شعب جنيفر واقتحام الأقصى
شعب جنيفر واقتحام الأقصى
وائل قنديل
في يوم التروية، جاءوا بالمغنية جنيفر لوبيز، رأسًا من الكيان الصهيوني، للاحتفال مع شعب ساحل مصر الشمالي. وفي يوم العيد الأكبر، كانوا يهاجمون المسجد الأقصى، في محاولة متكررة لاقتحامه.
في الساحل الشمالي، عزل النظام نفسه عن عموم المصريين، مكتفيًا بتلك الشريحة من الشعب التي تراها في حفلات مؤتمر الشباب، أو في أعياد ركوب الجنرال الدرّاجة، يلهو ويلعب ويرقص معها على إيقاعات المطربة ذات الميول الصهيونية، فيما كان شعب مصر الحقيقي لا يزال يمسح بقايا دموع على شهداء مذبحة معهد الأورام، ويقاوم دموع العجز وقلة الحيلة، مع دخول العيد، في ظل أوضاع اقتصادية تكوي ظهور البسطاء، ويتحدّث عن الأثرياء باعتبارها الرخاء والازدهار.
نعم، لقد قسّموها إلى دولتين وشعبين وجمهورين، بينهما جدار عازل يجسّد أوضح صور الفصل العنصري، وهو وضع نموذجي ليشعر فيه المسحوقون بوطأة الفقر والحاجة، ويشعر معه المرفهون بالانتعاش والتحسّن الاقتصادي، إذ لولا الإمعان في حرمان وإفقار الشعب الأول لما شعر الشعب الثاني بالنماء والرخاء والرفاهية.
من العبث أن تحدث الشعب الثاني بلغة فلسطين، ستبدو بنظرهم قادمًا من كوكب آخر ومنتميًا لزمن آخر، لو كلمتهم عن قدسية الأرض والتراب والشهداء والدم المسفوك في فلسطين، وفي الزنازين والبيوت، وعلى أرصفة الشوارع، سينظرون إليك باستغراب، إذا حدثتهم عن التطبيع والاحتلال والعدو والشقيق، فتلك لغة ومفردات متحفية، لم يعد يستشعرها أو يهتم بها أحد.
هم لا يرون إلا ما يريد لهم الجنرال أن يروه، وبما أنه قرّر، في أحدث إطلالاته، أنه لا فقراء في مصر، فلا فقر ولا فقراء هناك، وكل كلام بهذا الخصوص هو دعايات مغرضة تستهدف تقويض بنيان الوطن.. هذا الوطن الممتد من عاصمتهم الجديدة إلى منتجعاتهم في الساحل الشمالي.
في مرحلة سابقة، لا تبعد كثيرًا عنا، كان الحديث عما يدور في عالم مجتمع الصفوة في منتجعات الساحل الشمالي، ينتمي إلى عالم الغرائب والعجائب المطمورة، ولا يصل من تفاصيله إلى عموم الناس إلا ما تستطيع النميمة الصحافية تسريبه ونشره، تحسبًا لإثارة غضب وحسد الأغلبية المطحونة، أما الآن فقد صاروا يبالغون في التغطية والنشر على أوسع نطاق، وكأنهم مطمئنون إلى أنه ليس ثمة شعب غيرهم، يغضب ويعبر عن غضبه ويثور طلبًا للعدالة والمساواة، أو أنهم، وهذا هو الأقرب للحقيقة، لا يرون أبعد من حدود وطنهم المغلق عليهم، وبالتالي لا حياة أخرى على أرض مصر إلا حياتهم بقوانينها وطقوسها وتفاصيلها.
هؤلاء يزعجهم كثيرًا مشهد ذبح أضاحي العيد، ويرون فيه عملًا همجيًا متخلفًا، لكن دماء البشر التي تسيل في عمليات التصفية الجماعية التي تقوم بها السلطة، سلطتهم، ضد رافضيها ومعارضيها لا تحرك فيهم ساكنًا أو تهز ضمائرهم، بل أن منهم من يعبر عن استمتاعه بنزيف الدماء والأرواح، ويعتبره تطهيرًا للوطن من تلك"الحثالة"التي تعكر صفو الجنرال.
