الاثنين، 31 يناير 2022

العقاب الإلهى للسعودية والإمارات بقاءهما فى المستنقع اليمنى حتى الإفلاس

 العقاب الإلهى للسعودية والإمارات بقاءهما فى المستنقع اليمنى حتى الإفلاس

لماذا الأمم المتحدة تبرأ السعودية من دماء أطفال اليمن هل بسبب التمويل التى تدفعه الرياض؟



بقلم الخبير السياسى والإقتصادى

د.صلاح الدوبى 

من اليمن إلى القدس الشريف ثنائية الدم والانتصار .. معركة الكرامة وانتزاع القرار الوطني المستقل، معاً نخوض معركة المصير المشترك ونجدد معاً صورة العروبة والإسلام.تتضاعف معاناة أطفال اليمن يوميًا مع حالات القتل والاختطاف والتجنيد القسري وسوء التغذية والانقطاع المبكر عن التعليم وغيرها من الانتهكات القاسية التي تزيدهم بؤسًا يوم بعد يوم، نتيجة للكوارث الإنسانية التي تسبب بها التحالف العربي الذي يدعي حمايتهم، وبمباركة الأمم المتحدة.

جرائم التحالف ضد أطفال اليمن

يعتبر أطفال اليمن الضحية الأساسية في الحرب الدائرة في بلادهم منذ 5 سنوات، فقد قُتلوا وأصيبوا في المعارك المستمرة بين الحوثيين وقوات التحالف والقوات المتمردة الموالية للإمارات، مسلوبين تمامًا من جميع حقوقهم الأساسية، حتى أصبحت بلادهم جحيمًا.


ووفقًا للعديد من التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات محلية ودولية، اقترف التحالف العسكري الذي تقوده المملكة السعودية، الكثير من “الانتهاكات الجسيمة” لحقوق الإنسان هناك، وقد طالت هذه الانتهاكات الجميع حتى الأطفال الصغار.

إذ يعد قتل الأطفال والتسبب في إصابتهم بتشوهات جسدية أكثر انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن تفشيًا منذ آذار/مارس سنة 2015، وهو تاريخ التدخل السعودي الإماراتي في اليمن لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح قبل انقلاب المتمردين الحوثيين.

في هذا الخصوص، تقول الأمم المتحدة إنها سجلت خلال السنة الماضية 4042 حالة من العنف الشديد ضد 2159 طفلًا في اليمن، وتؤكد المنظمة الأممية في تقريرها السنوي الصادر في 9 يونيو/ حزيران حول الأطفال في مناطق النزاع تجنيد أكثر من 680 طفلًا كمقاتلين، بينهم 43 فتاة.

وبحسب التقرير، قتل التحالف العربي وشوه 222 طفلًا، كما تسببت القوات المسلحة اليمنية التي يدعمها التحالف في مقتل أو إصابة 96 طفلًا، وكذلك تسببت فصائل مسلحة مناوئة للحوثيين في مقتل أو إصابة 51 طفلًا، فيما قتل الحوثيون 395 طفلًا وشوهوا 1052 آخرين.

وقعوا هؤلاء ضحايا جراء المعارك الجارية في تلك المنطقة، وما تبعها من انتشار الألغام أو المتفجرات في كل مكان، إضافة إلى هجمات جوية وقنابل استهدفت المدارس والمستشفيات والمنازل والطرقات، ما جعل جميع الأماكن مهددة في اليمن ولا أمان فيها للأطفال، ولا سيما مع تفشي وباء الكوليرا والملاريا وحمى الضنك.

إذ كانت الغارات العسكرية الجوية التي شنتها قوات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن محط انتقاد للرأي العام، نظرًا لتسببها في قتل المدنيين، وتعطيل البنية التحتية، وتدمير التراث المعماري للبلاد.

للجرائم المروعة أثمان سيدفعها تحالف العدوان..والبادئ أظلم

يواصل تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ارتكاب الجرائم المروِّعة بحق الشعب اليمني غير مكترث بنتائج أفاعيله السوداء ، ويواصل بالطيران قصف المدنيين الأبرياء أطفالاً ونساء في منازلهم ، ويختار منتصف الليل وقتاً لاستهداف المنازل ليقتل أكبر قدر من الأطفال والنساء النائمين ، الجريمة الأخيرة التي ارتكبها تحالف العدوان في تعز حين قصف منازل المواطنين في قرية الحكيمية بمديرية مقبنة بمحافظة تعز والتي راح ضحيتها حوالي 20 شهيداً وعشرات الجرحى ، تعكس تعطش هذا العدو المجرم للدماء وشهوته لقتل الأطفال والنساء ، ونزواته الإجرامية في التدمير والخراب ، وتكشف إلى حد بعيد جاهزية هذا العدوان المجرم لممارسة طقوسه المعتادة في القتل والتدمير ، لا جاهزيته للسلام والتفاوضات .

جرائم القتل المروعة التي ارتكبها تحالف العدوان وجرائم التدمير الفظيعة التي مارسها التحالف نفسه ضد الشعب اليمني منذ اليوم الأول لشن الحرب على اليمن والتي ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألفاً من الشهداء والمصابين ، هدفه ترهيب الشعب اليمني وكسر إرادتهم بقتلهم وقتل أطفالهم ونسائهم وتدمير بناهم التحتية لدفعهم إلى الاستسلام والانكفاء والانهزام ، لكن ما شاهده العدوان نفسه أن الشعب اليمني عصي على الانكسار وأن جميع أفراد هذا الشعب باتوا اليوم أكثر مما مضى مدركين تماماً إجرام هذا التحالف وعدوانيته وانفلاته ، وأنهم بالإرادة سينتصرون وبالإيمان سيردعونه ويردون على جرائمه.

أهذاف ضد الإنسانية العالمية والغرب له رأى آخر

إطلاق التحالف السعودي عملية عسكرية عنوانها استهداف أهداف مشروعة في اليمن بلا خطوط حمراء، يؤكد بما لا يدع مجال للشكّ أنَّ التحالف السعودي لا يلتزم بالقانون الدولي الإنساني وقواعد الاشتباك التي نصَّت عليها كل الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف بهذا الشأن خلال المواجهات العسكرية الدائرة، وأنَّ استمرار عدوان التحالف بهذه الدموية والبشاعة يثبت أنّ السّعودية، ومن خلفها الإمارات، لا تريدان الانصياع إلى أي مبادرات سياسية قائمة على إنهاء الحصار ووقف العدوان، وأن الهدف الحقيقي من استمرار الخيار العسكري هو كسر إرادة الشعب اليمني وإيجاد أو فرض حكومة يمنية ذات ولاء كامل لكلتا الدولتين وإقصاء أحد مكونات الشعب اليمني. 

العقاب الإلهى للسعودية والإمارات فى مستنقع اليمن لن يخرجا منه

عاماً بعد عام، يسجّل التحالف السعودي ضد اليمن خسائر كبيرة في الأسلحة والعتاد، تظهر فشل أهداف العدوان، فكم بلغت الخسائر السعودية حتى الآن؟ وإلى أين تتجه السعودية في حربها على اليمن؟

دمرت القوات اليمنية منذ بداية العدوان أكثر من 14527 آلية ومدرعة ودبابة وناقلة جند وعربة وجراف

في العام 2015، بدأت السعودية عدوانها على الأراضي اليمنية، ووعدت بحسم المعركة خلال أشهر، لكن بعد 6 سنوات من العدوان، وجدت المملكة نفسها غارقة في المستنقع اليمني، مع تكبدها خسائر عسكرية واقتصادية هائلة قُدِّرت بمليارات الدولارات، إلا أنها تعمل على التكتم عليها.

أنفقت السعودية مليارات الدولارات منذ بدء عدوانها على اليمن، في محاولة لقلب المعادلة لمصلحتها، من خلال شراء الأسلحة، من صواريخ وطائرات وعتاد، وتمويل الضربات الجوية، ودفع البدائل المالية وغيرها، ناهيك بتكاليف التشغيل العالية والدعم اللوجستي والأموال التي تعطى لقوات تقدّم الدعم، كالقوات السودانية. كل ذلك يُضاف إلى الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة من الاستهداف اليمني للداخل السعودي، فكم بلغت حصيلة هذه الخسائر؟


الإنفاق السعودي العسكري

تُقدّر المشتريات العسكرية للسعودية بنحو 63 مليار دولار منذ بدء عدوانها على اليمن، من بينها 28.4 مليار دولار أُنفقت على صفقات لشراء الأسلحة الأميركية منذ شهر آذار/مارس 2015، منها 20 عقداً صادقت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في العام الجاري، بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.

وشكَّلت صفقات السلاح السعودية مع أميركا 74% من الإنفاق التسليحي لها، إضافةً إلى بريطانيا وفرنسا اللتين شكلتا 16% من المشتريات، وفق ما كشفه تحقيق استقصائي أميركي.

ووفق تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، فإنَّ تكاليف بارجتين حربيتين، تتبعهما 6 فرقاطات مرافقة، استأجرتهما السعودية لاستخدامهما في الحرب على اليمن، تبلغ 300 مليون دولار يومياً. وتحمل البارجة على متنها 6000 جندي بعدتهم وعتادهم، و450 طائرة بطياريها، وعليها أيضاً مدافع وصواريخ بعيدة المدى. وبهذا، يكون إجمالي تكاليف البارجتين مع توابعهما 54 مليار دولار خلال 6 شهور.

كذلك إضافةً إلى نفقات قمرين صناعيين للأغراض العسكرية، تبلغ تكلفة الساعة الواحدة مليون دولار، أي في اليوم الواحد 48 مليون دولار، وهو ما يعادل ملياراً و440 مليون دولار خلال الشهر الواحد. ما يكلف 8 مليارات و640 مليون دولار خلال 6 شهور.

وتبلغ كلفة تحليل المعلومات وعرضها واستخراجها من الصور والبيانات التابعة للأقمار الصناعية العسكرية 10 ملايين دولار يومياً، أي 300 مليون دولار شهرياً، ليصل المبلغ إلى مليار و800 مليون دولار خلال 6 أشهر.

وتبلغ كلفة طائرة “الأواكس” 250 ألف دولار في الساعة، أي 6 ملايين دولار يومياً، ما يعادل 180 مليون دولار شهرياً، أي ما يعادل ملياراً و80 مليون دولار خلال 6 أشهر.

أما كلفة الصاروخ الصغير، فتبلغ 150 ألف دولار، وكلفة الصاروخ المتوسط الحجم تبلغ 300 ألف دولار، وكلفة الصاروخ الكبير الحجم 500 ألف دولار. وتبلغ كلفة الصيانة وقطع الغيار لكل طائرة في الغارة الواحدة 150 ألف دولار

تبلغ كلفة استئجار طائرة “الأواكس” 250 ألف دولار في الساعة

وهناك وثائق لدى المنظمات الدوليه بجرائم كل قاده دول العدوان في اليمن وستستخدمها ضدهم, ولكن بعد ان تكون السعودية قد انفقت كل مالديها من اموال مقابل شراء سكوت المنظمات.. حينها لن تفلت من العقاب جميع الدول المشاركة في العدوان وسيتم ملاحقتها في محكمة الجنايات الدوليه خصوصا مملكة الرمال والامارات نعاج الخليج بدو الصحراء.

