السبت، 11 أكتوبر 2025

الصهيونية والنازية حلفاء أم أعداء؟!

 الصهيونية والنازية حلفاء أم أعداء؟!

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية 

النازية كانت من أشد الموجات الإرهابية التي اجتاحت العالم في النصف الأول من القرن العشرين، وربما في التاريخ برمته. لقد خلفت ملايين الضحايا وارتكبت جرائم مروعة في قارات العالم الست، مستهدفة مختلف القوميات والجنسيات والأديان والأوطان.

يزعم اليهود أنهم كانوا أول ضحايا النازية على وجه الأرض، مدعين أن هتلر قتل منهم ستة ملايين إنسان وأحرق جثثهم دون أي جرم ارتكبوه أو ذنب اقترفوه سوى أنهم يهود. 

ويؤكدون أن الظلم الذي لحق بهم والجرم الذي أصابهم لم تشهده أمة أخرى في التاريخ، وأن العالم وقف صامتًا متفرجًا على النازيين وهم يذبحونهم ويبيدونهم ويستأصلون وجودهم. 

وبناءً على ذلك، يرون ضرورة إقامة دولة لهم تحمي كيانهم وتدافع عن حقوقهم وتصون مقدساتهم، فاختاروا فلسطين مكانًا لهذه الدولة، واغتصبوا أرضها وقتلوا أهلها ودمروا ديارها وخربوا عمرانها، زاعمين كذبًا وزورًا أنها أرض أجدادهم.

وهذا المقال يهدف إلى توضيح النقاط التالية:

هل الصهيونية هي اليهودية؟

ادعاء الاضطهاد.

تحالف الصهيونية والنازية.

دور الصهيونية في الإبادة التي لحقت باليهود على يد النازية.

أولاً: هل الصهيونية هي اليهودية؟

يدعي الصهاينة أنهم يمثلون اليهود في مختلف أنحاء العالم، وهو ادعاء يناقضه الواقع. فالصهيونية حركة سياسية تهدف إلى إنشاء دولة لليهود في أي مكان في العالم، وقد اختارت فلسطين لتحقيق هذا الهدف. يؤكد اليهود أنفسهم أن الصهيونية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة منهم على مستوى العالم. ففي الديانة اليهودية جماعات عديدة وجماهير واسعة لا تؤيد الصهيونية وتعترض على مسارها الفكري وواقعها الإجرامي وتاريخها الذي يشوبه الكثير.

ثانياً: ادعاء الاضطهاد:

يتقن الصهاينة أساليب التباكي ويدعون أن النازية والفاشية ارتكبتا بحقهم أفظع الأعمال وأذاقتهما أشد العذاب ونكلتا بهما أقسى تنكيل. وهم يمتلكون وسائل إعلامية قادرة على تحويل الكذب إلى صدق والخرافة إلى حقيقة والوهم إلى واقع، وينشرون هذه الأكاذيب في جميع أنحاء العالم. 

وقد أثمر هذا التباكي بالفعل قرار الأمم المتحدة بتخصيص يوم السابع والعشرين من يناير من كل عام لإحياء ذكرى المحرقة التي تعرض لها اليهود على يد النازيين. ومن المثير للعجب أن يستغل الصهاينة ادعاء الاضطهاد والتنكيل الذي لحق بهم على يد النازية لإقناع العالم بتبرير التنكيل بالشعب الفلسطيني واحتلال أرضه واغتصاب مقدساته وقتل أبنائه وتدمير ممتلكاته. 

إن ما يفعله الصهاينة بفلسطين هو أقبح وأشنع من أي إرهاب تعرض له اليهود.

ثالثاً: تحالف الصهيونية والنازية:

قد يبدو هذا الكلام غريبًا، بل عجيبًا، لكن الحقائق التاريخية تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الصهيونية كانت حليفة للنازية وشقيقتها وذراعها الأيمن في كل أعمال الإرهاب والإجرام والاضطهاد التي نزلت باليهود في ألمانيا خصوصًا وأوروبا عمومًا في بداية العقد الرابع من القرن العشرين. 

يقول الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه “الصهيونية العالمية” في الصفحة الحادية والسبعين:

«هل يخطر على بال أحد أن هجرة اليهود من ألمانيا كانت باتفاق مع هتلر؟ وأن حركة الاضطهاد كانت تنظم بعلم من الدعاة الصهيونيين في القارة الأوروبية؟ هل يخطر على بال أحد أن الصهيونية كان لها مكتب معترف به في برلين، وأنها كانت على اتصال دائم بـ”الجستابو” عن طريق هذا المكتب وفروعه في البلاد الألمانية؟ 

نعم، كان لها مكتب معلوم في العمارة رقم (10) من شارع “مين كستراس” يديره اثنان أحدهما يدعى “بينو” والآخر يدعى “يار جلعاد”، وكلاهما من أعضاء الحركة البارزين في أنحاء القارة الأوروبية، وكان هذا المكتب ينظم الهجرة الصهيونية سرًا إلى فلسطين في الوقت الذي تثور فيه الثائرة على “الجستابو” وفظائعه المسلطة على اليهود. 

