الاثنين، 29 يونيو 2015

بروتوكولات حكماء العرب-6-



بروتوكولات حكماء العرب-6-


لكل مواطن جريمة.. ولكل قانون ثغرة..

دكتور محمد عباس


البروتوكول الرابع

لا يسعنا يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات إلا أن نقف دقيقة حدادا على فقيدنا الجليل الذي وافته المنية بعد اجتماعنا الماضي.



***

إنني أنتهز هذه الفرصة كي أحيى و أقرظ الطريقة المهيبة الجليلة التي اتبعت بعد وفاة الملك..
لقد أطلق الرعاع كثيرا من الشائعات حول الملك الشاب الذي مات في ريعان شبابه مشككين في حقيقة موته.. وليس هذا جديدا عليهم فسوء الظن الأبدي طبيعة متأصلة في الرعاع والسفلة.. لقد حاولوا دون أي احترام لحرمة الموت أن يطلقوا الشائعات المغرضة الحاقدة حول احتمال أن يكون الموت غير طبيعي و أن يكون قد اغتيل مدللين على ذلك ببعض مواقف التمرد التي ظهرت منه في الآونة الأخيرة.. حاول الرعاع الذين لم يكفوا طيلة حياة فقيدنا العظيم عن الهجوم عليه.. حاولوا الآن – بعد موته – أن يرفعوه إلى مراتب الشهداء والقديسين.. لكن الموقف العاقل الرزين الذي اتخذه الملك الجديد أفسد على الرعاع خطتهم.. كما أن الاحتفالية المهيبة للدفن قد أفسدت على الرعاع كل مزايدة..
ولقد كان الغضب العاتي الذي واجه به الملك الجديد مطالبة بعض الرعاع بتشريح جثة الملك الراحل تحت إشراف المنظمات الدولية غضبا جعلهم يلوذون بجحورهم .. لقد كان تصرفا مثاليا لأزمة كان يمكن أن تتطور إلى ما لا تحمد عقباه..
وهنا لابد أن أشير إلى موقف الشيخ الكبير .. والذي كان له أبلغ الأثر في مواجهة شكوك الرعاع وهياجهم.. فلقد كان تأكيده على أن الموت كان طبيعيا وأن حياة كل إنسان وديعة من بارئه يستردها حين يشاء هو فصل الخطاب الذي أطفأ النار.. ولقد كان لجوء الشيخ إلى عالم الغيب وتأكيده على أن الملك الشاب قد زاره في المنام مؤكدا أن موته كان طبيعيا و أنه في الجنة .. كان ذلك – إزاء رعاع يؤمنون بالخرافات والأساطير – هو الكلمة الأخيرة.

أريد أن أذكركم أيضا بالموقف العظيم لمعالي المدعى العام الذي أصدر قرارا بحظر النشر في الموضوع برمته وفى كل ما يتعلق به، كما أصدر قرارات متعاقبة بمنع القلة الحاقدة التي أطلقت مثل تيك الشائعات من السفر إلى الخارج ليمنعها من بث سمومها السوداء في العالم. ولم يقتصر على ذلك، بل تكرم بإحالة القضايا العاجلة التي رفعت إلى دوائر قضائية معينة سبق الاتفاق معها على كل ششيء وكتبت لها الأحكام.

إنني هنا أريد أن أذكركم.. أن أعظم استثمار للرؤساء والملوك والأمراء .. ليس الاستثمار في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا .. وليس حتى في عمولات السلاح وصناعة المخدرات وتهريب الذهب .. إنما يقبع أعظم استثمار في توظيف المشايخ والنيابة والقضاء لصالح سياسة الحكم.. وهذا هو موضوع بروتوكولنا الرابع..

يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات ويا سمو السموات..

لقد قمنا بتأبين زميلكم الراحل.. وعلينا أن نرحب الآن بزميلكم الجديد والذي عقدت معه عدة جلسات أحطته فيها بما تم في اجتماعاتنا السابقة.. والآن .. هيا إلى العمل..


***

لقد بدا القضاء لفترة طويلة جدا مشكلتنا الكبرى..

ولولا نجاحاتنا الساحقة في المجالات الأخرى لما تمكنا منه.. فالقاضي واحد من أفراد المجتمع وما يؤثر في المجتمع يؤثر فيه.. كما أنه من المحتم مهما طال المدى أن تنتقل أمراض المجتمع إليه.. لذلك.. فإن محاولاتنا لتحطيم تماسك الرعاع والسفلة آتى أكله.. ليس على الفور بالطبع.. بل بعد معارك ضارية سقط فيها العشرات من آبائكم وأجدادكم..

إنني أريد أن ألفت انتباه جلالاتكم وفخاماتكم وسمواتكم مرة أخرى أنني أضرب لكم الأمثلة على سبيل الاستدلال لا الحصر.. وأن الطرق التي اتبعت مع القضاء والنيابة لم تكن مقصورة عليهما.. كما أنها لم تكن خاصة بهما وإنما استعملت في مجالات أخرى عديدة.. كما أود أن أكرر.. أنني إذ أعلمكم علم الملوك لا أقول لكم كل شيء.. نعم .. ليس ما أقوله لكم هو العلم الجامع المانع.. بل إنني أعلمكم الحروف لتصوغوا منها كلمات لا أول لها ولا آخر.. و أدرس لكم الأرقام كي تصوغوا منها عمليات رياضية لا نهاية لها..

نعود إلى مشكلتنا الكبرى مع القضاء.. كانت المشكلة أن القاضي يعتبر نفسه عدل الله في الأرض.. وبهذا لم يكن يحتفظ للحكام بأي ولاء بل هو الذي يحكم عليهم ويحمى الرعاع منهم.. كانت المشكلة صعبة.. لكن نجاح أسلافكم الباهر في الانتقال من الشريعة إلى القانون كان الضربة الكبرى.. بعدها حسم الأمر وتحددت محطة الوصول مهما تأخرت ساعة الوصول..

بالانتقال من الشريعة إلى القانون استطعنا قلب مفاهيم الناس عن الحقوق والقانون والأخلاق . 
فمع الحكم بالشريعة كان الخوف من الله ومن العقوبة في الآخرة ، وفكرة الجحيم والعذاب هي التي تمنع الفرد أو الجماعة من ارتكاب المعاصي كالقتل والتزوير والسرقة والتعذيب والظلم، كانت الشريعة هي التي تتولى تنظيم العلاقات الاجتماعية، حتى لو لم تكن هناك حكومة ولا حاكم ، فنصوص الشريعة وخوف الله الكامن في القلب هما اللذان يمثلان أساس ضمان العدل ، هما الشرطة الحقيقية في المجتمع.
ولم تكن العقوبة موجودة إلا على سبيل الاستثناء للمنحرفين عن الطريق العام. وكان ذلك وضعا خطرا مهما حاولنا الالتفاف من حوله باختراق بعض دوائر القضاء.. فالنص الأصلي موجود ويمكن الرجوع إليه في أي وقت.. ثم أن الخروج على هذا النص كان يستوجب احتقار الناس للحاكم وللقاضي معا.. فلا يمكثون على الطاعة والخضوع إلا ريثما يتسنى لهم الانتفاض والانقضاض..

لقد كانت معركة الانتقال من الشريعة إلى القانون معركة شرسة ودامية .. لكننا نجحنا فيها.. والحذر الحذر الحذر من أن تعودوا إليها مرة أخرى.. قضى الأمر.. وعليكم أن تعاملوا بمنتهى القسوة والعنف أولئك العصاة المارقين الذين يطلبون بعودة الشريعة كمصدر للقانون..

نعم.. لقد نجحنا في استبدال القانون بالشريعة.. والمثقف المستنير بالفقيه.. فالفقيه لا يتبعنا ولن يتبعنا أبدا.. أما المثقف المستنير.. فقد نجحنا أن نجعله أشبه بالمهرج.. الذي يهاجم في المساء بكل شراسة ما دافع عنه في الصباح بكل حماسة..

وبنجاحنا في استبدال القانون بالشريعة أصبح كل ما لا ينص عليه القانون حلال وممكن عمله ولا يعاقب عليه أحد، أصبحت العقوبة دنيوية ومادية ، دنيوية أي تستند إلى قانون وضعي متفق عليه بين الجميع، ويمكن تغييره أيضا مع الزمن والإجماع ، فما كان جريمة منذ عشر سنوات في مجتمع يمكن أن يصبح مباحا بموافقة مجلس الأعيان المنتخب. وأصبحت العقوبة مادية، لأن العقوبة تتم على الأرض إذا تم الكشف عنها من قبل الدولة وإلا فلن يكون هناك عقوبة..
لقد اندفع إعلامنا وتعليمنا ومثقفونا المستنيرون يظهرون- بصورة ملتوية ومعقدة وغير مباشرة- تخلف الشريعة وعدم صلاحيتها لمواكبة العصر، ووعدنا الرعاع بقانون فابتلعوا الطعم، لأننا في الواقع لم نكن نريد أي قانون، لقد أخذنا منهم الشريعة وأعطيناهم بدل القانون الفوضى وسيطرة فئة كليا على فئة أخرى، لم نبق من قانون يمنع اعتداء فرد على آخر إلا قانون القوة والعنف . فأصبح كل شيء مباحا عمليا ، لم يعد هناك رادع حقيقي لدى أي فرد .
لقد وضعنا القانون ثم يسرنا سبل اختراقه فلم تعد هناك أية هيبة لأي قانون ، لقد استطعنا أن ننفذ خطتنا الكبرى، لكل مواطن جريمة ولكل قانون ثغرة، أصبح الكل مهددا والكل يمكن أن ينجو في ذات الوقت، ولكن ذلك مرتبط بإرادتنا .. إرادتنا فقط..
وبهذا أصبحت كل القوانين لا قيمة لها، وكل عسس العالم لن يستطيعوا أن يمنعوا الاعتداء والظلم والهمجية. ولما كنا قد أفسدنا العسس تماما، أفسدناهم للدرجة أصبحوا فيها أقوى بما لا يقاس من كل العصابات، لقد جعلناهم فوق القانون، أو هم القانون، فتخلصوا من الرعب الذي يطارد العصابات، تفرغوا للإبداع لصالحنا، حيث القتل مباح والنهب مباح والتزوير مباح والظلم مباح، لا ، ليس مباحا فقط، بل هم يثابون عليه حين يفعلونه ويعاقبون إن لم يفعلوه، لقد تفوقنا في ذلك على الشيطان ذاته- كما تتصوره أوهام الرعاع والسفلة- فالشيطان لا يكافئ ولا يعاقب.. نعم.. تفوقنا على الشيطان .. وبعد ذلك أصبح القانون سوطا في أيدينا نلهب به ظهور الخارجين علينا وخنجرا نمزق به لحمهم وطلقة رصاص نطلقها على قلوبهم ..

إن كلمات القانون صماء وتحتاج لمن يفسرها، وكنا نحن الذي نفسر ما نشاء بالكيفية التي نشاء، ونجرم من نشاء ونبرئ من نشاء، وكانت التفسيرات والأحكام أحيانا متناقضة لكن ذلك لا يهم، لأن وسائل إعلامنا ومثقفينا المستنيرين ومدننا الإعلامية وفضائياتنا[4] سيتجاهلون دائما هذا التناقض، لقد جعلنا المجتمع يعيش فعلا بدون قانون.
 وترتب على ذلك شعور رهيب بالفزع بين الناس.. إذ لم يعد ما يحميهم من بعضهم البعض ولا منا، وعندئذ كان لا بد لفرض النظام والحد الأدنى للأمان بين الناس من قوة قهر عظمى، قوة بديلة عن إلههم القديم، قوة تتصف بالقداسة، بحيث تكون هي القانون، هي الأمن والأمان والنظام والرزق والحماية والغنى والفقر والرضا والسخط والابتلاء والاصطفاء، قوة لا تُسأل عما تفعل، قوة تحل محل الله، نعم، كان لابد من ربط الناس بإله مقدس جديد، يكون هو القانون بين الناس، ولم يكن هذا الشخص إلا أنتم يا جلالة الجلالات وفخامة الفخامات وسمو السموات، إن هدفنا النهائي أن يكون كل واحد منكم الزعيم المعبود الذي يفتديه الناس بالروح والدم، فبهذا تكتمل حلقات خدعتنا الكبرى لهم، لقد جعلناهم يتوقفون عن عبادة الله كي يعبدونا..

باستبدالنا القانون بالشريعة نجحنا في أن نسمم منابع النهر الذي يرتوي منه القضاة..


ولقد كان نجاحنا في ذلك هائلا، لا ينال منه بقاء بعض القضاة مستمسكين بضلالهم القديم، فهم على أي حال جيل منقرض كالدناصير، وفى غضون أعوام قليلة سيتكفل الموت بالقضاء عليهم فلا يبقى في ساحة القضاء إلا عبيدا لكم تحبونهم ويحبونكم[5].

لقد كان نجاحنا مع القضاء ملحمة هائلة تستحق أن تروى..


كان القضاء قلعة شامخة عصية، ولقد أدركنا من البداية أن محاولة اقتحام القلعة كارثة علينا يجب ألا نقع فيها أبدا، لكننا لم نستسلم، كانت الجدران منيعة والأسوار حصينة والمواجهة المباشرة مستحيلة، فقررنا أن ننقب في الجدار ثغرة، و قررنا التسلل منها، للنفاذ إلى القضاء والقضاة .
و دراسة تركيبة الدوائر القضائية . استقطاب الأشخاص المؤثرين . عمليات غسيل المخ التي تجرى بدون أن يدرك الضحية . فن التأثير عن بعد . استغلال شعار: لكل مواطن جريمة بالنسبة لبعض الدوائر وتهديد قضاتها بصورة مستمرة كمستند أو شريط فيديو يصور فضيحة جنسية أو عرض رشوة أو الإغراء بمنصب . فقد كان القاضي الذي يتوافق مع ما تريده المنظمة يصعد إلى منصب قيادي أو وزاري أما الآخر فليس له سوى الفضيحة والخراب. واستطعنا بالسيف أو بالذهب استقطاب البعض، لكن عيونا يقظة تنبهت لما يجرى فبدأت تشوي من استقطبناهم وتكوينا بألسنة حداد، وهنا كانت خطتنا العبقرية بتقديس القضاء والقضاة، القضاء عادل ونزيه، جعلنا من مديحهم حبلا مددناه إليهم، فأصبح التعرض للقاضي من بعيد أو قريب جريمة كبرى تستحق أشد العقاب، فالقضاء مقدس، لم يتنبه الحمقى والأغبياء أننا نمنحهم القداسة والحصانة التي ضننا بها على الله والأنبياء، وعندما ابتلع الجميع الطعم سخّرنا هذه المفاهيم جميعا من أجل قضاتنا الذين استقطبناهم، يسرنا أمامهم سبل الانحراف والغواية ثم حميناهم بالقوانين التي سنناها لهم.. وفوجئ القضاة الآخرون الذين لم نستطع استقطابهم، لأن القانون المقدس يحمى من وصفوهم بأنهم قضاة النار وقضاة السلطان وقضاة الشيطان، يحميهم حتى من القضاء، وأصبح من الطبيعي، مادام القانون يحمى القضاة من تبعات مخالفة القانون أن يحمى كل رجالنا أيضا من أي مخالفة للقانون، و أسقط في أيدي الخارجين علينا، شنقناهم بالحبل الذي مددناه لهم، ولم يعد أمامهم إلا الانزواء انتظارا للانقراض.

لم يخل الأمر من مزالق خطرة لكننا استطعنا تجاوزها.. ولست أنسى على سبيل المثال ذلك القاضي الذي كان يحاكم حاكما غبيا وقع في شر أعماله لأنه لم يتبع نصائحنا.. وساءت الأمور حتى العزل والوقوف في المحكمة كمجرم.. وهنا بدأت آلتنا الجهنمية الرهيبة في تلميع القاضي الذي سيحاكمه.. دفعنا العامة للاعتقاد بأنه أعظم قاض في الدنيا وأشرف قاض في الدنيا وأنقى ضمير في الدنيا.. دفعنا الناس لذلك.. أما هو فقد دفعنا له طنا من الذهب.. ومر الأمر على الناس ولم يتهموا القاضي النزيه الشريف وإنما اتهموا الأجهزة التي لم تجمع له الأدلة وما كان له أن يخالف ضميره فيحكم بغير ما في الأوراق.. كانت عملية كاملة لولا أن القاضي كاد يكشفنا بحذلقة لم يكن لها أي داع.. لقد أورد في الحيثيات خمس آيات من القرآن الكريم..- نعم.. الكريم_ أخطأ في نطقها جميعا.

قد يتساءل بعضكم كيف لم يدفع ذلك الخطأ الناس إلى اكتشاف الأمر كله.. وأنا أجيبكم.. الإجهاد الفكري والخوف هما اللذان دفعاهم إلى الصمت.. تماما كالزوج الذي يشك في خيانة زوجته.. لكنه في اللحظة التي يجهر فيها بشكه لا بد له أن يهدم المعبد على من فيه.. لا بد له أن يدمر حياته كلها.. لذلك فهو يفضل الاستمرار تحت ثقل شك محتمل من الانهيار تحت وطأة انهيار أكيد..
أظنكم تفهموني جيدا..

لا أريد أن أحرجكم..


هل يوجد منكم واحد فقط يثق حتى اليقين في عفة زوجته؟ في أنها لم تكون علاقة مع هذا الضابط من الحرس أو هذا الفارس من الحاشية.. ومع ذلك فأنتم جميعا تصمتون. وهكذا شعوبكم.

في مرات أخرى كانت تصادف بعضكم قضايا عاجلة تريدون حكما معينا فيها دون أن يكون القاضي المسئول من أتباعكم. وأعترف أن أداءكم كان ممتازا. لمثل هذا القاضي كانت ترسل ليلة النطق بالحكم حقيبة تحتوي على عشر سبائك –أو مائة أو ألف- من الذهب.. ومظروفا يحتوي على شريط فيديو به موقف مشين لهذا القاضي.. وعلى الحكم المطلوب مكتوبا.. لم يحدث مرة واحدة أن رفض القاضي.

لكننا أيضا لابد أن نحذر من الممارسات الفجة والمبالغة في امتهان القضاة مثل تلك القضية التي اندفع فيها قاض غبي بدافع من فرط طمعه في تسليم رأس نبي إلى بغي.. أو تلك القضية الأخرى التي أريد فيها التنكيل بداعية فأمر القاضي بوضع لجام على فمه كي لا يتكلم لمدة شهرين..أمثال هؤلاء القضاة أغبياء يجب أن تتخلصوا منهم لأنهم يفضحون خطتنا..

لكن الكارثة الكبرى حدثت بالفعل في إحدى ممالككم .. ولا أسميها.. هندما انهارت المليارات ففسد القضاء كله وتتالت أحكام البراءة كالطوفان في قضايا لم يكن من الممكن الحكم بالبراءة فيها.. مثل هذه الخطوات الرعناء تفسد عملنا كله.. لأن الرعاع .. في اللحظة التي يقررون فيها تجاوز الشك لليقين..سينحون إلى المواجهة.. وسيفعلون في المحاكم والقضاة ما فعلوه في أقسام الشرطة وضباط الأمن في إحدى ممالككم منذ سنوات..

لقد تدنى الأمر حتى أن أحد القضاة خبط رأسه في الجدار حتى يصاب فيتهم غريمه.. وذلك تصرف صعلوك لا قاض..

لذلك كله فأنا أطالبكم بكبح أفعالكم لاستقطاب القضاء.. لا بد أن يبقى 10% من القضاة شرفاء – بمفهوم العامة- ..لأن تلك النسبة هي التي ستمكننا من خداع العامة وإيهامهم أن القضاة جميعا شرفاء مثل هذه النسبة.

ولقد كانت خطتنا مع النيابة أيسر بكثير، فلقد خدعناهم، بدأنا بهم صنوا للقضاء يرعبون العسس ويهيمنون عليهم وانتهينا بهم فرعا من العسس يرتعبون منهم ويخضعون لهم.. حولناهم جميعا إلى (...)[6]..

إن القانون الآن لعبتكم الكبرى، وعليكم الإبداع والابتداع فيه، لقد نجحنا في الفترات الماضية أن نجعل لكل مواطن جريمة ولكل قانون ثغرة، فنستطيع في أي وقت أن نجرّم من نشاء وأن نعفو عمن نشاء، لكننا لم ننه الأمر كله، فما تزال الساحة تنتظر إبداعكم.. لكن.. دون إفراط ولا تفريط.. أليس يقول رعاعكم أن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى!.

يجب أن تطوروا شعار" لكل مواطن جريمة " من بحث الجرائم الحقيقية التي يرتكبها المواطنون إلى دراسة كاملة لكل شخصية من جوانبها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والوظيفية والبيئية بحيث نتجاوز الجريمة المرتكبة إلى الجريمة المحتملة التي يمكن أن يدفع المواطن لارتكابها إذا تعرض لظروف معينة. ثم إن علي أجهزتكم أيضا أن تبحث لكل مواطن عن الجرائم التي يمكن أن تلفق له فيصدقها الناس . .

أما شعار" ثغرة لكل قانون " فإن عليكم تطويره هو الآخر إلى درجات متعددة . ففي الدرجة الأولى توجد الثغرات العادية الموجودة في كل قانون والتي يمكن للمتمرسين من المحامين استغلالها . وفى الدرجة التالية يجب استغلال قوانين منسية لم يتم إلغاؤها رسميا وإن كانت المحاكم قد كفت عن العمل بها حتى نسيت .. لكن الإبداع الأعظم الذي عليكم أن تستكملوا إنجازه فهو " إدارة تفصيل القوانين " والذي نجح معظمكم في إنشائها لكي تضم صفوة مختارة تدرس قوانين الماضي والحاضر واحتمالات المستقبل . و يتنبأ بظروف معينة ستستجد بعد عام مثلا أو حتى بعد عشرة أعوام.. فيُسن قانون يبدو في ظاهره بريئا ولا تدرك المعارضة ولا الرعاع خطورته . .
و يقدم هذا القانون إلى مجلس الأعيان فيوافق عليه دون ضجيج .. وتمر الأيام حتى يفاجأ الجميع بوضع مفاجئ لهم فقط يطبق فيه القانون الذي لم يدركوا حين سنّه خطورته.. إن ذلك يستلزم أن يكون هناك في مجلس الأعيان أعضاء جاهزون باستمرار لتلقى الأوامر لعرض قوانين جديدة يوافق مجلس الأعيان على الفور. إن دليل نجاحكم الباهر أنه لم يسجل في تاريخ مجلس الأعيان أنه رفض قانونا واحدا عرض عليه من قبل حكوماتكم .

يا جلالة الفخامات ويا فخامة الجلالات:

إن المهام المنوطة بكم صعبة.. وإننا جميعا نعانى من وحدة موحشة لا يعانى حتى هؤلاء الرعاع مثلها.. لقد حسموا أمرهم منذ زمان طويل .. وراحوا يعزون أنفسهم عن كل خيبة أمل يعانونها في الدنيا بما سوف يجدونه في الآخرة .. الآخرة سقفهم وغطاؤهم وعزاؤهم أما نحن فنعانى وحدة العاري بلا سقف أو غطاء أو عزاء.. وحدة من لا ينتظر شيئا .. وعالمنا المحدود يضيق بنا كل يوم.. لأن ما ينقضي منه لا يعود أبدا.. وليس لنا من عالم آخر نأمل فيه.. إننا بدون هذا العالم الآخر تعساء.. لكننا بوجوده نكون في وضع مأساوي لا حل له.. إلا حل خرافي لم يحدث في التاريخ إلا مرة.. عندما رفض مَلِكٌ المُلكَ .. وهرب في الصحراء حافيا حيث لم يعثر له أحد على أثر.. وما أظن واحدا منكم على استعداد لأن يفعل مثله..

فتذكروا دائما.. أننا لم نسمح لله بأن يشاركنا في رغباتنا وأهوائنا وحكمنا فكيف نسمح للرعاع والسفلة أن يشاركونا في الحكم..

لقد آن الأوان للانتقال إلى بروتوكول آخر.. فإلى الاجتماع القادم..

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق