الأربعاء، 1 مايو 2024

بيني وبينك.. السّيفُ والوَرْدة

 بيني وبينك.. السّيفُ والوَرْدة

جُرحُ غزّة سيندمل عمّا قريبٍ بإذن الله، وإنّها أيّام «وتلك الأيّام نُداوِلُها بين النّاس»، وإنّ الحربَ سِجال، ولقد مرّ على المُسلمين ما مرّ على أهل غَزّة، فالمُجاهِدون في التّاريخ هم ظِئر الإسلام، ومن احترقوا بلظى الحرب حتّى أضاءتْ شُعلتها عماية الدّروب، وهم خميرتُه الّتي صنعتْ خُبزَه، وهم حُماتُه وذادتُه، وإنّه لم ينجُ إلاّ مَنْ صبر، ولم يفزْ إلا مَنِ احتسب، وإنّ دَمًا أُريق في الصّعيد من أرضِ غزّة الطّاهرة سيُنبِتُ جيلًا لا يُمكن أنْ يقبلَ بالمُحتلّ، ولا يُصفِّقَ للتّعايش الموهوم مهما كانتْ دِعايتُه، ومهما زُوّقتْ مُسوِّغاته، وقد كان.
إنّ النّصر لا يكونُ بعددٍ ولا عُدّة، وفي التّاريخ أمثلةٌ تنفلتُ من الحصر، وإنّ الكثرة لا تغلبُ الشّجاعة كما يقولون، وإنّ الوردة لا تنتصر على السّيف إلا إذا كانَ شوكُها أحدَّ من مضاربه، وإنّ سيفًا تضربُ به المُقاومة لن يتثلّم، وإنّ أهل غزّة كما قال المتنبّي:

حَيِيُّون إلا أنّهمْ في نِزالِهمْ
                    أقلُّ حياءً من شِفارِ الصّوارِمِ

وماذا بعدُ؟ سيقولون إنّ نهر الدّم ما زال يجري، وإنّ صرخات المفجوعين ما زالتْ تشقّ عَنان السّماء، وإنّ آهاتِ الأمّهات ما تزال تجأر إلى الله من هذا البَلاء، فمتى يكون القفول، ومتى يستريحُ هذا الشّعبُ من نزيفه؟! فقلْ إنّ الفجر لا يبزغ إلا بعدَ أشدّ ساعات اللّيل حُلكة، وإنّ وعدَ الله آتٍ، وإنّ رَبًّا كتبَ في لوحِه هذه الأقدار لَهُوَ أحنّ على عباده من الأمّ المُرضعة على فطيمها.
إنّ غَزّة اليوم وحدها، ولكنّها بأمّة الإسلام كلّه، وإنّها إذ يملك العدوّ البارِجات والصّواريخَ العابرات للقارّات، لَتَمْلِك إلى جانبِ أسلحتها عزيمةً وإيمانًا لا يفتُّ في عضدها ولا ينحتُ من أَثْلتها مهما تكالبتْ عليها قُوى الظّلام، ومهما كشّرتْ عن أنيابِها سِباع الغدر.
إنّ التّاريخ شاهدٌ، وإنّ صُحُفَه مُشرَعة، وإنّ أمّة العرب والإسلام كلّها مدعوّة إلى أنْ تكتبَ ولو سطرًا واحِدًا في هذه الصُّحُف، ولكنّ محابر الآخرين جفّت، وأقلامَهم كُسِرتْ، ولم تبقَ إلا أقلامُ غزّة التي تفيض بحبر الدّم، هي القادرة على أنْ تُسطّرَ أروع ما يُمكن أنْ يقوله التّاريخ في زمن الخِذلان والنّكوص.
وحينَ تنتصر، وستنتصر بإذن الله لا محالة، عليها أنْ تقفَ شامخةً وفي جبينها سُمُوق، وعلى رأسِها إكليلُ غار يُزيّن مَفْرِقها، وعلى إخوتها إنْ لم يكونوا قد أحسّوا بالعار بعدُ، أنْ يقفوا عند أقدامها، وينحنوا لها إجلالًا، فإنّها وحدها قالتْ للضّباع: لن تمرّوا، وللغربان لن تأكلوا، وللفئران لن تعيثوا. وحدها قاتلتْ من أجلنا جميعًا، وحدها صنعتْ نصرًا لا يصنعه إلا أهل البطولاتِ الأُوَل، ومن كان الله معه فمن يكونُ عليه ؟!

AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

 

من أين جاءت نعمت شفيق؟!

 من أين جاءت نعمت شفيق؟!

ساري عرابي

نعمت شفيق


بدأت نعمت شفيق مسيرتها المهنية في البنك الدولي، وبحسب سيرتها المنشورة على موقع جامعة كولومبيا التي أصبحت رئيسها العشرين، فإنّها وفي سنّ السادسة والثلاثين، قد صارت أصغر نائب رئيس للبنك الدولي على الإطلاق. ومن ضمن الوظائف التي تولتها في الإطار المالي والاقتصادي، وبحسب السيرة إيّاها، أمينة دائمة لوزارة التنمية المالية في المملكة المتحدة، ونائب المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، ونائب محافظ بنك إنكلترا. وبحسب موقع صندوق النقد الدولي، فإنّ مسؤوليتها، أثناء عملها في الصندوق من العام 2011 وحتى العام 2014، اختصت بمنطقتي شرقيّ أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يشير إلى الطبيعة السياسية الخاصّة لموقعها في سياق سياسات الهيمنة الدولية على هذه المناطق تحديدا. وأمّا من خلال وظائفها في المملكة المتحدة، فقد أدارت عمليات التمويل للبلاد الفقيرة.

وعلى أيّة حال؛ يصعب حصر وظائفها وأدوارها المحلية والدولية، بالإضافة إلى المجموعات الاستشارية والمجالس التي ترأستها، لكن قد تجدر الإشارة إلى تعيينها في العام 2020 عضوا دائما في مجلس اللوردات في المملكة المتحدة، لتكون عضوا محايدا من الناحية السياسية بين أحزاب المحافظين والديمقراطيين الليبراليين والعمال.

في العام 2017 رجعت إلى الأوساط الأكاديمية رئيسة لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وحينما صارت رئيسا لجامعة كولومبيا في الأوّل من تموز/ يوليو 2023؛ وهي بذلك أوّل امرأة تقود كولومبيا، كانت في الثانية والستين من عمرها، وهو ما يعني أنّ حياتها المهنية كلّها ارتبطت بأدوار سياسية من خلال موقعها خبيرة في مؤسسات محلية في بريطانيا، أو دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. 

صحيح أنّها مارست العمل الأكاديمي في الأثناء، كما في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا وقسم الاقتصاد في جامعة جورج تاون، إلا أن الدور السياسي المقنّع بوصفها خبيرة اقتصادية ظلّ هو الطاغي طوال مسيرتها المهنية

صحيح أنّها مارست العمل الأكاديمي في الأثناء، كما في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا وقسم الاقتصاد في جامعة جورج تاون، إلا أن الدور السياسي المقنّع بوصفها خبيرة اقتصادية ظلّ هو الطاغي طوال مسيرتها المهنية. فنعمت شفيق التي حصلت على البكالوريوس في الاقتصاد والسياسة من جامعة ماساتشوستس أمهيرست، والماجستير في الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد؛ نالت الدكتوراه في الاقتصاد من كلية سانت أنتوني، جامعة أكسفورد.

امرأة هذه سيرتها المهنية، وتلك هي الأوساط الغارقة فيها، لا يوجد كبير معنى للحديث عن انسلاخها عن جذورها العربية، ليس فقط لأنّها خرجت من الإسكندرية وهي في الرابعة من عمرها بسبب سياسات التأميم التي انتهجها عبد الناصر، والتي طالت معظم أراضي عائلتها وممتلكاتها، مما جعل سفرهم إلى الولايات المتحدة هروبا من ذلك الواقع المصري في حينه، كما تقول هي في مقابلة مع مجلة الجامعة، ولكن لأنّها بالتأكيد لا تنتمي لقضايا هذه المنطقة إلا من من موقع المنفّذ لسياسات الهيمنة الغربية من خلال دورها في صندوق النقد الدولي، وإن كانت تستحضر طفولتها في مصر باستدعاء التفاوت الطبقي بين عائلتها الثرية والفقراء المصريين، للقول إنّ وعيها بدأ يتفتح على قضايا الفقر منذ ذلك الوقت المبكر، وإن كانت كذلك تتحدث عن دورها في بناء المدارس في إفريقيا، ومعالجة آثار الفيضانات في جنوب شرق آسيا، بالقدر نفسه الذي تتحدث فيه عن دورها في مساعدة دول شرقي أوروبا في إصلاح اقتصاداتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فالسياق كلّه واحد!

لكن لا ينبغي أن يغيب عن البال، والحالة هذه، أنّ مجالنا العربي الوسيع، حتى داخل فلسطين، فيه من هو منسلخ عن أي مسؤولية أخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، والأمثلة على التبرّع المجاني في إظهار العداء الفج للقضية الفلسطينية أو مقاومتها من مثقفين وصحفيين ونشطاء عرب أشهر من أن تُستدعى، فكيف بالمواقف الرسمية لحكومات عربية؟ وكيف بحال الحركة الطلابية التي جرى تحطيمها في البلاد العربية؟ أو برؤساء جامعات في فلسطين جعلوا من شلّ الحركة الطلابية رأس أهدافهم؟!

بدأت السيرة الخاصة لنعمت شفيق، مع العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر ، مباشرة مع الأحداث، فقد أصدرت في التاسع من الشهر نفسه بينا تقول فيه إنّ الهجوم على "إسرائيل" قد دمّرها، وتثني فيه على مظاهر الدعم والتعاطف والتضامن والرعاية التي أبداها الطلاب والزملاء للذين تأثروا بالنزاع، منوهة لأشكال الدعم التي تقدمها الجامعة على هذا الصعيد، مشيرة بنحو خاص إلى "مركز كرافت للحياة الطلابية اليهودية"، وهو المركز الذي بات مقصد المشرّعين الأمريكان للتضامن والادعاء بأنّ المظاهرات الطلابية الرافضة للحرب الإسرائيلية تنطبع بالعداء للسامية.

في الثاني عشر من الشهر نفسه، تغلق نعمت شفيق الحرم الجامعي بسبب ما قيل عن مظاهرات متنافسة بين المؤيدين لـ"إسرائيل" والمؤيدين للفلسطينيين، وفي الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر تعلن عن فرقة عمل لمكافحة معاداة السامية، ومجموعة موارد لمساعدة الطلاب العرب والفلسطينيين الذين استهدفتهم حملة إعلامية كشفت فيه عن أسمائهم بعدما نشروا بيانا بعد عملية السابع من أكتوبر، لم يعلنوا فيه أسماءهم، حمّلوا فيه "إسرائيل" المسؤولية عن السياسات التي فجّرت العنف في غزة؛ كان من صور تلك الحملة، نشر معلوماتهم الشخصية على الإنترنت، وإعلان المسؤولين التنفيذيين في "وول ستريت" حظر توظيفهم، والدوران بشاحنات حول الجامعات تحمل لوحات رقمية تتضمن صور الطلاب وأسماءهم، مما يعني أنّ التحريض الفعلي والمبكر كان ضدّ الطلاب العرب والفلسطينيين، وبما يسعى إلى قمع رأيهم من اللحظة الأولى للحرب مباشرة.

وقد تجلت السياسات غير المتوازنة لنعمت شفيق بتجميد مجموعتين طلابيتين مؤيدتين للفلسطينيين في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، الأولى هي "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، والثانية "صوت يهودي من أجل السلام". وتجميد المجموعة الثانية، وهي مجموعة يهودية رافضة لسياسات الحكومة الإسرائيلية، يكشف عن التغطي الزائف بمكافحة العداء للسامية، لأجل مكافحة مناصرة الفلسطينيين. وأخيرا تستدعي نعمت شفيق، ولأوّل مرّة منذ عقود بحسب تعبير صحيفة "نيويورك تايمز"، الشرطة المحلية لقمع مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين.

في جلسة استجواب لها أمام "لجنة التعليم والقوى العاملة" في الكونغرس، تحدثت شفيق عن إجراءاتها في "مكافحة العداء للسامية"، والتي كان منها إيقاف طلاب، وإلغاء التعاون مع أحد الأساتذة الزائرين، وأعلنت أنها لن تتسامح مع عبارات من قبيل "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، بخلاف رؤساء جامعات هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذين اتُّهِموا في جلسة استماع في كانون الثاني/ ديسمبر بأنهم فشلوا في التعامل مع شعارات كهذه بوصفها معادية للسامية!

أبدت شفيق استعدادا أكبر لقمع المظاهرات المناصرة للفلسطينيين، وهو ما يكشف من جهة عن مخيالها السياسي


لقد أبدت شفيق استعدادا أكبر لقمع المظاهرات المناصرة للفلسطينيين، وهو ما يكشف من جهة عن مخيالها السياسي، مهما تحدثت عن التنوع والتعاون، ومهما زعمت، في مفارقة طريفة، كما في لقاء لها مع مجلة الجامعة في بدايات استلامها منصبها، أنها تنتهج أسلوب نيلسون مانديلا في القيادة من الخلف، ومن جهة أخرى تكشف مسارعة شفيق الاستثنائية لقمع الطلاب عن المعنى في المكان الذي جاءت منه.

كانت شفيق واحدة من مهندسي سياسات الهيمنة الإمبراطورية على العالم، ولا يتجاوز مخيالها الليبرالي مصالح القوى المهيمنة، وهي ليست قوى غربية تتوسل نفوذها العالمي للهيمنة على الكوكب فحسب، ولكنها أيضا نخب اقتصادية فاسدة، تفسد المركز الإمبراطوري، الممثل في الولايات المتحدة، وإذا كان واضحا كيف يسيطر المال الفاسد على الإعلام الغربي، وكيف يمسك بأعناق أعضاء الكونغرس، وكيف تتحكم الشركات الكبرى بسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكيف أن المجمع الصناعي العسكري قد جعل أمريكا مدمنة على الحروب بخوضها مباشرة أو بافتعالها عبر الوكلاء والتحريش في العالم، فها هو يتضح كيف يعبث المليارديرات الفسدة بجامعات النخبة وبالحياة الأكاديمية، وكيف أنّ رئيسة الجامعة المصنفة رقم 12 على الولايات المتحدة، ليست أكثر من وسيط بين المال الفاسد والحياة الأكاديمية!

هذا هو عقل الإمبراطورية المتعفن بالمال السياسي، والمتحكم بها في كل اتجاه.

twitter.com/sariorabi

بايدن الراعي... بايدن الذئب

 بايدن الراعي... بايدن الذئب

وائل قنديل


"فضّ الاعتصام بالقوة". ... متى كانت آخر مرّة سمعت هذه العبارة في واحدةٍ من المدنِ المنكوبةِ بالاستبداد قبل أن تسمعها الآن في تعاطي السلطاتِ الأميركية مع اعتصاماتِ طلّاب الجامعات؟ ...

 ربّما كان ذلك قبل ثلاث سنوات في الخرطوم، حينما أقدمتْ قوّات الأمن على اقتحامِ ما اشتُهر باسم "اعتصام القيادة العامة" لترتكب مجزرةً مُروّعة بحقِّ المعتصمين المطالبين بالحرية، في عمليةٍ داميةٍ ناقشَ خططها رئيس المجلس العسكري السوداني، عبد الفتاح البرهان، في القاهرة، ونفذها بدعمٍ من السعودية والإمارات، حسب خبير عسكري سوداني لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني في ذلك الوقت. 

قبل الخرطوم، كانت القاهرة في يومٍ حزينٍ من أغسطس/ آب 2013، حيث وقعت كبرى مذابح الفضِّ بالقوّة، التي فتحت الطريق أمام كلَّ هذا الخضوع العربي للإرادةِ الصهيونية، بعد أنْ قرّر العرب الرسميون وضع كلِّ أشكالِ المقاومة، للاحتلال كانتْ أم للاستبداد، عدوًاً استراتيجيًا أوّل، فيما صار العدو التاريخي صديقاً، وحليفاً، وشريكاً سياسياً وتجاريّاً، في ظلِّ رعايةٍ ووصايةٍ أميركيتين لإعادة صياغة الشرق الأوسط بما يتناسب مع المشروع الأميركوصهيوني في المنطقة.

عمليةُ شيطنة اعتصامات طلّاب الجامعات ومحاولة تصويرها تهديدًا للسلام الاجتماعي، والتحريض عليها باعتبارها شكلًا من أشكالِ معاداة السامية، تبدو منقولة حرفيًا من أرشيف قتل مشاريع الثورات ضدَّ ثنائية الطغيان والاحتلال في بلدانٍ تُصنَّف من دولِ العالم الثالث، غير أنّ ما يسترعي الانتباه أكثر هذا التقاطع بين منطلقاتِ وآليات فضِّ اعتصامِ الطلّاب، وبين مثيلتها في ما يجري التخطيط له في غزّة ورفح، أو بالأحرى فضِّ مشروع المقاومة بهما، إذ يتركّز الجهد كلّه في محاولةِ اختلاق تناقضٍ بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت العدوان والحصار والمقاومة التي وُلِدَت من صلبِ هذا الشعب. 

وفي هذه النقطة تحديدًا تُمارس مصريّة الأصل، رئيس جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، مع الطلّاب المعتصمين ضدَّ الاحتلال والعدوان، الدور ذاته الذي يقوم به رئيس سلطة التنسيق الأمني، محمود عبّاس، مع حركاتِ وفصائلِ المقاومة الفلسطينية، بالتحريض المستمر ضدّها، وتمنّي القضاء عليها، واعتبارها من خارج الإجماع الوطني الفلسطيني حتى تنفتح أمامه كلَّ السكك لتوسيعِ نطاق سلطته التي ترضى عنها واشنطن وتل أبيب.

الشاهد أنّ كلّ مُعطيات اللحظة الراهنة تقول إنّ حصار مشروع المقاومة يمضي بالتوازي مع محاولةِ تجفيف منابع الغضب العالمي ضدَّ الاحتلال وداعميه، وبشكلٍ خاص ذلك الغضب المتصاعد في جامعات الولايات المتحدة والعالم، إذ تُكثّف واشنطن من طلعاتها الدبلوماسية في المنطقة، فيحضر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بجولةٍ جديدةٍ لتسويق ما سماه "العرض السخي" الذي لا يمكن أن ترفضه حماس، كما يحضر رئيسه، بايدن، هاتفيًا باعتباره مدير عام الشرق الأوسط، ليوّجه كلَّ الأطراف بضرورةِ التوصّل إلى صفقةٍ تنتهي بتحرير الأسرى الصهاينة.

مدهشٌ أن يبقى أحد مقتنعًا بفرضيةِ أن يكون جو بايدن هو الشخص المناسب لرعايةِ أيّ اتفاق مُنصفٍ في الصراع، بينما كلُّ تفاصيل المشهد تؤكد أنّه الذئب، أو مُدرِّب الذئاب، وليس الراعي الذي يمكن أن يُرجى منه خير، بالنظر إلى سوابقه العديدة في القتالِ في المحافلِ الدولية ضدَّ أيّ قرارٍ، أو إجراءٍ قانوني دولي يُوقف الجريمة الإسرائيلية، إِنْ في مجلس الأمن بالفيتو الرافض لمشروع قرار الاعتراف بدولةٍ فلسطينية، أو في محكمة العدل والجنائية الدولية، وقبل ذلك كلّه من خلال الميزانية ومخازن السلاح الأميركية المفتوحة، دعمًا للعدوان العسكري الصهيوني.

 بايدن وتابعوه لا يعترفون بحقّ الشعب الفلسطيني في مقاومةِ احتلاله، لذا كان الأمر صادمًا حين  رأيتُ بعينيّ، وسمعتُ بأذنيّ، وزير الخارجية المصري، سامح شكري،  يقول: "هناك احتلال.. إذن هناك مقاومة، حقًا يكفله القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني". قالها في جلسةِ أسئلةٍ، أو بالأحرى مساءلةٍ، يُديرها الصهيوني الصريح الصحافي الأميركي، توماس فريدمان، في العاصمة السعودية الرياض.

هنا يبدو سامح شكري معارضاً لسامح شكري، ذلك أنّ هناك تلالاً من تصريحاته السابقة ضدَّ المقاومة واتهامها بأنّها ليست في إطارِ المشروع الوطني الفلسطيني، فماذا حدث، أو السؤال الأخطر هو: ماذا سوف يحدُث لكي ينقلب سامح على شكري؟

مشكلة التاريخ الإسلامي في بلادنا دولة عظيمة ماتت فجأة في ريعان شبابها




 

مَن احتلّ فلسطين؟

                                                    مَن احتلّ فلسطين؟


من احتل فلسطين؟ سيبدو هذا السؤال غريبًا بالنسبة لكم بلا شك، ربما لأن الإجابة في عقولنا حاضرة، وهي "إسرائيل" مباشرةً. ربما يمكنكم أيضًا إضافة الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل.

أنا أفكر في هذا الأمر بشكل مختلف قليلًا؛ دعوني أشرح لكم.

لماذا لا يتم إيقاف إسرائيل؟

جميعنا شاهدنا بِحَيرة عدم قدرة أي دولة على إيقاف إسرائيل عن ارتكابها أكبر المجازر في حق المدنيين في السنوات الأخيرة. هل يمكن أن تكون إسرائيل قد أسرت الدول التي بإمكانها إيقاف هذه المجزرة؟ في الواقع، كانت هذه أيضًا قناعتي أثناء كتابة المقال. ومع ذلك؛ نقاشي مع المؤرخ والفيلسوف البروفيسور تحسين غورغون، غيَّر وجهة نظري بخصوص المسألة.

مثلًا؛ لنفترض أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت تقفت إلى جانب إسرائيل في مجلس الأمن، لماذا لا يمكن لروسيا والصين فعل أي شيء؟ على سبيل المثال، روسيا تسيطر على المجال الجوي في سوريا، ولكن تسمح لإسرائيل باستخدامه لقصف دمشق.

عندما أعيد صياغة السؤال، سنفكر بطريقة مختلفة: هل تريد الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إيقاف إسرائيل حقًا؟

أعتقد أن الإجابة لا. السبب يكمن في النظام الدولي الفاسد الذي يقوم على المصالح المتبادلة.

غزة ليست أول مثال على الإبادة الجماعية

هنالك ردود فعل واسعة على المستوى الدولي حول ما يحصل في غزة؛ لأن المجازر والإبادة الجماعية هنالك تُنقل على البثّ المباشر على مرأى من العالم كله، ولهذا السبب يتمّ إدانة إسرائيل.

روسيا قتلت المدنيين في أفغانستان، والشيشان، وجورجيا، وأخيرًا في أوكرانيا بشكل مماثل. وقتلت الولايات المتحدة مليون شخص في العراق، وأعادت أفغانستان إلى العصر الحجري، وكانت فرنسا مسؤولة عن مقتل 800 ألف شخص في رواندا، ومليون مسلم في الجزائر، دون أن يتدخل أحد لوقفها. وارتكبت بريطانيا جرائم ضد الإنسانية في آسيا وشرق أفريقيا، دون أن ينبس بها أحد، وأحدثت الصين دمارًا في الأرواح في تركستان الشرقية، وتحاصر تايلند. وفي خضم كل هذه الأحداث؛ ما الذي يفعله مجلس الأمن الدولي برأيكم؟ يبدو أن المبدأ الأساسي هو "لا تنتقد جرائمي، لن أنتقد جرائمك".

لا ينبغي أن يلقوا اللوم على إسرائيل وينجوا بجلودهم

لماذا يجب أن نولي هذا اهتمامًا؟

لأن المشكلة ليست مقتصرة على إسرائيل، بل تُرتكب جرائم كبيرة بالتعاون المشترك. فهناك نظام يعمل على تنفيذ الجرائم بالتعاون، ومركزُ هذا النظام هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إنه ركيزة النظام الظالم في العالم وطاولة اتخاذ القرارات بشأن جميع الحروب والاستغلال والظلم الذي يحدث في جميع أنحاء العالم.

هل تعتقد أن إسرائيل، في حال توقفت عن الاحتلال والهجمات في المنطقة، سيتراجع نفوذ وقوة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وفرنسا في المنطقة أم سيزداد؟ سيتراجع. هل هذه الدول ترغب في ذلك؟ لا.

الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي هما مصدر جميع المشاكل في الشرق الأوسط، والدول الكبرى تستفيد من هذه البيئة المتوترة.

إسرائيل وسيلة الأرباح الاقتصادية

تواصل إسرائيل احتلال فلسطين وشن هجمات على سوريا، ولبنان، وإيران، مما يزيد من التوتر في المنطقة. وترى الدول المجاورة هذا كتهديد، وتستمر في التسلح، وتشعر بضرورة تكوين تحالفات سياسية مع الدول الكبرى.

في عام 2023؛ قامت الولايات المتحدة بتصدير 40 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة في العالم، تليها روسيا بنسبة 16 بالمئة، وفرنسا بنسبة 11 بالمئة، والصين بنسبة 5.2 بالمئة.

تحتل 9 دول عربية مراكز متقدمة بين أكبر دول العالم في استيراد الأسلحة، وتعتمد إيران، وسوريا والعراق، ولبنان، ومصر التي ترى هذا التسلح الإسرائيلي تهديدًا لها، على استيراد الأسلحة من روسيا، والصين.

هذا يؤدّي أيضًا إلى تأسيس قواعد عسكرية، وإبرام صفقات تجارية، وتشكيل تحالفات سياسية.

لنفترض أن الأزمة الإسرائيلية قد انتهت، فما هي الأسباب التي ستجعل الدول الكبرى تبيع الأسلحة، وتنشئ قواعد عسكرية، وتجلب سفنها الحربية إلى المياه المتوسطيَّة؟

إذا تخيلنا أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنفق ميزانياتها في التعليم والبنية التحتية والاقتصاد بدلًا من الصناعة العسكرية، فسيظهر مشهد جديد مغاير تمامًا. لكن للأسف، لا ترغب حكومات هذه الدول الإسلامية في ذلك.

لا بد من تغيير بنية مجلس الأمن الدولي

ما أود التأكيد عليه هو أن إسرائيل ليست سوى جزء من هذا الإجرام، فهي مجرمة ولكن لها شركاء في الجريمة، فالدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، شركاء في هذه الجريمة، ومن العوامل المؤسسة للنظام الفاسد في العالم.

وما لم يتغيّر هذا النظام، فإن الاستغلال والاحتلال والإبادة الجماعية ستظل مستمرةَ في جميع أنحاء العالم، من تركستان الشرقية إلى البوسنة، من فلسطين إلى الشيشان، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الجزائر.

يجب علينا الآن توجيه تركيزنا نحو هذا النظام الاستغلالي برمته، وجميع الأعضاء فيه. فلسطين أيقظت الوعي العالمي؛ حيث قام كل من يملك ضميرًا بالوقوف في مواجهة الظلم، وقام الشباب بالتمرد في الجامعات. ولكن يجب ألا ننسى هدفنا، وهو معاقبة كل المجرمين.

لا تنسَ أنَّ فلسطين قد تم استعمارها من قبل إسرائيل وخمس دول أخرى.

لماذا يتفق المستشرقون والباطنيّون على هدم تأريخنا العظيم؟

 لماذا يتفق المستشرقون والباطنيّون على هدم تأريخنا العظيم؟

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي

ربما أستطيع أن ألخص منهج المستشرقين بالآتي:

١-تفسير حركة الفتوحات الإسلامية بدوافع الأطماع الدنيوية بعيدا عن نور الرسالة الإسلامية وبشارات نبيّنا الكريم بوصول هذا النور إلى أصقاع العالم.

٢-طمس كل المعالم الحضارية التي رافقت هذه الفتوحات، يقول د عبد الرحمن الحجي إن معلومات الأسبان عن تاريخ الإسلام في الأندلس تتلخص في مجموعة من البدو المتوحشين تمكنوا من احتلال بلادهم ثم تم طردهم.

٣-التركيز على نقاط الخلافات الداخلية وتعظيمها، وربما من المفيد هنا أن أشير إلى كتاب (الحرية الجامعية في الغرب) للشيخ المربي الدكتور عبد الله مصطفى النقشبندي، الذي نقل بكل أمانة تجربته أثناء دراساته العليا هناك.

٤-تثقيف المجتمع الغربي بالعمل على (تصحيح الأخطاء التاريخية) وهو ما يعني استمرار الحروب الصليبية ولكن بطرق أخرى، وقد ناقشت هذه النقطة في مقال كامل على صحيفة العرب.

أما الباطنيون فإن حاجتهم إلى تحطيم هذا التاريخ لا تقل عن حاجة المستشرقين، وتكاد تكون نتائج تفكيرهم وتخطيطهم متقاربة وكما يأتي:

١- تشويه الفتوحات الإسلامية بل وتكفير الفاتحين أنفسهم، وقد سمعت أحد كبار معمّميهم وهو موصوف عندهم بالاعتدال! يقول؛ (إنها ليست فتوحات إسلامية وإنما فتوحات جنكيزخانية)

٢- تأليف ما لا يحصى من القصص الخرافية لصناعة حالة من المظلومية المستبشعة التي تعرّض لها (آل بيت محمد) على يد هؤلاء الفاتحين، ونموذج كسر عمر بن الخطاب لضلع فاطمة وبحضور زوجها علي شاهد على هذا التخريف.

٣- رفع شعار (يا لثارات الحسين) للانتقام من أولاد الصحابة الفاتحين، وهذا جرى ويجري من أيام القرامطة إلى مليشيات اليوم، وهو ما يتطابق مع هدف المستشرقين في (تصحيح الأخطاء التاريخية) وكل بأسلوبه ومن زاويته.

٤- التركيز على الأحداث المأساوية التي تثير الأحقاد والفتنة بين المسلمين، وطمس الإنجازات الكبرى كفتح مصر والشام والعراق وشمال أفريقيا إلى الأندلس، ثم فتح القسطنطينية، حتى وصل الإسلام إلى العمق الأوربي من جهة ووصل إلى الهند وماليزيا وإندونيسيا من جهة أخرى، ولك أن تتخيل لولا جهاد الصحابة ماذا نعبد نحن اليوم، فكل هذا يختزل مثلا في حادثة الطف؟

وقد نتج عن هذا تخادم وتحالف مع كل طامع بهذه البلاد من صليبيين ومغول حتى سقوط بغداد اليوم بحملة بوش الصغير الذي لقبه بعضهم بالإمام الثالث عشر، وهذا ليس على سبيل الأخطاء والخيانات المجزّأة وإنما بتأييد ديني من أعلى المستويات، 

وانظر مثلا ما يقوله الخميني عن الطوسي خادم هولاكو (إنه قدم خدمات جليلة للإسلام) 

وما يقوله صاحب كتاب روضات الجنّات من تمجيد وتعظيم لابن العلقمي (وزير السلطان العظيم هولاكو خان الذي أذلّ الله به دولة بني العباس).

في ضوء ما تقدم لننظر في بعض الأفكار التي يطرحها بعض (المفكرين) ممن يلبسون ثوبنا ويتسمّون بأسمائنا وعلى النحو الآتي:

١- ما معنى وصف تاريخنا الإسلامي بأنه قد انحرف منذ (صفّين) وإلى اليوم، وأنه قد نحى منحى الملك (الكسروي)، وأنه في صفين قد انتصرت القوة على الحق؟

مع أن المسلمين عامة يعدون عام الجماعة الذي توافق فيه سيدنا الحسن مع سيدنا معاوية يوما من أيام الله أعز الله به الإسلام وأهله وقمع به الفتنة ومن وراءها

٢- والأبشع من هذا وصف يوم السقيفة بأنه اليوم الذي بذرت فيه بذرة الأزمة والفتنة الكبرى. نعوذ بالله من هذا العمى، وهنا نسأل هؤلاء: ما الذي بقي بالله عليكم من تاريخ الإسلام؟

٣- لمز الفتوحات الإسلامية أيضا

٤- إبراز (إيجابيات) الحركات المناوئة للإسلام، دون أي محاولة لفهمها وتحليلها في سياقها الطبيعي، مثل حالات قليلة من الاقتتال بين الصليبيين والباطنيين، بينما هذا الاقتتال قد يحصل حتى بين أبناء الملة الواحدة.

٥- اعتماد معايير سياسية عائمة في الحكم وعزلها تماما عن معايير الإسلام نفسه، فالباطني الذي يعتقد بتحريف القرآن ككثير من الإمامية وإلغاء أركان الإسلام كالنصيرية يكون مرحبا به إذا كان له موقف سياسي معين، وليس لنا أن نسأل عن نواياه، ثم نفضله على المسلم العاجز أو الذي لم يقف معنا هذا الموقف لأي سبب كان

إن خطورة هذا المنهج ليس فيما يقدمه من خدمات للمشروعين؛ الاستشراقي والباطني، فقط، وإنما في قتل الروح المعنوية لأجيالنا، فإذا كان تأريخنا بهذا السواد، وإذا كان الإسلام نفسه لم يستطع أن يبني نموذجه منذ عصر الصحابة إلى اليوم، فكيف نطلب من هؤلاء الشباب أن يعملوا على إعادة أمجاد الإسلام؟

إنه لابد من فحص هذه الأطروحات وبيان خطورتها على أجيالنا بغض النظر عن أسماء المروجين لها، وبغض النظر عن ضغوطات اللحظة الساخنة، مع اعتقادي الجازم أن أول المتضررين بهذه الأفكار هم أصحاب القضايا التحررية العادلة.

إن هناك فرقا بين الذي يخجل من تاريخ آبائه وبين الأصيل الذي يرفع رأسه اعتزازا وافتخارا بهم.


الثلاثاء، 30 أبريل 2024

احتجاجات الحرم الجامعي: قد تكون هذه هي اللحظة التي تخسر فيها إسرائيل الغرب

احتجاجات الحرم الجامعي: قد تكون هذه هي اللحظة التي تخسر فيها إسرائيل الغرب

أعادت الحركة الاحتجاجية المناهضة لحرب غزة إحياء القضية الوطنية الفلسطينية ويتحدى جيل جديد من اليهود الأمريكيين الادعاء بأن الصهيونية تمتلك روايتها

ديفيد هيرست


هجوم تيت ، هجوم مفاجئ أطلقت من قبل الفيتكونغ والجيش الشعبي الفيتنامي الشمالي في فيتنام في يناير 1968 ، كان فشلًا عسكريًا.

تم تصميمه لإثارة تمرد في جنوب فيتنام لم يشعل أبدًا. بعد الصدمة الأولية ، الجيش الفيتنامي الجنوبي و الولايات المتحدة أعادت القوات تجميع صفوفها وألحقت خسائر فادحة بأفضل قوات الفيتكونغ.

ولكن كان لها نتائج كبيرة على حرب فيتنام.

الجنرال تران دو ، قائد الشمال في معركة هوو, أذكر: "بكل صدق ، لم نحقق هدفنا الرئيسي ، وهو تحفيز الانتفاضات في جميع أنحاء الجنوب. ومع ذلك ، فقد ألحقنا خسائر فادحة بالأمريكيين وعرائسهم ، وكان هذا مكسبًا كبيرًا بالنسبة لنا. أما التأثير في الولايات المتحدة ، فلم يكن هدفنا - ولكن تبين أنها نتيجة محظوظة."

أثبت هجوم تيت نقطة تحول في دعم أمريكا للحرب.

تعرض البنتاغون لانتقادات غير مسبوقة لتقييمه المتفائل لمسار الحرب ، وبينما خسر الفيتكونغ 30 ألف جندي ، تكبدت الولايات المتحدة 11780 خسارة في العام التالي, إثبات الصمود العسكري للشمال.

فجوة مصداقية كبيرة فتح بين الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون ( LBJ ) و الرأي العام. فقد LBJ نفسه الثقة في قيادته العسكرية واستبدلها.

في عام 1968 ، أصبحت جامعة كولومبيا أحد مراكز الزلزال من الاحتجاجات المناهضة للحرب ، مدفوعة من قبل جامعة كولومبيا العلاقات مع صناعة الدفاع. احتل الطلاب خمسة مبان وأخذوا عميدها, هنري كولمان, رهينة لمدة 36 ساعة. هناك صورة مبدعة لطالب يدخن السيجار في مكتبه.

تم استدعاء الشرطة. كان هناك المئات من اعتقالات الطلاب وإصاباتهم وإضرابهم ثم استقالة رئيس كولومبيا جرايسون كيرك. وصلت الاحتجاجات المناهضة للحرب إلى ذروتها خارج المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو واعتبرت فيما بعد أحد الأسباب انتخاب ريتشارد نيكسون.

في غضون ذلك ، انتشرت الحركة المناهضة للحرب مثل حرائق الغابات حول العالم.

كان هناك مظاهرة كبرى في برلين الغربية. كانت فيتنام واحدة من الشرر وراء أسابيع من قتال الشوارع حول انتفاضة العمال والطلاب في مايو 1968 في باريس وعبر فرنسا. حتى يومنا هذا ، يمكن رؤية ثقوب الرصاص في Marais في باريس.

كانت حركة الاحتجاج في 68 مايو قصيرة الأجل سياسياً. استمر التمرد في باريس عشرة أسابيع فقط ، على الرغم من أن الإليزيه شعر في مرحلة ما بأنه قريب جدًا من فقدان السيطرة لدرجة أن رئيسه الحالي ديغول فر من البلاد.

كان الرئيس الفرنسي محميًا باحتضان الناتو الدافئ. إلى أين سيذهب? هرب إلى المقر الرئيسي للجيش الفرنسي المتمركز في ألمانيا إلى جانب حلفائه من الناتو.

في اليوم التالي ، سار نصف مليون عامل عبر باريس وهم يهتفون "أديو ديغول". تعافى ديغول للفوز في الانتخابات التالية ، لكن صدمة الأخبار كانت عميقة. لقد غيرت جيل كامل في فرنسا.

1968 اليوم

إن أوجه التشابه بين حركة الاحتجاج عام 1968 ضد حرب فيتنام والاحتجاج العالمي اليوم ضد حرب غزة كثيرة.

مثل هجوم تيت, اختراق السجن الجماعي لغزة, صممته كتائب القسام في 7 أكتوبر ، خرج عن نطاق السيطرة في غضون ساعات. وقد نتج ذلك جزئياً عن غير المتوقع انهيار سريع لواء غزة التابع للجيش الإسرائيلي في جنوب إسرائيل.

مرة أخرى ، كانت كولومبيا في قلب الثورة ، مع معسكر احتجاج على هجوم إسرائيل أثار موجة من الإجراءات المماثلة في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة


هجوم على أهداف عسكرية ، حيث مئات الجنود الإسرائيليين قُتلوا ، وتحولوا إلى سلسلة من المذابح ضد المدنيين ، إما كيبوتزنيك أو رواد المهرجان الموسيقي الذي تعثرت فيه حماس والجماعات الأخرى المنتشرة عبر الحدود. على حد تعبير أحد مسؤولي دولة الخليج ، كان الهجوم في 7 أكتوبر أم جميع الحسابات الخاطئة.

لكن الرد الإسرائيلي, وظيفة هدم لمدة سبعة أشهر على غزة, أثبتت حملة الإبادة الجماعية ضد كل مواطن وعائلة في القطاع بغض النظر عن انتمائهم ، وتدمير منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم وجامعاتهم ، نقطة تحول في الرأي العالمي.

مرة أخرى ، يتم تقديم الدعم لهذه الحرب من قبل رئيس ديمقراطي أمريكي في عام الانتخابات. مرة أخرى ، كانت كولومبيا في قلب الثورة ، حيث احتج معسكر احتجاج على هجوم إسرائيل أثار موجة من الإجراءات المماثلة في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

تقع كل من كولومبيا وييل وهارفارد في مرمى ثورة الطلاب هذه بسبب علاقات الجامعات ’ مع إسرائيل.

الطلاب في كولومبيا يطالب تنهي الجامعة استثماراتها في عمالقة التكنولوجيا Amazon و Google التي تمتلكها عقد الحوسبة السحابية $ 1.2 مليار مع الحكومة في تل أبيب.

في جامعة ييل ، يطالب الطلاب بالتخلي عن الجامعة من "جميع شركات تصنيع الأسلحة التي تساهم في هجوم إسرائيل على فلسطين". تتبادل جامعة ييل الطلاب مع سبع جامعات إسرائيلية. برمجت جامعة هارفارد مع ثلاث من هذه الجامعات ، في حين أن كولومبيا لديها علاقات مع أربع منها.

كما في عام 1968 ، قوبلت العديد من هذه الاحتجاجات بالقوة. رئيس كولومبيا نيمات مينوش شفيق أمر شرطة نيويورك لتفريق مخيم 50 خيمة في الحديقة الجنوبية ، مما أدى إلى اعتقال 100 طالب من كلية كولومبيا وبارنارد, بما في ذلك ابنة عضو الكونجرس الأمريكي إلهان عمر.كما تم تعليق الطلاب من المدرسة وأخبروا أنهم لن يتمكنوا من إنهاء الفصل الدراسي الأكاديمي. في ييل ، كان 50 متظاهرًا اعتقل بتهمة "التعدي على ممتلكات الغير". في ولاية أوهايو ، تعرض المتظاهرون للضرب والتهديد. تم اعتقال ما يقرب من 900 متظاهر على الصعيد الوطني منذ المواجهة الأصلية في كولومبيا في 18 أبريل.

لا شيء من هذا جديد.

في عام 1970 الحرس الوطني أوهايو فتح النار على المتظاهرين

 الذين قتلوا أربعة وجرحوا تسعة طلاب فيما أصبح يعرف باسم

 مذبحة كينت ستيت. ثم كما هو الحال الآن ، تسببت وحشية الشرطة

 ضد الطلاب في انتشار الاحتجاج فقط.

بعد ساعات من إغلاق الإدارة لمخيم في برينستون, احتل مئات الطلاب فناء مركزي, إحضار الكتب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحات الفارغة لإنشاء "جامعة شعبية لغزة". انضم أعضاء هيئة التدريس ، وقادوا التدريس والمناقشات.

تم استدعاء الشرطة إلى 15 جامعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، وهناك احتجاجات في 22 جامعة وكلية أخرى.
الاحتجاجات الأمريكية لديها انتشرت إلى الجامعات البريطانية, على الرغم من أنهم تلقوا اهتمامًا إعلاميًا أقل.

في كلية ترينيتي ، كامبريدج ، كانت صورة اللورد بلفور ، وزير الخارجية البريطاني المسؤول عن بيان يعترف بحق اليهود في وطن في فلسطين ، مشوه وقطعت قبل أن تزيلها الجامعة.

شهدت لندن لتوها مظاهرتها الوطنية الثالثة عشرة منذ بدء الحرب. إن الاحتجاجات ضد الحرب في غزة ، بإصرارها وحجمها ، لا يقابلها سوى مظاهرة تزيد عن مليون ضد قرار توني بلير بغزو العراق, التي كانت في عام 2003 الأكبر من نوعها.

إن الحركة الاحتجاجية لها تأثير عميق على غزة نفسها لأنه لمرة واحدة لا يشعر الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لهذا الهجوم بأنه بمفرده.
صحفي فلسطيني ومنشئ محتوى قال بيسان أودا: "استمر لأنك أملنا الوحيد. ونعد بأننا سنمسك بموقفنا ونخبرك بالحقيقة دائمًا. ورجاءً لا تدع عنفهم يخيفك. ليس لديهم أي خيارات أخرى سوى إسكاتك وترعبك لأنك تهدم عقودًا من غسيل المخ."

الصهيونية هي الهدف

أودا على حق. إذا كانت أهداف حركة الاحتجاج عام 1968 هي البنتاغون ، أو الأبوية القمعية للدولة الديغولية ، فإن الأهداف اليوم هي الصهيونية ومسلحين إسرائيل في الولايات المتحدة المملكة المتحدة, و ألمانيا.

هذا هو اللوبي المؤيد لإسرائيل الذي يشوه السياسيين ويلطخهم على أنهم معادون للسامية لدعمهم لفلسطين. إنهم هم الذين يتسببون في طرد الجامعات الشجاعة والمذعورة من وظائفهم. إنهم يرون أنفسهم ديمقراطيين لكن أيديهم عميقة في مجموعة أدوات الفاشيين. إنهم يعرضون سيادة القانون وحرية التعبير والحق في الاحتجاج للخطر.

يقود الثورة ضد الصهيونية جيل جديد من اليهود الذين ظهروا بأعداد متزايدة في هذه الاحتجاجات.

طالب واحد في كولومبيا واثنان في بارنارد شرح لماذا: "اختارنا أن نعتقل في حركة التحرير الفلسطيني لأننا مستوحاة من أسلافنا اليهود الذين قاتلوا من أجل الحرية قبل 4000 سنة. عندما دخلت الشرطة معسكرنا ، أغلقنا الأسلحة وغنينا أغاني عصر الحقوق المدنية التي تلاها العديد من أسلافنا الأحدث في الستينيات. نحن ننتمي إلى إرث النشاط اليهودي التقدمي الذي عمل عبر العرق والطبقة والخطوط الدينية لتغيير مجتمعاتنا.

اليهود من بينهم مرعوبون مما يجري باسمهم. مرعوب من كيفية تحول دينهم إلى اعتذار عن التطهير العرقي

"إن اعتقال ووحشية أكثر من 100 طالب مؤيد للفلسطينيين في كولومبيا هو أسوأ عمل من أعمال العنف في حرمنا الجامعي منذ عقود. في اللحظة

فلسطين في كل مكان

لن تكون هذه الأحداث بدون عواقبها.
في المستقبل القريب ، أعادت الحركة المناهضة لغزة إحياء القضية الوطنية الفلسطينية كما لم يحدث من قبل. يتلاشى كتابات تذكارية لمعارك فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في لبنان تم استبدالها برموز جديدة مشرقة تحتفل بالهجوم في 7 أكتوبر. المثلث المقلوب الذي يصور حماس بالمظلات فوق الحاجز في غزة موجود في كل مكان.

ويترأس كل مظاهرة حول العالم الشتات الفلسطيني الذي رد في الاتجاه المعاكس لما قصدته إسرائيل وأنصارها. يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه إذا قتل الشيوخ ، فإن أبنائهم وبناتهم سينسون النضال.

وبدلاً من ذلك ، أعاد نتنياهو تعزيز رابطة الفلسطينيين في كل مكان بأرضهم المفقودة وعززها. اسأل الفلسطينيين في مخيم اللاجئين الأردني هيتين حيث منزلهم ، والجواب الساحق هو غزة أو الضفة الغربية.التي طلبت فيها كولومبيا من شرطة نيويورك القبض على مئات المتظاهرين الطلاب ، قامت جامعتنا بتطبيع ثقافة تقابل فيها الخلافات السياسية بالعنف والعداء ... بينما نكتب هذا, الطلاب الإسرائيليون الذين يمرون عبرنا يدعوننا "الحيوانات" بالعبرية لأنهم يعتقدون أن لا أحد منا سيفهم - يذكرنا بوزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت ملاحظات أن الفلسطينيين في غزة هم "حيوانات بشرية'".

تسببت حرب غزة في نقاش غير مسبوق بين اليهود ، حيث جادل كبار المثقفين مثل الصحفية الكندية نعومي كلاين بأن الصهيونية هي "هو صنم كاذب أخذ فكرة الأرض الموعودة وحولها إلى صك بيع لإثنوست عسكري".

كلاين كتب: "منذ البداية أنتجت نوعًا قبيحًا من الحرية لم ير الأطفال الفلسطينيين كبشر ولكن كتهديدات ديموغرافية – بقدر ما خشي الفرعون في سفر الخروج تزايد عدد سكان إسرائيل ، وبالتالي أمر بقتل أبنائهم.

"لقد أوصلتنا الصهيونية إلى لحظة الكارثة الحالية ، وحان الوقت الذي قلناه بوضوح: لقد كانت تقودنا دائمًا هنا. إنه صنم كاذب قاد الكثير من شعبنا إلى طريق غير أخلاقي للغاية جعلهم الآن يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل. لا تسرق. لا تطمع."


ويترأس كل مظاهرة حول العالم الشتات الفلسطيني الذي رد في الاتجاه المعاكس لما قصدته إسرائيل وأنصارها. يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه إذا قتل الشيوخ ، فإن أبنائهم وبناتهم سينسون النضال.

وبدلاً من ذلك ، أعاد نتنياهو تعزيز رابطة الفلسطينيين في كل مكان بأرضهم المفقودة وعززها. اسأل الفلسطينيين في مخيم اللاجئين الأردني هيتين حيث منزلهم ، والجواب الساحق هو غزة أو الضفة الغربية.

وبالمثل ، ألغت موجة الدعم هذه سنوات من التخطيط لفصل القضية الفلسطينية عن العالم العربي. ساعدت الأحداث. الربيع العربي وقمعه ، والحروب الأهلية التي تلت ذلك ، حلت محل فلسطين كمصدر رئيسي للأخبار لمدة عقد على الأقل.

كانت محاولة إسرائيل تجاوز القضية الوطنية الفلسطينية من خلال التواصل مباشرة مع أغنى دول الخليج على وشك النجاح عندما شنت حماس هجومها.

بعد سبعة أشهر ، فلسطين في كل مكان. تظهر جميع استطلاعات الرأي ذلك. وبدلاً من ذلك ، فإن إسرائيل نفسها في رصيف العدالة الدولية ، قيد التحقيق في المحكمة في كل من المحكمة الجنائية الدولية ، التي توشك على إصدارها مذكرات اعتقال نتنياهو وغيرها ، ومحكمة العدل الدولية للإبادة الجماعية.

هذه هي العواقب المباشرة ، ولكن هناك نتيجتان طويلتان يمكن أن يكونا أكثر أهمية.

الأول هو أنه لأول مرة في تاريخ هذا الصراع, إن غزة - شعبها ومقاتليها - تبدي عزمًا على الوقوف والقتال لم تظهره منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات.

لأول مرة في تاريخها ، للفلسطينيين قيادة لن تتخلى عن مطالبها الرئيسية والتي تحظى باحترامهم.

والنتيجة الثانية
هي أن جيلًا جديدًا قد بلغ سن الرشد في أمريكا ، الدولة الوحيدة التي يمكنها إيقاف هذا الصراع بسحب دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل. وهي لا تزال الآن الدولة الوحيدة التي تستمع إليها إسرائيل وتأخذها على محمل الجد.

اليهود من بينهم مرعوبون مما يجري باسمهم. مرعوب من كيفية تحول دينهم إلى اعتذار عن التطهير العرقي. مرعوب من كيفية اختزال تراثهم الفخور والمؤلم إلى رخصة للقتل. مرعوب من السلطة التي تمارسها إسرائيل على الكونجرس الأمريكي وبرلمان المملكة المتحدة وكل حزب رئيسي في أوروبا.

يتحدى اليهود الادعاء بأن الصهيونية تمتلك روايتهم. لهذا يتم اتهامهم بشكل مختلف بأنهم خونة ، "كابوس" ( اليهود الذين عينتهم قوات الأمن الخاصة النازية للإشراف على العمل الجبري ) ، أو كراهية الذات ، أو ببساطة "الحيوانات". لكن بالنسبة لي هم أكبر مصدر أمل في هذا المشهد الكئيب.

استمرت حرب فيتنام سبع سنوات أخرى بعد هجوم تيت. ولن ينتهي احتلال إسرائيل لغزة بسهولة.

لكن كان بإمكاننا الوصول إلى نقطة التحول لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا ، وهذا أمر ذو أهمية تاريخية.
المصدر: مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني  


*******************
احتجاجات الجامعات الأمريكية: قد تكون هذه هي اللحظة التي تخسر فيها إسرائيل الغرب
ترجمة موقع عربي بوست

كان هجوم تيت، وهو هجوم مفاجئ شنته الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، المعروفة باسم (الفيتكونغ)، والجيش الشعبي الفيتنامي الشمالي في فيتنام في يناير/كانون الثاني 1968، بمثابة فشل عسكري.

تم التخطيط للهجوم بهدف إثارة تمرد في جنوب فيتنام لم يشتعل أبداً. بعد الصدمة الأولى، أعاد الجيش الفيتنامي الجنوبي والقوات الأمريكية تجميع صفوفهم وألحقوا خسائر فادحة بقوات الفيتكونغ، ولكن الهجوم كانت له عواقب وخيمة على حرب فيتنام.

قال الجنرال تران دو، القائد في الجيش الفيتنامي الشمالي في معركة هوي: “بكل صدق، لم نحقق هدفنا الرئيسي، وهو إثارة الانتفاضات في جميع أنحاء الجنوب. ومع ذلك، ألحقنا خسائر فادحة بالأمريكيين وعملائهم. وكان هذا مكسباً كبيراً بالنسبة لنا، أما فيما يتعلق بإحداث تأثير في الولايات المتحدة، فلم يكن ذلك في نيتنا – ولكن تبين أنها كانت نتيجة محظوظة”.

واندلعت أزمة ثقة كبيرة بين الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون والرأي العام، حتى إن ليندون جونسون نفسه فقد الثقة في قيادته العسكرية واستبدلها.

وفي عام 1968، باتت جامعة كولومبيا واحدة من بؤر الاحتجاجات المناهضة للحرب، والتي حفزتها علاقة الجامعة بصناعة الدفاع. فاحتل الطلاب خمسة مبانٍ واحتجزوا عميد الجامعة هنري كولمان كرهينة لمدة 36 ساعة، بينما أخذ الطلاب صورة مميزة لطالب منهم يدخن السيجار في مكتبه.

تم استدعاء الشرطة واعتقل المئات من الطلاب، ووقعت إصابات وسط أجواء من الإضراب، تلا ذلك استقالة رئيس جامعة كولومبيا، غرايسون كيرك. وبلغت الاحتجاجات المناهضة للحرب ذروتها خارج قاعات المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، واعتُبرت هذه الاحتجاجات لاحقاً أحد الأسباب الرئيسية لانتخاب ريتشارد نيكسون.

بالتوازي وفي نفس الوقت، انتشرت الحركة المناهضة للحرب بسرعة كبيرة في جميع أنحاء العالم. فقد شهدت برلين الغربية مظاهرات حاشدة، وكانت فيتنام إحدى الشرارات التي أشعلت أسابيع من الاشتباكات في الشوارع خلال انتفاضة العمال والطلاب في مايو/أيار 1968 في باريس وفي جميع أنحاء فرنسا. حتى يومنا هذا، ما زال بالإمكان مشاهدة آثار ثقوب الرصاص في حي ماريه بالعاصمة الفرنسية.

كانت حركة 68 مايو/أيار الاحتجاجية قصيرة الأجل من الناحية السياسية. استمر التمرد في باريس لمدة عشرة أسابيع فقط، على الرغم من أن الإليزيه شعر في مرحلة ما بأنه قريب جداً من فقدان السيطرة، مما دفع رئيسه آنذاك ديغول إلى الهروب من البلاد.

لجأ الرئيس الفرنسي إلى الحضن الدافئ لحلف شمال الأطلسي. 
فإلى أي مكان آخر كان يمكنه أن يذهب؟ 
ففر إلى مقر الجيش الفرنسي المتمركز في ألمانيا إلى جانب حلفائه في الناتو.

في اليوم التالي، نظم نصف مليون عامل مسيرة عبر باريس وهم يهتفون “وداعاً ديغول”. لكن ديغول استعاد زمام الأمور وفاز في الانتخابات التالية، لكن الصدمة كانت عميقة وأثرت على جيل كامل في فرنسا.

أصداء 1968 اليوم

إن أوجه التشابه بين حركة الاحتجاج في عام 1968 ضد حرب فيتنام والاحتجاج العالمي اليوم ضد حرب غزة كثيرة؛ إذ تتشابه هذه الأوجه من خلال أسباب الحرب، تفاوت القوى، العنف الاستعماري، وكذلك الأخطاء في التقدير والحسابات السياسية.

العدوان الإسرائيلي المستمر هذه المره على غزة، المتمثل في عملية هدم استمرت سبعة أشهر في غزة، وحملة إبادة جماعية ضد كل مواطن وعائلة في القطاع بغض النظر عن انتماءاتهم، وتدمير منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم وجامعاتهم، كان نقطة تحول في الرأي العالمي بشأن إسرائيل.

ومرة أخرى، جاء الدعم لهذه الحرب من رئيس أمريكي ديمقراطي في عام سيشهد انتخابات رئاسية. ومرة أخرى، أصبحت كولومبيا في مركز الثورة، حيث أثار المعسكر الذي كان يحتج على الهجوم الإسرائيلي موجة من التحركات المماثلة في حرم الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

وتقع كل من جامعات كولومبيا وييل وهارفارد في مرمى هذه الثورة الطلابية بسبب علاقات تلك الجامعات مع إسرائيل.

ففي جامعة كولومبيا، يطالب الطلاب الجامعة بإنهاء استثماراتها في شركتي التكنولوجيا العملاقتين أمازون وجوجل اللتين أبرمتا عقداً للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع حكومة تل أبيب.

وفي جامعة ييل، يطالب الطلاب الجامعة بسحب الاستثمارات من “جميع شركات تصنيع الأسلحة المتواطئة في الهجوم الإسرائيلي على فلسطين”. وتتبنى جامعة ييل برنامجاً للتبادل الطلابي مع سبع جامعات إسرائيلية. وفي الوقت الذي تتعاون فيه جامعة هارفارد مع ثلاث من هذه الجامعات، فلدى جامعة كولومبيا علاقات مع أربع منها.

وكما حدث في عام 1968، فقد قوبلت العديد من هذه الاحتجاجات بالقوة. أمرت رئيسة جامعة كولومبيا نعمات “مينوش” شفيق شرطة نيويورك بتفريق المخيم الاحتجاجي المكون من 50 خيمة في الحديقة الجنوبية، مما أدى إلى اعتقال 100 من طلاب كلية كولومبيا وكلية بارنارد، بما في ذلك ابنة عضو الكونغرس الأمريكي إلهان عمر.

اعتصام طلاب محتجين على الحرب ضد غزة في جامعة كولومبيا / رويترز
كما تم إيقاف الطلاب عن الدراسة وإبلاغهم بأنهم لن يتمكنوا من إنهاء الفصل الدراسي الأكاديمي. وفي جامعة ييل، تم القبض على 50 متظاهراً بتهمة “التعدي الجسيم على ممتلكات الغير”. وفي ولاية أوهايو، تعرض المتظاهرون للضرب والصعق الكهربائي. وتم اعتقال ما يقرب من 900 متظاهر في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ بدء المواجهات في جامعة كولومبيا في 18 أبريل/نيسان.

ولكن الأمر لم يكن وليد اللحظة. ففي عام 1970، فتح الحرس الوطني في ولاية أوهايو النار على المتظاهرين؛ مما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة طلاب فيما أصبح يعرف باسم مذبحة ولاية كينت. وكما هو الحال الآن، لم تؤدِ وحشية الشرطة ضد الطلاب إلا إلى انتشار الاحتجاج.

بعد ساعات من إغلاق الإدارة لمخيم احتجاجي في جامعة برينستون، احتل مئات الطلاب فناءً مركزياً، حاملين معهم كتباً وأجهزة كمبيوتر محمولة ولوحات قماشية فارغة لإنشاء ما سمّوها “جامعة شعبية لغزة”. فيما انضم أعضاء هيئة التدريس للطلاب وقادوا التدريس والمناقشات.

تم استدعاء الشرطة إلى 15 جامعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، واندلعت احتجاجات أخرى في 22 جامعة وكلية أخرى. وانتقلت عدوى الاحتجاجات الطلابية من الولايات المتحدة إلى الجامعات البريطانية، لكنها حظيت باهتمام إعلامي أقل رغم قوتها.



ففي كلية ترينيتي في كامبريدج، تم تشويه وتقطيع صورة اللورد بلفور، وزير الخارجية البريطاني المسؤول عن وعد بلفور الذي اعترف بحق اليهود في إقامة وطن لهم في فلسطين، قبل أن تقوم الجامعة بإزالتها. فيما شهدت لندن للتو مظاهرتها الوطنية الثالثة عشرة منذ بدء الحرب، ولا يضاهي الاحتجاجات ضد الحرب في غزة، في ديمومتها وحجمها، سوى المظاهرة المليونية التي خرجت ضد قرار توني بلير بغزو العراق، والتي كانت الأكبر من نوعها في عام 2003.

إن لحركة الاحتجاج تأثيراً عميقاً على غزة نفسها، لأن الشعب الفلسطيني الذي يتحمل هذا الهجوم لا يشعر ولو لمرة واحدة أنه بمفرده.
إذ قالت الصحفية ومنشئة المحتوى الفلسطينية بيسان عودة: “استمروا لأنكم أملنا الوحيد. ونحن نعدكم بأننا سنتمسك بموقفنا ونقول لكم الحقيقة دائماً. ومن فضلكم لا تدعوا عنفهم يبث الرعب في قلوبكم. ليس لديهم أي خيارات أخرى سوى إسكاتكم وإخافتكم لأنكم تهدمون عقوداً من عمليات غسيل الأدمغة”.

احتجاجات الجامعات الأمريكية.. الصهيونية هي الهدف

وليس هناك أدنى شك في أن الصحفية عودة يجانبها الصواب. إذا كانت أهداف الحركة الاحتجاجية في عام 1968 هي البنتاغون، أو الأبوية القمعية للدولة الديغولية، فإن الأهداف اليوم هي الصهيونية وشركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا.

هذا هو اللوبي المؤيد لإسرائيل الذي يقوم بالتشهير وتشويه سمعة السياسيين باعتبارهم معادين للسامية بسبب دعمهم لفلسطين. إنهم هم الذين يتسببون في قيام الجامعات المذعورة بطرد المحاضرين من وظائفهم. وهم أيضاً هولاء الذين يظنون أنفسهم ديمقراطيين، بينما أيديهم غارقة في الدم كأدوات في يد الفاشيين، ضاربين كل المبادئ بعرض الحائط ومعرضين سيادة القانون وحرية التعبير والحق في الاحتجاج للخطر.

واليوم، يقود الثورة ضد الصهيونية جيل جديد من اليهود الذين يحضرون بأعداد متزايدة في هذه الاحتجاجات.



ولتوضيح سبب هذه المشاركة في الاحتجاحات، قال أحد الطلاب في جامعة كولومبيا وطالبان آخران في كلية بارنارد: “لقد اخترنا أن يتم اعتقالنا ضمن حركة تحرير فلسطين؛ لأننا نستمد الإلهام من أسلافنا اليهود الذين ناضلوا من أجل الحرية قبل 4000 عام. وعندما دخلت الشرطة مخيمنا، فقد أنشدنا الأغاني التي تعود إلى عصر الحقوق المدنية التي رددها العديد من أسلافنا في الستينيات. نحن ننتمي إلى تراث النشاط اليهودي التقدمي الذي عمل عبر الخطوط العرقية والطبقية والدينية لتحويل مجتمعاتنا”.

وأضافوا: “إن اعتقال وقمع أكثر من 100 طالب من طلاب جامعة كولومبيا المؤيدين للفلسطينيين هو أسوأ عمل من أعمال العنف في حرمنا الجامعي منذ عقود. وفي اللحظة التي طلبت فيها جامعة كولومبيا من شرطة نيويورك اعتقال مئات الطلاب المتظاهرين، قامت جامعتنا بتطبيع ثقافة يتم فيها مواجهة الاختلافات السياسية بالعنف والعداء… بينما نكتب هذا، يطلق علينا الطلاب الإسرائيليون المارة بالعبرية لقب “حيوانات”؛ لأنهم يعتقدون أن أحداً منا لن يفهم – وهو ما يذكرنا بتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن الفلسطينيين في غزة هم “حيوانات بشرية””.

احتجاجات الجامعات الأمريكية

قوات الشرطة تقتحم حرم جامعة تكساس لفض الاحتجاجات المنددة بحرب إسرائيل على غزة / رويترز

تسببت حرب غزة في جدل غير مسبوق بين اليهود، حيث يرى مثقفون بارزون مثل الصحفية الكندية نعومي كلاين أن الصهيونية هي “صنم كاذب أخذ فكرة الأرض الموعودة وحولها إلى صك بيع لدولة عسكرية وعرقية”.

وكتبت كلاين: “منذ البداية، أنتجت الصهيونية وجهاً قبيحاً من الحرية التي نظرت إلى الأطفال الفلسطينيين باعتبارهم ليسوا بشراً، بل كتهديد ديموغرافي – مثلما خشي الفرعون في سفر الخروج تزايد عدد السكان الإسرائيليين، ولهذا أمر بقتل أبنائهم”.

وأضافت: “لقد أوصلتنا الصهيونية إلى هذه اللحظة الكارثية الحالية، وحان الوقت لنقول بوضوح: إنها كانت تقودنا دائماً إلى هنا. إنها صنم زائف قاد الكثير من أبناء شعبنا إلى طريق غير أخلاقي للغاية، بحيث صاروا يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل، لا تسرق، لا تطمع بملك غيرك”.

فلسطين في كل مكان

لن تمر هذه الأحداث دون عواقب..

فعلى المدى القريب، نجحت الحركة المناهضة للحرب في غزة في إحياء القضية الوطنية الفلسطينية على نحو لم يسبق له مثيل. تم استبدال الشعارات الباهتة التي تحيي ذكرى المعارك التي خاضتها فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في لبنان برموز جديدة مشرقة تحتفي بعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، فباتت تنتشر صورة المثلث المقلوب الذي يصور المقاومين وهم ينزلون بالمظلة فوق الجدار العازل في غزة في كل مكان.

ويترأس كل مظاهرة حول العالم فلسطينيو الشتات، الذين ردوا بطريقة معاكسة لما قصدته إسرائيل ومؤيدوها.

وهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما اعتقد أنه إذا قتل كبار السن، فإن أبناءهم وبناتهم سوف ينسون النضال، لكن بدلاً من ذلك، أعاد نتنياهو بناء وتعزيز ارتباط الفلسطينيين في كل مكان بأرضهم المفقودة، فإذا سألت الفلسطينيين اليوم في مخيم حطين للاجئين الأردنيين عن موطنهم، فستجد أن الإجابة الساحقة هي غزة أو الضفة الغربية.

مظاهرات منتقدة لإسرائيل في نيويورك / Shutterstock
وبالمثل، أدت موجة الدعم هذه إلى إلغاء سنوات من التخطيط لفصل القضية الفلسطينية عن العالم العربي. وقد ساعدت الأحداث في ذلك. فقد حل الربيع العربي وقمعه والحروب الأهلية التي تلت ذلك محل فلسطين كمصدر رئيسي للأخبار لمدة عقد من الزمن على الأقل.

وكانت محاولة إسرائيل لتجاوز القضية الوطنية الفلسطينية من خلال التواصل المباشر مع أغنى دول الخليج على وشك النجاح عندما شنت حماس هجومها.

بعد 7 أشهر، باتت فلسطين في كل مكان. وكل استطلاعات الرأي شاهدة على ذلك. وبدلاً من ذلك، صارت إسرائيل هي من في قفص الاتهام أمام العدالة الدولية، وتخضع لتحقيق قضائي في كل من المحكمة الجنائية الدولية، التي على وشك إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وآخرين، ومحكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.

هذه بالنسبة للعواقب المباشرة، ولكنْ ثمة نتيجتان على المدى البعيد يمكن أن تكونا أكثر أهمية بكثير.

النتيجة الأولى هي أنه وللمرة الأولى في تاريخ هذا الصراع، تُظهر غزة – بشعبها ومقاتليها – تصميماً على التحمل والقتال، وهو ما لم تظهره منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات قط.

لأول مرة في تاريخهم، أصبح لدى الفلسطينيين قيادة لن تتخلى عن مطالبها الكبرى لذلك تستحق احترامهم.

والنتيجة الثانية
هي أن جيلاً جديداً سيبلغ سن الرشد في أمريكا بالتزامن مع حرب غزة يرى الحقيقة واضحة اليوم، وهي الدولة الوحيدة القادرة على وقف هذا الصراع من خلال سحب دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل. فهي لا تزال حتى الآن الدولة الوحيدة التي تستمع إليها إسرائيل وتنظر إليها على محمل الجد.

بينما يشعر أبناء هذا الجيل الجديد من اليهود بالرعب مما يحدث باسمهم. فهم يشعرون بالرعب من كيفية تحول دينهم إلى ذريعة للتطهير العرقي. يشعرون بالرعب من الطريقة التي تحول بها تراثهم إلى رخصة للقتل. يشعرون بالرعب من السلطة التي تمارسها إسرائيل على الكونغرس الأمريكي وبرلمان المملكة المتحدة وكل حزب رئيسي في أوروبا.

يتحدى اليهود الادعاء بأن الصهيونية تستولي على رؤيتهم للأحداث. ولهذا السبب، تم اتهامهم بطرق مختلفة بأنهم خونة، أو Kapos “كابوس” (المصطلح الذي كان يطلق على اليهود الذين عينتهم قوات الأمن الخاصة النازية للإشراف على العمل القسري)، أو كارهون لذاتهم، أو ببساطة “حيوانات”. لكن بالنسبة لي فإنهم يمثلون مصدراً للأمل في هذا المشهد الكئيب. فلن يكون من السهل إنهاء احتلال إسرائيل لغزة بسرعة، فقد استمرت حرب فيتنام 7 سنوات أخرى بعد هجوم تيت.
ولكن ربما نكون قد وصلنا إلى نقطة التحول في الدعم الذي تحظى به إسرائيل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، وهذا أمر تعتريه أهمية تاريخية.
– المصدر:  Middle East Eye