الثلاثاء، 30 يونيو 2015

الخلق العظيم.. أعظم ما مدح الله به محمداً

الخلق العظيم.. أعظم ما مدح الله به محمداً

الشيخ يوسف القرضاوي



كان من أكبر أمنياتي أن أتوجه لكتابة تفسير مختصر للقرآن الكريم، وعزمت على ذلك وأعلنت هذا الأمل المتجدد، ودعوت الله أن يحققه لي، ليكون حاشية في مصحف قطر، بخط الخطاط المتقن عبيدة البنكي السوري، وبدأت بتفسير سورة الفاتحة وسورة النبأ، لكني وجدت أن ما يجول في خاطري من معاني القرآن يأبى أن يتقيد بحاشية مطبوعة على المصحف، فخرجت عن هذه الخطة إلى الكتابة المسترسلة، على طريقتي في التأليف التي اعتدتها منذ كتابي الأول: الحلال والحرام في الإسلام.
ووفق الله فأتممت تفسير جزء عم، وهأنذا قد أتم الله عليّ تفسير جزء تبارك، وأسأل الله أن يبارك في الوقت والجهد لأتم ما أؤمله من تفسير كتابه. وهذا جزء تبارك بين أيديكم، وقد قدمت -على طريقتي في تفسير جزء عم- لكل سورة بذكر أهم مقاصدها، ثم أفسر سائرها، جزءًا جزءًا، وآية آية، جاعلًا اهتمامي الأول أن أفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة الصحيحة، جامعا بين العقل والنقل، والرواية والدراية، مستعينا أولا بالتأمل، ثم بقراءة التفاسير المهمة والاقتباس منها، ولن يعدم القارئ فيه فائدة، وسيجد فيه الخطيب والمحاضر والمدرس والداعية زادا نافعا.
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}:

هذا ثناء عظيم من رب العالمين، الذي خلق محمدًا وصوَّره، ومدحه بهذه المدحة الكبرى، حين وصفه بهذا الوصف الذي لا يُقادَر قَدْره، ولا يصل مخلوق إلى ما يدانيه، هذا أعظم ما مدح الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلم يقل له: إنك كثير الصلاة، أو كثير الصيام، لا، وإنما مدحه وأثنى عليه بعظمة الخُلق، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
لو قال هذا أستاذ لتلميذه، أو أب لابنه، أو قائد لجُنديِّه، أو شيخ لمريده، لقلنا له: ما أعظم ما أثني به عليك! فكيف وقائل هذا هو الله تبارك وتعالى، وقاله في محكم كتابه الذي لا ينسخه ناسخ، ولا يعطله معطِّل، ولا يلغيه ملغٍ، بل هو الحق الذي لا يعتريه بطلان، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فعِظَم هذا الخُلق لا يُدرِك شَأْوَه أحدٌ من الخلق، ولهذا تحمَّل معهم ما لا يكاد يتحمَّلُه البشر.
وفي صحيح مسلم: أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألها سعد بن هشام بن عامر عن خلقه صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: «فإن خلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن».
وقد ذكر ذلك العلامة ابن كثير في تفسيره تكرُّر هذا عن عائشة لأكثر من سائل، فقال:
(وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا شريك، عن قيس بن وهب، عن رجل من بني سُوَاءة قال: سألتُ عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: أما تقرأُ القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}؟
قال: قلتُ: حدثيني عن ذاك. قالت: صنعتُ له طعامًا، وصنعتْ له حفصةُ طعامًا، فقلتُ لجاريتي: اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعتْه قبلُ فاطرحي الطعام! قالت: فجاءت بالطعام. قالت: فألقتِ الجارية، فوقعت القصعة فانكسرت- وكان نِطَعٌ- قالت: فجمعه رسول الله وقال: «اقتصوا- أو: اقتصي. شك أسود- ظرفًا مكان ظرفك». قالت: فما قال شيئًا.
وقال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس، حدثنا أبي، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن سعد بن هشام: قال: أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها: أخبريني بخلق النبي صلى لله عليه وسلم. فقالت: كان خلقه القرآن. أما تقرأ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . وقد روى أبوداود والنسائي، من حديث الحسن، نحوه .
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، وأخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: حججتُ، فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن . وهكذا رواه أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي . ورواه النسائي في التفسير، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، به .
ومعنى هذا: أنه عليه السلام، صار امتثالُ القرآن أمرًا ونهيًا سجيةً له، وَخُلُقًا تَطَبَّعَه، وترك طَبْعَه الجِبِلِّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، ومن أراد أن يعرف خُلُق محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأِ القرآن، كل ما في القرآن من دعوة إلى الحق والخير، والجمال والصدق، والأمانة والثبات، والشجاعة والحياء، وكل فضائل الحق والخير، من الأخلاق الربانية، والأخلاق الإنسانية.
الأخلاق الربانية، مثل: التوبة إلى الله، والرجاء في رحمة الله، والخشية من عذاب الله، والتوكل على الله، والشكر لنعمة الله، والصبر على ابتلاء الله، والحياء من الله، واليقين بما عند الله، والإخلاص لله.. إلخ.
والأخلاق الإنسانيَّة، وهي التي يتعامل بها الإنسان مع الناس مثل: الصدق، والأمانة، والسخاء، والشجاعة، والتواضع، والعفة، وحب الخير، والمعاونة على البر والتقوى.. إلخ.
وكل من الأخلاق الربانية والأخلاق الإنسانية، تتجسَّد أعلى ما تكون، وأظهر ما تكون، وأقوى ما تكون، في محمد صلى الله عليه وسلم، فهو المثل الأعلى الذي يمثل الكمال الإنساني.
الكمال الإنساني تجسَّد في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أخذ من الرسل من قبله، فقد ذكر الله له مجموعة من الرسل ثم قال له: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [المائدة:90]، اقْتدِ بهدي النبيين والمرسلين السابقين، فاقتبس منهم أفضل ما عندهم، ولذلك تجمَّعت فيه أخلاق النبوات جميعًا، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحِلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ. قط، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلتَه! وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقا، ولا مسِستُ خزًّا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شمِمْتُ مسكًا ولا عِطْرًا كان أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط، ولا امرأةً، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله. ولا خُيِّر بين شيئَيْن قط، إلا كان أحبُّهما إليه أيسرَهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعدَ الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه، إلا أن تُنتَهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله، عز وجل .
وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» . تفرد به).
وقد اعترف بعظمة أخلاقه صلى الله عليه وسلم كلُّ من عرفه، حتى أعداؤه، حتى المشركون أنفسهم، كانوا يسمونه قبل الإسلام: (الأمين)، وبعد الإسلام كانوا يُودِعون عنده الودائع النفيسة، التي يخشون عليها الضياع والسرقة، من كان عنده جواهر أو أشياء ثمينة يخشى عليها، يضعها عند محمد صلى الله عليه وسلم، ودائع أو أموال أو نقود أو جواهر أو حلي، أيُّ شيء يخافون عليه يضعونه عند محمد صلى الله عليه وسلم، هو يدعوهم، وهم يرفضون دعوته، ومع ذلك لا يشكُّ أحد منهم في أمانته.
ولذلك حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم خلَّف بعده عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمره أن يرد الودائع إلى أهلها، لم يقل محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء أخرجوني من بلدي واضطروني للهجرة، وآذوني وعذَّبوني، فلا عليَّ أن آخذ أموالهم، لا، بل ردَّ إليهم ودائعهم كاملة، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]. وهو القائل: «أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخُن من خانك»( ).
الأخلاق العظيمة تظهر في مثل هذه الأوقات، في الشدائد، كما حدث من شجاعته في غزوة حنين، حين قامت جماعة هوازن بعمل كمينٍ للمسلمين، استطاعوا به أن يفرقوا جمعَ المسلمين، ويثيروا فيهم البلبلة، وفرَّ الكثير منهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه صلى الله عليه وسلم بقي ثابتًا يقول: «أنا النبيُّ لا كذِبْ، أنا ابن عبد المطَّلبْ» .
ولما قيل لبعض الصحابة: قد فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم أصحابه! قال البراء: إني لأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما فرَّ يومئذ. صحيح فرَّ بعضنا، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفرَّ.

الدعوة والحماية

الدعوة والحماية

أ. محمد إلهامي

في خلال أيام، تحول الرجل الحليم الرشيد الذي ينطق بالحكمة إلى مُخَرِّف يقول كلاما فارغا لا معنى له ويستحق عقوبة الرجم حتى الموت، هكذا تحولت نظرة أهل مدين إلى نبيهم شعيب عليه السلام، {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} ثم ما لبثوا أن قالوا {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}

ذات هذا المشهد تكرر من قبل مع نبي الله صالح عليه السلام {يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا}، ثم لم يجدوا حلا إلا أن يتآمروا لقتله ويقسمون لأوليائه أنهم ما فعلوا {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}

فأما من لم يكن له مثل أولياء صالح ولا رهط شعيب فقد تمنى أن يكون له ذلك حين كان في اللحظة العصيبة، ذلك هو لوط عليه السلام الذي حاول أن يدفع قومه الفاحشين عن ضيفه فلم يستطع، فقال وهو يدافعهم وراء الباب {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ولقد كان عليه السلام يأوي إلى ركن شديد، فقال له ضيوفه {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} وأشار الملك إليهم فذهبت أعينهم {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}.

ويبدو –والله أعلم- أن قصة لوط كانت مثالا ضربه الله للناس، عن صاحب الدعوة حين يفتقد إلى الحماية ولو كان نبيا، ذلك أن الله لم يبعث من بعده نبيا إلا في "ثروة من قومه" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم[1]، والثروة: هي الكثرة والمَنَعة التي تكفل له الحماية، ولذلك كان من علامات الأنبياء أنهم يُبعَثون في أنساب (أي أشراف) قومهم، كما جاء في الحوار المشهور بين هرقل وأبي سفيان حين كان هرقل يسأله كي يتثبت من أن محمدا نبي حقا[2].

وليس معنى هذا أن النبي يُحْفَظ من كل الأذى، بل يصير إيذاؤه أمرا عسيرا صعبا على خصومه وأعداء رسالته، ويصير قرار قتله هو القرار الأخير الذي لا يُتَّخَّذ إلا بعد استنفاد المحاولات الأخرى لإسكاته وقهر دعوته، فالأنبياء أشد الناس بلاء ومنهم من قُتِل كما فعلت بنو إسرائيل بأنبيائها، وكما كانت سيرة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فلقد أوذي في نفسه وأهله وأهين وضُيِّق عليه وحوصر، لكن قرار قتله لم يُتَّخذ إلا بعد ثلاثة عشر عاما.

وذلك أن الله بعث نبيه في أشرف نسب من قوم القرشيين، فحماه بالعصبية القبلية العشائرية، وامتن عليه بهذه الحماية منذ أول الأمر بعمه أبي طالب فقال تعالى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، وظل عمه -الذي هو سيد بني هاشم حينئذ- يحوطه ويرعاه ويدفع عنه رغم كراهيته لما جاء به ابن أخيه، حتى لم يكن أحد من المشركين يجد حلا سوى التفاوض مع أبي طالب أن يكف عنهم محمدا، ثم لم يظفروا منه بشيء..
فبهذه الحماية نجَّى الله نبيه من العذاب الذي نزل بالصحابة رضوان الله عليهم، وهو العذاب الذي أنزله بهم أهلوهم، فإن كفار مكة –احتراما للعصبية القبلية- قرروا أن يتولى كل قوم التنكيل بمن آمن منهم ومن مواليهم.

ولك أن تعجب إذا علمت أن حصار بني هاشم الذي استمر ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر والجلود من الجوع، شمل بني هاشم مسلمهم وكافرهم، فكان ذلك الكافر يتحمل كل هذا الألم والعنت الرهيب لأجل عصبية قبلية في سبيل دين هو كافر به، وربما عرَّض أحدهم نفسه للقتل إذ يبيت مكان النبي الذي كان أبو طالب ينقل مبيته خوفا عليه من الاغتيال.

وقد ظلت هذه الحماية حتى اللحظة الأخيرة في الفترة المكية، فحتى بعد وفاة أبي طالب التي كانت من أصعب النوازل على النبي لم تنتهِ حماية بني هاشم، بل تولى العباس زعامتهم فكان على العهد[3]، حتى قال للأنصار في بيعة العقبة الثانية –قبل الهجرة بشهرين- "يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث علمتم، وهو في منعة ونصرة من قومه وعشيرته، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم، فإن كنتم وافين بما عاهدتموه فأنتم وما تَحَمَّلْتُم، وإلاَّ فاتركوه فِي قومه"، ولذلك لم يكن السبيل للتخلص منه إلا ما توصل إليه زعماء الكفر، أن يشتركوا جميعا في قتله بضربة رجل واحد فلا تقوى بنو هاشم على حربهم فيقبلون الدية، فذلك دليل على أن حماية بني هاشم كانت قائمة.

ولعل هذا يدلك على أن النبي حين هاجر أو بحث عن مأوى لم يكن ذلك فرارا من الأذى أو طلبا للحماية الشخصية، بل كان طلبا لأناس يقيمون الدولة ويحمون الدعوة لا صاحبها فحسب.

وحين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، كان الأنصار على وعي بهذه المهمة، فاستقبلوه بالسلاح، وصار النبي تحت حراسة دائمة لمدة شهر، حتى نزل قول الله تعالى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فتخلى عن الحراسة[4].

وأهم ما يُستفاد من هذا أن النبي كان في الحراسة سواء وهو محميٌّ بعصبية النسب والقبيلة في مكة، أو وهو محميٌّ برجال الدين والدولة في المدينة، وفي هذا درس بليغ بليغ لمن يترك نفسه تحت رحمة الأعداء واثقا إلى قانون أو شرعية أو أعراف أو ضمير عالمي أو رأي عام ... إلى آخر هذه الترهات التي لم يؤمن بها إلا المغفلون فأوردتهم المهالك.

إن مجرد حمل الحق والدعوة إليه بالحسنى لا يغير شيئا في واقع الباطل، بل لا بد لكل حق يحمله داعية من حماية تحوطه من بطش الباطل حتى يستوي على عوده ويبدأ جهاده، وتلك سيرة التاريخ في الدعوات، يشرحها ابن خلدون في عبارات بسيطة نافذة فيقول: "الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم، وهذا لما قَدَّمْناه من أن كل أمر تُحمل عليه الكافَّة فلا بد له من العصبية، وفي الحديث الصحيح -كما مر- "ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه" وإذا كان هذا في الانبياء وهم أولى الناس بخرق العوائد فما ظنك بغيرهم؟!...
أحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر كما قدمناه، وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء، لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة والله حكيم عليم، فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب (أي الدعوة بغير قوة تحميه) -وكان فيه محقا- قَصَّر به الانفراد عن العصبية، فطاح في هوة الهلاك"[5].

والخلاصة:

أن الداعية –المؤسس على أقل تقدير- والدعوة لا بد لها من قوة وحماية تتقي بها بطش المجرمين المبطلين، وهذا المعنى من أهم المعاني الذي ينبغي أن تعتنقه الحركات الإسلامية، إذ ما من حركة استطاعت أن تنجح وهي تضع نفسها تحت رحمة عدوها، فليس أسهل من قرار ينتهي به أمرها أو في أحسن الأحوال يُبقي عليها موجودة بلا تأثير، بل إن فشل كثير من الحركات الإسلامية إنما كان لهذا السبب.

فكيف لم نتعلم وبين يدينا كتاب الله وسنة رسوله ومن بعدهما حكمة أسلافنا؟!


وإن لم نتعلم فيما سبق، فهل سنتعلم بعد أن يضاف إلى ذلك مرارة التجارب المعاصرة؟!


نشر في الحملة العالمية لمقاومة العدوان
تاريخ النشر 10/12/2013


[1] أحمد (8373)، والبخاري في الأدب المفرد (605)، والترمذي (3116) وحسنه، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.

[2] البخاري (7).

[3] بل إن ثمة رواية ضعيفة، نوردها هنا للاستئناس، أوردها ابن سعد في الطبقات ونقلها عنه ابن الجوزي في المنتظم وابن كثير في البداية والنهاية والحلبي في السيرة والصالحي في السبل، أن أبا لهب شقَّ عليه قلة خروج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بعد وفاة أبي طالب فذهب إليه وقال "يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا في صنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت"، وتصدى لرجل سب النبي حتى ظنوا أنه أسلم فأنكر ذلك وقال: "ما فارقت دين عبد المطلب، ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد".

[4] تختلف الروايات حول الآية هل هي مكية أم مدنية، وبالتالي: فهل الحراسة التي كانت للنبي كانت من بني هاشم بإشراف أبي طالب أم هي حراسة أصحابه في المدينة، والأرجح أنها مدنية بدليل رواية البخاري عن عائشة وفيها: "فلما قدم (النبي) المدينة قال: "ليت رجلا من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة". إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك. فنام النبي".

[5] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/159.

اللاءات الأميركية الأربع وعجز العرب في سوريا


اللاءات الأميركية الأربع وعجز العرب في سوريا

 د. محمد حامد الأحمري 
مدير منتدى العلاقات العربية والدولية

الدكتاتورية "طاعون العرب المستمر" جعلت من يعرف يصمت، ومن لا يعرف يتصدر ليوجه العقل الذي أنهكته دكتاتورية قرون متتابعة.

وهنا مثال صريح، شرحه موجع لنا جميعا، ولكنه صحيح، وهو أن داء التخاذل وقبول إبادة بشار الشعب السوري تمّ بسبب تهاون وكراهية الحكومات العربية الثورة والتغيير، وبسبب ميراث الخنوع والسلبية والاتكالية في تلك الحكومات التي استمرأت ثقافة "أميركا تعرف كل شيء وتدبره"، و"ننتظر منهم المبادرة".

السفير الأميركي في سوريا قابل عددا من الثوار وبعض المعارضين مثل "إعلان بيان دمشق"، وأخبرهم باللاءات الأميركية الأربع:

1- لا لتحويل الثورة إلى ثورة عسكرية، والحل حل سلمي.

2- لا للتدخل العسكري الغربي لصالح الثورة.

3- لا لإبادة العلويين.

4- لا لحكومة بديلة تفكر في تطبيق الشريعة.

التزمت أميركا بهذه الشروط الأربعة معظم الوقت، حتى كانت جريمة قتل الشعب بالغازات السامة، هنا طرأ تغير في الموقف الأميركي لصالح تقدم في مواجهة بشار وربما ضربه.

صحيح أن همّ أميركا في المنطقة "سلامة إسرائيل ورفاهية الحياة فيها" على حساب الجميع، ولكن فضيحة بشار لا تسمح بالتستر عليها، والتآمر معه انتهاك لكل القيم الإنسانية، ومن شأنه أن يخلف ميراثا من السخط والكراهية السورية العامة لكل من قبل أو رضي بما حدث للأبرياء وأكثرهم أطفال ونساء.

عندما تحول المزاج الأميركي لصالح الثورة السورية، كانت النظم العربية قد غرقت في جولة أخطر جدا على بقائها واستمرارها، وهي موجة
"الثورة المضادة"، حيث وقفت حكومات عربية صراحة ضد الشعوب الثائرة وكل ما تعنيه الثورات.

وتم استغلال أخطاء وجهل وعجز الثوار عن إتمام ثورتهم في بلدان أخرى، فكانت لقاءات عمان العلنية والسرية التي انتهت بفوضى وفشل كبيرين، وكان اعتذارها عن مناصرة الثورة السورية منصبا على أن نجاح الثورة يعني نجاح الإسلاميين، وبالتالي فإن بقاء شرّ يعرفونه (بشار) خير من شرّ لا يعرفونه (الثوار).
وكانت لبعض الحكومات العربية مواقف قرب وولاء لبشار غير معلنة، خاصة بعد إعلان مقربين منه بأنه هو مصدر أمن واستقرار إسرائيل وليس الثورة والثوار.

ودخل على خط الثورة الكراهية الشديدة أو عداء بعض النظم العربية لتركيا.
كيف لا وقد ظهر على جبهتها الواسعة مع سوريا تقدم كبير للثوار، وهم غالبا ممن لم يخضعوا لرؤية النظم العربية القديمة، ولم تخترقهم الحكومات العربية بشكل كاف.

وهنا ظهر الخلاف العربي التركي على حق النفوذ في الثورة السورية، ووصل الأمر ببعض المجتمعين العرب إلى المطالبة صراحة بإغلاق جبهة الثوار الشمالية ضد بشار المنطلقة من الحدود التركية، وتحويل المواجهة إلى الجنوب مع الأردن، حيث يمكن ضبط كل شيء والتحكم في الثورة من هناك. وكانت أمنية غريبة، فتركيا استقبلت الشعب السوري وآوته وسمحت له بالعمل والإقامة، وفنادق ومقاهي وبيوت إسطنبول وعنتاب وجنوب شرق تركيا أصبحت مأوى ومنتدى ومهربا للتجمع السياسي للثورة السورية، ولن يحل محلها مكان آخر في ما يبدو.

أوباما وفي ظل وجود مشكلات عديدة عاناها مع الوجود العسكري الأميركي المتعثر في المنطقة، وتغلب الإسلاميين المناوئين لأميركا في معظم جبهات سوريا، أصبح لا يود الظهور بمظهر من يقاتل في حرب عربية أخرى بعد الفشل في العراق وأفغانستان، وتعالي موجة كراهية الجيش الأميركي، والصدود الأميركي الشعبي والحكومي عن أي مساهمة في حروب جديدة مرهقة وضحايا كثيرين ونتائج سلبية مع العجز المالي الداخلي الكبير، وتخاذل العرب عن أي مبادرة، وكان جمهوريون يلحون على التدخل ضد بشار، مما سبب خلافا بين السفير الأميركي فورد والرئيس وأدى إلى تنحيه.

الأوضح والأهم من ذلك، أن أوباما قال لبعض الحكام والدبلوماسيين العرب عليكم أن تبدأوا ولا تنتظرونا، وكأنه يشير إلى أنكم لن تجدونا متأخرين عنكم، لأن لنا حسابات أخرى. ولم يفهم العرب، أو جبنوا، أو كان لعامل تدخل ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي -وهو روسي أيضا- دور في المطالبة باستكمال هدم سوريا، لكيلا تقوم لها قائمة بعد الثورة، ولو لنصف قرن قادم، وأصر على استمرار القتال، فكانت روسيا وإسرائيل تقفان موقفا واحدا في النتيجة، أما الأسباب فمختلفة.

أما ما زعمه صحفيون عرب من أن أميركا توزع اللوم على العرب فقط، فربما صدق في أحيان أخرى، ولكن ليس في هذه الحالة، لأن من أهم الذين أعاقوا الثورة العربية وتحدوا حقوق الشعوب في مستقبل حُرّ وإنساني كانت حكومات عربية.

زد على هذا أنه قد حركها عداؤها الأعمى للإسلاميين، فأنى لها أن ينصروا ثورة قد يستولي عليها إسلاميون في سوريا؟ ثم إن انتصار الثورة يؤذي وليتهم القريبة، والموقف العربي متفرق، ففي غمرة الحديث عن الثورة على بشار استقبلت حكومة عربية أفرادا من عائلة بشار وشركاء له علنا وسرا، فكيف يتوقع منهم عزيمة في نصرة الثورة؟
نعم، أوباما في حديثه مع الصحفي الصهيوني فريدمان أعلن بوضوح أن الحكومات العربية لم تبادر للحل في سوريا. هذا الموقف يعرفه سياسيون عرب، ومن قبل أبلغهم به الرئيس نفسه، لكن الجديد هو الإحراج بنشر الموقف علنا أمام العالم. ربما نشر هذه الحقيقة ضدهم لأن بعض العرب ظاهروا خصومه كنتنياهو ومتشددي اليمين المسيحي المتصهين في الاحتجاج على المصالحة مع إيران.

ولعل أوباما كان يريد سابقا من العرب أن يبدؤوا، وكان هو يخفي رغبته ولا يريد أن يبادر لحرب بشار، بسبب فشل الحروب السابقة وتكلفتها العالية، وبسبب اللوبي الصهيوني الذي أراد إطالة الحرب وأبى إلا المشاركة غير المباشرة في صياغة الحكم السوري البديل. فليس اللوبي الصهيوني مستعدا لقبول حكومة مجهولة في سوريا بعد معاناته في مصر، إذ لم تستقر مصر لمصلحة اللوبي إلا بعد جهد عربي وصهيوني كبير.

ثم إن هناك حكاما عربا عاجزين تجاوزت سلبيتهم كل الحدود، يريدون أن يصنع الغرب والشرق لهم كل شيء يطلبونه، مع أنهم عندما تُمس مصالحهم الشخصية يتغيرون ويستأسدون.

لقد ذكر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس شواهد محرجة في كتابه "الواجب: مذكرات وزير في الحرب". شرح شيئا من حالة هذه الحكومات، التي تريد أن يفعل لها الأميركيون كل شيء دون أن تفعل هي شيئا وحتى لا يقال أيضا إنها فعلت، أو لأنها تفهم وتمارس السياسة على أنها غدر متواصل، واختفاء وتخل عن المسؤولية، وحرب على مصالح الشعوب لصالح الغزاة.

ومن سخافات اللجنة العربية لمتابعة الشأن السوري أن طلب أغلب أعضائها إقصاء تركيا من المشاركة في إسقاط بشار، وطالب بعضهم بإغلاق المنافذ والعمل العسكري والسياسي على الجبهة التركية، وألحوا على أن يكون كل شيء يدار من الأردن، ولأسباب معلنة أو مفهومة: وهي جود حكومة تركية عندها ميول إسلامية، وعلاقاتها سيئة بإسرائيل بعد توتر العلاقات التركية الإسرائيلية إثر العملية الإرهابية للجيش الصهيوني على سفينة مرمرة.
حصلت في اللقاءات التي من "المفترض أن تساعد الثوار" مشكلات بين الوفود، فأصبحوا يحتاجون من يساعدهم في تجاوز خلافاتهم، وسُجل على بعضهم مقابلات مع الطرف الصهيوني أثناء مهمات اللجنة، وهدد بعضهم بابتزاز بعض، ولم يزل الحديث عنها صعبا حتى الآن.

هناك حقيقة موجعة عبر عنها أوباما بأن ما يهدد الحكومات العربية هو استياء شعوبها منها، وليس خطر إيران،
ونحن نعلم أنه لو غابت إيران عن الوجود في لحظة لكانت المشاكل الداخلية للحكومات العربية كالتي نرى وأسوأ، فاستمرار اغتصاب المستبدين حقوق الشعوب هو مصدر الأزمات والقلق والفشل المستمر مهما هربت دائما باصطناع تهمة من الخارج كإيران أو إسرائيل أو الإرهاب.

لم يتآمر العالم على حكومات العرب كما زعموا، ولم يقف الشرق والغرب دون إنقاذ إخوانهم في الشام من المذابح، ولكنهم أحرجوا عندما واجههم أوباما بحقيقة مسؤوليتهم عما حدث ويحدث.

الاثنين، 29 يونيو 2015

بروتوكولات حكماء العرب -7-

بروتوكولات حكماء العرب

-7-
الجنس الثالث..!!..
البروتوكول الخامس


 دكتور محمد عباس

من حسن حظكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات أن التاريخ ليس كالجغرافيا..!!..

انظروا إلى مجسم الكرة الأرضية الذي أديره أمامكم الآن.. تستطيعون بلمحة خاطفة أن تتصوروا تصورا واضحا وصحيحا مكان كل قارة وكل محيط بل كل وطن وكل بحر.. بقليل من تمحيص النظر تستطيعون تمييز الأنهار والجبال والصحراء والوديان بل وكل المدن المهمة تقريبا.. فلو حدث أن أي واحد منكم أراد مزيدا من التفاصيل عن مدينة أو عن المدن الأصغر بل والقرى والنجوع فمن السهل أن يرجع إليها في المراجع بعد أن يحدد أين يبحث.. من الصعب.. بل من المستحيل أن يخطئ الواحد منكم خطأً فادحا في هذا الأمر.. كأن يقول مثلا أن الرياض تتبع ولاية نيويورك في أمريكا الشمالية.. أو أن القاهرة تقع في نطاق محافظة تل أبيب.. أو أن الكعبة في البيت الأبيض.. تلك أخطاء لا يمكن لأي واحد أن يقع فيها مادام قد رأى مثل هذا النموذج المجسم ولو مرة واحدة في العمر كله..

لننتقل الآن إلى افتراض آخر.. وهو ليس افتراضا بالضبط.. لأنه ظل هو الحادث على سطح هذه البسيطة آلاف الأعوام.. عندما قضى البشر كل هذا الزمن الطويل.. لا يدركون أن الأرض كرة وأنها تدور.. في ذلك الزمن.. كان من الممكن لأي واحد أن يقع في الأخطاء الفادحة كتلك التي ضربت لكم عليها الأمثال.. أخطاء تتجسد في أساطير وأساطير تعشش فيها الأخطاء و تنمو.. فلنفترض أننا رجعنا إلى الوراء ألف عام.. وأن عالما من العلماء - لكي يفهم الجغرافيا راح يجوب البلاد والقفار والبحار كي يلم بتضاريس الأرض وحدودها و أبعادها.. فحتى لو افترضنا أن عمر هذا العالم سيتسع لتغطية الأرض.. وهذا محال.. فإن مثل هذا العالم سينسى في آخر عمره ما شاهده في أوله.. لتختلط عليه الأمور.. فكثير الأمور ينسى بعضها بعضا.. ولو تصورنا أننا دسسنا على هذا العالم من يزور له الخرائط.. ويغير اللافتات .. فيضع اسما مكان اسم..ويبدل مواقع البلاد.. ويغير أطلس الخرائط أمام ذلك العالم فيضع مكان الصحراء نهرا ومكان الجبال غابات ومكان الغابات صحارى.. ويجعل الرياض في أمريكا والقاهرة في إسرائيل والكعبة في البيت الأبيض.. لو فعلنا ذلك.. لو فعلناه بدقة وبخبرة.. ولو جعلنا المدارس والمعاهد والجامعات تدرسه.. والتليفزيون يذيعه.. والإذاعة تنوه عنه.. والصحف لا تكف عن نشره.. ولو تسللنا إلى المراجع في كل المكتبات الكبرى.. فأثبتنا فيها هذا التزوير.. وأخفينا قدر ما نستطيع .. أي أطلس صحيح.. لو نجحنا في ذلك.. وسلطناه على هذا العالم الذي قضى عمره كله يدرس جغرافيا الأرض.. فهل سيستطيع هذا العالم أن يستفيد من علمه أي فائدة.. بل هل يستطيع أن يكون أي تصور صحيح عن الجغرافيا؟..

فإذا كانت الإجابة بالقطع : لا.. لا .. لا بالنسبة للعالم الذي قضى عمره كله يحاول أن يفهم الجغرافيا.. فكيف يكون الوضع بالنسبة للرجل العادي.. الذي لم يبذل أي جهد سوى الجلوس السلبي الأبله أمام التلفاز الذي نقف نحن خلفه نبث في عقله ما نريد.. هل سيستطيع هذا الشخص أن يفهم أي فهم أو أن يكوِّن أي يقين؟!.. وهل يستطيع أن يخرج عن نطاق التصور الذي نضعه له..؟
الإجابة واضحة..

فإن النظرة الشاملة للجغرافيا هي التي مكنتنا من التصور الكلى على الوجه الصحيح.. هي التي مكنتنا من أن نفهم حتى المتناقضات .. بل ومكنتنا من أن نحول هذه المتناقضات إلى بديهيات.. كأن تقول مثلا أن أقصى الشرق هو بالضبط آخر الغرب.. وأن يقبل أي إنسان مهما قل علمه.. أنه لو سار في اتجاه واحد مستقيم عبر الأرض كلها فإنه سيعود إلى ذات النقطة التي بدأ منها..

نعم .. التصور الصحيح للكل هو الطريق إلى التصور الصحيح للجزء..

وهذا هو حسن حظكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. والذي لولاه ما استقر كرسي الحكم تحتكم يوما واحدا..

ذلك أن التاريخ ليس كالجغرافيا.. ونحن لا نستطيع أن نأتي بكرةٍ للتاريخ.. كي نديرها أمامكم.. لتستطيعوا في لمح البصر.. الإلمام بخط سير التاريخ الكلى.. بتضاريسه العظمى.. وكيف تدافعت الأمور عبر التاريخ المكتوب لتصل بنا إلى زماننا الآن..

وهذه هي فرصتكم الكبرى.. عليكم ألا تكفوا أبدا عن تزوير التاريخ.. أن تمحو كل التذكرات القديمة التي لا تناسبكم وأن تجففوا منابعها لتضعوا مكانها تذكرات جديدة تبرر أمام السفهاء حكمكم وتعطيكم الشرعية..

ليست هذه مهمة سهله.. بل إنها تكاد أن تكون محور وجودكم كله.. وسوف أعود إلى ما قلته لكم في البروتوكول الأول عن معنى الكلمات.. لأقول لكم أن الصدق لا يعنى الأمانة في رواية ما حدث.. بل إن الصدق هو ما تستطيعون إيهام الآخرين به وفرضه عليهم .. فرض وإيهام تستعملون فيه كل أدواتكم الرهيبة من بوليس جبار ووزراء وكتاب وإعلام و إعلان و أجهزة ومقاصل وسجون.. لكن معضلة صعبة ستترتب على ذلك..

لأن التاريخ الذي حاولنا إيهام الرعاع والسفلة أنه هو التاريخ الصحيح منذ خمسين عاما قد أصبح مشكلة أمامنا.. لقد قال آباؤكم – وما زلتم تؤمنون على قولهم- على سبيل المثال أنهم كانوا أبطالا.. الآن.. لو عرض التاريخ الصحيح لاكتشف الرعاع أنهم كانوا جواسيس وخونة.. وليس أمامكم من سبيل إلا تغيير الوقائع وإنكار ما سبق لكم أن تباهيتم به.. نعم.. فالتاريخ كحبل مددناه فالتف حول أعناقنا.. فطبقا لذلك التاريخ.. فما من واحد منكم الآن إلا وهو مجرم.. خان الدين والأمة والتاريخ وباع شهداء شعبه وانقلب على ما كان يقول به أسلافه بل وفى بعض الأحيان هو نفسه... إنها مشكلة خطيرة.. لكن عليكم أن تفهموا أن الصراع بينكم وبين الرعاع والسفلة هو صراع مستمر.. والحبل الذي التف حول أعناقكم.. استديروا ليلتف حول أعناق أعدائكم.. وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا أعدتم كتابة التاريخ مرة أخرى..

إنكم لن تقوموا بهذا العمل بأنفسكم بالطبع.. سيقوم به بعض خدمكم وخولكم.. وهنا علينا أن ننتقل إلى فئة أخرى لمسناها لمسا سريعا قبل ذلك.. فئة ليست من طبقة الملوك والرؤساء وليست أيضا من طبقة الرعاع والسفلة.. طبقة أخرى.. يمكن أن نطلق عليها مع بعض التجاوز فئة الجنس الثالث.. جنس لا هو من جنس الملوك ولا هو من جنس الرعاع.. جنس يأتي منه النظار و الوزراء والحاشية.. وأقول تجاوزا لأن هذا الجنس يشمل الكثيرين من غير النظار و الوزراء والحاشية .. كرؤساء تحرير الصحف الملكية وبعض كبار الكتاب فيها..وبعض رؤساء الهيئات والمؤسسات .. والمذيعين ومقدمي البرامج كما تشمل فئات أخرى سنتناولها في حينه..

هذا الجنس ليس من السفلة الرعاع وإن نبت فيهم .. ليس منهم لأنه انقلب عليهم.. وهو ليس منا بالطبع .. إنه جنس بين بين.. لا هو من السادة ولا هو من العبيد.. جنس بين بين.. كالخصيان في العصور القديمة.. جنس بين بين.. ولو جاز أن أشبهكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات بالجياد الأصيلة.. ثم لو جاز لي أن أشبه الرعاع والسفلة بالحمير.. فإن الجنس الثالث هذا .. هو فئة تستولدونها من الحمير لكنها ليست جيادا مثلكم ولا هي حمير مثلهم.. هي البين بين.. فئة لا تستطيع أبدا أن تتحول إلى جياد.. ولا ترضى أبدا أن تعود إلى الحمير..

إنني أعتذر يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات عن فجاجة التعبير..لكننا في علمنا هذا.. علم الرؤساء والملوك.. علينا أن نستفيد من كل منجزات العلم.. وأن نحاكى تقدم الفروع الأخرى.. وأقول نحاكيه.. لأن وضعنا الصعب لا يمكننا من إجراء الدراسات والتجارب في وضح النهار.. وما أندر مراجعنا.. وما أقل التجارب التي تتاح لنا.. لذلك فإن علينا أن نستغل تقدم الفروع الأخرى.. كي نجعل منها محاكيا كمحاكي الطائرة.. الذي يدرب الطيار فيه على ما يمكن أن يوجهه من كوارث وأخطار دون أن تسقط الطائرة.. والطائرة في مثلنا هذا هي الملك أو الرئيس.. الذي لا نستطيع أن نغامر به كي نجرى تجربة.. علينا أن نستعير من دارون مثلا سلمه الحيواني.. وأن نحاكى سلما كسلمه..
تحتلون أنتم فيه يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات درجاته العليا.. درجة الإنسان.. أما الرعاع من شعوبكم فهم كالحيوانات البدائية .. كالأميبا.. ولاحظوا دقة التشبيه هنا.. فكلما سحقتموهم نشئوا من جديد.. تماما كالأميبا.. من أصغر جزء يبقى حيا منه ينبتون.. ليعودوا كما كانوا .. لكن السلم بين الأميبا والإنسان لن يكون خاليا.. بل توجد فيه الزواحف والحيات السامة وكلاب الصيد الشرسة والذئاب والثعالب والببغاوات والحمير والبغال والقرود..
كل هذه الفئات يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات هي أدواتكم للسيطرة.. ولكن لاحظوا دائما أن البغل على سبيل المثال لا يستطيع أبدا أن يتحول إلى جواد ولا إلى حمار.. وأن القرد لا يمكن أن يصبح إنسانا ..

إنني أعتذر مرة أخرى عن تشبيهات فجة أخرق بها قواعد الإيتيكيت والبروتوكول - لكننا كما اتفقنا منذ البداية – قد عقدنا جلساتنا السرية هذه خارج كل النطاقات والأعراف لنتدرب على علم لا يعلمه سوانا.. علم الرؤساء والملوك.. وقد يخدش جليل مسامعكم ما أقول.. لكن وضعنا الوعر هو الذي يدفعني لذلك.. وما دفعني لركوب الصعب إلا الأصعب.. ثم أن الضرورات تبيح المحظورات..ونحن نبحث عن شرعية فقدناها منذ قرون.. كان عصرنا الذهبي هو عصر الحق الإلهي لنا.. فمع الديانات المحرفة القديمة كانت صورة الله مشوهة تماما..(كل الأديان كذلك) فهو عاجز يتصارع مع البشر يحب الدماء.. وفى إطار هذه الصورة كان يمكننا أن ننادى بالحق الإلهي في الملك والحكم.. كان يمكننا ذلك مهما بلغت الانحرافات والتشوه والعجز والنقص فينا..
فالمثل الأعلى الذي ترنو عيوننا إليه كذلك.. مع الإسلام اختلف الوضع.. لقد استطاعوا الحفاظ على صورة الله نقية ومطلقة الصفات مطلقة القدرة.. وعلى هذا فلم ينجح أحد قط تحت عباءة هذا الدين أن يدعى حقا إلهيا.. فالكل بشر.. وليس ثمة معصوم.. كنا قبل ذلك نعطى صكوك الإيمان والغفران ونبيع حتى الجنة..
الآن تحت ظل المفهوم المدمر للإسلام لا أحد – حتى الرؤساء والملوك – يضمن الجنة لنفسه.. ونحن لا نستطيع قبول هذا الوضع.. لكن علينا أن نتعامل معه.. لا بالخضوع ولا بالمواجهة بل بالمداورة والمناورة.. أو – بلغة الرعاع – بالنفاق..
ولنتفق أن الإنسان في سلم دارون مجرد حيوان وأنه يختلف اختلافا جذريا عن إنسان الله.. إنسان الله لا يمكن التعامل معه.. وهو خطر علينا كما وضحت من قبل لكم .. نحن إذن نريد إنسان دارون لا إنسان الله.. إنسان دارون حيوان يمكن دراسته وترويضه كما يتم دراسة وترويض أي حيوان آخر.. في عالم الحيوان نسود.. عالم ما يجعل الأسد فيه أسدا هو قوته.. وما يجعل القرد قردا هي مهارته.. وما يجعل كلب الصيد كلب صيد هي شراسته.. وما يجعل الذئب ذئبا غدره.. وما يجعل البغل بغلا هو صبره واحتماله.. ثم أن البغل لا يلد بغلا.. وهذه ميزة إضافية سيبدو لكم الكثير من آثارها.. ذلك أن ابن الملك يكون ملكا أو أميرا.. وكذلك الرئيس.. وفى طبقة الرعاع يحدث نفس الشئ.. مع الجنس الثالث لا..

الإنسان حيوان.. ولقد حاول بالغيب والخرافة والأساطير أن يتنكر لأصله الحيواني ذلك.. وأن يطول بيده القصيرة المجذوذة الأصابع .. سماوات يصبح فيها أرقى من الملائكة.. لكننا اكتشفنا أن هذا ليس سوى أساطير الأولين..

الإنسان حيوان.. وهو كشريط التسجيل إذا جاز لي التشبيه.. وشريط التسجيل ليس سوى مادة البلاستك معالجة بصور مختلفة.. وشريط التسجيل هذا تستطيع أن تسجل عليه أغنية لأم كلثوم أو سيمفونية لتشايكوفسكى..
كما تستطيع أن تسجل عليه آية قرآن أو ترنيمة شيطان..إنني أريد أن أبسط لكم الأمر.. إن البلاستك في شريط التسجيل هو الجزء المادي في الإنسان..هو الجسد.. وليس لدينا حتى الآن رغم كل جهودنا في الهندسة الوراثية القدرة على إجراء تغيير جذري فيه.. وعلى ذلك فإن كل الشرائط متشابهة.. لا فرق بين شريط وشريط.. ما يخلق الفرق هو ما يسجل على الشريط نفسه..هو الآية أو الأغنية أو الترنيمة.. والتي تشكل في مثلنا هذا روح الإنسان.. وإن كل قدرتنا وبراعتنا وواجبنا ودورنا هو أن نمحو التسجيلات القديمة من على الأشرطة.. وأن نسجل مكانها ما نحبه ونرضاه.. لأننا بهذا نعيد تشكيل البشر.. فلا نكتفي بأن نعطى ما لقيصر لقيصر.. بل نأخذ ما لله فنستولي على عباد الله لنجعلهم عبيدنا نحن.. عبيدنا وخولنا وخصياننا..

أجل يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. هذه هي لعبتنا الكبرى.. لكن علينا أن ندرك أننا ونحن نفعل ذلك.. فإنما نطلق كل الشياطين من كل عقالاتها.. فعندما ننزع من تلك الشرائط تسجيلاتها .. أو على الأحرى من الأجساد أرواحها .. لنعيد برمجتها من جديد.. فإننا نشبه من يأتي إلى تليفزيون متعدد الأنظمة ليسحب منه البطاقات التي تتعرف على جميع الأنظمة لنضع بطاقة واحدة بنظام جديد.. ماذا سيحدث؟! سيتوقف الجهاز عن استقبال البث الذي كان يستقبله في الماضي.. وسيستقبل فقط ما نبثه نحن فيه.. أو كأنك جئت بفأر تجارب ورحت تستأصل من مخه مركز الإبصار فلا يرى.. أو مركز السمع فلا يسمع.. أو مركز الخوف فلا يخاف .. وهذا الأمر ليس بسيطا حتى مع الفئران.. فما بالكم به مع الإنسان.. خاصة إذا كنا لن نستأصل لحما وشرايين وأوردة ومراكز عصبية بل صفات معنوية.. نعم .. إننا لن نكف عن المحاولات كي نستأصل من أرواح الرعاع مراكز الغيب والشجاعة والأمانة والشرف والنزاهة والأمانة والشكر والعرفان والامتنان والوفاء والصبر والرحمة والتواضع وتوقير الكبير ورحمة الصغير والاحترام والجود والكرم والتعفف والقيام بحقوق الأبناء وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و إكرام الجار وحسن المعاملة وإنفاق المال في حقه وكف الأذى عن الناس و إماطته عن الطريق.. سوف نحاول أن نفعل ذلك.. وسننجح وسنفشل.. فأما من نفشل معهم فيكفينا أننا زلزلنا يقينهم.. وأما من ننجح معهم فأولئك هم من سنصطفيهم وزراء ونظارا وحاشية وكبار كتاب ورؤساء للهيئات والمصالح.. وهؤلاء لن يحسوا بأي صفة من الصفات التي نزعناها منهم تماما كما تعجز العين المصابة بعمى الألوان عن تمييز الألوان..
نعم .. تلكم هي حاشيتكم المصطفاة التي لا تدرك فارقا بين الجهاد والإرهاب.. ولا بين السفه والكرم.. ولا.. ولا.. ولا.. فئة لا تعرف كيف يكون الإنسان أمينا أو شجاعا أو وفيا.. لأنها لا نعرف أصلا ما هي الأمانة أو الشجاعة أو الكرم.. هذه الفئة.. هي الحامية لكم..المنفذة لأغراضكم .. هي الفئة العالية في سلم دارون ولا يعلوها إلا أنتم.. و ما دمنا قد وصلنا إلى هذه النقطة.. علينا ألا نخجل أو نستهجن أن الإنسان حيوان يحمل صفات الحيوان.. وفى عالم الحيوان لا توجد المودة والمرحمة إلا بين الأم وأبنائها.. مع شذوذ عن القاعدة هنا وهناك.. لا يمكن أن ترى أسدا يحترم أسدا.. أو قردا يفي بالوعد لقرد.. أو كلبا ينكص – أمانة – عن التهام قطعة من اللحم لأنها لا تخصه بل تخص رفيقه.. أو حوتا كبيرا يحنو على سمكة صغيرة.. إن القوة هي القانون وهى المنطق وهى العدل.. وحتى الأسد.. إذا ما فقد قوته.. فإن أحقر جرذ يستطيع أن يسخر منه..

هل ما زلت في حاجة للاعتذار لكم عن الأسلوب الذي استخدمته كي أشرح لكم وأفسر؟..

هل كان يمكن أن أستعمل لغة أخرى؟!..

لم أجد – يا فخامة ويا جلالة- تعبيرات أخرى كي أصف وأوصف بها الجنس الثالث.. وهو جنس من أهم ما يكون.. إنه لسانكم الذي تكذبون به.. ويدكم التي تبطشون بها.. وسمعكم الذي يمدكم بدبيب رعاياكم..وسوطكم الذي تلهبون به ظهورهم.. وصوتكم الذي تزيفون به وعيهم.. وعينكم التي تحصى حركات الرعاع – وبالمناسبة هل سبق لكم أن لاحظتم تشابه الكلمتين: رعايا ورعاع-.. نعم .. علىّ أن أحدثكم عن هذا الجنس كثيرا..

إن بعض ما قلناه عن ولى العهد أو نائب الرئيس ينطبق عليه.. بعضه فقط.. فأقصى طموح للوزير أو لرجل الحاشية – على سبيل المثال - هو أن يبقى في منصبه.. ويظل طيلة احتفاظه بمنصبه.. مهموما بهاجس الإقالة.. مرعوبا من غضب سيده ومولاه عليه.. ومدركا في الوقت نفسه .. أنه ما من رئيس تحرير قد أصبح ملكا أو رئيسا.. و ما من وزير قد عاد إلى طبقة الرعاع.. إنه بذلك محاصر.. وهذا المحاصر هو أفضل من يلبى مطالبكم ..

إن وزيرا منزوع مراكز الروح بهذه المواصفات وبهذه الصفات فقط هو الذي يمكن أن يزور لكم الانتخابات والمبايعات والاستفتاءات كلما شئتم..

ورئيس تحرير أو مقدم برامج من هذا النوع هو الذي يستطيع أن يكذب ويكذب ويكذب بلا نهاية وبلا خجل مهما انكشف كذبه..

وواحد من هذا النوع هو الذي يستطيع تجفيف المنابع فيغير مناهج التعليم كما شئتم ثم يقسم أمام الناس أن شيئا لم يتغير..

وآخر من هذا النوع يصدر لكم من القوانين ما شئتم بل ومن الفتاوى ما أردتم..

وواحد من الجنس الثالث هو الذي يستطيع أن يأمر بالتعذيب دون أية بادرة لتأنيب ضمير- فهو منزوع الضمير- .. ويكشف العالم كله فضائحه فلا يطرف له جفن ويواصل الإنكار تلو الإنكار..

إن الأمثلة بلا نهاية .. وسوف أعود إليها بعد ذلك.. لكن هناك عددا من النقاط أريد أن أركز عليها الآن:

إن هذه الطبقة مأمونة جدا.. فإن عزل وزير أو رئيس تحرير أسهل من فصل جندي مطافئ أو عامل في مطبعة..

أنتم الأسود وهم حيوانات أدنى يقتاتون على بقاياكم.. وتكلفتهم بالتالي زهيدة جدا .. ولقد أجرينا إحصاء ذات مرة فاكتشفنا أن ما يحصل عليه مائة وزير ومائة رئيس تحرير ومائة مذيع ومائة رئيس جامعة ومائة شيخ ومائة رئيس هيئة ومائة رئيس مؤسسة.. ما يحصل عليه كل أولئك من موازنة الدولة – شاملا الأموال المهربة للخارج وأموال العمولات وأموال المشروعات الصورية - أقل مما يحصل عليه نجل الملك الأصغر الذي لم يكن حتى وليا للعهد..

أن هذا الجنس لا يحمل أي خطورة حقيقية عليكم.. فليس ثمة تأييد حقيقي ولا احترام لهم.. فالرعاع يكرهونهم وأنتم تمتهنونهم .. وكراهية الرعاع لهم يتيح لكم صمامات أمان لا حد لها.. حين يروح الرعاع والسفلة يمارسون معهم نوعا من التصريف اللفظي عن الغضب.. وهذا التصريف الدائم هو الذي يمنع تحول الغضب إلى ثورة .. ثم أن الرعاع والسفلة يوجهون إلى هذه الطبقة كل السباب والاحتقار والاتهامات التي لا يجرءون على توجيهها مباشرة إليكم.. فهؤلاء الرعاع عندما يتهمون وزيرا بالفساد فإنما يقصدونكم أنتم .. وعندما يتحدثون عن الرشوة.. فإنهم لا يقصدون الفتات الذي يحصل عليه الجنس الثالث.. بل يقصدون ما يحصل عليه الملك وآل الملك من ثروات البلاد.. وتلك وظيفة أخرى عظيمة القيمة يقوم بها الجنس الثالث.. كقميص يقي من الرصاص.. وهى وظيفة عليكم أن تشجعوها.. ولتحفل أكبر صحفكم بأفدح هجوم على مسئول كبير من أبناء الجنس الثالث.. هجوم لا يتوقف.. وسخرية لا تمل.. فرجل الجنس الثالث هنا يتلقى الطعنات نيابة عنكم.. ورئيس التحرير الذي ينشر ذلك إنما يقدم الرشوة للرعاع.. الذين يريدون توجيه هذه الكلمات لكم.. لكن توجيهها إلى رجل الجنس الثالث ذاك.. يقدم للرعاع عزاء.. ويلهيهم عنكم..

إن الرعاع كثيرا ما يكشفون عن عبقرية في الوصول إلى الحقائق.. ولولا جهودكم وجهود الجنس الثالث معكم في تشتيت هذه العبقرية وتضليلها لساءت عواقب الأمور.. ومن لمحات الذكاء النادر تلك .. ما حدث في الشقيقة مصر إبان الحملة الفرنسية.. حين باع شيخ كبير من شيوخ الأزهر شرفه لنابليون.. لا أتحدث بالمجاز بل أعنى الحقيقة المجردة.. أعنى أنه اتخذ نابليون عشيقا لابنته .. وكان اسمها زينب.. ابنة الشيخ البكري.. وكانت خلواتهما تتم تحت بصره.. وبعد هزيمة الحملة الفرنسية رجم الرعاع الدهماء الإرهابيون المتخلفون المتطرفون الهمج زينب أمام أبيها.. ولم يمسوه هو بسوء.. ( والدرس: كانت زينب صمام أمان وواق من الخطر) .. ثم أن هؤلاء الرعاع كانوا يتجمعون أمام بيت أبيها وينشدون أنشودة بذيئة تقول: " شد العمة شد.. تحت العمة قرد!!" .. وكانت هذه لمحة عبقرية جعلت أساتذتنا يخشون من توصل هؤلاء الرعاع إلى الأفكار التي شرحتها لكم في بداية هذه المحاضرة عن الإنسان الأسد والإنسان القرد والإنسان البغل والإنسان الحمار.. ( درس آخر: إلى أي مدى يمكن أن يصل حتى شيخ في الأزهر إذا أحسنتم الإعداد والتدريب).. ( درس ثالث: عندما تصادفون مثل هذا الشيخ في أي مجال فعليكم بدفعه إلى أرقى المناصب)..

لا يحدث إلا في أحوال نادرة أن يمد واحد من هؤلاء جذوره إلى الخارج ليستمد التأييد والعون.. وحتى هذا النمط لا يشكل في أغلب الأحيان أي خطر.. فجذوركم أنتم أيضا ممتدة إلى الخارج تستعينون به على هزيمة رعاياكم .. لكنه في أحوال قليلة جدا يمثل خطرا.. وعليكم التصرف معه كما تتصرفون مع الرجل الثاني..

إنني رغم كل ما طمأنتكم به عن هذه الطبقة لا بد أن أحذركم أن الخطر أحيانا يأتي منها.. ولعلكم تذكرون زميلكم خمارويه رحمه الله.. وكان كما لابد تذكرون واحدا من أعظم ملوك الدولة الطولونية.. وكان صهرا للخليفة في بغداد بعد أن زوجه بابنته قطر الندى في حفل ما زالت أصداؤه تتردد في أنحاء المعمورة.. خمارويه هذا أنهى ملكه .. بل ودولته بعد ذلك.. عبد خصي كان قد اصطفاه وزيرا .. وخان العبد فذبح مولاه ذبح الشاة..



يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. مازال هناك الكثير جدا الذي أريد أن أقوله لكم في هذا البروتوكول.. لكنني أراكم تتثاءبون.. فإلى الجلسة القادمة..

العالم الاسود للعسكر شاهد علي حكم الاخوان المسلمين (12)

العالم الاسود للعسكر

شاهد علي حكم الاخوان المسلمين (12)

(صابر مشهور)


أبراج المحمول والدائرة الميتة وأدلة أخرى ستمكن المخابرات من القبض على قتلةالنائب العام هشام بركات






حلقات شاهد علي حكم الاخوان المسلمين 


حلقات العالم الاسود للعسكر






من يفسد فيها ويسفك الدماء؟


من يفسد فيها ويسفك الدماء؟

د. محمد عياش الكبيسي


في رمضان تصفّد الشياطين، لكنّ ما تريده الشياطين يتحقق بأيدي البشر، فمع أجواء الإيمان والقرآن ودموع التائبين وتضرّع الصائمين القائمين، لا تكفّ الأخبار العاجلة عن تفجير هنا وقصف هناك وأحكام بالإعدام وأفلام دموية (هوليوديّة) تقشعرّ منها الأبدان، شعوب تهجّر من أوطانها، وأوطان تتحوّل إلى خراب وتراب، والكل يسأل: ماذا بعد؟
وهو سؤال يخفي وراءه توقّعات بانتشار رقعة الدمار وليس بانحسارها، والرسم البياني منذ 2003 وإلى اليوم يؤكّد هذه التوقعات.
مهما حاولنا أن نحلل ونشخّص ونستنتج فستبقى هناك مساحة معتمة وغير قابلة للفهم أو الحسم.
في زيارة سابقة للهند رأيت الهندوس والبوذيين والسيخ والمسلمين والمسيحيين وعشرات الديانات الأخرى يتعايشون فيما بينهم، وربما ترى في الشارع الواحد مسجدا وكنيسة ومعبدا هندوسيا أو بوذيا، كل يصلّي على طريقته ولا يشغب هذا على ذاك ولا ذاك على هذا، في الشارع الواحد والحي الواحد رأيت من يعبد البقر ومن يأكل البقر، الثقافة السائدة هناك باستثناء بعض الحوادث الشاذّة أن أتباع الديانات المختلفة عليهم أن يقدّموا للمجتمع عامة أفضل ما عندهم ليثبتوا مصداقية دينهم وميّزته التربوية والأخلاقية! وأنا هناك كنت أفكر في بلادنا؛ عدد سكاننا أقل بكثير من سكّان الهند، وعدد الديانات والطوائف التي عندنا أيضا لا يقاس بعدد الديانات والطوائف الهندية، وإذا جمعنا الصين إلى الهند، فإننا أمام حقيقة كبيرة لا ينبغي أن يختلف فيها اثنان؛ أن الخلافات الدينية مهما بلغت ليست مبررا كافيا للعنف واستباحة الدم.
هناك من يربط هذا العنف الأعمى في منطقتنا بالتعليم الديني (المتشدد) والجماعات الإسلامية (المتطرفة)، لكن المفارقة أن بؤرة العنف الرئيسة اليوم هي سوريا والعراق، وهذه المنطقة لم تُعرف إطلاقا بتشدّدها الديني، فالتعليم الديني فيها تعليم مذهبي (حنفي أو شافعي)، والسمت الغالب على هذا التعليم هو السمت (الصوفي) في كلا البلدين، أما الشيعة فهم بالعموم ليسوا معروفين بالتديّن، فمظاهر الإفطار في رمضان -على سبيل المثال- شائعة جدا، ونسبة المحافظين على الصلاة لا تكاد تذكر، والمجتمع يعاني من (أميّة دينية) طاغية، وأذكر أننا كنا نزور الريف الجنوبي ونقدّم لهم نسخا من القرآن الكريم، فلا نجد من يستطيع القراءة، ومرّة وجدنا شابا (جامعيا) مثقفا ففرح بالمصحف وقبّله ثم بعد مدّة أرجعه إلينا وقال: والله أنا غير مقتنع بهذا القرآن! لأني وجدت فيه سورة البقرة والنمل والعنكبوت ولم أجد فيه (سورة أمير المؤمنين)، فكيف انقلبت هذه المجتمعات البسيطة بين عشيّة وضحاها إلى ينابيع تفور بالميليشيات والحركات الدينية الراديكالية، بينما اختفت الأصوات الأخرى تماما فلا قومية ولا علمانية ولا ليبرالية ولا ديمقراطية، وكل هذا يحصل بعد غزو أميركي ضخم كان عنوانه الأبرز (نشر الديمقراطيّة)!
بعض المحللين عندنا يعزون هذه الظاهرة إلى حالة الفقر وانسداد الأفق وفقدان الأمل، والذي رأيته في تلك البلاد من مظاهر الفقر يفوق الوصف ولا يقارن بما عندنا، فقد رأيت عشرات العوائل برجالهم ونسائهم وأطفالهم ينتظرون توقف حركة الباصات لتنام كل عائلة في واحدة من مظلات الانتظار! أما في النهار فلا أعلم أين يذهبون؟ وقد زارني (مدرس جامعي) في محل إقامتي فقدّمت له ما تيسّر من الطعام ففوجئت أنه يستأذنني بأخذ الباقي ليوزّعه على جيرانه! وقد فعل بالفعل وجاء جيرانه يشكروننا!
الظلم لا شك أنه سبب في اندلاع الثورات والانتفاضات، وهذا ما حصل إبّان ما عرف بالربيع العربي، لكني لم أسمع أن واحدا من الثائرين قد فجّر نفسه في أجهزة الأمن فضلا عن الأبرياء من الناس، بل العكس كانت كل الانتفاضات تبالغ في شعار (السلمية) حتى مع استفزازات العسكر ورجال الأمن، والتجارب التونسية والمصرية واليمنية شاهدة، وأما في ليبيا وسوريا والعراق فقد كان الأمر كذلك لشهور عديدة من عمر الانتفاضة، ولمّا اضطرّ الناس إلى حمل السلاح حملوه ضدّ عصابات القذافي والمالكي وبشّار حصرا، أما ما يحصل اليوم في هذه الدول خارج هذا الإطار، فمن المقطوع به أنه يتم بأيد طارئة على الثورة وغريبة عن الثوار.
إن ظلم (الأنظمة الحاكمة) من شأنه أن يولّد ردّة فعل على الأنظمة، على قاعدة (لكل فعل ردّ فعل يساويه في القوّة ويعاكسه في الاتجاه)، أما أن تظهر ردّة الفعل هذه باتجاه غير اتجاه الأنظمة، فهذا يعني أن هذا العنف ليس ردّة فعل على سلوك هذه الأنظمة، فما رأيناه مثلا من قسوة ووحشية و (إبداع) في طريقة تنفيذ الإعدام كلها دون استثناء لم تمس واحدا من (شبّيحة الأسد) ولا (ميليشيات الحشد)! بل لثوّار منافسين أو سياسيين مخالفين أو أبرياء تكال لهم التهم دون بيّنة ولا دليل، وفي المغرب العربي الحالة أوضح، فالنظام الليبي سقط وكذلك النظام التونسي، وليس هنالك (روافض) ولا (أميركان)، وهناك تفتّقت الأذهان فوجدوا في ليبيا عمالا مصريين مساكين، فتم ذبحهم على شاطئ البحر لأنهم أقباط، ووجدوا في تونس فندقا يرتاده مواطنون وأجانب فتم قتلهم لأنهم سيّاح!!
إن كل الذي يقوله المحللون صحيح، فهناك ظلم وهناك فقر وهناك جهل.. إلخ، لكن كون هذه الأشياء تصلح مستندا لهذا الذي نراه فهذا غير ممكن، هنالك مشاريع دولية وإقليمية وظّفت بجدارة ومهارة هذه الظواهر وغيرها لتحقيق تغيّرات مصيريّة في هذه المنطقة تشمل الأرض والدولة والهوية والإنسان، أما الكلام عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي وما إلى ذلك فهذه دعوات مباركة ومحترمة، لكنها لن تقف لوحدها أمام هذه الفوضى ما لم ينبثق المشروع العربي الإسلامي القادر على ملء الفراغ وتصحيح المعادلة القائمة والحاكمة في المنطقة.

• drmaiash@facebook.com
@maiash10




الدكتور محسن العواجي ضيف برنامج في الصميم مع عبدالله المديفر

برنامج في الصميم 

عبدالله المديفر

حوار مع الدكتور محسن العواجي 




في حوار مع الإعلامي عبد الله المديفر، ببرنامجه الرمضاني "في الصميم"، كشف الداعية السعودي محسن العواجي أنه تعرض للسجن في عهد الملك عبد الله أربع مرات، منها اثنتان بالسر، دون أن يعلم أحد بذلك.

وأوضح العواجي أن أحد أسباب الاعتقالات الأربعة، كان بسبب كتابته مقالا انتقد فيه الوزير والدبلوماسي السعودي الراحل، غازي القصيبي، مضيفا: "سُجِنت 17 يوما بسبب تلك المقالة، ولم يعلم عن سجني الملك عبد الله إلا وقت إطلاق سراحي".

ودار جدل بين العواجي والمديفر بعد قول الداعية السعودي: "لم أجامل ولي العهد، ووزير الداخلية، محمد بن نايف، كما جاملت -أي المديفر- الوليد بن طلال، ومنعتني من الظهور في برنامجك لمدة سنتين".

المديفر ردّ ردا قاسيا على العواجي، بقوله: "لو كان كلامك صحيحا لما استضفتك رغم كتابتك لمقال (قارون العصر) عن الأمير الوليد بن طلال، ولم اُمنَع من استضافتك، ولا تزايد علي في هذا، ولا أحد يزايد علي، فقد استضفتك في برنامج (لقاء الجمعة) أربع مرات، واليوم أستضيفك هنا".

وواصل العواجي حديثه عن الشأن المحلي، قائلا إن الملك سلمان اتخذ قرارا تاريخيا بتقديمه قيادات شابة، مثل ولي ولي العهد، ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، مضيفا: "محمد بن سلمان دخل بصفحة بيضاء، وبإمكانه أن يُسطّر اسمه في صفحات التاريخ، أو أن يكون كغيره من المنسيين".

وتابع: "الملك سلمان بقراراته الشجاعة أنقذ الأسرة الحاكمة من الأسرة الحاكمة"، وقال: "لم أرض في عمري كله عن قيادة كما أشعر الآن تجاه القيادة الحالية".

العواجي الذي اعتقل عدة مرات سابقة بسبب مطالبته بالإصلاح، أكد أن الإصلاحيين لا يطمحون بالحكم، مضيفا: "قضيتنا ليس من يحكم، بل كيف نُحكَم، والولاء الحقيقي يكون بالمناصحة، لا بالرهبة، والخوف، والبيع، والشراء".

وأوضح العواجي أن مصطلح الإصلاح ليس خاصا بالإسلاميين دون غيرهم، "بالرغم من أن هوية الإصلاح هي هوية إسلامية"، وأضاف: "الدعاة و طلبة العلم لا يمكن أن يوصفوا بالمعارضين لأنهم شركاء في مشروع الدولة".

وطالب العودة من أصحاب القرار في المملكة المسارعة في إنهاء قضايا الموقوفين بسبب آرائهم السياسية، مضيفا: "معظم من ينادون بالإصلاح من جميع التيارات إمّا في السجون أو تم فصلهم من وظائفهم". 

وبالرغم من ذلك، نوّه الدكتور محسن العواجي على خطورة المطالبة بالإصلاح في توقيت "قد يزعزع أمن البلاد في حالة الحرب، ولا يكون سلاحا يستفيد منه أعداء الأمة"، وفق قوله. 

وانتقل العواجي للحديث عن سياسات السعودية في الخارج، منتقدا دورها في مصر، ودعمها للانقلاب العسكري، وأضاف: "هل كان للانقلابيين أن يفعلوا ما فعلوا لولا دعم الدول الخليجية وعلى رأسهم السعودية، ولما عرفنا السيسي".

وطالب العواجي حكومة بلاده بإعادة النظر في سياساتها بلبنان، قائلا إن "سعد الدين الحريري ذراع مشلول للسعودية في لبنان، ولا قيمة له هناك". 

وركزّ العواجي في حديثه عن الدور الإيراني في المنطقة، فبعد مباركته وتأييده لـ"عاصفة الحزم"، ودعائه للجنود المرابطين على الحدود السعودية مع اليمن، اتهم العواجي إيران صراحة بمسؤوليتها المباشرة عن تفجير المساجد الشيعية في السعودية والكويت.

واعتبر العواجي أنه "إذا كان منفذ التفجير من عائلة الشمري، أو من أي قبيلة عربية، فهذا لا يعني إخلاء مسؤولية إيران"، 
وتابع: "اُقسِم بالله العظيم لو أن المُفجّر في الكويت يزيد بن معاوية، ستكون إيران خلفها، وتحديدا أربعة أشخاص أذكرهم بالاسم".

وأضاف: "إيران تعتمد سياسة (الفوضى الخلاّقة)، ولا يهتمون لِمن يُقتَل سُنّيا كان أو شيعيا، لذا لم يحدث تفجير المساجد في السعودية و الكويت إلاّ بعد الحرب على الحوثي، وبعد تهديد مسؤوليهم بنقل المعركة للداخل".

كما هاجم محسن العواجي بعض الكتاب الشيعة السعوديين، خاصا بالذكر الكاتب توفيق السيف، قائلا عنه إنه "كان يسافر مع آخرين في الثمانينات إلى دمشق، ويتركون جوازاتهم هناك، ويذهبون بطائرة خاصة إلى إيران".

هجوم العواجي الشديد على الشيعة دفع بأحد المغردين لنشر صورته مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حيث رد العواجي على الصورة: "لقائي بنصر الله في مبادرة القرضاوي لإطفاء نار الطائفية عام 2004، وكان لقاء وحيدا وعقيما، وغلبت عليه المجاملات، ولم تكُن له أي نتيجة أو فائدة، وصورتي معه كما صوّرت مع صحفي إنجليزي و صحفي يهودي، للتوثيق فقط، وكما صوّر الملك مع البابا". 

وعلى شكل مقارنة سريعة بين العهد الحالي والعهد السابق للسعودية بقيادة الملك عبد الله، قال العودة إن "الحوثي كان يتوغل في البلد، وفي المقابل يتم توقيع الدعاة على تعهدات بعدم الحديث عن الحوثيين".

وأضاف: "كان هناك استغلال من الصفويين والليبراليين للغة التسامح و عدم الوضوح السائدتين في الديوان الملكي سابقا، وكان موظف في الديوان ينسق مع موظف في مكتب السيسي ويستنزفون خزينة الدولة و أموالنا".
لقاء الجمعة مع الشيخ محسن العواجي

May 11, 2012