نقطة نظام
لا وُجودَ للأغبياء!
أدهم شرقاوي
يُحكى أنّه في قريةٍ صغيرةٍ نائيةٍ، وصلتْ رسالةٌ من وزارةِ التّعليمِ إلى إدارةِ المدرسةِ أنّ مُفتِّشًا من الوزارةِ سيأتي لزيارتها، وفي اليومِ الموعودِ انطلقَ المُفتِّشُ بسيارته، ولمّا صار عند أوّلِ القريةِ تعطّلتْ سيارته، رفع غطاءَ المُحرّكِ ووقف عاجزًا لا يعرف أين العطل، فضلًا عن أن يستطيع إصلاحه لو عرفه.
وبينما هو على هذه الحالِ مرَّ به طفلٌ صغيرٌ في العاشرةِ من عمرِه، وعرض عليه المساعدة.
قال له المُفتِّشُ: وما أدراكَ أنتَ بأعطالِ السيارات؟
فردَّ الطفلُ: أبي ميكانيكيٌّ، وأنا أساعده أحيانًا، قد أستطيع إصلاحها!
خلّى المُفتِّشُ بين السيارةِ والصبيِّ، وما مضتْ عشرُ دقائقَ إلّا والصبيُّ يقول للمُفتِّشِ: سيّدي، أدِرْ سيارتك!
وكم كانت دهشةُ المُفتِّشِ عظيمةً حين اشتغلتِ السيارة.
شكرَ المُفتِّشُ الصبيَّ ثمّ سأله: لماذا أنتَ لستَ في المدرسة؟
فقال الصبيُّ: اليومَ سيزورُ مدرستَنا مُفتِّشٌ من الوزارة، وقد أمرَ مديرُ المدرسةِ كلَّ الطلّابِ الأغبياءِ بعدمِ الحضور!
البشرُ يتفاوتون في قدراتِهم الذهنيّةِ والعقليّةِ، هذه حقيقةٌ لا سبيلَ لإنكارها، فالعقولُ كالمال؛ أرزاق!
وابنُ سينا، معجزةُ الطبِّ البشريِّ على مرِّ العصورِ، كان عبقريًّا في الكيمياءِ أيضًا.
والخوارزميُّ كان ضليعًا في علومٍ أخرى غيرِ الرياضيّات.
ودافنشي، صاحبُ الموناليزا، راسخٌ في أشياءَ كثيرةٍ غيرِ الرسم.
وعبّاسُ بنُ فرناسٍ قدّم للبشريّةِ أكثرَ من فكرةٍ للطيران.
ونيوتن كشفَ عن أشياءَ كثيرةٍ غيرِ قانونِ الجاذبيّة.
والخليلُ بنُ أحمدَ الفراهيديُّ، واضعُ علمِ العَروضِ، كان أستاذَ سيبويهِ في النحوِ أيضًا!
وبعضُ الناسِ لا ينبغُ إلّا في علمٍ واحدٍ، لا يكادُ يعرفُ شيئًا في علمٍ غيرِه، فلا يُقلِّل هذا من قيمةِ نبوغِه، والبعضُ ليس له في العلومِ ناقةٌ ولا جمل!
وإحدى مشاكلِ البشريّةِ المُستعصيةِ أنّهم يقيسون النبوغَ بالعلاماتِ المدرسيّة، وهذا أحدُ أتفهِ المعتقداتِ البشريّةِ على الإطلاق، فأحيانًا تكونُ المدارسُ مُجرِمةً بحقِّ طلابِها، وليس أدلَّ على هذا من قصّةِ أديسونَ الذي فصلتْه المدرسةُ بسببِ غبائِه!
الذّكاءاتُ متنوّعةٌ، هذا ما نعرفه جميعًا، ولكنّنا نُنكره!
المتنبي لم يكن يعرفُ في الفيزياءِ أكثرَ ممّا يعرفه طالبٌ عاديّ.
وميسي يركنُ الكرةَ في الشباكِ دون أن يحسبَ وزنَها وسرعةَ الريح!
وبيتهوفن كان يعزفُ الموسيقى وهو أصمٌّ لا يسمع، وبشّارُ بنُ بُردٍ كان يصفُ الأشياءَ كأنّه يراها!
ومايكلُ شوماخرَ يكرهُ الرياضيّاتِ، ولكنّه كان يصلُ أوّلًا!
وبوكوفسكي كان ينامُ في حصّةِ الأحياءِ، ولكنّه كان يكتبُ بمهارة!
وشارلي شابلن أضحكَ الملايينَ دون أن ينطقَ بكلمةٍ واحدة!
إنّ فشلَ إنسانٍ في الدراسةِ الأكاديميّةِ لا يعني أنّه غبيّ، هذا يعني أنّ هذا المجالَ ليس مجالَه، وأنّ له سباقًا آخرَ في الحياة، إن لم نكتشفه فيه، ونحضَّه عليه، ونُيسِّر له الطريقَ ليمشي فيه، فهو عجزُنا نحن، وليس عجزَه هو.
وفي هذا يقولُ ألبرتُ آينشتاين:
كلُّ إنسانٍ هو عبقريٌّ بشكلٍ أو بآخر، المشكلةُ أنّنا نحكمُ على الجميعِ من خلالِ مقياسٍ واحد، فمثلًا لو قيّمنا سمكةً من خلالِ مهارتِها في تسلّقِ الشجرة، ستمضي السمكةُ بقيّةَ حياتِها معتقدةً أنّها غبيّة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق