الأربعاء، 28 فبراير 2018

الموت.. رؤية من الغربة

الموت.. رؤية من الغربة

 وائل قنديل
كانت كل البيوت مفتوحةً على بعضها، وكان أخوة الوالد آباء، لم أكن أنادي أحداً منهم بلقب "عمي" بل كان هناك "أبويا عبد الغفار" و"أبويا أحمد" شقيقا أبي، و"أبويا عبد المجيد" ابن عم أبي، وكان أزواج الخالات "بابا مهدي" و"بابا قنديل".. كان لقب "عمي" مخصصاً لكل الكبار في القرية من الجيران والمعارف.

لا أذكر أنه كان لبيتنا، أو بيوت أعمامي مفاتيح، كانت أبوابها مفتوحةً لا تغلق، نهاراً أو ليلاً، فقط عند النوم كان آخر السهرانين يرد الباب، من دون أن يغلقه.

في طفولتي، كنت أقضي في بيوت الأعمام وقتاً أطول من البقاء في بيتنا، لا أطرق الأبواب قبل الدخول، ولا أستأذن في الذهاب إلى المطبخ، أو تسلق النخلات، أو الصعود إلى تكعيبة العنب، أو الحفر في محيط طلمبة المياه لاستخراج طعم قبل الذهاب إلى رحلة صيد السمك.

في مواسم الزرع والحصاد، كان غرسنا واحداً، وحصادنا كذلك، فيجتمع كل الأشقاء وأبناء العمومة، للتشارك في وضع بذور الذرة، وغرس حبيبات البطاطس، وكذلك في موسم الحصاد، نستيقظ مبكراً لليوم الىعلوم، هذا الصباح في حقلنا، وفي الصباح التالي لحقل أحد الأعمام، إذ يتم التنسيق قبلها، حتى تكون كل القوة العاملة حاضرة، من دون غياب.

في بداية سبعينيات القرن الماضي، تخرج الدكتور فوزي من كلية الطب، ابن "أبويا عبد الغفار" وأخي الأكبر، فانفتحت عيادته الأولى في بيت العائلة، فيما كان ينتقل إلى الحالات المستعجلة على أطراف القرية والقرى المجاورة بواسطة "الفزبا" دراجة نارية صغيرة، يقودها أحدهم، وكذلك يذهب بها إلى مستشفى مدينة منوف أحياناً، حيث كان تعيينه الأول، ثم تعملقت"الفزبا"، وصارت سيارة "نصر 124" مستعملة، وكان ذلك حدثاً مهماً، أول سيارة لأول طبيب في القرية ومحيطها من القرى والنجوع.

تخصص فوزي في الجراحة، فكان الأمهر والأشهر والأكثر صرامة في عمله، لا يبتسم ويتبسط مع المريض، إلا حين تنجح العملية وتكلل بالشفاء، وقتها فقط يتحول الدكتور ذو النظارة الطبية السميكة إلى شخصٍ آخر، أستاذ في النكتة اللاذعة والمزاح مع المريض الذي كان قبل دقائق يعنفه على المبالغة في الشكوى من الألم البسيط.

مرت السنوات سريعةً، وأصبح الدكتور فوزي عمدة الجراحين في المركز والمحافظة، لكنه لم يتخل عن بساطته ولهجته الفلاحية الصريحة، بما فيها من مفرداتٍ تبدو للجيل الحالي منقرضة، وتعطيشه حرف الجيم، كما ينطقها الفلاحون والمزارعون، مع وسامته اللافتة التي يبدو معها وكأنه أحد نجوم السينما العالمية.

تحدثوا في علم الاجتماع عن"المثقف العضوي"، ذلك النموذج الذي يعيش ما ينتجه من أفكار، تجده وسط الجموع، غير منعزلٍ عنهم في أبراج التفكير العاجية. وكذلك كان أخي فوزي في الطب، يعيش بين الناس ولهم، وهي حالةٌ موروثةٌ عن والدي الذي كان عمدة الجيل الأول من معلمي القرية وما حولها في الربع الأول من القرن العشرين، لا يصيبه النكد، إلا إذا تسرب واحد من أبناء الفلاحين البسطاء من الدراسة، وآثر العيش في الأمية، يبذل معه كل المحاولات للمواصلة، حتى يصيبه اليأس والحزن.. تلك الحالة التي عرفتها مع زوج أختي الكبرى، الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، أحد رواد القصيدة الحديثة مع صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، فكان حين ينتهي من اشتباكات الحداثيين وصراعات النقاد بشأن قصيدته المركبة، يعود إلى القرية يمارس أعمال الفلاحة والزراعة، يخوض مع الزّراع والصناع في حواراتٍ تتعلق بأدق التفاصيل الصغيرة المتعلقة بطرق الري والزرع والحصاد وأنواع السماد والتقاوي والمحاريث والفؤوس.

بالأمس، رحل أخي فوزي، من دون أن أحضر غسله، ومراسم دفنه والدعاء له عند المقبرة، حيث يرقد الآباء والأمهات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناؤهم وبناتهم، ولم أشارك في الدعاء له، ولم أمر على تُرب السابقين، ولم أقف لتقبل العزاء فيه.
لا أدري أصلاً من من الأهل يتذكّر أنني غائب، ومن منهم يلتمس لي العذر في الغياب، ومن يعتبرني في عداد المنسلخين عن العائلة الكبيرة، ومن تلوث وعيه بما يسكبونه على مسامعه من أنني صرت مع الخونة، أعداء الوطنوالمتآمرين عليه.
كل ما أعرفه أنني أحمل قريتي، بحقولها وتضاريسها ومقابرها، وأضع وطني، ببشره وترابه ومياهه، في حقيبتي أينما رحلت، وأعرف أيضاً أنني أحب هذا الوطن أكثر من جلاديه ونهابيه وبائعي ترابه.
سلام على الراحلين، الأموات منهم والأحياء.

هذه القصة حقيقة قصة الشاب يونس وهي جزء يسير مما عانى منه الشعب السوري

الدكتور محمود السيد الدغيم

عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي
لمن يقول أنكم دمرتم أوطانكم بثورتكم اسمعوا هذا الكلام وهو حقيقة وهو جزء يسير مما عانى منه الشعب السوري :
هذه القصة يجب أن يقرأها كل مسلم . هذه القصة يجب أن يقرأها كل انسان. هذه القصة يجب أن يقرأها شبابنا و اطفالنا و احفادنا و كل سوري حر .
و تسألون
لماذا قامت الثورة السورية ؟
قصة الشاب يونس من الطائفة الإسماعيلة من السلمية يرويها للعالم بعد أن دخل الإسلام.
الأربعاء 20 مايو 2015 م

انضممت الى الجيش العلوي ( سرايا الدفاع ) بعد أن سمعت بالمزايا والوعود والدرجات الإضافية التي تضاف لاختبار الثانوية والمسدس والقنابل الكلاشينكوف والملابس العسكرية المموهة التي لايملكها الجيش النظامي ..كان لها هيبة.
كانت دمشق كلها تنام بالرعب تحت وطأة سرايا الدفاع وجمعية الامام المرتضى التشييعية التي يقودها جميل الأسد شقيق رفعت وتسعة أفرع مخابراتية بأنواعها وتفنناتها الاجرامية .
كان العلويون في قمة نشوتهم وشماتتهم بدمشق الحزينة. 
بدأ الكابوس عندما تم استدعاؤنا لأجد نفسي خلف رفعت أسد على أبواب مدينة حماة. ضرب رفعت أسد قدمه على الأرض فور نزول أخيه حافظ أسد من الطائرة المروحية وخلفه علي حيدر وعلي دوبا وعلي أصلان وابراهيم الصافي وهاشم معلا وشفيق فياض وبعد تحية عسكرية سريعة قال رفعت :
سيدي ننتظر أوامرك كي نحرق السنّة.
فرفع يده حافظ علامة الهدوء ..ظننت انه لايريد اراقةالدماء ولكني كم تفاجأت وأنا أراه يشرف بنفسه على المذبحة. 
دخلت أمي الى الحمام حيث كنت أغتسل بعد حصولي على اجازة مدتها يوم واحد مكافأة لأني نفذت أوامر الرائد عزيز بالتبوّل على رجل من آل كيالي كان يقرأ القرآن في المسجد .. وتم قتله والتبول على القرآن وفوق جثته ..كان بكائي كالمفجوع .حاولت أمي تهدئتي ولكني وضعت رأسي بين قدمي متكوّراً على أرض الحمّام. 
صرخت أمي يا أبا نورس تعال شوف ابنك . قدم والدي وحملني وأنا عار تماماً ..كان الأمر أشبه بهروب من التنشق ..لابل الركوض وراء الاختناق. 
كنت أنوي الهروب من المذبحة ولكن قصة الانتقام من السنّة .. وأن اليوم زمن أعدائنا العلويين وتسلطهم على السنّة ويجب أن نتّبع التقية معهم ..كان هو رأي والدي
ورعب أمي ارجعني إلى هناك. إلى غرفة بها 11 طفلاً وطفلة تم جمعهم بعد أن تم إعدام عائلاتهم في ساحة المسلخ
قام النقيب بسام باستدعاء الطفلة تهاني التي كانت تحمل أخاها الرضيع فضربها قائلاً : أسكتيه ياقحبة.. 
قالت تهاني ببراءة : أنا اسمي تهاني مو قحبة عمو.. 
قال لها : هنتي ق--- قولي انا ق--- فترددت
فصرخ بعد أن رفسها بالحذاء العسكري قولي أنا قحبة ياشرموطة .فنهضت وحملت أخاها ثانية وقالتها وهي تبكي متألمة. 
كانت تهاني تبكي وكنت أبكي معها ولكن دون دموع ..هربت كل معاني الرجولة مني. 
تهاني كانت تحمل رجولة بين ظفائرها فأخذت تهز أخاها الذي علا بكاؤه فقالت للنقيب :
عمو أخي جوعان منشان هيك عم يبكي
فاقترب النقيب منها وسألها مااسمه؟ فقالت صلاح. 
فقال متهكّماً يلعن بيك وبي صلاح الدين الأيوبي (أي أباك وأبو صلاح الدين الايوبي) فنظرت اليه والرعب يكاد يشل أركانها ..كانت الحيرة تغمرها، التقط النقيب الطفل صلاح وقرّب مسدسه ذا الماسورة الملتهبة نحو فمه فقد تم تفريغ مخزنين في آباء وأمهات هؤلاء الأطفال فتلقفه الطفل بنهم وراح يمتصه فصرخ الطفل بعد أن أحرقت ماسورة المسدّس فمه ولسانه فانطلقت رصاصة أخرست صوت نهم ولعقات لسان ولعاب الرضيع صلاح التي تخيلتها.
رباه لم أصدّق ما أرى كان المكان يشبه صوراً قد شاهدتها عن جرائم الأمريكيين والفرنسيين بحق الفيتناميين. ربما مايحصل الآن ماكان يمكن أن يحصل أبداً في مكان آخر
ليتني ظللت في الشام وهربت ..
هلع وصراخ وبكاء الاطفال لم يوقفه صراخ وتهديدات النقيب بسام ، فقال لي : لقّم الروسية ورشهم هالخنازير السنّة..
تسمّرت ، فوكزني زميلي الرقيب عهد وهو شاب علوي من الطائفة المرشدية لايملك من الآدمية إلا لون جلده وتكوينه الجسدي ولقّم روسيته وقال : تراجع ، وقام بافراغ رصاص بندقيته في أجساد الأطفال .وهو يصرخ ياسلمان (نسبة لإلهه سلمان مرشد).
كان الأطفال يترامون وهم لايعلمون مايصيبهم ..
بقي أربعة أطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة فاقترب النقيب وقال لي اذبحهم وأرحهم. ووضع مسدسه في رأسي .. ذبحتهم بحربة البندقية الثلمة. إحدى الفتيات نظرت إلى عيني وقالت : عمو رقبتي عم توجعني.. ياأمي عم ينزل دم!.
فقد كانت الرصاصة أصابتها فأمسك النقيب يدي وراح يحركها مع الحربة ويقطع رقبتها وهي تغرغر وعيونها تحاول التعلق بعيوني ..
ضربني ورفسني النقيب بسام وسألني :
قرد هنت منين؟
فقلت له من السلمية. 
قال هنت سمعولي (من الطائفة الاسماعيلية)؟
فقلت نعم
فقال : ماقلك أبوك هودي أعداءنا وأعداءكم حلال حرقهن؟
فقلت :بلى ولكن قلبي ضعيف. 
فضحك وقال قدامنا حماه كلها وستعتاد على الذبح!!
مازالت نظرات تهاني تلاحقني ..ومازالت قهقات النقيب بسام ترعبني. 
إنه هو الرعب ذاته مايقوم به أبناء الطائفة العلوية اليوم في حربهم المقدّسة ضد المسلمين السنّة.
إنه هو الموت ذاته الذي يستمتعون به عندما يوقعون به الأبرياء.
عندما نطقت الشهادتين صارت عيون تهاني تنام معي والطفلة التي ذبحتها وانغرست نظراتها في وجداني ..
وصوت لعقات صلاح تشدني لفضح جرائم ارتكبت باسم علي بن ابي طالب إله النحل كما يقول العلويون. 
يقول أبي لست ضد ان تصبح مسلماً سنيّاً ولكن لاتنسى ان تحكي تاريخ الطائفة كي يتفهّم الناس كيف يشوّه التاريخ ليربوا الحقد الأسود في النفوس. 
كان نضال سليمان لايكف عن الحديث عن البناديق السنّة (مفردها بندوق وتعني ابن الزنى ) وكم قتل منهم في جسر الشغور وحلب ..
كان يقول قمة الكبرياء أن تغتصب سنّية أمام زوجها وأولادها وهي تلبس كيس الزبالة على رأسها (الحجاب)
نضال انجب ثلاث أولاد كلهم يشاركون في حرب بشار وحسن نصر الله وخامنائي ضد السنّة ..فكم حرّة اغتصبت وكم تهاني قتلت وكم صلاح لعق ماسورة مسدس قاتله الملتهبة ؟؟
ترى من سيقتص من قتلة تهاني ..لا بل ألف تهاني وألف ألف صلاح ؟؟
أشعر بيدي ترتجف ونبضات قلبي تتسارع… 
رحم الله تهاني و أهلها و غفر لي… 
وإلى لقاء قريب والسلام عليكم ورحمة الله .

الثلاثاء، 27 فبراير 2018

القيم الإنسانية للمنظومة الدولية.. ومشكلتنا إزاءها

القيم الإنسانية للمنظومة الدولية.. ومشكلتنا إزاءها


ساري عرابي

كشفت أحداث الثورات العربية عن قدر كبير من الاتكاء على المنظومة الدولية. 
وهذا، وإن كان في جانب منه مفهوما بالنظر إلى التركيب السياسي العالمي الذي يهمين فيه النظام الدولي على العالم، وتشكل الدولة الوحدة الأساسية فيه، كما أنّه مفهوم بقدر ما بالنظر إلى مجالات الفاعلية السياسية، فإنّه غير مفهوم من جهة الاعتماد على الحس الأخلاقي للمنظومة الدولية التي تتبنى القيم الغربية، أي قيم المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.

مع انسداد الأفق السياسي، وعجز الفعاليات المتنوعة، السياسية والفكرية والاجتماعية، عن تحقيق اختراقات جديّة في واقع الدول العربية، واستمرار حالة التردي الشاملة في البلاد العربية كلها، وصلابة سيطرة الدولة على المجال العام، فإنّ انزياحات فكرية أخذت تتسع باتجاه تبني المنظومة القيمية الغربية.

كانت ثمة اعتبارات سياسية بالتأكيد لدى القوى المعارضة والساعية للإصلاح، بمعنى تقديم تنازلات للقوى المهيمنة لأجل نيل اعترافها، وهو ما كان يعني افتقار بعض قوى المعارضة والتغيير لأدوات نقدية تعالج فيها المنظومة القائمة، مما أدّى بالضرورة، ومع مرور الوقت، إلى ضعف الوعي بهذه المنظومة، من الدولة المحلية صعودا إلى القوى الكبرى. كما أدّى إلى تراجع الحساسية تجاه السياسات الاستعمارية بأشكالها المتجددة للقوى المهيمنة، وتوظيفها الذرائعي لقيمها المعلنة، وفي أحسن الحالات، عبّرت قوى التغيير والإصلاح عن خطاب يروم إحراج القوى المهيمنة بنقد ازدواجية معاييرها، دون الولوج إلى حقائق تلك القيم، أو إعادة إنتاج خطاب نقدي للسياسات الاستعمارية المستجدة.

الاعتبارات الثقافية، لدى العديد من المثقفين والسياسيين، بما في ذلك بعض المشتغلين بالفكر الإسلامي، أو المتحركين على تخوم الحركية الإسلامية.. لم تكن تخلو من الإحساس بالهزيمة، وبالتالي الجنوح الثقافوي لتفسير الانسداد الحاصل في البلاد العربية؛ بالفجوة القيمية بين العرب والمسلمين وبين الغرب، مع تغييب للتاريخ الاستعماري الذي انبنت عليه الحضارة الغربية، ولو في جوانب أساسية منها، واستمرار تلك السياسات الاستعمارية، والتي تستهدف بلادنا ومنطقتنا بشكل كبير، بالرغم من وقوفنا خارج المنافسة الحضارية في هذه اللحظة من الزمن، مما يعني إحساسا غربيّا بالتحدي الذي يمكن أن تشكّله هذه الأمة لو نالت حريّتها.

بانفجار الثورات العربية، بدا الغرب قريبا. فقد دعت الولايات المتحدة الأمريكية لتنحي مبارك، وتدخلت القوى الغربية لإسقاط القذافي، وبدا وكأن قيما تحكم هذه السياسات، بيد أن هذه القيم انتحرت تماما فيما بعد. فبينما انشغلت الديمقراطيات الغربية بنقد سياسات الرئيس التركي أردوغان بحجة نزعاتها السلطوية وتجاوزها للأعراف الديمقراطية، فإنّها كانت تسلّم تماما بالحكم الدموي المطلق لعبد الفتاح السيسي، وتغض الطرف عن عمليات الإبادة والتهجير والقتل الواسعة التي تجري في سوريا. 

وعلى نحو مريب، لم يكن لدى تلك القوى أي إشكال في الحرب الدائرة في سوريا، سوى في استخدام غاز السارين!

وبالرغم من كشف الدولة العربية عن قدر هائل من التوحش المنفلت، ظلّت بعض القوى والشخصيات الإصلاحية تعتبر هذه الدولة معيار الحركة ومصدر الشرعية، ويمكن هنا اتخاذ عبد المنعم أبو الفتوح نموذجا في دعمه لحملة الجيش المصري على سيناء، وتناوله المحفوف بالتقديس لمؤسسات الدولة، وخاصة الجيش، بما ينم عن انعدام المعالجة النقدية للدولة، أو انعدام أي احتمال لديه لاعتبار الدولة هي المشكلة.

وأما في السياسات الاستعمارية تجاه بلادنا، فلم يتجاوز الموقف من المنظومة الدولية؛ الهجائية التقليدية، مع ملامسة سطح السياسات الاستعمارية، دون أي نقدي جدي وتأسيسي لها. وقد كان يغنينا في الحقيقة عن هذه التجربة المرة، والاتكاءات العاجزة، الاعتبار بالحالة الفلسطينية التي تنتحر على عتباتها كل قيم الإنسانية التي تعلنها القوى الكبرى، لكن الوعي بالعامل الاستعماري ظلّ ضعيفا في خطابات وسياسات قوى الثورات العربية.

إننا بحاجة إلى إعادة بناء تصور شامل لا يكتفي بوضع الدولة والمنظومة الدولية في قلب مشكلتنا، وإنما - وبالإضافة إلى ذلك - الوعي بالعلاقة المتبادلة بين القيم والثقافة وبين القوة، وهذا لا يتأتى إلا بتناول مشكلتنا في سياق مشكلة أكبر، وهي المشكلة مع الاستعمار الغربي.

الغوطة الشرقية.. حيث غابت الإنسانية

الغوطة الشرقية.. حيث غابت الإنسانية

د. محمد عياش الكبيسي

غوطة الشام ريف جميل وممتد حول العاصمة يمدّها 
بما تحتاجه من خضار وثمار، وفيها عدد من القصبات والأحياء العامرة، ورد ذكرها في بعض الأخبار أنها فسطاط المسلمين، وفي معجم البلدان أنها واحدة من «جنان الدنيا».

اليوم تتعرض هذه الجنة للحرق الشامل والتدمير الكامل على يد حلف الشيطان، الذي قرر إبادتها وأهلها ونساءها وأطفالها وكل متحرك أو واقف فيها، ولم يدّخر عنها شيئاً من مخزون أحقاده ولا من مخزون أسلحته الذكية والغبية، الكيمياوية والتقليدية، علماً أن الغوطة بريئة مما يُسمّى بـ «الإرهاب»، فلم تدخلها «داعش» ولا أخوات «داعش».
العالم كل العالم يشاهد ويتابع ويراقب، لكنه يلوذ بالصمت، هو صمت أقرب إلى القبول والرضا، ومنهم من يصرّح بذلك فيمد يده أمام الملأ لمباركة عصابات القتل، نعم يباركها وهو يرى أنيابها تغوص في أشلاء إخوانه وأخواته!
العرب كأنما أصابهم الشلل التام، عروشهم وجيوشهم وشعوبهم، مَن في السلطة ومن في المعارضة، المستقلون والمسيّسون، كلهم يتفرّجون، لا مظاهرة تملأ الشوارع أو تحاصر السفارات كما كنا نرى في السابق، ولا تنديد أو استنكار ولو لذرّ الرماد في العيون، بل من مفارقات هذا العصر وغرائبه وعجائبه أنك ترى بعض دعاة القومية العربية وأحزابها وتياراتها يتحالفون جهاراً نهاراً مع الفرس ضد العرب، ومع الأجنبي الغازي ضد ابن البلد المدافع عن أرضه وعرضه وعروبته!!

هناك أقوام آخرون ظلوا زماناً طويلاً يفاخروننا بإنسانيتهم وتحضّرهم ورقّة مشاعرهم، تقوم قيامتهم لو مسّ مخلوق ما قطة من القطط أو كلباً من الكلاب، يا إلهي أين هم الآن؟
يجيبك أحد المغررين من أبناء جلدتك: يا أخي هم مسؤولون عن شعوبهم، وليس عن شعوبنا، وهم معنيون بنشر الرحمة وقيم العدل والاحترام في بلادهم وليس في بلادنا! هكذا؛ فالقيم الإنسانية، وفق الحضارة الجديدة، تقف عند حدود جغرافية معينة؛ فالقلب الرحيم تمتد رحمته إلى نهاية حدود بلاده، فإذا تعدّاها لا بأس أن ينقلب إلى وحش يقتل ويسلب وينهب، ويمارس كل أنواع الدمار والخراب، ويمد المجرمين بكل ما يحتاجونه من سلاح وعتاد وذخيرة! 
نعم، إنه في بلاده لا يستطيع أن ينام الليل لو رأى كلباً جريحاً أو قطة جائعة. أما خارج بلاده، فينام ملء عينيه ويضحك وسع شدقيه حينما يرى آلاف الأطفال يموتون بالرصاص وبالغازات السامة وبالجوع والحصار والحرمان!

إنها الإنسانية المصنّعة تصنيعاً على وفق المقاسات السياسية والتجارية، فلأن سوق السلاح الذي تنتجه الدول الغربية بحاجة إلى حروب تستعر وفوضى تستمر، إذاً فأوعِزوا لصنّاع قيمة الرحمة أن يفصّلوها على مقاس معيّن لا تمتد خارج مقاسها؛ فالرحمة يجب أن تتوقف حينما تبدأ المصلحة.
إن الغوطة، ومن قبلها حلب والفلوجة والموصل وسجن أبي غريب، قد كشفت عوار هذه الحضارة المصنّعة، وأنها حضارة عنصرية لا تنظر إلى الإنسان إلا من خلال جنسيته وجواز سفره، وقد آن الأوان لإحياء آمال الإنسانية المتعبة بمنهج إنساني يتعامل مع الإنسان كإنسان قبل أي اعتبار آخر، المنهج الذي يستند إلى رحمة الخالق الرحيم الرحمن {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعالَمِينَ}.;

الاثنين، 26 فبراير 2018

وشربت أوروبا الكأس المسموم

وشربت أوروبا الكأس المسموم

د.محمد عمارة

في نيسان/ إبريل عام 1997 عقد في عمان (الأردن) حوار إسلامي مسيحي - في رحاب المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، مع وفد الكنائس الألمانية حول "عملية العلمنة والمسيحية الغربية".

ولقد شاركت في هذا الحوار، معلقا على بحث قدمه الدكتور "جوتفرايد كونزلن"، أستاذ اللاهوت الإنجيلي والأخلاقيات الاجتماعية بجامعة القوات المسلحة في ميونخ بألمانيا.

ولقد جاء هذا البحث شهادة شاهد من أهلها على ما صنعته العلمانية والتنوير الغربي بالمسيحية في أوروبا، حتى أني (لأهمية البحث) قمت بالتقديم له والتعليق عليه ونشره بسلسلة "في التنوير الإسلامي"، بدار نهضة مصر عام 1999م.

ففي هذا البحث، قال أستاذ اللاهوت والأخلاقيات الاجتماعية:
- "لقد مثلت العلمنة: تراجع السلطة المسيحية، وضياع أهميتها الدينية، وتحول معتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية، والفصل النهائي بين المعتقدات الدينية والحقوق المدنية، وسيادة مبدأ دين بلا سياسة وسياسة بلا دين".

- "ولقد نبعت العلمانية من التنوير الغربي، وجاءت ثمرة لصراع العقل مع الدين، وانتصاره عليه باعتباره مجرد أثر لحقبة من حقب التاريخ البشري، يتلاشى باطراد في مسار التطور الإنساني".

- "ومن نتائج العلمانية: فقدان المسيحية لأهميتها فقدانا كاملا، وزوال أهمية الدين كسلطة عامة، لإضفاء الشرعية على القانون والنظام والسياسة والتربية والتعليم، بل وزوال أهميته أيضا كقوة موجهة فيما يتعلق بأسلوب الحياة الخاص بالسواد الأعظم من الناس وللحياة بشكل عام، فسلطة الدولة، وليست الحقيقة، هي التي تصنع القانون وهي التي تمنح الحرية الدينية".

- "ولقد قدمت العلمانية الحداثة باعتبارها دينا حل محل الدين المسيحي، يفهم الوجود بقوى دنيوية، هي العقل والعلم".

- "لكن، وبعد تلاشي المسيحية، سرعان ما عجزت العلمانية عن الإجابة على أسئلة الإنسان، التي كان الدين يقدم لها الإجابات. فالقناعات العقلية أصبحت مفتقرة إلى اليقين، وغدت الحداثة العلمانية غير واثقة من نفسها، بل وتُفككُ أنساقها العقلية والعلمية عدمية ما بعد الحداثة، فدخلت الثقافة العلمانية في أزمة، بعد أن أدخلت الدين المسيحي في أزمة. فالإنهاك الذي أصاب المسيحية أعقبه إعياء أصاب كل العصر العلماني الحديث، وتحققت نبوءة "نيتشه" (1844 - 1900م) عن "إفراز التطور الثقافي الغربي لأُناس يفقدون نجمهم الذي فوقهم، ويحيون حياة تافهة، ذات بعد واحد، لا يعرف الواحد منهم شيئا خارج نطاقه"، وبعبارة "ماكس فيبر" (1864 - 1920م): "لقد أصبح هناك أخصائيون لا روح لهم، وعلماء لا قلوب لهم"!

- ولأن الاهتمام الإنساني بالدين لم يتلاشَ، بل تزايد، وفي ظل انحسار المسيحية، انفتح باب أوروبا لضروب الروحانيات وخليط من العقائد الدينية لا علاقة لها بالمسيحية ولا بالكنيسة، ومن التنجيم إلى عبادة القوى الخفية والخارقة، والاعتقاد بالأشباح وطقوس الهنود الحمر، وروحانيات الديانات الأسيوية، والإسلام الذي أخذ يحقق نجاحا متتزايدا في المجتمعات الغربية.

- لقد أزالت العلمانية السيادة الثقافية للمسيحية عن أوروبا، ثم عجزت عن تحقيق سيادة دينها العلماني على الإنسان الأوروبي، عندما أصبح معبدها العلمي عتيقا، ففقد الناس "النجم" الذي كانوا به يهتدون، وعد الخلاص المسيحي ثم وعد الخلاص العلماني"!

هكذا شهد أستاذ اللاهوت والأخلاقيات الاجتماعية على ما صنعته العلمانية والتنوير والحداثة بالدين في أوروبا، عندما شربت هذا الكأس المسموم الذي يسعى الغرب والمتغربون إلى أن يتجرعه المسلمون الآن.

صناعة الديكتاتور... هل حقاً الناس على دين ملوكهم؟

صناعة الديكتاتور... 
هل حقاً الناس على دين ملوكهم؟

 الشيخ محمد المختار دي

اللاإنسانيون أو الشبيحة أو المطبلون أو صانعو الديكتاتوريات وممجدوها، تختلف الأسماء والفئة واحدة والمنهج واحد والطريق واحدة والصناعة واحدة.

هم نوع من البشر يختلفون في كلامهم ومعاملاتهم عن بقية البشر، أناس بلا إنسانية وخلق بلا أخلاق، يمجدون المستبد ويقدسون الديكتاتور ويصنعون الفرعون، وبدون ثمن، فقط لإشباع رغباتهم في الطاعة العمياء وغريزتهم في عبودية بشر. صنعوا منهم آلهة لا يسألون عما يفعلون من مجازر ولا يعتبون عليهم إذا استبدوا ولا يحاسبونهم إذا أخطأوا.

كشفت ثورات الربيع في حسناتها عن فئة من شعوبنا العربية تشمت بالقتل وتتشفى بالمجازر وتؤيد المجرمين، من أجل التأييد فقط.

إنهم شبيحة الأسد الذي قتل نصف شعبه أمام أعينهم بدون أن يتحرك لهم شعور إنساني يندد أو على الأقل يستنكر بقلبه وذلك أضعف الإيمان، لم يؤثر فيهم كيميائي أطفال الغوطة ولا آلمتهم مجازر إدلب ولا أثارتهم الصور والصرخات القادمة من بقية المدن. هم فقط اكتفوا بالتغريدات الشامتة والبوستات المتشفية، هؤلاء اللاإنسانيون، وهم في كل بلد ووراء كل مجرم. 



هم المطبلون للسيسي يمجدونه حتى بدون أن يفهموا ما يقوله، كلامه حكم ونظرياته علم يستدل به، وهو الوحيد الذي يحق له التفكير والتخطيط، ودورهم فقط قد صدق السيسي في ما قال وأصاب في ما فعل وحتى لو ناقض فعله كلامه، هو السيسي خلق عندهم ليمجد.

هم الذي يهتفون باسم الأمير الحازم وباسم محرر القدس آية الله حسن نصر الله، ويعظمون الحوثي على علته، ويتعاطفون مع حفتر رغم جرائمه، ويؤيدون الانقلابات الدموية في كل أرض من أفريقيا السوداء، فتجدهم جميعاً بلا قضية والأشد من ذلك بلا إنسانية.

هل حقاً أن الناس على دين ملوكهم كما هو مشهور؟ وكما تكونوا يولّ عليكم كما قيل؟
أم أنها مجرد فئة قليلة مندسة في مجتمعاتنا ومحسوبة علينا لتشوه صورتنا وتصنع لنا المستبدين؟

في كتابه البداية والنهاية حاول ابن كثير أن يعالج مسألة التبعية العمياء التي كانت توليها الرعية العربية لحكامها، واستشهد بالعصر الأموي وبثلاثة من أشهر خلفائه: الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان والخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.

فكان الوليد مشهوراً بالعمران فأصبح الناس لا يسأل بعضهم بعضاً إلا عن العمران والبنيان، 
وكان أخوه سليمان بن عبد الملك مشهوراً بحبه للنساء فكان العامة لا يسألون إلا عن النساء والشهوة، 
وكان عمر بن العزيز مشهوراً بالصدقة والصلاة فكان الناس لا يسألون إلا عن الصلاة والعبادة.

خرج ابن كثير من نظريته بالتبعية التي توليها الرعية لحكامها فجمعوا المتضادات لثلاثة حكام بين زهو الدنيا وشهوتها وحب الآخرة والاستعداد لها، تلك عادة عربية قديمة جديدة مع اختلاف الزمان والدهر والأيام والدول، خالفوا فيها الدين والمنطق واتبعوا العادة. ذلك كان من تاريخ العرب ما سطرّه ابن كثير.

فماذا عن الغرب؟ في تاريخ أوروبا، خاصة الإمبراطورية الرومانية، كانت الفئة الأغلب من شعوبهم على دين ملوكها، تقلّد الحاكم في كل شيء ولا تنازعه أمره، غير أن أوروبا المعاصرة الحديثة بثورتها الفكرية غيّرت تلك العادة فانتفض الناس وثاروا في وجه طغاتهم وغيروا مجرى تاريخ أوروبا.

بالأمس القريب أيضاً ثار الناس في بلاد وحاولوا تغيير تلك الأصنام والأوثان، غير أنه ما لبثت أن عادت حليمة لعادتها القديمة بسبي المؤامرات، وتلك الفئة من الشعوب التي تعشق صناعة المستبدين وتنميتهم، وهم جيل تربى على الخنوع والخضوع والتصفيق والتهليل ويلقي باللوم في وجه الشباب العربي الثائر.
تلك الفئة غالباً ما تكون مجردة من كل إنسانية وتتشفى وتشمت بمآسي الثائرين من الشعوب والمطالبين بالحرية، لأن من اعتاد العبودية من الصعب أن يعيش الحرية أو يتقبلها كمسيرة لحياة الناس!

الأحد، 25 فبراير 2018

قراءة في كتاب سراي نامه الغازي والدرويش

قراءة في كتاب

 سراي نامه الغازي والدرويش



أسم الكتاب سراي نامه الغازي والدرويش
المؤلف محمد عبد القهار

"تدور أحداث هذه الرواية في الدولة العثمانية في القرن السابع عشر حيث يستشري الوهن في الدولة، وتحيط بهاالأخطار من كل جانب؛ صفويون شيعة في الشرق يحاربون تحت راية الأئمة، وبولونيون في الغرب يرفعون الصليب. وبينهما سلطان درويش القفص، وآخر ينقلب على نفسه، وسيرة الغزاة الأوائل تدنست بدسائس الحريم، تطاردها سيوف الإنكشارية وتنكأ جروح شيوخ الإسلام، تكتب بالوجد والدماء فصولاً لا تنتهي من كتاب السراي" 




قراءة كتاب سراي نامه الغازي والدرويش أونلاين



لـــ الاستماع 

سراي نامه، الغازي والدرويش 

الجزء الأول (1/4)



الجزء الثاني (2/4)


الجزء الثالث (3/4)



الجزء الرابع والاخير (4/4)