الأحد، 31 يوليو 2022

المعادلة الصفرية للدولة المصرية

المعادلة الصفرية للدولة المصرية

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام

الشيخ محمد الخضر حسين

ألقى أحد الأساتذة محاضرة تعرض فيها لاختلاط الفتيان والفتيات في الجامعة، وأبدى استحسانه لهذا الاختلاط، ووقف موقف الدفاع عنه.

وما كنا ننتظر من الأستاذ المحاضر وقد قضى سنين غير قليلة وشؤون المجتمع تمرُّ عليه بمقدماتها، وبما ينتج عنها من خير وشر أن يقول ما قاله في تلك المحاضرة.

بل كنا ننتظر منه أن يملي على أبنائنا وبناتنا كلمات يتلقونها على أنها آراء أحْكَمَتْها التجارب، فيستنيرون بها في حياتهم المحفوفة بالأخطار من كل جانب.

ولكن الأستاذ لم يشأ إلا أن يتناول في محاضرته مسألة اختلاط الفتيان والفتيات، ويرضى عن ذلك الاختلاط، صارفًا النظر عما يجر إليه من الانحلال في الأخلاق، وغمز في الأعراض...

 

وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية.

يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:]30، ويقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ} [النور: 31].

ومعنى غضّ البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة، والوقوع في فساد، ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة، وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر، ولا يتبعوا النظرة بأخواتها؟ وهل يستطيع أحدٌ صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غضِّ أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضّوا من حولها؟ والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات، تنهى أولي الأمر عن تَصَرُّفٍ شَأْنُهُ أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة.

ويقول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31].

والزينة ما يتزين به من نحو القُرط، والقِلادة، والخاتم، والوشاح والشعر، والأصباغ من نحو الكحل والخضاب، والملابس الأنيقة، وما ظهر من الزينة هو الثوب الذي يستر الجسد حتى لا يظهر ما تحته من حلي، وشعر، ونحوه.

ثم إن القرآن قد استثنى طائفة من الناس تكثر مداخلاتهم للمرأة؛ فيكون في التزامها التستر الذي تلزمه مع الأجنبي مشقةٌ عليها، فأذن لها في عدم إخفاء زينتها منهم، ثم إنَّ تَوقُّعَ الفساد منهم شأنهُ أن يكون مفقودًا أو نادرًا، إما لشدة القربة، كالأب والابن والأخ والخال والعم وابن الأخ وابن الأخت، وإما لأن شأنهم الغيرة على حفظ عرض المرأة كأبي الزوج وابنه، فإن أبَ الزوج أو ابنه تدعوه الغيرة على أن يحافظ على عرض المرأة؛ لأن في حفظ عرضها حفظًا لعرض ابنه إن كان أبًا، أو لعرض أبيه إن كان ابنًا.

وهؤلاء وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الباطنة، لا يتساوون فيما يصح أن يطلع عليه، فالزوج يحل له النظر إلى ما شاء، وأما الابن والأب والأخ والجد وكل ذي محرم، فلا يجب على المرأة أن تستر منهم الشعر والنحر والساقين والذراع، وأما غير أولي الإربة من الرجال، وهم الذين عرف منهم التعفف، وكانوا على حالة من لا يقدر على مباشرة النساء، كالطاعنين في السن الذين عرفوا بالصلاح وعدم الحاجة إلى النساء، فإنما يحل للمرأة أن تظهر أمامهم في ثياب صفيقة وإن لم تكن عليها ملحفة.

وليس من شك في أن طالبات الجامعة لا يضربن بخمرهن على جيوبهن، وقد يأتين في أجمل ثيابهن، ويختلطن بفتيان ليس بينهم وبينهن صلة من الصلات المشار إليها في الآية الكريمة.

ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].

الجلباب: الثوب الذي يستر المرأة من فوق إلى أسفل، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وإدناؤه عليهن إرخاؤه عليهن، قال ابن عباس وجماعة من السلف: أن تلوي الجلباب فوق الجبين، وتشده ثم تعطفه على الأنف، فتستر الصدر ومعظم الوجه إلا عينيها.

ثم ذكر حكمة هذا الستر، وهي أن التستر يدل على العفاف والصيانة؛ إذ من كانت في هذا الحال من التستر لا يطمع الفسَّاق في أن ينالوا من عرضها؛ فلا تلقى من الفساق تعرضًا يؤذيها مثلما تلقى المتبرجات بزينتهن، وذلك معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}.

والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد، وأن عنايتها بأمر صيانة المرأة بالغة، وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.

ولو كان اختلاط الطلاب بالطالبات مما يأذن به الدين لكان للنساء أن يجلسن مع الرجال في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قلن له: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، ولما وعدهن يومًا لقيهن فيه وحدهن.

وأذكر منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد.

ولو كان اختلاط الرجال بالنساء مأذونًا فيه لما احتاج المؤمنات إلى أن يتلفعن بمروطهن، ويرجعن إلى بيوتهن دون أن يعرفهن أحد.

وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها.

ولو كان اختلاط النساء والأجانب مأذونًا فيه، لما حرَّمت الشريعة على المرأة أن تسافر لأداء فريضة الحج إلا أن يكون معها محرم، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يدخل رجل على امرأة إلا ومعها محرم.

وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أم سلمة _ رضي الله عنها _ قالت: = كان رسول الله "إذا سلَّم، قام النساء حينما يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم، قالت: نرى _ والله أعلم _ أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال.

فقيام النساء، وانصرافهن عقب تسليمه " لأنه مأذون لهن في الصلاة دون البقاء في المسجد لغير صلاة، وقد أشارت رواية الحديث إلى أن مكث النبي " في مقامه عقب الصلاة من أجل تمكين النساء من الانصراف؛ لأن الرجال لا يقومون من موضع الصلاة إلا إذا قام عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا شاهد على كراهة الشارع لاختلاط الرجال الأجانب بالنساء.

ثم إن سنة النساء في صلاة الجماعة أن يصلين خلف صفوف الرجال، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أنه قال: صلى النبي في بيت أم سليم، فقمت، ويتيم خلفه، وأم سليم خلفه.

ويدلكم على أن النهي عن اختلاط الرجال بالنساء كان معروفًا بين الصحابة رضي الله عنهم حتى أصبحت قاعدة يذكرونها عندما يشتبه عليهم الأمر في بعض الآثار أو الأحاديث، ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطهن: كانت عائشة رضي الله عنها تطوف في حجرة من الرجال لا تخالطهم.

والحجرة الناحية المنفردة، تقول: رأيت رجلًا يسير من القوم حجرة. أي ناحية منفردة.

فانظر كيف بدا لابن هشام أن يمنع النساء الطواف مع الرجال؛ أخذًا بالقاعدة المعروفة في الشريعة من منع اختلاط النساء بالرجال.

ولما أنكر عليه عطاء لم يقل له: إن اختلاط النساء بالرجال لا حرج فيه، ولكنه استدل بحديث أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يطفن مع الرجال، ولما بدا لابن جريج أن طوافهن مع الرجال يقتضي الاختلاط بهم، والاختلاط محظور في الشريعة، قال متشكلًا الإذن لهن في الطواف مع الرجال: كيف يخالطهن الرجال؟ فلم يقل له ابن جريج: وأي مانع من هذا الاختلاط، بل بيَّن له أنهن يطفن مع الرجال دون أن يخالطنهم.

وليست نصوص الدين وحدها هي التي تسوق الجمهور إلى إنكار اختلاط الطلاب والطالبات، بل المشاهدات والتجارب قد دلتا على أن في هذا الاختلاط فسادًا لا يستهان به، ومن أنكر أن يكون لهذا الاختلاط آثار مقبوحة فإما أن يكون غائبًا عن شؤون المجتمع، لا يرقبها من قريب ولا من بعيد، وإما أن يكون قد نظر إلى هذا الاختلاط وآثاره بعين لم تنبه إلى وجهة استقباحه، ووجوب العمل على قطع دابره.

ومن عمد إلى البلاد التي يباح فيها اختلاط الجنسين، ونظر إلى ما يقع فيها من فساد الأعراض، وقاسه بالفساد الذي يقع في البلاد التي يغلب على رجالها ونسائها أن لا يجتمعوا إلا على وجه مشروع- وجد التفاوت بين الفسادين كبيرًا.

بل لا نحتاج في معرفة هذا التفاوت إلى إحصاء مفاسد هذه وتلك؛ فإن المعروف بالبداهة أن الاختلاط يُحْدِث في القلوب فتنة، ولا تلبث الفتنة أن تجر إلى فساد، فعلى قدر كثرة الاختلاط يكثر ابتذال الأعراض.

 

قال الأستاذ: وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام.

يريد أن قبول الطالبات في الجامعة لم يَرْضَ عنه فيما مضى إلا قليل من الناس، والواقع أن الذين يرضون عن هذا الاختلاط لا يزال عددهم قليلًا إذا نظر إليهم إزاء مَنْ ينكرونه، ويَشْكُون من سوء مغبته، ولو استُفْتِيت الأمة استفتاءًا صحيحًا لظهر أن أنصاره لا يزالون في قلة، على أن المسائل الاجتماعية إنما يرجع الحكم فيها إلى الأدلة القائمة على رعاية ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، أما كثرة الأنصار فلا تجدي أمام النصوص الشرعية، والأدلة المؤيدة بالتجارب ولو مثقال ذرة.

 

قال الأستاذ: بعد عشر سنوات من قبول هؤلاء الطالبات، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط فلم نأبه له؛ لأن التطور الاجتماعي معنا، والتطور لا غالب له.

ليس هناك تطور يعرض للاجتماع في نفسه، وإنما تطور الاجتماع أثر أفكار وأذواق وميول نفسية، ورقيُّ هذا التطور أو انحطاطه يرجع إلى حال تلك الأفكار والأذواق والميول؛ فإن غلب على الناس جودة الفكر، وسلامة الذوق، وطهارة ميولهم النفسية- كان التطور الاجتماعي راقيًا وهذا هو الذي لا تنبغي معارضته، ويصح أن يقال فيه: إنه تطور لا غالب له.

أما إذا غلب على الناس انحراف الأفكار في تصور الشؤون الاجتماعية، أو تغلبت أهواؤهم على عقولهم، كان التطور الاجتماعي في انحطاط، وهذا هو الذي تجب معارضته، وأقل دعوة تقوم لإصلاحه يمكنها أن تقوِّم عوجه، وترد جماحه.

وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم، وجاهدوه من طرقه الحكيمة أماطوا أذاه، وغلبوه على أمره.

وما كانت حالة العرب في الجاهلية إلا تطورًا اجتماعيًا، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم يحارب هذا التطور، فقضى عليه في أعوام غير كثيرة.

ولو عرض حال فرنسا قبل الحرب، ونظرنا إلى ما كان فيها من تهتك، وحاول بعض عقلائهم التخفيف من شر ذلك الاستهتار- لوجد من يقول له: هذا التهتك تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له.

فهل يرضى الأستاذ المحاضر أن يسكت دعاة الإصلاح عما يغلب في الناس من الفساد، وييئسوا من إصلاحه بدعوة أنه تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له؟

والذي نرى أن الإصلاح يسود بالدعاية الحكيمة، وقد يسود بقوة السلطان العادل متى كانت الأمة في عماية عن طريق الرشد، وصَمَمٍ من مواعظ الحكماء، أما الباطل فإنما يسود بوجاهة أشياعه، أو قوة سلطانهم، وإذا تغلب باطل بالدعاية الماكرة فلأن أنصار الحق كانوا غارقين في نوم ثقيل، ولا يرفع الباطل صوته إلا في بيئة غاب عنها الدعاة المصلحون.

وقد حسبنا عندما سقطت فرنسا في هذه الحرب تلك السقطة المزرية أن يأخذ منها رجالنا عبرة بالغة، فيعود الذين كانوا يحبذون السفور، واختلاط الجنسين، دعاة إلى أدب الإسلام من تستر المرأة بثياب العزة، وصيانتها عن مواقف الابتذال، ومواطن الاختلاط.

ومن دواعي الأسف أن يتنبه رجال فرنسا قبل أن يتنبه كثير من رجالنا، ويأخذ من سقوط دولتهم عبرة، هي أن سبب ضعف فرنسا وانهيار بنائها هو انحلال أخلاق شبابها، وإغراقهم في الملاذ والشهوات.

ولا إغراق في الشهوات أكثر من تخلية السبيل للنساء يخالطن الرجال، ويبدين لهن ما بطن من زينتهن، دون أن تلتهب في نفس أبيها أو أخيها أو زوجها غيرةٌ حامية.

 

وقال الأستاذ المحاضر: ومعنا العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.

لا يتنازع أحد في العدل بين الأخ والأخت، ولا يمانع من التسوية بينهما في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، [وأن هذا] لا يستدعي اختلاطها بالفتيان، بل يعد هذا الاختلاط عائقًا لها عن الوصول إلى كمالها الخاص، فإنه يذهب بجانب كبير من الحشمة، وهدوء النفس، ويهيؤها لأنْ تنحدر في حفرة من سوء السمعة، ولو كان ولي أمرها الناصح في تربيتها ينظر إلى هذه العاقبة بعين تدرك حقيقتها لحال بينها وبين هذا الاختلاط بكل ما يملك من قوة.

ونحن لا نعارض في تعليم المرأة، ولا في استمرارها على التعليم إلى أبعد مدىً، ولكنا نريد الاحتفاظ بأساس كمالها الخاص، وهو الصيانة ونقاء العرض.

ولا شك في أن اختلاطها بالفتيان وسيلة قريبة إلى هدم ذلك الأساس، فالذين ينكرون اختلاط الطلاب بالطالبات هم الذين يناصرهم العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.

فللمرأة أن تطلب من العلوم ما وَسِعَها أن تطلبه، ولكن على أساس الصيانة، فإن كان طلبها لبعض العلوم يُعَرِّض هذا الأساس للانتقاص فلتكتف بما وصلت إليه يدها من علم، وفي الرجال كفاية للقضاء، والمحاماة، وعضوية مجلس النواب، إلى ما يشابه هذا من الأعمال التي لو تولتها المرأة لانجرَّت بطبيعة العمل إلى عاقبة سيئة هي الاختلاط بالرجال.

 

قال الأستاذ المحاضر: ومعنا فوق ذلك منفعة الأمة من تمهيد الأسباب لتكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي.

إذا كنَّا لا نستسلم لتقليد أوربا في كل شأن من شؤون الاجتماع، وترفعنا عن أن نجعل حال الأوربيين المثال الكامل للارتقاء القومي- قلنا: إن أساس ارتقائنا القومي هو الاحتفاظ بآداب ديننا، وأن يكون في فتياتنا علم واسع، وعزم صارم، وإرادة ماضية، وصبر على تحمل المشاق، وأن يكون في فتياتنا حشمة، وصيانة، وعلم يساعدهن على تأدية واجباتهن في الحياة من نحو تدبير المنزل، والقيام على تربية الولد، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على هاتين المهمتين بقوله: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.

وأشار صلى الله عليه وسلم إلى مهمة تدبير المنزل بقوله: والمرأة راعية على بيت زوجها...

وإذا كان النظر إلى زينة المرأة، والتأمل في محاسن وجهها وسيلةَ تعلقِ القلب بها، وتعلقُ القلب مدرجة الفتنة- فالاختلاط الذي يستدعي تكرار النظر، ويجر إلى الأخذ بأطراف الحديث يكون بلا ريب أمرا منكرًا؛ إذ هو الوسيلة المباشرة لزلزلة نفوس الفتيان والفتيات بعد سكونها زلزلة قد تذهب بأعراضٍ كانت مصونة، وإذا دخل ابتذال العرض في الأسرة، فمن أين لنا أن نكونها على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي ؟.

وليس في حماية الفتاة من الاختلاط بغير محارمها، تضييق لدائرة الحياة في وجهها، وإنما هو احتفاظ بكرامتها، وتوفير لهنائها؛ إذ بصيانتها عن الاختلاط تعيش بقلب طاهر، ونفس مطمئنة، وبهذه الصيانة تزيد الصلة بينها وبين زوجها، وأولي الفضل من أقاربها متانة وصفاءً.

وأنا لا أستبعد صحة ما أسمعه كثيرًا من أن النزاع بين الرجال وزوجاتهم أصبح أكثر مما كان، وأن منشأ هذا الخصام تهافت النساء على التبرج الممقوت، وتساهلهن في الاجتماع بغير محارمهن.

 

والواقع أن أنصار اختلاط الجنسين لا يؤيدهم تطور اجتماع صحيح، ولا يناصرهم العدل بين الأخ وأخته في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، ولا تقف بجانبهم مصلحة الأمة في حال، وليس معهم إلا أنهم فعلوا ذلك، ففتحوا أبواب الجامعة للطالبات، وكان منكرو هذا الاختلاط على كثرتهم في تفرق، فلم يصدعوا بإنكارهم، واقتصروا على أن يرددوا هذا الإنكار في مجالسهم، وربما كتب أحدهم مقالة في صحيفة، أو قال كلمة في محاضرة.

 

ولو عقد دعاة الإصلاح مؤتمرًا أخلاقيًا، ونظروا في شأن اختلاط الجنسين نظرًا خاليًا من كل هوى، وبسطوا القول في وجوه مفاسده- لكان لقرارهم شأن، وكان لرجال السياسة الرشيدة في أمر الفتيات رأي يجمع بين إعطائهن حظهن من التعليم، وصيانتهن من مواضع الفتنة والابتذال.

 

موقع الدرر السنية

المصدر: مجلة الهداية الإسلامية ج 6 من المجلد الثالث عشر. نقلا عن كتاب مقالات لكبار كتاب العربية في العصر الحديث. (بتصرف)

المراجعات بين المجاملات وجلد الذات

 المراجعات بين المجاملات وجلد الذات

د. عطية عدلان

بين المجاملات وجلد الذات تكثر وتتعدد وتتنوع وتتدرج المخالفات الواقعة فيما نطلق عليه في بعض أدبياتنا المعاصرة: المراجعات، إلى حدِّ أنك إن جزمت بأنها اشتملت على كل شيء سوى حقيقة المراجعات لم تكن راكباً من الزعم شططاً، ولا ممتطيا من القول شُرفاً ناشزاً، وإلى درجة أنَّه لو دعا داع إلى غلق ذلك الباب بأعقد الأغلاق وأثقل الأقفال لوجدنا لقوله في مصادر الشرع مسلكا ومساغا. 

   كيف السبيل إلى اعتبارها مراجعات وهي التي انتهت جميعها إلى حقيقة واحدة، مفادها أن كل ما قمنا به باطل لا أصل له، وضلال لا رشد فيه، وضرر لا نفع يرجى منه، وسخف وطيش وحمق لا تطيق الأرض أن تقله  ولا السماء أن تظله، حتى صرنا في هذا الكون نشازاً وفي  هذه الحياة شذوذا ؟!! 

   فسعينا للحكم كان ركضاً إلى الهاوية أسرع من ركض الصيد الغافل إلى حتفه، وقتالنا على الجبهات والثغور لم يكن سوى مداعبة للأسد تحت أنفه، بل إنَّ كلامنا عن الجهاد والجلاد والولاء والبراء كان بمثابة النفخ الحماسيّ اللامنطقيّ؛ الذي لم تجن الأمَّة منه سوى (دعشنة) الجيل، ونشر الخراب واليباب في ربوع البلاد.

  

  هذه هي النتيجة التي تسلمنا إليها تلك (التوجعات) التي نسميها مراجعات، ووراء هذه النتيجة الحتمية ما وراءها مما لا يمكن أن يثبت عقلك في رأسك إذا قايسته بأدبيات الصحوة عند جميع من ينتسب إليها صدقاً أو كذباً جداً أو هزلاً، ومما لا تجد مسوغاً لقبوله إلا بإدارة الظهر لكل ما تردد في فضاءاتنا الرحبة عن عوم الرسالة وخلود الدعوة وأستاذية العالم وغير ذلك مما كنا نعتبره ثوابت أرسى من الجبال. 

   وسوف تبلغ بك الدهشة منتهاها إذا رأيت هذا الخط التشاؤمي المحبط يمضي معه على التوازي خط تمجيدي للجماعة وتاريخها ورموزها؛ ليجتمع الضدان: تمجيد الذات وجلدها، في أغرب وأعجب منظومة خطابية تناقضية، فالجماعة معصومة ورموزها بالمجد والعز موسومة، أمّا النتيجة فهي كما ترى فشل تفشى وشر استشرى حتى لم يعد على الأرض على رحابتها وسعة أطرافها شبر لم يتلوث بآثار أخطائنا وخطايانا. 

   فيا أيها الكاتبون المنظرون رويدكم؛ فلقد نال خطابكم من الجيل ومن القضية أشد مما ناله الأعداء الألداء، ولقد جاوزتم موضع الداء ووضعتم السم موضع الدواء، فها أنتم تستبدلون بالكفاح الانبطاح، وتسمون الجهاد عنفاً والنضال تطرفا، وترفعون فوق رؤوسكم ما وضعته الرموز التي تمجدونها تحت أقدامها؛ فما أبقيتم لمن يهوى التناقض مساحة يزاحمكم فيها أو ينافسكم عليها. 

   وخلاصة ما يقضي به العقل البسيط الذي لم تفسده الجدليات المتشابكة أنَّنا لم نخطئ في قيامنا بما أمر الله به، ولكنَّنا أخطانا في عدم القيام به على الوجه الذي أمر الله به. 

   فنحن لم نخطئ في سعينا للحكم؛ إذ إنَّ الإسلام دين ودولة، وتولية الحاكم المسلم العدل فرض كفاية، والسعي لتمهيد السبيل إلى تحكيم منهج الله واجب لا تنعتق الأمة من  عهدته إلا ببذل الجهد واستفراغ الوسع في هذا السبيل، ولم  نخطئ في جهادنا لعدونا وعدو ديننا وأمتنا؛ لأنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولأنّ الأصل أنَّ الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأنَّ وعاء الزمن لا يفرغ من طائفة قائمة بأمر الله في نحور أعداء الله لا يضرها من خذلها حتى يأتي أمر الله، ولم نخطئ في تعبئة الجيل بما هو من الحق الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهو الهدى والبينات والفرقان، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. 

   إنما كان الخطأ الذي  ارتكبناه في منطقة أخرى هي الأحرى بالمراجعة والأولى بالنظر والمدارسة، وهي منهجيتنا في إتيان هذه الأمور، هل كانت موافقة لمراد الله ؟ ومتطابقة مع ما شرع في كتابه وسنة رسوله ؟ أم  إنّ الاعتبارات - وما أكثرها - كانت حاكمة على المنهج ووصية على الأداء ؟ 

   ومن ثمَّ؛ فبدلاً من أن نسأل أنفسنا: لماذا سعينا إلى الحكم وتولينا مسئولية البلاد ؟ نسألها: لماذا لم نقم بهذا الأمر على الوجه الذي ينبغي؟ وما هي الأخطاء التي ارتكبناها فأدت إلى انقلاب الأوضاع ؟ وبدلاً من الندم على الجهاد نندم على أخطائنا التي ضيعت جُلَّ ثمرات الجهاد ؟ 

   فإذا لم نفعل ذلك وتمادينا فيما نحن فيه من الانحراف في التقويم فلا يمكن أن يوصف عملنا بالمراجعات، مهما اجتهدنا في حشر المصطلحات وانتحال الأسماء، وسيسجل التاريخ هذا في صفحات الكذب والتزوير والهروب من مواجهة الحقيقة. 

 

   إنَّ المراجعات وسيلة لتصحيح المسار لا ريب، لكنها تكون كذلك عندما  تصبح مثل تلك التي تعلمناها من كتاب الله تعالى وهو يراجع مع المسلمين أداءهم في غزوة أحد، ويقفهم على أخطائهم الحقيقية التي كانت سببا في الهزيمة، بصورة جعلت من الواقعة المريرة فتحاً مبيناً. 

د. عطية عدلان 
(مدير مركز محكمات)

 21 مارس 2017 

صور الافتراء والبهتان

صور الافتراء والبهتان





للافتراء والبهتان صور عديدة منها:
1- الافتراء على الله سبحانه وتعالى:
ومن صوره:
- التشريع في دين الله من غير مستند شرعي:
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [يونس: 59-60] 
- الإفتاء بغير علم:
قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ [النحل: 116] 
- ادعاء الولاية، والكرامة.
2- الكذب في الرؤيا:
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من أفرى الفرى أن يُري عينه ما لم ترَ  ))
3- الافتراء على الأنبياء والرسل ونسبتهم للكذب على الله سبحانه:
قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4] 
قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ [المؤمنون: 38]  وفي حديث واثلة بن الأسقع، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه ((أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل  ))
4- الافتراء بانتساب الرجل إلى غير أبيه:
فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أعظم الناس فرية... ورجل انتفى من أبيه وزنَّى أمه  )) 
5- هجاء وسبُّ المؤمنين الأبرياء:
فعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا؛ فهجا القبيلة بأسرها )) 


الدكتورة زينب عبد العزيز مواجهات

 الدكتورة زينب عبد العزيز مواجهات

 تقديم محمد بركات





حوارات دكتورة زينب عبد العزيز 




شيطنة الأسلمة وتمجيد الصهينة!

شيطنة الأسلمة وتمجيد الصهينة!

حلمي الأسمر


ـ 1 ـ 

هذه حقبة نادرة في تاريخ الأمة، ربما لا يوجد لها مثيل إلا في أشد عهود الظلام والاستبداد حلكة في تاريخنا الغابر، حيث يتم تجنيد كل وسائل التأثير "الرسمية" لشيطنة الإسلاميين الحركيين، وإخراجهم عن القانون ووصمهم بالإرهاب والتطرف والعصيان والتمرد، في الوقت الذي يتم فيه تمجيد الصهيونية الدينية ورفع دعاتها إلى درجة الرموز والملهمين. 

لا تتم هذه العملية فقط في دوائر صنع الوعي في كيان العدو الصهيوني فقط، بل في حواضن الإسلام الأولى في جزيرة العرب وغيرها من قلاع الإسلام التاريخية في شمال إفريقيا والمشرق العربي، ويتجند لهذه العملية الملوثة أنظمة ورموز حكم وآلات إعلامية كبرى، وقنوات فضائية ومواقع إلكترونية ممولة بملايين الدولارات، ولو تفرغ أحدنا لإحصاء تلك المنصات والأبواق لاحتاج إلى شهر كامل من التفرغ. 


إن إطلالة ولو سريعة على واقع تمجيد الصهينة الدينية في كيان الاحتلال، يعطيك لمحة عن المستقبل الأسود الذي سيحل بهذه البلاد، حين يجري تتويج صعلوك مجرم إرهابي، حتى في معايير قوانينهم هم، كالمدعو بن جفير، ملكا غير متوج على "إسرائيل" الجديدة.

 

المؤلم حقا لدرجة الحنق أن تلك الحملات لا تقتصر على بث الدعاية الوضيعة التي تشوه الإسلام والإسلاميين بل ترافقها حملات قمع وإجراءات ترتدي لبوس القانون، لإبادة كل صوت واع وقطع كل يد نظيفة ترفض مصافحة صهيوني (الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في البحرين مثلا) في حين يتم امتداح سلوك مشابه لمطربة صهيونية رفضت مصافحة الرئيس الأمريكي بايدن، ويتم التعبير لها عن "امتنان" الرئيس لها لأنها تصرفت وفاء لعقيدتها، فعقيدة الصهينة مقدرة أما الأسلمة فهي تدخل في دائرة الإرهاب والرفض!

ـ 2 ـ 

من الصعب أن تفهم العملية الانقلابية في تونس بمعزل عن استهداف الغنوشي وحركة النهضة، المستهدف هنا هو آخر معاقل الربيع العربي الذي كان يضرب به المثل على مرونة الإسلاميين وقدرتهم على التعايش مع متغيرات العصر وحراكات السياسة، حتى جاء "الرئيس المنتخب" ليلغي كل مكتسبات عشرية ديمقراطية بجملة إجراءات دكتاتورية ألبسها لبوس القانون والدسترة العرجاء، انتهت بأن عكف على كتابة وريقات سماها دستور الجمهورية الجديدة ويريد فرضها على الشعب باستفتاء يذكرنا بالتفويض الذي طلبه رئيس مجاور لبلده جاء بانقلاب على رئيس منتخب، وأعاد تشكيل كل شيء في البلد على مقاس "بسطار" العسكر!

في المقابل، وليس بعيدا عنا، في كيان الاحتلال هناك عملية لإعادة صياغة مذهلة وخطيرة لكتلة بشرية تمجد التدين والتوراة وتحج قياداتها السياسية لطلب ود رموز الصهيونية المتدينة، لضمان فوز مؤزر في انتخابات وشيكة، ربما ستكون الأخطر في تاريخ الكيان الصهيوني، ولا أحد في فضاءات شيطنة الأسلمة يعيب على الكيان تدينه وتطرفه وحتى إرهابه الديني المخيف، الذي يتخذ من شعار "الموت للعرب" شعارا له!

إن إطلالة ولو سريعة على واقع تمجيد الصهينة الدينية في كيان الاحتلال، يعطيك لمحة عن المستقبل الأسود الذي سيحل بهذه البلاد، حين يجري تتويج صعلوك مجرم إرهابي، حتى في معايير قوانينهم هم، كالمدعو بن جفير، ملكا غير متوج على "إسرائيل" الجديدة. 

  

هناك حرب يشنها النظام العربي الرسمي على الأسلمة، فيما يتم تمجيد الصهينة، من قبل هذا النظام نفسه، حتى نال بعض رموزه جائزة "متحف أصدقاء صهيون" الذي يتخذ من القدس المحتلة مقرا له،


كتبت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في مقال عن الإرهابي الكهاني بن جفير "الرمز" الذي يجتاح صيته الأوساط اليمينية لدرجة أنه هو اليوم من يتحكم بالخارطة السياسية لتكتل اليمين (حسب تعبير الكاتب والمحلل الفلسطيني سعيد بشارات)، وشروطه هي التي تقع محل دراسة، ويتسابق قادة الأحزاب اليمينية للجلوس معه، كتبت الصحيفة تقول: "الشخص الذي كان في الماضي منبوذًا من حزب الليكود ومن أصحاب القبعات المحبوكة، جعل اليوم كل الكتل اليمينية يكسرون توجههم بقوة وينحرفون أكثر نحو اليمين حتى أن أصوات من الشارع الأرثوذكسي الحريدي ذهبت هي الأخرى إلى بن جفير، الذي يعشقه الشباب اليهودي اليوم وقدم له متبرع ثري شقة فاخرة بجانب البحر في تل أبيب، لدرجة أنه يتجاهل نتنياهو ـ الأب الأكبر وعرض شراكة مع نتنياهو الأصغر ـ الإبن، هذا الكهاني الذي أدين في شبابه بدعم الانتماء لمنظمة إرهابية (منطمة كاخ ومؤسسها مثير كهانا التي تتخذ من طرد العرب شعارا لها)".

وتضيف: "اليوم يحاول إظهار أنه مختلف، فقد أزال صورة باروخ غولدشتاين مجرم مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل من غرفة معيشته عندما أدرك أن ذلك سيؤتي ثماره في صندوق الاقتراع. أصبح إيتامار بن جفير النجم الصاعد في الانتخابات القادمة وظاهرة تجلب كل الهوامش الأكثر تطرفاً في التيار اليميني الرئيسي، أعضاء الكنيست من الليكود قالوا في سبيل مواجهة هذه الظاهرة: "يجب أن نكون بن جفير أكثر من بن جفير". وهذا جعل عضو الكنيست العربي عيسوي فريج من ميرتس التي انسحب منها يقول: "هكذا سيطرت الكهانية على الكنيست"!

والكهانية لمن لا يعرف هي حركة إرهابية أخرجتها حتى قوانين الاحتلال عن القانون، وها هي اليوم تتقدم لكي تكون في قلب صنع القرار في كيان العدو!

ـ 3 ـ 

وبالمحصلة، هناك حرب يشنها النظام العربي الرسمي على الأسلمة، فيما يتم تمجيد الصهينة، من قبل هذا النظام نفسه، حتى نال بعض رموزه جائزة "متحف أصدقاء صهيون" الذي يتخذ من القدس المحتلة مقرا له، وهو مختص بتكريم الإنجيليين المتصهينين من الديانة النصرانية من أحباء صهيون و"إسرائيل"، واليوم هو منشغل بتكريم "المسلمين المتصهينين!" ولو قيض لأحدنا أن يستمع لمؤسس هذا المتحف ـ المحفل مايك إيفانس، وهو يتحدث عن الساسة العرب الذين التقاهم وأغدق عليهم بجوائزة، لعرف أي منحدر سحيق ولغ فيه النظام الرسمي العربي الذي يعتقل الإسلاميين ويتهمهم بالإرهاب في الوقت الذي يمجد الصهاينة ويفتح لهم أرض وسماء مهد الإسلام في جزيرة العرب!

إنها باختصار بداية النهاية لهذا النظام، فليس بعد هذا القاع قاع، والمسألة هي مسألة وقت، فنظام عربي رسمي لا أطعم شعبه من جوع ولا آمنه من خوف، وأدار ظهره لشرفاء الأمة وشردهم في الآفاق وشتت أسرهم، واحتضن قتلة الأنبياء وفرش البساط الأحمر لرموزهم من الإرهابيين القتلة، لا مستقبل له، طال الزمن أم قصر.

السبت، 30 يوليو 2022

خطبة الجمعة

 خطبة الجمعة

“كلنا الشيخ بن حميد”.. تضامن سعودي مع خطيب المسجد الحرام بعد حملة إسرائيلية ضده بسبب خطبة صلاة الجمعة

العودة إلى مكة!

 العودة إلى مكة!

د. عبد العزيز كامل 

إذا كانت الهجرة من مكة الى المدينة قد مثلت في التاريخ الإسلامي تحولا عظيما..فإن ( العودة إلى مكة) بعد ثماني سنوات من الهجرة قد سماها الله فتحا مبينا.. فلا هجرة كاملة ..إلا إذا جاء بعدها نصر الله والفتح..ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا..
..غير أني لا أقصد بعنوان “العودة إلى مكّة” ذلك الفتح المبين، ولكني أقصد به عنوانا آخر لكتاب صدر منذ سنوات قليلة، ألّفه المؤرخ الصّهيونيّ ، والضابط السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “ آفي ليبكين” ، تحت هذا العنوان : ( العودة إلى مكة ) وهو يقصد عودة اليهود إليها باعتبارها _كما يدعي _ أرضا داخلة ضمن حدود “مملكة داود”، التي ترمز إليها النجمة السداسية التي ترفرف على الأعلام الإسرائيلية، وهي المملكة المعبر عنها في عصرنا ب( إسرائيل الكبرى ) وتضمّ في دعواهم إلى جانب كامل الأراضي الفلسطينية أجزاء كبيرة من الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية ..
.. هذا الكتاب يمثّل تطوّرا مروعا ومفزعا في الأحلام المشتركة بين الصّهيونيتين_ اليهودية والنصرانية _ في عصر العلو الكبير والأخير لبني إسرائيل..فما القصة..؟
..القصة أن ذلك الكتاب يدعو إلى إحلال النفوذ اليهودي محل الوجود الإسلامي في أم القرى، ولذلك يحمل الكتاب على غلافه صورة ساحة المسجد الحرام، وفي وسطه بدل الكعبة صورة “التفيلين” اليهوديّ ، وهو عبارة عن مكعّب أسود يقدسه اليهود، ويضعون داخله بعض عبارات التوراة، وهو يشبه شكل الكعبة، ويربط بخيط أو حزام، يضعه متديّنو اليهود على جباههم ، وعلى أكتافهم عند أداء صلواتهم..
..اللافت في أمر هذا الكتاب أنّ مؤلّفه يزعم في مقابلاته الصحفية لشرح الكتاب بأنّ جبل الطّور الحقيقيّ الذي كلّم الله فيه نبيّه موسى عليه السّلام وأنزل عليه الوصايا العشر هو (جبل اللّوز) الموجود في محافظة تبوك في شمال الأراضي السّعوديّة، وليس هو جبل موسى المعروف في سيناء بمصر..!
وللعلم فإن المنطقة التي بها هذا الجبل بمحافظة تبوك، هي ذات المنطقة التي أطلق فيها محمد بن سلمان ما أسماه ( مشروع نيوم) اي المستقبل الجديد، وهي التي أعلن فيها مؤخرا مشروع مدينة (ذا لاين) حيث يبالغ ابن سلمان في التطاول في البنيان هناك ، فيقرر أن تكون مباني تلك المدينة أعلى من أعلى المبانى في العالم .. ليحشر فيها مالا يقل عن تسعة ملايين..نصفهم غير مواطنين..!!
..يدعو مؤلف(العودة الى مكة ) اليهود والنّصارى لأن يتعاونوا للسيطرة على أرض هذا الجبل، ولا يكتفي بهذا؛ بل يدّعي أنّ أرض الميعاد تصل إلى مكّة المكرّمة وفق ما فهمه من نصوص التوراة ، وقد دأب الكاتب على الظّهور في الفضائيات الدينية التابعة لمنظمات المسيحية الصهيونية في أمريكا، داعيا إلى تشكيل حلف مسيحي صهيوني لتخطيط وتنفيذ مشروع تقسيم السعودية، لينتهي الأمر إلى الهيمنة على مكة بعد تدويل الحرمين، ويوصي صراحة بالاستفادة من الحركات والميلشيات الشيعية حول الجزيرة العربية، والمدعومة من إيران، والتي تستهدف تطويق الجزيرة العربية من أطرافها الأربعة، ونصب عينها الاستيلاء في النهاية على مكّة والمدينة..!
★..والكاتب يدعو صراحة إلى توظيف العقائد الشيعيّة في ( العودة إلى مكة ) حيث لا يخفي الشيعة غرضهم منذ قامت ثورتهم في "تحرير" الحرمين من أهل السنة الذين يصفونهم ب "النواصب" أعداء آل البيت، والكاتب يجسد بذلك الهدف المشترك بين اليهود والشيعة في الوصول إلى المزيد من إذلال أهل السنة الممثلين لجمهور الأمة؛ في أعز ما يتشرفون به، وهو استقبال بيت الله المحرم في المناسك والصلوات والدعوات..
..العجيب أن كل أعداء الأمة يتذرعون في دعاوى السيطرة على أراضي الحرمين والقدس الشريف؛ بمواجهة ما يصفونه بالمد العالمي للإسلام السني الأصولي في العقود الأخيرة..
والأعجب من ذلك أن من أعانهم ولايزال يعينهم على التصدي لهذا المد.. هم من يحملون ألقابا ومهمات مثل ( خادم الحرمين) في المملكة السعودية و(رئيس لجنة القدس) في المملكة المغربية، و رئاسة ( دائرة أوقاف القدس) في المملكة الأردنية ..!!..إضافة إلى ادوار الكثير من المسؤولين ؛ في " الجمهوريات الملكية " عديمة المسؤولية..
.. تكررت كثيرا نداءات النذير كي تتدارك الجماهير الخطر اليهودي الماحق (قبل أن يهدم الأقصى).. وتكررت بعدها صيحات التحذير من المكر الشيعي المتصاعد ( حتى لايستباح الحرم).. فهل سيحتاج الأمر إلى التداعي لتأمين البلد الأمين من خطر التعاون بين شر البرية على الكعبة أقدس مقدسات الأمة الإسلامية..؟!
واضح أن موضوع صراعات المستقبل المنظور سيكون عنوانه ( حرب المقدسات) فنسأل الله الثبات حتى الممات ..

ضرورة النظرة المستقبلية في عصرنا

 ضرورة النظرة المستقبلية في عصرنا

د. يوسف القرضاوي 

إذا كان الاستعداد للغد، والتخطيط للمستقبل، واجبا في كل حين، فهو أوجب ما يكون في عصرنا، الذي يشهد من التغيرات الكبيرة والعميقة والسريعة، ما لم تعرفه البشرية ولا عشر معشاره في تاريخها الطويل.

فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى «رؤية مستقبلية» بجوار «الرؤية التراثية» التي جعلت فريقا منا سجناء الماضي.

والمستقبل في جانب منه غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا ينبغي أن نقحم أنفسنا فيه، وندعي ما ليس لنا به علم ولا لنا إليه سبيل.

وفي جانب آخر، شيء يدخل في مجموعه تحت الرصد والحساب، أشبه بعلم الأرصاد الجوية،

والتنبؤ بما يتوقع أن تكون عليه حالة الجو في أمد معين بناء على قواعد مدروسة، وظواهر معلومة.

ومثل هذا يقال بالنسبة للتنبؤ بما يمكن أن تتطور إليه صناعة الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) وصناعة «الإنسان الآلي»

وطموح العلماء إلى اختراع «آلة متفوقة في الذكاء» تفوق ذكاء الإنسان أضعاف المرات، وماذا يتوقع من نتائج هائلة للثورة الإلكترونية، وثورة المعلومات؟!

كما يقال ذلك بالنسبة لما برز في السنين الأخيرة من بحوث قائمة على قدم وساق في مجال «الهندسة البيولوجية» أعني هندسة «المكونات الوراثية»

وما توصل إليه الباحثون من إمكان تغيير الخصائص والمكونات الوراثية للبكتريا،

وما يمكن أن يتمخض عنه ذلك من نتائج مذهلة تعتبر ثورة جديدة في ميادين الطب وصناعة الأدوية والزراعة وتكوين سلالات جديدة من الأحياء والنبات.

وأعجب من ذلك أن تدخل عالم الإنسان!

كل هذه التوقعات المستقبلية لا ينبغي للإنسان المسلم أن يغض الطرف عنها بدعوى أنها غيب لا يعلمه إلا الله تعالى.

فهذا من الغيب النسبي الذي وهب الله الإنسان القدرة على اكتشافه في دائرة السنن والأسباب التي أقام الله عليها نظام هذا الكون،

وهو داخل في إطار قوله تعالى (علم الإنسان ما لم يعلم) وهي أول ما نزل من القرآن.

وأعتقد أن ديننا -والواقعية من خصائصه العامة- يوجب علينا أن نحسب حساب هذه التغيرات الخطيرة،

وندرس احتمالاتها وتأثيراتها علينا، ومواقفنا منها وما ينبغي أن نعد لها من المال والرجال،

وما ينبغي أن تهيئ له الجامعات ومراكز البحوث، ونظام التعليم كله، من تطوير في الأفكار والنظم والأساليب،

حتى تخرج الإنسان المؤمن، القادر على أن يعيش عصره، من غير أن يفقد نفسه، وينسى أمسه.

وقد جاء في الأثر: «رحم الله امرأ عرف زمانه، واستقامت طريقه»،

وفي الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه: «ينبغي للعاقل أن يكون عارفا بزمانه».

الرسول يخطط للمستقبل:

الرسول  حين كان يعرض دعوته على قبائل العرب في مواسم الحجيج بمكة، يتطلب منهم الإيمان به، والنصرة له،

كَان يفكر في مستقبل دعوته، والبحث عن أرض خصبة يبذر فيها بذوره، وينقل إليها نشاطه، ويقيم فيها حكم الله.

ولما شرح الله صدر الأوس والخزرج من أهل يثرب لقبول الدعوة والإيمان بها والمبايعة على نصرته عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة المعروفة،

وبعث إليهم «مصعب بن عمير» وأمر أصحابه بمكة بعد ذلك بالهجرة إلى إخوانهم هناك،

كان ذلك كله تخطيطا لنقل مركز الدعوة إلى المهجر الجديد، حيث تقام دولة الإسلام، ويرتفع علم الإسلام.

وكذلك حين قال ﷺ بعد الهجرة:

أحصوا لي عدد من يلفظ بالإسلام، فأحصوا له، فكانوا ألفا وخمسمائة كما روى ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما،

كَان يريد أن يعرف مقدار ما لديه من قوة، حتى يبني خطته على أساس سليم من الإحصاء والمعلومات الدقيقة.

وحين صالح قريشا في «الحديبية» وهادنهم لمدة عشر سنوات،

كان يريد أن يتفرغ لنشر الدعوة، وتبليغ الرسالة إلى الملوك والأمراء في العالم من حوله، وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم.

الخلفاء الراشدون يخططون للمستقبل:

وهكذا نجد من بعده  الصحابة والخلفاء الراشدين يحسبون حساب المستقبل، ويقابلون احتمالاته وتوقعاته بما ينبغي من إعداد وحذر وكيف لا؛

وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) (سورة النساء:71).

وهذا ما دعاهم في عهد أبي بكر إلى كتابة القرآن الكريم في مصحف بعد أن كان متفرقا في صحف ومواد متعددة،

حينما استحر القتل بالقراء في معركة اليمامة وغيرها من معارك حروف الردة،

فخشوا أن يتفاقم ذلك في المستقبل فكانت كتابة المصحف.

ومن ذلك موقف عمر من قسمة أرض العراق بعد فتحها ومطالبة بعض الصحابة الفاتحين أن تقسم عليهم، باعتبارها غنيمة لهم أربعة أخماسها،

ورفض ذلك عمر ومعه كبار الصحابة من أمثال علي ومعاذ رضي الله عنهم.

وكان عمر ومن معه ينظرون إلى المستقبل، مستقبل الأجيال الإسلامية القادمة إذا استحوذ الجيل الحاضر على مصادر الثروة، فماذا يبقى لهم بعدها؟!

ولهذا قال عمر للصحابة الذين أرادوا قسمة أرض سواد العراق عليهم باعتباره غنيمة لهم أربعة أخماسها،

كالمنقولات: أتريدون أن يأتي آخر الناس وليس لهم شي؟!