هذا الجنرال، ومثل أي طاغية مستبد، لا يطيق العاصمة التقليدية العريقة، ذلك أنها تذكره وتذكر شعبه المختار، بأن ثمة شعبًا آخر له نصيب معلوم في هذه البلاد، فيكون أول ما يفعله هو هدم القيمة التاريخية والمكانة الحضارية للعاصمة القديمة، مستحدثًا عاصمة أخرى لوطن آخر، وكما سجلت قبل عشر سنوات عن زمن حسني مبارك، فقد نشأت كانت شرم الشيخ عاصمةً لدولةٍ لعوب، قرّرت أن تهين تاريخها وقيمها الوطنية.. مصر أخرى، هربت من بيتها وتاريخها واستقرّت هناك فى شرم الشيخ، تركت البيت، واستقرت فى الشاليه، هجرت السياسة واختارت السياحة. باختصار: مصر ضجّت من دورها وحجمها ووزنها، وقرّرت أن تعيش لنفسها فقط، تعيش اللحظة وحسب".
والآن، ينعزل الطاغية الجديد بمصر عن المصريين، هناك في الساحل الشمالي والعاصمة الإدارية، المحرم دخولها على الفقراء، إلا عمال سخرة في تشييد منتجعات الشعب الجديد، شعب جنيفر لوبيز الذي يختار، بعناية، اللحظة التي يهين فيها مشاعر عموم المصريين، وهم يستقبلون عيد الأضحى، فيرقص ويغني على حطام معهد الأورام وضحاياه، ولا يغضب أو يتألم أو يستشعر حرجًا وهو يرى مجموعات المحتلين الصهاينة يهينون العيد معربدين في ساحات المجلس الأقصى. وائل قنديل
في يوم التروية، جاءوا بالمغنية جنيفر لوبيز، رأسًا من الكيان الصهيوني، للاحتفال مع شعب ساحل مصر الشمالي. وفي يوم العيد الأكبر، كانوا يهاجمون المسجد الأقصى، في محاولة متكررة لاقتحامه.
في الساحل الشمالي، عزل النظام نفسه عن عموم المصريين، مكتفيًا بتلك الشريحة من الشعب التي تراها في حفلات مؤتمر الشباب، أو في أعياد ركوب الجنرال الدرّاجة، يلهو ويلعب ويرقص معها على إيقاعات المطربة ذات الميول الصهيونية، فيما كان شعب مصر الحقيقي لا يزال يمسح بقايا دموع على شهداء مذبحة معهد الأورام، ويقاوم دموع العجز وقلة الحيلة، مع دخول العيد، في ظل أوضاع اقتصادية تكوي ظهور البسطاء، ويتحدّث عن الأثرياء باعتبارها الرخاء والازدهار.
نعم، لقد قسّموها إلى دولتين وشعبين وجمهورين، بينهما جدار عازل يجسّد أوضح صور الفصل العنصري، وهو وضع نموذجي ليشعر فيه المسحوقون بوطأة الفقر والحاجة، ويشعر معه المرفهون بالانتعاش والتحسّن الاقتصادي، إذ لولا الإمعان في حرمان وإفقار الشعب الأول لما شعر الشعب الثاني بالنماء والرخاء والرفاهية.
من العبث أن تحدث الشعب الثاني بلغة فلسطين، ستبدو بنظرهم قادمًا من كوكب آخر ومنتميًا لزمن آخر، لو كلمتهم عن قدسية الأرض والتراب والشهداء والدم المسفوك في فلسطين، وفي الزنازين والبيوت، وعلى أرصفة الشوارع، سينظرون إليك باستغراب، إذا حدثتهم عن التطبيع والاحتلال والعدو والشقيق، فتلك لغة ومفردات متحفية، لم يعد يستشعرها أو يهتم بها أحد.
هم لا يرون إلا ما يريد لهم الجنرال أن يروه، وبما أنه قرّر، في أحدث إطلالاته، أنه لا فقراء في مصر، فلا فقر ولا فقراء هناك، وكل كلام بهذا الخصوص هو دعايات مغرضة تستهدف تقويض بنيان الوطن.. هذا الوطن الممتد من عاصمتهم الجديدة إلى منتجعاتهم في الساحل الشمالي.
في مرحلة سابقة، لا تبعد كثيرًا عنا، كان الحديث عما يدور في عالم مجتمع الصفوة في منتجعات الساحل الشمالي، ينتمي إلى عالم الغرائب والعجائب المطمورة، ولا يصل من تفاصيله إلى عموم الناس إلا ما تستطيع النميمة الصحافية تسريبه ونشره، تحسبًا لإثارة غضب وحسد الأغلبية المطحونة، أما الآن فقد صاروا يبالغون في التغطية والنشر على أوسع نطاق، وكأنهم مطمئنون إلى أنه ليس ثمة شعب غيرهم، يغضب ويعبر عن غضبه ويثور طلبًا للعدالة والمساواة، أو أنهم، وهذا هو الأقرب للحقيقة، لا يرون أبعد من حدود وطنهم المغلق عليهم، وبالتالي لا حياة أخرى على أرض مصر إلا حياتهم بقوانينها وطقوسها وتفاصيلها.
هؤلاء يزعجهم كثيرًا مشهد ذبح أضاحي العيد، ويرون فيه عملًا همجيًا متخلفًا، لكن دماء البشر التي تسيل في عمليات التصفية الجماعية التي تقوم بها السلطة، سلطتهم، ضد رافضيها ومعارضيها لا تحرك فيهم ساكنًا أو تهز ضمائرهم، بل أن منهم من يعبر عن استمتاعه بنزيف الدماء والأرواح، ويعتبره تطهيرًا للوطن من تلك"الحثالة"التي تعكر صفو الجنرال.
هذا الجنرال، ومثل أي طاغية مستبد، لا يطيق العاصمة التقليدية العريقة، ذلك أنها تذكره وتذكر شعبه المختار، بأن ثمة شعبًا آخر له نصيب معلوم في هذه البلاد، فيكون أول ما يفعله هو هدم القيمة التاريخية والمكانة الحضارية للعاصمة القديمة، مستحدثًا عاصمة أخرى لوطن آخر، وكما سجلت قبل عشر سنوات عن زمن حسني مبارك، فقد نشأت كانت شرم الشيخ عاصمةً لدولةٍ لعوب، قرّرت أن تهين تاريخها وقيمها الوطنية.. مصر أخرى، هربت من بيتها وتاريخها واستقرّت هناك فى شرم الشيخ، تركت البيت، واستقرت فى الشاليه، هجرت السياسة واختارت السياحة. باختصار: مصر ضجّت من دورها وحجمها ووزنها، وقرّرت أن تعيش لنفسها فقط، تعيش اللحظة وحسب".
والآن، ينعزل الطاغية الجديد بمصر عن المصريين، هناك في الساحل الشمالي والعاصمة الإدارية، المحرم دخولها على الفقراء، إلا عمال سخرة في تشييد منتجعات الشعب الجديد، شعب جنيفر لوبيز الذي يختار، بعناية، اللحظة التي يهين فيها مشاعر عموم المصريين، وهم يستقبلون عيد الأضحى، فيرقص ويغني على حطام معهد الأورام وضحاياه، ولا يغضب أو يتألم أو يستشعر حرجًا وهو يرى مجموعات المحتلين الصهاينة يهينون العيد معربدين في ساحات المجلس الأقصى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق