الأحد، 30 يونيو 2013

ثورة البلطجية


ثورة البلطجية
أحمد منصور

ما حدث فى مصر خلال الأيام الماضية من حرق مقار للإخوان المسلمين أو لحزب الحرية والعدالة ومقتل أكثر من خمسة أشخاص فى الدقهلية والشرقية والإسكندرية بالرصاص الحى، فقتيل الإسكندرية المصرى يوم الجمعة الماضى قتل حسب تصريح مدير أمن الإسكندرية بطلق نارى فى الرأس بينما القتيل الأمريكى قتل بطعن نافذ فى الصدر حينما كان يصور حرق مقر الإخوان المسلمين فى منطقة سيدى جابر كذلك قتلى المنصورة والشرقية قتلوا بالرصاص والخرطوش كما أصيب المئات جراء هذه الجرائم التى من المؤكد أن الذين ارتكبوها ليسوا من الثوار على الإطلاق.

فالثوار لا يقتلون المواطنين ولا يهاجمون مقرات الأحزاب ليحرقوها ويخربوها ويهاجموا من فيها، ولا يهاجمون المستشفيات التى لجأ إليها الجرحى ليرعبوا الأطباء والاطقم الطبية والجرحى المصابين الممددين على الأسرة وهذا ما حدث فى بعض المستشفيات فى المنصورة
 الثوار لا يمنعون سيارات الإطفاء من أن تقوم بإطفاء الحرائق التى أشعلوها فى المقرات الحزبية التى تقع فى عمارات سكنية ومن الممكن أن تمتد النيران إلى باقى المبنى والمبانى المجاورة ومن ثم يتم حرق مصر كما يريدون وهذا ما حدث فى الإسكندرية.
الثوار لا يهاجمون أقسام الشرطة بالأسلحة كما حدث من محاولات اقتحام أكثر من قسم شرطة من قبل البلطجية خلال الأيام الماضية
 والثوار لا يقومون بتصنيع ملابس الشرطة والجيش من أجل استخدامها فى عمليات إرهابية ضد المواطنين حيث ضبطت خلال الأيام الماضية عدة مصانع تقوم بتصنيع ملابس الشرطة وبعضها يصنع ملابس للجيش كما ضبطت كميات كبيرة فى بيوت تجار وبلطجية، والثوار لا يعتلون الأسوار الأسمنتية التى نصبت أمام قصر الاتحادية ويرفعوا الملابس الداخلية ويكتبون عليها عبارات قبيحة مثلهم.
والثوار لا يحملون أسلحة يطلقوا منها الرصاص على المصريين المتظاهرين السلميين أو يقومون بسحلهم كما حدث فى الإسكندرية، والثوار لا يروجون الأكاذيب وينشرون الفوضى ويتجاوزون على حقوق الآخرين، إن ما يحدث فى مصر لا يخدم إلا أعداءها ولا يشارك مصرى عاقل فى الاعتداء على أخ له مهما كان خلافه السياسى معه، من ثم إطلاق يد البلطجية ليتصدروا المشهد القائم فى مصر وينشروا الفوضى ويقتلوا الأبرياء ويحرقوا المقار وينهبوا الممتلكات تحت مسمى الثورة هذا عبث يجب أن يقف كل مصرى مخلص ومحب لبلاده أمامه.

إن ما يجرى فى مصر الآن هو لعب وعبث ومقامرة رخيصة من فلول النظام السابق وأيدٍ خارجية تشاركها أيدٍ مصرية عابثة بمصير البلاد، وما يحزننى أن بعض من كان ينظر إليهم على أنهم من عقلاء الناس يتصدرون مشهد الفوضى مروجين لأعمال البلطجة ومشرعين لها، حيث أعماهم الخلاف السياسى والكراهية للإخوان عن التفكير فى مصير البلاد وما يمكن أن يؤدى إليه هذا المشهد المحزن الذى انتشر كالنار فى الهشيم ممهدا لمظاهرات الثلاثين من يونيو.

بما لا يدع مجالا للشك أن هؤلاء يمهدون لحرق مصر، لا سيما وأنه لم ينكر أحد من السياسيين المعارضين للإخوان المسلمين الجرائم التى ترتكب باسم الثورة الجديدة، ولا أعمال البلطجة المدعومة من قوى داخلية وخارجية تقتل وتحرق وتسرق وتنهب تحت غطاء الثورة الجديدة، بل إن أحد هؤلاء قال سنقتحم قصر الاتحادية ونقبض على الرئيس ونحاكمه، وإذا كنت أتعجب من هؤلاء فإنى أتعجب أكثر من ضياع هيبة الدولة وضعف الحاكم إزاء ما يجرى وبطئه الشديد القاتل حيث يجرى كل شىء بوضوع على الملأ والكل ينتظر إحراق البلاد حتى تكتمل ثورة البلطجية.

اللعب بالمليونيات


اللعب بالمليونيات

فهمي هويدي
لا أعرف إلى أيّ مدى يمكن أن نأخذ على محمل الجد أرقام التوقيعات المليونية التي يتحدث عنها معارضو الرئيس محمد مرسي ومؤيدوه، لكني لا أخفي أنّني استهولت ادعاءات الطرفين، سواء منظمو حملة تمرد الذين أعلنوا عن أنّهم جمعوا أكثر من 22 مليون استمارة طالبت الرئيس بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أو المؤيدون القائمون على حملة تجرد الذين قالوا إنّهم وصلوا إلى الرقم 22 مليون ويستهدفون جمع توقيعات من 33 مليون شخص.
كما أنّني استغربت ما قاله أحد فقهاء التليفزيون حين سئل عن كيفية التثبت من صحة رقم الـ22 مليون توقيع الذي أعلنه منظمو حملة تمرد، فكان ردّه أنّ البيّنة على من ادّعى، في إشارة إلى أنّه يتعيّن على السائل أن يتولّى بنفسه عدّ الأوراق كي يتأكد من أنّ الرقم المعلن صحيح أو غير صحيح.
ثم أنّني لاحظت شيئا آخر هو أنّنا سمعنا رقما إجماليا لم يحدد أعداد الموقعين في كل محافظة بمدنها المختلفة، كي نطمئن إلى أنّ المجموع هو حقا 22 أو 33 مليونا، علما بأنّنا لم نر أمس تلك الملايين المهولة من البشر الموقعين، سواء في جانب المعارضين أو الموالين.
من جانبي حاولت أن أتحقق من صحة الأرقام المعلنة، إذ فضلا عن الشكوك التي أشرت إليها توا، فقد ثارت لدي أسئلة كثيرة حول الأعداد المطلوبة لجمع 22 مليون توقيع مثلا، والمدة التي تستغرقها العملية والإمكانيات المطلوبة لجمع تلك الأوراق ونقلها من مكان إلى مكان آخر.
 ورجعت في ذلك إلى بعض أهم خبراء الطباعة والإحصاء، الذين أجمعوا على أنّ الأمر يتعذّر أخذه على محمل الجد، لأنه من المستحيل من الناحية العملية أن يقوم مجموعة من الأشخاص المتطوعين بجمع توقيعات 22 مليون مواطن خلال أسابيع محدودة وبإمكانياتهم اليدوية المتواضعة.
ألححت في السؤال عن التفاصيل فقيل لي ما يلي:
إذا اعتبرنا أنّ الاستمارات مطبوعة على الورق العادي وبالقياس المتعارف عليه، فسنجد أنّ الرزمة تحتوي على 500 ورقة ووزنها 2.50 كليو جرام، والكرتونة الواحدة تحتمل 5 رزم وكل 50 كرتونة تحتاج إلى متر مكعب كي توضع فيه، وبعملية حسابية نجد أنّ المتر المكعب يستوعب 125 ألف ورقة، زنتها نحو 125 كيلو جراما.
في هذه الحالة فإنّ المليون توكيل يحتاج إلى 8 أمتار مكعبة، الأمر الذي يعني أنّ الـ22 مليون ورقة تحتاج إلى 176 مترا مكعبا.
وإذا علمنا أنّ عربة النقل العادية أو الشاحنة التي تصل حمولتها إلى 3 أطنان، تحتمل خمسة أمتار مكعبة من الورق، فمعنى ذلك أنّ الـ22 مليون ورقة تتطلّب توفير أسطول يضم 35 شاحنة لنقلها من مكان إلى آخر، وهو ما لم ينتبه إليه الذين يطلقون الأرقام ويرفعون منها يوما بعد يوم، دون نظر إلى الإمكانيات العملية لتحقيقها على أرض الواقع.
أدري أنّ باب المزايدات مفتوح على مصراعيه في مصر منذ عدة أشهر، وهناك مزايدات في السياسة لا سقف لها، وفي الهرج السائد في مصر وفي ظل قوة ووفرة وسائل الاتصال فقد بات بمقدور كل أحد أن يطلق أيّ كلام، وأن يبثّه من خلال الشبكة العنكبوتية التي أصبحت أدواتها في متناول الجميع دون أن نعرف لأيّ منهم وزنا، ومثل ذلك الاضطراب مفهوم في أجواء الانفلات التي تصاحب الثورات، لكن الأمر يستدعي قدرا من الحذر حين يتعلق الأمر بالأرقام.
إنّ من حق أيّ باحث أن يقول حين يسمع أرقام المليونيات المتداولة في ساحتي المعارضة والتأييد أن يتساءل: لماذا لا تذهب تلك الملايين إلى صناديق الانتخاب كي ترجّح الكفة التي تراها أصلح لإدارة البلد، بدلا من حشد الحشود وملء الأجواء بالصياح والضجيج، ناهيك عمّا يستصحبه ذلك من عنف وفوضى وتعطيل للمرافق وإهدار لمصالح الخلق.
لقد كانت الديمقراطية المباشرة صيغة اعتمدتها أثينا في اليونان القديمة، ثم تطوّر العقل السياسي بمضي الوقت وانتقل العالم إلى الديمقراطية التمثيلية، ووحدها سويسرا نظرا لظروفها الخاصة ما زالت تمارس تلك الديمقراطية المباشرة ممثلة في استفتاء المقاطعات المختلفة «الكانتونات» على التعديلات والتشريعات المختلفة، وحتى في هذه الحالة فإنّ نتائج الاستفتاءات تحيلها منظمات المجتمع المدني إلى البرلمان كي يسترشد بها فيما يصدره من قوانين، والفرق بين ما يفعلونه وما نمارسه يجسّد الفرق بين الجد وبين التهريج السياسي والهزل، وهم بالاستفتاء الجاد يبنون ويتقدمون، أمّا نحن فنضيع أوقاتنا ونهدر طاقاتنا، ونصيح ونركض، لكننا لا نتقدم خطوة إلى الأمام وربما عدنا خطوات إلى الوراء.

صورة اليوم

‎رامى جان الصحفي القبطى 
غدا 2000 مسيحى قبطى ينضمون لحزب الحرية و العدالة تأييدا للدكتور محمد مرسى 
ومن يريديون خلع الدكتور محمد مرسي  اليوم دي اسمها  ديكتاتوريه .... و هذه حشود ممولة من بعض رجال الأعمال و انا صحفى و اعلم ما أقوله ..... 
و البابا تواضرس ليست له شعبية بل الذى يحرك الأٌقباط هو رجال الأعمال 
و خطأ التيار الإسلامى انه لم يوضح معنى كلمة شريعة للناس 
و بكل اسف السلطة الأولى فى مصر هى الإعلام و أقترح ان القنوات الإسلامية تستعين بمذيعين مسيحين فى
غير البرامج الدعوية على حد قوله 
و نصيحتى لشعب مصر خلينا سلميين و بلاش الإعتراض الدموى 
الإمارات موصله سلاح لمصر فظيع و أقسم بالله تعالى فيه مؤامرة على مصر 
-------------
- محمد البدر -‎

رامى جان الصحفي القبطى

غدا 2000 مسيحى قبطى ينضمون لحزب الحرية و العدالة تأييدا للدكتور محمد مرسى
ومن يريديون خلع الدكتور محمد مرسي اليوم دي اسمها ديكتاتوريه ....
 و هذه حشود ممولة من بعض رجال الأعمال و انا صحفى و اعلم ما أقوله .....
و البابا تواضرس ليست له شعبية بل الذى يحرك الأٌقباط هو رجال الأعمال
و خطأ التيار الإسلامى انه لم يوضح معنى كلمة شريعة للناس
و بكل اسف السلطة الأولى فى مصر هى الإعلام و أقترح ان القنوات الإسلامية تستعين بمذيعين مسيحين فىغير البرامج الدعوية على حد قوله
و نصيحتى لشعب مصر خلينا سلميين و بلاش الإعتراض الدموى
الإمارات موصله سلاح لمصر فظيع و أقسم بالله تعالى فيه مؤامرة على مصر

الخرفان الذين أنقذوك من الذبح يوم الجمل


الخرفان الذين أنقذوك من الذبح يوم الجمل

وائل قنديل

عندما تقرأ على شريط الأخبار على القناة المملوكة لنجيب ساويرس «اشتباكات بين المواطنين والإخوان فى الإسكندرية» فإنك تكون على بعد آلاف الأميال من مفهوم الدولة والمواطنة الصحيحة، وتصبح قريبا جدا من مجتمع الغابة وقيم ما قبل اختراع الدولة.

وعندما تقرأ لساويرس شخصيا تغريدة على تويتر أمس تقول نصا «صباح النصر على الاحتلال» فإنك تجد نفسك فى أتون نزعة إقصائية استئصالية نهايتها المحتومة هى الارتداد لحالة حروب الإبادة والعنصرية.

إن الكثير من النخب السياسية تسلك هذه الأيام وكأن مصر ليست دولة مستقرة لها نظام اجتماعى وسياسى راسخ ومحدد الملامح والقسمات..
 يتصرفون وكأننا بصدد اكتشاف قارة جديدة تحرك داخل كل فصيل نوازع الهيمنة والاحتكار والتملك، حتى لو كان السبيل إلى ذلك إبادة كل المنافسين والشركاء فى هذا الاكتشاف.

ويدهشك أن بعضا من هؤلاء الممتلئين نشوة وشهوة لتطهير مصر من مصريين آخرين يوصمون بأنهم قوات احتلال هم أنفسهم الذين تغنوا ببسالة الإخوان المسلمين وبطولاتهم فى إنقاذ ثورة يناير العظيمة من الفناء على أيدى عصابات نظام مبارك يوم موقعة الجمل، وأترك لك هذا الفيديو الذى يسجل شهادات الذين يطالبون بجلاء الإخوان والإسلاميين عن مصر اليوم، شاهد الفيديو على الرابط التالي «شهادة للتاريخ»

إن الذين يدعونك للانقلاب على أول معطى ديمقراطى لمصر الثورة اليوم ويدفعونك للإمساك بالسيوف لنحر الخرفان هم أول من تحدث عن فضائل الإخوان وأفضالهم على ثورة يناير، حين تشبثوا بمواقعهم فى الميدان يذودون عن الثورة ويموتون دفاعا عن المتظاهرين فى لحظة انصرف فيها عديدون متأثرين بالخطاب العاطفى للمخلوع الذى ابتز به المشاعر ونصب كمينا كادت تسقط فيه الثورة وتنتهى إلى غير رجعة.

نعم أخطأ الإخوان والإسلاميون حين صدروا لشركاء الثورة إحساسا بأنهم راغبون فى الاستحواذ والهيمنة، غير أن خطأ الصديق لا يبرر أبدا أن ترتمى فى أحضان العدو وتحارب تحت رايته، وأظن أن المشهد شديد الوضوح الآن بعد أن تحول أبطال ثورة يناير إلى كومبارس فى انقلاب ٣٠ يونيو، وتكفى شهادات الثوار الذين صاروا غرباء منبوذين فى ميدان ثورتهم دليلا دامغا على أن يونيو ليس امتدادا ليناير بل ردة عليه وسيرا عكس اتجاهه.

ويبقى أن مصر فى اختبار سياسى وأخلاقى عظيم اليوم.. فإما تثبت أنها دولة تتمتع بمكونات نظام سياسى واجتماعى محترم، أو تقول للعالم إنها مجتمع يمور بصراع بين قبائل متناحرة سينتهى حتما بفناء الجميع.

وقبل أن تخرج اليوم أرجوك راجع ذاكرة ثورتك واستفت قلبك وعقلك قبل أن تلطخ يديك بدماء الذين واجهوا الموت والغدر معك.. تذكر شهداء يناير واستمع لصراخهم على ضميرك الذى نجح تجار الدم فى دفنه تحت ركام من الأكاذيب والأوهام.

اللهم فاشهد.



كاريكاتير


كاريكاتير علي فرزات

الأحد  21/08/1434 هـ   الموافق  30/06/2013 م  

فيسبوكات مصورة



هيكل وجليلة العالمة!


هيكل وجليلة العالمة!
د محمد عباس


أنا واحد من المسلمين-لا أحب لفظ الإسلاميين: هو سمانا المسلمين- الذين يعتقدون أن نجيب محفوظ مات مؤمنا وليس مسلما فقط.
 أعترف أنه كان في فترة من حياته كافرا الكفر المخرج من الملة..
وذلك حتى انتهائه من روايته الشيطانية المروعة : "أولاد حارتنا" وأنه قبل ذلك عاش فاسقا داعرا عربيدا يشرب المخدرات والخمور ويرتاد بيوت البغاء-باعترافه- ولا يرتبط بأي قيم.
لكنه ربما منذ كتابته : "الشحاذ" وحتى أعماله الأخيرة عبر بجمل ومعاني لا يستطيع أن يقولها إلا من دخل الإيمان قلبه.
وفي أعوامه الأخيرة قيل إنه كان يصلى ويختم القرآن كل عشرة أيام.. ولا تنسوا أن ابنتيه محجبتان.
 فإن كان ذلك صحيحا فاللهم اغفر له وأدخله الجنة.. وإن لم يكن.. فإلى الجحيم!

الثلاثية..

في أهم أعماله: الثلاثية تقابلنا شخصية جليلة العالمة.. فنانة تملأ الدنيا ضجيجا.. ظاهرها الفن.. وباطنها البغاء.. كانت تحرك مصر بإشارة إصبع.. يركع أمامها الوزراء والباشوات ولا يصمد لقوتها وغضبها ودلالها أحد.
مرت السنون.. أفل الشباب.. وذبل الجمال.. وحاولت الاحتفاظ بسطوتها بتوظيف داعرات تحت ستار الخدمة أو الفن..
ومرت السنون وأفل كل ذلك فحاولت الاحتفاظ بسطوتها بالابتزاز وتهديد الآخرين بفضح أسرارهم وعلاقاتهم..

ثم اختفت جليلة العالمة تماما.. ربما لسبعمائة صفحة.. وخمسين عاما من زمن الرواية.. ونسيها القارئ تماما.. وحسبنا أن دورها في الرواية انتهى..

في المقهى.. كانت مجموعة الشباب القديمة التي طالما عربدت في شبابها قد بلغت أرذل العمر.. كان المقهى لا يخلو من المتسولين والمجاذيب وماسحي الأحذية.. ودخلت متسولة مسكينة تجرجر قدميها مستعينة بعكازين.. كانت ملابسها أسمالا.. تعلوها القذارة من كل جانب.. وكانت تتوسل وتتسول.. وأخرج أحدهم بعض النقود ليتصدق عليها.. لكنه سرعان ما قفز كالملدوغ وهو يصرخ:
- جليلة العالمة

جليلة العالمة.. هيكل..
نعم..
مراحلها تذكرني بمراحل هيكل..
جليلة العالمة.. الوفد..
جليلة العالمة.. صلاح عيسى..
جليلة العالمة.. حمدين.. البرادعي.. البدوي.. البرعي.. الترعي.. النزهي.. الفقيد.. القعيد.. الحفناوى .. الجبالي.. البحيري.. الكعبرة..
جليلة العالمة.. عشرات.. ومئات .. وملايين..

ولائم جنسية فى ميدان الثورة


ولائم جنسية فى ميدان الثورة 
ولائم جنسية فى ميدان الثورة
فراج اسماعيل

 مهما كانت معارضتك لمرسي، لا يمكن أن تتخيل الوقوف جنبًا إلى جنب مع أنصار النظام السابق في الميدان الذي خلعه في 11 فبراير 2011 رافعًا معهم صور حسني مبارك أو متفرجًا عليها وهي تتصدر عددًا من الخيام.
حقًا كم في مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء.
 الميدان الذي كان أيقونة العالم صار وجهة لولائم الجنس الجماعية، وصارت مناسبات المظاهرات الكبرى فرصة للمراهقين والجائعين لإشباع نزواتهم المريضة.
 ومهما كانت معارضتي لألوان الطيف المتناقضة في ميدان التحرير، لابد أن أشعر بالخزي والعار والأسف لما حدث للسائحة الهولندية أثناء مظاهرات الجمعة الماضية، إذ قام بعض المتظاهرين بالالتفاف حولها وخلع ثيابها واغتصابها جماعيًا. ويظهر فيديو تم تداوله بكثافة على اليوتيوب مجموعات تلتف حولها وهي محمولة إلى سيارة الإسعاف.
 في الليلة نفسها وحتى الساعة الثانية من فجر السبت تلقت إحدى الهيئات المعنية بلاغات بخمس حالات تعرضن للاغتصاب الجماعي بينهن هذه السائحة التي كانت تعتقد أنها آمنة في ميدان الثوار، ولم يدر بخلدها إنهم ليسوا هم، وأن متظاهري ثورة 25 يناير 2011 قد هجروه. 
في الشوارع شاهدت صبية صغارًا دون الثامنة عشر من عمرهم بقصات شعر غريبة ملفوفة في الخلف، يحملون استمارات تمرد ويستعطفون المارة وركاب السيارات التوقيع عليها فلا يعيرهم أحد اهتمامًا. زالت دهشتي عندما نجح "هاكرز" في اقتحام موقع الحملة واكتشاف أن عدد الموقعين ليس مليونًا أو عشرة، إنما 167 ألفًا فقط.
لم يمض وقت طويل على تلك الفضيحة حتى كذبت المحكمة الدستورية العليا أنها تلقت استمارات تمرد للحكم بدستوريتها، وهذا موقف مسئول وقوي من المحكمة لم يتأخر عن متطلبات اللحظة وضرورتها.
التراجيديا المصرية تصل لمرحلة الإثارة باستقالات داخل جبهة الإنقاذ وأحزاب المعارضة احتجاجًا على الاصطفاف مع النظام السابق الذي تجاهله البرادعي وحمدين صباحي.
الأخير طالب المتظاهرين بعدم الالتفاف إلى جانبهم حيث يتجاورون مع مجموعات آسفين يا ريس المطالبة بعودة مبارك وفلول الحزب الوطني وبلطجيته وإنما توجيه عيونهم إلى الأمام فقط نحو هدف الإطاحة بمرسي.
 ولائم الجنس لم تدهش البعض، فقد توقعوها عقب العنف الذي شهدوه خلال الأيام الماضية في عدة محافظات سيما في الإسكندرية وبورسعيد والمنصورة والمحلة والشرقية، إذ يستدل منها أن 30 يونيه جهزت له مجموعات فوضوية مسلحة لا تكترث بأي شيء حتى بحرمة المساجد وقتل المصلين، فقد هاجموا مسجد الجمعية الشرعية في المنصورة وهو لا ينتمي للإخوان ولا لحزب النور ولا الجماعة الإسلامية، وفي بورسعيد ألقوا المصاحف على الأرض ومزقوها، وفي مترو الأنفاق بالقاهرة هاجموا راكبًا ملتحيًا ليس له في العير ولا في النفير وأشبعوه ضربًا لمجرد أنه ملتح.
أرجو ألا يحبط ذلك من يقرأ الكلام السابق أو يقلقه.
بالعكس إنه يدل على ترنح معارضة ممزقة لا هدف لها سوى تحقيق مصالح شخصية تقاطعت لحظة الحسم فتركت الأبرياء والمقدسات لقمة سائغة لمن يقبض المال الحرام. 
farrag.ismail@yahoo.com

بشائر الهزيمة الأمريكية آيات وتحديات

بشائر الهزيمة الأمريكية آيات وتحديات 

 د. عبدالعزيز كامل

يخطئ كثيراً من يظن أن الصراع الدائر في العراق، شأن يخص العراقيين وحدهم، أو يخص المجاهدين هناك فقط، وهذا الخطأ يعود لأمرين جوهريين: 
أولهما: أن المحتل الأمريكي الذي جاء إلى المنطقة لمطامع إمبراطورية بذرائع نشر الحرية والديمقراطية انطلاقاً من العراق؛ أراد تحويل هذا البلد إلى قاعدة عسكرية يمكن الوثوب منها إلى دول الجوار القريب والبعيد للهيمنة عليها بصورة أو بأخرى؛ فالخطر هنا لم يكن قاصراً على العراق، والأمر الثاني: أن المحتل الأمريكي أعلن مراراً على ألسنة ساسته بأن العراق أصبح الساحة الرئيسية لما تسميه أمريكا بالحرب (العالمية) على الإرهاب! وهو ما يعني أن تلك الحرب يمكن أن تنتقل إلى ساحات أخرى في بلدان أخرى، يقع عليها الاستهداف الخبيث بخطة إبليس المسماة بـ (الفوضى الخلاقة) التي يريد الأمريكيون تكرارها في كل بلد يريدون أن ينقلوا إليه مركز الحرب العالمية على الإسلام، المتسترة وراء الحرب على الإرهاب.

المجاهدون في العراق، أو ما يصطلح على تسميتهم في الإعلام العربي بـ (الجماعات المسلحة )، وما يصطلح في الإعلام الأمريكي والغربي على تسميتهم بالإرهابيين أو المتمردين، هؤلاء قاموا بقدر كبير من الواجب التاريخي في التصدي للهجمة الأمريكية، من الناحية العسكرية الميدانية على الوجه الذي فصلت الكلام عنه في الحلقة السابقة من هذا المقال، وهو الأمر الذي رأيت فيه ولا أزال معجزة تاريخية، وآية ربانية تمر بنا وأكثرنا عنها معرضون أو غافلون.

إلا أن تلك الإنجازات الضخمة والنتائج الجبارة التي ألجأت قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة إلى التسليم " العملي " بالهزيمة باتخاذ قرار الانسحاب بعد أقل من ثلاث سنوات من الغزو تتهددها تحديات، يمكن أن تفرغ الإنجاز الضخم من محتواه، وتحوِّل النتائج المبهرة من صورتها الإيجابية إلى صور أخرى سلبية، وهذا المحظور الخطير؛ يمكن أن يقع ونسأل الله ألا يقع إذا حدثت محاذير أساسية، يمكن اختصارها فيما يلي:

1 - إذا لجأ الأمريكيون إلى خيار (الأرض المحروقة) عند انسحابهم المخزي المهزوم، بإشعال حرب أهلية، طائفية وعنصرية، يمكن أن تؤدي إلى إحراق ما تبقى من العراق، إذا استجاب لها أقوام دون تقدير للظرف التاريخي الخطر، والمنعطف الحضاري الحساس.

2 - إذا أصيب بعض المقاومين بداء نشوة النصر، فراحوا يسارعون إلى جمع الغنائم واقتسامها في شكل مواقف متعجلة، وقرارات منفردة من شأنها أن تمكن الأعداء من استعادة التوازن، أو تمكِّن بعض الفرقاء من اختطاف النصر، واقتطاف الثمار.

3 - إذا استمرت الأنظمة في الدول العربية والإسلامية في خذلان العراقيين والسير في ركاب الأمريكيين، لينوبوا عنهم بعد الانسحاب في أداء مهمة أمريكا المستحيلة في العراق، وهي تقوية العملاء وحمايتهم وإضفاء الشرعية على حكومتهم.

4 - إذا استمر أكثر الإسلاميين في رفع أيديهم عن التحدي الذي تواجهه الأمة في العراق عقائدياً وحضارياً حيث يتربص به العلمانيون ليسلخوه عن الإسلام، و الفرس ليعزلوه عن العروبة، وأمريكا والغرب و اليهود ليردوه إلى عصور ما قبل الحضارة.

والضرورة تقضي - ونحن على مشارف الاستبشار بالنصر الجديد - ألا يسمح الغيورون على الأمة وحرماتها في العراق وخارجه؛ أن يتحول هذا الانتصار إلى انكسار؛ فكم في التاريخ من نجاحات لم يحفظها أهلها فتحولت إلى إخفاقات؛ فما حدث في أُحُد، كُبِّرت صور عديدة منه في الشام و إفريقيا و الأندلس، وكُررت في عصرنا في حرب رمضان وحرب أفغانستان. ولكن أوضاع الأمة هذه المرة لا تحتمل مثل هذه التحولات الحادة، فالخصم ضخم، والمشوار طويل، والجراح كثيرة.

* لكن الفرصة سانحة:

نعم!... فهناك متسع من الحظ لأن تغالب الأمة هذه التحديات، وتمارس خيريتها مرة أخرى فتستنقذ العالم من غول المغول الجدد، و الصليبيين المعاصرين في حملاتهم المتجهة كما هي العادة في التاريخ نحو شرقنا العربي الإسلامي بغرض إنشاء إمبراطورية جديدة من إمبراطوريات الشر، وقد ساق الله بأقداره الحكيمة الأمور إلى تناغم عجيب بين أداء الفداء الأسطوري للمقاومين في العراق، مع الغباء الاستثنائي للتخطيط الأمريكي الذي يتخبط في ورطاته، ويتورط في تخطيطاته من مرحلة إلى مرحلة وفق إستراتيجية هلامية، اتفقت عليها النخبة الحاكمة في أمريكا.

هذه الإستراتيجية، كانت تقوم حتى الانتخابات الأمريكية الأخيرة على أمور ثلاثة أساسية وهي:
- البقاء في العراق حتى تحقيق مصالح أمريكا الاقتصادية وتأكيد هيبتها السياسية.

- الانتهاء من هزيمة من تسميهم أمريكا بـ (المتمردين) كجزء رئيسي من الحرب العالمية على (الإرهاب ).

- تثبيت حكومة موالية للأمريكان، يمكن من خلالها مواصلة تحقيق الأهداف الأمريكية، والادعاء بتحقيق الديمقراطية والحرية للشعب العراقي.


وهذه الإستراتيجية التي تبدو منطقية لدى الأمريكيين، هي في الحقيقة غير عملية؛ لأنها تستند إلى عدة افتراضات وهمية: الوهم الأول منها: هو افتراض أن الوجود الأمريكي سيظل ممكناً رغم فداحة الخسائر حتى تحقق أمريكا مصالحها وتؤكد هيبتها وتثبت عملائها، 
والوهم الثاني: هو توقع أن يوافق أحرار العراق على قرار أمريكا بالاستقرار في بلادهم دون أن يضاعف هبّتهم لرد الصاع صاعين في وجه الغزاة ومن يشابههم،
والوهم الثالث: هو افتراض سهولة القضاء على المقاومة عسكرياً، أو تدجينها والتغرير بها سياسياً،
والوهم الرابع: هو افتراض وجود القابلية للممارسة الديمقراطية في البنية الطائفية والعنصرية العراقية، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تقدم النموذج المحتذى كما يحلم الأمريكان في نشر ما يسمى بقيم الحرية والتعددية وقبول الآخر؛ فالطائفية والعنصرية في العراق جبرية قهرية تاريخية، لا يحيّدها أو يحد من أثرها إلا التوازن بين الأقوياء، ولا يزيل أوضارها إلا أخوّة الدين.

وعليه، فإن إستراتيجية أمريكا للانتصار في العراق هي إستراتيجية مفلسة سلفاً، لاستنادها إلى تلك الأوهام والافتراضات الخاطئة، وقد بدت أمام العالم مؤشرات إقبال الولايات المتحدة على مواجهة أسوأ النتائج المترتبة على انهيار إستراتيجيتها في العراق، وهذا وإن كان يحمل في طياته من المبشرات والتطمينات ما يحمل، وبخاصة فيما يتعلق بتسريع وتيرة الانسحاب المهزوم، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى الكثير من المحاذير؛ لأن أمريكا التي ستواجه أسوأ النتائج، لا شك أنها وعملاءها سيُقْدِمون على أسوأ الحيل وأنذل التوجهات والإجراءات، للتغطية على النتائج الكارثية لهزيمتهم التاريخية في العراق.

والمتوقع أن يترجم هذا إلى عدد من التحديات الجديدة التي ستتوجب مواجهتها على الصعيد العراقي الخاص، والعربي الإسلامي العام.

ويمكننا أن نصنف هذه التحديات إلى مستويات عديدة، باعتبار أن تحديات ما بعد الانسحاب، لن تأتي من أمريكا وحدها، وإنما من أطراف عديدة، يمكن تفصيلها على الوجه التالي:
أولاً: أمريكا وخيارات الانتقام:

- قد تلجأ الولايات المتحدة إلى سيناريو اليابان بدلاً من سيناريو فيتنام؛ ففي مواجهة الهزيمة في فيتنام اكتفت أمريكا بالانسحاب الذليل دون ضجة أو انتقام، بينما أفرطت في الانتقام في حالة اليابان حتى استعملت القنابل النووية، كي تستعيد هيبتها وتفرض احترامها على من تجرؤوا بالهجوم عليها في سيناريو (هاربر ).

وفي حالة الهزيمة في العراق؛ لن تلجأ الولايات المتحدة إلى مثل هذه الخيارات المجنونة في اعتقادي إلا في حالة واحدة، وهي الحالة التي يمكن أن يُُعلن فيها عن إقامة دولة إسلامية سنية سلفية جهادية بعد الانسحاب، تصلح لأن تكون قاعدة امتداد إسلامي عالمي جديد، فعندها سيكون هذا بمثابة إعلان حرب على أمريكا والغرب، ولن تكون المعالجة هنا تقليدية عقلانية، بل ستكون شمشونية جنونية.

- اعتماد مبدأ (الفوضى الخلاَّقة) قد يكون خيار الأمريكيين في آخر الحرب كما كان خيارهم في أولها؛ فالولايات المتحدة التي تعمدت فك كل الأربطة في جسم الدولة العراقية بُعَيْد الغزو، لتغرقها في فوضى يمكن النفاذ فيها إلى كل الأهداف الأمريكية؛ س وف تلجأ إلى هذا الخيار إذا رأت فيه تحقيقاً لشيء من مصالحها، ضاربة عرض الحائط بمبادئ الديمقراطية والإصلاح والتعمير. وخيار (الفوضى الخلاَّقة) يمكن تنفيذه بتسعير أتون الحرب الأهلية، لا بين الشيعة و السُّنة فحسب بل بين العرب و الأكراد، وبين العلمانيين و الإسلاميين، بل بين الإسلاميين الذي يُدعون (معتدلين) وإخوانهم الموصوفين بـ (المتشددين )، والحرب الأهلية يمكن أن تندلع إذا تركت أمريكا أرض العراق وهي واقعة تحت سيطرة الشيعة والأكراد وحدهم دون السنة العرب، أو تحت سيطرة العلمانيين دون بقية طوائف المتدينين، أو إذا تركت العراق بدون حكومة أصلاً.

- سيناريو إشعال الحرب الأهلية، قد يدفع باتجاه المخطط القديم بغرض التقسيم، حيث سيطالب الشيعة بجنوب العراق وفقاً لترتيبات ما يسمى بـ (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) وسينفصل الأكراد (رسمياً) بالشمال، بعد أن استقلوا به عملياً منذ فرض الحظر الجوي على شمال العراق بعد حرب الكويت؛ وهنا قد يضطر أهل السنة إلى وضع أيديهم على ما يبقى من الكعكة العراقية في الوسط، أو ما يبقى من ذلك الوسط، بعد أن يكون الشيعة قد فصلوه وفصَّلوا أجزاء منه لصالح الجنوب الشيعي.

- الأمريكيون سيلجؤون حتماً إلى إعمال مبدأ (فرق تسد) بين الفصائل الجهادية السنية العراقية وبين العناصر المشتغلة بالسياسة من سنة العراق. أما تفريقها بين فصائل المجاهدين أنفسهم، فقد بدأته أمريكا بفتح قنوات اتصال مع المقربين من بعض الفصائل الجهادية، مع الترويج إعلامياً للتفريق بين ما يسمى (المقاومة الشريفة) و (المقاومة غير الشريفة)! والتفريق بين (الراديكاليين) و (الواقعيين) من السياسيين، وبين (المعتدلين) و (المتشددين) من الإسلاميين، وغير ذلك من التقسيمات الخبيثة التي بدأت أمريكا في استغلالها أسوأ استغلال.

- ستغير الولايات المتحدة في ولاءاتها بحسب مصالحها؛ فهي وإن كانت قد استهلكت الورقة الدينية الشيعية في معظم ما مضى من زمن الاحتلال، إلا أنها قد تُحل الشيعة العلمانيين محل الشيعة المتدينين، ليكون رهانها على تغيير البنية الثقافية للشعب العراقي أوقع وأقرب، والأخطر من ذلك، أن تضم إلى ذلك شرائح من السنة المتميعين أو العلمانيين فتجعل بعضهم رؤوساً في نظام الحكم تنطح بهم المقاومة التي قد تفاجأ كما كان عهد الاستعمار دائماً بخلفاء الاستعمار وحلفائه، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة.

- ستضطر الولايات المتحدة إلى إنهاء حملتها العسكرية في يوم من الأيام القريبة المنظورة - بإذن الله - تحت وقع الضربات الجهادية، ولكن حرب الدمار والاستعمار، كانت تعقبها دائماً حرب الأفكار، وقد صار مصطلح " حرب الأفكار " مستقراً في إستراتيجية المواجهة الأمريكية للمد الإسلامي، وهو وإن كان لم يفعَّل إلى الآن بالصورة المخطط لها، إلا أن المتوقع أن يشهد العراق، وتشهد الكثير من دول العالم الإسلامي، هجمة ثقافية وإعلامية تحاول يائسة تشويه صورة المنتصر النبيل وتقديمه على أنه عدو للحضارة، وطارد للتقدم، وعاشق للتخلف. ولن يألو المنافقون جهداً في تقديم وقود تلك الحرب، من خلال مراكز أبحاثهم ووسائل إعلامهم ومنابر أفكارهم المقروءة والمسموعة والمشاهدة، لتكون الحرب هذه المرة ليست موجهة فقط إلى المفردات الشاذة التي ذللوها على ألسنة الجهلة من العامة، كاالإرهاب والتطرف والأصولية، بل ستوجه إلى الإسلام نفسه تحت مسمى مواجهة السلفية والوهابية والعقيدة السنية.

إن هذه التحديات الجسام، تحتاج إلى مئات العقول المفكرة، والقلوب النيرة والكفاءات القديرة كي تنتدب لمواجهة ما قد تخبئه الأيام لا على مستوى العراقيين فحسب، بل على مستوى الأمة كلها بالأقرب منها فالأقرب؛ فمن غير المقبول أن نكون شركاء في إجهاض النصر وتبخر الحلم وفقدان الفرصة، بترك هذه التحديات تمضي لغايتها.
وبما أن العثور على الحلول لا يُنال بمجرد الآمال، فإن ذوي الرأي وأصحاب الفقه وأرباب التخصصات الدينية والسياسية والإستراتيجية والإعلامية في الأمة مدعوون اليوم بإلحاح إلى تقديم المستطاع من الرأي والمشورة، والتسديد والتقريب والنصيحة، إلى أصحاب القرار الإسلامي في العراق باعتبارهم نواباً عن الأمة في مواجهة الملمات التي تحيق بجزء من جسدها على أرض الرافدين، علماً بأن عاماً أو أكثر قد يمضي حتى ينتهي الاحتلال، وتبدأ مشكلات ما بعد الاحتلال.

- هناك معضلات معقدة، لا يصلح لها إلا أهلها من أصحاب التخصص في الفتاوى الفقهية أو التنظيرات العسكرية والإستراتيجية، ولكن هناك عمومات، تحكمها المبادئ المستقرة في الفهم الإسلامي قد تضيع مع بداهتها في زحمة التفصيلات والتفريعات وهي تحتاج فقط إلى حسن التقدير، مع حسن التقديم.

ولعل ما يتبادر إلى الذهن منها فيما يتعلق بالتحديات على المستوى الأمريكي ما يلي:

- يمكن تضييق خيارات أمريكا في الانتقام، بشد اللُّحمة، وتقريب الهوة بين فصائل المجاهدين من جهة، وبين عموم الشعب من جهة أخرى حتى لا تتمكن أمريكا وأولياؤها من عزل المقاومة وتصويرها بصورة الخروج عن الصف العراقي. والبداية في توحيد الصف العراقي ولو في حدها الأدنى لن تكون إلا من المجاهدين؛ فهم الأقدر على مجاهدة شياطين الفرقة وغربان البين، والشعب سيكون تبعاً لهم إذا تحدت كلمتهم، وبقية الأمة ستكون مع خيارهم، وعندها سيظهر الانتقام الأمريكي إذا حدث على أنه انتقام من الشعب، يمكن أن يضاف إلى سجلات الإجرام بانتظار إجراء مماثل من المعاملة بالمثل.

- هناك متسع من الوقت لتفويت فرصة (الفوضى الخلاَّقة) التي قد تترجم إلى حرب أهلية؛ وذلك باجتماع الرؤوس الكبيرة من سنة العراق عرباً وأكراداً على إستراتيجية موحدة لما بعد الانسحاب ولو في خطوطها العريضة، استباقاً للتحرش الأمريكي الذي يراهن على إشعال المواقف وإذكاء الفتنة، وكذلك فإن الاتفاق على آلية للتحاور والتفاهم من الآن، أمر لا بد منه ديناً وعقلاً؛ لأن الشح المطاع، والهوى المتبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، قد يغرق السفينة بركابها وربانها.

- خطر التقسيم لا يمكن دفعه إلا بمدافعة الواقفين وراءه؛ فلو علم كل ساعٍٍ في التقسيم أن ثمن سعيه سيكون وبالاً عليه لرجع وارتدع؛ فكم من مَرَدَة ردتهم المخاوف والحسابات الدقيقة للمستقبل، عن أحلام التفرد والتمرد. 
قال الله -تعالى-:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: 60) ثم قال بعدها: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }(الأنفال: 60) وهم المنافقون الممالئون للكافرين.

ومن الخير أن يتواكب النصح مع الردع، بإقناع الفرقاء بأن العراق الموحد قوة للجميع؛ وتمزيقه إضعاف للجميع، فدعاة التقسيم لن يقفوا عن حد ثلاث دويلات للأكراد والسنة والشيعة، بل قد يسعون إلى مزيد من التفتيت حتى يصل الأمر لا قدر الله إلى أن نسمع عن الإمارات العراقية " المتحدة "، مع الولايات الأمريكية المتحدة!!

- حرب الأفكار الأمريكية، لا بد من الإعداد لمواجهتها من الآن بأفكار إسلامية، وهذا الواجب ألصق بخارج العراق منه بداخله؛ فالمستهدَفون بهذه الحرب ليسوا العراقيين المشغولين في المعركة فقط، لكن المستهدَف هو الأمة كلها، ولهذا يتكاثر من الآن نشاط المراكز البحثية المشبوهة، والقنوات الفضائية الفوضوية لخوض غمار تلك الحرب التي يتوقع أن تستعر أكثر بعد الانسحاب، لإلهاء الناس عن فضيحة الهزيمة التاريخية لأمريكا. من واجب الباحثين والإعلاميين الإسلاميين، أن يرصدوا فعاليات تلك الحرب حرب الأفكار ليتمكنوا من صدها قبل أن تؤتي ثمارها المرة؛ فهذا واجب إسلامي عام، لا يحتاج إلى ساحات تدريب أو ميادين رماية.

ثانياً: إيران واللعب بالنيران:

هيام الفرس بعبادة النار قديماً، قد ترك آثاره فيما يبدو على تكوين مَنْ لم يتطهر بالكامل من أدران تلك النيران الفارسية الجاهلية الماضية؛ فالثورة والثأر والتثوير، كلها مفردات جاهزة للإنتاج والتصدير، في ظل معتقدات التشيع الفارسي التي حولت هذه السلوكيات الدخيلة إلى قربى إلى الله، وزلفى إلى أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانضمام الطبيعة الفارسية إلى العقيدة الشيعية، جعل مذهبهم ناراً على نار بدلاً من أن يكون نوراً على نور.

وقد أخرجت دوافع الثارات التاريخية القديمة أصحاب القرار في إيران عن كثير من فرضيات العقل والمنطق، فضلاً عن مقتضيات الدين والمصلحة، فراحوا يُحنون ظهورهم أمام العدو الكافر الظاهر ليمر من فوقها إلى اقتحام حرمات المسلمين ومقدراتهم في كل من أفغانستان والعراق، وسوف يكتب التاريخ بحروف سوداء تلك المواقف النكراء التي كرر بها هؤلاء سلوك أشياعهم وأجدادهم من أمثال نصير " الدين " الطوسي، و مؤيد " الدين " العلقمي الذين جعلوا من الدين ستاراً يخفي التآمر مع أعداء الدين.

وإذا كنا لا نزال نذكر مواقفهم في الموالاة الصريحة لـ " الشيطان الأكبر " قبل وأثناء وبعد غزو أفغانستان والعراق، فإننا وبكل مرارة نتوقع الأسوأ بعد أن تمضي سحابة الاحتلال السوداء الهوجاء.

- إذا كانت القوات الأمريكية وشريكتها البريطانية، وغيرهما من الشركاء والحلفاء يفكرون من اليوم في كيفية الهروب الآمن من العراق؛ فالقوات الإيرانية الأجنبية تحت رايات وطنية لا بد أنها تستعد من اليوم للحلول مكانها، والحؤول دون رجوعها، لتستفرد هي بالقصعة العراقية؛ وقد تمهد الأمر من الآن لإيران بعدما تمكن شيعة العراق الموالين لها من السيطرة على معظم كيان الجيش والشرطة.

ولا نظن أن هذا الإنجاز الذي توافر للشيعة في كل من إيران والعراق، سيسهل التفريط فيه عند عموم الطائفة المتطلعة إلى استكمال الهلال (الخضيب) من أفغانستان إلى لبنان، مروراً بإمارات الخليج والعراق و سورية، ولهذا فإن ذلك يمثل تحدياً عظيماً من تحديات ما بعد الهزيمة الأميركية، ليس لأهل السنة في العراق فحسب، بل لأهل السنة في العالم أجمع، هؤلاء الذين لم يجمعهم إلى الآن إلا التفرق والتنازع، دون ما مرجعية علمية موحدة، أو قيادة سياسية واحدة.

- قد تسارع إيران في مساندة خيار التقسيم كخطوة أولى، لتضمن مشايعة الجنوب الشيعي لها، وانضواءه تحت لوائها، وجيش الغدر المسمى بـ (فيلق بدر) جاهز من الآن ليكون الجهاز العسكري لدولة المجلس الأعلى " للثورة الإسلامية " في العراق، بقيادة عبد العزيز الحكيم، و حزب الدعوة، جاهز لإدارة الجهاز السياسي فيها.

وسيناريو التغلغل الشيعي على الصعيد السياسي أو العسكري، قد أسس له منذ البداية خميني العراق " الإيراني " السيستاني، فهو الذي دفع بالشيعة إلى الانخراط بقوة في العمل السياسي والعسكري في ظل الاحتلال الذي لن يقتصر في المستقبل على ما يبدو على جزر الإمارات العربية، بل يريد الامتداد للسيطرة على بعض العواصم العربية، بالتواطؤ مع الأمريكيين حيناً، وبالانفراد عنهم أحياناً.

- اختراق إيران للعراق، والذي سيكون إن وقع اختراقاً للخليج كله، وسوف ينعش ثورات التشيع في أكثر دول المنطقة؛ حيث سنسمع عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في أكثر من عاصمة عربية، بل وغير عربية، وهو ما سيؤسس إذا سارت الأمور على حسب مخططات بروتوكولات حكماء قم إلى مدٍّ رافضي خطير، يطال العقيدة والدين، بعدما يهدد الأوطان والمقدرات؛ وهنا قد تقع الشعوب الإسلامية السنية بين فكي كماشة الفرس و الروم!

وعلى غرار الجهد المطلوب لمواجهة التحديات الأمريكية، تتأكد الحاجة لجهود مضاعفة لمواجهة التحديات الإيرانية، ولعل من المعالم البارزة في هذا الصدد أن يجري استحضار الحقائق التالية:

1 - ليس كل الشيعة من أهل القناعات الدينية؛ فهناك شرائح منهم علمانية، ولكن الديني والعلماني في إيران، مشبع بروح فارسية، تستبطن العداء للعرب، وبخاصة السنة منهم، ولذلك فلن يكون لشيعة العراق العرب مهما توهموا كبير وزن في إدارة شؤون العراق إذا ما تمكنت إيران هناك، ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى شىء من التأليف وتقريب الآراء بين العرب السنة والعرب الشيعة في العراق، لا على خلفية عنصرية ضد الفرس؛ فذلك ليس من الإسلام، بل على خلفية المصلحة العامة التي يحتاج إليها الطرفان في مواجهة التغول الإيراني القادم.

والذي نعرفه أن شيعة العراق من غير الفرس، أقل خبثاً وأدنى قرباً من السنة هناك، بفعل عوامل التعايش والتجاور والمصاهرة، وبخاصة العامة منهم؛ حيث يعتقد أنه يسهل كسبهم أو تحييدهم إذا افتضح استغلال الإيرانيين لهم.

2 - لأن شيعة العراق منهم المتدينون المتشددون، ومنهم العلمانيون و الليبراليون؛ فإن رهان أمريكا منذ البداية كان على الشيعة العلمانيين، وبخاصة الليبراليين الذين رأت أنها يمكنها من خلال تمكينهم أن تدعي النجاح في إحلال قيم الحرية والديمقراطية في العراق، كنموذج أول في الشرق الأوسط.

ومن غير المستبعد أن تتدخل أمريكا بشكل ما، لإفساد الطبخة التي أنضجها الدينيون المتشددون في الانتخابات الأخيرة، لتعيد العلمانيين الليبراليين من أمثال العلاوي و الجلبي إلى سُدَّة الحكم، وهذا إن وقع سيكون مقدمة صِدام مصالح آخر بين أمريكا وإيران على أرض العراق، وبوسع السنة أن يستفيدوا من هذا التناقض، وهم وحدهم الأقدر على اغتنام هذه الفرص.

3 - من الممكن أن يجد شيعة العراق العرب أنفسهم في خيار يدفعهم إلى التقرب من جديد إلى أهل السنة؛ وذلك عندما يكتشفون حقيقة الطمع الإيراني والجشع الأمريكي، وهنا... فعلى سنة العراق - وبخاصة العلماء والدعاة - أن يحسنوا استثمار هذه الفرصة إذا سنحت، من خلال إعلان المبادرات المشتركة لحقن الدماء وإيقاف الشحناء، والانتقال - أو بالأحرى - الرجوع إلى صيغة التعايش التاريخية المعروفة عن شعب العراق حتى يهدي الله من يشاء إلى صراط مستقيم.

ولا شك أن هذا الخيار قد يكون فيه الخير للطرفين؛ فالسنة ليسوا في حاجة إلى تكثير الأعداء، والشيعة ليسوا في حاجة إلى مزيد من الاستعداء لقوم بدا أنهم أولو بأس شديد إذا جاسوا خلال الديار.

ثالثاً: العراق: عراك ما بعد المعركة:

- معركة العراقيين مع الأمريكيين مع شراستها وفظاعتها، ستبدو بعد انتهائها بسيطة في تركيبها المنطقي، سهلة في حسابات الخسائر والمكاسب؛ فهذا صائل معتدٍ، جاء للقتال من أجل مطامحه ومصالحه الخارجية، فلما تهددت بسبب ذلك مصالحه الخارجية والداخلية، انزوى ورجع القهقرى، والطرف الآخر أبناء وطن معتدىً عليه، انتدب شرفاؤه للدفاع عنه مع من فاؤوا إليهم من مهاجرين و أنصار، تسابقوا إلى الفداء بالأرواح والأموال والدماء.

لكن الأمر سيختلف، والمنطق سيتعقد، والحسابات سترتبك، إذا ما تغيرت معالم المواجهة في الميدان العراقي بعد الانسحاب الأمريكي، سواء بفعل الأمريكيين الراغبين في إغراق أو إحراق العراق من بعدهم، أو بفعل الفرقاء المتشاكسين الذين سيحاول كل منهم أن يؤسس لواقع جديد، يخدم الشريحة التابعة له، ولهذا فإن ألواناً جديدة من التحديات على الساحة العراقية، ربما يتوالى ظهورها على مسرح الأحداث هناك، وهو ما يستدعي إعادة النظر في بعض الاجتهادات وربما الاستراتيجيات لمواجهة هذه المتغيرات بما يحفظ ما تحقق من مكاسب على صعيد المواجهة الكبرى مع أمريكا.

ومن التحديات المتوقع بروزها على المستوى العراقي ما يأتي:

- سيرحل الأمريكيون دون أن تكون مشكلات العراق قد حُلَّت، والمرجح أن يستمر التوتر وربما القتال لإعادة رسم الخريطة الجديدة، والتحدي الذي سيواجه أهل السنة بعد الانسحاب، سيكون على الأرجح متعدد الأوجه، فمن ناحية سيكتشف أهل السنة أنهم الحلقة الأضعف على الساحة السياسية، بينما تكمن قوتهم في ميدان القدرة القتالية، وهي لا تكفي على كل حال لبناء مستقبل آمن للأجيال، ومن ناحية أخرى فإن أمور القتال نفسها تميل الطبيعة البشرية إلى النفور من طول التضحية فيها بلا أفق منظور، ومن ناحية ثالثة فإن طبيعة القتال بعد انسحاب الأمريكيين ستتغير، وسوف تفقد الكثير من شرعيتها في نظر الناس داخل العراق وخارجه، حتى ولو كانت ضد الوكلاء الرسميين للأمريكيين.

- هناك ندرة ملحوظة في المرجعيات العلمية الدينية عند أهل السنة في العراق في مقابل فائض كبير في المرجعيات الدينية الشيعية داخل العراق وخارجه، ومع تداعيات الأحداث بعد الانسحاب، وفي ظل تغير الأوراق سيحتاج العراقيون السنة إلى من يقودهم في الملمات، ويفتي لهم في المعضلات، ويتكلم باسمهم جميعاً كلاماً مفهوماً ومسؤولاً، وهذا تحدٍّ ماثلٌ للعيان من الآن، ويتفرع عنه تحد آخر، وهي احتمالات انتشار أفكار الغلو والابتداع، سواء من جهة التشدد الخارجي، أو التسيب الإرجائي أو لوثات التصوف أو التشيع، وكلها اتجاهات يمكن أن تنتعش وتنتشر في بيئة فكرية كبيئة العراق، التي لا تزال بكراً عذراء على الساحة السنية، بينما هي ثيب شمطاء على الساحة الشيعية، ولا شك أن الفوضى وعدم الاستقرار من الناحية السياسية، كثيراً ما ينعكس على النواحي الفكرية.

- هناك تضخم في الخبرة القتالية والعسكرية الميدانية على حساب الخبرات السياسية والاستراتيجية، والمشروع السياسي للمجاهدين لا يزال غير واضح المعالم، وإذا وضح عند بعضٍ فإن بعضاً آخر قد لا يوافق عليه، والخطورة هنا أن ينعكس هذا الضعف في الخبرة على التعاطي مع الأحداث، فتنطلق المبادرات، والاجتهادات الشخصية في النوازل الكبرى، دون الرجوع إلى أهل الشأن في مجالات الاجتهاد الشرعي والسياسي والاستراتيجي والإعلامي والاقتصادي.

- هزيمة أمريكا في العراق، لا تعني تراجعها عن أطماعها فيه أو في بقية بلدان العالم الإسلامي؛ فالخطط يمكن أن تتغير، بل قد تلجأ أمريكا إلى تعويض فشلها في العراق باقتحام ساحات أخرى، لاختلاس نجاحات رخيصة في أماكن ضعيفة، ولهذا لا ينبغي النظر إلى هزيمتها في العراق على أنها نهاية المطاف.

- قد تنجح أمريكا في جلب قوات عربية وإسلامية، لتكون المعركة في العراق عربية عربية، وهذا سيناريو خطير، لا بد من التنبه له والاستعداد لإبطاله، وخاصة إذا أخذ شكل قوات لحفظ السلام أو إعادة النظام أو غير ذلك من الشعارات الخداعة التي يمكن أن تحقن بها أمريكا دماء جنودها، لتريق دماء المسلمين بعضهم ببعض.

- الساحة في العراق مهيأة لتفحش وتوحش ظاهرة العملاء الخونة، سراق الجهود وقطَّاف الثمرات وخدم الأعداء، وهؤلاء يقتضي الأمر إحكام أمر التعامل معهم فقهياً أولاً ثم عملياً، حتى لا تتكرر مصائبهم التي ألحقوها بالجهاد في فلسطين، عندما تحولوا إلى سرطان خبيث بيد الصهاينة.

- إذا كان المشروع السياسي أمراً مهماً في مواكبة المشروع الجهادي، فإن هناك مشاريع أخرى دعوية وتنموية واجتماعية وإعلامية، سيكون تفعيلها وتقويتها إسناداً مستقبلياً لأهل السنة في العراق واستمراراً لدورهم المركزي في إفشال مخططات الهيمنة والإفساد من الداخل والخارج، وهذا الأمر بحد ذاته ينشئ دوراً لكل راغب في الاستجابة لواجب النصرة، وكل مشتاق للشراكة في صنع النصر، من داخل العراق أو من خارجه؛ فمن غير المقبول أن يتداعى يهود العالم لمساندة إخوانهم المغتصبين في فلسطين، ويتخاذل أهل الإسلام عن نصرة من ينافحون عن عموم المسلمين {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}(الأنفال: 73 ).

- ومما يخشى منه أيضاً، أن يقفز إلى عجلة توجيه السفينة قدامى القوميين أو البعثيين أو اليساريين، ليزايدوا على الإسلاميين.

- استمرار عمليات الجهاد ستكتنفها مصاعب جمة، إذا أُلجئ الأمريكيون إلى التحصن خارج المدن، في انسحاب شكلي لا حقيقي، ومع أن هذا في حد ذاته لا ينفي حقيقة الهزيمة الأمريكية، إلا أنه سيقلل من شأن الانتصار العراقي؛ حيث سيظل العراق يبدو في حكم الاحتلال مع إظهار مظاهر الاستقلال، وستزداد مهمة المجاهدين صعوبة إذا ما صدَّر لهم الأمريكيون عملاءهم ووكلاءهم المتسمين بأسماء المسلمين، وسيكون الأمر أصعب وأصعب، إذا كان الوكلاء والعملاء، من المنسوبين لأهل السنة من داخل العراق أو خارجه؛ حيث سيسهل على الأمريكيين أن يصوروا النصر العراقي بصورة الهزيمة التي أثمرت قتالاً بين أبناء الوطن الواحد والمصير الواحد.

- قد يلجأ الأمريكيون إلى حيلة اللعب بورقة الإسلام المعتدل في مواجهة الإسلام المتشدد، وهي استراتجية يبدو أن الولايات المتحدة ماضية في تشجيعها في عدد من البلدان العربية والإسلامية، وفي حالة العراق، فإن هذا الاعتدال سيبدو أمام المجاهدين في صورة الانتقال من نهج إلى نهج، بل ربما من ملة إلى ملة، وهو ما قد يفتح أبواباً أخرى من الفتن.

* المواجهة لا الهروب:

عوَّدنا المجاهدون من أهل السنة في العراق، على الإقدام لا الإحجام، وعلى المجابهة لا الهروب من المواجهة، وأملنا أن تثبت الأقدام في مهمة الإقدام على مواجهة تلك التحديات قبل فوات الأوان؛ فالهروب منها أو تأجيلها لن يقلل من أهميتها، ولن ينفي خطورتها، على أنَّا لا يمكن أن نحمِّل المجاهدين، أو حتى عموم العراقيين مسؤولية المواجهة وحدهم لكل تلك التحديات؛ فالنازلة ليست خاصة بهم وحدهم، كما أسلفت في صدر المقال، وإنما هي عامة لكافة الأمة، وهي ينبغي أن توزع على الجميع أعني التحديات في صورة واجبات كفائية وعينية وفروض وقتية ومستقبلية، كل بحسب قدرته واستطاعته، مع تأكيد التذكير بأن المجاهدين الأبرار، قد قاموا عن الأمة، بما أزاح عن مجموعها الإثم وإزالة العار، فلا أقل من أن تقوم بقية صلحاء الأمة بقسطهم من الواجبات في مجابهة التحديات.

فعلى كل ذي رأي وخبرة واختصاص، من أصحاب الأقلام أو المنابر أو القدرات العلمية أو البحثية أو المالية، في كل ميدان يحتاج إليه أن يسارعوا للقيام بواجب النصرة، والمشاركة في صنع النصر، ولن يعدم حريص الوسيلة لإيصال النصيحة وتقديم العون وتيسير المنفعة، لمن يمسكون الآن بدفة تغيير التاريخ وتصحيح المسار.

ومع الاعتراف بأن التحديات المقبلة أكبر من قدرات قطاع إسلامي واحد في داخل العراق أو خارجه، لتفرعها وتنوعها، فإن ذلك لا ينبغي أن يصد عن التقريب والتسديد بحسب الاستطاعة، ولو كانت البداية كما يحدث الآن محاولة رصد أهم تلك التحديات، والبدء في دراستها، وتمييز الحقيقي منها والوهمي، والنظري والعملي، ثم وضع الأسس العريضة لمواجهتها، بتضافر الجهود بين المختصين والمجربين والمراقبين.

وهذه بعض المعالم العامة في هذا الموضوع:

- لا بد من السعي المكثف لبناء برنامج سياسي لأهل السنة، يراعي تعدد الاجتهادات والسيناريوهات واختلاف الخيارات؛ فالقتال لن يستمر إلى الأبد في العراق، واستغلال مدة ما قبل الانسحاب للوصول إلى صورة واضحة في ذلك، أوْلى من ضرب الأخماس في الأسداس عندما تخلو العراق من الأمريكيين، وتقع فريسة بين خلفائهم أو عملائهم الذين لا بد أنهم قد أعدوا عدتهم ورتبوا صفوفهم منذ زمن.

- لا مناص من الاجتماع على كلمة سواء بين فصائل أهل السنة، سواء المجاهدون منهم أو السياسيون، فكل منها درع للآخر وردء، ولن يتعوض الضعف السياسي الظاهر في أهل السنة إلا بذلك، وكثير من مسائل الاختلاف بينهم على ما نرى هى مسائل اجتهادية، والاجتماع ولو على أمر مرجوح خير من الافتراق أو التنازع.

- وضع أسس شرعية محكمة، وقواعد قتالية معلنة، من شأنه أن يخفف من هاجس فقدان أو نقصان مشروعية القتال بعد الانسحاب، إذا دعت الضرورة إليه، فلا بد من التحديد الواضح للشرائح التي يمكن أن تكون هدفاً للجهاد من الخونة والمرتدين والجواسيس ونحوهم، مع بذل أقصى ما يمكن من الخدمة الإعلامية لهذه الأسس القتالية، بما يزيل الغموض ويدفع الظنون عن غايات الجهاد السامية.

- المرجعية العلمية بفهم أهل السنة قضية بنائية في غاية الأهمية لا تقل في أهميتها عن بناء القوى السياسية والعسكرية { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}(التوبة: 122) وندرة المرجعيات العلمية المشهورة في العراق تحتاج إلى معالجة لا يكفيها المدى القريب، ولكن الضرورة تقضي بألا تؤجل وظائف هذه المرجعية حتى وجودها؛ فمن خارج العراق يمكن أن تدرس كبار المسائل، وتبحث دقائق النوازل بالتواصل العلمي الذي تيسرت أسبابه في عصرنا، وإن كان هذا لا يغني عن أن تنتدب طائفة من أهل السنة العراقيين لتعويض هذا النقص، لمعادلته بما هو حادث مع الطوائف الأخرى.

- من المهم أن تدشن حملة للتوعية بأفكار الفكر الدخيل على المنهج الإسلامي الأصيل؛ لأن أفكار الغلو بأوجهها المختلفة تتنتعش في أوقات القلاقل و أزمنة الفتن، و قد تثير الإختلافات السياسية لما بعد الانسحاب اختلافات فكرية تعكر الأجواء و تلوث العقول، و لو تنبه الدعاة و استعدوا لها من الآن، لهان أمرها و خف ضررها, حيث إن تجارب كاملة لأبرز المناهج المنحرفة قد جربت في مناطق أخرى من العالم الإسلامي, فيمكن الاستفادة من دروس تلك التجارب, و من كيفية مواجهتها, سواء كانت تلك الأفكار باسم الدفاع عن الدين, أو باسم محاربة أهل الدين.

حتى لا نظل عصا في يد (العم) سام...!


حتى لا نظل عصا في يد (العم) سام...!


د. عبدالعزيز كامل 
عندما يغفل المسلمون عن بدهيات الحقائق العقدية المختصة بعلاقتهم بغير المسلمين، كفاراً كانوا أو مرتدين أو منافقين، فإن ثمن تلك الغفلة يكون فادحاً، حيث يصيرون باستمرار ألعوبة في أيدي الأعداء الذين قال الله تعالى فيهم:
 {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}  (النساء: 89).
وقال: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }(البقرة: 217).
وقال: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ }(البقرة: 105).
وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } (آل عمران: 149).
وقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ }(الأنفال:36).
وقال: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (المائدة:64).
وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }(البقرة: 109).
وقال: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } (الممتحنة: 2).
وقال: { وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }(آل عمران: 69).
وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } (آل عمران:118).
وقال: {إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا }(النساء: 101).
وقال: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } (البقرة:120).
إن هذه الآيات المذكورة وغيرها هي إيضاح مبين لأصول الدوافع التي تحكم مواقف الكفار منا أو مواقف أكثرهم من الزعماء والمتنفذين والمنتفعين؛ فمجرد الرغبة أو الرضى في وجود المسلمين على هدى أو غنى أو أمن أو استقرار أو صلاح أو فلاح لا توجد عندهم؛ ولهذا تكاثرت الآيات أيضاً في الوصية بقطع الولاية عنهم، وعدم إحسان الظن بهم، فضلاً عن اتخاذهم بطانة أو مستشارين أو مؤتمَنين على مصالح المسلمين؛ لأنّهم كما قال الله تعالى: {كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا }(النساء: 101).
لقد فسَّرَت أحداث وتفاعلات العقود الأخيرة لأجيالنا، الكثير من تلك الآيات عملياً، وأسفرت عن حقائق تلك المواقف تطبيقياً؛ ففي كل مرة يُحسن قطاعٌ من الأمة أو من المحسوبين عليها الظنَّ بغير المسلمين، فإنهم يُطعَنون منهم في الخلف، ثم يُساؤون في الوجه، بعد أن يُستخدموا أداة في إضعاف وإتلاف وحدة الأمة وقوتها. حدث ذلك مراراً خلال التاريخ الإسلامي.
وفي العصور الأخيرة برز من ذلك ما حدث لأشهر حكام مصر في العصر الحديث: (محمد علي باشا) عندما أحسن الظنَّ بالأوروبيين، وسار في ركابهم، فركِبوه لضرب قوة المسلمين الأولى في ذلك الوقت ممثلة في الدولة العثمانية، فلما استنفدوا منه أغراضهم ونفّذوا أهدافهم، انقلبوا عليه، حتى لا يبرز قوةً بديلة ناهضة تسعى للقوة والتحديث، فاجتمعت عليه قوى أوروبا الاستعمارية، فمزقت قوته، وشتتت دولته، ودمّرت أسطوله في عُرْض البحر في معركة نفارين عام (1243هـ / 1827م).
لقد استُخدمت فيما بعدُ الكثير من الأنظمة في العالم الإسلامي، لضرب عوامل القوة في الأمة من الداخل، وقد كان أغلب ذلك لا يحتاج إلى كثير خداع أو قناع، بل كان هؤلاء يقودون المعركة ضد الإسلام ذاته تحت مسمَّيات مختلفة: التصدي للرجعية، مواجهة التطرف، مكافحة الأصولية...، وأخيراً الحرب ضد الإرهاب!!
وكان المثال الأوضح في القرن الماضي استعمال زعماء الثورة المصرية عام 1952م في محاربة محاولات النهضة الإسلامية، لا في مصر وحدها، بل في البلدان حولها، حتى عُدّت تلك التجربة أنموذجاً مفضلاً ومرشحاً للتصدير إلى كل بلد يحاول الإسلاميون فيه النهوض بالدعوة الإسلامية، ولكن اللافت أن معظم الزعماء الذين استُعمِلوا في ضرب الإسلام في مصر أو غيرها، تخلى عنهم أولياؤهم، ولم يسمحوا لهم حتى بأن يموتوا أبطالاً في نظر شعوبهم؛ بل منهم من مات مهزوماً على يد أعدائه، ومنهم من اغتيل مُهْدَرَ الدم على يد شعبه، ومنهم من مات كمداً بسبب تآمر أصدقائه الذين ظهر له أنهم ألدُّ أعدائه!
وفي العقود والسنوات الأخيرة تكررت تجارب أكبر وأخطر، انتقلت من المستويات المحلية والإقليمية إلى المستويات المؤثرة على المعادلات الدولية.
* باكستان وأفغانستان وكسر القطب الثاني:
لمّا عزمت الولايات المتحدة أو (العم سام)[1] على إخضاع نِدِّها الأخطر، ومنافسها الأكبر في الاستقطاب الدولي؛ وهو الاتحاد السوفييتي الشيوعي، كانت أرض أفغانستان المسلمة ساحةً للحرب بالنيابة بينها وبين ذلك الاتحاد؛ لضربه هناك بأيدي المسلمين وأرواحهم وأموالهم. وقد استطاعت أمريكا أن تجيِّش غالبية العالم الإسلامي بحكوماته وشعوبه وجماعاته الإسلامية وعلمائه ومفكريه وحتى مجاهديه ضد الاتحاد السوفييتي؛ لأنه (احتل) أفغانستان، مع أن هذا الاتحاد ظل قائماً على أنقاض العديد من الجمهوريات الإسلامية (المحتلة) في آسيا الوسطى.
لقد كان احتلال أفغانستان بالفعل جريمة، أراد بها الروس أن يسبقوا الأمريكيين إلى الاستيلاء على منابع النفط حول المياه الدافئة في إيران و العراق ومنطقة الخليج؛ لكن العرب والمسلمين الذين استجابوا لدعوة التصدي لاحتلال أفغانستان، لم يستطيعوا أو لم يرغبوا أن يقفوا الموقف نفسه ضد احتلال فلسطين الذي سبق احتلال أفغانستان بنحو ثلاثين عاماً، ولم يستطيعوا أن يتكتلوا في مواجهة احتلال لبنان، الذي اجتيحت عاصمته بيروت في ذروة الانغماس في حرب أفغانستان!
لا شكَّ أنَّ العالم الإسلامي كان محقاً في الوقوف إلى جانب الشعب الأفغاني في ذلك الوقت، ولكن البُعد الغائب في تلك القضية آنذاك هو التفريق الحاصل بين الاحتلال المتوافق مع مصالح (الصديق) الأمريكي والاحتلال المتعارض مع مصالح ذلك الصديق، تماماً كما حدث عند احتلال الشيشان من قِبَل الروس أنفسهم، وكما حدث من قبل حين اعتُبِر احتلال العراق للكويت أمراً يحتاج إلى تجييش العالم الإسلامي ضده، بينما أصبح احتلال أمريكا للعراق ذاته أمراً يحتاج إلى حشد العالم الإسلامي معها!
المقصود من إيراد مَثَل الحرب في أفغانستان هو: أن الولايات المتحدة استخدمتنا نحن المسلمين في ضرب عدوها اللدود في ذلك الوقت الاتحاد السوفييتي وأوهمت العرب والمسلمين بأن القضية هي قضيتهم فقط وليست قضيتها، وذهب الأمريكيون في استخدامنا إلى حد دعم الفصائل المجاهدة في أفغانستان بالسلاح، وطَلبِ دعمها بالمال من الحكومات ومن ثمَّ الشعوب التي لها علاقات جيدة معها!
ثمَّ ماذا كان الأمر؟ لقد انقلب الأمريكيون على المجاهدين بعد أن استنفدوا أغراضهم منهم، وقلبوا عليهم حكوماتهم، حتى عُدّ (العائدون من أفغانستان) أشبه بمجرمي الحرب، وحتى أُضرمت الفتنة بين زعماء الفصائل الأفغانية إلى حدّ الاقتتال فيما بينهم على دخول العاصمة؛ لأنَّ الولاءات كانت قد تباعدت بسبب تحركات الاستخبارات العالمية بالفتن فيما بينهم.
وبالجملة: فقد كانت أفغانستان ومعها باكستان، ومن ورائهما بقية العالم الإسلامي، وسيلة أمريكية لضرب الاتحاد السوفييتي في مقتل. وهذا، وإن كان شرفاً قدرياً لأمة الإسلام في جعلها سبباً لكسر اتحاد الإلحاد؛ إلا أن اللافت أن ذلك كان ضمن أجندة أمريكية أكثر منها إسلامية؛ بدليل أن البديل المراد أمريكياً في أفغانستان لم يكن هو الإسلام.
مرة أخرى يتكرر اللعب بالإسلاميين، في صورة لا تظهر فيها مطلقاً أدوات اللعب؛ حيث أعطت أمريكا الضوء الأخضر لحكام باكستان أن يدعموا حركة طالبان، التي كانت محقة من طرفها في الخروج لإصلاح ما أفسدته الفصائل الجهادية المتنازعة، لكن الذي أُريد بطالبان هو أن تكون أداة لكسر ما تبقى من شوكة المجاهدين السابقين بعد أن انتصروا على الروس، ليبدوَ مشهد الإجهاز عليهم شأناً داخلياً وطبيعياً؛ لكن طالبان فهمت اللعبة مبكراً.
ثمَّ لمَّا جاء الدور عليها كانت الخطط قد أُعدّت بعد خمسة أعوام فقط من بدء نشاطها، وقبل هجمات سبتمبر 2001م بنحو عام؛ للإجهاز على أصحاب هذا الإنجاز؛ فبعد أن استُخدمت طالبان كعصا للتكسير، كُسِّرت بعد ذلك وقُلِبت عليها باكستان.
* ضرب القوميتين العربية والفارسية ببعضهما:
هذا مثال صارخ آخر؛ فقد تخلّت أمريكا عن نظام الشاه في إيران لمصلحة حركةٍ ناهضة على دعامتين من شأنهما أن يشيعا التوتر في بلاد العرب والمسلمين، وهما: النزعة الطائفية الشيعية، والنعرة القومية الفارسية، لتكون تلك العصبية المذهبية العنصرية مصادِمةً للنعرة الجاهلية الأخرى التي ارتفعت في بلاد العرب باسم (القومية العربية) والتي أثيرت من قبلُ لتقف في وجه القومية التركية ( الطورانية).
وقد تغاضى الغرب عن استفحال شأن الحركة الشيعية الإيرانية، التي تحوّلت إلى ثورة بقيادة (الخميني) حتى تحولت الثورة إلى دولة، ولمّا تطلعت إلى التوسّع والانتشار على حساب مصالح أمريكا والغرب، بحث هؤلاء عن عصا لتأديب هذه الثورة التي بدأت تشب عن الطوق، وإيقافها عند حدها المرسوم، فلم يجد الأمريكان أنسب من النفخ في بوق القومية العربية لحماية البوابة الشرقية للعالم العربي من الخطر الإيراني الفارسي، وهُيئت الساحة في العراق لأنْ يكون الجيش العراقي أداة الكسر وعصا التحطيم لثورة الفرس في (قادسية) جديدة لم يكن الهدف منها إطفاء نار المجوس، بقدر ما كان لإشعال نار الفتنة بين الشيعة و السُّنّة، بعد أن خمدت تلك النار عقوداً طويلة.
وأُهِّل العراق عسكرياً، ودُعم مالياً ولوجستياً من غالبية الدول العربية السُّنّية، في تحالف يبدو في الظاهر (سنّياً أمريكياً) حتى استطاع ذلك التحالف أن يكسر كبرياء الفرس، ويُخضع أعناق الراغبين في تصدير الثورة بعد حرب الخليج الأولى التي استمرت زهاء ثماني سنوات.
ولمَّا بدا أن القومية العربية قد تلقّفت رايات النهوض من القومية الفارسية، دُبّرت المكيدة الأكيدة لقهر العراق الصاعد، وقبرِ تلك القومية العربية التي كان ( صدام) قد تسلّم قيادتها، فكان غزو الكويت الذي تغاضت أمريكا عن خطته؛ تمهيداً لقضاء مبرم على القومية العربية وعلى قائدها المنتصر، وعلى ثمرة الانتصار على إيران الذي كلّف العرب مئات الآلاف من الأرواح، ومئات المليارات من الدولارات التي ذهبت إلى جيوب تجار السلاح في الغرب، والذين كانوا يمدّون الطرفين أثناء الحرب الطويلة بالسلاح والخبرة والمعلومات الاستخباراتية.
ثم أتى الدور على قوة (صدام) بعد أن استُخدمت عصا لكسر إيران، وحشدت أمريكا ضده جمهوراً غفيراً من العرب شعوباً وحكومات بعد أن كانوا معه ضد إيران، وأثمر هذا التجييش هزيمة مذهلة للعراقيين، بتدبير الأمريكيين وبأموال وأرواح المسلمين، وذلك في حرب الخليج الثانية عام 1991م، وكان واضحاً وقتها أن تلك الحرب لا تزال لها فصول باقية؛ لأن حكومة إيران هُزمت ولم تسقط، ولأن قوة (صدام) ضعفت ولم تمت، ولهذا جاءت حرب الخليج الثالثة في أحد مراميها لتعيد الصراع مرة أخرى بين السُّنّة والشيعة، أو بين العرب والفرس، وقد دُبّر ذلك بذكاء شيطاني مذهل من أبالسة الأمريكان؛ حيث أُغري المغفلون من شيعة العراق علمانيين ودينيين بركوب دبابة الغزو الأمريكي، لكي يشتعل الصراع داخلياً هذه المرة بين سُّنّة العراق وشيعته، ولكي تُفتح شهية الشيعة الإيرانيين للانتقام من صدام ومن كل من وقفوا معه في حرب الخليج الأولى، وجرى ما جرى من تسهيل الشيعة الإيرانيين و العراقيين للغزو الأمريكي المدعوم بتحالف غربي وعربي، لتستعر من جديد أجواء المواجهة الدامية بين السُّنّة والشيعة، وبين العرب والفرس، لا في العراق فحسب؛ بل في دول الجوار وما بعد الجوار.
* إعادة الكرَّات، وتكرار اللدغات:
تتهيأ الآن فيما أرى أجواء أجزاءٍ من المنطقة للدخول في مواجهة جديدة بإغراء وتغرير أمريكي وغربي، لا يقل وضوحاً عن ذلك الذي حدث مع الأطراف المختلفة في حرب أفغانستان، أو في حروب الخليج الثلاثة السابقة، وقد بدأت السُّحب الداكنة للمواجهة القادمة تتلبد في سماء المنطقة، بعد الإعلان الغامض عن تكوين ما أسمته (كوندوليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية بـ (تحالف الاعتدال)! فيما يمكن أن يكون مقدمة لتجييش العالم الإسلامي مرة أخرى للحرب بالوكالة لمصلحة أمريكا، في مواجهة قد تبدو للشعوب حرباً ضرورية لقضايا مصيرية يقوم بها المعتدلون ضد المتطرفين الخارجين عن الشرعية الدولية.
إنَّ أمريكا فيما تُظهر الشواهد ستلجأ إلى تسعير الخلاف الديني بين فِرق المسلمين، وسوف تجد من مسوِّغات الاختلاف بينهم دينياً ودنيوياً ما يمكن أن يُنسي المختلفين اختلافهم معها.
إنه لا أحد من العقلاء - فضلاً عن أصحاب الدِّين - يمكن أن يدافع عن الجرائم التي تُرتكب باسم التشيع المزعوم لآل البيت، ولا يمكن لأحد أن يسوِّغ الخيانات العظمى التي ارتُكبت، ولا تزال ترتكب ضد أمة الإسلام، بزعم محاربة الوهابية السُّنّية! ولكن: أيكون هذا هو علة الحرب التي تدبّر لها أمريكا الآن وهل هذه المواجهة لنصرة السُّنّة على البدعة حتى ينشأ تحالف (سُّنّي أمريكي)؟!
إن المطلوب هذه المرة فيما يبدو أن تُضرَب إيران لصالح الأمريكان بأرواح ومقدرات وأموال العرب السُّنّة، لتذهب تلك الأموال وتخلُص مرة أخرى إلى الخزائن الأمريكية ثمناً للسلاح المستخدم فيها، والذي ستتوالى صفقاته بمئات المليارات لتعويض الاقتصاد الأمريكي عن تعثراته، ولتكونَ هذه الحرب وقوداً لثأر جنوني شيعي ضد دول الجوار السُّنّي، حتى يُنهِك الطرفان بعضهما بعضاً مثلما حدث في حرب الخليج الأولى ريثما تتهيأ الأجواء لانفراد أمريكا ربما في جولة لاحقة بإيران المنهكة والمعزولة بعد استعمالها في إضعاف العرب السُّنّة، واستعمال العرب السُّنّة في إضعافها! ولكي لا تقوم قائمة بعد ذلك لإيران الطامعة في منافسة الغرب في خيرات بلاد العرب، والطامحة إلى مزاحمة دولة اليهود (إسرائيل) في الزعامة الإقليمية في المنطقة.
أقول: لو كان لنا نحن العرب والمسلمين السُّنّة قوة كافية وإرادة مستقلة لكان علينا، وفق حساباتنا المرسومة بحسب السياسة الشرعية، أن نتكتل ضد أي كيان ذي شوكة يقوم على البدع المغلظة التي تشوِّه دعوة الإسلام وتصد عن سبيل الله، في إيران أو غير إيران، ولكن وفق رؤيتنا وأجندتنا وأحكام شريعتنا.
ولقد سئلت في حوار مع أحد المواقع إبان الحرب في لبنان، بين ما يسمى بـ (حزب الله) و اليهود، عن رأيي في مساندة الشيعة في تلك الحرب، فقلت: إن محاربة اليهود من قِبَل حزب من لبنان أو حتى من اليابان أمر جيد، ولكن العمل لتمكين الشيعة في أي بقعة إسلامية أو تلميع صورتهم وتزكيتهم أمر غير جيد.
ولو فرض أن ما يُسمى بـ (حزب الله) قاتل اليهود وانتصر عليهم وأخرجهم من فلسطين ليحل محلهم؛ لكان واجباً علينا أهلَ السُّنّة إذا توافرت لنا القدرة والاستقلال في القرار، أن نخرجه من فلسطين ولو بالقوة، حتى لا يشيع التشيّع في الأرض المقدَّسة ويُشتَم الصحابة وأمهات المؤمنين ويكفروا!
وإيران اليوم لا يجوز أن تكون لها هيمنة إقليمية تضر بدعوة الإسلام في أكثر أراضيه أهميةً وحساسيةً، ولو تمكنا نحن أهل السُّنّة من كف شرّها وإيقاف مدّها، دون أن يكون ذلك لحساب العدو الآخر الذي لا يقل خطورة عن الأمريكيين واليهود، ودون أن يكون ثمن إضعافها هو مزيداً من قوتهم ومزيداً من ضعفنا؛ فإن ذلك يكون من الواجبات التي لا يجوز تأخيرها.
لكن المقطوع به في ضوء حقائق الدين والواقع هو أن كفار أهل الكتاب يودّون لنا العَنَتَ، ولن يزيدونا إلا خبالاً إذا أطعناهم واتخذناهم خبراء أمناء، وأصدقاء أولياء في أيٍ من قضايانا المصيرية.
* السيناريو المتوقع:
من غير استبعاد نهائي لسيناريو (الصفقة) مع إيران ضد العرب، في حال عجز أمريكا عن خوض مواجهة نهائية وفاصلة معها في المرحلة الراهنة كما بيّنتُ في مقال سابق فإن أقرب السيناريوهات المتوقعة في ظني وبحسب سوابق أمريكا ونواياها الخبيثة بكل العرب والمسلمين، هو أن تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات لإيران في هجوم جزئي أو شامل، على مواقع استراتيجية في العمق الإيراني، بحيث يكون هذا الهجوم منطلِقاً من بعض دول الخليج، وربما بتأييد منها، لا لتأديب إيران الآن، بقدر ما هو لتأليب شيعتها وشيعة العالم كله ضد السُّنّة العرب، وبخاصة في منطقة الخليج، وعندها - والله أعلم - ستكون ساحة الحرب الإقليمية الطائفية في أوْج استعدادها للانفجار والانتشار، ليحقق الأمريكيون - لا أكسبهم الله - العديد من المكاسب التي من أبرزها:
- كسر العصا الإيرانية، بعد أن استُخدمت في كسر العصا العراقية.
- إشغال العرب جميعاً في صراع بديل لما كان يسمى بـ (الصراع العربي الإسرائيلي) ليحل محله صراع جديد هو (الصراع العربي الفارسي). وهذا ما سيُنسي هؤلاء العرب، أنه كانت هناك يوماً قضية اسمها القضية الفلسطينية؛ ظلت تُعدّ القضية المركزية الأولى للأمة العربية والإسلامية.
- إعادة الاعتبار (للعدو) الأمريكي في نظر شعوب المنطقة، بعد جرائمه وفظائعه ليعود صديقاً؛ بل منقذاً للعرب من نظام طهران، كما سبق أن (أنقذهم) من نظام صدام! وهو ما يمكن أن يسمح باستمرار الارتهان له والامتثال لأمره.
- دفع حركة تجارة السلاح إلى الرواج، عندما يصطف العرب لشراء الصفقات التسليحية التي ستوقد نار المعركة ضد الأطماع الفارسية؛ حيث سيُرفع كالعادة شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ولو كان هذا الصوت هو صوت مصلحة الشعوب وحقوقها في الاستقرار والتنمية والتحديث.
- إعادة ترتيب أوراق المنطقة وسط دخان تلك الحرب، بما يسمح بقفز أولياء أمريكا إلى مقدمة كراسي المسؤولية، سُّنّية كانت أو شيعيّة.
- إجبار المقاومة السُّنية في العراق وربما في غيرها على تغيير وجهتها عن الأمريكيين إلى غيرهم، بعد أن أذاقت تلك المقاومة جيش أمريكا طعم الهزيمة، ولتتوجه كل جهود المجاهدين لقتال شيعة إيران والكف عن الأمريكيين وحلفائهم، وهو ما يمكن أن يوفر لهؤلاء الأمريكيين فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة من جديد للتفرغ للمجاهدين.
- إلهاء إيران عن مواصلة برنامجها النووي، وتطويرِ التقنيات العسكرية والاقتصادية لبناء نفسها كقوة إقليمية، وتخويف غيرها من السلوك نفسه؛ حتى تبقى دولة اليهود هي القوة الإقليمية (الوحيدة) في المنطقة.
- توفير غطاء مقبول يحفظ ماء وجه أمريكا إذا أرادت أن تخرج من العراق، مدّعيةً أنها لم تُهْزم؛ وإنما فشلت مهمتها في بلد (لا يريد) الحرية والديمقراطية!
إن لهذا (السيناريو الكابوس) دلائل وعلامات، تدل على أنه أحد الاحتمالات الجادة، التي لا ينبغي الاستهانة بها وبفداحة خطرها على الجميع؛ حيث برزت، ولا تزال تبرز، في الآونة الأخيرة مؤشرات تدلُّ على أن أمريكا تتعمد تسعير أجواء الحرب بين السُّنّة والشيعة إقليمياً، بعد أن سخّنتها محلياً في العراق، بتفويض الشيعة في إدارة الشأن العراقي بشكل انتهازي واستفزازي للسُّنّة داخل بلاد الرافدين وخارجها.
ومن المؤشرات والعلامات الدالة على الدفع الأمريكي باتجاه مواجهة إقليمية سُّنّية شيعية، من خلال التحرش بإيران وتهييجها على دول الجوار، ما يلي:
1 - استراتيجية بوش الجديدة للعراق، ليست خاصة بالعراق فقط، بل هي رؤية وخطة لمواجهة كل القوى المناهضة لأمريكا في المنطقة، سُّنّية كانت أو شيعيِّة؛ فالخطة تغلق الأبواب أمام احتمالات إخلاء المنطقة من الوجود العسكري الأمريكي؛ بل تقرر زيادته في العراق وحدها بنحو (21 ألف جندي أمريكي).
كما تدل استراتيجية بوش الجديدة التي أُطلق عليها (استراتيجية الدفع) على توجُّهٍ نحو تأكيد ثلاثة خيارات استراتيجية أمريكية في التعامل مع الأطراف في المنطقة:
أولاً: الحفاظ على تماسك التحالف بين أمريكا وبين من تعدهم (قوى الاعتدال) في المنطقة؛ وهم مصر و الأردن ودول الخليج و تركيا، وربما باكستان.
ثانياً: الثبات على اتخاذ موقف المواجهة مع إيران و سورية ومن يدور في فلكهما؛ خلافاً لتوصيات لجنة بيكر - هاملتون.
ثالثاً: تطوير استراتيجية المواجهة الشاملة للقوى السُّنِّية المقاومة في العراق.
فتلك الاستراتيجية تنطوي في خطوطها العريضة على توجُّه ٍنحو تحالف جديد ضد إيران وسورية، إضافة إلى المقاومة السُّنّية في العراق، وهو ما يعني توسيع جغرافيَّة المواجهة إلى ما هو خارج العراق.
وتأتي التحضيرات العسكرية الأمريكية المتصاعدة في منطقة الخليج مؤخراً نوعاً من التهيئة الفعلية لساحة العمليات؛ فالتحضيرات العسكرية حتى الآن شملت تعزيز القدرات البحرية الأمريكية في المنطقة، بزيادة مجموعات قتالية كبيرة، تضم حاملات طائرات وقطعاً مقاتلة، وغواصات وكاسحات ألغام، كما تضم دفاعات صاروخية من نوع (باتريوت)، وتشمل تعزيز القدرات الاستخباراتية داخل إيران نفسها. وقد طلب الرئيس الأمريكي لتغطية استحقاقات المرحلة المقبلة من الكونجرس أن يوافق على الميزانية المطلوبة حالياً والتي تقدر بأكثر من ( 700) مليار دولار، وهو ما يعد أكبر من ضعف تكاليف عملية غزو العراق.
2 - توجُّه أمريكا نحو إضعاف القوى الشيعية الموالية لإيران داخل العراق، بعد استهلاكهم في إقصاء السُّنّة وإضعافهم، وبعد الفراغ من استعمالهم في الحرب ضد صدام، حتى لا يصيروا ظهيراً لإيران في حال مواجهة أمريكا لها، ومن ذلك دفع الحكومة الشيعية العميلة لمواجهة (عصابات مقتدى الصدر) الأداة الأكثر إجراماً في يد إيران، وكذلك حرق أوراق عصابة الغدر بزعامة (عبد العزيز الحكيم) وتهييجها ضد الصدريين وضد الشيعة العلمانيين، ويدخل في ذلك أيضاً ضرب الشيعة العرب بالشيعة الفرس عن طريق استغلال اختلاف المرجعيات.
3 - إصرار أمريكا في المحافل الدولية وفي أوساط التجمعات العربية على عزل إيران، وتضييق الخناق عليها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وهو ما تُرجِم مؤخراً باستصدار قرارات للعقوبات الدولية عليها، وهو السلوك الذي اعتادته الإدارة الأمريكية مع كل من تنوي له شراً؛ حيث تسير إلى خط الصِّدام عبر خطوات التصعيد الدبلوماسي، ثم العزل السياسي، ثم الحصار الاقتصادي، ثم جمع الحلفاء للحسم العسكري.
4 - محاولات استدعاء رموز قديمة من حزب البعث، ربما لاستخدامها كجزء من (قادسية جديدة) ضد إيران، باسم القومية العربية (البائدة) ضد القومية الفارسية الصاعدة.
5 - كانت عملية إعدام (صدام حسين) مليئة برموز الشحن الطائفي؛ حيث سمحت أمريكا للشيعة (وكانت قادرة على عدم السماح) بأن يختاروا التوقيت الأسوأ والكيفية الأسوأ في تنفيذ الإعدام؛ ليوصِِّل ذلك إلى أشد العواقب سوءاً على مشاعر السُّنّة ضد الشيعة في إيران والعراق. وكان لهذه الخطوة الأمريكية الماكرة آثار ظاهرة في إفقاد الشيعة كل أسهم الإعجاب والتعاطف الذي كان لدى شريحة كبيرة من المخدوعين بهم، وقد كان هذا فخاً لهم، وقعوا فيه بغباء خارق.
6 - هناك فيما يبدو (فوضى خلاّقة) - على مذهب (كوندوليزا رايس) - يجري الإعداد لها داخل العراق، قد تسمح بإحداث وضع جديد من بين ركامها، يمكن أن يُخرج إدارة جديدة للعراق غير موالية لإيران. فأمريكا حتماً ستلعن عملاءها هناك بعد أن انتعلتهم. وقد بدأت إشارات ذلك بتصريح بوش رأس الفتنة بأن حكومة المالكي (غير ناضجة)! وفي هذا الصدد، قد تستعين أمريكا ببعض مغفلي أهل السُّنّة، وتدفع بهم إلى الوجهة الأمامية، ليقولوا أمام المسلمين: إننا الحاجز المنيع ضد الشيعة الإمامية! وليكون هؤلاء في تلك الحال جزءاً لا يتجزّأ من (تحالف الاعتدال)!
وقد تزايد اتِّهام إيران في الآونة الأخيرة، بأنها وراء الكثير من أعمال العنف وفِرَقِ الموت في العراق، واعتقلت الولايات المتحدة عملاء لإيران هناك. واتّهم الأدميرال (وليام فالون) المرشح لمنصب القيادة الأمريكية الوسطى، إيرانَ بالعمل على عرقلة استقرار النفوذ الأمريكي في الخليج، في تصريح له في أواخر يناير من عام 2007م. وهناك تصعيد واضح في لهجة القوى المعادية لإيران فيما يتعلق بضرورة حسم خطرها النووي قبل أن يخرج عن السيطرة، وقد قال الرئيس الأمريكي في 12/1/2007م: « إن كل الخيارات مطروحة في التعامل مع إيران » وهو يقول ذلك تجاوباً مع حملات التحذير الأخيرة من أن إيران على وشك تجاوز القنطرة فيما يتعلق بالتسلح النووي؛ حيث قال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن في (30/1/2007م): إن إيران قد تتمكن من إنتاج سلاح نووي في غضون سنتين.
 وقال المعهد في تقريره السنوي: « إن إيران واصلت تحقيق تقدُّم في إنتاج معدات التخصيب، وخزّنت 250 طناً من المواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم، بما يكفي لإنتاج 30 إلى 50 قنبلة نووية. وحذّر المعهد من أن تخطي إيران للعقبات الفنية وانفتاح الطريق أمامها لإنتاج سلاح نووي؛ قد يعجل باحتمالات الخيار العسكري ».
وقد ذكر مسؤولون أمريكيون وخبراء مستقلون أن شنَّ هجوم سريع على إيران، سيعرقل برنامجها النووي لمدة لا تقل عن أربع سنوات.
وهنا يرتفع صراخ ونباح الدولة العبرية، مرة بالتهييج وأخرى بالتهديد، خوفاً أو تخويفاً من التلكؤ مع إيران حتى ينفلت الزمام، وقد قال (إفراييم سنيه) نائب وزير الدفاع الإسرائيلي: إنه لا يستبعد هجوماً وقائياً إسرائيلياً على إيران، على خلفية برنامجها النووي، وقال في (10/11/2006م): « إن الهجوم على إيران سيكون الحل الأخير.. وربما يكون الحل الوحيد »!
وقال (عمير بيرتس) وزير الدفاع الإسرائيلي في (30/1/2007م): « إن عام 2007م، سيكون عاماً حاسماً في مواجهة الخطر النووي الإيراني »!
لكل هذا استشعر الأمين العام للجامعة العربية (عمرو موسى) الخطر المحدق بالمنطقة وهو في موقع يؤهله للشعور بذلك الخطر حيث حذّر من التداعيات الخطيرة لأي هجوم أمريكي على إيران فقال في (24/1/2007م): « إذا اندلعت الحرب، فسيخرج مردة آخرون من القمقم، ولا يمكننا أن نتخيل التأثير على دول الخليج ودول البحر المتوسط ».
* وهنا لا بد من وقفات وتساؤلات:
علماء الأمة وحكماؤها وأهل الرأي مدعوّون اليوم قبل الغد لتداول الرأي حول عدد من المسائل المتعلقة بالتصعيد الطائفي والعسكري الحاصل في المنطقة، والذي يُعدّ الجزء الأكبر منه صناعة أمريكية بصياغة صهيونية، تدبرها العقلية التي لا تزال تحكم أمريكا الآن، وهي عقلية المحافظين اليهود الجدد، ومن هذه الوقفات والتساؤلات:
أولاً: المعركة بين أهل السُّنّة والشيعة في جوهرها اعتقادية وليست عسكرية فليس مجرد أن الشيعة مبتدعة مهما كان الغلو في بِدَعِهم كافياً لأن يكونوا على قائمة الأولوية في الحرب العاجلة من أهل السُّنّة، وإلا كان كل صاحب اعتقاد فاسد محلاً لحرب المسلمين وجهادهم، وهو ما يجمع عليهم أمم الأرض جملة واحدة. ثم إن فساد اعتقاد الشيعة ليس جديداً كي يسوِّغ لنا الآن الدخول معهم في حرب طاحنة إلى جانب الأمريكان. وإذا كانت المعركة معهم عقدية في الأساس، فإن مجالها لا يزال هو البيان والحجة واللسان؛ فهذه وسيلة جهاد مَنْ لهم شَبَه بالمنافقين والزنادقة.
ولكن التساؤل هنا هو: ألا توجد وسيلة لتفادي الصدام المدمر معهم الآن، في حرب لا يبدو أن أهل السُّنّة في كامل الجاهزية لها، وليس وارداً العزم على حسمها، وبخاصة أن الشيعة في العالم يُقَدَّرون بعشرات الملايين، ولا يمكن إفناؤهم إلا بأضعاف أعدادهم من أهل السُّنّة؟!
ثانياً: صحيح أن الخطر الشيعي على أمن المنطقة وبخاصة منطقة الخليج هو خطر صاعد إلى التنامي والتمدد، وهو ذاهب إلى اتجاه الصِّدام، لكن الجزء الأكبر منه هو قضية تخص أمريكا وإيران، فلماذا يُقحَم أهل السُّنّة فيه مبكراً؟! فلتحارب أمريكا من تشاء من أعدائها ومنافسيها على الثروة والنفوذ، ولكن أليس من حقنا أن لا يكون ذلك بأرواحنا وأموالنا وسلامة أراضينا؟ وهل من المحتّم على ساسة المنطقة أن يتحالفوا مع أمريكا في أي حرب تقرر خوضها في الزمان والمكان الذي تريده؟!
ثالثاً: الشحن المذهبي، والحقد الطائفي الذي أفرزه شعور الشيعة بنشوة الانتصار الكاذب، يجب ألاّ يجبرنا أو يجرنا إلى سلوك مشابِه؛ لأنَّ مآل ذلك هو إلى الصِدام الحتمي على المستوى الإقليمي، مثلما آلَ الأمر على المستوى المحلي في العراق على غِرَّةٍ من أهل السُّنّة، وإعدادٍ واستعدادٍ من الشيعة.
 أوَ ليست هناك وسيلة من جانبنا على الأقل إلى العودة إلى تسكين زوابع الاحتراب المذهبي المفضي إلى معركة لا حاجة لها ولا ضروره إليها ولا فائدة منها إلا للحريصين على إضرام نارها من اليهود و النصارى المتربصين بالطرفين؟!
 ألا يمكن التصبّر عن منازلة الشيعة، ريثما يكون عندنا ما عندهم (مثلما يقال دائماً عن المواجهة مع دولة اليهود)؟!
أليس من الأحرى بدول وشعوب أهل السُّنّة، وبخاصة دول الجوار، أن يتفادوا الصدام الآن، حتى يتملّكوا ما يمكن أن يكون سلاح ردع مكافئ، مثلما فعلت باكستان مع الهند، و روسيا و كوريا مع أمريكا؟!
رابعاً: قوة الشيعة وتغوّلهم ليس في صالح السواد الأعظم من الأمة بداهة، والمد الشيعي هو دائماً حسم من المدّ الإسلامي الصحيح، ولكن تَقَوِّي الشيعة وصعودهم بما في ذلك البرنامج النووي لا بد أن يُضارَع بقوة تُبنى على علم واقتدار قبل أن يُضارَع من موضع ضعف وانكسار. ولا يعني هذا الدعوة للتقارب معهم على دَخَنٍ منهم وتَقِيَّة، ولا للتهوين من خطرهم، على حساب سلامة المعتقَد وسلامة الأرض والعرض؛ ولكن الخوف كله من الاستجابة لداعي العجلة، التي كثيراً ما تكون من الشيطان.
خامساً: جزء مهم من المعركة مع التشيع المغالي، هو في الجانب السياسي، وساسة الشيعة الإيرانيون قد أظهروا حنكة وقدرة عالية على التعامل مع الموازنات والتطورات العالمية، وهم في غالبيتهم جماعة من الدينيين خريجي الحوزات والجامعات الدينية، ولم يمنعهم ذلك من تناول الشأن السياسي والتعاطي معه.
 فلِمَ تُترك قضايانا المصيرية نحن أهل السُّنّة بيد حفنة من الخبراء العلمانيين والساسة اللادينيين، الذين يُصرّون على فصل السياسة عن الدين إلى الأبد، مُضَحّين بالسياسة وبالدين معاً؟!
 ألم يحن الأوان أن يفرض الإسلاميون نوابُ الأمة الحقيقيون رؤيتهم في قضايا أمتهم، عبر الوسائل التي تفرضها إمكاناتهم وحجمهم الأكبر في الأمة؟
 ولماذا يسوس الشيعةَ علماؤهم وحكماؤهم، بينما يساس السُّنّة بعكس ذلك؟!
سادساً: ألا توجد هناك طريقة لإقناع المتنفذين في بلاد العرب والمسلمين، بأن أمريكا لو عزمت على ضرب إيران ِلحِفْظِ مصالحها، فسوف تضربها سواء بهم أو بغيرهم؟
فلماذا تسوقنا نحن سَوْقاً كما فعلت من قبل إلى حرب ستستفيد هي منها في كل شيء، ولن يستفيد المسلمون منها بأي شيء؟!
ألا توجد صيغة لتفادي تكرار اللدغ من الجُحر نفسه؟
وأخيراً: إن الولايات المتحدة على شفا سقوطٍ مدوٍّ إلى هاوية التراجع والانعزال، وربما التفكك والانحلال؛ فلماذا نقدم لها نحن طوق النجاة؟ ولماذا يتعامل بعض السياسيين معها وكأنها ستظل في كامل قوتها، مع أنها في أخطر منحنيات ضعفها؟!
إن الصبر على سقوط أو إسقاط الصنم الأمريكي المتمايل في العراق وغيره، أهون وأقل تكلفة وأعلى فائدة من المسارعة إلى اقتحام الفخ الإيراني الأمريكاني الملغم بالمواجهات والمفاجآت، وإن تمكين الأمريكان من اتخاذنا عصا مرة أخرى لضرب أعدائها سيقويها ويقوِّضنا.
ولهذا فإن من واجب المسلمين جميعاً أن يرفضوا أن يكونوا عَصا بيد أولئك العُصاة المردة؛ بل من المفترض عليهم أن ينزعوا كل عصا بيد أمريكا أو غيرها، ليحرموها منها أو يضربوها بها؛ حتى تبتعد عن شؤون المسلمين وتخرج من بلادهم، وهذا ما فعله المجاهدون في العراق بهم، فيما نحسبه دفاعاً عن أنفسهم وأعراضهم ودينهم؛ وهو حق كفله الباري جل وعلا بقوله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }(البقرة:194).
فتحيةً لهم وهم يرفعون الإثم عن الأمة كافة! والله المستعان.


:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

(1) العم سام - على الأشهر - لقب شعبي أمريكي للولايات المتحدة، أطلقه الأمريكيون عليها في أوائل العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وهو مأخوذ من اسم أحد التجار الأمريكيون، ويدعي (العم سام ويلسون)، وكان هذا التاجر يزود القوات الأمريكية بلحم البر في حرب عام 1812م، وكان يدمغ براميل اللحم بحرفي US - أي الولايات المتحدة - وكان هذا الرمز أيضا يمثل الحرفيين الأولين من اسم هذا التاجر (العم سام) (Uncle Sam)، فأصبح اسمه مرادفا للولايات المتحدة، وصارت صورته المشهورة في رسوم الكاريكاتير رمزا للولايات المتحدة.