‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات داود البصري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات داود البصري. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 22 يونيو 2016

نسخة عصرية لأحكام قراقوش المصرية

نسخة عصرية لأحكام قراقوش المصرية

    داود البصري
    في واحدة من أعجب الظواهر في عصر الحريات الكونية، يصر البعض على استحضار مدرسة الماضي القمعية في ممارسات سياسية تدور في فلك أزمة لا يراد لها أن تنتهي بحلول توافقية على الأقل وبما من شأنه ضمان الخروج بأقل الخسائر! فإصرار النظام العسكري المصري على استعراض قوته عبر محاكمات هزلية أمر يثير الأسى والغثيان بآن واحد، لقد أضحت أحكام الإعدام الجماعية أمرا معتادا وحالة روتينية، في بلد مثل مصر يمتلك مقومات حضارية وإنسانية لا تليق بسمعته ولا بكرامة شعبه الأصيل مثل تلك الأساليب التي أكل عليها الدهر وشرب! ، فالحكم بالإعدام والمؤبد وبكل العقوبات المتوفرة على الرئيس المصري الشرعي والمنتخب د. محمد مرسي لا يسيء فقط للعدالة بمعناها العام، بل يسيء لقضاء مصر الشامخ ولسمعة مصر بين أمم الأرض، فتخبط عسكر الانقلاب قد تجاوز كل المديات المعقولة! ، وقوافل المعتقلين والمحكومين بأحكام قضائية قاسية وانتقامية منذ الانقلاب العسكري صيف عام 2013، قد جعل الأوضاع المصرية العامة تعيش تدهورا عاما انعكس على وضعية البلد التي دخلت في عنق زجاجة وفي وضع حرج بات يأكل إمكانات مصر التي تدهورت في مختلف المجالات، وضمن مسلسل تشويه السمعة، وتجاوز ملفات فضائح الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، واستسهال السلطة لسفك دماء المصريين ومن أجل تبرير وشرعنة الانقلاب، فقد بدأ مسلسل المحاكمات لقيادات النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي الذي حكم عليه بالإعدام ثم عرض مؤخرا أمام القضاء في قضية مثيرة للسخرية فعلا وهي قضية ما يسمى بالتخابر مع دولة قطر!! 
    في ملف تلفيقي وفبركة واضحة وضمن أسلوب لتصفية الحسابات السياسية بطريقة رثة. لقد حكم على الرئيس مرسي بالمؤبد! كما تم الحكم على صحفيين بالإعدام! في قضية ملفقة أصلا تذكرنا بأحكام قراقوش! فما الذي يمكن لمرسي أن يقدم من معلومات مؤذية للأمن القومي المصري لدولة قطر؟ ثم هل أن قطر دولة معادية وتهدف لتدمير مصر واقتصادها وأمنها! أم أنها صاحبة مشروع تنموي طموح لا يهدف إلا لخير مصر والعرب أجمعين؟
    ما هذا المنطق في تشويه الأمور والملفات وتقديمها على غير حقيقتها، وما هذا الاستهزاء بل واللعب بملفات الأمن القومي لصالح مصالح معينة هدفها خلط الأوراق، وتشويه المواقف وفي عرض ميتافيزيقي لأردأ أنواع التهريج السياسي! 
    لقد أدان العالم أجمع مذبحة الحريات في مصر والتي تصاعدت بأحكام قراقوشية وبإعدامات بالجملة ووفق ملفات اتهام عائمة وملفقة ذات أبعاد سياسية واضحة، تاريخيا فإن تجربة نصف القرن الأخير من زمن العسكر حفل بمواقف وتحولات دراماتيكية مؤلمة، فرئيس مصر الأول بعد انقلاب يوليو 1952 اللواء محمد نجيب تعرض لإذلال ومهانة كبرى وأخرجوا اسمه من دفاتر التاريخ بعد أن امتهنوا كرامته وتنكروا لتضحياته ودوره التاريخي لمجرد أنه دعا لبناء مصر ديمقراطية حرة بعيدة عن قبضة العسكر، فدفع ثمنا غاليا ولم ينصفه سوى التاريخ الذي أعاد اعتباره، ولكن للأسف لم يتعظ البعض من تجارب الماضي المؤلمة، ولم يحفظوا للشعب المصري تضحياته ودمائه المستمرة فصولا ملحمية في الدفاع عن الحرية وعن قيم الثورة الشعبية التي اغتصبها الطغاة، وها هم يمارسون اليوم ساديتهم التي لم تطفئها دماء المصريين المسفوكة في رابعة وشوارع مصر المحروسة، بل امتدت لمجازر قضائية وقانونية باتت تشكل غيمة سوداء من شأنها تدمير النسيج الحيوي للمجتمع المصري، محاولات شيطنة المعارضة الشعبية وتلفيق وفبركة الملفات وتشويه مواقف بعض الدول العربية أو الأطراف التي تقف مع الشعب المصري في محنته أمور لن تؤدي لانفراج الأوضاع المصرية المتأزمة، فالأزمة في عمقها تتعلق بتجاوز الشرعية والتعدي على خيارات الشعب، والتعدي على أهداف الثورة الشعبية المصرية، نظام متأزم ينتقل من فشل لكوارث أكبر لن تنفعه محاكمات قراقوشية بائسة هي بمثابة كوميديا سوداء، لابد في النهاية لفجر الحرية من أن يبزغ في مصر المحروسة، وأحكام الإعدام بكل تأكيد لن تجد مجالها للتنفيذ الميداني!
    إنها مجرد سيف مشهر لإرهاب الناس وفرض القمع، وهو تصرف بائس لنظام بائس يتخبط في إدارة ملفاته الصعبة ومنها ملف "سد النهضة" الإثيوبي الذي يشكل التهديد الحقيقي للأمن القومي والغذائي والحيوي المصري! 
    أما المحاكمات الهزلية فهي فصل عابر، إنها قصة شعب مصر الذي يصارع البلوى.

    الأربعاء، 15 يونيو 2016

    ولايتي وشرعية بشار.. وقاحة بلا حدود؟..

    ولايتي وشرعية بشار.. وقاحة بلا حدود؟.. 

    داوود البصري


    هل تتذكرون علي أكبر ولايتي؟.
    إنه وزير خارجية نظام ملالي إيران أيام الحرب العراقية الإيرانية والذي لاتفارق الذاكرة المشحونة بالأحداث والوقائع والمصائب والرزايا ، صورته في محادثات السلام مع العراق في جنيف وهو يطأطئ رأسه أمام الوفد العراقي بعد أن تجرع نظامه كؤوس سم الهزيمة وارتضى إنهاء الحرب الماراثونية التي كانت تهدف لإقامة جمهورية الولي الفقيه في العراق، واضطر للتفاوض من أجل السلام وإنهاء تلك المجزرة التي استمرت ستة أعوام إضافية دون مبرر حقيقي سوى الرغبة بالاستنزاف والمراهنة على أوهام ، وكذلك من أجل تغطية عورات النظام الإيراني الداخلية بذريعة الحرب التي أصر النظام الإيراني على استمرار حريقها منذ صيف العام 1982 وحتى صيف 1988!. 


    المهم إن ذلك الدبلوماسي الذي كان مطأطئ الرأس وحسيرا ومهزوما ذليلا ، عاد اليوم وبعد مايقارب الثلاثة عقود على نهاية تلك المجزرة ، ليكون في موقع سياسي وأمني آخر له سلطة أيضا في شؤون الحرب والسلام..! ، إنه منصب المستشار الستراتيجي للولي الفقيه!، وهو موقع يخطط لسيناريوهات التمدد الإيراني الاستراتيجي في المنطقة ، ويرسم تصورات مستقبلية لذلك المشروع ، ويضع الأسس الكفيلة واللازمة لإنجاحه!. 

    وليس سرا إن الولايات المتحدة وهي تتخبط في أوحال المنطقة وسط صراع الأجندات في إداراتها المختلفة ، قد حولت العراق الذي كان شوكة في عيون أهل المشروع الطائفي التخريبي الإيراني لأرض يباب بل لمزرعة للنظام الإيراني وصبيانه في المنطقة ، قد أخرجت العراق من معادلة إدارة الصراع الإقليمي وحولته بامتياز لمفعول به بعد أن كان فاعلا مركزيا ورئيسا ، واستطاع نظام الملالي بفضل توظيفات واستثمارات الماضي التعبوية والسياسية أن يهيمن على العراق بالكامل ويجعله من خلال حكومته التي تمثل نخبة العملاء الإيرانيين في المنطقة لجرم صغير يدور في الفلك الإيراني، ويعمل بالتالي وفقا لإرادة أصحاب القرار في طهران الذين نجحوا في مشروعهم العراقي ووظفوا تحالفاتهم الطائفية في جعل الشباب العراقي يقاتل أشقاءه السوريين دفاعا عن نظام إرهابي مجرم متحالف ستراتيجيا وتاريخيا مع المشروع العدواني الإيراني؟. 

    ولايتي اليوم يبشر علنا بأن النظام السوري يسير في طريق الانتعاش! ومن أنه قد أسقط المؤامرة! وبأن الظروف والمتغيرات الدولية أضحت متاحة لأن يعود النظام السوري لسابق عهده من التسلط!..
    بل إن قمة الوقاحة للسيد ولايتي تتجلى وتترسخ في تأكيده على ما أسماه بشرعية نظام بشار أسد؟؟ 
    ولا أدري حقيقة بأي حق أو منطق يوزع ولايتي صكوك الشرعية على الأنظمة؟ ماعلاقة ولايتي بنظام البعث السوري؟. 

    وكيف يسمح لنفسه بالتجرؤ والتعدي على حق الشعب السوري الطبيعي والناجز في تقربر مصيره!، وهل يعتقد وهو الخبير العارف رغم منهجه الفظ أن أنظمة على شاكلة النظام السوري لم يعد لها حظ أو نصيب من الحياة! بفعل الحتمية التاريخية وإفلاس تلك النوعية من الأنظمة التي أضحت عالة على الجغرافيا والتاريخ؟ 
    ولايتي يعلم علم اليقين وبالأرقام المرعبة بأن حجم التورط الإيراني في مستنقعات النزاع السوري قد وصل لدرجة غير مسبوقة من الاستنزاف القاتل الذي توج بفقدان قيادات تاريخية للحرس الثوري الإيراني ، وبهزائم مروعة للعسكرية وللستراتيجية الإيرانية في الشام والتي لم ينقذها من الهزيمة الساحقة و الشاملة سوى التدخل العدواني الروسي الذي اجتاح الشام مؤمنا لاستمرار النظام ومانعا هزيمة عسكرية مذلة كبرى كانت ستحيق بالجهد العسكري الإيراني، رغم أن الاستنزاف الإيراني مستمر وبلاهوادة ، وسيدفع الإيرانيون أثمانا صعبة وقاسية نتيجة لتورطهم الدموي المرعب والذي قطعا لن يخرجوا منه سالمين ومن دون إصابات مؤثرة ستطيح بمشروعهم العدواني الرث.. 
    توسع الوجود الإيراني معناه زيادة الخسائر ، وهي خسائر ستتوالى وتتطور وستترك مؤثراتها على النظام الإيراني بكل تأكيد ،
    ولايتي في تعديه الوقح على خيارات الشعب السوري وإضفائه الشرعية على نظام فاقد للشرعية وموغل في الجرائم إنما يعبر عن موقف وقح ومرفوض ويتطاول على حق الشعب السوري الذي يدفع منذ أكثر من خمسة أعوام دما في مواجهة أعتى نظام عرفه التاريخ السوري ولايتي الذي يدعي التقوى والإيمان لم تهز مشاعره ولم تجرح إيمانه مناظر الأشلاء والجثث ومعاناة ملايين السوريين من نظام قمعي إرهابي فقد كل شرعية إن كانت هناك ثمة شرعية يتمسك بتلابيبها!، ولايتي تجاوز كل الحدود وتطاول على حقوق الشعوب التي لا تنتظر فتاوى منه لتقرير أو حجب الشرعية، والشرعية لايقررها ولايتي ولا أي عنصر إيراني ولا حتى وليهم الفقيه!، 
    من يقرر الشرعية هو الشعب السوري وحده ، ولتخرس كل الأصوات النشاز وعلى رأسها صوت المهزوم علي أكبر ولايتي!. سيكون الرد الشعبي السوري عاصفا على ضباع الولي الإيراني الفقيه، وهذا الميدان يا حميدان!. 


    السبت، 4 يونيو 2016

    تكريس الإرهاب الإيراني المجرم في الشرق؟

    تكريس الإرهاب الإيراني المجرم في الشرق؟

    داود البصري


    مع تصاعد تدفق الجيوش و العصابات الإيرانية في العمقين العراقي و السوري، وتهديدات المليشيات الطائفية الوقحة والإرهابية المرتبطة بالنظام الإيراني و مؤسساته الداعمة للإرهاب الإقليمي، تبدو الصورة في المنطقة متشابكة بشكل مرعب، كما تبدو مخاطر حقيقية لتصعيدات خطرة آتية في صراعات دموية بلغت الذروة بعد وصول الأوضاع لحالات حرب أهلية تدميرية حقيقية في الساحات السورية والعراقية و اليمنية، مع سيوف التهديدات الإيرانية المرفوعة دائما والموجهة ضد أمن وسلامة ووحدة وانتماء مملكة البحرين !

    وحشية الإرهاب الإيراني تجاوزت كل الحدود مع إصرار طهران الراسخ على تعميق تدخلاتها في المنطقة ومحاولة بناء مجال حيوي إمبراطوري معمم يريد الاستحواذ الواضح على المنطقة وشعوبها ليضعها تحت إبط نظام الولي الفقيه البائس!
    وليس ثمة شك في أن تلكم المغامرات الإيرانية لا يمكن أبدا أن تجد فرصتها من النجاح في ظل المقاومة الحيوية للشعوب الحرة وإنزالها الخسائر الجسيمة بالآلة العسكرية العدوانية الإيرانية التي تعاني اليوم من نتائج حرب استنزاف دموية مرهقة ستترك نتائجها الحتمية على طبيعة وهيكلية النظام الإيراني السائر في طريق التضعضع والانهيار الحتمي، فالطموحات حدود ستنتهي بكوارث حتمية.

    بعد ذلك ليس من الغرابة في شيء أن يرتفع من جديد صوت ثعلب السياسة الإيرانية وقطبها الكبير حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، وهو يحدد بوضوح وبلغة لا تنقصها الخبرة الديبلوماسية والميدانية الواسعة مكامن الخلل في السياسة الإيرانية الراهنة التي دخلت ضمن وضع استنزافي مرهق تم استدراج النظام الإيراني إليه، وهو يحاول تنفيذ مخططاته التبشيرية والانقلابية القديمة منتهزا فرصة الظروف الشاذة الراهنة التي تعانيها عدد من دول المشرق العربي المجاور، وخصوصا في العراق وسورية تحديدا، وحيث تدور رحى معارك استنزافية كبرى وشاملة وجد النظام الإيراني فيها نفسه وهو يلعب أدورا مركزية في حلقاتها المتصاعدة فالرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مصلحة تشخيص النظام الحالي الشيخ رفسنجاني ليس مجرد مسؤول سياسي عادي في نظام سياسي معين، بل انه من جيل القادة المؤسسين، ومن الذي تركوا بصماتهم الواضحة وما زالوا في بنية النظام الديني القائم هناك وله دور قيادي مركزي وتاريخي في قيادة عمليات الحرب الشرسة ضد العراق (1980/1988)، كما أن لموقفه ورؤيته الدور الواضح والمؤثر في وقف العجلة الدموية لتلك الحرب في أغسطس 1988 والتي اضطر وقتذاك الخميني لإيقافها معتبرا ذلك بمثابة تجرع لكؤوس السم الزعاف وخلال تلك السنوات تقلد رفسنجاني مختلف المناصب و المسؤوليات متنقلا بين رئاسة مجلس الشورى، ومن ثم رئاسة الجمهورية، وكان له الفضل الأكبر في ترشيح وتعيين علي خامنئي كخليفة للخميني بمنصب الولي الفقيه رغم عدم وصوله لمرحلة الاجتهاد، ولكنها كانت ظروف تأمين النظام الثوري في الزمن الصعب.

    بعد ذلك جرت في إيران مياه ودماء عدة تحت كل الجسور، وانكفأ النظام الإيراني على ذاته لتعزيز صفوفه الداخلية بل تعامل مصلحيا مع عدوه القديم نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وزار رفسنجاني شخصيا العراق كاسرا الفتور والتوتر الكبير في العلاقات، ويسجل للرجل مواقفه الانفتاحية وروحه البراغماتية أيام رئاسته للجمهورية وانفتح أيضا على الرياض والمحيط الخليجي وأرسل رسائل سلام لدول المنطقة، ولكن الخطوط الأخرى في النظام الإيراني هي التي فرضت سياستها في نهاية المطاف، وخصوصا جهاز الحرس الثوري الذي تم بناؤه تحت ظلال صواريخ الحرب مع العراق ليكون بديلا عن الجيش النظامي الذي لا يطمئن له النظام حتى ابتلع الحرس الدولة و أضحى الآمر الناهي في تقرير استراتيجية الدولة وتحرك النظام وتراجع دور رفسنجاني للصفوف الخلفية رغم تاريخه وولائه وأفضاله على النظام القائم، وهو اليوم حينما يحذر من اتساع مساحات التورط والانغماس في مشكلات المنطقة، ويشير للخسائر الكبيرة التي يتعرض لها النظام ومؤسسته العسكرية التي خسرت الكثير من قادتها الميدانيين والمؤسسين فهو إنما يشير ويحذر لحالة انهيار آتية لا محالة فالنظام الإيراني اليوم على عداء ليس مع أنظمة المنطقة فقط، بل مع شعوبها، فهو يضرب الشعب السوري واللبناني، وله القدح المعلى في انهيار الأوضاع العراقية ووصولها للحالة الكارثية بعد أن أسس ومول وخطط وقاد لمليشيات طائفية متوحشة، تغولت كثيرا وهي تعمل حاليا بنشاط وأجندة واضحة لربط العراق بأسره بالنظام الإيراني. وهي حالة غير مسبوقة في التمدد دون تجاهل ما تقوم به إيران في جنوب الجزيرة العربية في اليمن وفي مملكة البحرين، وأمور وملفات أخرى لعل أهمها إن حالة الاستنزاف الإيرانية القائمة ستنتقل مؤثراتها المباشرة للشارع الإيراني قريبا وبما يهدد بنشوء أوضاع شبيهة بتلك التي انطلقت خلالها شرارة الربيع الإيراني العام 2009.

    ورغم أن التبرير الإيراني للتمدد والانتشار العسكري الواسع والممتد من أفغانستان وحتى بيروت ومضيق باب المندب أيضا هو لحماية العمق الإيراني عبر القتال في الخارج بدلا من انتظار العدو المفترض في الداخل!؟
    إلا أن ذلك التبرير المفتعل لا يصمد أبدا أمام ضرورة توفير الموارد لدعم البنية الداخلية وليس لتحقيق أهداف و تطلعات خارجية ويبدو أن هاشمي رفسنجاني في تحذيراته العلنية يعي جيدا طبيعة الأزمة الداخلية التي تهدد بانفجار الأوضاع الداخلية، رفسنجاني هو أكثر القادة الإيرانيين الذين يعرفون توقيتات الهجوم والانسحاب! 
    وهو بتحذيراته يستبق كارثة محتملة قادمة؟ فهل سيستمع الإيرانيون لصوت العقل ويستفيدون من الخبرة التراكمية لقطب مؤسس من أقطاب نظام ما زال محتارا في تحديد مجالاته الحيوية.

    السبت، 28 مايو 2016

    مذبحة الفلوجة.. الهروب للأمام؟

    مذبحة الفلوجة.. الهروب للأمام؟

    داود البصري
    وسط حالة غير مسبوقة من الاحتقان العراقي الداخلي، وفي خضم أزمة الانشقاق الفظيع داخل أروقة (التحالف الوطني العراقي) الحاكم، بعد اشتعال موجات الغضب الجماهيري، وعمليات الاقتحام الشعبي المستمرة لحصون وقلاع ومكاتب الحكومة في المنطقة البغدادية الخضراء، ومع تصاعد الخطاب الجماهيري العراقي العابر للطائفية والمحاصصة والداعي للتغيير وإصلاح الأوضاع وإنهاء حالة الجمود والفشل المتحكمة برقاب الأداء السلطوي الفاشل، تفجر الوضع فجأة عن تفعيل ملف حاسم وحساس ويتطلب جهودا وطنية حقيقية للتفاعل معه وإنهائه وفق مقاربات وطنية شاملة، وليس عبر إجراءات انتقامية تعزز الفشل، وتوسع مساحات المأساة، وتكرس من حالة الانقسام الشعبي!

    وهو ملف استعادة السيطرة على قضاء (الفلوجة) القريب من بغداد، الذي تعتبره الحكومة مصدر خطر حقيقيا لأمن وأمان العاصمة العراقية، وحيث يكون لوجود (تنظيم الدولة) هناك، السلطة التي تهاوت حصونها ومواقعها أمام الجماهير الشعبية المنتفضة، التي تكبدت بدورها خسائر بشرية مروعة في المواجهة الأخيرة مع قوات الحكومة في المنطقة الخضراء، لم تجد بدا ولا وسيلة للسيطرة على الاحتجاجات ومنع تواليها أسبوعيا، إلا من خلال تصعيد إطار المواجهة ومحاولة استعادة السيطرة الكاملة على الفلوجة وحزام بغداد، وصرف انتباه الجماهير عن الإصرار على المطالبة بالإصلاح وهو هدف صعب المنال!!
    وتوجيه الهم الوطني نحو مسألة أخرى ومختلفة كان يتم الإعداد لها منذ فترة من خلال مراقبة تصريحات قادة المليشيات الطائفية العراقية، التي تبدو متعجلة تماما لإنهاء الوضع في الفلوجة بما يتناسب وتوجهاتها الفكرية والطائفية!

    فجميعنا يتذكر ما صرح به قبل شهور قائد الحشد الطائفي هادي العامري ونائبه الإرهابي الدولي أبو مهدي المهندس، حول ضرورة ما أسماه بـ (سحق رأس الأفعى) في الفلوجة!! فكان قرار حكومة حيدر العبادي بالتوغل بعيدا في الفلوجة!
    وهو قرار خطير وغير مسؤول ولا يمكن اتخاذه بهذه الدرجة من العجالة، التي يبدو واضحا بأنها مجرد عملية هروب واندفاع للأمام وتأجيل البحث في تنفيذ المطالب الجماهيرية، بل التهرب من التزاماتها والمضي بعيدا وبمغامرة واضحة عن الهدف المركزي، معركة الفلوجة ليست من طراز المعارك العادية أبدا!

    فالفلوجة تظل رمزا شاخصا لمرحلة عراقية صعبة أعقبت الاحتلال الأمريكي عام 2003 وكانت عنوانا لمعارك أمريكية رهيبة مع المقاومة الوطنية، جعلت الأمريكان خلالها وبعدها وحتى اليوم يستعيدون ذكريات الحرب الفيتنامية!
    ورغم مرور مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور العراقية، ظلت الفلوجة تمثل أرقا حقيقيا لسلطة الاحتلال ولأدواته التي تركها خلفه، فكانت مقاومتها الأسطورية هي الفصل المركزي في ملحمة المقاومة العراقية، لقد بدأ الفصل الجديد لمعركة استعادة الفلوجة من قبضة تنظيم الدولة بداية سيئة للغاية، من خلال تهديدات قادة المليشيات الطائفية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لأهلها، فقد دعي الشيخ أوس الخفاجي قائد جماعة (أبي الفضل العباس) لإبادة المدينة وأهلها إبادة تامة، الذين اعتبرهم (دواعش)! وهو تصرف أخرق إذ رافق ذلك تصريحات تهديدية أخرى ضد دول الخليج العربي!
    وسرعان ما تدارك القائد العام حيدر العبادي الموقف عبر بيان مقتضب يؤكد فيه عدم مشاركة الحشد في اقتحام ودخول الفلوجة، وبأن موقف الخفاجي لا يعبر عن الحشد الذي هو جزء من منظومة الدولة العسكرية!

    والواقع أن العبادي لايمتلك سيطرة ولا مقدرة ولا قيادة تمكنه من السيطرة على تصرفات قادة الحشد كونهم لا يتلقون الأوامر منه، بل من جنرال الحرس الإيراني (قاسم سليماني) الذي حرص على الحضور والوجود ميدانيا إثباتا لقوة الدعم الإيراني لمعركة الفلوجة!

    ما يجري لا يبشر بخير أبدا، وحكومة العبادي تهرب للأمام، فإدارة معركة التغيير والإصلاح لا تكون عبر المغامرة بسفك الدماء عبثيا، بل بسياسات مسؤولة تنزع فتيل الموقف المتفجر! وهذا لن يحدث أبدا، مجازر مؤسفة في الطريق.

    الثلاثاء، 24 مايو 2016

    هل سيجتاح الحشد الطائفي العراقي الفلوجة؟

    هل سيجتاح الحشد الطائفي العراقي الفلوجة؟


    داود البصري

    تظل مدينة (الفلوجة) العراقية رمزا شاخصا للمقاومة الوطنية العراقية، التي أدمت أنوف الاحتلال وأهله، وتظل المجازر البشعة المقترفة بحق أهلها وحولها ملحمة تاريخية يسطرها التاريخ ضمن صفحات الوحشية المفرطة في قلب القرن الحادي والعشرين! 

    وأمام عدسات العالم أجمع، اليوم أضحت الفلوجة إحدى أكبر المحطات الساخنة في العراق الملتهب بالكوارث والحروب والحرائق. والوصول لها واحتواؤها والسيطرة عليها يظل هدفا مشتركا لأطراف عديدة مختلفة النوايا والأهداف، فالحرب في الفلوجة ليست متعلقة فقط بوجود ومصير تنظيم الدولة الذي سيطر في لحظات الغفلة والفساد السلطوي وقلة الكفاءة الحكومية في العراق على مساحات لم يحلم بها، بل إن الفلوجة تظل رمزا لصيحات ثأر عديدة تسمع أصداؤها الكريهة من هنا أو هناك، ولكن تظل صيغة الانتقام حاضرة ومباشرة وجاهزة ومشهرة سيوفها!!

    ففي حالة الاحتقان الطائفي العراقي المؤسف، تبرز أمور خارجة عن المنطق وعن السياقات العامة لملفات إدارة الصراع الوطني في العراق، فمنذ شهور طويلة والميليشيات الطائفية العراقية والتابعة لفيلق القدس للحرس الثوري الإيراني تطلق التهديدات العدوانية ضد الفلوجة وأهلها، متوعدة إياهم بمصير أسود، بل إن مواقف كل من هادي العامري، وهو قيادي في الحرس الثوري، ووزير عراقي وقائد الحشد الشعبي ونائبه أبو مهدي المهندس ( جمال جعفر إبراهيمي )، وهو إرهابي قديم ومحكوم بالإعدام غيابيا في الكويت، ومن الرفاق المقربين للإرهابي الصريع ( مصطفى بدر الدين )، كانت واضحة وعدائية ومباشرة في اعتبار الفلوجة ( رأس الأفعى )! وبالتالي فإن تدميرها على رؤوس أهلها يعد واجبا شرعيا!! وهو ما أعاد ذكره الإرهابي المليشياوي العراقي أوس الخفاجي، وهو أيضا أحد قادة الحشد الطائفي الذي طالب علنا باستئصال الفلوجة عن بكرة أبيها و(تطهير) العراق منها!!

    وهو خطاب خطير ومجرم وإرهابي محض لم يحاسبه أحد عليه، ولن تتم محاسبته أبدا! في معركة الفلوجة الدائرة حاليا، والتي تم ولضغوط أمريكية إبعاد الحشد عن الاقتحام المباشر لها، منعطفات وزوايا خطرة ستحدث في اليوم التالي لما بعد دخول الجيش العراقي للفلوجة، وتتمثل في حملات تصفية طائفية مرعبة ستنفذها المليشيات التي ستتصرف خارج نطاق أي اتفاقيات سابقة مع السلطة، فالقائد العام حيدر العبادي ضعيف جدا أمام تلكم المليشيات، وهو بالتالي لا يستطيع أبدا التحكم بتصرفاتها أو ضبط إيقاعاتها؛ لأن الأوامر الصادرة لها تأتي من طهران، وعبر السفارة الإيرانية في بغداد، ومن خلال مستشاري فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني، وأولئك لهم حسابات قديمة مع الفلوجة، وأهلها لم ينسوها، ولن تمر مرور الكرام. 

    ما سيحدث باختصار خلال الأيام القادمة سيكون موجعا ومؤلما على صعيد إدارة الحرب الطائفية في العراق، فثمة شواهد لا تخطئها العين الخبيرة، ومن خلال المعرفة المباشرة بعقلية أهل المليشيات وخلفيات فكرهم الطائفي المريض، ومن خلال رصد وقائع الأحداث الماضية في جرف الصخر وتكريت وبيجي وغيرها من المواقع، فإن حملات انتقام دموية ستتم لا محالة، ومالم تتدخل الولايات المتحدة بثقلها العسكري لمنع المأساة، فإن كارثة دموية كبرى ستجري في العراق بعد الاجتياح المليشياوي القادم للفلوجة، الذي يتم الإعداد له وفق برنامج ومنهج طائفي واضح الدلالة والأبعاد ومخطط له منذ فترة طويلة، معركة الفلوجة لن تكون من المعارك السهلة أبدا، لكونها معركة كسر عظم وفرض إرادات، وهي منعطف حاسم جدا في حالة وملف إدارة الصراع المحتدم في العراق؟

     من المؤكد أن توقيت المعركة يأتي ليتزامن مع حالة الشقاق الداخلي بين صفوف التحالف الطائفي الحاكم، الذي أدى لصراع ضد نوعي كبير وصل لحد إراقة الدماء بين عناصر ومؤيدي التيار الطائفي الحاكم، والذي يهدد أيضا بسقوط معبد السلطة على رؤوس الجميع!

     معركة الفلوجة توحد ذلك التيار، ولكنها بالمقابل خلقت حيزا واسعا لتشابكات دموية مروعة سيعانيها العراق مالم يتكفل المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته ومنع الكارثة التي لن تقتصر آثارها المباشرة على وحدة العراق، بل ستحرق المنطقة بأسرها... الاجتياح المليشياوي المخطط له للفلوجة حريق كبير سيشعل المنطقة، ولا بد من منعه قبل أن يفوت وقت مندم.

    الاثنين، 9 مايو 2016

    ولايتي.. والمصير السوري والهزيمة الإيرانية الفاضحة؟

    ولايتي.. والمصير السوري والهزيمة الإيرانية الفاضحة؟


    داود البصري

    على الضد تماما مما أعلنه السفير الإيراني في دولة الكويت علي رضا عنايتي عن حيادية النظام الإيراني في النزاع السوري!
    وأن إيران ليست معنية بمصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، فإن المستشار السياسي للولي الإيراني الفقيه للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي الذي يحمل اليوم مسؤولية ملفات العراق وسوريا واليمن وحتى البحرين ضمن محموعة ومنظومة جهاز الأمن القومي الإيراني له موقف آخر ومختلف وصريح وحقيقي ولا يختفي وراء التقية أوخلف العبارات الديبلوماسية المطاطة يقول علنا وبملء الفم وعلى رؤوس الأشهاد: “أن مصير رئيس النظام السوري هو خط إيراني أحمر“! 
    وبالتالي فإن المعركة القائمة في الشام هي معركة تقرير المصير للنظام الإيراني ذاته!
     وهي حرب تعتبرها إيران حربها الخاصة التي تعتمد على نتائجها جهود 36 عاما من الاستثمار السياسي والعقائدي في الساحة السورية!

    النظام الإيراني وفقا لرؤية ولايتي التي هي رؤية الولي الفقيه لا يمكن أن يقف على الحياد في ملف يصيب في مقتل العصب الرئيسي للنظام! فنظام الملالي لايمكن له أن يقف متفرجا على تهاوي نظام حليف تشارك معه في إدارة أزماته، وحيث وقف النظام “البعثي ” السوري موقفا مساندا للنظام الإيراني إبان مرحلة الحرب الشرسة مع العراق الذي كان يحكمه هوالآخر نظام “بعثي” ولكن من الضفة الأخرى للبعث،
    والنظام الإيراني استطاع تحويل أرض الشام قلعة نفوذ ومركزا استثماريا واستخباريا وقاعدة من قواعد التعبئة والحشد الطائفي الإيراني في الشرق القديم، وسقوطه يعني تلاشي النفوذ الإيراني في المنطقة واضمحلاله بالكامل وقطع الارتباط المباشر مع المجاميع العميلة والعاملة في خدمة النظام الإيراني التي ستنتهي بالكامل مع نهاية نظام دمشق، فـ”حزب الله” اللبناني سيضمحل بالكامل وتنتهي سطوته على الشعب اللبناني ويعود مجرد حزب طائفي معزول يجتر ذكريات الأيام الخوالي.

    كما أن الاستراتيجية الأمنية للنظام الإيراني تعتمد على كون إدارة معارك الدفاع عن النظام لا تكون في العمق الإيراني بل في العمق العربي من خلال الخطوط الدفاعية الحصينة في بغداد ودمشق، وخروج دمشق من سطوة النظام سيتبعه بالتأكيد خروج بغداد التي تعيش اليوم إرهاصات لمتغيرات مستقبلية كبرى ستطيح بالنفوذ الإيراني وتعجل بانحسار التيارات الطائفية الإرهابية، وكل شيء بصراحة معتمد ومتوقف على نتائج الحرب السورية والتي ستكون نتائج إقليمية حاسمة ستبدل كل الموازين والمعادلات.

    إذن فإن طبيب الأطفال الذي تحول لدبلوماسي ثم ستراتيجي أمني علي أكبر ولايتي يحمل سيف المواجهة المباشرة ضد شعوب المنطقة، ويرسم الخطوط والحدود ويضع إطار السيناريوهات! وهو دور لن يستمر طويلا بكل تأكيد فحجم الهزائم المريرة للنظام الإيراني وادواته في المنطقة ستجعله يتجرع كؤوس السم الزعاف من جديد! ولا زلت أتذكر تلك السحنة الذليلة لولايتي في اجتماعات جنيف مع الوفد العراقي الذي كان برئاسة وزير الخارجية العراقي السابق والراحل طارق عزيز بعد نهاية الحرب العراقية-الإيرانية عام 1988 وكيف اضطر نظام الملالي للتخلي العلني والذليل عن شرط (إقامة جمهورية معممة في العراق كشرط لإنهاء الحرب)! ثم حصل ماحصل بعدها من تطور ملحوظ في العلاقات بين المتخاصمين وما توج من علاقات اقتصادية قوية بين أبناء المسؤولين في النظامين، حتى كشرت إيران عن أنيابها بعد الغزو الأميركي للعراق لتعيد للواجهة استثماراتها القديمة من العملاء العراقيين العاملين لخدمة مشروعها الإرهابي الانقلابي وهم الجماعات الطائفية الفاشلة المريضة التي تحكم العراق اليوم!

    وليس ثمة شك أن ولايتي حين أكد على كون نظام بشار خط أحمر فهو يعني ما يعنيه وقد أكد على ذلك الموقف من خلال الزج بالجيش الإيراني إضافة لفرق الحرس الثوري وللعصابات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية في المعارك الدائرة تحديدا في حلب وريفها الجنوبي وحيث خسر التحالف الإيراني خسائر بشرية رهيبة في معارك خان طومان! وهزيمة الحلف الإيراني في الشام مسألة وقت فقط، ولولا التدخل الروسي الواسع النطاق وبقوة نارية رهيبة لدولة عظمى لانهار النظام السوري بالكامل ولتشتت قوات المساعدة الإيرانية ولانتهى النفوذ والتمدد الإيراني في الشرق.

    لذلك فالمعركة الإيرانية في الشام والتي حدد خطوطها العامة وأبعادها الستراتيجية المستشار ولايتي هي فعلا “معركة المصير الواحد “!.. ولكن الذي تناساه ولايتي ومن هم خلفه أن انتصار الثورة السورية هو أمر محسوم وأن هزيمتهم المدوية ستتوج المتغير الاستراتيجي الكبير القادم في الشرق، وستجعل هزيمة نظام الملالي فضيحة بجلاجل وأجراس مدوية… إسع سعيك وكد كيدك ياولايتي فإنك وجندك بإذن الله مهزومون ومدحورون لا محالة.

    السبت، 7 مايو 2016

    "سليماني منا أهل العراق".. نغمة نشاز طائفية جديدة


    "سليماني منا أهل العراق".. نغمة نشاز طائفية جديدة


    داود البصري

    مسلسل الانبطاح و التردي لقوى العصابات الطائفية المتحكمة بالعراق، مستمر بالعرض في بلاد الرافدين بكل ثقة ومسخرة أيضا، فبعد تبلور رأي الشارع الحقيقي في الهيمنة الايرانية المتزايدة، وانطلاق الشعارات الجماهيرية العلنية الهاتفة والداعية لخروج النظام الايراني وأدواته من العراق، وفي طليعتهم حزب “الدعوة” الحاكم الإرهابي العميل، وبقية عملاء آل الحكيم وغيرهم من قادة العصابات الطائفية الشاذة المقززة التي كرست حالة تخلف تاريخية ومجتمعية لا نظير لها، اهتزت أسس السلطة العميلة، وقامت القيامة في عاصمة الشر و الخبث طهران!

    وأصيب النظام الإيراني المعمم الإرهابي في مقتل عظيم وهو يتابع تفشي شعار ” إيران ..بره..بره “!

    الذي يعني أشياء كثيرة، أولها أن كل جهود النظام الإيراني وعملائه من أجل فرض الحالة الإيرانية في العراق، وتشريع وتجميل الاحتلال، قد تلاشت وذهبت أدراج الرياح بسبب موجة الغضب الشعبي، وتجدد الروح الوطنية العراقية التي لن تضمحل أو تموت مهما بلغت قوة الضغوط أو سطوة المحتل، أو شيطنة وخبث أساليبه، وأن يوم الثورة الشعبية العراقية الشاملة المفاجئ قد اقتربت لحظاته، وهو الأمر الذي لانشك فيه مطلقا.

    وحيث إن كل شواهد التاريخ تؤكد وتجزم أن عاصفة الغضب الشعبي العراقية لابد أن تعصف في يوم ما بقوى الردة والتبعية والهمجية والعمالة والظلام، لذلك كانت هنالك إجراءات إيرانية رادعة وحاسمة اتسمت بتفعيل كل الخلايا العملية، وبتحرك السفارة الإيرانية التي هي مركز لإدارة الاحتلال، وتم استدعاء مقتدى الصدر لطهران على وجه السرعة ليعتذر علنا هناك من أولي الأمر في طهران، وليستنكر علنا أي تهجم على النظام الإيراني و يتبرأ منه!!

    وهو ما دعاه لسحب عناصره الفوضوية من المنطقة الخضراء بعد أن تدخل حاكم العراق العسكري الإيراني الجنرال الحرسي ”قاسم سليماني” ملوحا له بصريح العبارة بالقول بالحرف:
    ”اجمع كلابك من الشارع قبل أن أطلق عليك كلابي”!
    في إشارة للمليشيات الطائفية السائدة في العراق والمؤتمرة بأوامر سليماني وقيادة الحرس الثوري.

    وكان أول رد فعل لعصابات المليشيات هو مهاجمة منزل الشريف علي بن الحسين في منطقة المنصور في بغداد، وهو المرشح لوزارة الخارجية بدلا من الفاشل الجعفري ومطالبته بمغادرة العراق فورا وتسليم المنزل لهم، في بلطجة حقيرة تؤكد هزالة وسقم حكومة حيدر العبادي الذي طرد أيضا قائد قوات حماية المنطقة الخضراء، الذي سمح للجماهير بدخول المنطقة واقتحام البرلمان!

    أما رد الفعل الإيراني على الشارع العراقي الرافض للوجود والهيمنة الإيرانية والمتطلع ليوم التحرر الوطني الشامل، وطرد الغزاة وتنظيف العراق من أدرانهم وعملائهم، فكان عبر حملة بلطجة إعلامية انبطاحية سخيفة تقودها المليشيات الشيعية في الجنوب العراقي، وتنطلق من البصرة المحتلة تحديدا عبر تمجيد قائد “فيلق القدس” الحرسي الإرهابي قاسم سليماني، واعتباره منقذا للعراق ومحررا له وأحد أبطاله، وتلك الحملة الإعلانية والإعلامية السخيفة تطرح شعار ”سليماني منا أهل العراق..”! في ظاهرة استعراضية مبتكرة لقوى الردة والتخلف والعمالة والتبعية، وبما يكرس الوجدود الاحتلالي الإيراني للعراق، ويفرض بلطجة واضحة من العصابات الطائفية على الشارع العراقي الهائج.

    وفي الوقت نفسه انطلق عنان تلكم الجماعات وأعلن زعيم عصابة ” الخراساني ” المدعو علي الياسري مبايعته العلنية لولي إيران الفقيه خامنئي، كقائد لهم، معلنا كغيره من الأدوات الطائفية المنفلتة في العراق، أنه جند من جنود النظام الإيراني.

    كل ما يجري هو في حقيقته تمهيد لضم العراق عبر وكلاء طهران للنظام الإيراني، في واحدة من أكبر مؤامرات تدمير الشرق!        

    سليماني ليس منا أهل العراق! وهو مجرد عنصر غاز حقير سيلقى جزاء ومصير المحتل، وسليماني وغيره مجرد أدوات ستنتهي قريبا بعد انتصار الثورة السورية وتصفية الهيمنة الإيرانية في الشرق، فالمعركة القائمة في الشام هي في واقع الأمر مقدمة موضوعية وشاملة لانهيار النفوذ الإيراني بالمطلق، لذلك كانت الحرب الكونية المصغرة ضد الشعب السوري.

    سليماني ليس سوى رمز سيئ لمرحلة عراقية سيئة اختلطت فيها الأوراق، لكن الطريق واضح وصريح وهو ينبذ تلك النماذج المريضة التي سنشهد تداعيها وغروبها عن المسرح الاقليمي، وأساليب طهران الخبيثة في تسويق حثالاتها لن تجدي نفعا، فالمارد الشعبي العراقي قد انطلق بعد أن خرج العفريت من القمقم، ولم يعد بامكان أي حملات تهريجية أن تنجح في إعادة عقارب الساعة للوراء!

    على النظام الإيراني الإسراع ”بجمع و تعليب وسحب كلابه من العراق “!
    فعاصفة الحرية ستجتاح كل مواقع الطائفيين العملاء القتلة، وستبقى بغداد حرة عربية وقلعة لأسود العروبة والإسلام الحقيقيين، كما سيظل العراق عراق العرب حافظا للعهد مزمجرا بوجه قوى العمالة والظلام والتبعية، وسترحل إيران وكلابها لمزبلة التاريخ…
    إنه عهد الأحرار المؤمنين، وسينصر الله من نصره…
    والخزي والعار لوجوه ورموز الخيانة في العراق.

    سليماني ليس منا ولن يكون أبدا!



    الجمعة، 29 أبريل 2016

    حملة فاشية كبرى لتدمير حلب؟

    حملة فاشية كبرى لتدمير حلب؟


    داود البصري
    جريمة العصر تقترف هذه الأيام، وأمام عيون العالم المنافق، عبر عمليات القصف التدميري والحاقد الكامل للمدنيين الأبرياء في مدينة حلب، من قبل الطيران الروسي الإرهابي والسوري المجرم، وفي ظل غياب تام عن أي شرعة دولية، أو قوة عادلة بإمكانها نصرة المظلومين ولجم الظالمين، لقد سقط الضمير العالمي في أبشع امتحان لإرادته، وتهاوت كل القوانين الدولية المنافقة أمام هول ما يحدث من جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلا في أشد عصور الظلام والهمجية والتخلف، عار ما يحدث، ومصيبة كبرى تجري أمام العالمين، والشعب السوري يذبح من الوريد للوريد والوسيط الدولي ما زال يبتسم، وبان كي مون ما زال في حالة قلق، إنها مهزلة العصر المأساوية.

    في حلب الشهباء وحولها وعلى تخومها وأطرافها وفي أرضها وسمائها تجمعت كل ذئاب الشرق، وهي تحاول النهش في جسد الثورة السورية المثخن بالجراح، ففي حلب تدور اليوم معركة تاريخية من نمط وأسلوب خاص، إنها معركة المصير لأعداء الثورة السورية وخصومها ومن يناصبونها العداء ويعملون لإجهاضها وإرجاع عقارب الساعة للوراء ومعاكسة الحتمية التاريخية،
    المعركة في الشمال السوري يريد النظام وحلفاؤه الروس وإيران وميليشياتها الطائفية المتنوعة فرض إرادته، وكسر إرادة الثوار وإجهاض الثورة، والالتفاف على كل إنجازاتها، ومحاولة الخلاص من أوزار الجرائم الكبرى ضد الإنسانية التي اقترفها النظام السوري ولا يزال ضد شعبه المنكوب، فبعد التدخل العسكري الروسي الستراتيجي الواسع النطاق تلقى النظام جرعة من المقويات، ولكنها لم تكن كافية لفك عثرات النظام وتهاوي وتحلل جيشه المهزوم الذي تخلى تماما عن أسطورة وأهزوجة وكذبة الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي وأضحى مجرد ميليشيات مهزومة تبدع في قتل شعبها، وفي حماية أوكار الطغيان والقتل والإرهاب.

    لقد أبدع طيران النظام السوري في إدارة مجازر بشرية بشعة من خلال التركيز على ضرب الأسواق والمتبضعين من المدنيين بعد أن اخترق علنا الهدنة الشكلية ومارس أسلوبا تفاوضيا فجا في جنيف من خلال التخلي عن كل الالتزامات والاتفاقات والعهود السابقة، وتصرف وكأنه الطرف المنتصر ميدانيا محاولا فرض شروطه بينما الحقائق الميدانية تشي بعكس ذلك تماما ومطلقا، معركة حلب والتي بدأها النظام السوري بقصف جوي شامل لمواقع المدنيين بهدف إلحاق أكبر أذى ممكن بحاضنة الثورة الشعبية تحولت لمعركة استنزاف كبرى للنظام وحلفائه، فالروس يقصفون جوا ويغطون مواقع النظام ويمهدون الطريق للميليشيات الطائفية التي تتوافد بكثرة على المنطقة، ومعارك ريف حلب الجنوبي تحديدا استنزفت الكثير من إمكانيات الحرس الثوري الإيراني ثم أضيفت للخسائر الإيرانية عناصر النخبة من اللواء 65 من الجيش الإيراني والثوار أيضا يقدمون خسائر واضحة على مستوى الأفراد والقيادات وبما يشكل حالة قلق حقيقية للجهد العسكري والسياسي الإيراني الذي بات اليوم محصورا في الزاوية مع كل تورط جديد في معارك يعلم أهل المنطقة طبيعتها وظروفها رغم قوة نيران النظام وحلفائه، الإيرانيون اليوم بصدد المشاركة الفعلية والعملية في تنفيذ برنامج تبديل وإحلال ديموغرافي طائفي واسع النطاق يشمل السيطرة على مناطق واسعة في قلب الشام وفي العاصمة دمشق تحديدا كما حدث في حريق (سوق العصرونية ) في قلب دمشق القديمة والذي هو هدف مشترك بين النظام والإيرانيين لأعمال استثمارية وبأهداف طائفية محضة لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاتها ومعانيها، في الشمال السوري وحول حلب بالذات تتناطح مشاريع وخطط محلية ودولية ومنها الدعوة الألمانية للإقامة منطقة آمنة تكون ملاذا للاجئين السوريين الهاربين من جحيم المعارك وهو طلب تركي قديم لم يتم الاستماع له للأسف، والنظام يعلم تماما أن خروج الشمال عن سيطرته يعني ضمنيا خروج سورية بكاملها عن سطوته وهو ما سوف يتحقق في نهاية المطاف، لذلك فالمعركة شرسة وساخنة هناك وعلى نتائجها يتوقف مصير سيناريوهات وخطط عدة، النظام السوري يتصرف للأسف من دون خشية من رقابة أو عقاب دولي، فالرئيس الأمريكي أوباما قد أغلق الباب نهائيا في وجه أي عملية عسكرية دولية لتأديب ولجم النظام السوري معتبرا ذلك خطأ كبير!، وهو ما يدفع النظام للتمادي في وحشيته وعدوانيته وفظاظته، وحلفاؤه الإيرانيون يعتبرون أي انسحاب من المعركة بمثابة هزيمة كاملة قد ترتد عليه في العمق الإيراني، بينما مقاومة الثوار بلغت درجة أسطورية من الفداء والتضحية في مواجهة هجمة عسكرية متوحشة وظالمة وشبه دولية، وفي ظل صمت الدول الكواسر عن الفظائع التي يقترفها النظام السوري فإن في فصول معركة حلب المستمرة والمتصاعدة مفاجآت آتية حاسمة قد تغير شكل وطبيعة المواجهة!.. 
    وتبقى المحرقة السورية مستمرة.

    الثلاثاء، 19 أبريل 2016

    العراق.. بين الخاطف و المخطوف.. وما بينهما من التيه الشامل؟

    العراق.. بين الخاطف و المخطوف.. وما بينهما من التيه الشامل؟



    داود البصري

    عجيب أمر هذا العراق؟، فالبلد الذي كان يسمى منتصف القرن العشرين وإبان مرحلة التحرر الوطني يسمى بـ (بروسيا العرب) ! وحيث كان أملا ومعقدا للتطور الحضاري والفكري والسياسي الهادف للم شمل الأمة العربية وقيادتها نحو الوحدة والتطور والاستقلال!، دار الزمن دورته الثقيلة الكئيبة ليتحقق ذلك الوعد البائس الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (جيمس بيكر) في جنيف في يناير 1991 بوجه الراحل طارق عزيز والمهدد بإعادة العراق لعصر ما قبل الحضارة! !، رغم أن فجر الحضارات قد انبثق من وادي الرافدين!.

    وفعلا تحقق الوعد الأمريكي بعد سنوات الحصار والدمار والعذاب الطويلة ثم جاء الاحتلال العسكري التدميري الأمريكي المباشر، ليمعن هدما وتخريبا بتراث عقود طويلة من البناء الوطني التراكمي، وليؤسس لعملية سياسية كسيحة كان واضحا منذ البداية بؤسها وفشلها وعقمها، رغم الدعاية الاستعراضية الأمريكية بعراق مزدهر ومتطور تنتقل منه إشعاعات التنوير نحو المنطقة بأكملها!، لترحل السكرة والنشوة وينجلي الواقع البائس المر عن عملية سياسية كسيحة وفاشلة لم تكن ثمرتها ونتيجتها سوى استمرار حالة التكسيح العراقية وإيصال البلد لحافة الإفلاس وتحويله كزبون واقف على أبواب البنك الدولي طلبا للقروض بعد أن نهب الناهبون ما استطاعوا وجففوا ضروع الثروة الوطنية بطريقة مافيوزية محترفة!،
    إذ لم يحاسب أي أحد لا على الدماء التي سكبت كالشلالات!،
    ولا على الأموال ومئات المليارات التي نهبت بفضائحية عجيبة ليتحول العراق لبطولة العالم في الفشل!.

    ثم جاءت المطالبات الشعبية التي تم تحويل بعضها لساحات مجازر دموية مروعة كما فعل نوري المالكي مع الحراك الشعبي،
    ثم جاء خليفته في الحزب والحكومة حيدر العبادي ليمارس نفس المنهجية التدميرية ولكن عبر قفازات ناعمة وبأسلوب (الذبح بغير سكين) !، فالعراق لم يعد يعاني من أزمات سياسية واقتصادية حارقة خارقة تتوالد بانشطارية عجيبة!، بل تحول للأسف لساحة تمارس فيها عصابات القتل والنهب ثم الخطف راحتها وبشكل غير مسبوق في تاريخ العراق المعاصر!.

    لقد سنت الميليشيات الطائفية سنة الابتزاز والخطف ثم القتل على الهوية منذ بداية الانفلات العراقي الشامل بعد الاحتلال، ولكنها طورت أساليبها، وتماشت مع المستجدات الطارئة، وكيفت أوضاعها بطريقة متقنة بعد أن أضحت تلك الميليشيات جزءا من المنظومة الأمنية للسلطة ذاتها!
     فبدأت عمليات خطف من نوع غريب بدأت مع العمال الأتراك كرد فعل على الموقف التركي من النظام السوري الذي تؤيده تلك الميليشيات وتقاتل معه في الشام!، ثم تطورت نحو خطف ضيوف العراق من الصيادين والقناصة القطريين الذين دخلوا بادية السماوة العراقية بموجب موافقات وحماية أمنية مسبقة!
    إلا أن قوة الميليشيات المنفذة فوق سطوة الدولة وقوتها، فتم خطف 26 مواطنا قطريا لم تزل المفاوضات منذ ما يقارب الستة شهور جارية لضمان سلامتهم والإفراج عنهم في ظل تفرج الدولة على المشهد الغريب!، وأخيرا وليس آخرا جاءت عملية خطف المواطن الكويتي خالد سرحان وهو تاجر بسيط للحوم ولا علاقة له بأي أجندات سياسية ومن جنوب العراق (الناصرية) وبسيارة حكومية ليطالب الخاطفون بفدية مالية مقدارها مليون دولار! ! ليؤكد أن تدهور الوضع الأمني العراقي في زمن سطوة قادة الميليشيات على وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بات مؤشرا على تفكك الدولة العراقية وانهيارها! !.

    فبين المطالبات السياسية بتفكيك المؤسسات القيادية في العراق، وتغيير الدستور، وبين المعارك الدموية الجارية في غرب وشمال العراق تتراوح وتتفاعل الأزمة الداخلية العراقية لتثمر عن تفريخ العديد من العصابات الإجرامية المرتدية للباس السلطة والباحثة عن صيد ثمين وسمين جاهز للخطف والابتزاز وبما يعمق من مأساوية الحالة العراقية البائسة!، 
    في العراق للأسف اليوم فراغ قيادي ومنهجي كبير أدى لتصاعد الحالة الفوضوية ودخولها مرحلة التآكل الداخلي للدولة ومؤسساتها، ومهرجانات الخطف القائمة بنشاط تطرح إشكالية كبرى حول قدرة الدولة العراقية بقياداتها المليشاوية الرثة الحالية على إحداث أي تغيير إيجابي للأوضاع العراقية المتدهورة.. للأسف العراق أضحى مخطوفا وخاطفا وهو يصعد للهاوية بكل امتياز وجدارة!.

    فهل من منقذ؟ وهل من طريق للخلاص الوطني؟.

    الخميس، 7 أبريل 2016

    ملالي إيران.. بطولة العالم في الإعدام


    ملالي إيران.. بطولة العالم في الإعدام

    داود البصري

    لعل التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية ( امنستي )، الذي أشار بوضوح وتجرد -ووفق إحصائية رسمية- إلى أن نظام الملالي الفاشي في إيران هو فعلا بطل العالم في تنفيذ أحكام الإعدام الجزافية والعشوائية، التي شملت حتى الأطفال دون السن القانونية، هو مجرد تقرير عام يشير لفظائع النظام الإرهابي الإيراني، ويؤشر على مدى ساديته وحقده على البشرية وقيمها الإنسانية.

    فالتقرير الدولي الحقوقي ذكر رقما هو977 حالة إعدام في عام واحد ( 2015 )!
    ولو ضربنا ذلك الرقم بأعوام التسلط الطويلة لذلك النظام والبالغة 37 عاما كاملات، فكم سيبلغ الرقم الفعلي؟
    مع العلم أن الشعب الإيراني من خلال قواه الحر في المقاومة الوطنية الإيرانية، وفي سنوات الحرب الماراثونية مع العراق، قدم مئات الآلاف من الضحايا في مواجهة قمع واستبداد حكومة الملالي الفاشية المتسلطة التي زرعت الرعب والموت والدمار في كل الأرض الإيرانية، ولم تستثن أحدا من قمعها، بل تحول ذلك القمع وتحولت حبال المشانق لسياسة حوار دموية مروعة مع المعارضة، ولعل تصعيد حملات الإعدام في الشوارع ضد المعارضين والمناضلين من أبناء الشعوب الإيرانية، قد شهد زيادة عددية مضطردة مع تنامي الأزمات القاتلة والمهلكة التي يمر بها النظام، وهو يحاول فرض منهجه الإرهابي على الشعوب الإيرانية، ويتأبط شرا بشعوب المنطقة، وهو يحاول تصدير نموذجه السلطوي الإرهابي المتخلف لدول الجوار والمحيط الخليجي على وجه التحديد بعد أن تمكن من الهيمنة التامة على العراق وتوغل في العمق السوري بكيفية استنزافية ستنهيه وتدمر آماله وستجعله عاريا أمام قبضات الشعوب الإيرانية الحرة، التي تتهيأ ليوم خلاصها.

    لقد كانت حصة الشعب العربي الأحوازي من حملات الإعدام حصة الأسد! فإرهاب الشعوب سياسة ممنهجة ومؤطرة تاريخيا لذلك النظام الدموي الفاشي منذ أيامه الأولى. ولعل الذاكرة التاريخية لجلاوزة النظام تسجل أن الإرهابي المقبور الملا (صادق خلخالي) كان من الرواد والمتميزين في الإرهاب عبر التوسع الجنوني في إصدار أحكام الإعدام الجماعية، ودون تثبت أو يقين أو دليل.
    وشهيرة عبارته الشهيرة التي كان يقول فيها: (من نعدمه عن طريق الخطأ سيدخل الجنة لكونه مظلوما،! أما المجرم فهو يستحق العقاب)! هكذا بكل خفة وعدوانية وسادية فظة يتلاعبون بحياة الإنسان، ويقدرون الأحكام ويبررون الذرائع بعقلية إجرامية صرفة لا مثيل لها في العالم المتحضر.

    النظام الإيراني يتوسع في تنفيذ أحكام الإعدام أمام عيون العالم المتحضر الذي يتابع إرهابية وإجرام النظام وتحديه الفظ لكل قيم الأرض وقوانين السماء، ويتلذذ في تعذيب الشعوب المبتلاة بحكمه الإرهابي الذي حول ايران لقاعدة عدوانية ولوكر إرهابي أسود ضد أمن شعوب المنطقة بأسرها .

    نظام الملالي، بعد أن أفلس وفشل في إدارة معاركه الإقليمية العدوانية الرثة، وفرض طموحاته الإرهابية اللامتناهية والمستندة لعقلية تسلطية فظة لا مكان لها في عالمنا المعاصر، لجأ لتصعيد الإرهاب الداخلي وسحق كل إرادة أو صوت للمقاومة الوطنية، وركز بشكل خاص على الشعب العربي الأحوازي، الذي يتعرض اليوم لحملة إبادة وتشريد ممنهجة، بعد تبلور المشروع السلطوي العدواني نحو نهايات تتوجه لتدمير المقاومة العربية الأحوازية من الداخل، عبر تفعيل إجراءات الاستيطان الفارسي، أو عبر سياسة القمع الدموي المباشر وفرض الإرهاب الشامل وتعميم المشانق، وهي السياسة الإرهابية المتبعة ضد كل الشعوب الخاضعة لسلطة نظام الملالي القاتل.

    الإدانة القانونية الدولية لم تعد تكفي أو تفي بالغرض، فقد تعود هذا النظام طيلة أربعة عقود على التحايل على القوانين الدولية والهروب من التزاماته القانونية بذرائع ومبررات واهية وسقيمة.
    وبات من الضروري التوجه العام لدعم الشعوب الإيرانية، سواء من خلال المقاومة الوطنية الإيرانية التي تقودها جماعة مجاهدي الشعب الإيراني (مجاهدي خلق)، أومن خلال بقية حركات التحرر للشعوب الإيرانية الأخرى، وهنا تقع على العالم العربي أن أراد الإفلات من شباك الإرهاب الإيرانية، مسؤولية الانفتاح والتواصل مع حركة التحرر العربي الأحوازية، وفتح المجال لمناضليها ومحاولة توحيد راياتها نحو الهدف المشترك الأعظم، وهو إنهاء الإرهاب في ايران، وعودة الديمقراطية والسلام من أجل أمن وسلام شعوب المنطقة، لا لمشانق أهل العمائم الفاشية، والحرية للشعوب الإيرانية.

    الأحد، 3 أبريل 2016

    الشريف علي بن الحسين… الملك-الوزير


    الشريف علي بن الحسين… الملك-الوزير

    داود البصري
    عجائب وغرائب وتحولات السياسة العراقية في زمن التيه والفوضى الراهن والمستمر منذ عقود طويلة وتحديدا منذ مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، وما تبع ذلك من تطورات هي بمثابة تشوهات وندوب وحفر عميقة في الجسد العراقي، إنما هي تعبير عن حالة فظة من السوريالية الغرائبية، والتي تتحول أحيانا لملهاة في عمق المأساة!

    وقد جاء اختيار حيدر العبادي لتشكيلته الحكومية الأخيرة التي أسماها حكومة التكنوقراط ليدعم هذا الواقع الميتافيزيقي، وسأركز على جانب معين من تلك التشكيلة وهو تسمية الراعي السابق لحركة الملكية الدستورية الشريف علي بن الحسين كوزير للخارجية بدلا من الكارثة إبراهيم الجعفري الذي شهدت الخارجية في عهده الطالح انهيارات مريعة بسبب تعصبه الطائفي وانحيازه الصريح لإيران وجماعتها، وبسبب مجموعة من العقد والأمراض النفسية الأخرى التي تميز سلوكه وأداءه العام!

    قد يبدو من الوهلة الأولى أن اختيار العبادي للشريف علي بمثابة ضربة معلم! لكون شخصية الشريف الهادئة والمتوازنة تختلف اختلافا جذريا عن شخصية سلفه الجعفري السيكوباتية والمتأزمة والغارقة في بئر الطائفية الرثة! إضافة إلى المؤهلات الأكاديمية واللغوية والدبلوماسية الكارزمية، فالشريف علي رغم عدم امتلاكه لأي خبرة إدارية سوى عمله لفترة معينة كموظف في «بنك الكويت الوطني» فرع لندن، ولم يمارس أي منصب سابق في الدولة العراقية، ولا علاقة له بالعمل الدبلوماسي إلا أنه لا يختلف في القدرات والإمكانات عن سابقيه هوشيار زيباري أو إبراهيم الجعفري، سوى أنه على المستوى الشخصي والإنساني أفضل منهما بكثير.

    ولكن على المستوى السياسي لا يمكن اعتبار الشريف علي من ضمن فئة وتصنيف التكنوقراط، بل النخب الاجتماعية فقط، فهو لا يمتلك من مواصفات التكنوقراط شيئا ولا إنجازات ميدانية له، بل أنه تخلى عن المطالبة بعرش العراق عبر إعادة الحكم الملكي الهاشمي الذي تم إسقاطه بوحشية دموية مروعة في 14 يوليو العام 1958 بعد أن سحلت جثة خاله المرحوم الشهيد عبد الاله بن علي الوصي السابق وعدد من جثث رجال الحكم الملكي في شوارع بغداد بطريقة همجية لا علاقة لها بدين ولا مذهب ولا أخلاق ولا إنسانية!

    الشريف علي الذي غادر العراق وعمره عامان فقط لا غير، لا يتقن اللغة العربية بطريقة متقنة نظرا لنشأته الطويلة جدا في أوروبا وعدم اهتمامه بأمور السياسة وشجونها إلا بعد اختيار والده الراحل الشريف حسين له كمطالب بالعرش العام 1993 وتأسيس الحركة الملكية الدستورية التي لقيت استجابة شعبية في الخارج قبل أن تواجه بأن الواقع العراقي مختلف تماما عن عوالم الأحلام، ومن أن القوى الطائفية قد حفرت مواضعها بمساندة الغرب منذ زمن طويل، وإن حسابات الحقل العراقي لا تتطابق أبدا مع حسابات البيدر الغربي الإيراني.

    الملكية الدستورية أضحت من الماضي وملفا مغلقا، وكما قال الراحل الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان بأنه في نهاية المطاف لن يبقى سوى ملكة بريطانيا وملوك «الكوتشينه»!

    في العراق المتعب لا مجال لأي ملكية سوى ملكية التخندق الطائفي ودستورية الاحتلال وأدواته، والشريف علي ارتضى أن يبيع الدعوة الملكية الدستورية بثمن بخس «ليتصاهر» مع أعتى الطائفيين وأشدهم عدوانية وخبثا وهو الفاشل نوري المالكي ويتحول للخدمة تحت إبطيه ضمن كتلة ما يسمى «دولة القانون» ليكون أحد مرشحيها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أي أن الملك الموعود تحول لتابع في مملكة الفساد الطائفي العراقية المنخورة حتى العظم، وتلاشت رياح وآمال وتصورات الدعوة الملكية الدستورية لمجرد أداة من أدوات الأحزاب الطائفية السقيمة المفلسة التي كانت تتعيش على أعطيات المخابرات السورية بعد أن نبذها الإيرانيون ذاتهم!

    طبعا الخلطة العراقية عجيبة غريبة وهي لا تشابه أي خلطات سياسية أخرى، بقي أن نذكر أن الشريف علي بن الحسين مدين بحياته وحياة أسرته وأشقائه للمملكة العربية السعودية التي وفرت الحماية في سفارتها ببغداد أيام الملك الراحل سعود بن عبد العزيز لعائلة الشريف التي لجأت إليها مما منع أيدي الشارع العراقي الهائج وقتذاك من قتلهم وسحلهم وإبادتهم، وحيث بقت الأسرة المنكوبة في السفارة السعودية، حتى تم الاتفاق مع نظام عبد الكريم قاسم على ترحيلهم لمصر؛ لأن لهم أملاكا هناك، وأعتقد أن غاية العبادي من تعيين الشريف علي كوزير للخارجية هو رسالة صداقة لدول الخليج العربية ومحاولة لتحسين العلاقات؛ بسبب الطبيعة الشخصية والانتماء العائلي للشريف علي بن الحسين…

    إنه الملك الذي رضي بالتحول لوزير… 
    فهل ينجح الشريف في إصلاح البيت الخارجي العراقي المتهدم؟
    وهل ينجو من ضغوط الأحزاب الإيرانية؟
    وهل يستطيع فعل شيء في عراق لا يمتلك من إرادته الوطنية الحرة شيئا؟

    الجواب كارثي بكل تأكيد.

    الأحد، 6 مارس 2016

    إدارة الصراع ضد ثعابين الإرهاب الإقليمي

    إدارة الصراع ضد ثعابين الإرهاب الإقليمي


    داود البصري

    لاشك أن منطقة الخليج العربي، والشرق الأوسط، قد دخلت في منعطف تاريخي حاد مع حالة المواجهة الإقليمية الشاملة التي دشنتها «عاصفة الحزم» السعودية ضد قوى الظلام والتآمر والتخريب والفتنة الطائفية الرثة التي يريد النظام الإيراني الإرهابي وحلفاؤه من عتاة الإرهاب الدولي فرضها على المنطقة لتحقيق الأهداف القديمة في خلق مجالات التوسع والهيمنة الحيوية، والسعي المجرم لإسقاط الأنظمة وإدارة الفوضى وتحقيق الأحلام المريضة.

    فمع الخطوة التاريخية والمتقدمة لـ «مجلس التعاون» الخليجي في تحديد مكامن الخطر والخلل، وتصنيف «حزب الله» اللبناني والمنظمات والجماعات المنبثقة عنه كجماعات إرهابية، تدخل عملية إدارة الصراع في الشرق مرحلة جديدة ومختلفة ،لحمتها وسداها العمل الحثيث لتجفيف منابع ومصادر ذلك الإرهاب الذي تحول لحالة مرضية ساهمت في تعطيل وشلل عدد من الدول العربية وإدخالها ضمن دائرة الدول الفاشلة. 

    فـ«حزب الله» اللبناني، مثلا، الذي سوق نفسه من خلال شعارات المقاومة والممانعة والصمود والتصدي اتضح لاحقا أن منهجيته وأجندته لا علاقة لها أبدا بالمصالح الوطنية ، بل أنها ترتبط بقيادة مركزية أممية تخطط لمصالحها الخاصة ولأجنداتها الوطنية أيضا ، وهذه الحالة تشبه إلى حد بعيد أيام الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي وما تلاها حين كانت موسكو قبلة للفكر الشيوعي والماركسي، وكان الاتحاد السوفياتي الراحل القبلة الأيديولوجية لمجاميع الأحزاب الشيوعية التي كانت مندرجة ضمن إطار ما عرف في حينه بـ «الأممية الثالثة»، وحيث كانت موسكو المحور الذي تدور حوله مناهج وسياسات، وولاء الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث، حتى قيل على سبيل التندر إذا أمطرت في موسكو رفع الشيوعيون العرب مظلاتهم!! 

    وحالة «حزب الله» أو «أحزاب الله» في المنطقة متشابهة بعد أن تمكن الإيرانيون من خلال ذلك الحزب بالتباهي، والقول انهم تمكنوا من الهيمنة على أربع عواصم عربية، ومن أنهم جعلوا الجندي الإيراني يتمشى بحرية بين كابول في وسط آسيا وبيروت على البحر المتوسط مرورا بعاصمتي الخلافة بغداد ودمشق!! «حزب الله» هو جزء من المشروع الإمبراطوري الهمايوني الإيراني بنسخته المنقحة الجديدة.

    وبهذه الصيغة، وذلك التوصيف عمل جاهدا من أجل تسويق الرؤى الإيرانية والتآمر على دول المنطقة ، وفتح معسكرات التدريب للعناصر الشبابية المؤمنة بذلك المشروع متخذين من فوضى الأوضاع العراقية ميدانا عمليا للحشد والتعبئة ، وجاءت الحرب السورية لتضفي على المشهد أبعاد درامية دموية زاعقة من خلال مشاركة «حزب الله» الفاعلة في قيادة الجموع الطائفية الرثة القادمة من العراق وباكستان وأفغانستان في إدارة حرب دموية رهيبة ضد الشعب السوري قدم فيها الحزب خسائر بشرية عالية جدا ومكلفة من قيادات ميدانية شهيرة، وبما جعله في مواجهة حقيقية مع الشعب السوري الثائر ورسم أخاديد الدم والكراهية في العلاقة بين الشعبين الشقيقين ،وهو يدافع عن نظام إرهابي إجرامي بصليل شعارات طائفية رثة ليست من ضمن حسابات الثورة السورية الشعبية الباحثة عن سورية حرة وديمقراطية وحضارية ودستورية.

    لقد توضح دور «حزب الله» التخريبي كبندقية إيرانية للاستخدام والإيجار للأسف وتهاوت أسطورة المقاومة أمام إصرار قيادة الحزب على توريط الشباب اللبناني في المحرقة السورية، والمضي بعيدا في ممالأة الأطماع الإيرانية وتصعيد الروح الطائفية، لقد صبرت دول «مجلس التعاون» طويلا على القذى وكان لابد لقوس الصبر من منزع، وكان لابد من تحرك ميداني يضع الأمور في نصابها ضمن إطار الدفاع المشروع عن الأمن الوطني والقومي الذي أصيب في مقتل بعد تمدد النشاط التخريبي للحزب إلى جنوب الجزيرة العربية واعتراف حسن نصر الله المخزي أمام الملأ أن حربه ضد السعودية هي أقدس من الحرب ضد إسرائيل!

    لقد بانت الحقائق العارية وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الغدر، من دون شك إن معركة تجفيف المنابع الإرهابية ليست سهلة أبدا، لكن ليس من المستحيل كسبها ، لكونها ذات تفرعات وأطر ومجالات متعددة ومتشابكة أخرى ، لقد بدأت الخطوة المركزية الأولى في طريق هزيمة الإرهاب الفاشي الأسود ، وما زال الملف مفتوحاً على احتمالات وتطورات عديدة مقبلة وشائكة ومتداخلة ، لا للإرهاب بكل صيغه وأشكاله ، نعم للأمن والسلام والبناء.

    المصدر

    الأحد، 28 فبراير 2016

    لماذا يتم (تكفير) الشعب السوري الثائر؟

    لماذا يتم (تكفير) الشعب السوري الثائر؟

    داود البصري
    لم يتعرض شعب من الشعوب في التاريخ المعاصر لحملة إرهاب دولي وإقليمي جماعية ومركزة ومنسقة وفق ترتيبات وسيناريوهات خبيثة وتقودها عواصم كبرى، أكثر من الشعب السوري، الذي يخوض المواجهة الصعبة على مستويات مختلفة!
    فهذا الشعب الذي أكملت ثورته الشعبية الكبرى عامها الخامس، مورست عليه حرب إبادة شاملة، وتكسيح حقيقي على مختلف المستويات، وتعرض ويتعرض يوميا منذ آلاف الأيام لحرب إبادة لم يكتف النظام السوري بصب حمم وجحيم كل أسلحة الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي على رأس الشعب السوري، بل أضيفت لتلك الترسانة قدرات وجيوش الحرس الثوري الإيرا ني والمليشيات الطائفية المتحلقة حوله في الشرق، وعلى رأسها جماعات الحشد العراقي وحزب حسن نصر الله، و أخيرا دخل على خط المواجهة (الجيش الأحمر الروسي السابق) الذي تحول اليوم لأداة عدوانية بأيدي مافيا الروسية، التي لم تحترم مكانتها الدولية الاعتبارية ولم تلق بالا للدساتير والتشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان، بل تدخلت بعنف وكثافة وعدوانية فاشية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من أجل كسر إرادة شعب حر قرر تحدي الفاشية و العدوان مهما كان الثمن! 

    اليوم يمر الشعب السوري بأكثر منعطفاته التاريخية حدة وشراسة ومصيرية، فرغم دعوات الهدنة، ورغم التدخلات الدولية المتسمة بالنفاق لحل أزمة ومعاناة الشعب السوري، إلا أن الإجراءات القائمة ميدانيا باتت توفر الفرص للنظام للإفلات من عواقب جرائمه البشعة بحق الإنسانية هناك، والطامة الكبرى أن الحروب المشهرة على السوريين لم تعد تتم بالأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا، ولا بالصواريخ العابرة للبحار والدول ولا عن طريق البراميل القذرة التي يلجأ لها النظام ككلفة رخيصة في إزهاق أرواح شعبه، بل وصلت لحدود غير مقبولة وظالمة عبر تطويع الدين الحنيف واستعماله في حرب غير أخلاقية، ففي إيران لم تمنع الجرائم الحكومية السورية ضد الشعب المظلوم الولي الإيراني الفقيه، من التصريح بعبارات صادمة تصف الحرب في سوريا بكونها (حرب الإسلام ضد الكفر)!
    ولا ندري هل أضحى الجيش الروسي الإرهابي جيشا إسلاميا؟
    وكيف يتم وصف الشعب السوري الثائر على نظامه الجائر الإرهابي بالكفر، وهو الشعب المسلم الموحد الذي لا يرفع سوى راية التوحيد وطلب النصرة من رب العباد؟
     كيف يمكن خلط المصالح السياسية المتغيرة بأمور جوهرية مثل أمور الكفر والإيمان، ليتم الاعتداء بغرابة وسوء نية وطوية على إيمان السوريين الأحرار عبر وصفهم بالكفر؟

    الذي نعلمه ويعلمه الجميع وأولهم قادة النظام الإيراني أن النظام السوري لا يرفع الشعارات الدينية، وهو أساسا لا علاقة له بملف الكفر والإيمان قدر علاقته بملف القهر والتسلط وبناء المعتقلات التعذيبية والسجون الرهيبة وإدارة عمليات التصفية البشرية!
    ولا أدري كيف تسنى للولي الإيراني الفقيه أن يصف معركة السوريين التحررية بكونها معركة الكفار ضد المسلمين؟
    وفق أي منهج عقلي أو نقلي اتخذ علي خامنئي ذلك التوصيف القاسي والظالم والمجافي لأبسط الحقائق الميدانية المعروفة؟! 
    أليست نصرة المستضعفين واجبا دينيا وإنسانيا مستحقا؟
    وكيف تأكد من يكفر الشعب السوري الثائر من كفر وإلحاد ذلك الشعب؟
    وما المقاييس المعتمدة في ذلك؟ للأسف المنطقة برمتها تعيش في ظل أوضاع فوضوية اختلط فيها الحابل بالنابل، وتم التجاوز حتى على القيم الدينية والإيمانية للشعوب وتسخيرها وتوجيهها نحو مسارات خاطئة تدعم الفتنة، وتنشر الكراهية، وتروج للموت والدمار؟ 
    فخافوا من رب العباد يا من تستسهلون تكفير العباد، وليعلم الجميع بأن الثورة السورية ثورة إنسانية وقف ضدها الدول الكواسر وتآمر عليها العالم؛ أملا في كسر إرادة أبنائها ولكنها منتصرة بحول الله وستحقق أهدافها مهما تحولت وسائل تشويهها، ومهما ابتدع من السبل والوسائل لتحريفها عن مسيرتها، وسينصر الله من ينصره ويخزي وجوه القوم المجرمين، ومن يحمل السلاح في مواجهة عصابات بطش وإرهاب يعبر عن الإيمان كله في مواجهة الظلم كله، وإيمان وتقوى السوريين الأحرار في نهاية المطاف لا يحتاج لشهادة حسن سير وسلوك من أي طرف كان! وعلى من يجتهد في تكفير المؤمنين التوبة لله، فصبر جميل والله المستعان.

    الأحد، 14 فبراير 2016

    هل سيطارد الأمريكان قادة فرق الموت العراقية؟

    هل سيطارد الأمريكان قادة فرق الموت العراقية؟

    داود البصري

    يدور في العراق اليوم همس حائر، لأصوات مسموعة حول نية الإدارة الأمريكية، وهي في شهورها الأخيرة، إحداث تغييرات نوعية في قلب المعادلة الداخلية العراقية، وإدارة أمور ملف الصراع العراقي الداخلي نحو طرق ونهايات مختلفة عن المعالجات السابقة!
    وبما سيصحح الأوضاع العراقية المعوجة التي وصلت أحوال العراق خلالها وبعدها لطريق مسدود من الاحتقان الطائفي والفشل الحكومي والتخبط في مختلف المجالات.

    وتتحدث أطراف داخلية وخارجية عراقية عديدة عن وصفة أمريكية عاجلة لحزمة متغيرات إصلاحية قادمة ستشمل منع الميليشيات الطائفية وحظر نشاطاتها وسحب المظاهر المسلحة من الشارع العراقي! وهو ما يعني ضمنا الصدام مع النظام الإيراني علنا فوق الأرض العراقية، ولعل انسحاب المرجعية الدينية الشيعية من العمل السياسي الداخلي، كما أعلن الناطق بلسان السيستاني يعني فيما يعني بأن تلك المتغيرات القادمة قد تمت تهيئة الأرضية والمناخ المناسب لها!، ولكن بين التحركات والأجندات الأمريكية الغامضة، ومثيلتها الإيرانية الواضحة تبدو الأوضاع العراقية متأرجحة، وتبدو الحكومة العراقية من خلال رئيسها العبادي متذبذبة، حائرة، ولربما تعيش في منزلة بين المنزلتين، فلا هي قادرة على الوقوف بوجه الإرادة الأمريكية إن قرر الأمريكان شيئا؟ ولا هي تستطيع مقاومة ومعارضة الأوامر الإيرانية إن صدرت!

    لذلك كان حديث وخطاب حيدر العبادي في مؤتمر ميونخ الأمني الأخير حول شرعية الحشد الطائفي مع استثناء بعض الجماعات المنفلتة فيه!! هو موقف وسطي لا يقتل الراعي ولا يفني الغنم! ولا يقيم الدنيا الطائفية في العراق ضده في وقت هو وغيره ليس على استعداد لمواجهتهم ميدانيا!، فليس سرا أن الميليشيات المسلحة هي من تهيمن على مراكز السلطة الحيوية في العراق؟ فالأجهزة الأمنية والعسكرية تحت تصرفهم بالكامل، ووزارة الداخلية العراقية هي وزارة ميليشياوية بامتياز تأخذ أوامرها ونواهيها من الحرس الثوري الإيراني!!
    فالوزارة من حصة جماعة (بدر) وهي تنظيم تابع للحرس الثوري يقوده هادي العامري العميد في ذلك الحرس! كما أن وزير الداخلية محمد الغبان هو أحد المقاتلين السابقين في الحرس الثوري الإيراني ضد الجيش العراقي في ثمانينيات القرن الماضي!! إضافة إلى السيطرة العسكرية الواسعة للمدعو أبو مهدي المهندس، القائد الفعلي والميداني لحشود الحشد الطائفي وهو مطارد أمريكيا وكويتيا ومحكوم بالإعدام غيابيا في دولة الكويت!! ولم تسقط التهمة عنه حتى اليوم؟

    إذن في ظل المعطيات السابقة فإن أي تغيير فعلي يمكن للولايات المتحدة فرضه في العراق لابد أن يرافقه حالة مواجهة وصدام عسكري مع الجماعات الطائفية المسلحة، وبما يعني مواجهة غير مباشرة مع النظام الإيراني!! 
    وهو سيناريو لا أعتقد أن الأمريكيين يتلهفون أو يسعون لحدوثه في العراق في الوقت الراهن لأنه سيخلط الأوراق بشكل كبير على مستوى إدارة ملفات الصراع في الشرق القديم بأسره! والميليشيات تعلم بتلك الحقيقة وتتقوى تحت ظلال التناغم الأمريكي/ الروسي في الحقبة الراهنة على الأقل أي في الشهور الأخيرة من حكم الرئيس أوباما!، لذلك فجميع أطراف الصراع في العراق تحتشد وتتهيأ وتحفر خنادقها، وتؤسس مواقعها تمهيدا لمواجهات مستقبلية، ربما لن تكون حتمية ولكنها ضرورية لصياغة أوضاع جديدة!

    حجم الخراب في العراق مريع ومأساوي وأي محاولة للإصلاح والتغيير لابد أن تصطدم بحيتان الفساد وبمافيا السلطة الطائفية وبمواقع متفجرة عديدة، تبدو الأجواء الإقليمية غير مناسبة لها حاليا، ولكن ثمة حقيقة مركزية تتمحور حول استحالة تطبيق أي متغيرات ما لم تتم المباشرة بإجراءات صعبة على الأرض وأهمها حظر الميليشيات وتجريدها من أسلحتها ومطاردتها بل وتفعيل المذكرات القانونية باعتقال قادتها كأبي مهدي المهندس مثلا!!، وهو أمر يعتمد تماما على حلحلة الملف السوري! فالتقدم في ذلك الملف عبر إزاحة النظام السوري يعني تلقائيا انهيار الجماعات المسلحة في العراق، والتي لن تترك الساحة أبداً من دون مواجهة عسكرية حتمية لكون مشروع تأسيس وإقامة (الحرس الثوري) بنسخته العراقية قد وصل لمرحلة الحصاد وقطف النتائج.
     وحدها الولايات المتحدة تستطيع عرقلة ذلك المشروع الإيراني الطائفي. فهل تفعلها فعلا وتطارد قادة الميليشيات ليستطيع التغيير الداخلي الفعلي أخذ مداه؟. أم أن العملية بأسرها مجرد بالونات اختبار لوضع عراقي يقف على حافة البركان..؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة؟ 

    الأربعاء، 10 فبراير 2016

    مذبحة إيرانية عظمى في بر الشام

    مذبحة إيرانية عظمى في بر الشام

    داود البصري


    حجم الفجيعة الإيرانية في الخسائر البشرية في معارك الشمال السوري وتحديدا ريف حلب، فاق كل التصورات والتقديرات، وخرج عن كل السياقات، وتحولت لكارثة حقيقية حلت بالجسم العسكري الإيراني المتورط في إدارة المعارك والتدخلات الإيرانية في دول الشرق القديم؟
    فمشاهد توافد الجنائز والصناديق الخشبية التي تضم أجساد مقاتلي الباسيج (تعبئة المستضعفين) والحرس الثوري الإيراني المتساقطين في معارك الميدان السورية أعادت للأذهان الشعبية الإيرانية ذكريات سنوات الحرب العراقية- الإيرانية المرة، وحيث كانت الحشود البشرية الإيرانية تتساقط كالجراد في جبهات الحرب حينذاك.

    اليوم يتكرر المشهد بوحشية مفرطة في ظل التمدد العسكري الإيراني في عمق الشرق القديم. وهو تمدد له محاذيره وأثمانه وتداعياته أيضا، ففي جبهة حلب الشمالية وحدها خسر الإيرانيون خلال أسبوع من القتال ضد قوى المعارضة السورية في ريف حلب الغربي أكثر من 35 ضابطا من ضباط الحرس بعضهم برتب متقدمة وقيادية، ليضافوا للمئات من العناصر الذين تساقطوا على امتداد جبهات الحرب الداخلية الشرسة، حالة استنزاف فريدة وواضحة لقوات الحرس الثوري الإيراني في بر الشام تعبر عن تورط سياسي وعسكري كبير في النزاع السوري ، وعن وصول التدخل الإيراني في الشأن السوري لحافات ونهايات كارثية، لكون المعركة الإيرانية في الشام هي فعلا (معركة المصير الواحد) للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني في الشرق، وهي معركة خاسرة لكونها في مواجهة الشعب السوري الحر الذي اختار خيار المواجهة والذي تتآمر عليه مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في محاولة إخضاعه وإركاعه وفرض شروط الذل والمهانة عليه وكسر إرادته وقهر عزيمته.

    التاريخ يحدثنا بالنتائج الحتمية لأي تدخل خارجي في شأن شعب حر قرر تمزيق القيود والأغلال وانطلق بثورته العارمة التغييرية ليعانق الحرية الحمراء المقدسة!
    الإيرانيون في مأزق حقيقي وفخ قاتل، فخطوطهم العسكرية وتوسعهم في الشرق قد طالت كثيرا، وخسائرهم تعدت كل الحسابات خصوصا وأنهم فقدوا قيادات تاريخية مؤسسة للحرس الثوري كالجنرال حسين همداني وغيره فضلا عن غياب وغموض مصير قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي أصيب قبل شهور في حلب أيضا، لتضاف كل يوم أسماء ورتب جديدة تعمق حجم الخسائر الإيرانية المروعة التي دخلت فعلا في دائرة الخطر وأضحت تمثل تحديا واضحا للقيادة الإيرانية التي ساهمت في إطالة عمر النظام السوري قبل أن تتدخل الآلة الحربية الإرهابية الروسية. وهو تدخل يؤكد حالة التحالف الاستراتيجي بين النظامين في إدارة عمليات الإرهاب في الشرق القديم، أو في الحفاظ على المصالح والوجود. 

    والمعضلة الكبرى أن التورط العسكري الإيراني لم يشمل فقط المؤسسة الثورية الإيرانية بل أضاف لجدول الخسائر الميليشيات الطائفية اللبنانية (حزب الله) وهو البندقية الإيرانية في العالم العربي والذي خسر الآلاف من عناصره والمئات من قيادييه الميدانيين فضلا عن سمعته و مكانته السابقة، وكذلك العصابات العراقية والأفغانية والباكستانية حتى تحولت الأرض السورية لمصيدة حقيقية ومنطقة قتل لفئران العصابات الإيرانية في الشرق. 

    معالم المستقبل القريب واضحة وصريحة، فالجهد العسكري الإيراني لم يعد مقتصرا على تغطية مناطق معينة في سورية كريف دمشق مثلا. بل تحول ليكون مشاركة قتالية أشبه بقوات احتلال في مختلف المناطق السورية وهو ما يعمق من الخسائر البشرية ويوصلها لدرجة عدم الاحتمال في ضوء التبرم الشعبي الإيراني الداخلي ووصول الاحتقان الداخلي الإيراني لحافات انفجارية معلومة وواضحة، وبرغم الاعتماد الإيراني على الجهد العسكري الروسي لتخفيف الضغط على القوات الإيرانية، إلا أن الروس يضربون من الجو ولا وجود بري واضح لقواتهم حتى الآن، بينما الإيرانيون يقاتلون بريا ويلتحمون بشكل مباشر مع مقاتلي المعارضة السورية المسلحة مما يجعلهم هدفا دائما ومركزيا للاصطياد وحيث تتساقط القيادات العسكرية الإيرانية تباعا في حرب الاستنزاف السورية المؤدية للهلاك والاضمحلال والتلاشي، وثمة حقيقة ميدانية لا فكاك من أسرها يعيش هواجسها الإيرانيون كل يوم تتمثل في كون الفشل في مغامرتهم السورية يعني النهاية الحقيقية لكل مشاريع النظام الإيراني التبشيرية والتصديرية، وبما سيؤدي لانكفاء وتراجع سينعكس حتما على الوضع الداخلي الإيراني المتدهور.

    الإيرانيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما وهما إما التعايش مع حالة النزيف البشري اليومي القاتل وتحمل الأعباء الكارثية لحرب الاستنزاف التي يخوضونها، أو تحمل مسؤولية الانسحاب العسكري التام من الميدان وبشكل فضائحي وعبر هزيمة مدوية تعمق وتكرس أزمات النظام الإيراني الداخلية المتراكمة، هزيمة الثورة السورية أمر مستحيل مهما بلغت خسائر الشعب السوري وقواه الحرية الذي يقاتل اليوم قوى جبارة إرهابية عظمى مثل الروس البغاة الطغاة، الإيرانيون في مصيدة حقيقية وأمام خيارات محدودة ومكلفة، ولكن تساقط الجنرالات الإيرانيين وأتباعهم من العملاء في الشرق قد أكد حجم هزيمتهم المفجعة التي ستظهر نتائجها المباشرة قريبا، وما النصر إلا من عند الله، ولن تهزم إرادة الحرية السورية المضمخة بدماء الشهداء الأحرار.. إنها الهزيمة الإيرانية المدوية والنهائية في الشرق.

    الاثنين، 8 فبراير 2016

    أسوار بغداد.. الطائفية وخنادق التقسيم العرقية

    أسوار بغداد.. الطائفية وخنادق التقسيم العرقية

    داود البصري

    مع كل تطور عسكري أو سياسي أو أمني في العراق (تبتدع) السلطة العاجزة إجراءات مثيرة للسخرية، وتعتمد على صيغ أمنية وعسكرية متهالكة، تعبر عن إفلاس فكري وقيادي ومعلوماتي مثير للرثاء، فالسلطة العراقية تواصل المضي بعيدا في مسلسل الفشل الذريع، وفي ظل هزائمها المستمرة لا تجد مناصا من ابتداع حلول مأساوية لقضايا شائكة فشلت في إدارة أوراقها ومعالجة ملفاتها المستعصية، الحكومة العراقية اليوم وبتصفيق وتشجيع من أحزاب التحالف الوطني الحاكم الطائفية، قد شرعت في بناء خندق بعمق مترين وعرض 3 أمتار ولمسافة 100 كلم حول العاصمة العراقية بغداد؛ لحمايتها كما يقولون من هجمات وغارات تنظيم الدولة؟

    والسؤال يتمحور حول فاعلية العمليات العسكرية في الأنبار إذا كانت قد فشلت في توفير الأمن والحماية للطرق الرابطة مع العاصمة بغداد! وكيف يتحدثون عن انتصارات عسكرية حاسمة فيما يقومون بتنفيذ إجراءات دفاعية الطابع تعود لتكتيكات العصور الوسطى وبناء التحصينات من خلف الخنادق، بل لعصور ما قبل الوسطى ولأيام النزاع بين أثينا وإسبارطة في العهد الهيليني؟ 
    أي عقلية إدارية متخلفة تلك التي تُسيّر الأمور في العراق؟
    وأي استراتيجية عسكرية يتم التخطيط لها عبر استحضار مخلفات فكر العصور الوسطى لتطبيقه في قلب القرن الحادي والعشرين!

    لقد بلغت العدمية والمسخرة في العراق حدودها الكارثية القصوى وأضحت منهجا بائسا يعبر عن بؤس وضحالة وعدمية فكر من يحكمون العراق اليوم، ليلقون به وبشعبه في مهاوي الردى! 
    والخندق العميق المحفور والمعزز بكاميرات المراقبة لا يمكن له أبدا أن يحمي أحدا في العمق البغدادي، بل إنه يكرس مبدأ التقسيم والضم والإلحاق وإعادة بناء المواقع الطائفية للأسف، وهو خندق مسور يذكرنا بسور العزل العنصري في فلسطين المحتلة، ويستنسخ من تلك التجربة الفاشية الصهيونية إطارا جامعا مانعا لحالة التقسيم والتشطير العراقية، التي يسعى لها بعض من غلاة الطائفيين في العراق والساعين لبناء واقع طائفي ممزق مريض، تهشم من خلاله كل الجهود الوطنية المخلصة لإعادة بناء العراق على أسس توحيدية سليمة ومنطقية.

    من الواضح حتى لمن لا يفهم بأن أسوار بغداد الجديدة هي خطوة مركزية في بداية تنفيذ سيناريو تقسيمي أسود، من خلال عزل بغداد عن حزامها البشري وتحويلها لجزيرة طائفية خاصة بمكون معين، وهو تصرف يتماشى مع ما أقدمت عليه حكومة كردستان من حفر خندق يعزل إقليم كردستان عن محيطه، ضمن مسلسل رسم الخرائط الاستراتيجية الجديد. وسعى بعض للمضي بعيدا في تنفيذ حلم ومخطط تقسيم العراق وتشطيره، وجعله نسيا منسيا وجزءا من الماضي، وهو ما يهدد التوازن الاستراتيجي في الشرق القديم بأسره. 

    ويبدو أن سياسة الأسوار والخنادق قد باتت من مستلزمات وأدوات العملية السياسية الكسيحة في العراق، التي وصلت لنهايات كارثية مقرفة تبشر بسيادة عصر الفوضى المطلقة، فعندما تعجز الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تم صرف مليارات الدولارات عليها وعلى تجهيزاتها عن توفير الأمن للمواطن العراقي، فلابد لمافيات الظلام ولأهل الأجندات المشبوهة التحرك، وتلك وايم الله قاصمة الظهر، وطعن في قلب الوجود العراقي واستهانة بدماء شهداء العراق، الذين سقطوا دفاعا عن وحدته الوطنية وبقائه. 
    الحكومة العراقية التي تعيش اليوم إرهاصات التغيير الداخلي، تتصرف بتخبط واضح في ظل عدم وجود استراتيجية عسكرية وأمنية واضحة، وتسوير العاصمة أمر يحمل دلالات تراجع عسكري مهين لابد أن ينعكس على الوضع الطائفي العراقي الهش، فإدارة الأزمة العراقية الطاحنة تحتاج لمقاربات أمنية وعسكرية محترفة، وليس لتخبطات قادة المليشيات الطائفية الذين أساؤوا للقيم والأعراف العسكرية والمهنية، وعبر كل تاريخ الحروب العراقية منذ أن تأسست بغداد في عهد المنصور العباسي لم يتم حفر الأسوار والخنادق، بل كانت المواجهة عبر الاستعدادات المعروفة، كل ما يجري من إجراءات حكومية هو مجرد حالة عبثية لمرحلة ميتافيزيقية من الفشل القيادي، وهي مرحلة زائلة لا محالة لكونها خارج أي تصنيف منطقي، سيظل العراق موحدا رغم الصعوبات الراهنة وستسقط أسوار الفوضى والترهل، فالأسوار الحصينة والقلاع المتينة لا تحمي الخائفين والفاشلين!