تصنيف الإخوان هدية أمريكية للمتطرفين…
المقال الممنوع
د. خليل العناني
يمثل القرار التنفيذي للرئيس دونالد ترامب بشأن إمكانية تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين خطأ فادحا وستكون له تداعيات كارثية على مصالح الولايات المتحدة، وتهديدا للاستقرار الإقليمي والعالمي.
القرار الذي صدر في ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥ يكلف كلا من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بعد التشاور مع المدعي العام بام بوندي ومدير الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بتقديم تقرير مشترك إلى الرئيس خلال مدة ثلاثين يوما حول إمكانية تعيين أي فروع أو أقسام لجماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك تلك الموجودة في لبنان والأردن ومصر، كمنظمات إرهابية أجنبية أو كإرهابيين عالميين مُصنّفين بشكل خاص.
هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها إدارة ترامب إلى تصنيف جماعة الإخوان كحركة إرهابية، فقد كانت هناك محاولات عديدة خلال العقد الماضي سواء من إدارة ترامب الأولى أو بعض أعضاء الكونجرس مثل السيناتور تيد كروز لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية ولكنها لم تنجح بسبب عدم واقعية الأمر، وبسبب وجود خبراء ومسؤولين أمريكيين عقلاء يعرفون أن الإخوان ليست جماعة إرهابية وأن قرار كهذا قد يكون له تداعيات وخيمة على مصالح الولايات المتحدة. أما هذه المرة، ومع فصل إدارة ترامب للعديد من الخبراء والمسؤولين العقلانيين فلا يوجد ما يمنع من تمرير القرار.
قانونيا، فإن قرار تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية قرار معيب ويتنافى مع القانون الأمريكي لسنة ١٩٩٦ الخاص بمكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام الفعّالة (AEDPA) والذي يخول وزارة الخارجية الأمريكية صلاحية تصنيف أي حركة كمنظمة إرهابية إذا توافرت فيها ثلاثة شروط وهي: أن تكون الجماعة أجنبية، وأن تمارس “نشاطًا إرهابيًا من خلال استخدام العنف ضد المدنيين، وأن تمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي أو لمواطني الولايات المتحدة.
على الأقل فإن شرطين من هذه الشروط لا ينطبقان على جماعة “الإخوان المسلمين”.
فالبنسبة للشرطين الأخيرين فلا توجد أدلة حقيقية حول انخراط جماعة “الإخوان المسلمين” بشكل عام وخاصة في مصر أو الأردن أو لبنان في أية أنشطة إرهابية ضد المدنيين.
كما أن أيا منها لا يمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي أو للمصالح الأمريكية. بل على العكس من ذلك، جماعة الإخوان، وللمفارقة، تتهم من قبل أنصار الديكتاتوريات العربية أنها حليف للولايات المتحدة وتخدم أجندتها في المنطقة العربية.
ومؤخرا ذهب إعلامي مصري شهير أبعد من ذلك حين ادعى بأن رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو “المرشد العام” وقائد جماعة الإخوان المسلمين.
—————————-
وإذا أخذنا الحالة المصرية على سبيل المثال، فجماعة الإخوان المسلمين هي جماعة إصلاحية معتدلة ظهرت منذ قرن تقريبا، وتركز أجندتها على الإصلاح السياسي والاجتماعي والأخلاقي عبر استراتيجية تدريجية سلمية. ولم تمارس الجماعة العنف قط منذ عودتها للحياة السياسية أوائل السبعينات من القرن الماضي وذلك بعد عقدين من الاضطهاد والقمع تحت حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وعلى مدار ثلاثة عقود من السبعينات وحتى العقد الأول من الألفية الجديدة كانت الجماعة فاعلاً مهماً في الحياة السياسية والاجتماعية بمصر سواء عبر التنافس السياسي في الانتخابات البرلمانية والمحلية وكذلك على مستوى النقابات المهنية والعمالية أو من خلال النشاط الخيري عبر تقديم خدمات اجتماعية في مجالات التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي … إلخ.
بل الأكثر من ذلك فقد لعب الإخوان دوراً مهماً في التصدي للجماعات الراديكالية والعنيفة التي ظهرت في مصر خلال الثمانينات والتسعينات وأبرزها الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.
والأكثر أهمية أن الجماعة نجحت في إبعاد آلاف الشباب المصريين والعرب عن الانخراط في النشاطات الإرهابية أو العنيفة.
وكثيرا ما اتهمتها الجماعات العنيفة كالقاعدة وداعش بأنها حركة خانعة وتعمل لصالح الأنظمة العربية.
وبعد سقوط مبارك في ٢٠١١ لعبت جماعة الإخوان دوراً مهما في مرحلة ما بعد مبارك حيث فاز مرشحيها بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية ووصل مرشحها الرئيس الراحل محمد مرسي للرئاسة باعتباره أول رئيس ديمقراطي منتخب في تاريخ مصر.
وفي ٣ يوليو ٢٠١٣ تم الاطاحة بالرئيس مرسي في انقلاب راح ضحيته الآلاف الذين تم قتلهم بدم بارد في مذبحة رابعة العدوية وغيرها من المذابح. وتم الزج بعشرات الآلاف من مؤيدي الإخوان في السجون والمعتقلات، وأغلقت مؤسساتهم الاجتماعية، وتمت مصادرة ممتلكات أفرادهم والاستيلاء عليها بشكل غير قانوني، فضلاً عن الاف الاعضاء الذين فروا خارج البلاد خوفا من القمع والاضطهاد.
وكان لافتا أنه ورغم القمع الشديد الذي تعرضت له جماعة الإخوان في مرحلة ما بعد مرسي وعلى مدار أكثر من عقد، أن تمسكت قيادة الجماعة بنهجها السلمي، ولم تلجأ لاستخدام العنف ردا على إرهاب الدولة.
وقد لام بعض شبابها قياداتهم بسبب سلميتهم.
ورغم الدعم الأمريكي للإطاحة بمرسي وتبني واشنطن للنظام الذي تلى، فلم تشكل الجماعة أي تهديد الأمن القومي الأمريكي ولا المصالح الأمريكية. الأكثر من ذلك أن الإخوان لم يعد لهم وجود حقيقي في مصر بعد اعتقال واضطهاد قياداتها وأعضائها والاستيلاء على مؤسساتهم وأموالهم وهروب آخرين للمنفى.
أما اللافت في قرار الرئيس ترامب الخاص بالنظر في تصنيف إخوان مصر كمنظمة إرهابية هو تبرير القرار بتصريح منسوب إلى إحدى قيادات الإخوان في مصر بعد 7 أكتوبر 2023 دعا فيه – حسب زعم ترامب- إلى شن هجمات عنيفة ضد شركاء الولايات المتحدة ومصالحها. فمن جهة أولى غير معروف من هو هذا القيادي الإخواني الذي أدلى بهذا التصريح وفي أي سياق. ومن جهة ثانية، إذا افترضنا صحة ادعاء إدارة ترامب، فالتصنيف يجب أن يكون على “الأنشطة” والأفعال الحقيقية وليس على مجرد الكلام والتصريحات.
——————————
وفيما يخص إخوان الأردن، فبالرغم أن الجماعة تم حظرها في إبريل الماضي بسبب قضايا مفبركة، فإنها لم تصنف كجماعة إرهابية في الأردن على عكس الحالة في مصر. بل الأكثر من ذلك فإن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للإخوان، لم يتم حظره في الأردن حتى الآن، وقد حصل مرشحيه على أكبر نسبة مقاعد في الانتخابات البرلمانية التي عقدت العام الماضي. أما الادعاء بأن قيادات الإخوان في الأردن “قدمت دعماً مادياً للجناح العسكري لحركة حماس منذ وقت طويل” حسبما جاء في القرار التنفيذي لترامب، فهو ادعاء واهي ولا توجد عليه أية أدلة موثقة. ولو أن الأمر كذلك فلماذا لم يتم تصنيف إخوان الأردن كمنظمة إرهابية منذ ذلك الزمن الطويل؟
وفيما يخص الجماعة الإسلامية في لبنان، فالحكومة اللبنانية لم تحظر الجماعة ولم تصنفها كجماعة إرهابية. كما أن للجماعة تمثيل في مجلس النواب اللبناني.
——————————-
إذا كانت الشروط الأمريكية لا تنطبق على تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، يصبح السؤال إذا: لماذا أقدمت إدارة ترامب على ذلك؟
القرار يخدم أجندة سياسية لأطراف عديدة
أولها الجناح اليميني المتطرف داخل إدارة ترامب الذي يبدو أن لديه مشكلة مع الإسلام وليس فقط الجماعات الإسلامية.
ترامب نفسه يربط بين الإسلام والتطرف ويعتقد أنه في مواجهة مع ما يسميه “الإسلام الراديكالي”.
كذلك يعد مستشار ترامب لشؤون مكافحة الإرهاب “سباستيان غوركا”، والذي لديه ارتباطات وثيقة بجماعات نازية وفاشية في أوروبا، من أكبر المحرضين على الإسلام والمسلمين، ودوما ما يربط جماعة الإخوان المسلمين بالقاعدة وداعش، ولا يستبعد أن يكون له دور كبير في تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية. كذلك تلعب الناشطة اليمينية المتطرفة “لورا لومر” التي تكره الإسلام والمسلمين دورا مهما في هذا التصنيف.
الطرف الثاني المستفيد من التصنيف هو الأنظمة السلطوية العربية خاصة التي ضغطت خلال السنوات الماضية من أجل تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية في أمريكا. وهي نفس الأنظمة التي قادت الثورة المضادة ضد الربيع العربي وأجهضت حلم الديمقراطية. هذه الأنظمة تعاني من غياب الشرعية السياسية ولذلك تخشى من القوة الشعبية للإخوان باعتبارهم منافس سياسي وتنظيمي قوي. ولذلك ليس مفاجئا أنها دعمت الانقلاب على ثورة يناير والإطاحة بالرئيس مرسي في ٢٠١٣. لذلك ترامب يكافئ هؤلاء الديكتاتورين بغض النظر عن الأمن القومي الأمريكي أو المصالح الأمريكية.
الطرف الثالث المستفيد من قرار تصنيف الإخوان منظمة إرهابية هو إسرائيل التي تعتبر الإسلاميين خطر وجودي عليها بسبب شعبيتهم الهائلة بين المجتمعات العربية ورفضهم الإجرام الإسرائيلي في فلسطين.
الطرف الرابع المستفيد هو الجماعات والمنظمات الصهيونية في أمريكا مثل الإيباك والتي حرضت الإدارات الأمريكية المختلفة على ضرورة تصنيف الإخوان وغيرها من الحركات الإسلامية كمنظمات إرهابية وذلك لاستغلال التصنيف من أجل الذهاب خلف المنظمات والمراكز الإسلامية النشطة في الولايات المتحدة. وتربط هذه المنظمات الصهيونية بين الإخوان والمظاهرات الاحتجاجية التي عمت الولايات المتحدة ضد الإبادة في قطاع غزة. وقد أصدرت منظمات صهيونية عديدة مؤخرا تقارير تحريضية ضد المنظمات الإسلامية في أمريكا من أجل تصنيفها كمنظمات إرهابية. وذلك مثلما فعل حاكم تكساس الصهيوني “جريج أبوت” الذي قام بتصنيف الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية – الإسلامية (كير) كمنظمات إرهابية في ولاية تكساس.
—————————
والحقيقة أن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية قد يبدو كانتصار سياسي لكل هذه الأطراف، خاصة الصهاينة في المنطقة وأمريكا،
ولكنه قد يكون له تبعات وخيمة على الأمن القومي الأمريكي وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة.
فمن جهة أولى، هذا التصنيف يضع أمريكا في مواجهة مباشرة مع أكبر حركة إسلامية في العالم حيث أن مؤيدي وأنصار الإخوان بالملايين في كافة أنحاء العالم العربي والإسلامي.
كما أن للحركة تمثيل شعبي واجتماعي وسياسي واسع في العديد من البلدان العربية والإسلامية.
ونحن هنا لا نتحدث عن الإخوان كتنظيم ولكن كفكرة و إيديولوجية لديها قبول شعبي كبير.
ومن جهة ثانية، فإن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية من شأنه إضعاف دور الجماعة في مواجهة تيارات العنف والإرهاب الحقيقية مثل القاعدة وداعش وغيرهما كما فعلت في مصر والأردن ولبنان وتونس والمغرب وغيرها من البلدان.
ومن جهة ثالثة، قد يؤدي تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية إلى نزوع بعض شبابها باتجاه الراديكالية والعنف فعلا باعتباره الطريق لنيل الاحترام والاعتراف الأمريكي.
وخاصة وهم يرون الترحيب الأميركي بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع واستقبال ترامب له في البيت الأبيض وهو الذي كان مصنفا إرهابيا ورأسه مطلوب بحوالي ١٠ مليون دولار أميركي وكان يقود منظمة إرهابية حسب التصنيف الأميركي وهي “هيئة تحرير الشام”. أي أن التصنيف قد يصبح بمثابة نبوءة ذاتية التحقق.
ومن جهة رابعة، فإن توظيف تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية من أجل استهداف المنظمات الإسلامية الأمريكية تحت ادعاءات العلاقة المزعومة مع الإخوان من شأنه تأجيج مشاعر الكراهية والغضب داخل الجالية العربية والمسلمة والتي تصل إلى أكثر من ٣ مليون شخص لديهم حضور وتأثير سياسي واقتصادي واجتماعي خاصة في ولايات مهمة ومتأرجحة مثل ميتشغان وبنسلفانيا.
وأخيرا، من شأن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية أن يؤثر سلبا على العلاقة بين أميركا واثنين من وأهم حلفاءها في الشرق الأوسط وهما قطر وتركيا الذين يأويان قيادات وأعضاء من الإخوان خاصة الفرع المصري. وهو ما قد نرى أثره الفترة المقبلة.
—————————
ومن المفارقات أن جماعة الإخوان حالياً سواء في مصر أو الأردن أو لبنان تعاني ضعفا شديدا سياسيا وتنظيميا واجتماعيا، وهي أشبه بمريض يعاني في غرفة العناية المركزة. لذلك فإن قرار تصنيفهم كحركة إرهابية هو أشبه فارغة المعنى والمضمون.
باختصار، فإن قرار ترامب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أغبى قرار يتم اتخاذه من النواحي السياسية والاستراتيجية وقد يكون له تداعيات سلبية على الأمن القومي الأميركي والمصالح الأمريكية على المدى الطويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق