الصليبيون الجدد (3)
فضل الإسلام على العرب:
معلوم بالضرورة أن العرب قبل الإسلام كانوا قبائل متفرقة متناحرة يعبدون الأوثان وينظر إليهم المسيحيون واليهود نظرة دونية، فهم أتباع شرائع سماوية والعرب يعبدون حجارة يصنعونها بأيديهم، وبالقرب منهم تخوم الإمبراطورية الفارسية والامبراطورية الرومانية، بثقلهما الحضاري والنوعي وروافدهما المنداحة شرقا وغربا، بينما العرب مفككون اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، كل قبيلة قائمة بذاتها تدير شئونها بنفسها ولا يوجد رابط قوي يجعل منهم كيان متماسمك تام الأركان إلى أن جاء الإسلام فحول هذه الدوائر المغلقة على نفسها إلى كيان واحد بنسيج واحد ومنهج إلهي تام الأحكام يلتفون حوله ليصبحوا في غضون سنوات قليلة كتلة متضامة وبناء سامق يرتفع ولا يهيض، فكان الإسلام بالنسبة إليهم كقضيب صف أوله وآخره بيد الله كي يسيروا عليه فلا يضلوا ولا يشقوا، وسريعا به ورثوا الإمبراطوريتين خلال سنوات قلائل ، فلما حادوا عنه ضلوا وشقوا فعادوا شرذمة متناحرة كما كانوا من قبل، وبتحليل معملي فإنهم عادوا إلى الجاهلية الأولى فحظوا مرة أخرى بالنظرة الدونية من كل الأمم، وعادوا تابعين لغيرهم ولا يملكون من أمرهم شيئا يجوسون في مختلف أنواع الأوحال، بل ووسموهم بكل ما يسوءهم.
ثم تتحدث كارين عن الظروف التي نشأ فيها الإسلام وعن التشرذم والانحطاط على كل المستويات الذي كان يعانيه العرب فتجد وصفها دقيق لكل ما نعانيه الآن، بعد أن تم سحب الإسلام من بين أيدينا بهدوء وفي صمت ونحن لأولياء الشيطان مستجيبون فجافينا معظم ما أمرنا الله به وكأننا عدنا إلى الجاهلية الأولى دون إدراك أو تقصد، ثم تصف هي ظهور الإسلام بأنه كان الحل الأمثل لتلك الأمة المشتتة والذي وضعهم على الطريق كي يرثوا الفرس والروم، بالإسلام وليس بغيره
حيث تقول:
“كان تقاسم الموارد ضرورة لبقاء القبيلة، وكان ينتظر من الأغنياء أن يكونوا كرماء تجاه الفقراء، وإنما يفوز زعيم القبيلة بالسلطة بفضل كرمه وسخائه، غير أن مثل هذا الكرم لابد من أن يتصف بالاحتراس والحصافة، لأن قحطا أو مجاعة كان يمكن أن ترد الغني إلى الفقر ما بين ليلة وضحاها، ومن الذي سيتكارم عليه إن هو تنكر للغير؟ غير أن العرب في المدن الموسرة الجديدة كانوا يفتقدون هذا الشعور بالمسئولية، ويتخذون أنماط عيش غريبة عنهم تليق بالنخبة، كان يبدو كما لو أن أسلوب الحياة العربية القديم في طريقه إلى الزوال، وأن الأغنياء يعزلون أنفسهم عن الفقراء، وفي الوقت الذي كان فيه النسيج الاجتماعي يتمزق، كانت الحجاز مسرحا لحروب قبلية لا شفاء منها على ما يبدو، يحارب فيها العربي أخاه العربي، وكان معنى ذلك تعذر اتحاد العرب في وجه جيرانهم الأقوياء، الفرس والبيزنطيين، واستغلال هاتين القوتين العظميين لهم مرارا وتكرارا، فإذا أريد لهم أن ينتفعوا بثروتهم المستجدة وألا يقعوا في التبعية الذليلة للآخرين، فلابد لهم من أن يجدوا سبيلا إلى أخذ مصيرهم بأيديهم، وأن يعيدوا الحياة إلى القيم الأصلية للمجتمع العربي ويدخلوا حلبة التاريخ عن جدارة واستحقاق، وهم إذا كانوا قد تمكنوا من فعل ذلك، فإن الفضل كل الفضل يعود إلى محمد، مؤسس الدين الإسلامي، الذي صنع للعرب ما قد صنعه موسى لبني إسرائيل”
مع ملاحظة أنها تطلق على كل نبي مؤسس للدين نظرا لغلبة أسلوب البحث العلمي عليها.
