقول نصا أننا نريد أن نقول للعالم أننا هنا باقون، والهند هي من الدول المرشحة لاستدعاء مهاجرين منها إلى فلسطين كي يحافظوا على ديمومة كيانهم، مثلما حدث من قبل من استدعاء يهود سوفييت لإنقاذ دولتهم المخلقة.

وهو من قاد حملة لجمع تبرعات بقيمة 100 مليون دولار لإعادة بناء مستشفى سوروكا التي دمرها الإيرانيون، فقط عرضت إحصائية عامة لكن في التفاصيل ما يصيبنا بالانبهار.

وللحديث بقية إن شاء الله


الصليبيون الجدد (5)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق