الأحد، 30 ديسمبر 2018

سراييفو الجريحة .

قصيدة سراييفو الجريحة .. 
للشاعر الأديب عبدالله الحامد
وقد شخص هنا في قصيدته (سراييفو الجريحة سامحينا) أزمة العالم الإسلامي ودور الأمم المتحدة وأمريكا والحملة الصليبية فيما يجري! 
وهي بصوت د سلمان العودة فك الله أسره آمين


سراييفو الجريحة سامحينا
إذا قلنا لعلك تسلمينا
إذا كانت إغاثتنا هباءً
دواءً أو غذاءً أو أنينا
نرجي هيئة الأمم التفافاً
وقد كاد الأمين بأن يخونا
ولو كنتم يهوداً أو نصارى
وجئتم مجلس الأمن اللعينا
لغطت جوكم أسراب حرب
تدمر من قنابلها حصونا
ولو كنتم خليجاً سال نفطاً
لزمجر بوش إنا قادمونا
وندد بالكوارث والمآسي
وأجهش يذرف الدمع السخينا
وأقنع مجلساً للأمن يُدْعَى
وطوَّع كيدُه روساً وصينا
هو القانون أعور حين يهوى
فيبصر جانباً ويتيه حينا
فأغضى عن أسى البلقان جفناً
وأبصر في الخليج البائسينا
ولم ير في الخليج دماء شعب
ولكن أبصر النفط الثمينا
وخمر النفط يسكر كل صاح
ويمنح كل ذي عقل جنونا
أدرتم في الخليج رحى حروب
تدور على جماجمنا طحونا
وما جئتم لقانون وحق
ولا لحماية لمتوسلينا
ولكن قلتمُ: هبت رياح
ألا بذروا بها سماً دفينا
ندمر بيتهم ونقول نحمي
بأسلحة ومال يكنزونا
ولو كان الخليج بغير نفط
لأمسى من تدخلكم أمينا
تجرون الحليف لكل فَخًّ
لكي يبقى بأيديكم رهينا
فلا حلفاؤكم عرفوا طريقاً
ولا أنصفتمُ منهم خدينا
نصبتم في الخليج فخاخ مكرٍ
ليخنع في إساركم حزينا
فيصبح شعبنا بقراً حلوباً
وصيداً في شباككم سمينا
تضيع ثراءه أشكالُ مجد
سلاحاً أو أثاثاً أو مجونا
فتبنون الحضارة في رباكم
وفوق ظهورنا نبني ديونا
نزفتم من كرامتنا دماء
فهل تدرون عقبى من أهينا
زرعتم فكرة سقيت بظلم
فجاء حصادها حقداً دفينا
رفضتم في الجزائر حكم شورى
وأيدتم بها جيشاً ثخينا
فصارت دولة الشورى حراماً
علينا إن رعت خلقاً ودينا
تريدون الحكومة مثل غرب
أكُنَّا في حضارتكم بنينا؟!
لنا خلق وللإفرنج خلق
أيفرض دينه حتى ندينا
شعوب الغرب ساستكم دهتكم
ونحن بساسة منا بلينا
فلا في الرأي قادتنا أصابوا
ولا رؤساؤكم صدقوا الظنونا
وكان الشعب فيكم أهل شورى
وكان الشعب فينا مستكينا
جهلتم مرةً أخرى جهلتم
كما جهل الصليبيون حينا
ألم تتلوا من التاريخ سطراً
يحدثكم إذا شئتم شجونا
فعودوا وافهموا جيلاً جديداً
فسوء الفهم أعماكم قرونا
لماذا أيها الرؤساء فينا
نشرتم خزيكم في العالمينا
تراضيتم فأخفيتم بلايا
وأبدى الخلفُ سرُكم المصونا
فكفر بعضكم بعضاً وآخى
صليبياً وصهيوناً لعينا
لكل منكمُ فقهاءُ فتوى
أصاروا الدين للدنيا دهونا
وإعلام يصورُ كل لصٍ
حكيماً محسناً حراً أمينا
تفرقتم إلى عرب وعجم
وسودتم وجوه المسلمينا
نقضتم عروة ما بين عرب
وعادى كل ذي قرن قرينا
تشرذمتم إلى يمنٍ وشامٍ
وأمسيتم يساراً أو يمينا
تفرقتم على وادٍ ومرعى
وأجمعتم محبة قاتلينا
تعارضت المصالح والمبادي
فَمدّ عَدُونا كفي أخينا
تشعبتم إلى مَلاّتِ نِفْط
وقحط دمرا دنيا ودينا
فيسكن في المقابر بعض قوم
وفوق السحب يلهو آخرونا
ومات من المجاعة بعض شعب
وهبت فتنة رهطاً بطينا
أيا قتلى بسيف قد صقلتم
بمالٍ قد أضعتم حدثونا
ومالُ العُرب صار لهم دماراً
وصار سلاحهم لهم منونا
فيا حرب البسوس ألا سلاماً
لقد عدنا لفخرك باعثينا
ألا يا عرب أندلس أفيقوا
ألا فتق الصباح لكم عيونا
فمن رهن البلاد لأجل عرش
أضاع وضاع إذ خرق السفينا
ويوشك أن يكون النفط نهراً
فراتاً أحمراً يجري جنونا
وأن يدعى الخليج خليج بوش
فيمنحه لإسرائيل مينا
لماذا أيها الحكام فينا
تفرقتم يساراً أو يمينا
وأجمعتم على شكوى شباب
تَدَيَّنَ بعد أن عرف اليقينا
وبعضٌ إن تفرنج قيل مرحى
وآخر من تَدَيُّنِه أُهينا
أصار الكفر والتغريب علماً
وصار العري والبالي فنونا
مباح أن ترى فخذاً ونهداً
ويحرم أن ترى جسداً مصونا
فللفساق قد فتحوا الملاهي
وللعباد قد فتحوا سجونا
وما هذا التطرف غير رفض
لعلمانية نشرت مجونا
ترون منابر الآراء عنفاً
أليس العنف قتل الواعظينا
وما الإرهاب إلا رد عنف
على قهر رعاه الحاكمونا
أيا عرب التخلف هل وعيتم
من النكبات درس الذاكرينا
فمن رام الحياة بغير فكر
تبدد في عواصفها طحينا
ومن حسب الحضارة لمع نفط
فقد يهوي به حتى يهونا
ومن ظن الحضارة في سلاح
فقد يضحى به يوماً طعينا
ومن حسب الحضارة في المباني
فقد ظن الورى حجراً وطينا
فلن تبني بها رأياً حكيماً
ولو ربَّيْتَ مخلوقاً سمينا
فليس حضارةً زَرْعٌ وصُنْعٌ
إذا لم تبن إنساناً رصينا
وما شاد الحضارةَ غيرُ عقلٍ
تحرر مستنيراً مستبينا
ولا يبني العقولَ سوى حوارٍ
وشورى تقتل الرأي الهجينا
ولا يبني الحضارة غير شعب
تساوى الناس فيه أجمعينا
فلا أمراؤه نالوا امتيازاً
ولا أحراره صاروا قطينا
الشاعر عبدالله الحامد

السبت، 29 ديسمبر 2018

شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز


شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج1)7/10/2000
تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الأولى من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر"، عن نشأته وطفولته، وعن تشكيل مجلس للوزراء في السعودية.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج2)


تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الثانية من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن أولويات الملك عبد العزيز في حكمه، وعن تعيين وزير للمواصلات.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج3)2000/10/21

تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الثالثة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن لقائه بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأسباب الخلاف بين مصر والسعودية حول حرب اليمن.

شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج4)2000/10/28


تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الرابعة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن علاقة المملكة العربية السعودية بالدول المجاورة في الفترة بين عامي 1957 و1964م.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج5)2000/11/4


تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الخامسة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن أسباب الخلافات بين الملك سعود وولي العهد الأمير فيصل.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج6)2000/11/11


تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة السادسة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن إقالته من الحكومة التي أسست برئاسة الملك سعود واستمرت من نهاية العام 1960 حتى بداية 1962.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج7)2000/11/18

تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة السابعة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن إقامته في القاهرة، وتأسيس ما سمي بتنظيم الأمراء الأحرار وجبهة التحرير السعودية.



شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج8)2000/11/25

حدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة الثامنة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن هزيمة العام 1967 والآثار التي تركتها على الأمة العربية.




شاهد علي العصر الامير طلال بن عبد العزيز
(ج9)2000/12/2


تحدث الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في الحلقة التاسعة والأخيرة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن خطورة اعتماد العرب في مستقبلهم على النفط موردا اقتصاديا وحيدا.


ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن

اعتنى بدراسة شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القدامى والمحدثون، فكثرت الدراسات عنه، وتنوعت أهداف الدارسين لشخصيته، كل يأخذ منها ما يوافق تخصصه وهدفه، فهناك دراسات في سيرته الذاتية، ودراسات عن عقيدته، ودراسات عن فقهه، ودراسات عن تعمقه وإمامته في الحديث، ودراسات عن منهجه الدعوي، ودراسات عن فكره التربوي والاجتماعي، وغيرها.
وإذا استعرضت كتب التاريخ والرجال للقرن الثامن الهجري: فمن أبرز من يترجم له هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وإذا قرأت كتبه المحققة - وهي كثيرة - فإن في مقدمتها - غالباً - ذكر شيء من ترجمته
فشهرته بلغت الآفاق، وتكاد تجمع الكتب على الثناء عليه من القديم والحديث، ولذلك يجد الكاتب في سيرته صعوبة في اختيار المناسب من سيرته لما يبحث فيه، أما التوسع في ذكر سيرته فقد أغنت شهرته عن ذلك كما يقول عنه الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره) .

وسأحيل في نهاية الترجمة - إن شاء الله - إلى أبرز من حاول حصر المؤلفات فيه.

1 - اسمه ونسبه:
هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني .
وذكر مترجموه أقوالاً في سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) منها ما نقله ابن عبد الهادي رحمه الله : (أن جده محمداً كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتاً له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك) .

2 - مولده ونشأته:
ولد رحمه الله يوم الاثنين، عاشر، وقيل: ثاني عشر من ربيع الأول سنة 661هـ. في حرّان . 
وفي سنة 667هـ أغار التتار على بلده، فاضطرت عائلته إلى ترك حران، متوجهين إلى دمشق ، وبها كان مستقر العائلة، حيث طلب العلم على أيدي علمائها منذ صغره، فنبغ ووصل إلى مصاف العلماء من حيث التأهل للتدريس والفتوى قبل أن يتم العشرين من عمره .
ومما ذكره ابن عبد الهادي رحمه الله عنه في صغره أنه: (سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير.
وعني بالحديث وقرأ ونسخ، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي ، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً، حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك.
هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فُرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) .
(وقلّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه، كأن الله قد خصه بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء - غالباً - إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره.
فإنه لم يكن مستعاراً، بل كان له شعاراً ودثاراً، ولم يزل آباؤه أهل الدراية التامة والنقد، والقدم الراسخة في الفضل، لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة) .
وكان رحمه الله حسن الاستنباط، قوي الحجة، سريع البديهة، قال عنه البزار  رحمه الله (وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها، ولوازمها وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها، حتى إذا ذكر آية أو حديثاً، وبين معانيه، وما أريد فيه، يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه، ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه) .
وكان رحمه الله ذا عفاف تام، واقتصاد في الملبس والمأكل، صيناً، تقياً، براً بأمه، ورعاً عفيفاً، عابداً، ذاكراً لله في كل أمر على كل حال، رجاعاً إلى الله في سائر الأحوال والقضايا، وقافاً عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تكاد نفسه تشبع من العلم، فلا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث.
قال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله عنه: (ثم لم يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم، والتواضع والحلم والإنابة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد مع الصدق والعفة والصيانة، وحسن القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه، وكثرة المراقبة له وشدة التمسك بالأثر، والدعاء إلى الله وحسن الأخلاق، ونفع الخلق، والإحسان إليهم والصبر على من آذاه، والصفح عنه والدعاء له، وسائر أنواع الخير) .

3 - عصره:
أولاً: الناحية السياسية:
يستطيع الواصف للحالة السياسية لعصر ابن تيمية رحمه الله أن يحدد معالمها بثلاثة أمور رئيسة:
أ - غزو التتار للعالم الإسلامي.
ب - هجوم الفرنجة على العالم الإسلامي.
جـ - الفتن الداخلية، وخاصة بين المماليك والتتار والمسلمين.
وقد ذكر ابن الأثير رحمه الله وصفاً دقيقاً لذلك العصر، وهو من أهله:
فقال: (لقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم: منها هؤلاء التتر: فمنهم من أقبلوا من الشرق ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها.
ومنها: خروج الفرنج - لعنهم الله - من الغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر وامتلاكهم ثغرها - أي دمياط -، وأشرفت ديار مصر وغيرها على أن يملكوها لولا لطف الله تعالى ونصره عليهم.
ومنها: أن السيف بينهم مسلول، والفتنة قائمة) .
فأما التتار: فقد كانوا فاجعة الإسلام والمسلمين في القرن السابع الهجري، في سقوط بغداد - وبها سقطت الخلافة العباسية - سنة (656هـ) وما قبل سقوط بغداد بسنوات ، وما بعد سقوط بغداد حيث كانت هذه الأحداث قريبة من ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية (ولا بد أن يكون قد شاهد آثار هذا الخراب والدمار بأم عينيه، وسمع تفاصيله المؤلمة عمن رأوا مناظره وشهدوها وشاهدوها، فمن الطبيعي أن يتأثر قلبه الغيور المرهف بنكبة المسلمين هذه وذلتهم، وتمتلئ نفسه غيظاً وكراهية لأولئك الوحوش الضواري) .
وأما ظهور الفرنجة أو (الحروب الصليبية): فقد كانت ولادة ابن تيمية رحمه الله في بداية الدور الرابع لهذه الحروب الذي يمثل دور الضعف الفرنجي وتجدد قوة المسلمين، باسترداد كثير من المدن الشامية الكبرى، وإكمال مسيرة طرد الفرنج من بلاد المسلمين.
وأما الفتن الداخلية: فما كان يحصل بين المماليك وتنازعهم على السلطة وما كان يحصل بينهم وبين التتر المسلمين، وقد كان لابن تيمية رحمه الله مشاركة في إصلاح بعض هذا، وفي مقدمة مواقف ابن تيمية رحمه الله يذكر المؤرخون قصته مع آخر أمراء المماليك وذلك بتذكيره بحقن دماء المسلمين، وحماية ذراريهم وصون حرماتهم .

ثانياً: الناحية الاجتماعية:
كانت مجتمعات المسلمين خليطاً من أجناس مختلفة، وعناصر متباينة بسبب الاضطراب السياسي في بلادهم.
إذ اختلط التتار - القادمون من أقصى الشرق حاملين معهم عاداتهم وأخلاقهم وطباعهم الخاصة - بالمسلمين في ديار الإسلام الذين هم أقرب إلى الإسلام عقيدة وخلقاً من التتر.
ونوعية ثالثة: ألا وهي أسرى حروب الفرنجة والترك إذ كان لهم شأن في فرض بعض النظم الاجتماعية، وتثبيت بعض العوائد السيئة، والتأثير اللغوي العام على المجتمع المسلم.
إضافة إلى امتزاج أهل الأمصار الإسلامية بين بعضهم البعض بسبب الحروب الطاحنة من التتار وغيرهم، فأهل العراق يفرون إلى الشام، وأهل دمشق إلى مصر والمغرب وهكذا.
كل هذا ساعد في تكوين بيئة اجتماعية غير منتظمة وغير مترابطة، وأوجد عوائد بين المسلمين لا يقرها الإسلام، وأحدث بدعاً مخالفة للشريعة كان لابن تيمية رحمه الله أكبر الأثر في بيان الخطأ والنصح للأمة، ومقاومة المبتدعة .

ثالثاً: الناحية العلمية:
في عصر ابن تيمية رحمه الله قل الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قصارى جهد كثير من العلماء هو جمع وفهم الأقوال من غير بحث ولا مناقشة، فألفت الكتب المطولة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد، وهكذا عصور الضعف تمتاز بكثرة الجمع وغزارة المادة مع نضوب في البحث والاستنتاج.
ويحيل بعض الباحثين ذلك الضعف إلى: سيادة الأتراك والمماليك مما سبب استعجام الأنفس والعقول والألسن، إضافة إلى اجتماع المصائب على المسلمين، فلم يكن لديهم من الاستقرار ما يمكنهم من الاشتغال بالبحث والتفكير .
ولا ينكر وجود أفراد من العلماء النابهين أهل النبوغ، ولكن أولئك قلة لا تنخرم بهم القاعدة. وثمة أمر آخر في عصر ابن تيمية أثر في علمه ألا وهو: اكتمال المكتبة الإسلامية بكثير من الموسوعات الكبرى في العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، وغيرها.
فالسنة مبسوطة، والمذاهب مدونة، ولم يعد من السهل تحديد الكتب التي قرأها وتأثر بها، ولا معرفة تأثير شيوخه عليه بدقة.

4 - محن الشيخ:
امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد .
واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
وفي سنة 709هـ نفي من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، ويتقبلوا منهجه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر طلبه إلى القاهرة الناصر قلاوون بعد أن عادت الأمور إليه، واستقرت الأمور بين يديه، فقد كان من مناصري ابن تيمية رحمه الله وعاد الشيخ إلى دورسه العامرة في القاهرة.
وامتحن شيخ الإسلام بسبب فتواه في مسألة الطلاق ، وطُلب منه أن يمتنع عن الإفتاء بها فلم يمتنع حتى سجن في القلعة من دمشق بأمر من نائب السلطنة سنة 720هـ إلى سنة 721هـ لمدة خمسة أشهر وبضعة أيام.
وبحث حساده عن شيء للوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له حول زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع من زيارة القبور حتى قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤال صاحبها عن صحتها ورأيه فيها، فصدر الحكم بحقه في شعبان من سنة 726هـ بأن ينقل إلى قلعة دمشق ويعتقل فيها هو وبعض أتباعه واشتدت محنته سنة 728هـ حين أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والأقلام، ومنع من ملاقاة الناس، ومن الكتابة والتأليف .

5 - وفاته رحمه الله:
في ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة (728هـ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها، وأُذن للناس بالدخول فيها، ثم غُسل فيها وقد اجتمع الناس بالقلعة والطريق إلى جامع دمشق، وصُلي عليه بالقلعة، ثم وضعت جنازته في الجامع والجند يحفظونها من الناس من شدة الزحام، ثم صُلي عليه بعد صلاة الظهر، ثم حملت الجنازة، واشتد الزحام، فقد أغلق الناس حوانيتهم، ولم يتخلف عن الحضور إلا القليل من الناس، أو من أعجزه الزحام، وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم، وتارة يتأخر، وتارة يقف حتى يمر الناس، وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام .

6 - مؤلفاته:
مؤلفات الشيخ كثيرة يصعب إحصاؤها، وعلى كثرتها فهي لم توجد في بلد معين في زمانه إنما كانت مبثوثة بين الأقطار كما قال الحافظ البزار (ت - 749هـ) رحمه الله:
(وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها. بل هذا لا يقدر عليه غالباً أحد؛ لأنها كثيرة جداً، كباراً وصغاراً، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت - 795هـ) رحمه الله:
(وأما تصانيفه رحمه الله فهي أشهر من أن تذكر، وأعرف من أن تنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن أحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها، ولا ذكرها) .
وذكر ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله أن أجوبة الشيخ يشق ضبطها وإحصاؤها، ويعسر حصرها واستقصاؤها، لكثرة مكتوبه، وسرعة كتابته، إضافة إلى أنه يكتب من حفظه من غير نقل فلا يحتاج إلى مكان معين للكتابة، ويسئل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا، فلا يدري أين هو؟ فيلتفت إلى أصحابه، ويقول: ردوا خطي وأظهروه لينقل، فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه.
ولما حبس شيخ الإسلام خاف أصحابه من إظهار كتبه، وتفرقوا في البلدان، ومنهم من تسرق كتبه فلا يستطيع أن يطلبها أو يقدر على تخليصها .

ومن أبرز كتبه ما يلي:
1 - الاستقامة: تحقيق د. محمد رشاد سالم. طبع في جزئين.
2 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: تحقيق د. ناصر العقل طبع في جزئين.
3 - بيان تلبيس الجهمية: حقق في ثمان رسائل دكتوراه، بإشراف شيخنا فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
4 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: طبع بتحقيق د. علي بن حسن بن ناصر، ود. عبد العزيز العسكر، ود. حمدان الحمدان، وكان في الأصل ثلاث رسائل دكتوراه .
5 - درء تعارض العقل والنقل: طبع بتحقيق د. محمد رشاد سالم في عشرة أجزاء، والجزء الحادي عشر خُصص للفهارس .
6 - الصفدية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، طبع في جزئين.
7 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، وطبع في ثمانية أجزاء، وخصص الجزء التاسع منه للفهارس .
8 - النبوات: مطبوع .
وله من الكتب والرسائل الكثير جداً مما طبع بعضه مستقلاً، وبعضه في مجاميع كبيرة وصغيرة، والكثير منه لا يزال مخطوطاً سواء كان موجوداً أو في عداد المفقود .

7 - بعض ثناء الناس عليه:
قال العلامة كمال الدين بن الزملكاني (ت - 727هـ) : (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم  والتبيين ) .

وقال أيضاً فيه: (اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها) .

وكتب فيه قوله:
ماذا يقول الواصفون له *** وصفاته جلّت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله : (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) .

وقال أبو البقاء السبكي : (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) ، وحين عاتب الإمام الذهبي (ت - 748هـ) الإمام السبكي  كتب معتذراً مبيناً رأيه في شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
(أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخاره بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق والقيام فيه، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان) .

وأما ثناء الإمام الذهبي على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهو كثير، وذِكر ثناء الإمام الذهبي على ابن تيمية هو الغالب على من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى مواضع ترجمة ابن تيمية في كتب الإمام الذهبي، ولعلي أذكر بعض مقولات الإمام الذهبي في ابن تيمية، ومنها قوله:
(ابن تيمية: الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط) .

وقوله: (... ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر مع التدين والنبالة، والذكر والصيانة، ثم أقبل على الفقه، ودقائقه، وقواعده، وحججه، والإجماع والاختلاف حتى كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم يستدل ويرجح ويجتهد، وحق له ذلك فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف...) .
وقال: (... هذا كله مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذ النفس من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية) .

ومما قاله في رثائه:

يا موت خذ من أردت أو فدع 
محوت رسم العلوم والورع

أخذت شيخ الإسلام وانقصمت 
عرى التقى واشتفى أولو البدع
غيبت بحراً مفسراً جبلاً 
حبراً تقياً مجانب الشيع
اسكنه الله في الجنان ولا  
 زال علياً في أجمل الخلع
مضى ابن تيمية وموعده **
 مع خصمه يوم نفخة الفزع

وقال فيه: (... كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه...) .


وقال عنه: (... لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم، ولا هو ينفرد بمسائل بالتشهي.... فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهاً بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني ولا في عقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله تعالى....) .

وقال الشوكاني رحمه الله  (إمام الأئمة المجتهد المطلق) .

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته .

( نقلا عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " للدكتور عبدالله الغصن - وفقه الله ، طبع دار ابن الجوزي بالدمام ،ص161-139، ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب .. ).

الجمعة، 28 ديسمبر 2018

فوق السلطة - هدايا بابا ترمب

برنامج فوق السلطة 

 هدايا بابا ترمب



تناولت حلقة برنامج "فوق السلطة" (2018/12/28) موضوعاتها تحت العناوين التالية: سلمية سودانية ضد الحرامية. الطائفية أقوى من الخبز والماء. بابا ترامب يهدي سوريا السعودية.، إشارة رابعة في قلب أبو ظبي. السيسي يدعو الفقراء للأورغانيك.

السودان والخليج
نزل السودانيون إلى شوارع مدنهم يطالبون بالخبز، والخبز في "الجملوكيات" العربية خروج على الثوابت وخيانة للأوطان التي لا تتطهر منها إلا بإراقة الدماء، ودائماً تحت شعارات دينية. وعندما يتهم مدير المخابرات متظاهرين بالعمالة لإسرائيل، ألا يجب أن يكون عدوا لإسرائيل؟ تتساءل معارِضة.
المتظاهرون هتفوا: "سلمية.. سلمية ضد الحرامية"، فلماذا غضبت الحكومة؟ وما السر في البشير حتى تتنافس على التضامن معه: قطر المحاصرة، والشقيقات المحاصِرات بلسان ملك البحرين؟ بي بي سي تسأل.
وكالة سبوتنيك الروسية عنونت: السودان يكشف المفاجأة: دولة عرضت علينا معالجة الأزمة الأخيرة، مقابل مقاطعة قطر وتركيا، ولم تذكر سبوتنيك ولا غيرها اسم هذه الدولة أو العلامات التي تدل عليها. فحذاري أيها السودانيون؛ فالحرية ثقافة وليست عاطفة، ولا عنفا، ولا أموالا خليجية، ولا حمايات أميركية، ولا صداقات أوروبية، ولكل ثورة ثورة مضادة تنتظرها.

السعودية وحلفاؤها
بدون مقدمات؛ نشرت ثم حذفت السفارة الأميركية في السعودية فيديو علىتويتر يمجد المظاهرات الشعبية والاحتجاجات السلمية، أليست حرية. ربما الأجدى أن يوجه السؤال إلى دونالد ترامب نفسه بعد كل هدايا السعودية، هل ما زال يؤمن ببابا نويل، أم صار يؤمن ببابا ناول ناولني؟
فوجئ السعوديون بأنهم سيعيدون إعمار سوريا، كما فوجئ العراقيون بزيارة ميلادية من ترامب لقواته على أرض العراق. تغريدة صغيرة من ترامب كلفتالرياض 500 مليار دولار كحد أدنى، السعودية وافقت على الدفع لكن هناك فيدمشق من يشترِط اقترانه باعتذار.
أحجية الأسبوع؛ ما هي حصيلة تسوية الريتز ومكافحة الفساد في السعودية؟ 100 دولار كما صرح ولي العهد السعودي لسي بي أس في 18 مارس/آذار، أم 35 مليار دولار كما صرح ولي العهد لبلومبيرغ في 5 أكتوبر/تشرين الأول، أم نحو 13 مليار دولار كما صرح وزير المالية السعودي للشرق الأوسط في 19 ديسمبر/كانون الأول.
مؤخرا أقرت الرياض بعض الحلول العاجلة لإعادة هيكلة الاستخبارات، لكن لا يعتقدنّ أحد أن التعديلات تمت بسبب قضية خاشقجي، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستغرب الكيل الأميركي بمكيالين، إذ تفرض واشنطن على روسياعقوبات جراء قضية تسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال الذي لم يمت، ولا عقوبات على أي دولة في قضية تصفية جمال خاشقجي.
عنونت قناة العربية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018: "طالبان مجدداً في قطر.. الاستمرار في احتضان الإرهاب"، ثم في 19 ديسمبر/كانون الأول نشرت الإمارات"نتائج إيجابية لمحادثات طالبان والحكومة الأفغانية". وكانت سكاي نيوز قد أفادت بـ"الإعلان عن مصالحة بين طالبان والولايات المتحدة برعاية الإمارات والسعودية"، لكنها في 13 أكتوبر/تشرين الأول نشرت: "من طالبان للنصرة: قطر تبيض صفحة التنظيمات الإرهابية".
نشرت جريدة عكاظ خبراً بعنوان: "صحفي أميركي بعد زيارته للدرعية: السعوديون مسرورون بولي العهد والتأييد الشعبي له حقيقي"، ثم اعترض الصحفي الأميركي نيكولاس كريستوف لاحقا على مضمون الخبر، ويتضح أن الرجل لم يكتب هذا الكلام.

جيفري لانج.. والهدف من الحياة! ج(3)

جيفري لانج.. والهدف من الحياة! ج(3)

رَشيد الغُولي
أركان وأسس المناعة الفكرية

تَتَعَدَّدُ الأَقْلاَمُ وَالحَبْرُ وَاحِد، لكننا نسأل المولى عز وجل التوفيق والسداد في اختيار نوع القلم والثبات عليه، وَانطلاقًا من الحب الكبير للفكر والمفكرين، والرغبة الصادقة في المساهمة ولو بالقليل في البناء والاتزان، والعمل المتواصل الدؤوب على إثبات الذات. جميعها أسباب تدفع وتقوي كل من يحمل في قلبه ذرة أمل أو حبة حب على التشبث، حتى في قشة الأمل، من أجل المواصلة على زرع الشغف في كل القلوب القاحلة، التي تكالبت عليها كل قوى الشر والظلام، فجعلتها تعيش حياة فارغة شاحبة جوفاء لا لب فيها ولا مذاق، فاقدة للثقة في كل شيء، حتى في نفسها، تعيش عمرها خريفًا دائمًا، عارية باردة الأغصان، بلا أوراق ولا أزهار ولا ألوان، على مبدأ ملأ الفراغ بالفراغ وأحيانًا وبالضجيج والنهيق والنباح، بسبب وبدون سبب، لأنها فعلًا سئمت وملت من هذه الحياة، فرغم وفرت الطعام والأمان، إلا أنها دخلت نفق الجوع والضياع، فلا الروح سكنت ولا البطن شبعت، ولا الفصول تعاقبت، ولا العقول أينعت، ولا الأفكار أزهرت وأثمرت وأبهرت، ولا الإنسانية عمت وسيطرت.
فعلًا ينطبق على فئة كبيرة من شباب هذا العصر، المثل العربي الشهير، الذي يقول مكره أخاك لا بطل، نظرًا لصعوبة ومناعة الفهم السليم، في غياب الفكر القويم، لكن رغم كثرة العثرات وضيق الوقت، وظلم الأعداء، وجهل الأبناء، إلا أن التوكل على الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، والإيمان القوي الراسخ بأهمية الحديث في كل ما من شأنه إخماد نار الجهل، فقط نقطة صغيرة جدًا في جدار الخدلان، قد تصير حفرة، ولماذا لا نقول نافذة واسعة ومريحة جدًا، نستطيع الفرار عبرها، من العدم إلى الوجود.
كانت هذه مقدمة بسيطة وموجزة عن سبب الاهتمام والحديث عن الفكر والمفكرين، والفلسفة والفلاسفة، الذين تركوا بصمتهم، وساهموا بشكل كبير في ترسيخ المعرفة. جيفري لانج (Jeffrey Lang)، من مواليد (30 يناير 1954، مدينة برديجبورت) بروفيسور في الرياضيات، استلم شهادة الفلسفة من جامعة باردو سنة 1981. كانت الرسالة عن سطح زاريسكي (Zariski surface). وكتبها تحت توجيهات ويليام هاينزر وبايتور بلاس.
كل هذا من أجل الوقوف ولو للحظات، على الأهمية القصوى لأركان وأسس المناعة الفكرية، وضرورة بيان هذه المناعة، مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق كل شخص، يستطيع تقديم محتوى أو تجربة أو فكرة أو معرفة، قد تعود بالنفع على الآخر. جميعنا في حاجة ماسة إلى معرفتها ومعرفة قوتها، ومظاهر ضعفها، متشوقون للاطلاع على أركانها، وأسباب ضعفها، مهتمين لبيان خطوات تكوين هذه المناعة، متحمسين لجرد قواعد التعامل مع التحديات والشبهات والإشكالات الفكرية المرتبطة بها. هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، وفي هذا الزمان، يطول الحديث فيه، نظرًا لكثرة التحديات الفكرية الراهنة، التي يتعرض لها شبابنا، وهم على ما أعتقد، في حاجة إلى أن يكون لديهم من التحصين الذاتي والقوة الفكرية، ما ينطلقون به، ويواجه به ما يعرض لهم ويتحداهم من إشكالات وشبهات.
لقد توقفنا في المقال السابق (الثاني) عند الآية الكريمة: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)». بعدها نظر إلى الإجابة التي قال الله تعالى فيها إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. مما جعله يجادل إلاهًا لا يؤمن به، وهذا ما حدث له كثيرًا أثناء قراءته للقرآن الكريم، حيت إنه يبدأ في الجدال مع ذلك الصوت الذي يقرؤه أمامه مكتوبًا ويناديه.
ثم انتقل إلى الآية التالية واتضح له أن القرآن الكريم لم يتهرب من الإجابة عن هذا السؤال، وإنما بدأ يجيب عليه بالتدريج، إذ تقول الآية الكريمة: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)». اتضح له بجلاء أن هذه الآية تشير للآية السابقة، ومن خلال خلفيته الدينية السابقة يعرف جيدًا أن سيدنا أدم بدأ في تسمية الأشياء، لكن ذلك لم يكن مرتبطًا بالإجابة عن أي سؤال فلسفي، لكنه لاحظ أن هذه الآية تحمل لب وسر ودقة معرفة سيدنا آدم للأسماء. عندها اجتاحه إحساس رهيب، ورغبة جامحة، يقودها فضول كبير، يدفعه دفعًا نحو قراءة هذه الآيات القرآنية الدقيقة أكثر وأكثر، وتبين له أنها تحمل في ثناياها، كنز من المعلومات، الإجابات والمعرفة، يستطيع المتدبر لها كاملة، والمتمعن لمعانيها العميقة، الوصول إلى درجة جد متقدمة، تفوق الخيال في الفهم والتحليل، لكل صغيرة وكبيرة في هذه الحياة.
زاد من شغفه الكبير هذا، جمالية الحوار، والمعنى الفلسفي العام، والمنطق والموضوعية في التقديم، والإعجاز اللغوي الدقيق، مما جعل الأمور الجد معقدة سابقًا، سهلة يسيرة تشد الانتباه. فكان له موعد غير متوقع مع الملاحظة الدقيقة التي أسرت قلبه وشغلت عقله وتفكيره، وأشعلت رغبته في معرفة المزيد والمزيد، هذه الملاحظة هي أن سيدنا آدم عليه السلام، لم يكن يتمتع فقط بالقدرة على تلقين الأسماء كلها، قصد الإجابة على السؤال، وإنما كان قادرًا على التَّعَّلُّمَ، والله سبحانه وتعالى هو من عَلَّمَهُ.
عند انتهائهِ من قراءة هذه الآية العظيمة، اتَّضَحَ لَهُ جَلِيَّا، نظرًا لِفِطْنَتِهِ وذكائه وقدرته الذهنية الكبيرة على التحليل والاستنباط، أن القرآن الكريم يحمل له مفاجآت سارة في الآيات التالية، بالنسبة لكثير من الأمور الحيوية والفلسفية في هذه الحياة، فمن بين المسائل التي أكد عليها، قدرة الإنسان على المعرفة، وأنه مخلوق قادر على التَّعَلُّمْ. وقد تم فعلا تَعْلِيمهُ. لكن ما الذي تَعَلَّمَهُ آدم عليه السلام من ربه سبحانه وتعالى؟ وما هي أكبر موهبة منحها الله له جزاءً على إجابته عن السؤال الذي طرحته الملائكة؟
وفي لحظة ذُهول وسُكُون وتَرَقُّبْ، تَبَيَّنَ لَهُ أنها موهبة اللغة، نعم لأن اللغة ليست فقط مجرد وسيلة لتعليم الإنسان، بل كذلك طريقة مضمونة وفعالة ومثالية لتلقي وتلقين العلم والمعرفة والخبرات والتجارب، سواء تعلق الأمر بالأجيال السابقة، أو اللاحقة، في كل الأماكن وفي كل الأزمنة، وبالتالي كل العلوم والمعرفة البشرية تتراكم، وهذا ما لاحظه كذلك لاحقًا في القرآن الكريم، ويؤكده مرارًا وتكرارًا، كما في الآية القرآنية الأولى العظيمة من سورة العلق: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)».
إذن القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا يدعو الإنسان إلى استخدام قدراته العقلية والمعرفية بشكل صحيح، لأنها ستلعب دورًا أساسيًا وحاسمًا في الوصول به حتمًا إلى الحقيقة، ومن تم النجاة والالتحاق إلى غيره من الأخيار في بَرِّ الأمان، وترك العالم الأسود الغامض المعقد المُدَمِّرْ للبشر والحَجَرْ، عالمُ الأشْرار، عالم الجَهْل والجُهَلاء، لِأَنَّ الجاهل حَجَرةٌ لاَ يَنْفَجَر مَاؤُهاَ، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخْضَرُّ عُودُهاَ، وَلَنْ يَشْتَدَّ أبَدًا. بل إن الله سبحانه وتعالى أقسم بقدرات الإنسان العقلية ودعاه باستمرار على استخدامها في الخير، وحَثِّهِ على اجتناب الشَّر، والاجتهاد والإخلاص في معرفة الحق، من أجل التقدم والازدهار، والسلم والسلام.
إذن المناعة الفكرية هي وجود مستوى عَالٍ من التحصين لَدَى الفرد المسلم أمام الأفكار المخالفة لدينه، خصوصًا في هذا الوقت العَصْر، إِذْ تَجْتاحُهُ موجة تشكيكية معاصرة عنيفة، تتمثل أوْجُه خطورتها في عدَدٍ من الصور، منها أنها موجة تُشَكِّكُ في أصل الإسلام، بمعنى أدق أنها ليست موجهة في المسائل الخلافية بين العلماء، فتجد أنها تشكك في وجود الله سبحانه وتعالى، تشكك في صحة القرآن الكريم، وتشكك في شخص ونزاهة وصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الأصول الشرعية، ومن خطورة هذه الموجة، أنها موجهة ضِدَّ الشباب، والشباب هم عماد هذه الأمة، لأنهم هم أصحاب القرار في المستقبل، لذلك هذه الموجة تستدعي اهتمامًا فكريًّا وفلسفيًّا بالغًا، وتستدعي تكوينًا شاملًا منطقيًّا عقلانيًّا علميًّا للمناعة الفكرية.
من خطورة هذه الموجة أنها تحمل شعارات جدابة وذات بريق، مجملة وتحتاج إلى تفصيل وتدقيق، فنأخد ما فيها من الحق، ونرد ما فيها من الباطل، مستعملين في ذلك العلم، المعرفة، الهدوء، والخلق الحسن، لأن كثيرًا منها يكون مغلفًا بغلاف الحق، يصعب فصله وتفصيله. إذن المشكلة العويصة، أو السم المُحَلَّى بالعسل، أن هناك معاني من الباطل تمرر تحت هذه الشعارات الرَنَّانَة والبَرَّاقَة، فَتَجِدُ أحدهم يقول لَكَ حَرَّرْ عقلك ولا تكن عبدًا أو أسيرًا لأحد من الناس، نعم هذا المعنى جيد، غير أنه معنى عام، لكن ما الذي سوف يتم إدخاله وإيصاله عَبْرَ هذا المعنى؟ أو إن صَحَّ التعبير تَحْتَهُ وبواسطته؟، ومما يجعل كذلك هذه الموجة خطيرة جدًا، هي أنها موجة هدمية فوضوية لا بِنَائِيَّة، والهَدْمُ دائمًا أسهل من البناء، فتجدها مليئة بالتشكيكات والتساؤلات وأشياء مبعثرة ومفرقة، وأشياء فوضوية، وغير منطقية بتاتًا، مع الغياب التام للشيء المقابل للشيئ البذيل.
من أهمية المناعة الفكرية أنها تطور إلى حد كبير من عملية الاتصال والتواصل والحوار والتحاور، دون أي مُرَكَّبْ نقص، أو عَجْز أو خوف، كما أنها تلعب دورًا جبارًا في التأقلم والتعايش، وتقبل الآخر، وتسهل الاحتكاك بالثقافات الأخْرَى، في مستوى راق جدًا من الوعي الفردي والجماعي، مبني على أسس متينة من الاحترام المتبادل والتعاون البَنَّاء من أجل صَوْنَ الإنسانية، والتقدم وازدهار البشرية.


"30 يونيو" إذ تحاكم "25 يناير"


"30 يونيو" إذ تحاكم "25 يناير"


وائل قنديل
لم يكن استدعاءً إجباريًا إلى المحكمة للإدلاء بالشهادة، بل هي مكافأة نهاية الخدمة، ونهاية العمر، قدّمها عبد الفتاح السيسي للأب الرئيس، أو الرئيس الأب حسني مبارك، لكي يشفي غليله من ثورةٍ أطاحته وجرّدته من السلطة، وجعلته، مثل أي مجرم محتال، يدّعي المرض، حد الاقتراب من الموت، كي يدخل فوق سرير طبي إلى قاعة محاكمته، مبتزًا مشاعر القضاة والمتابعين.

نعم، كانت تلك اللحظة التي انتظرها حسني مبارك سبع سنوات، لكي ينشب مخالبه في جسد الثورة الجريحة، ويرتوي من دمائها.. وينتقم بشهادته ضدها. 
هل كان من العقل أن يتوقع أحد أن يهدر مبارك هذه الفرصة؟ هل كان منطقيًا أن ينتظر أحدٌ أقوالًا أخرى غير التي أدلى بها مبارك؟

البائس حقًا هو من كان ينتظر من حسني مبارك شيئًا غير هذا الفُجر في العداء، والأكثر بؤسًا هو من يرى أن مبارك قال ما قاله تحت ضغط أو إكراه، أو أنه فضّل أن يقول ما يريده القاضي (عبد الفتاح السيسي) لكي يشتري سلامة ولديه (علاء وجمال)، ويحميهما من بطش السلطة المسعورة.
يتجاهل هؤلاء أن كراهية حسني مبارك ثورة يناير لا تقل عن كراهية السيسي لها، بل ربما تزيد، ولا يتوقفون عن ضخ مزيد من الأوهام، والأعذار، للمومياء المتوحشة العائدة للانتقام، هربًا من الحقيقة الواضحة، كشمس منتصف نهار منتصف أغسطس/ آب.

لم يشهد مبارك زورًا ليفتدي ولديه من سوزان (جمال وعلاء)، بل نطق بما يكنّه في صدره، وما علّمه لابنه من العسكرية (عبد الفتاح السيسي)، بل إن علاقة مبارك بقول الزور قديمة وراسخة، إذ يتغذى على قول الزور، ويتكسّب منه منذ "عاصفة الصحراء" أغسطس/ آب 1991، حين قرّر أن يتعاطى مع الكارثة بمنطق تجار الحروب وتجار الموت، فيقول ما يطلبه الغزاة، ثم يقبض الثمن مليارات من الدولارات، صنعت من دماء أطفال العراق وأشلائهم، ثم يباهي بذلك، في حوار مذاع، معلنًا أنه اشترط على الغزاة أن يسقطوا ديونه، قبل أن ينفذ كل طلباتهم منه.

من فعل ذلك ضد أطفال العراق، هل كان من الممكن أن يفعل عكسه ضد ثورةٍ نزعت منه بطاقة الكنز الاستراتيجي، وجرّدته من أرباح تجارة التسوية، ومكاسب ضبط الإيقاع على حساب القضية الفلسطينية؟.
من اعتبر أن الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 هدية آخر العمر من عبد الفتاح السيسي (العقر) هل كان من الممكن أن ينطق بشهادةٍ محترمة على ثورة يناير، وينصفها؟.
إن أحدًا لم يفرح بالثلاثين من يونيو كما فرح بها حسني مبارك، إذ اعتبرها، في أول ظهور له 2014، عيدًا قوميًا لمصر،  فهي التي أخرجته من السجن، وولديه، ووزراءه، وبالأخص وزير داخليته. وبالأمس كانت "30 يونيو" تحاكم "25 يناير". وبالتالي، لا مفاجأة على الإطلاق في أن يشارك في حفل الانتقام، ويشرب نخب "يناير"، ومن دمها حد الارتواء، كاشفًا الغطاء عن أولئك المهرّجين الذين يروّجون أوهامًا، من قبيل التعاون مع دولة مبارك العميقة لإسقاط انقلاب عبد الفتاح السيسي، الأقل عمقًا، بالقياس على منسوب العداء لثورة يناير.
كل يوم يمر يقدّم دليلًا جديدًا على أن "30 يونيو" جاءت للقضاء على "25 يناير"، حتى وإن شارك فيها، ودعا الناس إلى المشاركة، يدًا بيد مع بقايا دولة مبارك، من كان يصنّف من رموز يناير وأيقوناتها، وتأتي شهادة مبارك لترسخ هذا اليقين، وتقول، بوضوح شديد، إن الذين يصرّون على إمكانية المزج بين يناير ويونيو لتأسيس مشروعٍ لإزاحة السيسي إنما يتعاطون أوهامًا، ويروّجونها على الناس، إذ أن أي مشروع جبهة أو تحالف ينطلق من افتراض أنه بالإمكان وضع قدم في "25 يناير"، والأخرى في "30 يونيو"، للمسير ضد انقلاب السيسي، هو قضية فاسدة منطقيًا.
وإذا كان أصحاب بيوت الخبرة الثورية، المزعومة، قد اعتبروا ذات يوم أن المحتفظين بالأمل في إمكانية عودة الرئيس محمد مرسي نوعًا من ترويج المخدّرات، فإنه بالقياس ذاته يمكن اعتبار أن الراسخين في وهم التحالف مع دولة مبارك لإسقاط السيسي، إنما يمارسون نشاطًا يقترب من تجارة الأعراض والدماء.
طهّروا أنفسكم من لوثة يونيو، ثم حدّثونا عن جبهات استعادة يناير.