ولما أعلن الجنرال مورجان بعد هزيمة ألمانيا أنه لم ير أحدًا من اليهود المهاجرين في حالة سيئة، وأنهم جميعًا يهاجرون ووجوههم مشرقة وجيوبهم منتفخة بالأموال، هبت عليه الأقلام المأجورة من أنحاء العالم تتهمه بالنازية والتواطؤ مع الأعداء، وتلح على حكومته بوجوب تجريده من ألقابه ومن كسوته العسكرية جزاءً له على كشف المستور».

لكن بالرغم من ذلك، يبدو الأمر غريبًا وغير منطقي، إذ كيف يُزعم بتورط الصهيونية اليهودية في إبادة اليهود، بينما تزعم الصهيونية أن هدفها الوحيد هو حماية اليهود وتأمين مصالحهم، بل واغتصاب وطن لهم؟

هنا يحق للجميع أن يسأل: ما سبب هذا التحالف بين الصهيونية (الضحية) وبين النازية (الإرهابية)؟ وما مدى صدق هذا الادعاء؟

لن نجيب على هذا السؤال من تلقاء أنفسنا، ولن نتحدث عن سبب تحالف الصهيونية مع النازية إلا بكلام الصهيونية نفسها، وسندع الصهاينة أنفسهم يعترفون بجريمتهم وبتحالفهم مع النازي الإرهابي، وقد عقدوا في ذلك عدة اتفاقات من أشهرها اتفاقية “الهعفراه”.

فما هي اتفاقية “الهعفراه”؟

هي اتفاقية تم توقيعها بين الوكالة اليهودية الصهيونية من جانب وألمانيا النازية من الجانب الآخر، وذلك في الخامس والعشرين من أغسطس عام 1933م، بعد وصول هتلر إلى الحكم بسبعة أشهر تقريبًا، ويطلق عليها اتفاقية التهجير أو اتفاقية النقل.

وقد نصت الاتفاقية على تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين والسماح لهم بتحويل رؤوس أموالهم إلى فلسطين على شكل بضائع ألمانية. 

وفي المقابل، التزمت الوكالة اليهودية الصهيونية بمنع تطبيق أي مقاطعة يهودية عالمية للبضائع الألمانية وتحسين سمعة الحكم النازي في المجتمع الدولي ونفي ما نُسب إليه من اضطهاد. ولكن النازية كانت ترمي إلى هدف آخر لم تنص عليه الاتفاقية، وهو تخليص وتطهير ألمانيا من اليهود و«شرورهم» و«نجاستهم» في كل مجالات الحياة.

التزم الطرفان بالاتفاقية، لكنها لم تحقق لهما ما كانا يطمحان إليه من هجرة يهودية واسعة إلى فلسطين. فلجأت النازية إلى اضطهاد اليهود وإيذائهم وترهيبهم وإرهابهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين. والغريب أن هذا الإجرام والإرهاب الذي نزل باليهود من قبل النازية كان بمعرفة الصهيونية وتواطئها، بل وأحيانًا بمشاركتها، للوصول إلى هدفها المنشود وحلمها البعيد وهو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

تسعى إسرائيل بكل السبل وبمختلف الطرق لإنكار اتفاقية الهعفراه (النقل أو التهجير). وحين ظهرت الاتفاقية وعرفتها الإنسانية، بذل الاحتلال قصارى جهده لطمس حقيقتها وتشويه معالمها وتزوير بنودها كي يبدو دائمًا في صورة الضحية ولكي يستمروا في ابتزاز ألمانيا وإجبارها على دفع تعويضات مالية ضخمة. 

ففي عام 1952م، تم إجبار ألمانيا على دفع ملياري دولار للكيان الصهيوني المحتل، وهو مبلغ هائل جدًا في ذلك التوقيت، بل وتدفع ألمانيا معاشًا شهريًا لكل اليهود الذين ثبت تعرضهم للملاحقة النازية بين عامي 1933 و1945م.

الإرهاب الصهيوني في حق اليهود:

لم تكتف المنظمة الصهيونية بالسكوت على الإرهاب النازي في اضطهاد اليهود وإرهابهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، بل قامت بهذا الفعل بنفسها. 

وهذا ما أكده الكاتب الأمريكي توماس سواريز في كتابه «دولة الإرهاب، كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب» حين قال: 

«إن المنظمة الصهيونية بدأت باستهداف اليهود أنفسهم بهدف تدمير مجتمعاتهم المحلية وتدمير أي ملاذات آمنة يلجأون إليها، بل وصل الأمر إلى اختطاف الأطفال اليهود ومضاعفة معاناة اليهود المهجرين في أوروبا بسبب حرب النازيين عليهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين».

فمن نجح من اليهود في الفرار من الإرهاب النازي الرهيب، لاحقته أيدي الإرهاب الصهيوني الأشد رهبة وفزعًا ورعبًا من النازية والفاشية وكل ما عرفته الإنسانية من أعمال إرهابية وجرائم وحشية.

وفي موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: 

«ولكن ثمة أشكالًا أخرى من التعاون الواعي بين النازية والصهيونية، فهناك دلائل تشير إلى أن “الجستابو” وفرق الصاعقة ساعدت في تهريب المستوطنين الصهاينة إلى فلسطين… 

وتوجد حالات محددة تعاون فيها الصهاينة مع النازيين في عمليات نقل اليهود وإبادتهم، كما توجد منظمة صهيونية ذات طابع نازي وهي عصبة الأشداء».

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى مع أدلة أقوى على تحالف الصهيونية مع النازية ضد الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق