بروتوكولات حكماء العرب -5-
آضغاث أحلام..؟!
دكتور محمد عباس
أعيش في كبد..
أهيم في كمد..
يروعني التساؤل لماذا اختصني المرسل المجهول بالمخطوط..
إذ لا ريب عندي أبدا .. أنه لم يفعل ذلك عبثا.. ولقد فهمت في البداية أن ما علىّ عمله هو أن أنسخ لكم يا إخواني هذا المخطوط.. أن أسربه إليكم .. لتعرفوا حجم المؤامرة عليكم..
لم يقل لي المرسل المجهول أبدا أن علىّ أن أفعل ذلك..
كما لم يقل لي أبدا أن علىّ أن أكتفي به.. وعندما رحت أنسخ المخطوط خفية وأوزعه عليكم يا ناس أحسست براحة بال من أنجز عملا.. و أدى واجبا.. غير آبه بما يكتنفه من مخاطر ولا راجيا منكم يا ناس شكرا ولا عرفانا.. محتسبا عند الله أمري.. مرتجيا منه أجرى.. لكنني سرعان ما أُبت إلى نفسي.. قلت لو أن ذلك هو المقصود لكان المرسل المجهول قد بث صورة للمخطوط على شبكة الإنترنت.. فإذا ما حاصروه كما حاصروني.. كان يستطيع حتى نسخه بنفسه وربطه بأجنحة الحمام الزاجل.. بل كان يستطيع الاستعانة بمن يكتب له المخطوط على حبات الأرز والقمح والشعير ثم ينثرها بين الناس.. فهناك من إخوتنا في الهند والصين وبنجلاديش و أماكن أخرى من كانوا يفعلون ذلك.. فلماذا لم يفعل أيا من ذلك واختارني ليرسل المخطوط لي.. لا ريب الآن عندي.. أن المطلوب منى أن أفعل شيئا ما أكثر من أن أنشر المخطوط بينكم يا ناس.. فالمخطوط نفسه لا يحتوى على جديد.. وما من كلمة فيه.. بل ما من حرف.. إلا والناس جميعا تعرفه.. نعم .. منذ أزمان بعيدة ..وأجيال عديدة.. ومعظم الناس قد اكتشفوا حقيقة أمرائهم وملوكهم ورؤساء جماعاتهم .. نعم.. يعلمون.. ولن يضيف المخطوط إلى علمهم مزيد علم.. لا أنكر أنه أكد ما نعرفه ووثقه.. فكان كإقرار المذنب.. الذي قد لا يجوز بدونه مهما تعددت القرائن إقامة حد.. كما أنه اختصر من الزمان والجهد الكثير كان يمكن أن ننزفه كي نقنع باقي الناس .. حسنى النية سليمي الطوية .. بحقيقة ما يحدث.. وأنه ليس خطأ مجتهد ولا خبط عشواء بل مقاصد قصاد.. تآمر متآمرين.. نفاق منافقين.. تحالفوا مع الأعداء علينا.. ليس أعداءنا فقط .. بل أعداء الله.. فكانوا وكلاءهم لدينا.. وأمراءهم علينا.. وصرنا – قصمهم الله – بين أيديهم كالأسرى.. إن قتلونا فهذا حقهم.. وإن أبقوا علينا فماذا نرجو منهم أكثر من ذلك.. فمجرد إبقائهم على حياتنا مِنّة..لنعيش بعد ذلك عبيد إحساناتهم.. وأسرى فضلهم.. لا يتوقعون منا أن نكف عن عبادتهم وتأليههم.. وكيف لا.. وقد منحونا الحياة التي كنا لا نستحقها .. بمحض عفوهم.. وكأنما كان مجرد وجودنا على ظهر الأرض – لا في باطنها - جريمتنا الكبرى.. التي تغاضوا عنها .. بفضلهم.. وكما لو أن جريمة ارتكابنا لفعل " الحياة " تهديد لوجودهم.. وبقائهم.. لكنهم آثرونا فراحوا يتوقعون منا أن نحفظ لهم الجميل فنعبدهم لا نشرك بهم شيئا.. وافترضوا أن توقفنا عن عبادتهم ردة لا يجزيها إلا الموت.. كانوا كالسرطان.. الذي إذا هاجمك من الخارج فأنت تحطمه وتقتله.. ولا يمكن له إذا نبت في جسد جارك أن ينتشر في جسدك..نعم .. كالسرطان الذي لا يستطيع أن يؤذيك.. إلا إذا نبت داخلك.. فتغذى دمك.. وعرف منك مكامن القوة وثغرات الضعف.. ليخدع وسائل الدفاع والحماية.. التي تحسبه من الجسد.. وما هو منه.. لكنه يهتبل الفرصة.. فيبدأ بالخداع بمعسول الكلام..وحلو الوعود.. والتمويه على ما يقصد .. حتى يتمكن ويسيطر .. فيمد أنيابه ومخالبه..ويلف أذرعا كأذرع الأخطبوط حول الجسد.. فلا يستطيع منه فكاكا.. لأنه في اللحظة التي يدرك فيها خطورة الأمر.. يكون الأمر نفسه قد انتهى..
نعم.. هذا كله معلوم.. لكن السؤال يبقى.. لماذا أرسل المرسل المجهول المخطوط إلىّ.. وإذا لم يكن المقصود مجرد نشره بين الناس فما هو المطلوب منى؟..
لا أعرف..
ولقد هدني أنني لا أعرف ماذا يجب علىّ أن أفعل.. وهدني أكثر إدراك غامض أنني إن لم أفعل شيئا ما فسوف أقع في المحظور وأورد نفسي موارد التهلكة.. ليس تهلكتى فما أهونها ما أهونها ما أهونها.. و إنما تهلكتكم أنتم يا ناس.. فلو أنني هلكت وحدي لالتمست من الله المعاذير يوم الحساب..ولقلت له: غلبني ضعفي يا رب لكنني لم أشرك بك أبدا فارحم ضعفي.. غلبني ضعفي يا رب.. فلم أقاوم.. لأن الحياة التي أفسدوها علىّ لم تكن تستحق عناء المقاومة.. بل كانت – وحق جلال وجهك يا رب – تدفعني للدعاء بنهاية الابتلاء بها.. وباختيار جوارك.. من أجل ذلك أرجو رحمتك قبل عدلك.. أستعيذ بوجهك الكريم وباسمك يا رحمن يا رحيم من عذابك.. وأطمع في غفران من يملك لمن لا يستحق.. لكن.. كان يمكن لذلك أن يجوز لو تعلق الأمر بي وحدي.. لكن كيف ألتمس المعاذير وقد تركت الناس يهلكون.. ولست أقصد هلاكا كذاك الذي حاق بأهل فلسطين أو العراق أو البوسنة والهرسك أو كوسوفا.. لست أقصد هلاكا كذاك الهلاك الذي كان يبيد جل الناس لكن من كان يبقى كان يقدر على التعويض وبداية الأمر من جديد.. لا أقصد هلاكا حتى كهلاك أهل الشيشان.. ما يرعبنى هلاك كهلاك أهل الأندلس.. أو كهلاك قوم عاد ولوط.. هلاك الانقراض.. هلاك كهلاك الفراعنة.. حين باد الناس واللغة والتاريخ فلم يبق منهم سوى المطمور من الآثار تحت الأرض.. هلاك لا يترك لنا حتى واحدا مجرد واحد يقص علينا ما جرى.. ولا يترك لنا أي وسيلة كي نعرف إن كان هلاكهم فعل ماض حدث وانقضى أم أنه فعل مضارع حدث وما يزال..
عندما تلقى مباحث أمن الوطن القبض على واحد منا فإن لحظة إلقاء القبض عليه ليست لحظة النهاية.. إنها لحظة النهاية لنا نحن.. فبعدها لن نعرف أبدا ما يحدث له.. أما هو فإن هذه اللحظة هي لحظة بداية الهول.. و أنا أخاف يا ناس أن يكون جهلي بما يجب علىّ أن أفعل بعد أن وصلني المخطوط هو الطريق إلى الهلاك المضارع.. هلاككم يا ناس.. هلاككم الذي لا يعد الموت له راحة.. ولا البقاء نجاة.. لأنكم إن بقيتم هلكتم.. وإن متّم هلكتم في النار.. لأنكم تركتم الشيطان يهلككم و يحكم ويكتب وينشر ويذيع ويسوس ويؤلف الأحزاب..
أعيش في كبد..
أهيم في كمد..
في النهار تطاردني الهموم والرعب والهواجس والفكر وعسس أمن الوطن .. وفى الليل تطاردني الكوابيس والأحلام والرؤى.. وفى حال مثل حالي يا ناس.. ليس لي أن أهمل أي حدث مهما ضؤل.. مهما بلغ من يقيني أنه لا علاقة له بما نحن فيه.. فإن كان يقيني يشي لي بذلك فكيف السبيل إلى اليقين بيقيني..
أليس واردا أن ما لا أراه أنا قد ترونه أنتم؟..
أليس واردا أن ما أعجز عن فهمه قد تفهمونه أنتم؟؟..
لذلك لن أهمل أمرا مهما بدا قليل الشأن منعدم الصلة.. حتى تلك الأشياء الصغيرة التي تثير الخجل.. سوف أنسخ لكم مع المخطوط كل ما يحدث في صحوى.. بل لن أغادر حتى ما يحدث في منامي .. فحتى الأحلام والكوابيس والرؤى يمكن أن تكون نبوءة أو تحذيرا أو إرشادا أو إشارة .. وكم من حقيقة باهرة .. عجزت عن الوصول إليها عقول الأنام.. حتى أتت حلما في منام.. ثم أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة.. وأنا لا أعرف يا ناس إن كانت رؤاي صادقة أم أنها أضغاث أحلام .. ثم أنني أخشى أن يصل إلىّ عسسهم فيقتلوني قبل أن أكمل تحذيري لكم..
فالوقت قليل قليل.. والمهمة صعبة وطويلة.. وما لدى من فضل زمن أستطيع فيه أن أمحص أحلامي.. كي أبقى الصادق وأستبعد الكذاب.. لذلك سأرويها كلها لكم.. لتمحصوها أنتم..
لكنني إذ أشرع أفعل ذاك .. أحذركم و أفجعكم و أبكيكم ..أصدمكم في الكلمات وبالكلمات.. إذ كيف أنقل لكم ما يحدث في الأحلام بلغة الواقع؟.. لقد تعودنا على الكذب حتى فقدنا الإحساس بأنه كذب .. وأنا أقول لكم أنني سأروى لكم أحلامي.. وأنتم تصدّقون.. فبأي لغة سأرويها.. هل بلغة الأحلام نفسها؟ .. فما هي لغة الأحلام؟!..
إننا في الواقع الذي نعيشه يوما بعد يوم نشترك في أشياء كثيرة.. لذلك كانت هناك لغات مشتركة نستطيع أن نتفاهم بها .. أما في الأحلام فإن كل واحد منا عالم بأكمله.. ولهذا العالم لغته الخاصة التي لا يفهمها من خارجه أحد..
هبوا أن واحدا منكم سافر إلى المريخ أو هبط إلى جوف الأرض.. لا .. قد يكون ذلك صعبا..
هبوا أن واحدا منكم دخل إلى قاعدة عسكرية إليكترونية..
كيف يصف لنا ما فيها .. كيف يصف ما لا يعرف.. ما لم ير له أبدا مثيلا ..
هبوا أنكم جئتم بواحد من العصور الخالية فعرضتم عليه سيارة.. كيف يصفها؟؟ .. وكيف يصف القطار وناطحة سحاب..
يا ناس .. إن العلاقة بين القلم وفرع الشجرة هي العلاقة بين ما أقوله لكم وما عليكم أن تفهموه ..
هل فكر واحد منكم في وسيلة الانتقال التي يستعملها في أحلامه؟ .. تلك الوسيلة التي تنقله من أدنى الدنيا إلى أقصاها في لمح البصر..
هل فكر واحد منكم في كنه الزمن داخل الحلم.. وكيف يمكن له أن يستوعب أعواما وأعواما في جزء من ثانية..
هل فكر واحد منكم كيف يسمع في منامه و أذنه نائمة.. وكيف يرى وعيناه مغلقتان.. وكيف يسير بلا قدم ويطير بلا جناح .. ويتفاهم بلا صوت ويفهم بلا لغة .. ويشبع بلا طعام ويرتوي دون شراب ويعيش بلا جسد.. ويغرق فلا يختنق .. وتشتعل النيران فيه فلا يحترق .. ويتعرض للحوادث الهائلة فلا يموت.. أو يموت ويصحو ثانية..
لماذا لم تنجح كل تكنولوجيا العصر في أن تدخل إلى الأحلام لتسجل أصواتها على شريط كاسيت؟!.. ومشاهدها على شريط فيديو؟!..
ما هو المنطق الذي تخضع لها الأحلام؟ وأي قوانين الطبيعة نطبق عليها؟!..
هل فكر واحد منكم أين الجسد الميت ميتته الصغرى من كل هذا ..
ألم يش كل هذا لكم بأي شيء.. ألم تفهموا بعد أن أحلامنا لا تنتم لعالمنا.. وأنها رمز خفي.. خفيف عصىّ.. مخيف.. لحياتنا الأخرى.. وأنها جزء من الغيب الذي تحاول بروتوكولات حكمائنا أن تسلبه منا.. إن كان لكل واحد منا غيبه الخاص داخل ذاته فكيف يريدون منا أن ننكر الغيب الأكبر..
لقد فكرت يا إخواني في كل هذا.. لكنني فكرت أيضا أن الشيطان يتسلل إلى أحلامنا أحيانا كي يسيطر علينا من داخلنا .. كالسرطان.. لذلك لا أعتمد على حلم مهما بلغت ثقتي فيه.. وليس لدى أي متسع من الوقت.. لذلك سأروى لكم أحلامي.. علّكم ترون فيها ما لم أر.. وتستنبطون ما لم أستنبط.. وتفهمون ما لم أفهم..
بالأمس كانت ليلتي كابوسا طويلا مستمرا كلما نجوت منه عدت للسقوط فيه..
كنت أجوس في شوارع المدينة.. رآني العسس فبدءوا في مطاردتي .. وهرعت أهرب.. كنت أجرى بأقصى ما أستطيع من سرعة.. وأحرك أقدامى بكل ما أملك من قوة.. لكنني لا أتحرك من مكاني..تماما كما يحدث على عجلات الجري الثابت حيث يجرى الإنسان في نفس المكان.. يجرى ولا يتحرك.. وكنت أرى المطاردين.. لا خلفي فقط.. بل خلفي وأمامي وحولي.. وكان الضابط ذو الجسد الناري ما يزال جالسا على مقعد الجمر سعيدا.. ينظر إلىّ ساخرا ويضحك.. وكانت لأوراق المخطوط بين يديه..كنت أراه فأزيد من مجهودي وسرعتي.. وبمحض الصدفة نظرت تحتي فرأيت عددا من الجنود يديرون شيئا.. دققت النظر فيهم.. فاكتشفت أنهم يديرون الأرض تحتي عكس اتجاه عدوى.. وكانوا يتضاحكون ويتغامزون ويسخرون.. كنت أسمعهم بلا أذن يتكلمون دون صوت ولا لسان ولا فم.. كانوا يقولون دعوه يظن أنه يهرب.. لكنني على الرغم من ذلك لم أتوقف عن المحاولة.. وهم يسخرون .. وأنا أهرب.. فلا أنا أتحرك.. ولا هم يمسكوني.. ولا المطاردة تتوقف.. ولا شيء يتغير..
وصحوت..
صحوت في كبد ..
ثم نمت في كمد ..
رأيت مبنى صحيفتنا الكبرى وفضائيتنا الأشهر يتألق بالأنوار.. كانت الدنيا ظلاما في ظلام.. وتلألأ المبنى بالأضواء الصاخبة كألعاب نارية.. قلت لنفسي ادخل واعرف أخبار الدنيا.. لم يمنعني الحراس.. ودخلت.. ذهلت.. كان المبنى مبغى.. مبغى.. مبغى.. وتحادثت مع الغرباء.. متى حولوا المبنى إلى دار بغاء؟.. وأجابوني: لم تتحول.. في الصبح تراها أكبر دار للصحف الوطنية وأشهر الشاشات الفضية أما في الليل فدار بغاء.. ذهلت..
سألتهم : متى حدث ما حدث ؟
فأجابوني أن ما يحدث يحدث منذ إنشاء الدار.. انصرفوا عنى وراحوا يعجبون من جهلي.. فهربت هربت حتى وجدت في نهاية البهو الأكبر شيخ مدينتي.. كان أنيقا.. في جبته وعمامته كان أنيقا.. قلت لنفسي ستفوتني صلاة الجماعة فهرعت إليه.. رأيت الناس يهرعون إليه .. قلت لنفسي .. أصلى خلفه أو أستفتيه هل يجوز أن يتحول المبنى في الصبح عن الليل.. ازدحم الناس فأخفوه عنى.. وسمعته يجهر بالقول .. سمعت : نويت.. سمعت: جماعة.. لكنني لم أسمع ما بينهما..
وقلت لنفسي: لم تتوضأ.. فذهبت أبحث عن مكان للوضوء فوجدت قوما يتوضئون باللبن فصرخت لا يجوز.. وأعرضت عنهم وأقبلت على غيرهم فوجدتهم يتوضئون بالخمر فصرخت لا يصلح.. وأعرضت عنهم فوجدت قوما يتوضئون بالدم فهالني الأمر ..
و قلت أعود لأسأل أين الماء؟.. وعدت.. وجدت الشيخ .. وجدت الشيخ.. وجدت الشيخ.. يزنى.. ومن حوله يزنون.. بكيت بكيت بكيت بكيت..هرعت إليه ..
جذبته: أشيخي أنت أم الشيطان؟.. هل يعبث بي فيتشبه بك .. فصرخ : إليك عنى ..
صرخت : هل تنفع صلواتي الماضية خلفك..
قال: جربت مثلها فنفعت ..
قلت : فكيف؟ ..
قال بالنهار أنا إمامك وبالليل موظف في الدار.. كان يصرخ وكنت أصرخ دونما أي صوت لكنني كنت أعرف أنه صراخ ..
وصحوت..
فنمت..
رأيت أبى في مرضه الأخير.. لكنني في الحلم لم أكن أعرف أنه مات.. كان يموت.. وكنت مرعوبا عليه وصدره يعلو ويهبط وأنفاسه تتحشرج.. هرعت إلى المستشفى.. لا أعرف كيف.. لكنني عندما أحسست بالخطر عليه قلت لنفسي : يجب أن نذهب للمستشفى على الفور.. وعلى الفور كنا في المستشفى.. دون أي وسيلة انتقال.. اهتم الطبيب.. ترك المرضى وتولاه.. وأنا لا أكف عن الصراخ : أنقذه أرحه.. فحصه الطبيب ثم أدار له ظهره متطلعا إلىّ في دهشة .. فصرخت : أنقذه أرحه .. فراح يرمقني في حزن.. فتساءلت : ماذا بك.. قال: يا مسكين.. قلبك أنت المعطوب لو عالجناك استراح .. نظرت إلى أبى فلم أر وجهه لكنني رأيت العتاب .. كان العتاب كستار يخفى وجهه.. كيف علمت أنه العتاب وكيف تجسد.. لا أدرى.. قلت سامحني يا أبى.. ما علمت إلا الآن أنه ليس طبيبا وإنما مشعوذ دجال.. فتحدث العتاب دون صوت : ما من أجل هذا أعاتب.. فقلت كأن لم أسمع هيا إلى طبيب لا يشعوذ.. فخرجنا من المستشفى إلى الشارع.. فلاحظت أمرا غريبا عجبت كيف غاب عنى.. كان الناس يسيرون في الشارع كالعادة.. وكان الشارع نصف مضيء ونصف مظلم.. أو ربما ربع مضيء والباقي مظلم.. كان الناس عاديين تماما.. أما أنا وأبى فقد كان حجمنا ثلاثة أضعاف حجم الرجل العادي.. ذهلت .. دققت في الأمر فاكتشفت السر على الفور.. فالأجساد ليست إلا وعاء يحتوينا.. كصندوق خشبي يحمى ما بداخله ويحمله.. كان حجمي داخل الصندوق الجسدي ضئيلا.. والصندوق كبير وثقيل.. أكبر بكثير مما أحتاج إليه.. وكان يعيقني كثوب فضفاض.. كنت منزويا داخل جسدي في حجم الناس العادي.. وكنت أحاول أن أتحرك.. وكان الصندوق الخشبي كنعش واقف.. كان أبى يسبقني.. قلت اركض.. أدركه واسأل.. لكن قدمي كانتا ثقيلتين في الأرض.. مغروستان في الأرض.. تغوصان في الأرض.. وأنا أجاهد وأجاهد .. والهواء ثقيل.. وكنت أسبح في الهواء.. والهواء ثقيل كالماء.. وكنت أسبح في الماء.. والماء ثقيل كالزيت .. وكنت أعوم في بحر من الزيت.. وكانت المسافة بيننا ثابتة.. ونحن نحبو.. وأنا أحاول أن أجرى فلا أقدر والناس حولنا عاديون تماما ولم أطلب نجدة ولا غوثا وكنت أعرف- لا أعرف كيف؟- أن أحدا منهم لا يرانا ولا يسمعنا .. وكانوا عاديين وكنا بينهم عملاقين أنا وأبى .. وكنت ما أزال أحاول.. لكن ثقل الزيت تكثف وازداد .. الزيت تجمد.. أدركت الخدعة.. صرخت بكل ما أستطيع من قوة فلم يخرج من فيهي صوت.. صرخت : حاذر يا أبى .. ليس هواء ولا ماء ولا زيتا.. إنه شمع.. إنهم يصطادوننا بالشمع.. سيتجمد حولنا وعلينا فنتحنط فيه كما يتحنط الذباب والفراش في الشمع .. لم يتكلم.. لم يتلفت.. لكن ستار العتاب الذي كان يخفى وجهه استدار وعاتب.. وساعتها أدركت فجأة أنه مات وأنه حزين لأنني لم أعرف بعد أنه مات حزين لأنه يعرف كم سأحزن حين أعرف .. بكيت بكيت بكيت لكنني تذكرت فعلا أنه مات فكيف نسيت؟.. وعرفت أنني أحلم فقلت لنفسي انتهز فرصة الحلم وتأمل وجهه املأ عينك من وجهه زود عينك من وجهه ارو قلبك من وجهه أشبع روحك من وجهه.. صرخت فيه: انظر إلىّ أونى وجهك أوحشني وجهك.. ما أعطشني ما أجوعني ما أشقاني.. كان غاضبا فلم يلتفت فخيل إلىّ أنى فهمت فصرخت فيه: أنت أرسلت المخطوط ؟ .. كيف لم أفهم؟.. فصحوت..
ونمت.. رأيت العسس يطاردونني وتكرر ذات الحلم الأسبق فجريت جريت جريت حتى صحوت فنمت فرأيتني متهما في محكمة والقاضي يجلس تحت تمثال امرأة معصوبة العينين فغافلته وهجمت على العصابة أنزعها فوجدت المرأة تختلس النظر.. وكنت خلفه فنظرت إلى قفاه فإذا وجه آخر فسألته : كيف لك وجهان؟.. فقال وجه للناس ووجه للشلطان فقلت : أتعنى السلطان أم الشيطان؟..
فصحوت.. فنمت.. ورأيت فأرا يقرض أوراق المخطوط فصرخت فانطلق يطاردني فهربت فرأيته يطارد قطا فصحوت فنمت فرأيت قطا هائلا يطارد كلبا هزيلا ذليلا فيأكله.. وصحوت فنمت فرأيت قردا يقود قطيعا من الأسود فدهشت فسألت أسدا منهم : كيف يقود القرد الأسد.. فكاد يجيب لكن القرد نظر إليه فارتعب فدس ذيله بين فخذيه وسجد أمامه ففهمت أنه مجبور على ذلك بعد إعلان الطوارئ فبكيت فصحوت فنمت فرأيت لصا يطارد شرطيا.. صرخت في الشرطي: انفخ صفارتك كي ينجدنا زملاؤك .. صرخ الشرطي: لم يبق أحد.. قلت : كذبت.. هذى البلدة تملؤها الشرطة.. قال: خُدعتَ.. إنما هم القراصنة و أعضاء المافيا يلبسون ملابس الشرطة التي اغتصبوها من زملائي الشهداء.. قلت كيف شهداء ولم يدافعوا عن ملابسهم قال في البلد كله لم يعد أحد يلبس ملابسه.. وهاهو واحد منهم يطاردنا الآن كي يسلبني ملابسي .. ثم أردف : يا مسكين.. أحسبت الشيخ الزاني شيخا.. ؟.. قلت: فماذا؟.. قال : سلب القواد الشيخ.. لبس ملابسه .. حلّ مكانه.. صرخت : فأين الشيخ ؟! قال: محبوس في القبو الحجري.. قلت: و أين القبو الحجري؟ قال: في القصر الصخري.. قلت فأين القصر الصخري؟.. قال: ومالك أنت؟!.. وواصل الجري فجريت معه واللص يجرى خلفنا فسألت الشرطي لماذا جاء القراصنة وأعضاء المافيا؟ قال: يبحثون عن مخطوط .. أدركنا اللص فأمسك بالشرطي فخلع ملابسه فذبحه فصرخت فيه: هذا حرام فنظر هازئا بل جادا وقال : تغيرت القوانين والأصول و أفتى الشيخ بما نقول.. قلت لا يجوز ذبحه فقال ألم تكن تريد أن تتوضأ؟ سأصفى لك من دمه ما يكفى وضوءك قلت لا يجوز ذبحه فقال: فتن علينا فقلت: لا يجوز ذبحه فقال : أنت لا تعرف لذة لحم البشر المشوي على أسياخ.. انتثر اللحم البشرى على الأسياخ على الفور.. شممت شواءه.. ناولني سيخا قال: تفضل قلت: لم تسمّ عليه .. فنظر نحوى نظرة أرعبتني فتحسست عنقي وطفقت أجرى و أجرى و أجرى حتى صحوت فنمت فرأيت القاضي ذا الوجهين .. فصرخت: ستهلك.. فصحوت.. فنمت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم فصحوت فنمت فرأيت عمودا أبيضا كأنه لؤلؤة وكان أبى يحمله ، قلت: ما تحمل، قال: عمود الإسلام لا أدرى أين أضعه.. وخلت أن العمود يميل فحلقت في السماء كي أضبطه وأسنده فساح الشمع تحت أبى فراح يغوص صرخت لا تذهب فكيف يستقر في الهواء غصن مقطوع جذره منبت أصله، ورحت أهوى في الفضاء بلا قرار بعد أن أفلت العمود من يدي.. وكنت أهوي وأهوي وأهوي ولكن الغريب أن العمود كان مستقرا في مكانه.. ولم يكن الميل بع بل بي.. فصحوت فنمت فرأيت قصر الملك لا باب له ولا نافذة ولا مدخل قطعة صماء من الحجر فرحت أطرق على الحجر..صرخت : أريد الملك.. فإذا بعابر سبيل يجيبني: هذا هو الملك.. فنظرت حيث يشير فإذا به يشير إلى القصر الصخري.. فعجبت وقلت هذا هو القصر الصخري فأين الملك؟ قال هو الملك ! فرحت أتحسسه وأنوح: قلبه حجر روحه حجر عقله حجر.. حجر حجر حجر.. فعلمت أن الشيخ محبوس فيه ورحت أبكى وأطرق عليه كي يجيب أو يستجيب.. فاستجاب أو هكذا شبه لي فربما نمت أثناء النوم وحلمت أثناء الحلم لا أدرى لكن القصر تغير وتحول فإذا به مبنى الصحيفة الكبرى والفضائية الأشهر فقلت أدخل أسأل فإذا الجميع في وجوم فسألت فقيل : مرسوم غريب صدر بمناسبة الطوارئ .. مرسوم أذاعته وكالات الأنباء .. قلت مرسوم أم إنذار.. فقيل: رفعت الأقلام.. لو أتيت منذ قليل لرأيت بنفسك .. قلت : ما نص المرسوم ؟ فقيل: أن يحل الكتاب محل الداعرات في بيوت الدعارة وتحل الداعرات مكان الكتاب في الصحف والفضائيات .. صرخت: فلنتمرد .. فلنعلن العصيان .. فقالوا : ما نحن إلا موظفون ..وخيم الصمت حتى وجدت كاتبا أعرفه يهمس ما أشد حزننا وعارنا فإذا بداعرة تصرخ: حزننا أشد وعارنا أكثر .. فصحوت..
صحوت صحوت صحوت.. بكيت بكيت بكيت..
أعيش في كبد ..
أهيم في كمد..
لكنني لا أريد أن أطيل عليكم.. ولست أريد أيضا أن يختفي المخطوط – وهو واجبي الأساسي – خلف أضغاث أحلامي التي لا أعرف لها معنى .. فلعلكم تعرفون.. وتفهمون ما عجزت عن فهمه..
ثمة حديث قصير سوف تحصلون بعده على راحة إجبارية لمدة أيام أو أسابيع يتم فيها تقييم أمور كثيرة.. أو على الأحرى إعادة تقييمها..
والحق أقول لكم : إني غاضب.. وعواقب غضبى لو تعلمون عظيمة..
لن أطيل.. فأسوأ ما يفعله المرء وهو غاضب أن يتحدث أو أن يفكر..
سوف أصارحكم على الفور بسبب غضبى:
تعلمون أن ما لدينا من أجهزة يستطيع أن يصور حتى علامات ملابسكم الداخلية بكل وضوح لنعرف مما صنعت وأين صنعت وكيف صنعت ومتى صنعت.. لن يكون غريبا إذن أن أصارحكم بأنني سمعت ما تهامستم به إلى بعضكم بعد الاجتماع الماضي حين رحتم تتحدثون عنى.. لا أقصد أن أسبب حرجا لأي أحد لذلك لن أذكر الأسماء بل سأذكر شذرات من نميمتكم..
- من هذا الرجل..؟
- أعظم رجل في الدنيا..
- لا تقل رجلا .. إنه الشيطان نفسه..
- إنه سيدنا وابن سيدنا..
- ومولانا وابن مولانا..
- إنه أحكم من فينا..
- و أعقل من فينا ..
- لولاه لهلكنا ..
- أطيعوني مرة وخالفوني العمر كله.. إنه الشيطان..
- عيب يا (…) نعرف أباه وأمه وجميع أفراد عائلته النبيلة..
- إذن فهو عميل للموساد والـCIA..
- لا نسمع بهذا التخريف ولا نرضى بإهانة هادينا ومعلمنا الحكمة..
- أطيعوني مرة و...
سوف أكتفي بهذا القدر مقررا أن هجاءكم لن يضرني ومديحكم لن ينفعني.. لكنني فقط أخشى عليكم من تسرب أفكار الجاهلية إليكم.. شيطان .. عميل.. موساد .. CIA .. ألم نتفق على ألا نعود إلى هذه المعاني أبدا .. ألم نتفق على أن هذا هو أسلوب الرعاع من شعوبكم .. أسلوب المؤمنين بالغيب فيستعيضون به عن الواقع.. فلو تسلل هذا الأسلوب –وهذه الطريقة للتفكير - إليكم اليوم فمن يعرف ما يحدث غدا.. إن بناءنا متين وعملاق لكنه قد يتقوض كله إزاء فيروس كهذا ينتشر بينكم..
إن صدور هذا الكلام ولو من واحد منكم دليل ثغرة.. وهذه الثغرة غير مسموح بها..
والآن .. هبوا أنني عميل للموساد والمخابرات الأمريكية.. هبوا أنني عميل للشيطان.. بل هبوا أنني الشيطان نفسه .. فلينسحب الآن من يرفض أن يتبعني ويتعلم منى..
...
لماذا لا ينسحب منكم واحد يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات ويا سمو السموات.. لماذا لم ينسحب أحد .. وهذا الطائش الذي سبني.. لماذا لم ينسحب.. هل خاف على عرشه؟..
لا.. لا يكفيني ذلك.. إنكم قلة تواجهون جيشا عرمرما من الرعاع وما لم تكونوا صفا واحدا لا ينفذ منه أي فكر غريب فسوف يمزقكم الرعاع شر ممزق..
لذلك لا يكفيني الآن صمتكم..
سوف أترك لكم الفرصة أياما و أياما كي تراجعوا أنفسكم وتحزموا أمركم..
إن ما سنتناوله في الجلسات القادمة خطير ومثير ولا أحب أن أخوض فيه وبينكم مرتد أو من توسوس له بالردة نفسه..
والآن هيا .. ولا يحضرن اجتماعنا القادم إلا من يؤمن بي..
نعم.. هذا كله معلوم.. لكن السؤال يبقى.. لماذا أرسل المرسل المجهول المخطوط إلىّ.. وإذا لم يكن المقصود مجرد نشره بين الناس فما هو المطلوب منى؟..
لا أعرف..
ولقد هدني أنني لا أعرف ماذا يجب علىّ أن أفعل.. وهدني أكثر إدراك غامض أنني إن لم أفعل شيئا ما فسوف أقع في المحظور وأورد نفسي موارد التهلكة.. ليس تهلكتى فما أهونها ما أهونها ما أهونها.. و إنما تهلكتكم أنتم يا ناس.. فلو أنني هلكت وحدي لالتمست من الله المعاذير يوم الحساب..ولقلت له: غلبني ضعفي يا رب لكنني لم أشرك بك أبدا فارحم ضعفي.. غلبني ضعفي يا رب.. فلم أقاوم.. لأن الحياة التي أفسدوها علىّ لم تكن تستحق عناء المقاومة.. بل كانت – وحق جلال وجهك يا رب – تدفعني للدعاء بنهاية الابتلاء بها.. وباختيار جوارك.. من أجل ذلك أرجو رحمتك قبل عدلك.. أستعيذ بوجهك الكريم وباسمك يا رحمن يا رحيم من عذابك.. وأطمع في غفران من يملك لمن لا يستحق.. لكن.. كان يمكن لذلك أن يجوز لو تعلق الأمر بي وحدي.. لكن كيف ألتمس المعاذير وقد تركت الناس يهلكون.. ولست أقصد هلاكا كذاك الذي حاق بأهل فلسطين أو العراق أو البوسنة والهرسك أو كوسوفا.. لست أقصد هلاكا كذاك الهلاك الذي كان يبيد جل الناس لكن من كان يبقى كان يقدر على التعويض وبداية الأمر من جديد.. لا أقصد هلاكا حتى كهلاك أهل الشيشان.. ما يرعبنى هلاك كهلاك أهل الأندلس.. أو كهلاك قوم عاد ولوط.. هلاك الانقراض.. هلاك كهلاك الفراعنة.. حين باد الناس واللغة والتاريخ فلم يبق منهم سوى المطمور من الآثار تحت الأرض.. هلاك لا يترك لنا حتى واحدا مجرد واحد يقص علينا ما جرى.. ولا يترك لنا أي وسيلة كي نعرف إن كان هلاكهم فعل ماض حدث وانقضى أم أنه فعل مضارع حدث وما يزال..
عندما تلقى مباحث أمن الوطن القبض على واحد منا فإن لحظة إلقاء القبض عليه ليست لحظة النهاية.. إنها لحظة النهاية لنا نحن.. فبعدها لن نعرف أبدا ما يحدث له.. أما هو فإن هذه اللحظة هي لحظة بداية الهول.. و أنا أخاف يا ناس أن يكون جهلي بما يجب علىّ أن أفعل بعد أن وصلني المخطوط هو الطريق إلى الهلاك المضارع.. هلاككم يا ناس.. هلاككم الذي لا يعد الموت له راحة.. ولا البقاء نجاة.. لأنكم إن بقيتم هلكتم.. وإن متّم هلكتم في النار.. لأنكم تركتم الشيطان يهلككم و يحكم ويكتب وينشر ويذيع ويسوس ويؤلف الأحزاب..
أعيش في كبد..
أهيم في كمد..
في النهار تطاردني الهموم والرعب والهواجس والفكر وعسس أمن الوطن .. وفى الليل تطاردني الكوابيس والأحلام والرؤى.. وفى حال مثل حالي يا ناس.. ليس لي أن أهمل أي حدث مهما ضؤل.. مهما بلغ من يقيني أنه لا علاقة له بما نحن فيه.. فإن كان يقيني يشي لي بذلك فكيف السبيل إلى اليقين بيقيني..
أليس واردا أن ما لا أراه أنا قد ترونه أنتم؟..
أليس واردا أن ما أعجز عن فهمه قد تفهمونه أنتم؟؟..
لذلك لن أهمل أمرا مهما بدا قليل الشأن منعدم الصلة.. حتى تلك الأشياء الصغيرة التي تثير الخجل.. سوف أنسخ لكم مع المخطوط كل ما يحدث في صحوى.. بل لن أغادر حتى ما يحدث في منامي .. فحتى الأحلام والكوابيس والرؤى يمكن أن تكون نبوءة أو تحذيرا أو إرشادا أو إشارة .. وكم من حقيقة باهرة .. عجزت عن الوصول إليها عقول الأنام.. حتى أتت حلما في منام.. ثم أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة.. وأنا لا أعرف يا ناس إن كانت رؤاي صادقة أم أنها أضغاث أحلام .. ثم أنني أخشى أن يصل إلىّ عسسهم فيقتلوني قبل أن أكمل تحذيري لكم..
فالوقت قليل قليل.. والمهمة صعبة وطويلة.. وما لدى من فضل زمن أستطيع فيه أن أمحص أحلامي.. كي أبقى الصادق وأستبعد الكذاب.. لذلك سأرويها كلها لكم.. لتمحصوها أنتم..
لكنني إذ أشرع أفعل ذاك .. أحذركم و أفجعكم و أبكيكم ..أصدمكم في الكلمات وبالكلمات.. إذ كيف أنقل لكم ما يحدث في الأحلام بلغة الواقع؟.. لقد تعودنا على الكذب حتى فقدنا الإحساس بأنه كذب .. وأنا أقول لكم أنني سأروى لكم أحلامي.. وأنتم تصدّقون.. فبأي لغة سأرويها.. هل بلغة الأحلام نفسها؟ .. فما هي لغة الأحلام؟!..
إننا في الواقع الذي نعيشه يوما بعد يوم نشترك في أشياء كثيرة.. لذلك كانت هناك لغات مشتركة نستطيع أن نتفاهم بها .. أما في الأحلام فإن كل واحد منا عالم بأكمله.. ولهذا العالم لغته الخاصة التي لا يفهمها من خارجه أحد..
هبوا أن واحدا منكم سافر إلى المريخ أو هبط إلى جوف الأرض.. لا .. قد يكون ذلك صعبا..
هبوا أن واحدا منكم دخل إلى قاعدة عسكرية إليكترونية..
كيف يصف لنا ما فيها .. كيف يصف ما لا يعرف.. ما لم ير له أبدا مثيلا ..
هبوا أنكم جئتم بواحد من العصور الخالية فعرضتم عليه سيارة.. كيف يصفها؟؟ .. وكيف يصف القطار وناطحة سحاب..
هبوا أنكم جئتم بأكبر عالم من عصور الفراعنة وعرضتم عليه قلم رصاص.. مجرد قلم رصاص.. كيف يصفه إلا أن يشبهه بفرع شجرة.. كيف إذن أنقل لكم ما أرى في أحلامي وليس للأحلام بيننا لغة.. والمعارف تصل إلى الوجدان دونما حاجة لترجمتها بالكلمات ..
يا ناس .. إن العلاقة بين القلم وفرع الشجرة هي العلاقة بين ما أقوله لكم وما عليكم أن تفهموه ..
هل فكر واحد منكم في وسيلة الانتقال التي يستعملها في أحلامه؟ .. تلك الوسيلة التي تنقله من أدنى الدنيا إلى أقصاها في لمح البصر..
هل فكر واحد منكم في كنه الزمن داخل الحلم.. وكيف يمكن له أن يستوعب أعواما وأعواما في جزء من ثانية..
هل فكر واحد منكم كيف يسمع في منامه و أذنه نائمة.. وكيف يرى وعيناه مغلقتان.. وكيف يسير بلا قدم ويطير بلا جناح .. ويتفاهم بلا صوت ويفهم بلا لغة .. ويشبع بلا طعام ويرتوي دون شراب ويعيش بلا جسد.. ويغرق فلا يختنق .. وتشتعل النيران فيه فلا يحترق .. ويتعرض للحوادث الهائلة فلا يموت.. أو يموت ويصحو ثانية..
لماذا لم تنجح كل تكنولوجيا العصر في أن تدخل إلى الأحلام لتسجل أصواتها على شريط كاسيت؟!.. ومشاهدها على شريط فيديو؟!..
ما هو المنطق الذي تخضع لها الأحلام؟ وأي قوانين الطبيعة نطبق عليها؟!..
هل فكر واحد منكم أين الجسد الميت ميتته الصغرى من كل هذا ..
ألم يش كل هذا لكم بأي شيء.. ألم تفهموا بعد أن أحلامنا لا تنتم لعالمنا.. وأنها رمز خفي.. خفيف عصىّ.. مخيف.. لحياتنا الأخرى.. وأنها جزء من الغيب الذي تحاول بروتوكولات حكمائنا أن تسلبه منا.. إن كان لكل واحد منا غيبه الخاص داخل ذاته فكيف يريدون منا أن ننكر الغيب الأكبر..
لقد فكرت يا إخواني في كل هذا.. لكنني فكرت أيضا أن الشيطان يتسلل إلى أحلامنا أحيانا كي يسيطر علينا من داخلنا .. كالسرطان.. لذلك لا أعتمد على حلم مهما بلغت ثقتي فيه.. وليس لدى أي متسع من الوقت.. لذلك سأروى لكم أحلامي.. علّكم ترون فيها ما لم أر.. وتستنبطون ما لم أستنبط.. وتفهمون ما لم أفهم..
بالأمس كانت ليلتي كابوسا طويلا مستمرا كلما نجوت منه عدت للسقوط فيه..
كنت أجوس في شوارع المدينة.. رآني العسس فبدءوا في مطاردتي .. وهرعت أهرب.. كنت أجرى بأقصى ما أستطيع من سرعة.. وأحرك أقدامى بكل ما أملك من قوة.. لكنني لا أتحرك من مكاني..تماما كما يحدث على عجلات الجري الثابت حيث يجرى الإنسان في نفس المكان.. يجرى ولا يتحرك.. وكنت أرى المطاردين.. لا خلفي فقط.. بل خلفي وأمامي وحولي.. وكان الضابط ذو الجسد الناري ما يزال جالسا على مقعد الجمر سعيدا.. ينظر إلىّ ساخرا ويضحك.. وكانت لأوراق المخطوط بين يديه..كنت أراه فأزيد من مجهودي وسرعتي.. وبمحض الصدفة نظرت تحتي فرأيت عددا من الجنود يديرون شيئا.. دققت النظر فيهم.. فاكتشفت أنهم يديرون الأرض تحتي عكس اتجاه عدوى.. وكانوا يتضاحكون ويتغامزون ويسخرون.. كنت أسمعهم بلا أذن يتكلمون دون صوت ولا لسان ولا فم.. كانوا يقولون دعوه يظن أنه يهرب.. لكنني على الرغم من ذلك لم أتوقف عن المحاولة.. وهم يسخرون .. وأنا أهرب.. فلا أنا أتحرك.. ولا هم يمسكوني.. ولا المطاردة تتوقف.. ولا شيء يتغير..
وصحوت..
صحوت في كبد ..
ثم نمت في كمد ..
رأيت مبنى صحيفتنا الكبرى وفضائيتنا الأشهر يتألق بالأنوار.. كانت الدنيا ظلاما في ظلام.. وتلألأ المبنى بالأضواء الصاخبة كألعاب نارية.. قلت لنفسي ادخل واعرف أخبار الدنيا.. لم يمنعني الحراس.. ودخلت.. ذهلت.. كان المبنى مبغى.. مبغى.. مبغى.. وتحادثت مع الغرباء.. متى حولوا المبنى إلى دار بغاء؟.. وأجابوني: لم تتحول.. في الصبح تراها أكبر دار للصحف الوطنية وأشهر الشاشات الفضية أما في الليل فدار بغاء.. ذهلت..
سألتهم : متى حدث ما حدث ؟
فأجابوني أن ما يحدث يحدث منذ إنشاء الدار.. انصرفوا عنى وراحوا يعجبون من جهلي.. فهربت هربت حتى وجدت في نهاية البهو الأكبر شيخ مدينتي.. كان أنيقا.. في جبته وعمامته كان أنيقا.. قلت لنفسي ستفوتني صلاة الجماعة فهرعت إليه.. رأيت الناس يهرعون إليه .. قلت لنفسي .. أصلى خلفه أو أستفتيه هل يجوز أن يتحول المبنى في الصبح عن الليل.. ازدحم الناس فأخفوه عنى.. وسمعته يجهر بالقول .. سمعت : نويت.. سمعت: جماعة.. لكنني لم أسمع ما بينهما..
وقلت لنفسي: لم تتوضأ.. فذهبت أبحث عن مكان للوضوء فوجدت قوما يتوضئون باللبن فصرخت لا يجوز.. وأعرضت عنهم وأقبلت على غيرهم فوجدتهم يتوضئون بالخمر فصرخت لا يصلح.. وأعرضت عنهم فوجدت قوما يتوضئون بالدم فهالني الأمر ..
و قلت أعود لأسأل أين الماء؟.. وعدت.. وجدت الشيخ .. وجدت الشيخ.. وجدت الشيخ.. يزنى.. ومن حوله يزنون.. بكيت بكيت بكيت بكيت..هرعت إليه ..
جذبته: أشيخي أنت أم الشيطان؟.. هل يعبث بي فيتشبه بك .. فصرخ : إليك عنى ..
صرخت : هل تنفع صلواتي الماضية خلفك..
قال: جربت مثلها فنفعت ..
قلت : فكيف؟ ..
قال بالنهار أنا إمامك وبالليل موظف في الدار.. كان يصرخ وكنت أصرخ دونما أي صوت لكنني كنت أعرف أنه صراخ ..
وصحوت..
فنمت..
رأيت أبى في مرضه الأخير.. لكنني في الحلم لم أكن أعرف أنه مات.. كان يموت.. وكنت مرعوبا عليه وصدره يعلو ويهبط وأنفاسه تتحشرج.. هرعت إلى المستشفى.. لا أعرف كيف.. لكنني عندما أحسست بالخطر عليه قلت لنفسي : يجب أن نذهب للمستشفى على الفور.. وعلى الفور كنا في المستشفى.. دون أي وسيلة انتقال.. اهتم الطبيب.. ترك المرضى وتولاه.. وأنا لا أكف عن الصراخ : أنقذه أرحه.. فحصه الطبيب ثم أدار له ظهره متطلعا إلىّ في دهشة .. فصرخت : أنقذه أرحه .. فراح يرمقني في حزن.. فتساءلت : ماذا بك.. قال: يا مسكين.. قلبك أنت المعطوب لو عالجناك استراح .. نظرت إلى أبى فلم أر وجهه لكنني رأيت العتاب .. كان العتاب كستار يخفى وجهه.. كيف علمت أنه العتاب وكيف تجسد.. لا أدرى.. قلت سامحني يا أبى.. ما علمت إلا الآن أنه ليس طبيبا وإنما مشعوذ دجال.. فتحدث العتاب دون صوت : ما من أجل هذا أعاتب.. فقلت كأن لم أسمع هيا إلى طبيب لا يشعوذ.. فخرجنا من المستشفى إلى الشارع.. فلاحظت أمرا غريبا عجبت كيف غاب عنى.. كان الناس يسيرون في الشارع كالعادة.. وكان الشارع نصف مضيء ونصف مظلم.. أو ربما ربع مضيء والباقي مظلم.. كان الناس عاديين تماما.. أما أنا وأبى فقد كان حجمنا ثلاثة أضعاف حجم الرجل العادي.. ذهلت .. دققت في الأمر فاكتشفت السر على الفور.. فالأجساد ليست إلا وعاء يحتوينا.. كصندوق خشبي يحمى ما بداخله ويحمله.. كان حجمي داخل الصندوق الجسدي ضئيلا.. والصندوق كبير وثقيل.. أكبر بكثير مما أحتاج إليه.. وكان يعيقني كثوب فضفاض.. كنت منزويا داخل جسدي في حجم الناس العادي.. وكنت أحاول أن أتحرك.. وكان الصندوق الخشبي كنعش واقف.. كان أبى يسبقني.. قلت اركض.. أدركه واسأل.. لكن قدمي كانتا ثقيلتين في الأرض.. مغروستان في الأرض.. تغوصان في الأرض.. وأنا أجاهد وأجاهد .. والهواء ثقيل.. وكنت أسبح في الهواء.. والهواء ثقيل كالماء.. وكنت أسبح في الماء.. والماء ثقيل كالزيت .. وكنت أعوم في بحر من الزيت.. وكانت المسافة بيننا ثابتة.. ونحن نحبو.. وأنا أحاول أن أجرى فلا أقدر والناس حولنا عاديون تماما ولم أطلب نجدة ولا غوثا وكنت أعرف- لا أعرف كيف؟- أن أحدا منهم لا يرانا ولا يسمعنا .. وكانوا عاديين وكنا بينهم عملاقين أنا وأبى .. وكنت ما أزال أحاول.. لكن ثقل الزيت تكثف وازداد .. الزيت تجمد.. أدركت الخدعة.. صرخت بكل ما أستطيع من قوة فلم يخرج من فيهي صوت.. صرخت : حاذر يا أبى .. ليس هواء ولا ماء ولا زيتا.. إنه شمع.. إنهم يصطادوننا بالشمع.. سيتجمد حولنا وعلينا فنتحنط فيه كما يتحنط الذباب والفراش في الشمع .. لم يتكلم.. لم يتلفت.. لكن ستار العتاب الذي كان يخفى وجهه استدار وعاتب.. وساعتها أدركت فجأة أنه مات وأنه حزين لأنني لم أعرف بعد أنه مات حزين لأنه يعرف كم سأحزن حين أعرف .. بكيت بكيت بكيت لكنني تذكرت فعلا أنه مات فكيف نسيت؟.. وعرفت أنني أحلم فقلت لنفسي انتهز فرصة الحلم وتأمل وجهه املأ عينك من وجهه زود عينك من وجهه ارو قلبك من وجهه أشبع روحك من وجهه.. صرخت فيه: انظر إلىّ أونى وجهك أوحشني وجهك.. ما أعطشني ما أجوعني ما أشقاني.. كان غاضبا فلم يلتفت فخيل إلىّ أنى فهمت فصرخت فيه: أنت أرسلت المخطوط ؟ .. كيف لم أفهم؟.. فصحوت..
ونمت.. رأيت العسس يطاردونني وتكرر ذات الحلم الأسبق فجريت جريت جريت حتى صحوت فنمت فرأيتني متهما في محكمة والقاضي يجلس تحت تمثال امرأة معصوبة العينين فغافلته وهجمت على العصابة أنزعها فوجدت المرأة تختلس النظر.. وكنت خلفه فنظرت إلى قفاه فإذا وجه آخر فسألته : كيف لك وجهان؟.. فقال وجه للناس ووجه للشلطان فقلت : أتعنى السلطان أم الشيطان؟..
فصحوت.. فنمت.. ورأيت فأرا يقرض أوراق المخطوط فصرخت فانطلق يطاردني فهربت فرأيته يطارد قطا فصحوت فنمت فرأيت قطا هائلا يطارد كلبا هزيلا ذليلا فيأكله.. وصحوت فنمت فرأيت قردا يقود قطيعا من الأسود فدهشت فسألت أسدا منهم : كيف يقود القرد الأسد.. فكاد يجيب لكن القرد نظر إليه فارتعب فدس ذيله بين فخذيه وسجد أمامه ففهمت أنه مجبور على ذلك بعد إعلان الطوارئ فبكيت فصحوت فنمت فرأيت لصا يطارد شرطيا.. صرخت في الشرطي: انفخ صفارتك كي ينجدنا زملاؤك .. صرخ الشرطي: لم يبق أحد.. قلت : كذبت.. هذى البلدة تملؤها الشرطة.. قال: خُدعتَ.. إنما هم القراصنة و أعضاء المافيا يلبسون ملابس الشرطة التي اغتصبوها من زملائي الشهداء.. قلت كيف شهداء ولم يدافعوا عن ملابسهم قال في البلد كله لم يعد أحد يلبس ملابسه.. وهاهو واحد منهم يطاردنا الآن كي يسلبني ملابسي .. ثم أردف : يا مسكين.. أحسبت الشيخ الزاني شيخا.. ؟.. قلت: فماذا؟.. قال : سلب القواد الشيخ.. لبس ملابسه .. حلّ مكانه.. صرخت : فأين الشيخ ؟! قال: محبوس في القبو الحجري.. قلت: و أين القبو الحجري؟ قال: في القصر الصخري.. قلت فأين القصر الصخري؟.. قال: ومالك أنت؟!.. وواصل الجري فجريت معه واللص يجرى خلفنا فسألت الشرطي لماذا جاء القراصنة وأعضاء المافيا؟ قال: يبحثون عن مخطوط .. أدركنا اللص فأمسك بالشرطي فخلع ملابسه فذبحه فصرخت فيه: هذا حرام فنظر هازئا بل جادا وقال : تغيرت القوانين والأصول و أفتى الشيخ بما نقول.. قلت لا يجوز ذبحه فقال ألم تكن تريد أن تتوضأ؟ سأصفى لك من دمه ما يكفى وضوءك قلت لا يجوز ذبحه فقال: فتن علينا فقلت: لا يجوز ذبحه فقال : أنت لا تعرف لذة لحم البشر المشوي على أسياخ.. انتثر اللحم البشرى على الأسياخ على الفور.. شممت شواءه.. ناولني سيخا قال: تفضل قلت: لم تسمّ عليه .. فنظر نحوى نظرة أرعبتني فتحسست عنقي وطفقت أجرى و أجرى و أجرى حتى صحوت فنمت فرأيت القاضي ذا الوجهين .. فصرخت: ستهلك.. فصحوت.. فنمت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم فصحوت فنمت فرأيت عمودا أبيضا كأنه لؤلؤة وكان أبى يحمله ، قلت: ما تحمل، قال: عمود الإسلام لا أدرى أين أضعه.. وخلت أن العمود يميل فحلقت في السماء كي أضبطه وأسنده فساح الشمع تحت أبى فراح يغوص صرخت لا تذهب فكيف يستقر في الهواء غصن مقطوع جذره منبت أصله، ورحت أهوى في الفضاء بلا قرار بعد أن أفلت العمود من يدي.. وكنت أهوي وأهوي وأهوي ولكن الغريب أن العمود كان مستقرا في مكانه.. ولم يكن الميل بع بل بي.. فصحوت فنمت فرأيت قصر الملك لا باب له ولا نافذة ولا مدخل قطعة صماء من الحجر فرحت أطرق على الحجر..صرخت : أريد الملك.. فإذا بعابر سبيل يجيبني: هذا هو الملك.. فنظرت حيث يشير فإذا به يشير إلى القصر الصخري.. فعجبت وقلت هذا هو القصر الصخري فأين الملك؟ قال هو الملك ! فرحت أتحسسه وأنوح: قلبه حجر روحه حجر عقله حجر.. حجر حجر حجر.. فعلمت أن الشيخ محبوس فيه ورحت أبكى وأطرق عليه كي يجيب أو يستجيب.. فاستجاب أو هكذا شبه لي فربما نمت أثناء النوم وحلمت أثناء الحلم لا أدرى لكن القصر تغير وتحول فإذا به مبنى الصحيفة الكبرى والفضائية الأشهر فقلت أدخل أسأل فإذا الجميع في وجوم فسألت فقيل : مرسوم غريب صدر بمناسبة الطوارئ .. مرسوم أذاعته وكالات الأنباء .. قلت مرسوم أم إنذار.. فقيل: رفعت الأقلام.. لو أتيت منذ قليل لرأيت بنفسك .. قلت : ما نص المرسوم ؟ فقيل: أن يحل الكتاب محل الداعرات في بيوت الدعارة وتحل الداعرات مكان الكتاب في الصحف والفضائيات .. صرخت: فلنتمرد .. فلنعلن العصيان .. فقالوا : ما نحن إلا موظفون ..وخيم الصمت حتى وجدت كاتبا أعرفه يهمس ما أشد حزننا وعارنا فإذا بداعرة تصرخ: حزننا أشد وعارنا أكثر .. فصحوت..
صحوت صحوت صحوت.. بكيت بكيت بكيت..
أعيش في كبد ..
أهيم في كمد..
لكنني لا أريد أن أطيل عليكم.. ولست أريد أيضا أن يختفي المخطوط – وهو واجبي الأساسي – خلف أضغاث أحلامي التي لا أعرف لها معنى .. فلعلكم تعرفون.. وتفهمون ما عجزت عن فهمه..
والآن .. هيا إلى المخطوط:
أيها الجلالات والفخامات والسموات..
أصارحكم أننا لن نتحدث اليوم في البروتوكول الرابع..
والحق أقول لكم : إني غاضب.. وعواقب غضبى لو تعلمون عظيمة..
لن أطيل.. فأسوأ ما يفعله المرء وهو غاضب أن يتحدث أو أن يفكر..
سوف أصارحكم على الفور بسبب غضبى:
تعلمون أن ما لدينا من أجهزة يستطيع أن يصور حتى علامات ملابسكم الداخلية بكل وضوح لنعرف مما صنعت وأين صنعت وكيف صنعت ومتى صنعت.. لن يكون غريبا إذن أن أصارحكم بأنني سمعت ما تهامستم به إلى بعضكم بعد الاجتماع الماضي حين رحتم تتحدثون عنى.. لا أقصد أن أسبب حرجا لأي أحد لذلك لن أذكر الأسماء بل سأذكر شذرات من نميمتكم..
- من هذا الرجل..؟
- أعظم رجل في الدنيا..
- لا تقل رجلا .. إنه الشيطان نفسه..
- إنه سيدنا وابن سيدنا..
- ومولانا وابن مولانا..
- إنه أحكم من فينا..
- و أعقل من فينا ..
- لولاه لهلكنا ..
- أطيعوني مرة وخالفوني العمر كله.. إنه الشيطان..
- عيب يا (…) نعرف أباه وأمه وجميع أفراد عائلته النبيلة..
- إذن فهو عميل للموساد والـCIA..
- لا نسمع بهذا التخريف ولا نرضى بإهانة هادينا ومعلمنا الحكمة..
- أطيعوني مرة و...
سوف أكتفي بهذا القدر مقررا أن هجاءكم لن يضرني ومديحكم لن ينفعني.. لكنني فقط أخشى عليكم من تسرب أفكار الجاهلية إليكم.. شيطان .. عميل.. موساد .. CIA .. ألم نتفق على ألا نعود إلى هذه المعاني أبدا .. ألم نتفق على أن هذا هو أسلوب الرعاع من شعوبكم .. أسلوب المؤمنين بالغيب فيستعيضون به عن الواقع.. فلو تسلل هذا الأسلوب –وهذه الطريقة للتفكير - إليكم اليوم فمن يعرف ما يحدث غدا.. إن بناءنا متين وعملاق لكنه قد يتقوض كله إزاء فيروس كهذا ينتشر بينكم..
إن صدور هذا الكلام ولو من واحد منكم دليل ثغرة.. وهذه الثغرة غير مسموح بها..
والآن .. هبوا أنني عميل للموساد والمخابرات الأمريكية.. هبوا أنني عميل للشيطان.. بل هبوا أنني الشيطان نفسه .. فلينسحب الآن من يرفض أن يتبعني ويتعلم منى..
...
لا.. لا يكفيني ذلك.. إنكم قلة تواجهون جيشا عرمرما من الرعاع وما لم تكونوا صفا واحدا لا ينفذ منه أي فكر غريب فسوف يمزقكم الرعاع شر ممزق..
لذلك لا يكفيني الآن صمتكم..
سوف أترك لكم الفرصة أياما و أياما كي تراجعوا أنفسكم وتحزموا أمركم..
إن ما سنتناوله في الجلسات القادمة خطير ومثير ولا أحب أن أخوض فيه وبينكم مرتد أو من توسوس له بالردة نفسه..
والآن هيا .. ولا يحضرن اجتماعنا القادم إلا من يؤمن بي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق