الجمعة، 28 يوليو 2017

مصر: ما انتهت إليه جمهورية 23 يوليو



مصر: ما انتهت إليه جمهورية 23 يوليو

د.بشيرموسي نافع

في ذكراها الخامسة والستين، لم تزل حركة الضباط الأحرار المصريين، والنظام الذي ولد من رحمها، تثير الاهتمام والجدل والانقسام. 
ما الذي فعله نظام ضباط الجيش في مصر الحديثة؟
 هل أنقذت جمهورية تموز/ يوليو مصر من خراب حتمي كانت تسير إليه، أو دفعتها إلى الانحطاط؟
 وهل يمكن، أصلا، تفسير أحوال مصر الراهنة بما أقدمت عليه مجموعة الضباط الشبان فجر ذلك اليوم من تموز/ يوليو 1952؟ 

لم يظهر المصريون فقدان ثقة في دولتهم وطبقتهم الحاكمة كما أظهروا خلال العقد الأول من هذا القرن، ولا حتى بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967 المؤلمة؛ ولم تكن ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 استفتاء شعبيا حاسما على وضع البلاد، وحسب، ولكنها كانت محاولة المصريين الكبرى لإنقاذ الجمهورية من مصير محقق. ولبرهة قصيرة من الزمن، بدا وكأن المصريين، كشعب وليس كطبقة حاكمة، أنفذوا إرادتهم الجمعية، وامتلكوا قرارهم.

 ولكن الهزيمة التي أوقعت بالثورة، وبعملية التحول الديمقراطي التي أطلقتها، أعادت مصر من جديد إلى قبضة ضباط الجيش. وربما كانت هذه الدائرة المفرغة ما أضفى على ذكرى 1952 الخامسة والستين معنى مختلفا.

نشر مايكل مان، أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، في تسعينيات القرن الماضي عمله الكبير، مصادر القوة الاجتماعية، في أربعة أجزاء.

 ولد عمل مان اهتماما واسع النطاق، وجهت إليه انتقادات عديدة، وقورن أحياناً بحجم وأثر مشروع ماكس فيبر الفكري في مطلع القرن العشرين.
 ابتداء من 2012، أعاد مان نشر أجزاء الكتاب الأربعة، بمقدمات طويلة، رد فيها على بعض الانتقادات، اعترف بجوانب قصور ارتكبها، وأوضح بعضا من الغموض الذي تسلل إلى مقاربته التحليلية، التي تكاد أن تغطي تاريخ القوة وتجلياتها الاجتماعية منذ العصور القديمة وحتى بعد نهاية الحرب الباردة. 
ما لم أجد خلافا كبيرا حوله بين مان ومنتقديه كان النظرية الأساسية التي ارتكز إليها الكتاب في أجزائه الأربعة.
 مصادر القوة الاجتماعية، يقول مان، تنتمي إلى دوائر أربع: الدائرة الاقتصادية، السياسية، العسكرية، والأيديولوجية. ولكن هذه المصادر لا تعمل بصورة متوازية، بل في تفاعل دائم، بحيث يترك كل منها أثراً لا يمكن فصله على الدوائر الأخرى، وينجم عن هذا التفاعل نتائج وتحولات يصعب التنبؤ بها أو توقعها بصورة قاطعة أو حتمية.

فإلى أي حد يمكن تطبيق نظرية مان الأساسية على جمهورية تموز/ يوليو وتحولاتها خلال العقود الستة التي سبقت اندلاع ثورة كانون الثاني/ يناير 2011؟

لم يكن الضباط الأحرار، على الأرجح، يقصدون بتحركهم ثورة شاملة واستيلاء سافرا على السلطة. ولكن، وبمجرد نجاح الانقلاب، أدرك الضباط، بالرغم من عقبات محدودة، أن الدولة المصرية دانت لهم، وأن ليس ثمة قوة يمكنها تحدي استمرارهم في الحكم. خرجت الأسرة المالكة من البلاد، بيسر غير متوقع، أبعدت الطبقة الحاكمة السابقة بدون معارضة تذكر، أطيح بجماعة الإخوان، الشريك المبكر ثم المعارض، بعد ذلك، وفرض الصمت على الجماعات الليبرالية الصغيرة بأقدار متفاوتة من القمع.

ولكن الجمهورية أسست على تصور براغماتي، أكثر منه أيديولوجي. التوجه الأيديولوجي، القومي العربي، والاشتراكي (المحدود)، لم يتطور إلا لاحقاً؛ كما أن الإصلاحات الاقتصادية، سواء في مجال الملكية الزراعية، أو الإسراع من عجلة التصنيع (التي كانت انطلقت في العشرينيات)، لم تؤد إلى تغيير ملموس في البنية الطبقية المصرية.

 بمعنى، أن الجمهورية استندت إلى مصدرين رئيسيين للقوة: الجيش ومؤسسة الدولة. من قاد الجمهورية، هيمن على مؤسساتها، أمضى سياساتها وبرامجها، كانت بيروقراطية عسكرية ـ مدنية، لم يكن بناء نظام ديمقراطي بين همومها.

الحقيقة، أن العلاقة بين جناحي البيروقراطية الحاكمة، العسكري والمدني، لم تكن سلسة دائما ولا مستقرة. حتى طوال العقد ونصف العقد الأول بعد تموز/ يوليو 1952، حاول عبد الناصر، الزعيم الكاريزمي للنظام ورئيس الجمهورية، إعادة العسكريين إلى الثكنات، وقطع الحبل السري الذي ربط بين الجيش، من جهة، وإدارة الدولة والحياة السياسية، من جهة أخرى. ولكن ليس حتى هزيمة حزيران/ يونيو 1967 أن استطاع تحقيق نجاح ملموس في وضع نهاية لدور الجيش السياسي المباشر. ولكن هذا النجاح كان مؤقتاً على أية حال. الأثر الأكبر لهزيمة 1967، على أية حال، كان فرض حدود على المصدر الأيديولوجي للقوى التي تستند إليها الجمهورية، الفكرة القومية العربية، وقيادة مصر للحركة القومية العربية، التي اكتسبتها، بصور حثيثة، منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. وبتولي أنور السادات مقاليد الحكم، لم يتبق من القوة الأيديولوجية القومية سوى ذكرى شاحبة، تسرع الخطى إلى النسيان.

أرسى السادات، ولاسيما بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، قواعد جديدة لعلاقة البيروقراطية العسكرية بالحكم، تكفل للجيش حصة في النظام، بحيث تعزز الصورة المدنية للجمهورية وتحظر على الجيش ممارسة دور مباشر أو صارخ في الحكم أو الحياة السياسية. ولكن مقعد رئاسة الجمهورية، المنصب الأقوى في النظام على الإطلاق، ظل حكراً على الطبقة العليا من ضباط الجيش. وفي ظل مناخ عالمي متنام من صعود الفكرة الليبرالية الجديدة، حاول السادات صناعة مصدر قوة اقتصادية للنظام باعتماد ما أسماه سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي استهدفت دفع دماء جديدة للطبقات العليا المصرية، وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى. كانت خطوات السادات الاقتصادية بطيئة وحذرة، نوعاً ما، ولم تصل هذه السياسة ذروتها إلا في عهد الرئيس التالي، الرئيس حسني مبارك. عادت طبقة كبار الملاك وعائلات الطبقة الوسطى العليا من العهد الملكي إلى مقدمة المجال الاقتصادي المصري، ومعها أعداد متزايدة من أبناء البيروقراطية المدنية والعسكرية الجمهورية. بذلك، أصبحت مصر، بالفعل، جزءاً لا يتجزأ من السوق العالمية، وشهدت، وإن لفترة قصيرة، تدفق رؤوس أموال خارجية استثمارية، عربية وأورو ـ أمريكية. 

بيد أن النتائج كانت كارثية. فبدلاً من أن تصنع السياسة الاقتصادية الجديدة رفاهية متدرجة، فاقمت من التفاوت الهائل في مستوى المعيشة، والحياة ككل، بين نسبة بالغة الثراء، ضئيلة من السكان، وعشرات الملايين من الفقراء أو ممن هم حتى تحت مستوى الفقر.

ولأن لا السادات ولا مبارك كان جادا في دمقرطة نظام الحكم، استمر تحكم البيروقراطية العسكرية ـ المدنية في مؤسسة الدولة؛ التي عملت، سواء بفتح أبواب السوق أمام المؤسسة العسكرية، أو باعتماد وسائل استرضاء سخية، على تأمين حصتها في مجال الثروة المتاح والمحدود. في نهاية عهد مبارك، عشية انفجار ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، كانت مصادر قوة الجمهورية قد عادت إلى ما كانت عليه في الخمسينيات، بعد أن تحللت كلية من القوة الإيديولوجية، خسرت وعود الرفاه الاقتصادي، وأحجمت عن التقدم ولو خطوة واحدة نحو بناء شرعية ديمقراطية. ولكن الفرق بين شعب خمسينيات القرن العشرين والعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، البنية الاجتماعية للشعبين، علاقتهما بالعالم من حولهما، وحجم طموحاتهما، كان كبيراً. وهذا ما أدى إلى انفجار الثورة الشعبية.


أجهض الانقلاب إمكانية إصلاح الجمهورية، وصنع نظام أكثر ضيقا وتشوهاً من ذلك الذي انتهت إليه جمهورية مبارك. وهذا ما يجعل النظام الجديد أكثر ضعفا وهشاشة. في ذكرى ولادته الخامسة والستين، يبدو نظام تموز/ يوليو، وتبدو الجمهورية، في أسوأ أوضاعها.

الأربعاء، 26 يوليو 2017

حرق مكتبة الإسكندرية القديمة : تعقيب على القمص أنجيلوس جرجس


حرق مكتبة الإسكندرية القديمة : تعقيب على القمص أنجيلوس جرجس

ا.د. زينب عبد العزيز




حرق مكتبة الإسكندرية القديمة :تعقيب على القمص أنجيلوس جرجس

بردية من القرن الخامس للأسقف ثاؤفيلس 

يقف فوق معبد السيرابيوم الذي أمر بحرقه وهدمه





دأبت المؤسسة الكنسية، في حربها ضد الإسلام، على القيام بعمليات إسقاط لكل ما تعرضت له هي من قمع في بداية مشوارها أو لكل ما قامت به من هدم وتدمير لاقتلاع الآخر، كما دأبت على تحريف التاريخ، تاريخها وتاريخ الآخر، خاصة بعد أن قرر الفاتيكان تسوية الخلافات العقائدية والقطيعة التي امتدت منذ مجمع خلقيدونيا، سنة 481 م.، حتى احتياج الغرب الصليبي المتعصب لرأس حربة، يضرب بها الإسلام والمسلمين من الداخل، فبدأت المصالحة مع البطريرك الراحل شنودة الثالث، وهذه قصة لخيانة أخري..
ومن أشهر هذه الإسقاطات وتحريف التاريخ ما ورد بقلم القمص أنجيلوس جرجس بجريدة الأهرام الصادرة يوم 16 يوليو 2017، تحت عنوان: "الأقباط لم يحرقوا مكتبة الإسكندرية"، وإلصاق تهمة حرق مكتبة الإسكندرية القديمة، الذي تم في القرن الرابع الميلادي، إلى القائد عمرو بن العاص بناء على أمر من الخليفة عمر، أيام فتح مدينة الإسكندرية، في القرن السابع، حتى وإن لم يكتب ذلك بوضوح!
وتقول الوثيقة الوحيدة التي يستند إليها من يروج لهذه الفرية، وهي بقلم ابن القفطي، في القرن الثالث عشر الميلادي، في كتابه المعنون: " تأريخ الحكماء": "ان الخليفة عمر قد أصدر أوامره للقائد عمرو بن العاص قائلا: "فيما يتعلق بالكتب التى ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففى كتاب الله عنه غنىً، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة اليها، فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فى تفريقتها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها كوقود لتسخين المياه. وقد استغرق حرقها ستة أشهر كاملة".

ولن أتناول في هذا الجزء التعليق على تلك الفرية الواضحة، وأتركها لآخر هذا المقال، لأعرض موضوع مكتبة الإسكندرية منذ بدايته وكما تتناوله الوثائق الغربية.


الإسكندرية الكبرى

لم تكن الإسكندرية آنذاك مجرد مدينة مزدهرة، وإنما كانت بمثابة حضارة متكاملة، بمعنى أنها كانت تضم تلك الإنجازات التى يتركها عظام الرجال فى مجتمع تتعدى أبعاده نطاق الجغرافيا. فالنطاق التاريخى الواقع بين الفترة التى تم فيها تأسيس هذه المدينة على أيدي الإسكندر الأكبر، سنة 332 ق.م.، إلى الفترة التى تم فيها تدميرها على أيدي الأسقف ثاؤفيلس والقساوسة التابعين له ومَن بعدهم، في القرن الرابع الميلادي، يعد بمثابة حقبة زمانية متفردة فى ازدهار علومها. فقد كانت مدينة الإسكندرية تمثل عالما بأسره وأسلوب حياة فنية وفكرية وعلمية مترابطة الأركان. ونطالع في موسوعة أونيفرساليس: "أن يكون المرء سكندريا لم يكن يعنى انه من مواطنى هذه المدينة فحسب، وإنما يعنى الإنتساب إلى قيم حضارية فى عاصمة البطالمة، خلفاء الإسكندر في مصر".. فقد كان لها أهمية كبرى أيام الرومان، وكان لها موقعا خاصا وآثارا تميزها. بل أضفت عليها شهرتها العديد من المسميات، ومنها: الجميلة، شديدة الجمال، خالدة الذكرى، المَلَكية، الشديدة البريق.. وكانت أكثر الصفات استخداما "الكبرى".. وقد ازدهرت بها علوم الرياضيات والفلك والهندسة إلى جانب تألق المدارس الفكرية والفلسفية – وكلها مجالات تواصلت إعتمادا على ما كانت الحضارة المصرية القديمة قد وصلت إليه.
فمنذ بداية النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، أيام بطليموس الأول، امتلأت الإسكندرية بالمباني الرائعة واكتمل شكلها المعماري الذي حافظت عليه حتى نهاية العصور القديمة، بحدائقها الغناء ومبانيها اليونانية الطابع. وفى حي القصور، الذي كان يفترش ربع المدينة تقريبا، تم تشييد القصر الملكى على البحر، والمتحف والمكتبة الشهيرة، والسوما، قبر الإسكندر الأكبر، والسيرابيوم، المعبد المقام للإله اليونانى المصرى سيرابيس، ومعبد إيزيس، والسوق، والمسرح. بينما الفنار المشيد على جزيرة فاروس يكمّل تلك الروائع المعمارية.

مكتبة الإسكندرية

كان بطليموس الأول قد أمر، عام 288 ق.م.، بتشييد "الميوزيوم"، أى قصر ربات الفنون، الإلاهات التسع الشقيقات المُلهمات للغناء والشعر والفنون والعلوم والميثولوجيا الإغريقية، وكان يضم جامعة، وأكاديمية علمية، والمكتبة الشهيرة التي كانت تحتوي على سبعمائة ألف مخطوطة. وكان قد طلب من كل البلدان الشهيرة أن ترسل له أعمالا لكافة المؤلفين وأمر بترجمتها إلى اليونانية. كما كان يطلب من البواخر التى تتوقف بميناء الإسكندرية أن تسمح بأن يتم نقل وترجمة ما تحمله من كتب.. فكانت النسخ المنسوخة تعاد إلى البواخر ويتم الإحتفاظ بالأصل فى مكتبة الإسكندرية.
وأصبح "الميوزيوم" مركزا علميا عالى المستوى، يؤمه كافة العلماء، حيث يجدون كل ما يحتاجون إليه. وكانت عملية ترجمة كل هذه الأعمال إلى اليونانية تمثل عملا ضخما، استحوذ على كافة مثقفى البلد تقريبا. فقد كان يتعيّن على هؤلاء الأشخاص إتقان لغتهم الأم إضافة إلى إتقان اليونانية. وعند امتلاء المكتبة تم تشييد ملحق لها قرب الميناء. وهذا الملحق امتدت إليه النيران عام 47 ق. م.، عندما قام يوليوس قيصر بحرق اسطول الإسكندرية.
ومن أشهر من قام بإدارة هذه المكتبة، الفلاسفة زينودوت الأفسوسي، وأرستوفان البيزنطي، أريستارك الثاموتراسى، وأبوللونيوس من رودس. وكان آخر من تولى إدارتها من كبار العلماء هو العالم ثيون (Théon)، والد عالمة الرياضيات والفيلسوفة الشهيرة هيباثيا التي كانت تدير مدرسة الأفلاطونية الجديدة بعد أفلوطين، وقام القساوسة بقتلها بأمر من الأسقف كيرولس..
فقد رجمها القساوسة عام 415 بناء على أمر الأسقف كيرولس، الذي جعلته الكنيسة قديسا سنة 1882، وماتت بأبشع طريقة إنتقاما منها ومن علمها. ويقول سقراط القسطنطيني (380 – 450) المؤرخ المسيحي، الروماني الجنسية، والمتخصص فى التاريخ الكنسي: "إن القساوسة انتهزوا فرصة مرورها بعربتها وجرّوها عنوة وسحلوها ثم أدخلوها الكنيسة ونزعوا عنها ثيابها وضربوها بالهروات والأوانى ثم مزقوا جسدها ووضعوا تلك الأجزاء في كيس وصعدوا بها إلى "السينارون" وأحرقوها. مما أثار الانتقادات ضد الأسقف كيرولس وكنيسة الإسكندرية، إذ كان الموقف فى غاية الإحراج لمن يقولون إنهم أتباع يسوع والمحبة، ويقومون بتلك المجازر والإغتيالات. 
وقد حدث ذلك فى العام الرابع من ولاية كيرولس، والعام العاشر من حكم هونوريوس، والعام السادس من حكم تيودوز، فى شهر مارس أيام الصيام"، (وارد في كتاب "التاريخ الكنسي"، ج7، ص 14، ترجمة رومان تلميذ هيبوخانى).. وياله من إحترام لشعائر دين يفرضونه بالقتل والحرق بكل جبروت!
وكانت المعارك بين المسيحيين والوثنيين قد بدأت حتى من قبل أن يسمح لهم الإمبراطور قسطنطين، عام 313، بممارسة مسيحيتهم مثل باقى العبادات فى الدولة. وفى مطلع القرن الثالث كف تعليم اللغة الهيروغليفية فى مصر واختفى علم التحنيط. ونرى بكل وضوح وأسف، ما نطالعه فى موسوعة فيكيبيديا: " أن دخول المسيحية مدينة الإسكندرية قد محى ذاكرة مصر تماما"!

مسيحية تدمر وتقتلع الآخر

مع فرض المسيحية ديانة رسمية ووحيدة للإمبراطورية الرومانية فى عام 391 م، زادت المعارك بين الأسقف أريوس والأسقف أطنازيوس، القريب من السلطة، حول طبيعة السيد المسيح. ووصل اضطهاد الوثنيين إلى درجة غير مسبوقة. فقد تم هدم معظم المعابد والتماثيل في كل الإمبراطورية، ومُنعت الطقوس الدينية الوثنية كلها بينما تزايد النفوذ المسيحى بصورة كاسحة.
ويقول هنرى مونييه فى كتابه عن "مصر البطلمية": أيام قسطنطين، الذي حكم من 323 إلى 337، كان معبد السيرابيوم فى الإسكندرية فى أوج تألقه كما كان يُعد قلعة العالَم الهللينى. وقد قرر قسطنطين وقف الإحتفالات الوثنية التى كانت تقام فيه بسبب عداء الكهنة الشديد للمسيحيين. بل لقد اغلق المعبد فى يوليو 325م، وهو نفس العام الذي تم فيه تأليه السيد المسيح. وبذلك بدأ أول هجوم على السيرابيوم، ذلك الهجوم الذي واصله ثاؤفيلس، أسقف الإسكندرية، بشراسة حتى أتى عليه.
فقد جعل ذلك اللأسقف مهمته الأساسية هى اقتلاع الوثنية من مصر، خاصة وان الوثنيين كانوا لايزالوا أقوياء فى تلك الفترة ويهزأون من خصومهم. وكان السيرابيوم هو مكان تجمعهم مثلما كان محراب عبادة سيرابيس منذ ايام البطالمة الأوائل. وتحول المعبد بعد ذلك ليصبح مدرسة شهيرة تتواصل فيها تعاليم الأفلاطونية الحديثة بفضل هيباثيا التى طالعنا مصيرها..
وما أن وصل قرار الإمبراطور بإلغاء العبادة الوثنية حتى تزعم الأسقف ثاؤفيلس القيام بإجراءات استفزازية ضد الوثنيين، اندلعت على إثرها مظاهرة عارمة.
" فما كان منه إلا أن تزعم بنفسه عصابة من الرهبان المسيحيين، على حد وصف هنري مونييه في كتابه السالف الذكر، واستولى على حصن الإسكندرية العلمى وقام بنفسه بتحطيم تمثال الإله سيرابيس، تحفة الفنان المبدع برياكسيس، وجعل أتباعه يسيرون فى المدينة بأجزائه المحطمة. وعانت باقى المعابد من نفس المصير"..
"ولم يكن هدم السيرابيوم إلا حلقة فى سلسلة طويلة من الدمار الذي تمخضت عنه المسيحية فى صراعها الشرس ضد الوثنية"،ويواصل مونييه قائلا: " ان هذا الحدث كان له أصداء واسعة بسبب تزعم الأسقف ثاؤفيلس له، ويقول العديد من المؤرخين أنه إفتعل هذه المظاهرة بالتواطؤ مع إيفاجريوس، حاكم الإسكندرية الروماني، إستنادا إلى قرار الإمبراطور تيودوز" (صفحة 37).أما باقى المعابد التى لم يتم هدمها فقد تم تحويلها إلى كنائس.

بردية تدين الأسقف ثاؤفيلس

ومن الغريب أن هذا الأسقف، ثاؤفيلس السكندري، المتوفى عام 412، وكان من المدافعين بشدة عن تأليه يسوع، والذى يحاول سيادة القمص أنجيلوس جرجس تبرأته بإلصاق وحشية أفعاله التدميرية بالمسلمين، هناك بردية من القرن الخامس تصوره وهو يقف أعلى معبد السيرابيوم ومكتبة الإسكندرية التي أحرقها! والصورة تمثله وهو ممسك بنسخة من الكتاب المقدس، ويقف منتصرا على ما دمره، ويُرى الإله سيرابيس داخل المعبد. ويوجد هذا الرسم على هامش حولية مسيحية كتبت فى الإسكندرية فى القرن الخامس الميلادى. أى أنه حتى ذلك الوقت كان معروفا وسائدا ان الأسقف ثيوفيلس هو الذي دمر السيرابيوم ومكتبة الإسكندرية.. ورغمها، يواصل المحرفون فرياتهم!
والنبذة القصيرة التى نطالعها فى المجلد الرابع لفهرس موسوعة أونيفرساليس الفرنسية (1996) عن ثاؤفيلس السكندري تقول: " ثاؤفيلس، أسقف الإسكندرية من 384 إلى 412، قام بدور أساسي فى السياسة المدنية والكنسية فى عصره. فقد توصل، بالإتفاق مع الإمبراطور، وبالقيام بالعديد من المعارك الدامية، إلى إقتلاع الوثنية من مصر وذلك بهدم المعابد الوثنية (ومنها السيرابيوم، عام391) وبإقامة المبانى المسيحية بدلا عنها. إن الدور الذي لعبه فى المعركة المتعلقة بأوريجين وموقفه من يوحنا كريزوستوم (أى الفم الذهبي، لفصاحة لسانه)، جعل المؤرخون ينتقدونه بشدة. فبعد أن ظل لفترة من الوقت مؤيدا لأتباع أوريجين، تغير موقفه فجأة وقام بمهاجمة الرهبان التابعين لأوريجين في صحراء وادي النطرون واجبارهم على المنفى. وإضطرته هذه القسوة إلى الذهاب للدفاع عن نفسه في القسطنطينية، حيث كان قد لجأ إليها قرابة خمسين راهبا كانوا فارين منه. وقد وصل ثاؤفيلس محاطا بتسع وعشرين أسقفا مصريا ونجح فى كسب معركته بفضل العديد من معارفه في البلاط الإمبراطوري، مطالبا عام 403 باستدعاء يوحنا كريزوستوم للمثول أمام المجمع. وأدت هذه الأحداث إلى النفى النهائى ليوحنا عام 404. إلا أن البابا إينوست الأول قد إعترض بعد ذلك على هذه الإدانة دون أن يتمكن من تبرئة يوحنا، وقام بحرمان ثاؤفيلس الذي كان قد نسج هذه المؤامرة عن طريق وسائل عديمة الشرف" (صفحة 3593)..
وتكشف هذه النبذة، التي أوردتها بكاملها، عن مدى عدم أمانة القائمين على تلك المسيحية التى كانوا ينسجونها عبر المكائد والمؤامرات، وكيفية الإطاحة لا بالخصوم الوثنيين فحسب وإنما بنفس القائمين معهم على ذلك الدين !!
ومن الوثائق الغربية القديمة، يورد الباحث جي دفيتش فى كتابه عن "حرب المخطوطات" أن المؤرخ اللاتينى ليبانيوسLibanios)) أورد فى كتابه المعنون "من أجل المعابد" ما يلي: " من أكثر المندفعين حماسا فى حرب الجبابرة هذه هم الرهبان الذين كانوا يجوبون المقاطعات حاملين الهروات والروافع والشواكيش ليقوموا بكسر التماثيل وهدم المذابح والمعابد (...). وفى عام 391 قام ثيوفيلس، أسقف الإسكندرية، على رأس عدد من أتباعه المسيحيين بغزو معبد السيرابيوم وهدمه بعد أن سرقوا ما به ولم يتركوا إلا قاعدة المعبد لضخامة أحجارها".. (ترجمة رنيه فان لوى، بيزنطة، المجلد السابع، طبعة 1933).

وإضافة إلى قرار الإمبراطور تيودوز الصادر عام 393 م، والذي ينص على استكمال عملية اقتلاع الآخر، قائلا: " إننا نريد أن يتم هدم كافة المعابد والآثار الوثنية التي لا تزال قائمة ونأمر بأن يتم محو ذلك الدنس بإقامة العلامة المبجلة للديانة المسيحية، وسنحكم بالموت على كل من يخالف أمرنا هذا عن طريق القضاة المتخصصون" Cod. Théo. XVI, p. 125)). وإضافة إلى قرار تيودوز هذا، هناك قرارات العديد من المجامع المسيحية التى تنص على مواصلة عملية الإقتلاع ومنها مجامع المدن الفرنسية التالية: آرل عام 573، ونانت عام 668، وروان عام 687، وخاصة ما قام به الإمبراطور شارلمان الذي اقتلع ما بقي من وثنية بصورة وحشية حتى وصفه المؤرخ آرثر كمب فى كتابه المعنون: "مسيرة الجبابرة"، بأنه " قد مارس التبشير بالقتل العرقي".. وهو ما يوضح بأية وسائل تم فرض المسيحية فى كل الأماكن التي دخلتها حتى في مصر..

وفى كتاب بعنوان " شمس الله تشرق على الغرب" (1963)، تقول الباحثة الألمانية سيجريد هونكه (S. Hunke): "إن القرن الثالث يفتتح سلسلة من أعمال الهدم المنهجية، إذ قام الأسقف المسيحى بإغلاق الموزيوم وطرد كل المثقفين منه. وفى عام 366، تحت حكم الإمبراطور البيزنطى فالنس، تم تحويل السيزاريوم إلى كنيسة، وحرق مكتبته بعد نهبها، ومطاردة فلاسفتها بتهمة ممارسة السحر. وفى عام 391 طلب الأسقف ثاؤفيلس من الإمبراطور تيودوز الموافقة على هدم مركز حج القدماء وآخر قلعة علم باقية، السيرابيوم، والقيام بحرق مكتبته. وبذلك ضاع من الإنسانية إلى الأبد كنزا لا يمكن تعويضه " (صفحة 217).

وتواصل الباحثة بعد ذلك قائلة: "إلا أن اعمال الهدم التى يقوم بها المسيحيون المتعصبون لم تتوقف عند ذلك. إذ أن صديق الأسقف سيفيريوس الإنطاقي يعترف بلا خجل أنه والأسقف قد كانا فى شبابهما أعضاء فى جمعية مسيحية شديدة النشاط فى الإسكندرية في القرن الخامس، وقاما هما الاثنان بمعارك شرسة ضد المثقفين الوثنيين وهاجموا معابدهم وقاموا بتكسير تماثيلها وكل منشئاتها. وبذلك إختفت معالم الثقافة الهللينية الواحدة تلو الأخرى. 
وفى عام 529م تم إغلاق آخر مدرسة للفلسفة في أتينا، وفى عام 600 تم حرق المكتبة المسماه "الإمبراطورية" التى أسسها أغسطس فى روما. وتم منع قراءة الأعمال الكلاسيكية ودراسة الرياضيات وهدم المتبقي من أبنية العبادات القديمة" (صفحة218).
أى إن عمليات الهدم والحرق فى محاولة دؤوب لإقتلاع الآخر من جذوره لم تتم فى مدينة الإسكندرية وحدها وإنما تواصلت فى كل البلدان التي امتدت إليها المسيحية.. وتوضح سيجريد هونكه في نفس الصفحة قائلة: " وعندما دخل العرب مدينة الإسكندرية عام 640، لم يكن بها أية مكتبة عامة. أما حريق المكتبة الكبرى السكندرية والذي تم إلصاقه بعد خمسة قرون بالقائد عمرو، فالعديد من الأبحاث الدقيقة سمحت بتأكيد ان هذه مجرد فرية، ويا لها من فرية حقيرة.. وكم كانت سعادة من افتروها لاتهام "البرابرة"! والعكس هو الصحيح، ففى مسيرته الفاتحة المنتصرة، قدم فاتح الإسكندرية العديد من النماذج على عظمة التسامح لديه، فقد منع القيام بنهب وهدم المدن، ثم، ويالعظمة وغرابة ما أقدم عليه: فقد سمح لرعاياه الجدد بممارسة عبادتهم التقليدية".. أى إن المسلمين لم يقوموا بأية عملية لاقتلاع الآخر بل وسمحوا للمسيحيين واليهود بممارسة عباداتهم!
ويقول الفونس دان (A. Dain) في كتابه المعنون "المخطوطات" (1980): " يقال عادة أن جنود الخليفة عمر أحرقوا معبد السيرابيوم وما كان يضمه من مكتبة شهيرة فى هذه المدينة. وقد صدّقت تلك المقولة انا شخصيا، إلا انه يجب علىّ أن أعترف بخطائي، إذ ما أن رحت أتبين الأمر حتى وجدت أن من قام فعلا بحرق مكتبة الإسكندرية هم مسيحيو الأسقف ثاؤفيلس. وهنا لا بد من توضيح أنه كان بالإسكندرية مكتبتين: مكتبة البروخيون، وكانت فى وسط المدينة، وقد هدمها أورليان سنة 273 حينما استولى على المدينة، ومكتبة السيرابيوم، التي هدمها الأسقف ثاؤفيلس عام 391. ويقول القس أوروز، مؤلف "كتب ضد الوثنيين" عام 417، أنه عند مروره بالإسكندرية رأى "دواليب الكتب التى أفرغها رجالنا من محتوياتها" (الكتاب السادس، الفصل الخامس عشر)، وهذه الملاحظة سابقة على الفتح الإسلامي الذي حدث في منتصف القرن السابع" (صفحة 189).

وما يؤكد أن الحرق والتدمير كان من عادة المسيحيين ووسيلتهم في فرض عقيدتهم، القرار الذى أصدره تيودوز الثانى والذى ينص على: "حرق كل ما كتبه بورفير أو غيره ضد عبادة المسيحيين المقدسة لكى لا تقوم هذه الأعمال بإغضاب الرب"، وارد في وثيقة: Codex Théodosianus XVI,6,66)). كما قام البابا جريجوار الأكبر (590 – 604) بحرق المكتبة المعروفة باسم "الإمبراطورية" فى روما. لذلك يقول جي دفيتش: "لقد تم تنصير التاريخ بالتدريج بخطوات متتالية منذ القرن الثانى، وتواصلت عمليات الهدم والحرق والإبادة ليبدأ ما اُطلق عليه "العصر الأسود" الذي إمتد ألف عام" – ويقصد عصر الظلمات الذي شاهد محاكم التفتيش والحروب الصليبية والحروب الدينية وتحريم العلم ومحاربة العلماء – وهو ما يتمشى قطعا مع نفس منهج حرق المكتبات وتدمير المعابد!

وكذلك تم حرق كل الأعمال التى كانت تتضمن الصراعات اللاهوتية مثل أعمال سيلسيوس وبورفير وحاكم بيت عانية والإمبراطور جوليان، وما بقي منها فهو معروف من الأجزاء المذكورة كإستشهاد فى الرد عليها!
وقد أورد المؤرخ إدوارد جيبون: "ان من حرق مكتبة الإسكندرية هو الأسقف ثاؤفيلس، العدو اللدود للسلام والفضيلة، ذلك الجريء الشرير ذو الأيادى الملطخة بالدماء والذهب على التوالى، وهادم السيرابيوم" (قفول وسقوط الإمبراطورية الرومانية، الفصل 28).
وعلى أواخر القرن الرابع وصل إضتهاد الوثنيين إلى ذروته، فقد تم هدم معظم المعابد، كما قد تم حرق وهدم باقي المكتبات الخاصة، وتمت محاربة العلوم والرياضيات والفلسفة وتم إغلاق المدارس الفكرية ليبدأ عصر إضمحلال رهيب فى مدينة اشتهر صيتها عبر العالم القديم كمنارة للعلم والتقدم.. فممن عملوا فى مكتبتها الشهيرة ونهل من دررها لمدة عشرين عاما، المؤرخ سترابون وغيره..

اتهام العرب بحرق المكتبة

أما عن ذلك النص العربى المزعوم، فأول ما أبدأ به هو رأى المؤرخ إدوارد جيبون، فى نفس مرجعه السابق الذكر، حيث يقول: "إن قرار الخليفة عمر يتناقض مع المبادىء الأصلية والسلمية لعلماء المسلمين، الذين يرفضون قطعا حرق أية نصوص دينية يهودية أو مسيحية تم الإستيلاء عليها فى المعارك الحربية ".. وهذا مجرد تعليق منطقي واحد، يتمشى مع كل ما يقوله الأمناء من علماء الغرب المسيحى عن أخلاقيات المسلمين وتصرفاتهم في البلدان التي فتحوها وحكموها.
وإذا ما نظرنا فيمن قال هذه المعلومة، وهو جمال الدين أبى الحس على بن يوسف القفطى (568ه /1172م ـ 646ه /1248م)، لوجدنا فى موقع "المكتبة الوطنية لعلم الطب" فى مدينة أوكسفورد البريطانية: "ان له 26 مؤلفا، لم يبق منها سوى إثنين، أحدهما "تأريخ الحكماء" الوارد فيه هذا النص، غير ان هذا الكتاب ليس النص الأصلى وإنما تلخيص له بقلم الزَوْزَنى. والكتاب يضم 414 سيرة ذاتية مختصرة لأطباء وفلاسفة وعلماء فلك، إضافة إلى العديد من الإستشهادات المأخوذة عن كتّاب يونانيين لم يّحتفظ بها في الكتاب الأصلي"! وتحتفظ المكتبة الوطنية لعلم الطب بنسخة منه تحت رقم (Ms A 72). وقد قام بترجمته إلى الألمانية وطبعه العالم يوليوس ليبّرت فى مدينة لايبزيج سنة 1903.
وبعد خمس سنوات، أى فى عام 1908، طبع لأول مرة بالعربية على نفقة أحمد ناجى الجمالى ومحمد أمين الخانجى وأخيه، بعنوان "تأريخ الحكماء"، وهو مختصر الزَوْزَنى المسمى بالمنتخبات الملتقطات من كتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء"، وقد تمت مراجعته على كتاب ليبرت.
أما السياق الذي أتى فيه هذا الأستشهاد فلا يقل افتراء فى مغزاه من الفرية نفسها، إذ يقول النص أن الأسقف يحيى النحوى قد طلب من عمرو بن العاص أن يعطيه الكتب التى فى المكتبة قائلا: " قد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتاجون إليها ولا نفع لكم بها"!
أى إن الأسقف وأعوانه، والغارق معهم فى الصراعات الدينية حول التثليث، وفقا لما هو وارد فى نفس صفحة القفطي، هم يقدرون العلم وبحاجة إلى الكتب لصونها من الضياع، وأما المسلمون الجهلاء فقاموا بتدميرها!!

ومن الواضح ان النص المزعوم الوارد فى كتاب القفطى كان عبارة عن إستشهاد من الإستشهادات المنقولة عن أحد اليونانيين المسيحيين، الذين يعنيهم تبرئة بنى جلدتهم من كل ما اقترفوه من حرائق وتدمير واقتلاع لتراث حضارة بأسرها. خاصة وأن الفترة التى كان فيها بن القفطى على قيد الحياة أو حتى السنة التى تم فيها عمل نسخة من ذلك الكتاب بعد وفاته بعام، بقلم الزَوْزَنى، فهي تقع في قلب فترة الحروب الصليبية بكل ما واكبها من محاولات للنيل من الإسلام والمسلمين..

وإذا ما نظرنا من الناحية الدينية الإسلامية، لأدركنا لا معقولية هذه الفرية التي يشير اليها القمص أنجيلوس جرجس، فقد بدأ تنزيل كتاب الله العزيز بفعل أمر، وهو: " إقرأ "، كما أن ثانى سورة أُنزلت هى سورة " القلم ".. أى إن أولى خطوات تنزيل الرسالة الإسلامية من الله عز وجل بدأت بالحث على القراءة والكتابة، وعلى دراسة الكتاب المسطور والكتاب المنظور فى رحابة الكون على اتساعه.. فكيف يمكن لعاقل أن يعقل فرية أن يقوم سيدنا عمر، وهو من صاحَبَ رسولنا الكريم، صلوات الله عليه، بأن يتفوه بمثل هذا الجُرم – لا فى حق العلم والعلماء فحسب، ولكن في حق الدين الذي عاصر تنزيله من رب العالمين، وواكب أولى خطواته، وعمل على انتشاره؟!
ولا يسعني إلا أن أقول للقمص أنجيلوس جرجس: كفى تحريفا للتاريخ في مقالات منفّرة لتثبت إن مصر كانت قبطية منذ "صلب المسيح"، وان مرقس الرسول قد نصرها في القرن الأول الميلادي، أوان العائلة المقدسة قد زارتها.. فالأكاذيب لا سند لها في التاريخ الذي يقوم بفضحها جذريا مهما طالت وامتد بقاؤها..


24 يوليو 2017

بلا حدود- معركة السيطرة على الأقصى ومواجهة مخططات الاحتلال

بلا حدود معركة السيطرة على الأقصى ومواجهة مخططات الاحتلال




أقتحم عشرات المستوطنين الأربعاء المسجد الأقصى، كما اعتقلت قوات الاحتلال عشرين فلسطينيا في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية الليلة الماضية بتهمة مقاومة الاحتلال، وقال مراسل الجزيرة إن الاعتقالات تركزت في محافظات القدس ونابلسورام الله والخليل، حيث شنت قوات الاحتلال عمليات دهم وملاحقة بعد عمليات قمع للمصلين في باب الأسباط الليلة الماضية أسفرت عن إصابات.
بدورها، جددت المرجعيات الدينية الفلسطينية بالقدس المحتلة رفضها أي تغيير إسرائيلي في الوضع القائم بالمسجد الأقصى، واستمرار عدم دخول المصلين إلى الأقصى حتى تتلقى تقريرا من دائرة الأوقاف الإسلامية بشأن الوضع داخل وخارج المسجد، وذلك بعد إزالة الاحتلال البوابات الإلكترونية من أمام أبواب المسجد.
حلقة (2017/7/26) من برنامج "بلا حدود" استضافت رئيس الحركة الإسلامية بفلسطين المحتلة رائد صلاح، وكامل الحواش نائب رئيس المجلس البريطاني الفلسطيني للسياسات للحديث عن معركة الهيمنة على المسجد الأقصى ومسؤولية الأمة عن حمايته.
رئيس الحركة الإسلامية بفلسطين المحتلة الشيخ رائد صلاح قال إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، شطبوا من حساباتهم شيئا اسمه المسجد الأقصى، وبدؤوا يتعاملون مع المسجد الأقصى المبارك على أنه ما يسمونه جبل الهيكل في محاولة لهدم الاسم الاعتباري له، وباتوا يتصرفون كأنهم أصحاب السيادة المطلقة في المسجد الأقصى، وكأنه لا توجد أي سيادة أردنية أو دور عربي وإسلامي لمناصرة المسجد الأقصى المبارك وأهل القدس".
وأضاف أن الاحتلال كان يظن واهما أنه نجح في تفكيك المجتمع المقدسي الذي يعتبر الحاضنة الأولى للمسجد الأقصى وخط الدفاع الأول عنه، وجاءت هذه الأحداث لتشكل صدمة للحكومة الإسرائيلية، بعد أن انبرى آلاف الشباب المقدسيين للدفاع عن الأقصى والرباط في أطرافه بشكل متواصل منذ أسبوعين.
وبحسب صلاح فإن الخطاب الإسرائيلي يحاول أن يجرم كل الثوابت الفلسطينية المتعلقة بالمسجد الأقصى، بمعنى أن الذي يقول إن الأقصى محتل أو الأقصى في خطر أصبح يجرم إسرائيليا ويهدد بالسجن أو القتل أو الطرد من فلسطين، مضيفا أخشى ما أخشاه أن نصل إلى مرحلة يجرم فيها من يقول المسجد الأقصى وليس جبل الهيكل.
وشدد صلاح على أن القضية الفلسطينية تعيش مرحلة مصيرية تحتاج إلى صبر ويقين، والشعب الفلسطيني مصر على البقاء في أرضه ولن يقبل بنكبة فلسطينية ثالثة أو أن يفرط في المسجد الأقصى حتى لو اعتقل الاحتلال عشرات الآلاف وكان الشهداء والجرحى بمئات آلاف.
وعن موقف الأمة من الأزمة الحالية في القدس، أشار صلاح إلى أن الشعب الفلسطيني لا يعول على حكام المسلمين في الوقت الحالي، وإنما يعول على الشعوب التي يربطها مع الأقصى علاقة عقائدية كفيلة بأن تحسم الصراع خلال الفترة القليلة القادمة.
صمود مقدسي
من جانبه، أكد كامل الحواش نائب رئيس المجلس البريطاني الفلسطيني للسياسات أن ثلاثمئة ألف مقدسي ومع من يستطيع الوصول إلى الأقصى من فلسطيني الداخل هم فقط من يدافعون عن الأقصى نيابة عن الأمة الإسلامية بأسرها.
وأضاف أن نتنياهو استيقظ صباح الجمعة الماضية ليقول إن العالم سيرفض ما قمنا به في الأقصى أو أننا سنجني ثمار ما قمنا به من علاقات سرية على مدى سنوات مع حكومات عربية، فوجد أنه لم يكن هناك في خارج فلسطين الهبة التي ستوقفه عند حده، فأعطاه ذلك المجال بأن يتمادى في إجراءاته لتغيير الوضع خارج وداخل المسجد الأقصى.
ورأى الحواش أن رئيس حكومة الاحتلال تجاهل نصائح المؤسسة الأمنية بألا يقوم بإجراءات تثير غضب الشعب الفلسطيني، واكتفى بالاستماع إلى المجموعة الصغيرة المحيطة به من المستوطنين والأحزاب اليمينية، لضمان الفوز في الانتخابات المقبلة والاستمرار في منصبه.
وردا على سؤال بخصوص الرأي العام الغربي تجاه ما يحدث، أوضح الحواش أنه لأول مرة تظهر القضية الفلسطينية للعالم بأنها حرب للسيطرة على المسجد الأقصى ومنع الفلسطينيين من الصلاة فيه، مناشدا الشعوب العربية والإسلامية أن تتحرك لنصرة المسجد الأقصى المبارك لا سيما أن الاحتلال ماض في سياسة التصعيد.

أمريكا وصراع المستقبل على القدس

أمريكا وصراع المستقبل على القدس


 د. عبدالعزيز كامل
في عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحبت قواتها تاركة للعصابات الصهيونية فرصة ملء الفراغ، فاستغلت قطعانها حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة اليهودية . وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 1948 أعلن ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للإدارة الأردنية، حتى هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو/ حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.


وإذا كانت فلسطين قد مر عليها نحو سبعين عاما من الاغتصاب اليهودي، والقدس قد مضى عليها خمسون عاما من الاحتلال الصهيوني؛ فإن تلك الأرض المقدسة على هذا قد قضت نحو مئة عام من الضياع، باعتبار أن نصارى الانجليز الذين سلموها لليهود؛ قد احتلوها لهذا الغرض منذ عام 1917، ففي عامنا هذا -2017- تكون فلسطين قد أتمت قرنا من الزمان تحت أيدي غير المسلمين، قتل فيها وعذب وأسر وشرد الملايين من فلسطين وما حولها.
إذا كانت بريطانيا تحمل أوزار جلب الأشرار من اليهود إلى الأرض المقدسة؛ فقد ورثت أمريكا منها ومن بقية دول الاستعمار الأوروبي الصليبي كل تبعات ونتائج الغارة على العالم الإسلامي بعامة، والأرض المقدسة في الشام بخاصة، حيث تسلمت الولايات المتحدة حمل حبل الحماية والرعاية لكيان اليهود ضد مجموع المسلمين، فخلال كل الحروب التي شنتها الدولة الصهيونية على الأراضي العربية؛ كانت أمريكا تقف بلا حدود وتؤيد بلا تحفظ أي خطوة يقدم عليها اليهود للمزيد من إهانة المسلمين والهيمنة على مقدساتهم، وذلك خلال سنيِّ ما كان يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي، بمراحله العسكرية الحربية، ومحطاته التفاوضية الاستسلامية.
الموقف الموقف الأمريكي المصر على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لإسباغ شرعية دولية على تهويدها؛ أعاد نكأ الجراح ، وكرر التحذير من خطر التوجهات الأمريكية الحالية، التي تغلب عليها المسحة اليهودية والخلفية التوراتية، مهما اكتست بصيغ الدبلوماسية أواكتسبت صبغة العلمانية الحيادية. فمنذ صدر قانون الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس،والذي صدر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1995م؛ والرؤساء الأمريكيون المتعاقبون، يتخذون قرار إرجاء تنفيذه خوفًا من عواقبه وتداعياته المحتملة وغير المحسوبة على اليهود، وعلى الأمن القومي الأمريكي نفسه.
لكن الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) الذي جعل نقل السفارة للقدس أحد وعوده الانتخابية ،ظل يكرر هذا الوعد؛ وقد ألمح - بل صرح - بأن المستوطنات الإسرائيلية في القدس لا تشكل عقبة في طريق السلام، وهو يلح على أن الواجب على الفلسطينيين ليس محاربة الاحتلال اليهودي لفلسطين؛ بل عليهم التعهد بالاستمرار في محاربة ما أسماه "الإرهاب الإسلامي" داخل فلسطين، قبل مناقشة أي اتفاقية للسلام. وكان قد عارض الإجراءات التي عُرضت على مجلس الأمن بشأن الحد من بناء المستوطنات قبل استلام منصبه، محاولا الضغط على إدارة أوباما لاستخدام حق الفيتو لرفضها.
ترامب لم يكتف بإظهار عواطفه الحارة تجاه اليهود؛ بل عين فريقا من ناشطي الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية لتولي ترتيبات عملية السلام التي يراها، ومن ضمن هؤلاء زوج ابنته اليهودي، الذي تهودت ابنة ترامب بناء على رغبته؛ حيث قال له: " إذا لم تستطع تقديم السلام في الشرق الأوسط، فلن يفعل أحد ذلك".
ورشح ترامب صديقه المشهور بصهيونيته "ديفيد فريدمان" سفيرًا لدى الكيان الصهيوني، وهو معروف بحماسه لنقل السفارة للقدس ودعمه القوي لبناء المستوطنات فيها، إلى الحد الذي جعله يتبرع سنويا لدعمها وتوسيعها، وقد طلب ديفيد الإقامة في القنصلية الأمريكية بالقدس، حتى قبل نقل السفارة ! في نوع من التحايل الماكر، لأن المكان الذي يعمل به السفير يُعدُّ هو السفارة، وليس المبنى نفسه.
تدل الشواهد الظاهرة على أن ترامب يريد تغيير قواعد اللعبة فيما يسمى عملية السلام بنقل السفارة من تل أبيب، وقد ينقلها للقدس الغربية، تاركا للحكومة الإسرائيلية تدبير نقلها فيما بعد إلى القدس الشرقية، وفق استراتيجيتها المعلنة في توحيد شطري المدينة لتكون عاصمة موحدة أبدية للدولة اليهودية كما يردد زعماء اليهود المتعاقبين..! وهو بهذا يريد لـ (وعد ترامب) في العام 2017 أن يحقق الهدف الذي صدر من أجله (وعد بلفور) في العام 1917.. !!
(ملاحظة)..هذا جزء من مقالي بعنوان { عودة القدس للواجهة..هل تعيد المواجهة } وهو ضمن ملف عدد رمضان الفائت من مجلة البيان ، بمناسبة مرور خمسين عامًا على احتلال القدس...ورابطه هو:

أي حقوق .. وأي إنسان ؟

أي حقوق .. وأي إنسان ؟