الصليبيون الجدد (5)
فاتن فاروق عبد المنعم
تفنيد وتأطير:
توقفت كارين أمام المحطات المهمة ودورها المؤثر والفعال في حياة المسلمين، مثل الهجرة إلى المدينة التي كانت بمثابة نواة الدولة الإسلامية، ولأول مرة يعرف العرب الدولة بمعناها الشامل، فالإسلام قد أذاب الفواصل والنعرات القبلية وأناخ القوانين الحاكمة لكل قبيلة بشكل منفصل عن غيرها وكأن كل منها يمثل جيتو مستقل، هذا الانصهار العقدي جعلهم يعلون الدين الجديد كهوية مشتركة حققت لهم ما لم يجدث من قبل، ألا وهي الدولة، وهي خطوة كان لها ما بعدها، فالأساس السليم منحهم إكمال البناء المحكم رغم علو كعب أساطين الكفر من حولهم وسطوة قريش فمنحهم الله غزوة بدر والتي بها تحقق موعود الله لهم بالفوز على أعدائهم رغم اتساع الهوة لصالح قريش مما أعطاهم الثقة بأنفسهم وجعلهم ينطلقون في فتوحات أشبه بالسحر وكما قالت كارين:
“أنه لم تمر مائة سنة حتى كانت الإمبراطورية الإسلامية تمتد من جبال الهمالايا شرقا إلى مضيق جبل طارق غربا، وكان جنود المسلمين يحضون على القتال برحمة كما يوصي القرآن، ولكن ماذا حل بإدانة القرآن للحرب العدوانية؟ تبريرا لهذا الخرق الصارخ لمباديء محمد، بدأ المسلمون يضعون ما يسمى فقه الجهاد ومؤداه أنه مادام هناك إله واحد فلابد أن تكون هناك دولة واحدة في العالم تخضع للدين الحق، فمن واجب الدولة الإسلامية (دار الإسلام) أن تغزو بقية العالم غير المسلم (دار الحرب) بحيث يمكن للعالم حينئذ أن يعكس الوحدة الإلهية”
وخصت الجهاد بشرح خاص وأن المسلمين ألتزموه لفترة من الزمن حتى ثبت الأمر وأصبح لهم رقعة من الأرض تخصهم كما الأمم الأخرى وأنهم لو إلتزموا فقه الجهاد الداعي لغزو الأرض كي يتحقق لهم الدولة التي تؤمن بالدين التوحيدي الخالص والتي تبسط يدها على العالم كله لأصبح الإسلام دينا عسكريا ليبراليا.
ولنا هنا وقفة:
لم يخترع المسلمون الجهاد من بنات أفكارهم وإنما بنصوص قرآنية منزلة بوحي إلهي
فقد ذكر الجهاد بأنواعه في القرآن في ست وعشرين آية، أما تخصيص باب في الفقه يسمى بفقه الجهاد، فكان من حرص الفقهاء على حياة الفرد والمجتمع بإفراد كل شئونهم في أبواب محددة مثل فقه الصلاة، فقه الزكاة، فقه الصوم، فقه الزواج، فقه المرأة…………، وهذا من شأنه التنظيم والتبويب الذي ينظم حياة المسلمين فلا لبس ولا ضبابية تصيب العقول، وللجهاد أسبابه ومسبباته التي بها يجب إلتزامه، أما تقسيم البلاد إلى دار الإسلام ودار الحرب أو الكفر، فهذا ليس به إساءة لأحد، بدليل أن البابا الداعي للحروب الصليبية نعتنا بالكفار، والطبيعي والمنطقي أنني كافرة بما لديك وأنت الكافر بما لدي، وهذه التسمية لا إساءة فيها ولا عيب لأي طرف.
والجهاد الذي يراه كل سقيم القلب سبة في وجه المسلمين هو الذي أتى بقوى الاستكبار العالمي لاحتوائه في غزة، خوفا من انفراط عقد نظامهم العالمي، ورحم الله أبي عبيدة الذي قال “وإنه لجهاد، نصر أو استشهاد” وقد صدق ماوعد الله، لذا من يظن أن المجاهدين سيسلمون سلاحهم فهو واهم، هؤلاء لا يقيمون الليل مع مومس فاضلة عبر الفضاء الأزرق تمهيدا للقائها بما يليق بها في مراحيض عامة (أكثر من سيدة اشتكت لي من زوجها وعلاقاته عبر الفيس بوك)
الارتباط العضوي بين الشرائع الثلاث:
هو ما تريد أن تثبته كارين ومن ثم تدمغ نظرتها للشرائع الثلاثة بأنها في جوهرها تدعو لعبادة الله الواحد، فذكرت الحج كشعيرة دينية لدى المسلمين تشي بالعودة إلى الأصل، إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم فجعل الله من الحج ركن أصيل من أركان الإسلام.
أما حادثة الإسراء والمعراج فقد رأتها ارتباط بين القدس والتي هي المدينة المقدسة الثالثة للمسلمين بعد مكة والمدينة، وهي أيضا المدينة المقدسة للمسيحين واليهود وبذلك فإن الارتباط العضوي بين أتباع الشرائع الثلاثة يظل قائم لا ينفك رغم الاختلاف الظاهري ورغم الصراع القائم حول فلسطين، فقد ربطت بين الإسلام والمسيحية واليهودية كونها “أديان توحيدية” تدعو لعبادة الله الواحد الأحد، وهي تريد أن تصل إلى نتيجة مفادها أن الأرض المقدسة بفلسطين من حق أتباع الشرائع الثلاثة.
ولنا هنا وقفة:
لا يوجد ثلاث أديان وإنما دين واحد، الرب واحد أحد، ونتيجة بديهية الدين واحد
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران
كل الأنبياء مسلمون لا يدينون بغير الإسلام، والشرائع الأخرى الأصلية المنزلة لا اختلاف بينها وبين ما جاء في القرآن، لولا ما طالها من تحريف، هي الفكرة التي تدندن حولها كارين وإن شابها بعض التشويش نظرا لخلفيتها المسيحية، فهي تريد أخبارنا بأن أصحاب الشرائع الثلاثة لهم حق قائم ودائم في فلسطين ولا يجوز أن ينكر أحدا ذلك، وأرى أنها في ذلك تخاطب من ينكر هذا الحق من اليهود والمسيحين لأنها ذكرت غير ذي مرة بأن المدينة المقدسة لم تنعم بالسلام إلا تحت الحكم الإسلامي.
ثم أثنت على حكم المسلمين في الأندلس وأنه كان حكم علمانيا بصبغة إسلامية، وتراه النموذج الحداثي المقبول لدى الغرب بعامة، ولكنه الله الواحد الأحد، وقد قبل المسلمون بالعمل الدائم بحق لا إله الله وميثاقها الغليظ فلما فرطوا في الميثاق كانت عقوبتهم الطرد المبرح من الأندلس، وبذلك تكون هي نفسها من أقامت الحجة والدليل البين على أن السقوط يلحق بالمسلمين إذا حادوا عن المنهج الإلهي.
قول فصل من كارين في الإجابة الشافية عما يحدث لبلاد المسلمين بعامة من خطوب يشيب لها الولدان:
“وإذا كان المسلمون قد نسوا الجهاد، فإن المسيحيين وجدوا صعوبة في نسيانه، فقد وقف العالم المسيحي يتابع بدهشة هذا الدين الجديد وهو يكتسح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فاتحا أقطارا مسيحية جبارة بسهولة فائقة حملت الناس على التساؤل عما إذا كان الله إلى جانب هؤلاء الكفار (المسلمون) وكان مما يهدد الهوية المسيحية إلى حد بعيد، رؤية هذا الدين الفتي المفعم بالحيوية والنشاط، الزاعم أنه قد نسخ المسيحية وأبطلها، يعمل تغييرا وتبديلا في الخريطة، ويستوعب المسيحيين ضمن امبراطوريته، وبقى الجهاد بعبعا في الغرب لعدة قرون، فعندما أغار سلطان الأندلس عبد الرحمن، مثلا على جنوب فرنسا عام 732م هزمه شارل مارتل في معركة بواتيه، ونظر بعدئذ إلى تلك الحادثة على أنها نقطة تحول في تاريخ العالم”
أثنى جيبون (مؤرخ انجليزي) على هذا الانتصار وعده أنقذهم من توغل الإسلام في أوروبا بينما جوستاف لوبون، ورينيه، وزغريد هونكة كادوا أن يبكوا على أوراقهم بسبب هزيمة المسلمين في هذه المعركة التي أخرت أوروبا مائة عام كما قالوا.
غصة في الحلوق….وسيظل:
ومن الإبحار في مؤلف كارين إلى الطابور الخامس في بلادنا.
الإسلام، غصة في حلوق المنافقين والطابور الخامس، وأشباه وأرباع المثقفين المهزومين الذين أكل على رؤوسهم وشرب المستشرقين والمفكريين الغربين، أولئك الذين يكرهون الإسلام وتابعيه ويحبون ويجلون كل ما دونهم، والله رأيت هذا عيانا بعيني كثيرا جدا.
في حسابي الخاص بالفيسبوك عندي كاتب قصة قصيرة كتب منشور يقول فيه صراحة أنا لا أحب سوى المسيحيين، ولو كنت مكان الله لأفنيت المسلمين جميعا وردت عليه شاعرة وأنا مثلك لا أحب سوى المسيحيين، والاثنان بأسماء إسلامية، مثل حسن، وعبد الله، وعندي آخر ملحد يقول في منشور
“أنا ذاهب لأشرب الحشيش مع اللورد الكبير فوق” يقصد بهذا الله.
والأمثلة كثيرة عصية على الحصر، والكيمت عباد رع وماعت، مثل هؤلاء استغلوا حدث المتحف الكبير ليضعوا الإسلام مقابل الفرعونية على نهج المستشرقين الأول، من يركن للإسلام هو جاهل وظلامي وعدو الحداثة، ومن يركن إلى الفرعونية هو حداثي وتقدمي وتنويري وليس له مثيل، حرب الهوية يمارسها الأوغاد دون وجل ويظن الأفسال والهمل السقط أنهم من الممكن أن ينالوا من هذا الدين، والحقيقة أن الله جل وعلا في كل زمان ومكان لا يذر المؤمنين على ماهم عليه حتى لا يصدأوا فتموت الدعوة إليه.
مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) آل عمران
فالدين لن يموت وإنما نحن المتضررون، إما أن يستخدمنا فننجو أو يستبدلنا عياذا بالله، بمعنى أن الله يجري علينا تحديث كما نفعل نحن للكمبيوتر ولله المثل الأعلى، والتحديث الإلهي واجب ونافذ للتخلص من الهيش والتالف والموقوذة والمنخنقة والنطيحة والمتردية، تنقية لصف المؤمنين ليميز الله الخبيث من الطيب ونرى بأم أعيننا سيل المنافقين والمرتدين بوضوح وجلاء.
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) البقرة
وللحديث بقية إن شاء الله


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق