(ما يفعلُ أعدائي بي، جَنَّتِي وبستاني في صدري، سجني خلوَة، وقتلي شهادة، وإخراجي من أرضي سياحة).
إنه «شيخ الإسلام» المُفترَى عليه، وحُجّة الزمان، وأمير الفقهاء.. “ابن تيميّة”
الفقيهُ المُـفـتَـرَى عليه
– ما عرفَ التاريخُ البشريُ كله فقيهًا أثار الدنيا وزلزل أفكارها حـيًا وميّتا، إلا “ابن تيميَّة”
– وما عرفت الدنيا فقيها ظُلِمَ حيًا وميّتا، إلا “ابن تيمية”
– وما عرفَ التاريخُ البشريُ – بعد الأنبياء – رجلا كُتبت فيه آلاف الكتب، إلا “ابن تيمية”
– وما عرفَ التاريخُ رجلا، يُكـفّـرهُ الشيعة، ويتطاولُ عليه الصوفية، ويحاربهُ شيوخ السلطان والمداخِلة، ويرتعش من ذِكر اسمه، أعداء الإسلام ، إلا “ابن تيمية”
– وما عرفَ تاريخُ البشرِ على الأرض، رجلا، صدرت مئات الكتب تحذّر الناس منه إلا “ابن تيمية”….
– وإذا أردت أن تعرف تصنيف أي إنسان، فقط.. اُذكر اسم “ابن تيمية” وأنت تتحدث معه:
فإذا تغـيّر لون وجهه وارتعشت أطرافه؛ فهو قبوري.
وإذا تركك وانصرف فجأة؛ فهو مدخلي.
وإذا احمرّت عينه واكفهرَّ وجهه وتحول إلى شيطان؛ فهو من منافقي السلاطين.
وإذا فغرَ فاه، وأطال التحديق فيك باشمئزاز، فهو علماني.
الفقيهُ المثير للجدل
– كانت خلافات ابن تيمية خلافاتٍ عميقة، تمسّ صميم العقيدة قبل فروعها؛ في قضايا التوحيد، والأسماء والصفات، كما امتدت إلى المنهج في النظر إلى التصوف وحدود التكفير،
لماذا يكرهون ابن تيمية؟!
– كان ابن تيمية يقدّم مبدأ الولاء والبراء بوصفه أصلًا حاكمًا في فهم الدين والانتماء إليه، ويرى “الإرجاء” خطرًا داهمًا أفرغ الإيمان من معناه العملي وآثاره السلوكية، ولهذا لم يكن حضوره في التاريخ هادئًا ولا عابرًا، بل ظلّ اسمًا إشكاليًا بامتياز؛ ففريق رآه مجدّدًا أعاد للدين صفاءه الأول، وفريق آخر عدّه متشدّدًا أو خارجًا عن ما استقرّ عليه الفهم العقدي السائد.
ابن تيمية
– (تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني) 661-728هـ/1263-1328م
فقيه الفقهاء، وفارس الدعاة، وشيخ الإسلام “ابن تيمية”
– وُلِدَ في مدينة حَران (حَرَّان أو حَارَان مدينة سورية قديمة، تقع الآن داخل تركيا)، في 10 ربيع الأول سنة 661هـ – 22 يناير 1263م…وعند بلوغه السابعة من عمره في سنة 667 هـ، انتقل مع عائلته من مسقط رأسه “حران” إلى مدينة دمشق بسوريا وذلك بعد إغارة المغول عليها… وكلمة “تَيْمِية” نسبة إلى والدة جده، وكانت داعية وواعظة معروفة، فاشتهرت العائلة كلها بها.. “عائلة تيمية”
– نشأ “ابن تيمية” في دمشق نشأة علمية، تتبع المذهب الحنبلي، وبدأ اهتمامه بالدراسة والعِلم منذ صغره، فأخذ عن أكثر من مائتي شيخ، وتعلّم الخط والحساب وحفظ القرآن الكريم في صغره، وأتقن عددًا من العلوم، منها التفسير والحديث والفقه والعربية وغيرها من العلوم، وأجاد ثلاث لغات غير اللغة العربية، وهي العِبرية والتركية واللاتينية.
– شرعَ “ابن تيمية” في الإفتاء والتأليف وهو في سن السابعة عشرة من عمره، أي سنة 677هـ، وبدأ في التدريس وهو في الحادية والعشرين من عمره في سنة 681 هـ … وانتقل للتدريس بالجامع الأموي في 10 صفر 691 هـ وكان يبلغ من العمر ثلاثين سنة، واستمر فيه سنين طويلة…
صُوفية مصر يطاردون “ابن تيمية”
– كان “ابن تيمية” قويًا، حادًا، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولذا بدأت معاركه مبكرًا مع المنافقين والأمراء، وانتقل إلى مصر سنة 705هـ ، ولأن شهرته تسبقه، فقد تم سجنه فور وصوله مصر، واستمر في محبسه حتى 707هـ، وعندما خرج، تعالت أصوات الصوفية في مصر تطالب بطرده، وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهًا إلى دمشق، حتى لحق به وفدٌ من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس،
ولكنه خرج بعد عدة شهور، وعاد إلى دروسه، وزحف أهل مصر من كل مكانٍ إلى دروس “ابن تيمية” ينهلون من علمه، ولكن صوفية مصر واصلوا تآمرهم عليه والوشاية به عند السلطان، بسبب تحريمه الصلاة في المساجد التي بها قبور، وسخريته من أصحاب البدَع من القبوريين، فتم نفيه في سنة 709هـ، من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، لكن لم يدم الأمر طويلًا لهم، فبعد سبعة أشهر عاد السلطان “الناصر قلاوون” إلى الحُكم واستتب له الأمر، وكان معروفا بعدائه لخزعبلات بعض الطرائق الصوفية الذين يسيطرون على الشارع المصري، وطلب من “ابن تيمية” العودة للقاهرة..، وعاد “شيخُ الإسلام” وعاش بين المصريين، ورأى العجب، فقال كلمته الشهيرة:
(وَمَا يُخَافُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ إلَّا مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ)
وقد وصل التعصب الصوفي مداه في حادثة قتل القبوري “الظاهر بيبرس”، للجهادي “سيف الدين قطز”، فقد كان “بيبرس” قبوريًا متعصبًا يمقت أهل السنة والسلف، ولم يندحر التعصب الصوفي إلا مع تولّي السلطان قلاوون لحكم مصر.. والطرائق الصوفية في مصر ليست كلها في خندق واحد، فمنهم الضال المُضل كغلاة القبوريين والشيعة الذين يستترون في قوالب الصوفية (بعد تولّي صلاح الدين الأيوبي حُكم مصر، خاف شيعة مصر، وادّعوا التصوف، وما زالوا للآن يعيشون على مبدأ التَّقِيَّة.. والتقية هي أن تُظهر عكس ما تُبطن)..
لكن الصوفية فيها أيضا: الصوفية السُّنيّة، والصوفية الجهادية، وهما على النقيض تماما من الفكر القبوري.. فالصوفية السُّنيّة ذات منهج إسلامي رائق ومعتدل، يقوم على الزهد والورع.. والصوفية الجهادية شائعة ومنتشرة خارج الخريطة العربية.
فتاوى الجهاد
– كانت الفترة الملتهبة التي جاء فيها “ابن تيمية” هي السبب الرئيس في الفتاوى الجهادية، فقد كانت الحالة السياسية في عصر “ابن تيمية” مضطربة متفككة، والبلدان الإسلامية تحولت إلى عدة دويلات وممالك صغيرة، واستطاع الفرِنجَة إعادة بعض ممتلكاتهم، لكن الحدث الأخطر والطامة الكبرى، هي المغول .. فقد وُلد “ابن تيمية” بعد سقوط بغداد بـ 5 سنوات، وبعد دخول المغول إلى مدينتي حلب ودمشق بـثلاث سنوات، وعندما كان عمره 7 سنوات، شن المغول حملة على مسقط رأسه مدينة حَرَّان، ورأى بعينه المذابح والدمار، وفرار أسرته إلى مدينة دمشق
– عاش “ابن تيمية” في فترة من أسوأ فترات بلاد الإسلام: سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا ودينيا (انتشار خزعبلات القبوريين والشيعة الذين يستترون بعباءة التصوف ويُمالِئون الأعداء)..
وامتلأت الحياة الاجتماعية للمسلمين في ذلك العصر بالفساد، وأدت غارات المغول والصليبيين إلى فقدان الأمن، واضطراب النظام وانتشار الفزع والخوف بين السكان المسلمين، وأدى هذا إلى نقص الأموال والزراعة نتيجة لعدم اهتمام الناس بها والعمل، مما أدى إلى كساد الحالة الاقتصادية، وانتشار الفقر والغلاء، واحتكار السلع لبيعها بأثمان باهظة.
مؤلفات “ابن تيمية”
قال الحافظ البزار (ت – 749هـ) رحمه الله:
(وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبًا أحد؛ لأنها كثيرة جدًا، كبارًا وصغارًا، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت – 795هـ) رحمه الله:
(وأما تصانيفه – رحمه الله – فهي أشهر من أن تُذكر، وأعرف من أن تُنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن لأحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها، ولا ذكرها) .
حروب “ابن تيمية”
– كان شيخ الإسلام “ابن تيمية” يحارب على جميع الجبهات بضراوة واقتدار، ولم يستطع أحدٌ إلى يومنا هذا أن يردّ عليه بالحُجة والدليل القرآني،
فقد ردَّ على الفلاسفة في كتابه الشهير “درء تعارض العقل والنقل”
وردَّ على الصوفية بكتاب “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان”..
بالإضافة إلى ردّه على الماديين والعلمانيين والملاحدة والنصارى واليهود، والسلاطين..
– كما رَدَّ على الشيعة في كتاب رائع شهير اسمه: “منهاج السُّنة النبوية”، فنَّدَ فيه كل كلام الشيعة وتخاريفهم بأسلوب عقلاني مُدهش.
– وكانت وما زالت حًججه القوية الفاعلة المُدهشة، هي سبب عداء كل هؤلاء لشيخ الإسلام “ابن تيمية”.. فجميعهم (الملاحدة والعلمانيون والقبوريون والشيعة والفلاسفة والمنافقون.. إلخ) لم يجدوا حتى اليوم ما يردون به حججه وبراهينه، واكتفوا بتحذير أتباعهم من البسطاء والعامة من قراءة كتب “ابن تيمية” بزعم أنَّها قد تزيغ بهم عن طريق الصواب!!!
وفاة “ابن تيمية”
مات بعد 20 يوما من سجنه بقلعة دمشق، في ليلة يوم الإثنين لـ20 من ذي القعدة سنة 728هـ – 25 سبتمبر 1328م
فخرجت دمشق كلها في جنازته، وارتفع نحيب وتهليل الرجال، وصراخ النساء من فوق (سطوح المنازل).. فقد كان يوما مشهودا لم تشهده دمشق في تاريخها كله.
الفريضة الغائبة
– لم تكن حروب فارس الدعاة والفقهاء “ابن تيمية” ضد الشيعة والملاحدة والقبوريين واليهود والنصارى والسلاطين، هي سبب محنته وملاحقته وسجنه في دمشق ومصر، ومطاردة كتبه حتى اليوم،
لا .. ولكن لإحيائه الفريضة الغائبة: فريضة الجهاد
فقد كان يردد حديث النبي صلى الله عليه وسلم [ما ترك قومٌ الجهاد إلا عمّهم الله بالعذاب]
وهو ما قاله صاحب الظلال: (ما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب اللهُ عليها الذلّ، فدفعت مرغمةً صاغرةً أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء)
أهم أقوال ابن تيمية:
1- “مَن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه”
2- “إن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأُنس بالله”
3- “العجب من ذي عقلٍ سليم يستوحي مَن هو ميت، ويستغيث به، ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت”
4- “ما يصنع أعدائي بي؟ جنتي وبستاني في صدري، إن رُحتُ فهي معي لا تُفارقني، إن حبسي خَلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”
5- “المؤمن إذا كانت له نيّة أتت على عامة أفعاله، وكانت المباحات من صالح أعماله لصلاح قلبه ونيّته”
6- “ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين”
7- “درجة الحِلم والصبر على الأذى، والعفو عن الظلم، أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام”
8- “إنّ اللهَ يقيمُ الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيمُ الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة”
9- “الأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة.”.
10- “ندمتُ على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن”
11- “مَن أدام التسبيح انفرجت أساريره، ومَن أدام الحمد تتابعت عليه الخيرات، ومَن أدام الاستغفار فُتحَت له المغاليق”
12- “المعصية تورث الذل، فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى”
13- “سعادة العبد أن يفعل المأمور، ويترك المحظور، ويسلم للمقدور”
14- “لو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة”
15- “تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
16-” ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر”
17- “الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا رُدّوا إلى عقولهم، فلكل واحدٍ منهم عقل”
18- “الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة”
19- “أعظم الكرامة لزوم الاستقامة”
20- “الهجر الجميل: هجر بلا أذى، والصفح الجميل: صفح بلا عتاب، والصبر الجميل: صبر بلا شكوى”
21- “مَن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية”
22- “الدنيا أمرها حقير، وكبيرها صغير، وغاية أمرها يعود إلى الرياسة والمال”
23- “إنّ لله جنة في الدنيا من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وهي “جنة القلوب”
24- “لا يأمن الدنيا إلا جاهل أو عاصٍ”
25- “أطيب ما في الدنيا معرفة الله، وأطيب ما في الآخرة النظر إليه سبحانه”
26- “قيمة كل امرئٍ ما يطلب”
27- “مَن أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته؛ بُليَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته”
28- “نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل”
29- “ما أخذه اللهُ لحكمة، وما أبقاه لرحمة، ولن يضيع المؤمن بين حكمة ربه ورحمته”
30- “القلوب آنية الله في أرضه، فأحبه إليه أرقها، وأصلبها، وأصفاها”
31- “لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة، يتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر بها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته”
32- “ما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله”
33- “الرضا.. باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وبستان العارفين”
– لقد رحل أحد عباقرة الفكر الإنساني، وأحد أكثر دعاة الإسلام تأثيرًا، لكن بقيت أفكاره وكتبه حتى اليوم تزلزل كراسي الطغاة، وأقلام وأفواه الكُتاب المنافقين ودعاة السلاطين،..
– لم يكن ابن تيمية حادثةً عابرة في سجلّ التاريخ، ولا فقيهًا من أولئك الذين تُطوَى أسماؤهم بانقضاء عصورهم، بل كان زلزالًا مستمرًّا؛ كلما ظنّ خصومه أن الغبار قد هدأ، عاد اسمه فاهتزّت به المنابر، وارتبكت الأقلام، وانكشفت الوجوه.
– مات الجسد في سجنٍ ضيّق، لكن الفكرة خرجت أوسع من السجون، وأعلى من الأسوار، وأقسى على الطغاة من السيوف.
– الغريب أن خصومِه لم يختلفوا يومًا على عداوته، وإن اختلفت عناوينهم: سلطانٌ يخشى كلمة حق.
وقبوريٌّ يضيقُ بالنَّص. وفيلسوفٌ لا يحتمل ميزان الوحي.
وعلمانيٌّ يرتعد من مرجعيةٍ لا يملك إخضاعها.
اجتمعوا جميعًا على رجلٍ واحد، فكان اجتماعهم عليه أعظم شهادةٍ له، لا عليه.
– لم يكن ابن تيمية معنِيًّا بأن يكسب محبة الناس، بقدر ما كان مشغولًا بإرضاءِ الله؛ ومن هذا الاختيار الصارم بدأت رحلته مع الصدام، فقد قال كلمته ومَضَى، وما زال اسمه، بعد سبعة قرون، معيارًا كاشفًا: يفضح الزيف، ويُحرج المدّعين، ويُربك المتكئين على موائد السلاطين.
– ذلك هو سرّ ابن تيمية:
أنك لا تستطيع تجاوزه، ولا تحييده، ولا دفنه في الهامش،
إمّا أن تواجهه بعلمٍ يوازي علمه، أو تصرخ في الظلام محذّرًا من كتبه.
– رحل شيخ الإسلام، لكن المعركة التي خاضها لم تنتهِ، لأن الأسئلة التي طرحها لا تزال حيّة، ولأن الباطل ما زال يحتاج، في كل عصر، إلى من يهزّ عرشه بكلمة حق.
وَقْفة
– المذاهب الفقهية الأربعة ليست نصوصًا منزلة ولا كتبًا سماوية، وإنما هي مدارس اجتهادية كبرى، نتاج عقول فقهاء عظام بذلوا وسعهم في فِهم النَّص واستنباط الحُكم، يُؤخذ من أقوالهم ويُردّ، شأنهم في ذلك شأن كل مجتهد..
وفي هذا السياق يبرز ابن تيمية فقيهًا مجتهدًا ذا شخصية علمية مستقلة، لم يكن أسيرًا للتقليد، ولا خارجًا عن منهج الاستدلال، فخالف المذاهب الأربعة أحيانًا في مسائل محددة، معتمدًا على الدليل، ومدافعًا عن اجتهاده بسند شرعي يراه راجحًا، لا بدافع المخالفة ولا طلبًا للشهرة.
– دفعَ ابن تيمية ثمن هذه الاستقلالية العلمية باهظًا؛ فسُجن مرات عديدة بسبب آرائه الفقهية والعقدية التي خالفت رأي الجمهور، لا سيما في قضايا الطلاق المعلّق، وزيارة القبور، ومسائل الصفات الإلهية والعرش، فضلًا عن مواقفه السياسية الحادة، وكان صراعه مع بعض خصومه من المتصوفة وعدد من الفقهاء، إلى جانب توتر علاقته بالسلطات، سببًا رئيسًا في مِحَنِهِ المتتابعة، حتى كانت وفاته في سجن قلعة دمشق إثر فتوى تتعلق بزيارة القبور.
– مع تقادم الزمن، كشفت الأيام أن كثيرًا من فتاواه التي أُثير حولها الجدل لم تكن شذوذًا ولا خروجًا عن روح الشريعة، بل اجتهادات جريئة سبق بها عصره، وأثبت الواقع العلمي لاحقًا وجاهة معظمها.
الخلاصة:
ابنُ تَيْمِيةَ لَيسَ نَبيًّا، فَهوَ بَشرٌ يُخطِئُ وَيُصِيب..
لكن عندما تجد أهل الباطل: (الحُكام والشيعة والمشركين والعلمانيين والقبوريين والملاحدة والمنافقين والإعلاميين… إلخ) يقفون جميعًا صفًا واحدًا ضد “ابن تيمية”؛ فاعلم أن شيخ الإسلام “ابن تيمية” على الحق، وعلى الطريق المستقيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق