الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

حكاية الفيلم المروع (المهدي 313) والكعبة المشرفة!


حكاية الفيلم المروع (المهدي 313)


عايض بن سعد الدوسري
المصدر: 
موقع: المصريون

تدور قصة الفيلم الذي يحمل اسم (313)–الذي أنتجه قريبًا باللغة الإنجليزية أحد الشيعة الباكستانيين في بريطانيا- حول شابٍ شيعي مجرم يعمل في ترويج المخدرات والتكسب منها في بريطانيا، وتتسلسل الأحداث –ويظهر أن إدخال قصة المهدي في الفيلم أتى بصورة ركيكية- ليصبح مروج للمخدرات أقرب الشخصيات إلى المهدي المنتظر، ويصبح أحد أركان وأعمدة ثورة المهدي التي تتكون من (313)شيعيًا انتخبوا كأفضل شيعة حول العالم.
 
هذا الفيلم قد يعتبره البعض أخطر شرارة يمكن أن تقود حربًا طائفية جديدة، لأنه ومهما أدخل فيه من لقطات تُوحي بالتظاهر بالتسامح وأن التشيع يأخذ في ممارساته التعبدية من البوذية والمسيحية، إلا أنه في المقابل يتحور حول فكرة المهدي المنتظر، والتي يعرف أي باحث في هذا الشأن أنه فكرة دموية طائفية حسب كتب ومراجع الشيعة.
 
ويبدأ الفيلم من مدرسة شيعية يكلف مديرها هذا الشاب بعمل بحثٍ دراسي عن سيرة ونبوءات المهدي المنتظر.ويشير الفيلم صراحة إلى أن زمننا هذا هو زمن ثورة المهدي، ويرى الشاب الشيعي -مروج المخدرات- أثناء بحثه عن حقيقة المهدي رؤيا تشير إلى أن ثورة المهدي لا تكون إلا بتحقق بشارتين، وتكمن خطورة هذه الرؤيا وما يتبعها من تأكيدات أنها صادرة من أحد (313)المقربين للمهدي الشيعي، أي أنها ليست أضغاث أحلام بل رؤيا إلهية أتت من المهدي، وهما:
البشارة الأولى: سقوط العراق، ويعرض الفيلم لمقطع من خطبة جورج بوش وهو يتحدث عن الهجوم على صدام حسين والعراق وإضعاف قوته ثم إسقاطه.ثم بعد تلك الرؤيا الصادقة يكتب الشاب الشيعي في بحثه عن المهدي وأن زمننا هذا هو العصر الأخير حيث ثورة المهدي، والسبب في ذلك تحقق العلامات الكبرى ومن أهمها سقوط العراق، ثم يوصي الشاب الشيعي في بحثه –الذي يعده في المدرسة الشيعية- شيعة العالم بالاستعداد والإعداد لثورة المهدي، وأن الثورة قد بدأت فعلاً الآن وأننا لا ننتظر المهدي بل هو من ينتظر إعدادنا واستعدادنا لتفجير الثورة.
ويواصل مدمن المخدرات -الذي تحول إلى محاضرٍ وواعظٍ- في وعظ وحث شباب الشيعة على الانخراط في الإعداد والترتيب لثورة المهدي الذي ينتظر شيعته ليمهدوا الطريق لظهوره وبداية حكمه للعالم.
 
البشارة الثانية: أحداث فظيعة ورهيبة تحدث في موسم الحج حيث تتلطخ أستار الكعبة المشرفة بالدماء، ويعرض الفيلم الشيعي للكعبة المشرفة في رؤيا الشاب الشيعي وقد لطختها وكستها الدماء من كل اتجاه.
 
ثم بعد هذه البشارة الشيعية التي أتت لمروج المخدرات الشاب إذا بها تتحقق في نهاية الفيلم، فيشاهد في نشرة الأخبار العالمية أنه حصلت فعلاً فوضى عارمة، واضطرابات كبيرة في مكة والحرم المكي، ووكالات الأنباء العالمية تغطي وتتابع مظاهر الفوضى وهروب الحجاج في كل اتجاه وبفزع ورعب، وتشتت أهل مكة وهروبهم، ليتبين فعلاً أنه حصلت مقتلة حول الكعبة بحيث لطخت أستارها بالدماء، وتعم الفوضى أيضًا رجال الشرطة الذين يحاولون دون جدوى إخلاء المنطقة!
 
في هذه اللحظة يُعرج بالشاب الشيعي –مروج المخدرات- لينضم ضمن نخبة (313)الخلص، لتبدأ الثورة، وعندها سيحتل المهدي الكعبة ومنها سيعلن خطابه للعالم وحكمه للبشرية جمعاء، وتنطلق منها ثورته الشيعية ليطهر الأرض من الشرور والآثام ويأتي بالعدالة الشيعية ومعه الـ (313).
 
ويعتبر الشيعة "المهدي المنتظر" عقيدة محوريَّة يتمركز عليها مذهبهم، فالإمامة والعصمة واستمرار نظرية الإمامة الإلهية إنما كانت بفضل صناعة هذه العقيدة.ثم إن ولاية الفقيه ونظام المرجعية وقيام الدولة الإيرانية إنما يقوم على هذه العقيدة، وبدونها لا يكمن أن يكون هناك شيء من ذلك.
 
وبفضل هذه العقيدة فإن نائب المهدي أي الولي الفقيه يستطيع أن يحرك شيعة العالم أجمع لخدمة مصالحه أو مصالح النظام الإيراني أو المرجعية، فهو الممثل أو الناطق الرسمي باسم إمامهم المهدي، حيث جميع آمال الشيعة وأحلامهم تتعلق به.
 
من هذا الباب الاستغلالي فإن فريق عمل "شيعي-بريطاني" -كما قال الكاتب المتشيع المصري الدكتور أحمد راسم النفيس حسب موقع الجمعية العراقية الكويتية بتاريخ 2009/10/1- انتهي من إنتاج هذا الفيلم الشيعي (313)، والذي يتناول الجيل الأخير المصاحب لظهور الأمام المهدي المنتظر هو الأمام الثاني عشر وأوضح النفيس، في تصريح صحفي أن الفيلم يتم تداوله إلكترونياً عبر روابط تحميل تصل للأفراد عبر البريد الإلكتروني، وزعم أن الفيلم لاقى ترحيباً وقبولا من المسلمين السُّنة في مصر والدول العربية.
 
واختتم النفيس قائلا: "الفيلم ينسب إلى أحد الشيعة الباكستانيين المقيمين في بريطانيا وقام بالتمثيل فيه مجموعة من الهواة. (يُذكر أن الفيلم الشيعي 313) ناطق باللغة الإنجليزية ومترجم إلى اللغات العربية والفارسية والفرنسية والأردية" والفيلم مع كونه أنتج في سنة 2008 إلى أنه تم تأخير عرضه لأسباب مجهولة، ثم نزل عن طريق الانترنت بواسطة.
 
ثم أخذ يروج للفيلم بشكل مجاني وواسع النطاق في الانترنت في المواقع الشيعية وفي المواقع السنية.وأخطر ما في الفيلم كما ذكرنا سابقًا أنه يرسل رسائل واضحة وخطرة أن ظهور وثورة المهدي تعتمد على ما سيقدمه الشيعة أنفسهم لمهديهم وذلك يتمثل في أمرين مهمين وهما: سقوط العراق، ثم خلق فوضى عارمة ودموية في موسم الحج وتلطيخ أستار الكعبة المشرفة بالدماء.
 
واستغلال مثل تلك الرسائل السياسية والإرهابية في الفيلم لا يخفى على المراقب الهدف منها، حيث يمكن بواسطة الفيلم السينمائي إرسال الرسائل المطلوبة وتحقيقها بما لا يتوفر عن طريق الأسلوب المباشر، خاصة إذا كانت العقلية الشيعية مُعبأة سلفًا ومستعدة مسبقا بهذه العقيدة.
 
هذا الفيلم الذي أنتجه بعض الشيعة في بريطانيا ونشروه حول العالم يجعل المرء يتساءل عن سبب كونه إرهاصًا سبق تصريحات كل من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي الأخيرة حينما طالبوا بإقامة مظاهرات واحتجاجات وهيجانات من أجل "البراءة من المشركين" وإطلاق نداء الشعب الإيراني للعالم الإسلامي من مكة! وتلك سنة سنها مؤسس الثورة الإيرانية ونائب المهدي الخميني. 
بل وتجاوز الأمر مجرد المطالبة إلى التهديد حيث هدد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأنه سوف يتخذ القرارات المناسبة إذا تم منعهم من إحداث الهيجانات في الحج!
 
والعاقل يتساءل باستغراب عميق: من المقصود بالمشركين الذين يجب أن يبرأ منهم الشيعة في مواسم الحج؟ وهل هذه المظاهرات هي جزء من الإعداد والاستعداد لثورة المهدي وتحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة من المشركين؟
 
أقول: لعل أفضل من يجيب على هذا السؤال هم الشيعة أنفسهم.
 
قال آية الله العظمى (حسين الخراساني) أحد أعمدة الحكم في الجمهورية الإسلامية في كتابه "الإسلام على ضوء التشيع": (إن كل شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح وتحرير مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي النجس عنها!)
 
وقد ألقى الدكتور (مهدي صادقي)أحد رجالات الجمهورية الإيرانية خطبة وصفت بأنها مهمة وخطيرة، جاء فيها: (أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله يحتلها شرذمة أشد من اليهود).
 
وقد نشرت مجلة الشهيد الإيرانية وهي تعتبر لسان علماء الشيعة الناطق في مدينة قم، في عددها (6)صورة تمثل الكعبة المشرفة، وإلى جانبها صورة تمثل المسجد الأقصى المبارك، وبينهما صورة يد قابضة على بندقية، وتحتها تعليق نصه: (سنحرر القبلتين)، وصرح أحد زعمائهم، فقال: (أنني أفضل أن يكون الإنجليز حكاماً في الأراضي المقدسة).
 
ثم تداعت النداءات الطائفية من قبل شيوخ الشيعة الموالين للنظام الإيراني في هذه السنوات الأخيرة، حيث أكد عضو كتلة الوفاق الشيعية النائب الشيعي البحريني (حمزة الديري) أن أهل السنة كلهم نواصب أي غير مسلمين، ولذا الصلاة خلفهم في الحرمين الشريفين باطلة، حيث قال: (شيوخ أهل السنة وعلماءهم وأئمة الحرم نواصب، وإن صلاتكم في المسجد الحرام تعتبر صلاة وراء ناصبي).

ويقول أحد شيوخ الشيعة وهو ياسر الحبيب: (مكة والمدينة اليوم تحت الاحتلال ويجب تحريرهما).
 
وكذلك قصيدة بعنوان "السعودية" للشاعر الشيعي العراقي "مرتضى الذهيباوي" وهي قصيدة تهييجية إرهابية خطرة أطلقها في لقاء عام ومليء بالحضور، تحدث فيها عن وجوب تحرير مكة والمدينة من أيدي أهل السنة، وهاجم السعودية وابن تيمية ووصفه بأنه ابن الشيطان، وهاجم الملك عبدالله ووصفه بأنه يزيد، ولا يخفى على الفطن ماذا تعني في التراث الشيعي تلك الأوصاف الخطيرة ودلالتها الدينية ومغزاها السياسي الخطر! 
 
إذن، المقصود بالمشركين –كما يقول هؤلاء- هم أهل السنة، والذي يجب على كل شيعي –كما يطالب نجاد وخامنئي ومن يؤمن بطرحهما- البراءة منهم في موسم الحج وفي مكة المكرمة!
 
تلك التصريحات الواضحة والمباشرة غالباً ما تردُ علناً على لسان الشعراء والخطباء وعلماء الدين الذين يشحنون العامة ليكونوا على استعداد.وأما الساسةُ فلا تسمعها منهم في وقت الهدوء السياسي.لكن ما إن يطرأ توترٌ إلا وتخرج ألسنتهم ما تكنه قلوبهم مما أوجبت السياسةُ كتمانه.فيبدأوا باستثمار ما غرسه علماء الدين في عقول عامة الناس.لأجل هذا سمعنا أحد رؤوس نظام الحكم هناك هاشمي رفسنجاني بعد أحداث حج عام (1407)يخرج خبيئته ويصرح لجريدة (اطلاعات)بتاريخ (14/12/ 1987م)ما نصه: (إن جمهورية إيران الإسلامية لديها الاستعداد للحرب من أجل تحرير مكة).
 
ولعل بعض الباحثين الآن قد أدركوا بجلاء أهمية توقيت نشر فيلم (المهدي 313) بشكل واسع بين الشيعة وبثه في العالم عن طريق الانترنت، وتزامن ذلك مع تصريحات وتهديدات القيادة الفارسية في تحويل الحج هذه السنة إلى فوضى، وإشغال المسلمين بأمنهم وسلامتهم عن التفرغ لأداء مناسك حجهم بسكينة ووقار وأمن.
 
والملحوظ هنا أن تلك التصريحات لم تسبق بتوترٍ يذكر في العلاقات السعودية الإيرانية، للدرجة التي كان عليها الحال أيام فورة الثورة الخمينية وطغيان فكرة تصديرها للخارجِ.حيث اتخذ الخميني من إعلان البراءة من المشركين ذريعةً لإحداث الفوضى بمكة كل عامٍ، في سبيل تصدير ثورته الدموية للخارج.ما الذي حرك خامنئي ونجاد لإطلاق تهديداتهم لحجاج بيت الله من الآن؟ لن يتعب المراقب حتى يفهم السبب.فهناك ثورة داخلية توشك أن تهز عرش خامنئي، والانشقاق الداخلي في إيران بلغ ذروته، فلا بد من إحداث مشكلة خارجية يتلهى بها الإيرانيون عن قضاياهم الداخلية.ففي مثل هذا الوضع، يتذكر خامنئي ونجاد وجوب إعلان البراءة من المشركين بمكة، فينطلقون لاستثمار الأحقاد والأفكار الدموية التي زرعها الشيوخ والتراث الشيعي والكتب الشيعية في قلوب العامة المضللين.
 
إنني أناشد جميع المسلمين في العالم باستنكار استغلال الحج ومكة المكرمة والمدينة المنورة لإحداث انشقاقات وانقسامات طائفية داخل صفوف المسلمين، أو استغلال موسم الحج في رفع شعارات الطائفية والتحزب، أو مضايقة حجاج بيت الله الآمن بالمظاهرات والتهييج كما حصل من الإيرانيين في أعوام سابقة.
 
إنني أناشد علماء الأزهر الشريف، وعلماء دمشق الرابط، وعلماء الزيتونة، وعلماء المغرب والجزائر، وعلماء إندونيسيا وماليزيا، وعلماء العالم الإسلامي جميعًا أن يدينوا تلك التصريحات الطائفية، وأن يدينوا محاولة تحويل الحج إلى موسم مظاهرات وتهييج وفتنة وكراهية.
كما أناشد عقلاء علماء الشيعة من أمثال آية الله العظمى محمد حسين فضل الله أن يدينوا تلك التصريحات، وأن يناشدوا عموم الشيعة بأن ينبذوا أي سلوك من شأنه زعزعة الأمن أو إخافة الحجاج وإرعابهم. وأخص بكلامي هذا قيادات الشيعة من العرب والسعوديين خاصةً.
فلا بد أن يسمع عموم الشيعة من قياداتهم ما يكشف مكر الساسة الإيرانيين ومتاجرتهم بأمن حجاج بيت الله في سبيل المحافظة على موقعهم فوق كرسي الحكم.
 
شاهد الفيديو





 

   

مقالات ذات صلة

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

تنصير إفريقيا !

تنصير إفريقيا !
الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
 
لقد إنعقدت الجمعية الثانية الخاصة بأفريقيا فى الفاتيكان ، من 4 إلى 25 أكتوبر الماضى ،تحت عنوان "الكنيسة فى أفريقيا ، لخدمة المصالحة والسلام". وقد حضره حوالى 250 أسقفا لمناقشة قضايا القارة ، وهى واحدة من أكثر القارات تعرضا للحروب ، والفقر ، وتوابع الإستعمار وما بعد الإستعمار.

فالمعروف أن الشعوب الإفريقية ضحايا إدارة عامة فاسدة ، بسبب السلطات المحلية التابعة للغرب ، وخاصة خضوعها لأسوأ أنواع الإستغلال من القوى الإستعمارية الخارجية.. ويبقى معرفة التوجهات الحقيقية لهذه الجمعية ومخططاتها.

يدفعنا عنوان هذه الجمعية إلى التساؤل حول معنى كلمة "مصالحة" وما هو المقصود منها ؟ مصالحة من وماذا ؟!
فعلى الصعيد الإفريقى ، إن كافة الحروب التى تدار على أرضها ترجع خيوطها إلى أولئك الذين يحركون اللعبة فى العالم، إلى قادة الغرب المتعصب ، الإستعمارى،المغتصِب ، الذى يلجأ إلى أعوانه المحليين ليقود لعبته.وهى قائمة على تجويع الأفارقة وإنتزاع كنوزهم. فهل المقصود مصالحة كافة أطراف القادة المحتالون ليقوموا بلعبة أكثر دقة لقهر وإجبار الأفارقة على مزيد من التنازلات ؟ 
إن إختلاق الحروب المحلية بين الشعوب باتت لعبة تقليدية ، و لا نذكر على سبيل المثال سوى إختلاق مشكلة البربر فى الجزائر لتقسيم البلاد ؛ وحرب دارفور ، حيث معظم سكانها من حفظة القرآن الكريم ؛ ولا نقول شيئا عما يتم حياكته حاليا مع الأقليات المسيحية فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة لإختلاق الفتن والقلاقل مثلما يدور فى مصر وغيرها من البلدان. فأية مصالحة يقصدون ؟!

وعلى الصعيد الكنسى ، عن أية مصالحة يمكن أن نتحدث ؟ إن كافة الكنائس وقد تعدى عددها الثلاثمائة كنيسة ، كلها أعضاء فى مجلس الكنائس العالمى، تتسابق بعتهٍ محموم لتنصير العالم ..
فهل المقصود بالمصالحة ضم كل هؤلاء المنشقون عقائديا لإختلاق الكنيسة العالمية التى يسعى إليها بابا روما شريطة أن تكون تحت لواءه ؟ أم هى مصالحة للتغنى بعملية تنصير واحدة ، لمزيد من إعتصار الشعوب الإفريقية والقيام بفرض عملية غرس ثقافى لا إنسانية ، والتوغل أكثر لإقتلاع أحشاؤها والعمل على إبادتهم ؟
إن الدور المشين الذى لعبته الكنيسة وتدخلها الإجرامى فى رواندا ، حيث قام بعض الآباء والراهبات بإشعال الحرائق فى هناجر مكدسة بالأفارقة الفارين من ويلات الحرب، لم تنسى بعد ! ولا نقول شيئا عن الدور المشين الآخر لموقف الكنيسة من العازل الطبى الذى تسبب عدم السماح به فى قتل آلاف من الأفارقة المصبين بالإيدز. فما المقصود بالمصالحة هنا ؟ مزيد من القتلة الإجراميين مشعلى الحرائق، أم مزيد من الإستعمار الجديد ؟

أما على صعيد الحرب التى يقودها الفاتيكان ضد الإسلام ، فما من إنسان يجهل اليوم الهَوَس الذى يقود به مسيرته لإقتلاع الإسلام ، وقد شبهتها جريدة لوموند الفرنسية بعبارة "أنه يسير على الإسلام بوابور ظلط" ! وما من إنسان يجهل الوسائل التى أعدها الفاتيكان للإسراع بذلك الإقتلاع.
فهى ترسانة يمتد عتادها بدءاً من رجال الكنيسة إلى كافة العلمانيين ، مروراً بعدد لا يحصى من البعثات التنصيرية ، والمنظمات ، والمؤسسات ، ووسائل الإعلام ، والإنترنت ، ورجال السياسة، والسياح ، إختصاراً ورسمياً : ما من مسيحى معفى من المساهمة فى عملية التنصير التى فرضها مجمع الفاتيكان الثانى (1965) على كافة الأتباع. بل وقد وصل العَتَه إلى تكوين فرق مبشرين من الشباب ومن الأطفال !!
أما التقنيات الحديثة فلم يتم إستثناءها وجميعها تحت إمرة البابا ، من أجل تنمية ثقافة تبشيرية تنصيرية وفرض ما يطلق عليه "الكلمة الوحيدة التى يمكنها إنقاذ البشر، وهى الأناجيل". فهل ينوى البابا أخيراً أن يقوم بمصالحة بين العقل والإيمان ويقر أنه من حق هؤلاء المسلمين الذين يحاول إقتلاعهم من دينهم ، من حقهم أن يحبوا ويتمسكوا بدينهم ؟! وياله من إفتراض لمصالحة لا تتمشى مطلقا مع هيستريا تنصير العالم التى يقودها .

وتجدر الإشارة هنا إلى أعمال معهد وستار ، فى الولايات المتحدة ، الذى أقام " ندوة عيسى" ، حيث إجتمع أكثر من مائتى عالم متخصص فى النصوص الإنجيلية ، لمدة سنوات ( من 1985 إلى1991فى اول مرحلة ،ثم من 1991 إلى 1996) ، خرجوا بعدها بيقين أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوه بها ، وأن 86 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها . فمن يمسك بمثل تلك النصوص الثابت تحريفها لا يحق له بأى حال محاولة تخريب القرآن ، الذى هو كلام الله عز وجل ، والذى ظل محفوظا منذ تنزيله حتى يومنا هذا ، لكى يفرض عقائد تم نسجها عبر المجامع على مر العصور. وتكفى الإشارة هنا إلى كل الجهود المنبتة التى تقوم بها المؤسسة الكنسية منذ قرون ، لتحريف نص القرآن .. فمن ناحية ، نرى جهود مستميتة لإقتلاع اللغة العربية ؛ ومن ناحية أخرى ، محاولة فرض تطبيق إستخدام المناهج الألسنية الحديثة التى توصلوا إليها على نص القرآن !.

فهل هناك من ضرورة لتوضيح أن كل ما توصل إليه الغرب فى هذا المجال فى اللغويات له علاقة مباشرة باللغات التى أصلها لاتينى ، بينما اللغة العربية فهى من اللغات السامية.
فكيف يمكن السماح بمثل هذا الشطط إن لم يكن الهدف هو التخريب المتعمد ، ولا نذكر هنا إلا الأبحاث التى يقوم بها أحد المعاهد البابوية وإسمه "الواحة" لتخريب النص القرآنى ، وللآسف يعاونهم بعض المسلمين الذين هان عليهم دينهم .

وهكذا ، فإن مجرد العنوان يكشف أن هذه الجمعية قد إجتمعت لأسباب أخرى تماما غير تلك "المصالحة" المزعومة ، ولا أقول شيئا عن كلمة "السلام". فأى سلام يمكن أن يقام حينما يكون ما نواجهه عبارة عن هجمة شبيهة بحرب الإسترداد ونهب الأندلس ، وعملية إستعمار جديدة باسم الدين ؟!.

وسرعان ما يأتينا الرد حول الهدف الحقيقى من إنعقاد هذه الجمعية فمن المؤسف أن نطالع يوم 27 أكتوبر على أحد مواقع الفاتيكان ،أن الآباء المجتمعين قد قاموا فى نهاية الجمعية " بتوجيه الشكر لله على وفرة الموارد الطبيعية الموجودة فى إفريقيا " ! ولا نفهم ما دخل "الموارد الطبيعية" هنا فى إجتماع كنسى ؟ ويا له من شكر يكشف عما وراءه ، بما أن ما يتكشف ليس إلا هدف إقتصادى سياسى لتلك الجمعية "الدينية" التى إجتمعت من أجله . إذ نطالع بوضوح : "أن الموارد المعدنية الإفريقية تساوى 46200 مليار دولار" .. وأنه بما قيمته "12 % من هذا المبلغ يمكن لإفريقيا أن تقوم بتمويل بنية تحتية على المستوى الأوروبى " .وهو ما يكشف بوضوح عن الهدف غير المعلن تحت ذلك العنوان الكاذب ، لأن الأمر لا يتعلق إلا بكيفية إلتهام هذه الفريسة الدسمة !

ونطالع فى بحث أجراه داود بيلار D. Beylard ، رجل الإقتصاد الكنغولى ، فى مجلة "إفريقيات" (وهى مجلة إقتصادية لكل إفريقيا) يتضح أن مجمل الثروات الإفريقية يصل إلى ستة وأربعين مليار ومائتين مليون دولار، إذ يقول : "إن القيمة المالية للمناجم الإفريقية فى المواد الخام الأولية التى تم إكتشافها للآن يصل إلى 46،200 مليار دولار ! لماذا إذن لا تفلح إفريقيا فى الإستفادة من مثل هذه الثروات التى تفوق ثلاثة عشر مرة العائد السنوى للصين ؟ إنها ثروة تكفى بكثير لتحويل القارة الإفريقية إلى واحدة من القوى العظمى فى العالم ". وهذا التقصير فى تنمية إفريقيا فى مجمله ، هو النموذج الإقتصادى القائم على تمويل إستثمارى ، يجيد الغرب العنصرى المغتصِب كيف يقوده. 
وها هو مثال آخر يقدمه الباحث :
"هناك شركات مناجم بلا إمكانيات معقولة، وأحيانا بلا عاملين ولا مكاتب ، تتبع شركات مساهمة مجهولة، مقيدة فى السجلات الضريبية ، وتصل بفضل الوعود والإستعراضات إلى إقناع الحكومات الإفريقية بأن تسند إليها تنازلات منجمية ضخمة لإستغلالها. وما أن يتم الحصول على العقد ، فإن هذه الشركات تسارع على تمويل شحيح، عادة ما يكون من كندا ، لإضفاء قيمة على الأسهم الإفريقية وأخذ أرباح بفائض قيمة ضخم قبل حتى أن يتم رفع جرام واحد من أرض المناجم التى حصلوا على حق إستغلالها".

وهو ما يعنى عمليا، أنهم يختلقون ثروة بضمان الموارد الإفريقية ، دون أن تكون هذه الموارد قد تم إستغلالها فعلا, والأدهى من ذلك ، دون أن تأتى بأية أرباح للملاك الحقيقيين، الأفارقة، أصحاب الحق المهضوم. ويا له من موقف فاضح خاصة حين نفكر فى أن نظام التمويل الدولى مصاص الدماء ، العنصرى، يستمر فى مطالبة الأفارقة بدفع الأرباح المركبة للديون التى يتورطون فيها عن طريق صندوق النقد الدولى !.

وإضافة إلى ما تقدم ننقل ذلك الإستشهاد المأخوذ من أحد الأبحاث المقدمة فى إجتماعات هذه الجمعية : "وفقا لدراسة قامت بها جمعية إستشارية متخصصة فى الإستثمار فى إفريقيا ، فإنه يوجد فى هذه القارة عشرة ملايين منجم من المواد الأولية الخام سواء فى البر أو فى البحر. ولا يُستغل منها سوى مائة ألف ، ويظل تسعة ملايين وتسعمائة موقع ، أى 90 % من الثروات غير مستغل إطلاقا. والأدهى من ذلك ، كلها مواقع معروفة ومسجلة فى أحد بنوك المعلومات المزودة بتقنيات الأقمار الصناعية والمعلوماتية الأكثر تحذلقا".

فليس بغريب إذن أن نقرأ فى نهاية إنعقاد هذه الجمعية "الدينية" عبارة : "أن الكنيسة سوف تبحث عن إقامة نظام معلوماتى فى كافة البلدان الإفريقية لإدارة الموارد الطبيعية" !.. وهو ما يعنى مزيدا من التدخل و مزيدا من التحكم من أجل السيطرة على هذه الموارد الطبيعية.

أى أن الأمر لا يتعلق لا بمصالحة ولا بأى سلام ، وإنما بعملية إستعمار مزدوجة. إستعمار جديد إقتصادى ، وسوف يزداد ضراوة بالإستغلال العشوائى للموارد الطبيعية ، إستغلال يدارى عملية السرقة المخططة لهذه الثروات ؛ وعملية إستعمار جديد يرمى إلى الحفاظ على إخضاع إفريقيا للحاجة المالية التى تعطى لها قطرة قطرة ، عن طريق إستعباد أخلاقى سياسى بفرض معايير الإنفلات الغربى المتطرف على الشعوب الإفريقية، عن طريق مختلف السلطات.

وإلى كل من يتساءل : كيف يمكن لأقوى مؤسسة دينية فى العالم أن تنجرف فى مثل هذه المغامرة الفاضحة واللا إنسانية ؟
نقول ببساطة : يكفى أن نطالع أن عجز مدفوعات الفاتيكان عام 2002 وصل إلى ثلاثة عشرة ونصف مليون يورو ، وذلك رغم موارده التى لا يتخيلها عقل. لكن، يكفى أن نطالع ما كتبه تونى باشبى T. Bushby فى كتابه حول "البلايين البابوية" ، وأن نتذكر فضيحة بنك أمبروزيانو ،وتورط الفاتيكان مع المافيا الإيطالية ، لنرى إلى أى مدى وصل الفساد المرتبط بالمافيا فى هذه المدينة التى تمثل بقايا الإمبراطورية البابوية والخلاف حول قضية "المسألة الرومانية".
 إن الفاتيكان دويلة تم إختلاقها فى 11 فبراير 1929، كممثل مدنى للكرسى الرسولى. والسبب الوحيد فى وجود مثل هذه الدويلة هو تلك الرغبة الراسخة للكنيسة فى التشبس بالسلطتين الدنيوية والدينية ، بأى ثمن كان حتى على حساب نهب شعوب قارة بأسرها.

ألا يدل ذلك على نهاية عهد سلام الكنيسة فى النطاق العلمانى الوطنى وعملية إحياء "للسلام الرومانى" فى أراضى الغير ؟
أى نقل المتناقضات الداخلية للخارج للسيطرة العسكرية ولترسيخ تلك المقولة الشهيرة لفيالق الإستعمار :

"إقمعوا كل من يقاوم وسيطروا على المتكبرين" فى بلدان إفريقيا وآسيا !!

6 نوفمبر 2009