ولعل هذا العقاب المرتقب في الدنيا اما العقاب الالهي نتيجة سفك دماء الابرياء فلن يفلت منه امراء وتجار الحروب الذين استهدفوا حضاره اليمن ارضا وانسان ودمرو الشجر والحجر وكل مؤسسات الدوله وارتكبوا ابشع الجرائم التي لم يشهد لها التاريخ مثيل.

اليمن سينتصر وينكسر العدوان وهزيمه كبرى لقوى التحالف الدولي العالمي الذي سجلهم التاريخ تجار حروب ومجرمين حرب وفي مزبلة التاريخ .

ولكن قبل العقاب يبدو أن السعودية ستكون وحيدة في حربها على اليمن؛ فالمعطيات الحالية تشير إلى أن الدول المتعاونة مع المملكة في عدوانها على البلد الفقير، أدركت أنها تورطت في مستنقع لم تجنِ منه سوى الانتقادات المحلية والدولية، الأمر الذي دفع بعضها إلى الانسلاخ الفعلي من تحالف العدوان، وبعضها يلوح بالانسحاب، فيما أصبح دور آخرين غير مؤثر وغير مجد في العمليات العسكرية، ما يلمح إلى بدايات البحث بجدية عن حل سياسي يمكن من خلاله الخروج من المستنقع اليمني مع حفظ ماء الوجه.

الغرب المنتصر الأول والأخير والسعودية البقرة الحلوب

أطل العام الجديد ليدخل العدوان السعودي على اليمن عامه الثامن في آذار/ مارس القادم. هذا العدوان الذي ظن أنه سيحسم كل شيء خلال 48 ساعة، ما زال غارقاً في مستنقع خيالاته.

لم تنفع ابن سلمان أسلحته الضخمة التي كانت في قائمة الدول الأعلى تسليحاً في العالم، ولم تنفعه الجيوش التي اشتراها واستأجرها لقتل اليمنيين، ولا الدول التي وقفت في صفه وأيدته في سفك دمائنا، ولن يفلت من قبضة الدول الكبرى التي يعمل قاتلاً مأجوراً لديها، بعد أن ورطته وزجت به في العدوان على اليمن لتمتص خزائنه ومدخراته.

«السعودية بقرة حلوب، وحين يجف لبنها سنقوم بذبحها», هكذا قال ترامب عن السعودية، وهذا ما سيكون حين يبدأ عرش بني سعود في التهاوي والسقوط. حتى وإن رحل ترامب فإن فكرة ذبح البقرة الحلوب لا تزال قائمة، لأن ما قاله ترامب لا يعبر عن رغبته وعن رأيه هو بقدر ما هي خطة أمريكية قام بإعدادها البيت الأبيض، وسيقوم بتنفيذها أي رئيس أمريكي.

اليمن سيهزم هذه البقرة، ويأخذ بثأره منها، وستدخل أمريكا إلى الرياض لذبحها وتخليص الشعب السعودي من تسلطها، وتستولي على النفط والمال والقرار، كما فعلت في العراق من قبل، وسيصفق الشعب السعودي لسقوط عرش بني سعود، وسيصفق اليمن والعراق وسورية ولبنان وليبيا والصومال وكل الدول العربية التي لم تسلم من شر السعودية وأحقادها وأذاها؛ لأن الأذى يجب أن تتم إزالته، وقد اقترب هذا الزوال.

الفاتورة التي ستدفعها السعودية ستكون باهظة، فدماء آلاف الأطفال والنساء والمدنيين لن تذهب سدىً دون عقاب. فأي عدوان هذا الذي جاء لمحاربة إيران في اليمن، كما يزعم، ويسفك دماء آلاف الأطفال اليمنيين؟! ولماذا يستهدف التجمعات المدنية والبشرية ومدارس الأطفال التي لا علاقة لها بما جاء من أجله؟!

تحدث العدوان السعودي، في بداية قصفه اليمن، عن بنك أهداف سيقوم بتنفيذها في اليمن، ومنذ ثماني سنوات لا يزال بنكه ممتلئاً بهذه الأهداف، لأنه لم ينفذ منها شيئاً، بقدر ما تراكمت خيباته وهزائمه فازداد توحشاً وحقداً.

كان الأولى بالسعودية أن تفهم طبيعة اليمن وطبيعة الشعب اليمني، بعد كل هذه السنوات من القصف غير المجدي، فاليمن تمرض لكنها لا تموت، واليمني يصبر لكنه لا ينسى ثأره، ولا ينسى من سفك دماء أطفاله وهدم بيته. وقد رأوا بأس اليمنيين ما فعل في حدود مملكتهم، وما فعل بمدرعاتهم ودباباتهم التي حولها إلى رماد وأكوام من الخردة، وما فعل بطائراته المسيرة وصواريخه التي دكت مطاراتهم ومرابض باتريوتاتهم وشركاتهم وحقولهم النفطية.

كان على السعودية أن تتوقف عن عدوانها في الأشهر الأولى حين رأت أنها لم تنجز شيئاً سوى القتل فقط، وكان بإمكانها أن تجبر الضرر وتمد يدها للصلح، لكنها اتبعت كبرياءها وتوغلت في دمائنا أكثر، عاماً بعد عام، ووصلت إلى طريق مسدود لم يعد يجدي معه أي صلح أو هدنة.



كتابات شادي جاهين في بلادي

 كتابات شادي جاهين

في بلادي

إيقاف إمام بث فيديو لمسجد يخلو من المصلين أثناء مباراة المنتخب !

يظهر إن ماحدش فاضي
#لا_لوقف_امام_مسجد_مطروح
#شادي_جاهين



البشرية في فرن الميكروويف حقًّا لا مبالغة

 البشرية في فرن الميكروويف حقًّا لا مبالغة

يناير 2022
د. عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر

الحقيقة الأخطر من هٰذا العنوان هي أنَّ البشرية ليست وحدها في الميكروويف وإنَّمَا سائر الكائنات الحية علىٰ سطح الكرة الأرضية في الميكروويف.

ولٰكن ما هو الميكروويف؟

لمن يعرفه ولمن لا يعرفه إليك بداية هٰذه البيانات المرعبة عن الميكروويف. الميكروويف هو جهاز يشبه الفرن الكهربائي الصغير، تضع في الطعام أي طعام لمدة أقل من دقيقة وتشغله وتفتح الباب لتخرجه ساخناً في درجة الغليان الذي يحرق الفم. تضم كاس الماء وتشغل الميكروويف لمدة أقل من ربع دقيقة وتخرجه والماء فيه بدرجة الغليان الذي يحرق الفم أيضاً.

يعدونه إنجازاً تقنيًّا حضاريًّا رائعاً. يريح سيدة المنزل من عب التسخين والتحريك وتوسيخ المزيد من الأطباق وهلم جرًّا.

ولٰكنَّ المفاجأة التي انتبه لها الكثيرون في البدايات ولم تعد مثار الانتباه مع كثرة الاستخدام والاعتياد عليه هي أنك عندما طبق لحم مثلاً في الميكروويف تمسك الطبق فلا تجد عليه أي أثر للحرارة، بينما اللحم فيه يحرق الفم حرقاً بالغاً. تناقض عجيب لا يمكن تصديقه. ومثله كأس الماء الذي تضعه في الميكروويف عندما تخرجه تمسك الكأس فلا تجد عليه أي أثر للحرارة بَيْنَما الماء في درجة الغليان الحارق، إلىٰ درجة أنَّ التحذير من عدم الانتباه لم يزل إلىٰ الآن قائماً؛ إياك أن تنخدع ببرودة الكاس وشكل الماء عند إخراجه من الميكروويف.

كيف يمكن أن يكون ذٰلك؟

لا يمكن أن يكون سحراً فالسحر لا يوزع علىٰ الناس هكذا. كيف يسخن اللحم أو الطعام أو الشراب أيًّاكان حَتَّىٰ يغلي والكأس أو الطبق الورقي الموجود فيه لا يتأثر أبداً ولا يحترق بل ولا يسخن؟!

كان الميكروويف قبل وضعه في الأسواق للاستخدام العام مستخدماً لدى أطباء الأسنان علىٰ نحو الخصوص، كانوا يضعون فيه الأدوات الجراحية بعد استخدمها وغسلها فيقتل الميكروبات حَتَّىٰ لا تؤذي المرضى لدى استخدامها ثانية. التقنية هي ذاتها ولٰكنَّهُم طوَّروها لنقل إلىٰ التسويق التجاري. وعندما انتشر الميكروويف في الأسواق سرعان ما ثار هلع المختصين وتواثبوا رعباً من خطر هٰذا الجديد الذي وضع بَيْنَ أيدي الناس، ونشرت بعض المقالات في ذٰلك، ولٰكن سرعان ما تمَّ التعتيم علىٰ الموضوع وانتهت المقالات التي تحذّر من مخاطر هٰذا الجهاز، مثلما حدث مع غيره. وكأنَّ مايسترو الإعلام عمم قرار منع النشر في الموضوع في أرجاء العالم. يبدو أَنَّهُ ثَمَّةَ مايسترو عالمي.

توقف النشر في ذٰلك وتوقفت الدراسات في ذٰلك. ولٰكنَّ الأمر لا يحتاج إلىٰ دراسات. فكر في الموضوع بهدوء في أقل من دقيقة. كيف يمكن تفسير هٰذا التناقض المرعب للعقل البشري؟! تضع سندويشة ملفوفة بورقة، تخرج السندويشة وهي بدرجة الغليان الحارق بَيْنَما الورقة كأَنَّهَا خارج الموضوع. حقيقة الأمر مرعب أكثر مما تتخيلون. إياكم أن تتعاملوا مع الموضوع بأي بساطة. أصلاً لم يخرجوا علينا بدراسات أو أبحاث تبريرية أو تفسيرية لتقلل مخاوفنا من الميكروويف. ولا أظنُّهم يستطيعون ذٰلك لأنَّ صدور مثل هٰذه الدِّراسات التي إن كانت صادقة أو كاذبة ستفتح منصات المناقشة والتكذيب علىٰ مصراعيها، وسيخسر الصانعون المال غير القليل، والضرر والأذى الذي يريدون نشره إن كان مثل هٰذا الموضوع في بالهم ولا أجزم في ذٰلك.

وإليكم الأخطر من ذٰلك الآن.

أرأيتهم إلىٰ هٰذا الميكروويف وما يحتمل أن يحمله من مخاطر إشعاعية علىٰ الطعام الذي يتم تسخينه وعلىٰ البيت الذي يوجد فيه؟!

أرأيتم إلىٰ ذٰلك؟

أنتم، أيها البشر، وسائر الكائنات الحيَّة علىٰ سطح الكرة الأرضية، تعيشون في فرن مماثل له تماماً وربَّمَا يكون أخطر منه بكثير جدًّا. 

اشتغل هٰذا الميكروويف الذي تعيشون فيه منذ نحو ربع قرن ولم يتوقف، ولن يتوقف، بل وكل نحو عام تزداد طاقاته الإشعاعيَّة تنوًّعاً وانتشاراً وخطراً. لنتابع كيف فرض علىٰ البشرية الكائنات الحية علىٰ سطح الأرض أن تعيش في الميكروويف المفتوح، ولننظر في مدى المخاطر الميكروويفية التي نعيش في قلبها والمخاطر التي نتعرض لها من دون حول ولا قوَّة.

أول أنواع الأمواج الميكروويفية التي فرضت علىٰ البشر كانت الأمواج الراديوية البسيطة التي يعمل الراديو أو المذياع بموجبها بثاً من الإذاعة، واستقبالاً من الراديو. وهٰذه الأشعة هي ذاتها التي ستكون ذاتها في كل ما سيأتي ولٰكن مع زيادة في الكم والنوع والشِّدة والخطر.

منذ البدايات كانت هناك توقعات بوجود مخاطر لهٰذه الموجات الراديوية. ولٰكنَّ أحداً لم يعر الأمر انتباهاً فيما يبدو لسببين واحد منطقي والثاني واقعي يجتمعان كلاهما قلة الانتشار ومحدودية محطات البث.

ثاني الموجات الميكروويفية التي فرضت علىٰ البشرية هي الأمواج الراديوية للبث التلفزيوني. كانت فرحة البشرية باختراع التلفزيون أكبر بكثير من التفكير في المخاطر التي يمكن أن تحمله الموجات الناقلة للبث التلفزيوني.

ومع ذٰلك فنحن في الحالين السابقين أمام محدودية في الضرر والأذى لسببين رئيسين أولهما محدودية البث والاستقبال، وثانيهما أنَّ الجهازين كليهما الراديو والتلفزيوني جازي استقبال سلبي وحسب، ولا يوجد أي تفاعلية في الإرسال والاستقبال. ناهيك عن وجود لاقط الإشارة، الأنتين، الذي يمتص الموجة. لم ينف أحدٌ أن الجسم البشري أو الحي يمتص شيئاً من الموجه، ولٰكنَّ المحدودية كما قلنا ساهمت كثيراً في عدم إيلاء الموضوع أهميَّة ذات شأن.

ثالث الموجات الميكروويفية مرت أيضاً مروراً عابراً من دون انتباه لأَنَّهَا تسللت رويداً رويداً حَتَّىٰ أصبحت فجأة حقيقة مقلقة فوق رؤوسنا وربَّمَا باتت كابوساً يقضُّ بعض المضاجع. فما إن انتشر التلفزيون وصار شبه موجود في كل بيت حَتَّىٰ فوجئناً بالبث التلفزيوني الفضائي عن طريق الأقمار الاصطناعية. الأقمار الاصطناعية كثيرة في سماء الأرض قبل ذٰلك بسنين جدِّ كثيرة، ولٰكنَّهَا كانت لأغراض حكومية خاصَّة، ومع انتشار البث التلفزيوني الفضائي انتبهت الناس إلىٰ وجود الأقمار الاصطناعية. وعلىٰ نحو متسارع صارت الأقمار الاصطناعية بأعداد هائلة في السَّماء حَتَّىٰ إن أي شخص بات بمقدوره أن يرسل قمراً لأغراضه الشخصيَّة…ولا مبالغة في ذٰلك. وكلها تبث أشعتها علىٰ مدار الساعة من دون توقف؛ تصور بالأشعة الحمراء والخضراء الصفراء، وتبث الإنترنت، وتبث الاتصالات، وتبث أشكالاً ألواناً… وكل ذٰلك أشعة أو موجات راديوية.

مثلما كان البث التِّلفزيوني فرحة أنست الناس الكثير، كذٰلك كان البث التِّلفزيوني الفضائي. ومع ذٰلك فإن لاقط الإشارة يتحمَّل كثيراً من الصَّدمة أو الموجات، ولٰكنَّ الموجات موجودة بغضِّ النَّظر عن التَّفاصيل السَّابقة. وإذا ما أضفنا إليها التَّفاصيل السَّابقة بات الأمر واضح المخاطر أكثر.

قبل أن أتابع ولتكون الصورة أوضح أكثر، كثيرون سيعترضون أو يتذرعون بأنَّ البشرية عاشت نحو مئة سنة مع هٰذه الموجات الترددية، الراديوية منذ بدايتها، ونحو خمسين منذ كثرة انتشار الأقمار الاصطناعية، ولم نشاهد هٰذه المخاطر التي تتحدث عنها.

هٰذا تفكير توهمي. المخاطر التي أتحدث عنها، ولم أخترعها من عندي، هي مسألة عملية فوق الشكوك وفوق الشُّبهات، وفاعليتها ليست زلزلة تحدث ثلاث مرات في اليوم بعد الأكل أو قبل الأكل. هي آثار تراكمية تتفاعل مع البنية البشرية بكل مقوماتها بما فيها النفسية، ومنها الجينية أي التي ستكون وراثية. ومقاومة الأجسام البشرية لهٰذه الموجات الراديوية هي تقلل من تأثيرها الصريح المباشر. ولٰكنَّ تتبع الخريطة الزمنية للحالات الطبية والمرضية وخاصة السَّرطانيَّة والحالات الاكتئابيَّة وكثير من الأمراض النَّفسيَّة منذ مئتي سنة إلىٰ الآن يكشف عن مدى تغير الخريطة الصِّحيَّة البشريَّة، ومدى تراجع المقاومة المناعيَّة لدى الإنسان مقارنة مع الأجيال السَّابقة. ناهيكم عن تزايد الحالات السرطانية، وكثرة موت الفجأة، وولادة الكثير من الأمراض والفيروسات التي لم تكن موجودة من قبل… وغير ذٰلك كثير.

رابع الموجات الميكروويفية كانت أيضاً فرحة غامرة للبشرية وهي إمكان أن يحمل المرء هاتفه معه في الجيب أينما حل وارتحل. كأن بؤساً وكدراً للفقراء في البداية، ولٰكنَّهُ صار في كل يد في أرجاء الدنيا تقريباً، بل كثير من البشر لديه هاتفان أو أكثر. وكثير لديه مجموعة الهواتف الخليوية التي مات جيلها… وبقيت بنيتها المادية موجودة في دروج الطاولة أو علىٰ رفوف البيت.

منذ السنوات الأولى لانتشار هاتف الجيب، أو الهاتف الخليوي كشفت الدراسات الكثيرة عن مدى مخاطر الإشعاعات الصادرة عن الجهاز بحدِّ ذاته وعن محطَّات البث التَّرددي من جهة ثانية… الدراسات مؤكد وليست موضع شكوك ولا ارتيابات، علىٰ الأقل علىٰ ضوء الموجات الراديوية السابقة. ولٰكنَّ المشكلة والخطورة الآتن باتت أكبر بأكثر مما نتخيل. كنت لا تقف أمام التلفاز إلا وقتاً محدداً، ولا أمام الراديو، وإذا أطفأت التلفزيون أو الراديو فقد تفاديت كل إمكانات التعرض لهٰذه الموجات الراديوية. والأجهزة السابقة المذكورة مخاطرها محدودة، وتتمتع بإمكانية الاستقبال وحسب. أما مع هاتف الجيب فأنت أمام جهاز يستقبل ويرسل ولا يتوقف عن العمل والبث الإشعاعي علىٰ مدار اليوم كله من دون توقف لحظة. القديم والحديث من هواتف الجيب يبج أن يبقى في حالة بحث دائم عن الشبكة، فيظل في حالة إرسال واستقبال علىٰ مدار الوقت كله. خلاف الراديو والتلفزيون.

الدِّراسات الأولى التي انتشرت حول مخاطر هاتف الجيب مرعبة في حقيقة الأمر. ولٰكن فجأة توقف النشر في هٰذه المخاطر، وانتهت المسألة بحسم من مايسترو الإعلام العالمي. بل جاءت دراسات بالمقلوب تزعم أن هٰذا الهاتف لا مخاطر له وأَنَّهُ تَمَّ تطوير أجيال جديد تمتص الإشعاعات التردية، وتقلل أو تعدم المخاطر وهلم جرًّا. وهٰذا كله كذب لا أساس له من الصحة، فكل جيل جديد يأتي أحقر من الذي قبله في شأن المخاطر لأَنَّهُ يأتي بتقانات جديدة لا يمكن أن تلغي مخاطر الموجات الراديوية بل تزيدها.

خامس الموجات الميكروويفية هي الدليل علىٰ كذب ما زعموه من تطويل هواتف الجيب علىٰ نحو يلغي أو يقلل من المخاطر. ومن باب التصادف وحده وطريقتي في الترتيب أن تكون خامسة الموجات هي تقانة الجيل الخامس من البث اللاسلكي للإنترنت وهواتف الجيب، أي ما يسمى (فايف جي)، الذي أساسه ومشكلته ومصيبته قائمة في أجهزة البث الجديدة العالية المخاطر، والتي أثرت حفيظة الشعوب الأوروبية والأمريكية علىٰ نحو الخصوص لما تعرفه هٰذه الشعوب عن نشر هٰذه التقنية من مخاطر. حَتَّىٰ إن كثيراً من الباحثين والإعلاميين الغربيين ربطوا بَيْنَ نشر الكورونا وأجهزة الجيل الخامس أنواع مختلفة من الربط، منها التعتيم علىٰ نشر الشبكة الجديدة، والتعتيم علىٰ مخاطر الشبكة وأضرارها ونسب ذٰلك كله إلىٰ فيروس الكورونا… وغير ذٰلك أكثر من نوع من الرَّبط.

مخاطر شبكة بث الجيل الخامس، وأتحدث فقط عن المخاطر الصحية، ليست مخاطر سريعة الظهور، وإن كان ذٰلك وارداً لدى حالات معينة من البشر تتسم بمواصفات صحية معينة، وإنَّمَا هٰذه المخاطر تراكمية، أبرزها إتلاف الجهاز المناعي لدى الإنسان، وليس آخرها، ومن المخاطر المحتملة إحداث طفرات بيولوجيَّة في الخريطة الجينيَّة للإنسان، الأفراد بطبيعة الحال، بما يعني انعكاس الخطر مستقبلاً علىٰ الكينونة البشرية بالمجمل وشبه المطلق.

وبذلك باتت البشرية والكائنات الحية علىٰ سطح الكرة الأرضية محاضرة بالأشعة الميكروويفية من سائر الجهات وفي سائر الأماكن… ربَّمَا لا توجد بقعة آهلة من الأرض لا تحاصرها سائر أنواع هٰذه الإشعاعات، حَتَّىٰ باتت البشرية فعلاً لا مجازاً في فرن الميكروويف… وصرت تعرف ماذا يفعل الميكروويف.

ألهذه الدرجة أعماهم جمع المال والأرباح؟

لا يبالون بكل هٰذه المخاطر التي تحيق بالكائنات الحية علىٰ سطح الكرة الأرضية وعلىٰ رأسها البشر!!

نعم، لا يبالون، ولا يؤنبهم ضميرهم أبداً، بل يعتبرون أنفسهم يخدمون البشرية.

ولٰكن هٰذا إذا أخذنا بالاعتبار فقط أَنَّهَا مسألة أرباح وزيادة ثروات.

المصيبة الأكبر والأخطر هي مدى التوافق والانسجام بَيْنَ منجزات التقانة هٰذه وحكومة الظِّل العالميَّة التي تتطلع إلىٰ التَّخلُّص من ثلثي البشريَّة وعلىٰ طاولتها الكير من الخيارات الجهنمية وليس خياراً واحداً، منها خيار القتل المباشر. هٰذه ليست أوهاماً ولا بحال من الأحوال. إنَّهَا حقائق تداعب خيال ثلة من البشر منذ نحو مئتي سنة. إنَّهَا حلم المليار الذهبي الذي لا ينبغي أن يزيد عنه عدد البشر، هٰذا الحلم الذي عمره أكثر من مئتي سنة.

إذن لم يعد وضع البشرية في الميكروويف مسألة مصادفات أو ضرورات التَّطور العلمي، وجشع الأثرياء إلىٰ مزيد من المال ولو ضحوا بأكثر البشر… لا، المسألة باتت أخطر من ذٰلك، باتت جزءاً من سياق عمل منظم يسير بهدوء.

والمصيبة الحقيقة والكبرى أن هٰذا الميكروويف الذي وضعت فيه البشرية والكائنات الحية علىٰ سطح الكرة الأرضية لن يزول، بل سيزداد مع الأيام خطورة وتنوعاً.

والمصيبة الأكبر من ذٰلك كله أنَّ هٰذا الميكروويف هو أقل المخاطر الناجمة عما يرتبط به من مشاريع ومخطَّطات وتطبيقات تسعى حكومة الظل العالمية أو الحكومة الخفية إلىٰ فرضها علىٰ البشرية في غضون السِّنين القادمة وقد بدأت فعليًّا منذ الآن بل من قبل بقيل عمليًّا، ومن قبل بكثير نظريًّا. إياك أن تزن أن هٰذا تفكير مؤامراتي، الوثائق دامغة، وإن كذب الوثائق فالوقائع حقائق. فحسبنا الله ونعم الوكيل


على المسلمين فهم طبيعة المعركة والإعداد لها

على المسلمين فهم طبيعة المعركة والإعداد لها


سفر بن عبد الرحمن الحوالي

يتحدث الكثيرون عن العفوية والارتجال في برامج الحركات الإسلامية،ويتحدثون عن السطحية وضيق الأفق في الفعل ورد الفعل... فما حجم هذه الظواهر؟ وما السبيل لنضج الحركة الإسلامية؟


فضيلة الدكتور العلاَّمة سفر بن عبد الرحمن الحوالي رئيس قسم العقيدة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سابقاً، أحد العلماء المبرزين، ألَّف عدداً من الكتب والأبحاث العلمية، من أبرزهـــا: (العلمانيـــة وأثرهــــا في العـــالم الإســلامي)، و(ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)، و(فلسطين بين الوعد الحق والوعد المفترى)، و(يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟).

ويسعدنا في البيان أن نستضيف فضيلته ليحدثنا عن واقع الأمة وطبيعة الصراع القائم، سائلين الله تعالى أن يجعله مباركاً أينما كان، مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.

البيان: يتحدث الكثيرون عن العفوية والارتجال في برامج الحركات الإسلامية، ويتحدثون عن السطحية وضيق الأفق في الفعل ورد الفعل... فما حجم هذه الظواهر؟ وما السبيل لنضج الحركة الإسلامية؟

** هذا ما يجب الاعتراف به، وهو مظهر من مظاهر أخرى تدل على أن الصحوة مع انتشارها وقوة زخمها لم يصلب عودها بعد، وليست قادرة على مواجهة الحضارة الجاهلية المعاصرة التي تسعى لاجتياح العالم تحت ستار "العولمة". هناك أزمة في التخطيط، وأزمة في فهم الآخر ومطابقة العلاقة معه لمقتضى الشرع، وأزمة في معرفة سنن الله في التغيير والهزيمة والنصر. لا ينقص الصحوة الإخلاص وحب التضحية؛ لكن هذين لا يكفيان، ولا ينقصها كثيراً العلم الشرعي لكن وجوده شيء وفهمه والعمل الصحيح به أمر وراء ذلك. كثير من شباب الصحوة ومعهم بعض موجهيها أيضاً يميلون إلى التصنيف المبسط للأشخاص والقضايا، والحرفية الظاهرية في فهم النصوص، والسذاجة في التعامل مع تعقيدات العصر، لكن هذا لا يعني التشاؤم؛ فالمبشرات أكثر من المعوقات بفضل الله، ومظاهر التحسن والنضج بادية سواء في الأحداث أو الوسائل، ومن أهم السبل للارتقاء بالواقع الدعوي والأخذ بأسباب النصر والقوة دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي بها والاعتبار بأحداثها ومواقفها، وأضرب لكم مثالاً واحداً مما يناسب حالنا هذه الأيام وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يغزو قبيلة ورّى بغيرها (أي أظهر كأنه يريد غزو غيرها لكي يباغتها) واليوم تأتي مواقف تحتاج الأمة فيها إلى التورية ضمن السياسة الشرعية، ولكن ذلك لا يحدث خوفاً من الاتهام؛ لأن الاتهام عند آخرين جاهز لأدنى احتمال دون تقدير للاعتبارات العلمية والمصالح الشرعية وبُعد النظر في العواقب سواء في ميدان الجهاد أو الدعوة والإصلاح.
 
البيان: الخطاب الإسلامي لم يأخذ موقفاً متجانساً من أحداث سبتمبر، ألا ترون في ذلك انعكاساً لحالة من التخبط المنهجي؟ وما السبيل لتلافي ذلك؟

** أزمة الخطاب الإسلامي هي صورة لأزمة الأمة في كل المجالات، وقد كشفت هذه الأحداث عن خلل في منهج التفكير؛ لكن الأمر ليس معضلاً، بل في الإمكان معالجته؛ فلو نظرتم إلى خطورة الموقف ومفاجآته لوجدتم أن نسبة النجاح في الخطاب الإسلامي عالية، وأن قدراً كبيراً من التوحد قد حصل. والشذوذ يمنة أو يسرة شيء عادي في كل زمان ومكان، وهو لا يختص بهذه الأحداث وما شابهها، بل هو خلل عامٌّ سببه الجهل بعقيدة أهل السنة في هذا الباب، أو ترك العمل بمقتضاها وإن كانت معروفة نظرياً.

وذلك أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإنسان أو الجماعة أو الأمة يجتمع فيهم الإيمان والنفاق, أو السنة والبدعة, أو البر والفجور, أو الطاعة والمعصية؛ وتبعاً لذلك يجتمع له من الحب والبغض بقدر ذلك. هذا ما دلت عليه النصوص الكثيرة مثل آيات غزوة أحد في سورة آل عمران، وحديث الرجل الذي كان يشرب الخمر وهو يحب الله ورسوله، وقصة الثلاثة الذين خلفوا، كذلك هناك أصل آخر غاب عن بعض المعاصرين وهو أن الأصل في تعامل أهل السنة والجماعة بعضهم مع بعضهم عند اختلاف الرأي والموقف: الحكم بالخطأ أو الصواب مع حسن الظن، وليس الحكم بالبدعة والتكفير أو الاتهام وسوء الظن. فهم ـ كما قرر ذلك شيخ الإسلام ـ يخَطِّئون (بتشديد الطاء) ولا يبدِّعون أو يكفِّرون إلا من كان منهجه البدعة أو الكفر بحيث يغلب ذلك عليه أو يتمحَّض له. وإلا فإن كثيراً من أئمة السنة وقعوا في أخطاء وافقوا بها أهل البدع وهم ليسوا منهم مثل الخطأ في تأويل بعض الصفات، أو الخطأ في مسائل من القدر أو الأسماء والأحكام، وكذلك في المواقف من العدو؛ فقد يدافع بعضهم عن بعض المنافقين أو يكون فيه لين في معاملة المشركين وهو مع ذلك من صالحي المؤمنين الصادقين؛ فليس من شرط أئمة الهدى والعلم والتقوى ـفضلاً عمن دونهمـ أن يكونوا معصومين في الاعتقاد أو الموقف. وإنما العبرة بالمنهج العام والصفة الغالبة, هذا من جانب. ومن جانب آخر: حين تكون الأمة في مواجهة العدو الكافر أو المرتد فإنه يجب عليها أن تكون يداً واحدة صالحها وطالحها، عادلها وظالمها، سنيها وبدعيها كما قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم» ويجب السعي لجمعها على ذلك دون إخلال في الالتزام بالحق والدعوة إليه والتمسك بالطاعة والسنة. بل هذا يسير مع ذاك ويحاذيه ـ أعني الدعوة إلى الحق الخالص مع جمع الأمة على العدو الخالص؛ وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم يوم أحد والخندق وتبوك وغيرها. ووقوف العاصي أو المبتدع أو المنافق في وجه الكفر تحت راية الإسلام مما يمحو الله به ذنبه أو يخففه وهو من أسباب ووسائل تربيته وتزكيته لكي يترك فجوره وبدعته. فلو أن المسلمين لم ينصروا إلا من كان على السنة الخالصة أو الطاعة المحضة لكان ذلك تقصيراً وتفريطاً، ولو أنهم أقروا الضال أو الظالم على فعله بسبب قوة موقفه مع العدو لكان ذلك انحرافاً. وكما أن الإيمان يزيد وينقص ويتبعض فإن الولاء والبراء يزيد وينقص ويتبعض مع ثبات أصل الأخوة الإيمانية وحقها الواجب لبعض المؤمنين على بعض. فهذا الحق ثابت بالنصوص الصريحة وهو من قطعيات الدين فلا يسقط إلا بيقين ولا ينتهك بالتأويل والاحتمال.

البيان: علاقتنا بالغرب تتنازعها في الساحة الفكرية آراء متباينة؛ فمن المفكرين من يطالب بالحوار مع شتى الفعاليات الفكرية والسياسية في الغرب، ويتحدث عن أزمة في الفهم بين الطرفين لن يعالجها إلا الحوار الجاد، وهناك مفكرون آخرون يتحدثون عن أن الغرب المتغطرس يزدري الضعفاء، ولا يؤمن إلا بالقوة، ولا يعرف إلا لغة الصراع بين الحضارات، وأن الحوار ما هو إلا ألعوبة يتشدق بها أدعياء الحرية والديمقراطية، وبين هؤلاء وأولئك آراء أخرى... فما رؤيتكم لهذه العلاقة، وهل من سبيل إلى رؤية علمية حيال هذا الأمر؟

** التنازع لا ينحصر في هذه القضية؛ فأحد وجوه الخلل في التفكير المنهجي افتعال الصراع أو توهمه حيث لا سبب له. فهو يفتعل بين العلم والدعوة لمن ترك أحدهما، وبين الجهاد والإصلاح ممن لم يستطع التوفيق بينهما، وهكذا كما ذكر الله عن النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:14], وسبب ذلك عدم إدراك سنة الله في التنوع وتيسير كل أحد لما خلقه لـه، وفقد الرؤية الكلية والانحصار في رؤية ضيقة على جانب واحد من الحق؛ وإلا فما المانع من أن يجتمع الحوار العلمي والإعداد الجهادي العام؟ إنهما ليسا متناقضين؛ بل كل منهما وجه للقوة؛ فلولا قوة الصين لما اضطرت أمريكا إلى حوارها، ولولا القنبلة النووية لما سمعت الهند من باكستان، وفي الوقت نفسه سقطت قوة الاتحاد السوفييتي عسكرياً لما أخفق عقدياً.

كلنا نؤمن بأن الإيمان شُعب، واستكمال التربية على كل الشعب متعسر أو متعذر؛ فالحل الصحيح إذن هو مراعاة حال الأمة؛ ففي مثل واقعنا الحالي أرى أن أهم شعبتين بعد التوحيد هما: الجهاد والزهد. ونتدرج في استكمال ذلك بواقعية؛ فالمجاهد في فلسطين وإريتريا والشيشان وكشمير والفلبين هو في حالة ضعف بالنسبة لعدوه المباشر مع أنه في الوقت نفسه يواجه القوى العالمية التي تنصر هذا العدو عليه، ويعاني من قلة الناصر من المسلمين بعذر أو بغير عذر.

وأهم من ذلك أن قوتنا العظمى هي في ديننا وعقيدتنا، وبها نغلب العدو ونفتح القلوب والبلاد؛ فاهتمامنا بالعلم والدعوة، وقدرتنا على البلاغ والحوار لشرح محاسن الإسلام هي أكبر أسباب النصر على العدو في ميدان المعركة، وأعظم ممهد لإعلاء كلمة الله في الأرض دون أن يعني ذلك الاكتفاء بالحوار عن الجهاد، أو الاستغناء بالمقاومة عن المجادلة والدعوة. إن مقتل جنرال من العدو نصر نفرح به، لكن ينبغي أن يكون فرحنا بإسلام عالم أو قسيس أعظم منه.

في كل حالٍ يجب أن نكون أقوياء؛ فالغرب وغيره لا يستمع إلا للقوي، ومن القوة قوة الحجة والبرهان والحكمة في التعامل مع الاستمرار في المصابرة، لا نمنع الحوار لكن ننبه إلى ضوابطه ومحاذيره، ونحرض على الجهاد لكن ننبه إلى شروطه وعواقبه، ويعمل الطرفان كاليدين للإنسان.

أما بالنسبة للغرب فهو ليس شيئاً واحداً، وأمريكا نفسها منقسمة، ومن الخطأ التعامل معها على أنها كلها يمين متطرف أو كلها مفكرون عقلانيون. أمريكا فيها أسوأ ما أنتج الغرب من دعاة الدمار والهمجية، وفيها أحرص الناس ـبعد المسلمين- على العدل. ومن الحكمة أن يواجه كل منهما بما يناسبه. ومن هنا يجب أن نستكمل القوة في كل ميادينها والإعداد للمواجهة الحاسمة دون استعجال للأحداث واستثارة للعدو ونحن لا طاقة لنا به. وقد أثبتت الحرب الأخيرة في أفغانستان أن ضعفنا الإعلامي شديد، بل هو أشد من الضعف العسكري.


البيان: الحملة الأمريكية على ما يسمونه الإرهاب... ما أبعادُها؟! وهل هي حقاً حملة صليبية على الإسلام كما صرح بعض قادتهم بذلك؟! أم أنها تصريحات متشنجة غير مقصودة لا تعبر إلا عن الاستياء الشديد مما حدث؟

** من غير دخول في جدل المصطلحات نقول: إن كل حرب عسكرية غربية هي حملة صليبية منذ غزوة مؤتة إلى الملاحم التي بين يــدي السـاعـة، ولا يغير مـن هــذه الحقيقـة أن الغــرب -وبالأخص أوروبا- تخلّى عن إيمانه بالنصرانية إلى حد بعيد؛ فالصليبية هي نـزعة عدوانية تعتمد على الميراث الديني والتاريخي المتراكم، وهي توجد لدى المتدين وغير المتدين. وبالنســبة لأمريكا لا مراء في تأثير الدين على التوجه السياسي ومن ثم العدوان العسكري؛ قد تقل شعائر الدين العبادية ولكن شعاراته السياسية تتزايد، لم يحكم أمريكا رئيس إلا عبَّر للأمة عن تديّنه في حملته الانتخابية وبعدها، حتى الفاسق الليبرالي مثل كلينتون -وهي منذ تأسيسها لم يحكمهـا ملحــد صــريـح ولا يهودي؛ بل كلهم مــن البروتستانت ما عدا جون كندي فهو كاثوليكي-. والناظر إلى جوهر الصراع حالياً وإلى ميدانه الواسع المتنوع سوف يخرج بنتيجة قاطعة هي أن أمريكا تحارب الإسلام من حيث هو إسلام، وأن العنصر الجديد الذي تتميز به الحملة الصليبية المعاصرة عن حملات القرون الوسطى هو اليهود. وهذا ما يجعلها أشرس عداوة وأعظم مكراً.

البيان: لكن مع هذه الشراسة والمكر هل نحن قادرون على مقاومة أمريكا، وكيف؟

** علينا أولاً أن نحدد مفهوم المقاومة وصفة العدو؛ فإن كان المقصود بالمقاومة المواجهة الشاملة دعوياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً فالجواب بيقين: نعم! ولكن وفقاً لسنة الله في الإعداد والتدرج والقومة بعد الكبوة؛ فهي إذن مصابرة طويلة وجبهة عريضة هائلة. لا حدود للمعــركة مع الصلــيب علـى الأرض، ولا نهاية لها إلا قيام الساعة. ونحن الآن نعيش مقدمات النصر وذلك بسقوط القيم الأخلاقية لأمريكا ذلك السقوط الذي حوّل كثيراً من الناعقين بتمجيدها إلى ثكالى يصرخون لرثائها.

وأما صفة العدو فإن كان المقصود بأمريكا إدارتها الصهيونية وغطرستها العسكرية فهذا ما يجب على العالم كله أن يقاومه؛ لأنه شر على الإنسانية كلها. وإن كان المقصود الشعب أو طائفة كبيرة منه وأكثر المثقفين؛ فهم أخصب بيئة للدعوة إلى الإسلام، ويجب أن تكون قوتنا هنا هي قوة العلم والإيمان وسلاحنا هو الحجة والبرهان، ولا ينبغي أن يغيب عنا أنه بعد الهجوم على أمريكا كتب كثير من المفكرين هناك في نقد الغطرسة الأمريكية والانحياز ضد المسلمين ما لا يقل عما كتبه أكثر المسلمين صلابة وأبلغهم بياناً، ومن هنا يجب أن يكون تقييمنا للمقاومة شاملاً وحكيماً وأن تكون خطة العمل متكاملة وسليمة.

البيان: يتشدق الأمريكيون بالقيم الأخلاقية وحقوق الإنسان التي تأسست عليها حضارتهم؛ فهل هذه القيم والحقوق حاضرة حقاً في السياسة الأمريكية، وخاصة في علاقتهم بالشعوب المستضعفة؟

** الكلام عن القيم قد يفضي إلى متاهة فلسفية لا حاجة للقراء بها؛ فلْنتناولْها إذن من جهة الممارسة والتطبيق؛ فقد أُسِّست الولايات المتحدة على قيم مزدوجة بين الديني المغالي، والنفعي البحت. وتركزت القيم الدينية في فئات محدودة ثم في ولايات محددة أيضاً؛ كما كان للقيم النفعية فئاتها ومراكزها، وظل التوازن بينهما معقولاً إلى الحرب العالمية الأولى حين خرجت أمريكا عن حيادها وعزلتها؛ ومن هنا بدأت سياستها تخرج تدريجياً عن القيم الأخلاقية حتى وصلت إلى الهوة الهائلة القائمة اليوم. لكن الشعب الأمريكي في ضميره ظل حريصاً على قيمه بل متعصباً لها حتى ثورة المعلومات المعاصرة، ولما كان المفكرون أسبق الناس للتنبؤ بسقوط القيم؛ فقد بدأ هذا التشاؤم منذ أكثر من نصف قرن لا سيما في الروايات ثم تبعتها المؤلفات الفلسفية السياسية الناقدة، وكان مقتل "كندي" علامة فاصلة لانتصار قوى الضغط الخفية "شركات بيع السلاح" ومن هنا ظهر النقد الحاد للحكومة ووصفها بالإمبراطورية العسكرية كما في كتاب "ماذا يريد العم سام؟" لنعوم تشومسكي؛ حيث استطاع المؤلف أن يبرز منهج السياسة الأمريكية البعيد جداً عن القيم الأخلاقية في شكل نظرية مختصرة: "إن أي نجاح أو فرصة للاستقلال عن خدمة المصالح الأمريكية في أي بلد من العالم لا بد من مواجهته ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة المسلّحة" وأثبت أن أكثر من نصف دول العالم كانت مسرحاً لتنفيذ هذه السياسة. والذريعة الدائمة كانت مكافحة الشيوعية، وبعد سقوط الشيوعية حل الإسلام تلقائياً محلها، وأصبح شعار مكافحة الإرهاب هو البديل، وانكشف الانحياز للصهيونية بشكل فاضح، وصاحب ذلك انهيار أخلاقي هائل في قيم الأسرة والتعامل عامة، وتهافتت رموزها ابتداء من الرئيس الأب أو راعي القيم كما كان يقال ومروراً بالقسيس الفاجر وانتهاء بالجيل الجديد الذي فتح عينيه على ثورة المعلومات حيث بلغت نسبة المواقع الإباحية التي يدخلها الأمريكان على شبكة المعلومات العالمية 90% من مجموع المواقع.

وبإجمال نستطيع القول إن السياسة الأمريكية تتردى في الحضيض من جهة القيم، وأن المجتمع الأمريكي مقبل على انهيار سريع ومخيف بهذا الشأن؛ فلو أن أعدى عدو لأمريكا أنفق البلايين للدعاية ضدها لما استطاع أن يغير نظرة العالم إليها إلى الحد الذي فعلته هي بنفسها. وهذا بالنسبة لنا -نحن المسلمين- نصر عظيم؛ ومع ذلك يستدعي واجباً عظيماً هو نشر الدعوة في تلك البلاد واستنقاذ أهلها من الظلمات والجحيم؛ فلا نجاة لهم إلا بالإسلام، وسجونهم أحد الشهود على هذا؛ وبذلك نكسب ما هو أعظم من دفع شرهم عن الإسلام وهو تسخير قوتهم لخدمته.

البيان: في هذا السياق كتبتم رسالة من مكة بعنوان "عن أي شيء ندافع؟" رداً على رسالة المثقفين الستين من أمريكا... هل جاءتكم ردود فعل غربية على رسالتكم؟

** نعم! منذ الأيام الأولى وكان أول رد من المفكر الصهيوني الشهير صمويل فريدمان، ولا زلنا نستقبل الردود، وسوف نقوِّّمها، وقد ننشر ما نرى في نشره فائدة عامة.

البيان: ردّكم هذا يذكرنا بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" فما أخبار ترجمته، وهل ترون أن مجرد ترجمته كافية في الرد على النصارى؟

** تم إكمال المتن مترجماً إلى الإنجليزية وتحقيقه بالعربية، والعمل جارٍ في التعليق والتخريج. أما الكفاية فغير واردة؛ لأن هذه الأمة الضالة كثيرة الافتراق متجددة الابتداع، وقد ظهر بعد شيخ الإسلام رحمه الله فرق كثيرة وبدع عديدة وشبهات منوعة، ونحن نحاول بالتعليق والشرح أن نكمل ذلك ونسأل الله العون والسداد.
 
البيان: ضلال النصارى وافتراقهم يجعلنا نسأل عن العلاقة بين الدين والعلمانية في بنية الإدارات الأمريكية المتعاقبة؟

** العلاقة بين الدين والسياسة في أمريكا سهلة ومعقدة معاً. أمريكا لها علمانيتها الخاصة التي يمكن أن تكون نوعاً ثالثاً غير النوعين المعروفين تبعاً للاصطلاح الغربي وهما: النوع المضاد للدين، والنوع غير الديني:

فالعلمانية الأمريكية مستنصرة بالدين ومؤيدة للدين، وهي حالة شاذة بالطبع؛ لكن الشذوذ هو صفة أمريكا في كثير من أمورها. أنا أوافق "إدوارد سعيد" على أن أمريكا أكثر أمم الدنيا انشغالاً بالدين، لكنها ليست كما زعم المثقفون الأمريكيون أكثر شعوب الغرب تديناً. في الدول الأخرى -لا سيما الكاثوليكية- لا غرابة أن يكون للرئيس خدينات أو أن تحمل ابنته سفاحاً وأن يعيش عمره كله لم يدخل كنيسة ولم يقرأ صفحة من الإنجيل؛ لكن هذا لا يمكن المجاهرة به في أمريكا، بل من الواجب التظاهر بخلافه. وأيضاً الدين هناك يستخدم العلمانية؛ فالحكومة لا تبني مدارس دينية ولا تضع مناهج دينية، ولكن التبرع للكنائس والمدارس الدينية يعد كما لو كان دفعاً للضريبة الحكومية، والتطوع للعمل في هيئة تنصيرية يحتسب للموظف كما لو كان على رأس العمل أو أنه في إجازة مضمونة الحقوق.

وتأسيساً على هذا يمكن أن يصل رئيس جهاز المخابرات الأمريكية -الذي هو أكثر الأجهزة جرائم في حق الإنسانية- إلى منصب رئاسة الدولة تماماً كما في أكثر الأنظمة الإلحادية قمعاً وكبتاً لكن مع التلبس بدعوى الدين والتزلف لليمين الديني. هناك تبادل مدهش للأدوار بين الحزبين وتنسيق بين المحافظين واللبراليين يصب كله لمصلحة الصهيونية باسم الدين. ربما كان سبب ذلك الازدواج أن المجتمع الأمريكي قام على تحالف بين مجموعتين متنافرتين: الهاربين بدينهم من الاضطهاد المذهبي، والهاربين بجرائمهم من وجه العدالة. وبالتـزاوج بين غلاة المتزمتين وعتاة المجرمين نشأت الحالة الشاذة التي تحتسبها أمريكا على العالم دليلاً على القيم الراقية!!

البيان: علاقة أمريكا بإسرائيل أهي علاقة اقتصادية ومصالح مشتركة يمكن مواجهتها بتأسيس علاقة عربية أقوى، أم أنها قبل ذلك علاقات دينية وتقارب عقدي؟

** العلاقة بين أمريكا والدولة العبرية لا تقتصر على جانب واحد؛ فهي في الأساس علاقة دينية وحضارية، ثم هي علاقة اقتصادية ومصلحية؛ وأمريكا -أعني السياسة- تتصرف وفقاً لإيمانها بالرابطة العقدية والاقتصادية، وكذلك تحت تأثير قوى الضغوط الصهيونية. في الجانب العقدي يمكننا المواجهة؛ فعقيدتنا الأقوى وديننا الحق؛ وهذا من شأن المؤسسات والشعوب؛ ولذلك كان ممكناً على المدى البعيد. أما ما يتعلق بالحكومات فلا طمع فيه في الظروف الحالية.

البيان: هل ترى أن الإسلاميين أدوا واجبهم تجاه فلسطين؟ وفي حالة عدم أدائهم لهذا الواجب فما السبيل إلى ذلك؟

** لا، ولا قريباً مما يجب، هذه يا أخي مأساة بالغة وغصة في حلق كل مؤمن وقذى في عينه. بعض الإسلاميين يهمه أن يرتّب وضعه الداخلي أو مستقبله السياسي مع نظامه أكثر من وقوفه مع إخوانه المستضعفين. نحن نقدر المصاعب الخاصة، ونضع أنفسنا في جملة المقصرين. لكن يجب أن يستقر في ضمائرنا ونرفع به أصواتنا في كل مكان أن هذه القضية ليست قضية حماس والجهاد وأخواتهما فقط، في حين تقف الحكومات الغربية والمنظمات الكتابية ما بين مؤيد أو مداهن للهمجية الصهيونية، يجب على المسلمين كلهم معرفة طبيعة المعركة والإعداد لها كلٌّ بما يستطيع؛ فليس لها من حل سوى الجهاد. إن حب الشهادة هو مخزوننا الاستراتيجي الذي لا ينضب، وهو لا يكلفنا بناء المفاعلات ولا أعباء الصيانة ولا مخاطر الارتداد على من يستخدمه.



البيان: منذ عدة عقود والأمة تتردى في مهاوي السلام مع العدو بدعاوى كثيرة، بينما العدو هو المستفيد الأول؛ فهل ترون أن هناك حاجة ماسة -كما يزعم بعضهم- لهذا الاتجاه الذي يعدُّونه موقفهم الاستراتيجي وليس موقفاً تكتيكياً؟

** السلام مع مَنْ طبيعته الغدر والخيانة والتملص من المواثيق ونقض العهود هو جريٌ وراء السراب وتعلل بالوهم. السلام -ناهيك عن التطبيع- لا يصح أبداً أن يكون خياراً استراتيجياً، والأنظمة المخدوعة به أو المتخادعة له لا تتدخل إلا لكي تنقذ الموقف الصهيوني وتستأثر بالوكالة الإقليمية لأمريكا في المنطقة.

لكنني أبشر المستضعفين بأن الكيان الصهيوني منقسم على نفسه، ولهذا أصبح السلام يهدده كالحرب، وما مصير "رابين" عنا ببعيد، ومن هنا نجزم أن هذا الكيان يعيش أزمة ذاتية دائمة، وأن ما يشبه الأيام الأخيرة للممالك الصليبية قبل 900 سنة بدأ ينـزل به. لقد اجتمعت أصوات الأمة كلها على المطالبة بالجهاد؛ وهذه خطوة عظيمة في الاتجاه الصحيح، وإذا استمر اليهود في رفض مشروعات السلام -وهو المتوقع منهم غالباً- فإن الأنظمة التي جعلته خيارها الوحيد ستصيح خارج الميدان، وعند أول فرصة للأمة لمواجهة العدو سوف تسقط كل الحسابات وتبدأ معركة النهاية.

البيان: رجحتم في كتاب "يوم الغضب" أن تكون نهاية أمريكا وإنجلترا متزامنة مع نهاية إسرائيل، فإلى أي شيء استندتم؟ ألا يعني ذلك صراحة أننا دخلنا بالفعل في أحداث آخر الزمان؟

** الكلام كله كان مستنداً إلى نبوءات أهل الكتاب -وقد ذكرنا في الكتاب أحكام التعامل معها وضوابطه- والسياق هو سياق إلزام الخصم بما يعتقد، والنبوءات وشروحاتها صريحة في بيان أوصاف الإمبراطورية الرومانية الكائنة آخر الزمان وأنها على نفس منهاج الإمبراطورية الأولى في كفرها وحربها لله وللمؤمنين وعداوتها لمدينة الله الجديدة ولشعب الأطهار والأمة المختارة الجديدة. ولأنها سوف تتحالف مع اليهود لقتال المسيح والمؤمنين, ولهذا فإن الله سوف يدمرها.

ولما كان الإنجيليون يعتقدون أن قيام دولة إسرائيل في القدس هو علامة نزول المسيح وأنهم هم المؤمنون والمختارون فكان من الضروري قطعاً أن تكون الإمبراطورية الرومانية المعاصرة "أمريكا" عدواً لهم وللدولة اليهودية، وهذا عكس الواقع تماماً. فوقعت الحيرة وسقطوا في التناقض والتكلف والتأويلات المتعسفة، وكان دورنا ببساطة أن نضع الحقائق في نصابها بلا تكلف ولا تعسف؛ فأيدنا التطابق المدهش بين الإمبراطورية الرومانية الأولى وأمريكا، ثم أوضحنا أن الصفات الكتابية لمدينة الله والأمة المختارة تطابق تماماً حال مكة المشرفة والأمة المسلمة، واستدللنا بالحال التي لا تحتاج إلى دليل وهو أن الإمبراطورية الرومانية المعاصرة ليست عدواً للدولة اليهودية، بل هي أكبر نصير لها وتقاتل نيابة عنها ومعها، وظهر بذلك من نفس كلام الإنجيليين أنهم هم وأمريكا واليهود أعداء المسيح، وأنهم يضعون أنفسهم في صف المسيح الدجال، وأن الله سوف ينصر الأمة المختارة عليهم وسوف يدمر الإمبراطورية التي تعتمد أكثر ما تعتمد على قوتها البحرية كما في النبوءة "ويدمر الله التنين الذي في البحر" وهي ذات المياه الغزيرة والكنوز الوفيرة والتجارة مع كل أمم الأرض.. إلى آخر ما هو مفصل في الكتاب... وكل هذا على سبيل الإلزام وإقامة الحجة عليهم من نفس كتبهم وكلامهم، دون أن يكون عقيدة لنا.



البيان: لكن هل يعني ذلك أننا دخلنا بالفعل في أحداث آخر الزمان؟

** لا بد من التفصيل؛ فإن أحداث آخر الزمان تشمل ما كان قريباً من العهد النبوي ومنها موته صلى الله عليه وسلم كما صح في الحديث؛ بل إن بعثته صلى الله عليه وسلم هي من علامات آخر الزمان كما صح في أحاديث أخرى؛ وبهذا المعنى يصح القول بذلك في عمومه. وأما إن كان المقصود بأحداث آخر الزمان ظهور الدجال ونزول المسيح عليه السلام ومعه المهدي فلا؛ فإن هذا لا علاقة له بذلك كما أوضحنا في الكتاب، وما كتبه بعضهم بهذا الشأن هو مما يجب نبذه وصرف النظر عنه، والأحداث نفسها ستكشف خطأه وتكلفه، والأدلة على صحة ما نقول كثيرة جداً لا يتسع لها المقام، ومن أهمها أن الأحاديث الصحيحة دلت على أن الدجال يخرج بعد الملاحم مع الروم وفتح روما، وهذا ما لم يقع ولا وجود لشيء من مقدماته اليوم. وإجمالاً أؤكد أنه لا يتفق شيء من الواقع المعاصر على ما صح بهذا الشأن سواء طبيعة المعركة وأرضها ونوع السلاح وصفات المجاهدين والأحوال العامة في العالم. حسبنا اليوم الوقوف عند اليقين - بإذن الله- وهو زوال دولة إسرائيل كما زالت دول الصليبيين من قبل دون أي ارتباط بعلامات الساعة الكبرى.



البيان: وهل لنا أن نعرف من فضيلتكم ردود الأفعال التي وصلتك خاصة بعد ترجمة الكتاب إلى العبرية؟

** اليهود كما تعلمون ينقسمون بشأن قيام الدولة الصهيونية فئتين سواء داخل فلسطين المحتلة وخارجها. فأما اليهود الأرثوذكس ولاسيما جماعة "حراس القرية = ناطوري كرتا" فقد حظي الكتاب بقبولهم لمطابقته لما عندهم بشأن زوال هذه الدولة وأنها ضد الله حسب عقيدتهم، كذلك حظي الكتاب -في حدود ما انتشر- بإعجاب وتأييد المفكرين الروس؛ لأنهم يمقتون اليهود جداً، وقد ترجم إلى الروسية. وفي الجانب الآخر هاجم الصهاينة الكتاب بدون علم؛ حتى إن بعضهم كتب عنه في النيويورك تايمز ما يدل على أنه لم يقرأ منه سوى العنوان واعتبره محرضاً على الإرهاب، واستطاعوا التأثير على مكتب التحقيقات الاتحادي فحدثت بعض المضاياقات لمن عثروا على الكتاب في منـزله من المسلمين، ومثله كتاب: "القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى" ولعل من المفيد أن نقول: إن الكتاب أرسل إلى المجامع العلمية والفكرية والإعلامية في الدولة الصهيونية، وبعد أقل من ستة أشهر أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية في تل أبيب تقريراً يشير فيه إلى زوال دولة إسرائيل بعد عشر سنوات، ونقلت عنه ذلك صحف عربية كثيرة، وهذا يشير إلى التطابق بين ما لديهم من نبوءات دينية وما تدل عليه دراساتهم المستقبلية العلمانية؛ وهو ما يؤكد أهمية محاربة العدو من كل باب ومنها باب الموروث الديني والنفسي الذي هو أصل قيام الدولة الصهيونية.



البيان: يمارس الإعلام الغربي دور الوصاية وتزييف الوعي وتغييب الحقائق، في الوقت الذي يتظاهر فيه بالحياد والنزاهة؛ فما الطريق لمواجهة هذا الإعلام؟ وهل من سبيل لإحياء الوعي في الأمة؟

** الحرب الإعلامية هي أحد وجوه الحرب الصليبية المعاصرة على الإسلام، وهي مبنية على أسس من الدراسات النفسية والاجتماعية الموجَّهة. ولا يقل توظيف المعلومة عن توظيف الصاروخ أو الرادار. وقد جاء في القرآن التحذير الشديد من أساليب اليهود والمنافقين بهذا الشأن، ومنها التخويف والإرجاف والإفك وتضليل الرأي وإطلاق الإشاعات وكتم الحق وتحريف القول وبذر الشقاق بين المؤمنين.. وغيرها مما يطول ذكره وشرحه. ولم تـزدهم الوسائل الحديثة والتجارب المدروسة إلا قوة في المكر والكيد، ولكن الحق أقوى؛ لأنه حق وما على المسلمين إلا الاجتهاد في مقاومة الباطل بقدر ما يستطيعون، مع الثقة بأن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، ولا يهدي كيد الخائنين. وإن الشعور بالضعف مع الخوف من الهزيمة الفاضحة هو الذي يجعل الإدارة الأمريكية تمارس سلطة استبدادية في حجب المعلومات الصحيحة، وتستعين بوحدة خاصة للتضليل الإعلامي.

البيان: كيف تقوّمون أداء الجماعات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها في مواجهة العلمانية خلال ربع القرن الماضي؟

** اسمح لي أولاً أن أقول: إن الأمر لم يعد أمر جماعات.. لقد طورت الأمة نفسها وطورت بعض الجماعات منهجها فنشأ تيار عريض تجاوز الأطر الضيقة والتجمعات المحدودة ليمتلك مواقع ومؤسسات وتأثيراً متنامياً داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها، إن 80% من الأخبار التي يتداولها العالم يومياً هي مما لـه علاقة بالإسلام والمسلمين، وفيما تتعرض العلمانية لإخفاقات متوالية يشهد العالم كله عودة صاخبة للتراث وحديثاً جديداً عن الدين، وبالإفادة من وسائل التواصل الحديثة، وبالاستناد إلى أن الإسلام هو دين الفطرة وهو الحق وما عداه باطل أو محرف استطاعت الصحوة الإسلامية أن تكسب مواقع جديدة كل يوم، وسهلت مهمة العاملين للإسلام فرادى أو جماعات أو مؤسسات، ولم تقف الأمة عند حدود الإيمان بأن الإسلام هو الحل، وأن كل الشعارات والأفكار العلمانية يجب أن تُوأد، بل تجاوزته إلى الإيمان بأهمية الجهاد والمطالبة بتطبيق الشريعة، وهناك أكثر من مسؤول غربي -فضلاً عن دراسات كثيرة جداً- صرح بأن الشعوب الإسلامية لو أتيح لها حرية الاختيار لما اختارت سوى الإسلام، ولو أُعطيت فرصة الجهاد لاندفعت إليه من كل مكان؛ فالعلمانية والانهزامية إذن مفروضتان على الأمة فرضاً. وكفى بذلك إنجازاً وسبباً للتفاؤل.



البيان: ما هو الجانب الذي ترون ضرورة التركيز عليه في مواجهة العلمانية في المرحلة الراهنة؟

** في هذه المرحلة -وفي كل مرحلةـ ولمواجهة العلمانية وغيرها نحتاج أولاً إلى الإيمان الصادق والعلم النافع وتزكية النفس بالعمل الصالح والتقرب إلى الله تعالى بما يحب ويرضى، والرغبة فيما عند الله والزهد في الدنيا. ويجمع ذلك منهج للتزكية مستمد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وحياة السلف الصالح تعاد فيه صياغة النفس المسلمة كما جاء في القرآن الكريم, ولا تكون القدوة ما وجدنا عليه آباءنا أو شيوخنا، أو يكون عملنا ردود أفعال لما في واقعنا من انحراف؛ بل نضع كتاب الله تعالى نصب أعيننا وإمام سبيلنا والسنة شارحة ومبيّنة؛ فما جعله القرآن أصلاً قطعياً جعلناه كذلك، وما أجمل فيه أجملنا وما زجر عنه بشدة ننـزجر عنه بشدة وما عفى عنه لا نتكلف فيه، نستعين بمصنفات المـتأخِّرين لكن لا نجعلها كل شيء؛ فكل مؤلف يكتب متأثراً بواقع عصره وبعض البدع أو مظاهر الانحراف تكون رائجة في عصر، ثم يأتي عصر يروج فيه غيرها. ومنهج العقيدة ومنهج التزكية يجب أن يساير كل مرحلة توجيهاً وتقويماً وضبطاً على جادة التوسط والاستقامة. ولنضرب مثلاً واحداً لهذا: فقد مر على الأمة قرون كانت الغلبة فيها للتصوف والتقليد المذهبي، فلا يكون علاج ذلك بالجفاف الروحي والاهتمام بالإيمان الظاهر وكيفيات العبادة، مع إغفال الإيمان الباطن الذي هو روح كل عبادة، ولا يكون بالغلو في محاربة التقليد بحيث يؤدي ذلك إلى تنقص الأئمة المتبوعين، وتعالم المتطفلين وفوضى في منهج البحث العلمي.

وهناك جانب مهم يتعلق بالأولويات من جهة والمحكمات من جهة أخرى، وهو أن منهج القرآن والسنة وما كان عليه أئمة السلف البدء والاهتمام بالأصول القطعية والجمل الكلية والشرائع المحكمة، مثل أركان الإسلام والإيمان في الجملة، والتزام السنة جملة، وترك الفواحش عامة، وحسن الخلق مع الناس... ونحو ذلك مما يجب التزامه وإلزام المخالف به، ثم تأتي بعد ذلك مسائل الفروع فتتدرج تبعاً لأدلتها إلى أن تأتي مواضع الاجتهاد التي لا يجوز لأحد أن يلزم غيره فيها أو يهدر حقاً قطعياً ثابتاً -مثل حق المسلم على المسلم- لمجرد الخلاف فيها، ولنا في منهج الخلفاء الراشدين فمن بعدهم من أئمة الصبر واليقين وتعاملهم أسوةٌ؛ فقد قرروا حقائق الإيمان وأظهروا شعائر الدين، وجاهدوا الكفار، وحاربوا البدع، وشددوا النكير على ترك الواجبات، مع سعة الصدر للخلاف في الفروع والمواقف الاجتهادية، وقد وقع بينهم الخلاف في فروع العقيدة من غير تبديع ولا تكفير، مثل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج وتعذيب الميت ببكاء أهله عليه، وسماع الموتى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم وغير ذلك.

تلاحظون يا أخي الكريم أنني ابتعدت عن أصل السؤال؛ ليس هذا مجرد استطراد، بل هو توكيد لأصل المنهج؛ فلدي اعتقاد جازم بأن مشكلتنا في الأصل هي مِنْ فَقْدِ المنهج الصحيح أو التذبذب فيه أو اختفاء بعض معالمه، سواء في العلم أو العبادة أو الجهاد أو التعامل مع المخالف، لا أعني بالمنهج مجرد العلم والعقيدة النظرية، بل الالتزام الكامل علماً وعملاً والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح؛ فإن أعمال القلوب التي أفاض فيها القرآن بما لم يفض في غيرها تكاد تفتقد من حياة الدعاة فضلاً عن غيرهم، وذلك مثل الصبر واليقين والإخلاص والصدق والتوكل والإخبات والإنابة والخشوع والتواصي بالمرحمة والتواضع وحسن الخلق مع الناس وسلامة الصدر وانتفاء الغل والحسد والرفق في الأمور كلها. كل الدعاة والجماعات يشكون من تفرق الأمة وتباغضها؛ لكن كم منهم من يفطن إلى أساس المشكلة، ويبدأ معالجتها بنفسه ومن معه؟ وكثير منهم إذا قلت له: إنك تفرح بمعصية الله ينكرون ذلك، ولكنه لو بلغه ذنب أو بدعة عن أحدٍٍ يخالفه لطار به فرحاً بل قد يتكلف ذلك ويتمحَّله. وبمثل هذه الأمراض الخفية لا تشفى الصدور ولا تسلم القلوب ولا يستقيم منهج الدعوة أبداً.



البيان: ما دام الكلام عن المنهج؛ فما رأي فضيلتكم فيما تعرَّض له بعض أهل السنة من لوثة الإرجاء, هل سببه خلل منهجي، أم ردود أفعال؟

** المؤسف أنه ردود أفعال فلو أن أي طالب علم جمع نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف في المسألة لما وقع أبداً في شك، لكن حين ابتدأ بعضهم الأمر بالدفاع عن زلّة عالمٍ تحولت المسألة إلى إصرار على الخطأ وعسف للأدلة وتحريف للنقول لكي تؤيد تلك الزلة. والشكر مستحق للجنة الدائمة للإفتاء والمشايخ الفضلاء الذين كشفوا الشبهات وبينوا التلبيس.


البيان: لكن قد يقال: إن الحديث عن جنس العمل وكونه شرطاً في صحة الإيمان لا يزال محل اشتباه عند بعض المنتسبين إلى مذهب السلف؛ فما المسلك الملائم في تقرير هذه المسألة؟

** نعم هناك من يقدم رأي شيخه على الحق، وهناك من يصعب عليه التراجع، وهناك من يضعف عن فهم جوانب المسألة، وفي الإمكان تقرير الحق بكل بساطة وذلك بالاعتماد على أمرين:
1- إجماع السلف على أن الإيمان قول وعمل. ويعنون بالعمل أساساً عمل القلب كالصدق والإخلاص والخوف والرجاء واليقين، وليس مجرد عمل الجوارح كالصلاة والصيام، بل كلا العملين معاً؛ لأن الإيمان عندهم ظاهر وباطن والتلازم بين هذين حتمٌ وهذه الأعمال الظاهرة لا تقبل بدون عمل القلب فتارك جنس العمل الظاهر -سواء كان مقراً بوجوبه أو جاحداً له- هو تارك قطعاً لجنس العمل الباطن أيضاً وهذا لا يكون مؤمناً أبداً. فمنشأ الاشتباه هنا هو الظن بأن الإيمان الباطن هو مجرد التصديق والإقرار بالوجوب، وهذا باطل بأدنى تأمل لمن طلب الحق وتجرد من الهوى.

2- تقرير المسألة من جهة الواقع العملي لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه على المخالف في هذا كما علَّمه الله في القرآن.

وهنا يستطيع كل من لـه علم بهذا الشأن أن يجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقر أحداً على ترك جنس العمل، بل لم يوجد في عصره أحدٌ وقع في ذلك من المؤمنين؛ لا بل لا وجود له في صفوف المنافقين؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه كانوا كلهم عاملين؛ لكن كان منهم المؤمن العامل ظاهراً وباطناً، ومنهم المنافق الذي يعمل ظاهراً فقط.
أما الترك الكلي فلا يوجد؛ فقد كان المنافقون يصلون وينفقون ويغزون ويأتون بما يشبه عمل الصحابة ظاهراً.

أما من يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه ولسانه أو بأحدهما لكن لم يتبعه فإنهم كفار قريش وأحبار أهل الكتاب. قال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِـمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون} [الأنعام: 33] أي لا يعتقدون أنك تكذب بل يوقنون بصدقك لكنهم يجحدون ظلماً وكبراً كما قال عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]، وكذلك قال عن أهل الكتاب: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْـحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون} [البقرة:146]، والأحاديث الصحيحة في مناظرتهم له صلى الله عليه وسلم وتيقنهم بصدقه وشهادة بعضهم لـه بالنبوة صريحة معلومة.

ولدينا مثال جلي هو أبو طالب وحاله لا يحتاج لشرح، وفي عصرنا الحاضر مستشرقون ودارسون للإسلام كثير يقرون بأنه حق ويدافع عنه بالبراهين، لكنهم لا يلتزمون بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد لـه لما جاء به عملياً، ولا أحد يحسبهم من المسلمين، وأوضح من ذلك إبليس اللعين الذي لم يكن جاحداً لوجوب السجود ولا لوجود الله وملائكته وجنته وناره, وإنما كان معترضاً على الأمر نفسه متمرداً على الطاعة والامتثال. وهكذا يظهر لطالب الحق وضوح المسألة وأنها أكبر من أن يقال شرط صحة أو شرط كمال كما كتب المتأخرون؛ إنها ركن الدين الذي لا يرضى الله من أحدٍ تركه.

البيان: على هذا هل ترون الإرجاء أخطر على الإسلام، أم الغلو؟

** كلاهما خطره عظيم؛ لكن الأخطر على شباب الصحوة المعاصرة هو الغلو؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الخوارج بتعيين صفاتهم وإيجاب قتالهم وفضل من قام به في عشر روايات صحيحة، ولم يصح في الإرجاء حديث مرفوع، والسبب في ذلك أن الغلو تبديل للدين أما الإرجاء فهو تفريط في الدين أو تسويغ للتقصير فيه؛ وهذا خطر على العامة؛ لكن كثيراً من المسلمين لا يقبل أن يجعله هو الدين، وبعضهم لا يعتبر من ظهر عليهم التساهل والتفريط ممثلين لحقيقة الدين وإن زعموا هم ذلك بناءً على تأويلات المرجئة؛ وذلك لاختلاط حالهم بحال الفساق والمتهاونين. أما المتشدد الغالي فإنه يكتسب عندهم منـزلة التقديس كما حدث لغلاة الزهاد والعباد؛ لأنهم يرون فيه تمسكاً أكثر وأخذاً للنفس بالعزيمة، والعامة عادة لا يميزون بين شدة التمسك بالحق وبين الغلو، فيقع الاشتباه وينشأ عنه تبديل مفهوم حقيقة الدين، ومما يدل على ذلك أن النصوص جاءت ببيان أن أصل الانحراف البشري هو الغلو سواء الغلو في الصالحين كما حدث لقوم نوح أو الغلو في الزهد حتى يجعل الحلال حراماً كما في الحديث القدسي: «وإني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم». وهذا يصح أيضاً في مقام الجهاد والإنفاق وغيرهما من مقامات الدين؛ فإن الناس يظنون أن التهور شجاعة، وأن التبذير سخاء، وأن الرهبانية تبتُّل. كما أن مما يجعل الغلو هو الأخطر أنه يفضي إلى العنف واستحلال دماء المسلمين، ويعرقل الأمة عن الجهاد، بل يمزق صفوف المجاهدين منذ خروج الخوارج حتى اليوم.



البيان: ليسمح لنا فضيلتكم الانتقال إلى محور دعوي آخر, القادة والجماهير من يقود الآخر؟ وهل يمكن تقليص الفجوة بينهم؟

** من كان يريد الله والدار الآخرة فإن الذي يقوده هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعوام فتنة، ومراعاتهم تُذهِب الإخلاص أو تضعفه؛ لكن لابد من الصبر على توجيههم والتعامل بحكمة مع مشاعرهم التي تفور فلا يمكن السيطرة عليها. في الواقع أنا لا أخشى من الفجوة فالأمة تبحث عن قادة؛ ولكن أخشى من الفتنة والغلو؛ وللسلف في ذلك أحوال وأقوال عجيبة.
 
البيان: تميزت الساحة الدعوية في المملكة العربية السعودية عن غيرها بالنجاح في إيجاد علاقة متوازنة بين الشباب والعلماء، ولكننا بدأنا نخشى في الفترة الأخيرة من فقدان هذه الميزة؛ فهل ترون ذلك؟ وما العلاج برأيكم؟

** الزخم الدعوي في هذه البلاد كبير وشامل، وظهور بعض الشذوذ أو الانحراف سببه قلة المربين والموجهين بالنسبة لكثرة المهتدين؛ لكن يظل أن التيار العريض على الجادة والتوسط بين الجفاء والغلو؛ فهو في الجملة على منهج الدليل لا على منهج التقليد، من تجربتي أقول: إن كثيراً من المشكلات لدى الشباب ليست مستعصية الحل، بل بعضها يمكن حله بالتعامل معها بأناة وهدوء والصبر عليها حتى تهدأ تلقائياً، لديهم حماس عاطفي لا ينبغي مواجهته بل ضبطه وتهذيبه. مجتمعنا في بعض جوانبه لم يتعود اختلاف الرأي، بل عاش أجيالاً تحت سلطة مركزية أحادية سياسياً وعلمياً. ومعلوم أنه كلما قلَّ حظ الإنسان من العلم والتجربة ضاق أفقه، واشتد حرصه على الإنكار والاختلاف سواء في المسائل العلمية أو المواقف العملية؛ ولذلك يجب على المربين الصبر على تربية الشباب على العلم والتعقل مقتدين في ذلك بما كان عليه السلف الصالح من سعة الأفق وحرية الاجتهاد داخل المنهج المعصوم -منهج الوحي والدليل- فقد اختلفوا في مسائل كثيرة من غير تعصب ولا تباغض؛ وإذا كان في العالم الإسلامي أربعة أئمة متبوعون فإن المدينة النبوية وحدها كان فيها في زمن التابعين سبعة فقهاء متبوعون، لم يكن أحد منهم مقلداً لغيره وإلا لكانوا ستة. ومن ناحية أخرى يجب التحذير من الغلو فيما يسمى "الرمز" باسم احترام المشايخ أو تقدير ذوي السابقة فلا غلو ولا جفاء.
 
البيان: يتحدث أهل الشأن في الآونة الأخيرة عن اقتراحات متعددة لإيجاد قيادة علمية للأمة؛ فهل لكم رؤية في ذلك؟

** لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة؛ وهذه الأمة مباركة الأول والآخر، والقيادة العلمية في تقديري متوفرة لكن ينقصها وسائل التواصل والتكامل وتطوير الدراسات وإنشاء المؤسسات المتخصصة المستقلة. لا ريب أن العوائق دون ذلك قائمة لكن هناك محاولات في هذا الشأن نرجو أن ترى النور قريباً.

البيان: كلمة أخيرة توجهونها لقراء البيان.

** أشكر الإخوة القائمين على هذه المجلة، وأبشرهم بالأثر النافع الذي قدمته للأمة عامة ولمنهج أهل السنة والجماعة خاصة. هناك كثير من المراكز الإسلامية والجمعيات والدعاة من أنحاء شتى في العالم يعبرون لي شفاهياً وكتابياً عن إعجابهم وتقديرهم للبيان وأخواتها، وألمس فيهم أثر قراءتها والاطلاع المستمر عليها. نرجو لكم التوفيق الدائم، ونرجو من الإخوة القراء أن يجتهدوا في الدعوة إلى الله على منهاج النبوة وفهم السلف الصالح وسيرة الأئمة المشهود لهم بالصبر واليقين، وأن يحذروا من الفتن المضلّة والبدع المحدثة والأهواء كلها قديمها وحديثها؛ فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ونسأل الله لنا ولكم ولهم الثبات والسداد. آمين.

المصدر: مجلة البيان - العدد 176