حواري الشيطان:
هل تظنون أن هرولة قوى الاستكبار العالمي وحواري الشيطان الذين جاءوا لفيفا إلى الكيان الغاصب لفلسطين من أجل حكم غزة فقط؟! بثلة مختارة من حواريهم، هل مازلتم تظنون أن المشكلة “غزة”؟
لا، هم الآن يحيطون بدولتهم المخلقة والتي اصطنعوها على أعينهم، يدافعون عن نظامهم العالمي بعد أن تأكد لهم أنه مازالت طائفة من أمتنا ظاهرين على الحق لا يهمهم من خذلهم ولا من ينعتهم بالإرهاب، تلك الزمرة، المقاومة المختارة من اثنين مليار من المسلمين، وهم الأقل في كل شيء بكل المقاييس، مقاييسنا، ولكنهم بمقاييس الله جلا وعلا صفوتنا، تربوا في الأنفاق بعيدا عن منظومة الشيطان التي نحيا داخلها جبرا وقهرا، يعيشون على القرآن وبالقرآن التي أثنت على تعاليمه كارين أيما ثناء، ثلة تحدت الشيطان وحواريه، ثلة انتصرت على ترسانتهم الجبارة ومازالوا صامدين رغم القتل والحرق والسحل والتشريد والتجويع والإمراض والتهديد المستمر.
قوى الاستكبار العالمي جاءت لتذكرنا بأنهم ربنا الأعلى وأنهم لم يعلموا ربا لنا سواهم، وأن علينا الاصطفاف معهم للقضاء على أولئك المارقين الذين حادوا عن القضيب الذي رسموه لنا (منذ أن حل نابليون ببلادنا والذي بشر بنظامهم الذين ابتنوه على عين الشيطان) وليكونوا عبرة لنا فلا نركن إليهم ولا نحذوا حذوهم وإلا سيطالنا ما طالهم، فلا تذهل عندما ترى المتساقطين من بني جلدتنا والذين يخشون أن تصيبهم الدائرة، والمرجفون في المدينة من المنافقين الذين ينافحون عن حواري الشيطان فأخذوا يشيعون فينا الهزيمة بأننا مهزومون حتما وأننا ما انتصرنا عليهم أبدا وأننا واهمون ولا قبل لنا بقوتهم وتفوقهم.
عن الإسلام الذي اجتمعوا على مجابهته تقول كارين:
“إن ما جعل الإسلام دينا قويا ناجحا هو أنه واقعي وعملي، فالقرآن يحض المسلمين باستمرار على بذل كل جهد بشري ممكن في سبيل القضية، وقد وعدهم الله بأنه سيمدهم بعونه، إلا أنه لن يفعل ذلك ما لم يعملوا جاهدين على إنقاذ أنفسهم، فهو لن ينقذهم بمعجزة منه، وهذه المقاربة الواقعية التي أرسيت منذ البداية، هي السمة المميزة للإسلام التي تجعله (وآمل أن أنجح في تبيان ذلك) شديد الاختلاف في روحه عن كل من اليهودية والمسيحية اللتين لا يستبعد فيهما دائما حدوث معجزات”
بذلك تكون كارين أوجزت لماذا اجتمعت قوى الاستكبار العالمي على غزة، لأنهم عادوا إلى سيرة المسلمين الأوائل، إلى البذر الأول لهذا الدين، إلى الإسلام بنقائه وبساطته التي تنسجم مع الفطرة، والشيطان لا يبدع في آدائه، وكما في البدء عند نزول الوحي تجمع أساطين الكفر لمناهضة الدين الجديد الذي يشمل حياة الفرد والمجتمع من المهد إلى اللحد، فإنهم يتجمعون على تلك الفرقة المستضعفة في غزة التي اصطفاها الله من اثنين مليار من المسلمين ليبعثوا الإسلام الذي استبعد جبرا إلا من طقوس وشكل خادع، كي يخلصوا العالم من ظلم حواري الشيطان، إنها الحرب الدينية، صراع الحق والباطل منذ هبوط آدم وإبليس على الأرض.
ثم قالت لتوضح مبدأ القتال عند المسلمين والذي بسببه ينعتوا بالإرهاب فقالت:
“لقد اضطهد المكيون المسلمين، وهاهم الآن يطاردونهم في عقر منفاهم، وما لم يقاتل المهتدون الطغاة والطواغيت، فإن مكارم الأخلاق سوف تختفي تماما من على وجه الأرض، واستشهدت بالآية
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) 40 الحج
الشيطان لا يقترب من خرب، اصطفاف العبوس يابس الوجه ترامب وصبيه نتنياهو، وتوني بلير وحوارييهم في العالم للوقوف في وجه غزة التي حازت على جولة من جولات النصر لهو رسالة قوية اللهجة، تصريح فج بتضعضع نظامهم، بانهيار بنيانهم الذي بني على شفا جرف هار، وإن لم نر رماده، ولكن رائحة احتراق القلوب بلغتنا.
وبكل فجر وصلف وتبجح، ما لم يحققوه على مدار عامين يريدون أن يأخذوه جبرا وقسرا فيأمرون المقاومة بتسليم أسلحتهم كي يميلوا عليهم ميلة واحدة ومعهم من أصيبوا بالعمه فحجبت عنهم الحقيقة.
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾[ النساء: 102]
وللحديث بقية إن شاء الله


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق