الأحد، 31 مارس 2013

صورة اليوم


صورة اليوم



بعد أن شاهدنهم وهم يحرقون الإخوان المسلمين 

أحياء ويقتلوهم 

بالذخيرة الحيه ويحلقوا لحاهم ويمثلوا بجثثهم 

ويحاصرون ثلاث 

مساجد فى يوم واحد ويدمرونها ...


ثبت لدينا نحن الشعب أنه لا وجود لجماعة الأمر 

بالمعروف والنهى 

عن المنكر ولا وجود لميليشيات الإخوان ولا وجود 

لحماس فى مصر 

....
 وثبت أيضا أن هناك يقينا ميليشيات للكنيسه 

مسلحه ومدربه

 وثبت وجود جيشمنظم من البلطجيه ووجود من 


يدفع ويمول ويحرض تحت ستار إعلام صهيونى 


تديره غرفة عمليات تتبع الموساد وموجوده


 فى تل أبيب .





 لحظة الهجوم علي المسجد وسحل المصليين





مهنة في خطر



مهنة في خطر


 فهمي هويدي

يشكو لي بعض الشباب الصحفيين والصحفيات الضغوط التي تمارس عليهم من جانب رؤسائهم في الصحف الخاصة التي يعملون بها، حين يطالبونهم بالانحياز إلى طرف دون آخر في تغطيتهم الإخبارية للأحداث التي تشهدها مصر.

وهي ضغوط بدأت بالتلميح والإيحاء في مرحلة، ثم أصبحت تمارس صراحة وعلنا في الأشهر الأخيرة.
في الأسبوع الماضي وحده زارني سبعة من المحررين والمحررات، لا لكي يبثوا شكواهم فقط. ويسألوني رأيي فيما عليهم أن يفعلوه، ولكن أيضا لكي يعبروا عن حيرتهم ويبحثوا عن حل لمشكلة اتهامهم بأنهم من الإخوان لمجرد أنهم يحاولون أداء عملهم المهني بصورة متوازنة وغير منحازة. وقد أكدوا إلي وأقسم أحدهم بــ»الثلاثة» على أنه لا علاقة له بالإخوان ولم يلتق أحدا منهم في حياته.
سجلت خلاصة التوجهات التي تحدثوا عنها، ووجدت أنها تطالبهم بما يلي:-

ــ التركيز على أن الإخوان معتدون وأن الآخرين ضحايا
 ــ تصوير اللافتات التي تندد بالرئيس مرسي وتتحدث عن حكم المرشد
ــ التأكيد على عدم شرعية الرئيس وبطلان تعيين النائب العام
 ــ الإشارة المستمرة إلى بطلان الجمعية التأسيسية والتركيز على أن الدستور وضعه فصيل واحد
ــ المبالغة في نطاق مظاهرات الأقاليم وفي تقدير أعداد المشاركين فيها
ــ التركيز على استحواذ الإخوان على السلطة وتغلغلهم في مفاصل الدولة
ــ اضطهاد الإخوان للأقباط وعداؤهم المرأة
ــ الإلحاح على وجود أزمة بين الرئاسة والجيش والمطالبة بنزول الجيش إلى الشوارع وتوليه السلطة
ــ وجود أزمة بين الإخوان والسلفيين
 ــ اتهام «حماس» بالتآمر على مصر والإعداد لتخريب المنشآت العامة فيها     ــالإلحاح على أن الأنفاق تمثل خطرا على مصر ومصدرا لتهريب السلاح إليها
 ــ الإصرار على أن «حماس» هي المسؤولة عن قتل الـ16 ضابطا وجنديا مصريا في رفح
ــ تلميع قيادات جبهة الإنقاذ ومقاطعة قيادات الإخوان
 ــ إلى غير ذلك من الإشارات التي تصب في مجرى تسييس الأخبار وتلوينها بحيث تعبئ القارئ لصالح اتجاه وتحرضه ضد اتجاه آخر.

حدثوني عن مناقشات أجروها مع بعض المسؤولين عن الصحف حول أهمية التوازن في عرض الرؤى والحياد في تقديم الأخبار، ونقلوا لى قول أحد رؤساء التحرير إن الحياد ليس ممكنا في المواجهة الراهنة، وادعاؤه أن ذلك موقف مثالي أكثر من اللازم يمكن احتماله في بلد آخر وفي ظروف أخرى.

وقد استغربت ما سمعت واعتبرته تقويضا لبديهيات نزاهة المهنة التي تؤكد أهمية الحياد في صياغة الأخبار وتقبل بالاجتهاد والاختلاف حين يتعلق الأمر بالرأي.
حدثوني أيضا عن أجيال المتدربين الذين يلتحقون بالصحف على أمل التعيين فيها، وكيف أنهم الأسرع في الاستجابة للتعليمات لإرضاء المسؤولين وإقناعهم بجدارتهم بالتعيين.
الأمر الذي يعني تشويه وتدمير تلك الأجيال وهي في المراحل الأولى للعمل.
أوقعنى الكلام الذي سمعت في مأزق، لأنني أعرف ما يجب عمله في هذه الحالة، على الأقل فيما خص ضرورة الانحياز إلى مبادئ المهنة وقيمها التي تحترم الخبر وترفض

 تسييسه والعبث فيه. إلا أنني أعرف أيضا أن ذلك له ثمنه الذي قد يكون باهظا.

لذلك ظل السؤال الذي ظل يحيرني هو ما إذا كان هؤلاء الشبان والفتيات الحالمون بصحافة نظيفة مستعدين لتحمل الثمن أم لا. إذا ما استمروا في التمرد على تعليمات رؤسائهم. وقد صارحتهم بحيرتي وبموقفي الذي التزمت به وبخبرتي في الأثمان التي يتعين على المرء أن يدفعها إذا أصر على أن يتمسك بقيم المهنة، فضلا عن استقلال الرأي.

أشفقت عليهم من ضراوة الاستقطاب وتحول الصحف إلى منشورات سياسية تتبنى موقفا واحدا وتقول كلاما واحدا كل يوم.
 وكانت في ذهني طول الوقت التجربة الأخيرة لزميلنا الأستاذ أسامة غريب الكاتب المتميز الذي منع عموده اليومي في إحدى الصحف «الليبرالية» لأنه لم يكن منحازا مائة في المائة مع خط الجريدة التحريضي التي يعمل بها، فتوقف عن الكتابة ثم انتقل إلى منبر آخر احتمله مرة واحدة في الأسبوع.
إننا لسنا بصدد محنة يعاني منها الجيل الجديد من الصحفيين فحسب، ولكننا بصدد خطر يهدد المهنة في وطن تتناوشه المخاطر من كل صوب ويتراجع حلم ثورته يوما بعد يوم.

أنا عبد مأمور


أنا عبد مأمور  
 يترك الفكرة والرأي ويستمر في عبوديته      
للرموز وإضفاء العصمة السياسية لآرائهم 

إذا كان هناك من هو مسلوب الإرادة وعندما يقوم بتنفيذ اوامر غير مقتع بها من 


اسياده فيقول العبارة المشهورة ليعتذر بها (انا عبد مأمور).. وتوقعنا انها اندثرت 



ومحيت آثارها وكانت نسياً منسيا ونحن في زمن الرأي والرأي الآخر.. ورأيي 



صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.. وليس بمقدور احد اياً 

كان نوعه وجنسه ورمزيته ان يحتكر الصواب ويقول (ما أريكم إلا ما أرى).




ولكن لو تحسست عقل الكثيرين اليوم من النشطاء السياسيين والكتاب والمغردين 



وبحثت عن ذلك النتوء المشاغب المعروف باسم (الرأي الحر) الذي لا يخضع 



للارهاب السياسي ومتجرد من كل القيود حتى لو وقف امام سلطان جائر.. لوجدته 



اليوم موثقاً بالحبال معصوب العينين خلف باب حديدي محاط بقلاع قديمة ترتفع 



جدرانها من حوله ورابضا على قمتها (انا العبد المأمور).



العبد المأمور بلا هوية ولا رسم تضربه الاهواء وتحاصره التبعية وتطارده الرمزية 



وتقوده المصلحة ويدير مفتاح عقله بصمت ثم يخرج متسللاً على رؤوس اصابعه ثم 



يستمع لصوت حجر تم القاؤه في المعترك السياسي فثار الغبار من حوله.. و ينتظر



 الرموز السياسية وخطابها وآخر ينتظر (البغاث) ومقالهم وكلٌ يخرج (العبد 



المأمور) الذي بداخله ويقول مقالهم ويردد خطابهم فشعارهم (فاذا قالت حذام 



فصدقوها).



العبد المأمور يترك الفكرة والرأي ومناقشة صوابهما من خطئهما ويستمر في 



عبوديته 



للرموز واضفاء العصمة السياسية لآرائهم وتوجهاتهم ومهاجمة كل من يخالفهم.. 



ويلوكهم بألسنة حداد تكفرهم سياسياً وتخرجهم من المِلّة.



هي حرب غير معلنة بين دبيب الحياة بالكلمة الصادقة والرأي الحر مع معترك ذئابها 



وثعالبها وافاعيها وسياسييها وبين من علق مفاتيح عقله حول رقبة الرموز او حول 



رؤوس الفساد ورضي بان يكون امَّعة وعبداً مأموراً يسن رماحه لحربهم ويعادي من



 يعادون ويسالم من يسالمون ويهجر من يهجرون ويشتم من يشتمون ورضي بان 



يكون مجرد ببغاء يردد ما يسمعه من الملقنين.



عليك ان تترك صمتك الشاحب وتقتلع الباب الحديدي وتعلن العصيان الفكري 



وتستجمع حجارتك وترجم (انا العبد المأمور) بداخلك وتصدع برأيك الحر حتي



عندما تكون الشمس هي ظلك الوحيد.. وعندما تقف في وجه الموج العالي.



 وعندما تغرد خارج السرب.. وتنزع عنك قبعة البهلوان وممارسة الرقص على 



حبال العبد المأمور.

مبارك صنيدح

توحدوا لانقاذ مصر ولانقاذ أمتكم ولإنقاذ أنفسكم.

توحدوا لانقاذ مصر ولانقاذ أمتكم ولإنقاذ أنفسكم.




عامر عبد المنعم

الذين يريدون إسقاط الرئيس مرسي لا يقولون لنا ما هو البديل؟

هل هم يريدون أن يحكموا؟ فليقولوا لنا كيف؟


هل يريدون نزول الجيش؟ فهل ينتظرون أن ينزل ليمكنهم؟

هل يريدون نزول الجيش ليحكم هو؟ إذن لماذا كانوا هم هم يهتفون ضد العسكر 

ووقفوا ضد المجلس العسكري؟

هناك من يتربص بجيش مصر ويريد استدراجه لساحة الصراع السياسي لضربه

 وتفكيكه، فهو الجيش العربي القوي الوحيد الباقي في الدول المحيطة بالكيان 

الصهيوني بعد ضرب الجيش العراقي وتفكيك الجيش السوري.

تفكيك الجيش المصري هو هدف الأمريكان والإسرائيليين.

علينا حماية جيشنا الوطني فهو عصب الدولة المصرية ولا نزج به في هذه المحرقة 

التي حرقت أحزاب وتيارات وزعامات، ونعلم أن قادة جيشنا على وعي ودراية 

بالمخططات الشيطانية التي تكيد له.

لو تم استبعاد الارادة الشعبية فإننا سندخل في دوامة يملك فيها أعداؤنا الكثير من

 الأوراق المؤثرة.


نعيب على غيرنا ونحن أول الملومين


أعجب من قيادة الدولة التي تواصل عزل نفسها عن محيطها الإسلامي أمام لفيف من 


الخصوم يتحدون ويسنون لها 
السكاكين.

أعجب من أحزاب وتيارات إسلامية متفرقة تتبادل الاتهامات في وقت يحيط بهم 

الخطر من كل جانب.

أعجب ممن يقول أنه يريد تطبيق الاسلام بينما حاله مع إخوانه ليس له صلةبالاسلام.

أعجب من قيادات إسلامية تصرخ بالليل والنهار من هجمات الاعلام ولم يفكر واحد 


منهم أو مؤسسة أو حزب في الانفاق 
على صحيفة أو فضائية أو حتى موقع الكتروني

 محترم.

أخشى أن نضيع -بأعمالنا- فرصة لازالت سانحة، وإن تم هذا فيا حسرة على العباد.

توحدوا يرحمكم الله، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.

تخلصوا من التعصب لرايات الاحزاب والجماعات وتعصبوا لله ولرسوله فقط.

أنتم كثرة.. وخسائركم ليست لكثرة الخصوم وإنما لكثرة أخطائكم.

شياطين الأرض كلها، وذئاب الخارج والداخل تقف أمامكم الآن، فمتى تقفون صفا 

كالبنيان المرصوص؟

توحدوا لانقاذ مصر ولانقاذ أمتكم ولإنقاذ أنفسكم.




لعبة الفوضى انتهت



كيف يظن من يريدون السطو على السلطة أن يكون ذلك بالقتل والحرق والعدوان؟

الذين يريدون قلب الحكم بالفوضى خسروا معركتهم مبكرا.. فالله لا يصلح عمل 

المفسدين.

لقد نفذوا أقصى ما يستطيعون ولم يتحقق ما توهموا ولن يتحقق، أمام صلابة الشعب 

المصري ووعيه السياسي رغم ما 

يعانيه مع تدني الحالة الاقتصادية.

ماحدث يوم الجمعة الماضي قلب الرأي العام ضد من يقفون خلف القتل والحرق 

وإشاعة الفوضى.

الشعب المصري لا يقف مع من يدعون للعنف ويحرضون عليه ويشجعونه، لأنه 

شعب متماسك ولا يقبل الإجرام.

الشعب المصري مع الأقوى لكنه لا يقف مع المجرمين والبلطجية حتى وإن هتفوا 

بشعارات سياسية وساندهم إعلام فاسد.

من يمارس العنف يفقد المشروعية، وسيجد نفسه معزولا منبوذا وستتبخر الهالة 

المصطنعة المحيطة به، وسيتلاشى بأسرع مما يتخيل.

من يحرق السفن لن يستطيع العودة



مقالات عامر عبد المنعم

عتاب النبي دليل نبوته


عتاب النبي دليل نبوته
د. بدر عبد الحميد هميسه

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد حاول المستشرقون البحث في القرآن والتنقيب عن الآيات التي ورد فيها عتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليتخذوها وسيلة للطعن والتخطيء,وإظهار أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن على صواب، وأن أخلاقه لم تكن مثالية، وإلا لما ورد هذا العتاب في القرآن , ولكنهم على عكس ذلك أثبتوا بادعائهم أن :

1- القرآن منزل من عند الله وأنه قد وصل إلينا كما أنزل، وأن القرآن لو كان كلام بشر ما كان يحتوي عتابا لرسول الله، فالبشر من عاداتهم لا يتقبلون النقد ويدعون الكمال، وما من منهج بشري يلوم فيه صاحبه نفسه أو يعاتبها، بل كل منهج وضعه بشر يحاول أن يوهم نفسه والناس بأنه هو الكمال المطلق.
وأن القرآن الكريم لم يحدث فيه تبديل ولا تغيير، ولو حدث ذلك لحذفت منه هذه الآيات التي تتضمن العتاب أو على الأقل حرفت.
فقد عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال له : {" وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) }سورة الكهف .
وكان سبب ذلك أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ ، وَعن أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وعن َذِي الْقَرْنَيْنِ ، فَقَالَ لَهُمْ : سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا ، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَعَاتَبَهُ رَبُّهُ بِعَدَمِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ ، وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ ,ثُمَّ عَلَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأَدَبَ مَعَهُ ، فِي قَوْلِهِ : ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) يَعْنِي إِنْ قُلْتَ سَأَفْعَلُ كَذَا غَدًا ، ثُمَّ نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ ، أَيْ قُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَيْ لِتَتَدَارَكَ بِذَلِكَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ الَّذِي فَاتَكَ عِنْدَ وَقْتِهِ ، بِسَبَبِ النِّسْيَانِ ، وَتَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .الشنقيطي : أضواء البيان 7/266.
وأيضاً عتاب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم حينما أذن لبعض المنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك ، فعاتبه ربه بقوله : \" عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) سورة التوبة .
وكذا عتابه الشديد له حينما قال له : \"يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ \". سورة التحريم 1-3.
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة التحريم بالمدينة، ولفظ ابن مردويه سورة المحرم. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: أنزلت بالمدينة سورة النساء \"يا أيها النبي لم تحرم\". قوله: \"يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك\"
اختلف في سبب نزول الآية على أقوال: الأول قول أكثر المفسرين.
قال الواحدي: قال المفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فزارت أباها، فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: لا تخبري عائشة ولك علي أن لا أقربها أبداً، فأخبرت حفصة عائشة وكانت متصافيتين، فغضبت عائشة ومل تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية، فأنزل الله هذه السورة. قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة، وذكر القصة.
وقيل السبب أنه كان صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة أن تقولا له إذا دخل عليهما إنا نجد منك ريح مغافير فحرم النبي صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه فأنزل الله هذه الآيات. تفسير ابن كثير 8/161, تفسير القرطبي 10/312 , فتح القدير للشوكاني 5/348 صحيح البخاري (5431).
فلو كان القرآن قد حرف أو بدل – وحاشاه – لما بقيت فيه هذه الآيات البينات الناصعات , التي تؤكد صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .

2-
 أثبتوا صدق أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ الرسالة، وإلا لأخفى هذه الآيات وما استطاع أحد من البشر أن يعرف إذا كانت أنزلت أم لا.
فالله تعالى قال في محكم تنزيله : \"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) سورة النساء .
قال ابنُ عبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقالُ لَهُ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ؛ سَرَقَ دِرْعاً مِنْ جَارٍ لَهُ يقالُ لَهُ : قتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، وَكَانَتِ الدِّرْعِ فِي غِرَارَةٍ وَجِرَابٍ فِيْهِ دَقِيْقٌ ، فَانْتَثَرَ الدَّقِيْقُ مِنَ الْمَكَانِ الّذِي سَرَقَهُ إلَى بَاب مَنْزِلِهِ ، فَفُطِنَ بهِ أنَّهُ هُوَ السَّارِقُ ؛ فَمَضَى بالدِّرْعِ إلَى يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ فَأَوْدَعَهُ إيَّاهَا ، فَالْتُمِسَتِ الدَّرْعُ عِنْدَ طُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ ، فَحَلَفَ لَهُمْ مَا أخَذهَا وَلاَ لَهُ عِلْمٌ ، فَقَالَ أصْحَابُ الدِّرْعِ : لَقَدْ أدْلَجَ عَلَيْنَا وَأخَذهَا ، وَطَلَبْنَا أثَرَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَهُ ، وَلَقِيْنَا الدَّقِيْقَ مُنْتَثِراً ، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُواْ أثَرَ الدَّقِيْقِ حَتَّى انْتَهَوا إلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ وَطَلَبُوهُ ، فَقَالَ : دَفَعَهَا إلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ، وَشَهِدَ لَهُ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذلِكَ ، فَقَالَ قَوْمُ طُعْمَةَ : انْطَلِقُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكَلِّمُهُ فِي صَاحِبنَا نُعذُرُهُ وَنَتَجَاوَزُ عَنْهُ ، فَإنَّ صَاحِبَنَا بَرِيْءٌ مَعْذُورٌ. فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُواْ أهْلَ لِسَانٍ وَبَيَانٍ ، فَسَأَلُوهُ أنْ يَعْذُرَهُ عِنْدَ النَّاسِ ؛ فَهَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَعْذُرَهُ وَيُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.انظر :تفسير الطبري 9/182 , تفسير الرازي 5/369 , تفسير ابن كثير 2/405.
فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم غير أمين على الوحي – وحاشاه – لأخفي هذه الآيات التي فيها لوم شديد له .
ومثاله أيضاً ما روى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان قد أوحى إليه : أن زيدا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها ، فلما تشكى زيد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم من خلق زينب وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على جهة الأدب والوصية : \" اتّق اللّه في قولك هذا وأمسك عليك زوجك \" .
وقد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلق زينب ، وأنه ستكون زوجة له ، و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا ويخشى من مقولة الناس ، أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه ، فعاتبه ربه على ذلك قول الله تعالى : \" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) سورة الأحزاب .
انظر : جامع البيان للطبري (22/11) و تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/489) ، و انظر البخاري ( برقم 4787) .

3-
 كما أنهم لم يفهموا أن العتاب أو العتب دليل وجود الود بينك وبين الشخص الذي تلومه, وعلى قدر الود يكون اللوم، فان كان اللوم عظيما كان هناك مكان للوم ولو على شيء صغير، وإذا كان الود بسيطا لا يكون اللوم إلا على أشياء كبيرة .
وأن العتاب جاء ليوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمثل والأوفق والأرفق والأحسن من السياسات والقرارات، عندما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون خلاف الأولى.
كما جاء في قوله سبحانه :\" عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) سورة عبس .
فهذه الحادثة نزلت في عبد الله بن أم مكتوم الأعمى الفقير؛ الذي أعرض عنه الرسول عليه الصلاة و السلام لانشغاله مع كبراء قريش، لعلهم يسلمون ويسلم معهم من يتبعهم، وهذا الفعل لم يقصد به النبي صلى الله عليه وسلم أي انحياز طبقي بين الغني أو الفقير، ولكنه ظن أن الغني سيكون مؤثرا في الدعوة إن أسلم أكثر من الأعمى الفقير، ونزلت الآية تعاتب الرسول عليه الصلاة و السلام عتابا رقيقا حتى أن الله تعالى لم يوجه الخطاب مباشرة لرسوله الكريم تلطفا ورحمة به ،وإنما جاء بصيغة المجهول (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ثم بعدها جاء ضمير المخاطب (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) وهذا من حب الله تعالى لرسوله ولطفه به، لأنه يعلم أنه لم يعرض عن الأعمى تكبرا، وإنما حرصه الشديد على إسلام صناديد قريش وزعمائها ما هو إلا عزة للإسلام و المسلمين .
فعاتب الله تعالى رسوله قائلا يا محمد لما تترك السهل وتدخل الصعب، إن الله غني عن هؤلاء جميعا فلا تضيق على نفسك وتحملها المشقة لتهدي من يرفض قلبه الهداية , قال تعالى : \" فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) سورة الكهف , وقوله تعالى : \" فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) سورة فاطر.
ومن ذلك أيضًا ما رواه مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى في بدر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : \" مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) سورة الأنفال . أخرجه أحمد1/30(208) و\"مسلم\"5/156 و157(4609 و4610).
فقد عاتبه الله تعالى على ترك الأولى وهو قتل هؤلاء الأسرى من كفار قريش الذين لا يرجى منهم الخير .
وقوله قال الله تعالى : \" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) سورة غافر .
أي : اطلب من ربك المغفرة لذنبك بأن تفعل الأسباب التي تحصل بها المغفرة : من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح ، وفعل الحسنات الماحية ، وترك الذنوب ، والعفو عن الخلق والإحسان إليهم.تفسير السعدي 35.
فالاستغفار هو طلب المغفرة وهو مرتبط بالتسبيح ،ويعتبر الاستغفار من الذنوب، والتسبيح بالعشي والإبكار، من مكملات العبادة والطاعة والقرب من الله تعالى. وطلب الرحمة والمغفرة من الله مطلوب من كل مؤمن مهما بلغت درجة إيمانه، ومكمل للعمل الصالح مهما كان هذا العمل الصالح مقبولا عند الله. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يحرص على أن يؤدي ما يجب على أمته أن تقتدي به، حتى ولو كان هذا العمل قد أعفاه الله منه، والله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, ولكنه مع ذلك كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة ويقوم الليل ويصلي حتى تتورم قدماه الشريفتان وتسأله عائشة رضي الله عنها في عجب: يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول الرسول عليه أفضل الصلاة: أفلا أكون عبدا شكورا.
فهذه الآيات التي وردت في عتاب النبي صلى الله عليه وسلم هي دليل أكد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم , وبرهان صادق على أن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى .

السبت، 30 مارس 2013

نهر التاريخ .. رؤية إسلامية


نهر التاريخ .. رؤية إسلامية 

 أ. د.عبد الحليم عويس



تاريخ البشرية ماضٍ وحاضرٌ واستشراف للمستقبل، والتُّخوم الفاصلة بين هذه الأدوار تكاد تكون ذائبة، والماضي يعيش فينا ولا نستطيع إنكارَه، والمستقبل فينا كالماضي سواء بسواء، إنها أضلاع الزمان الثلاثة التي لا تنفصل.
وعندما يتم الضغط على الماضي وحده، تصاب الأمةُ بمرض الغياب التاريخي، كما أن الضغط على الحاضر -دون وعي بالماضي والمستقبل- غيابٌ عن الذات، ومغامرة بالحضارة كلها في رحلة ضياع لسفينة بعُدتْ عن معالمها الثابتة!
كل الأحجار في التاريخ شواهدُ ناطقة، تحكي قصة قوم كانوا هنا وصنعوا شيئًا، ولم توجد بعدُ أحجارٌ صامتة، ومن العبث أن نحاول إخراس أصوات الماضي التي تخاطب عقولَنا ووعينا التاريخيَّ الفطري، الذي يقول لنا: إننا جنس خاص، إنسان تاريخي، كائن يموت أفراده، وتموت بعض شرائحه، لكنه باقٍ إلى اللحظة الحاسمة القارعة!
في أحقاب متفاوتة من التاريخ الإنساني وَضَعت العنايةُ الإلهية شاراتٍ ثابتةً، تأخذ بيد كل حضارة تريد الإقلاعَ من جديد نحو الإنسانية النقية.
قدم لنا أبونا آدم أول شارة حين أخطأ وتاب؛ فإدراك الخطيئة، والإقلاع عنها - خاصة إنسانية متفردة.
وقدم هابيل الشارةَ الثانية حين رفض أن يكون القاتلَ، ورضِيَ أن يكون المقتول، في سبيل المبدأ.
وقدم كلُّ نبي شارة أخرى، هي خلاصة حياته ودعوته.
إن هذه الشارات التي بدأت بآدم ثم نوح، وإبراهيم... وانتهت بمحمد - عليهم السلام - هي معالم الهدى في التاريخ، وكلها ذات جوهر واحد: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} [نوح: 3] ، والخلاف بينها في التفاصيل الملائمة لحياة الإنسان عبر التاريخ.
والانحراف في تاريخ الإنسانية جاء من ابتعادها عن هؤلاء الهداة العظماء.
إنها اصطرعت بعيدًا عنهم، وتصارعت باسمهم بعيدًا عنهم، وتصارعت باسمهم بعيدًا عن الحوار الباحث عن الحق، ودفعت أجيالاً كاملة لرفضهم، واخترعت النظرياتِ ضدهم.
ولن يعود التاريخُ إنسانيًّا إلا إذا انصهر العقل في بُوتقتهم؛ ليكون عقل إنسان لا عقل شيطان!
أجل؛ إن في تيار التاريخ تصاميم سابقة وثابتة، لكنها لا تَحُولُ - ولم تَحُلْ - دون الإبداع، إنها معالم حتى لا تتوه الإنسانية في الصحراء!
في نهر التاريخ يتدفَّق الماضي موصولاً بالحاضر والمستقبل، وتظهر القداسة في بعض العصور كما تظهر النجوم العالية التي يسترشد بها الملاَّحون في الليالي الطويلة المظلمة؛ فليست البشرية بمجموعها مقدسة، كما أن هذه الإنسانية ليست مجموعة حيوانات مفترسة، إنها هذا وذاك، إنها - أصلاً - {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، لكنها في أكثر مراحل التاريخ: في {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5]، وستتبادل البشريةُ هذه الأدوار المتعاقبة إلى يوم القيامة.
وعندما يتآمر بعض المنسوبين إلى الإنسانية، فيحاول تحطيم فترات القداسة والمثال، فإنهم يسعون -بوعي أو بغير وعي- لقيادة الإنسانية إلى نسبية كاملة، وإلى ليل طويل معتم، لا نجوم فيه، وستغرَق السفينة لا محالة؛ فالعقل والبصر لا يُغْنِيان عن إشارات البصيرة الثابتة، وكواكب الحقيقة!
كانت البشرية لا شيء، عدمًا لا ذِكر له، أحيتْها العناية الإلهية، وسوف تُميتها بعد سلسلةِ حضارات متصارعة، ثم تحييها ليوم الحساب الأخير؛ فهكذا كانت لها بداية، وكان لها سياق وجود حي، هو هذا التاريخ وهذه الحضارات، ثم سيكون لها رجعة إلى الله للحساب النهائي.
لا استمرار أبدي، بل هي رحلة مغلقة، لها بداية ونهاية، بطلُها الإنسانية، ولن تكون هذه الرحلة عبثًا باطلاً.
فالعناية الإلهية لا تخلق للَّهو ولا للعب، وحاشاها، إنها أعظمُ مِن أن تجعلنا دُمًى، أو قِطَعَ شِطْرنج، إن لنا وجودًا بقدر مسؤوليتنا، إننا مكلَّفون بمهمة خالدة.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 16 - 18].
والحق "رسالة الأنبياء" حُداة القافلة الإنسانية وهُداتها.
وفي النهاية تنتهي فصول الكتاب والملحمة: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104].
فالغاية الإنسانية محتومة، والمصير محكوم بأعمال الناس، وبفاعلية الإنسان الإيجابية الصالحة في التاريخ: {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}[الأنبياء: 94]، لكن إذا انتهت دورة تاريخية وأُغلق الستار، فمُحالٌ أن يعود أصحابها قبل يوم البعث:{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95].
إنهم مسئولون، لقد كانوا أحرارًا، وكانت لديهم شارات الطريق، وشروط الصلاحية، ومؤهلات البقاء، لكنهم صَدَفوا عن كل ذلك، واعتمدوا على أبصارهم المحدودة، وعقولهم المكبَّلة بإطار وعي الزمان والمكان، وخبرة الجيل الواحد؛ فاستحقوا الموت.
لقد استَمْرَءوا أن يكونوا مستهلكين في التاريخ، مجرد موضوع من موضوعاته، ولم يرتفعوا إلى مستوى خلافة الله في صناعته، وتسخير كونه، لقد عاشوا في دائرة الذات والمطالب الجسدية، ولم يهتموا بالمطالب الرُّوحية، ولا بغايات الوجود.
نعم؛ إن نهر الزمان متدفِّق موصول، لا تكاد تنفصل فيه لحظاتُ الماضي عن لحظات الحاضر عن المستقبل، لكن ذلك لا يعني أن الزمانَ لا يمكن تقسيمه إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل، وأن هذا التقسيمَ له وجود في الواقع، وهو وجود شعور ووعي وحياة، والغاية داخلية وخارجية معًا؛ فكل كائن حي له غاية خاصة به، تتعاون جميع أجزائه من أجل تحقيقها، إنها غايته الداخلية التي تنسجم مع الغاية الخارجية، التي تربط كل غاية داخلية بالغاية الخارجية العامة، وهي تحريك أجزاء الكائنات نحو مصير واحد، يتم فيه الوصولُ إلى يوم السعادة الأبدية، أو الشقاء الأبدي، أو الفناء الأبدي.
إن وجود يوم ينتهي فيه التاريخ البشري، ويتم فيه الحساب العام حقيقةٌ لا بد من التسليم بها؛ فإن القول بأن التاريخ البشري -الذي له بداية يعترف بها الجميع- ليس له نهاية، هو أمر لا ينسجم ومنطقَ العقل، ولا الدين كله، إنه يُفقِد التاريخَ معناه، ويجعله بلا معنى، والفرق بين التصور اللاهوتي (اليهودي والمسيحي) للغائية التاريخية، وبين التصور الإسلامي: أن الغائية في التصور الإسلامي لا تقفز فوق مؤهلات الدنيا، ولا تختزل الدنيا بكل ما تتطلبه من معقولية وإيجابية اعتمادًا على الغاية النهائية، إنها تبتعد إلى الآخرة عن طريق الدنيا، وبقدر الإيجابية في الدنيا - مع استقامة الوسائل، وشرف الغايات - تكون الدرجةُ في الآخرة.
إن الفلاسفة العقليين في عصر التنوير (الأوربي) قد حاولوا علاج الخلل في التصور اللاهوتي للغائية، لكنهم سقطوا في حفرة أعمقَ، فجعلوا الغاية دنيوية بحتة، إنهم قد يكونون معذورين؛ فاللاهوت المسيحي يسيء إلى الدنيا إساءة بالغة، ويجعلها صفرًا في الرحلة إلى الخلود، بينما هي الطريق.
إنه يقول: اهجر الدنيا تضمَنِ الآخرة، وازهد في الطيبات، ولا تعمر، ودع ما لقيصر لقيصر، وحسبك أن تؤمن بالمخلِّص الذي انتحر(1) من أجلك.
أما التصور الإسلامي، فيدعوك إلى المشاركة الكاملة في الدنيا؛ تعميرًا، وأكلاً من الطيبات، ومقاومةً للباطل، وصناعة لمؤسسات الحق، ونشرًا للخير والمنفعة، وأنت عندما تموت في هذا الطريق تكون قد عبرت الدنيا عبورًا كريمًا، وأدَّيت واجبك بهذا الحضور الدنيوي المكثف، وإياك والغيابَ عن الدنيا، وتركها للباطل يمرح فيها، وإياك أيضًا أن تجعل أهدافها -مثل الفلاسفة العقليين- دنيويةً بحتة، إن عناية الله توجِّه التاريخ البشري وترعاه، وتقوده ليوم لا ريب فيه، لكن ذلك لا يتم على حسابك أيها "الإنسان"، أيها الفاعل والصانع للتاريخ والحضارة - برعاية الله - إنك مسؤول مسؤولية كاملة، وعلى قدر مسؤوليتك تحاسب، وعناية الله تُعفيك من الحساب عن الكوارث الطبيعية، وعن كل ما هو فوق طاقتك.
إن حركة التاريخ أمامنا قد تصيبنا بنوع من الضبابية في الرؤية، وقد يخيل إلينا -في بعض اللحظات- أن الغايةَ غير معقولة، لكن عدم إدراكنا لمعقوليتها، لا يعني عدم وجودها؛ فعقولنا المجزأة، والتي تعمل بطريقة محكومة بالبيئة وبمؤثراتنا الذاتية - لا تَقْوَى على رؤية المعقول الكلي.
إنَّ "كانت" شعَرَ بهذه الأزمة وتساءل: "إن أحدًا لا يستطيع تجنب شعور معين بالامتعاض، عندما يلاحظ أفعال الناس التي تُعرَض على المسرح الكبير للعالم؛ فالأفراد يظهرون الحكمة هنا وهناك، ولكن نسيج التاريخ الإنساني - ككل - يبدو أنه منسوج من الحماقة، وتفاهة الأطفال، وغالبًا من الآثام الطفيلية، وحب الدمار؛ ونتيجة ذلك فإننا في النهاية حائرون في معرفة ما هي الفكرة التي نصوغها عن نوعنا الذي نشعر بفخرٍ عظيم بمميزاته".
لكن "كانت" لا يلبث أن يجيب عن هذا؛ اعتمادًا على فكرته المعروفة في فلسفة التاريخ، وهي فكرة "التقدم"؛ فهو يرى "أننا إذا اكتفينا فعلاً بالنظر إلى الأحداث التاريخية من وجهة نظر الأفراد المعنيين فقط، فلن يصادفَنا هناك سوى جمع مضطرب من الوقائع غير المرتبطة، والتي لا تَعني شيئًا في ظاهرها".
ولكن الأمر قد يختلف إذا حوَّلنا انتباهنا إلى أحداث النوع الإنساني بأسره، بدلاً من أحداث الفرد؛ فإن ما يبدو من وجهة نظر الفرد فوضى وبلا قانون، قد يبدو - بالرغم من ذلك - ذا نظامٍ ومتعقلاً، إذا نُظر إليه من وجهة نظر الأنواع.
والوقائع التي بدت فيما مضى بلا قيمة، تبدو وكأنها تخدم هدفًا أكبر، فقبل كل شيء: إنه من الممكن أن يتبع التاريخ كما في الطبيعة، أو العناية الإلهية - يستخدم "كانت" الكلمتين بمعنى واحد - خطة طويلة المدى، غايتُها البعيدة هي الأنواع الإنسانية ككل، وقد يكون ذلك بتضحية بخيرِ ومنفعة الفرد.
ويلتقي مع "كانت" في فكرة "التقدم المطرد" كثيرٌ من فلاسفة التاريخ في عصر التنوير؛ فقد أشار "أكتون" إلى أن التاريخ (علم تقدمي)، وقال: إننا مُرغَمون على افتراض أن التقدم في الأمور الإنسانية هو الفرض العِلْمي الذي يُكتب التاريخ وَفْقًا له.
وكان المؤرخ جيبون -أبرز مؤرخي عصر التنوير- من المتحمسين لفكرة التقدم المطرد، لدرجة أنه زعم (بأن كل عصر في العالم قد أضاف - وما زال يضيف - إلى الثروة الحقيقة للسلامة الإنسانية وسعادتها ومعرفتها، وربما فضيلتها)، وقد سمى زعمه هذا (النتيجة السارة الخاصة)، ومن الغريب أنه كتب هذه النتيجة في كتابه المعروف عن انحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (الفصل الثامن والثلاثين)، لكن فكرة التقدم المطرد سرعان ما انهارت على يد فلاسفة تاريخ القرن العشرين، وعلى رأسهم شبنجلر، وتوينبي.
وعلى الرغم من وجود بعض العناصر اللاهوتية في فلسفة توينبي، ومن بعض التفاؤل الحذر بمستقبل للمسيحية، فإن الفكر اللاهوتي كان أمره قد انتهى، ولم يعد يحظى إلا بقليل من التقدير؛ ذلك لأن إلغاء دور الإنسان الأساسي في صناعة التاريخ أمرٌ لا يمكن قَبوله، كما أن القول بأن حوادث التاريخ تخضع لقدرة ربانية لا تترك للإنسان دورًا يوازي مسؤوليته - هو أمر مرفوض أيضًا، بل إن هذا الفكر اللاهوتي الذي يسميه الفيلسوف والمؤرخ "غوستاف لوبون" اعتقادًا صبيانيًّا- قد أساء إلى التصور الإسلامي لفلسفة التاريخ؛ لأن كثيرًا من الأوربيين وتلامذتهم الشرقيين لم يحاولوا دراسة الإسلام دراسة مستقلة بعيدة عن الفكر اللاهوتي العام.
ولم يكن خطأ الفكر اللاهوتي في إغفاله الدور الأساسي للإنسان فحسب، بل أيضًا في إغفاله للسنن الكونية والاجتماعية التي تخضع لها جميع حوادث التاريخ.
والإسلام هو وحده الذي قدَّم التصور الذي جمع بين وجود "الغاية" للتاريخ، ووجود "معنى" لكل وقائعه، إنْ ظاهرًا أو باطنًا، وإنْ عاجلاً أو آجلاً، ووجود "عناية إلهية"، ووجود دور أساسي "للإنسان"، وخضوع الإنسان والطبيعة لسنن كونية، هذه الأبعاد هي أضلاعٌ لمعادلة متكاملة متوازنة تحكم حركة التاريخ، وتحقق للإنسان القدر المنطقي من الحرية الذي يتوازى مع قدراته وإمكاناته الزمانية والمكانية، وليس بينها أي تناقض كما يتصور الفكر اللاهوتي أو المفكرون العقليون!
إن الفكر العَلْماني التنويري كان منفعلاً في مواجهة الفكر اللاهوتي، وكان - بالتالي - معبرًا عن (أزمة روحية) وهو يقرر - كما يقول برجون -: "إن من العبث أن يحاول الإنسان أن يعيِّن للحياة غاية، بالمعنى الإنساني لهذه الكلمة؛ فإن الغاية - بهذا المعنى - معناها وجود نموذج من قبل لا يعوزه إلا أن يتحقق بالفعل؛ أي: إننا نفترض - حينئذٍ - في الواقع أن كل شيء موجود دفعة واحدة، وأن المستقبل يمكن أن يقرأ في الحاضر... بينما الحياة تقدُّم وتتابُع واستمرار.... ولم يتساءل هذا الفكر: إلى متى سيظل هذا التتابع والاستمرار؟ إن أمامنا كثيرًا من الحضارات قد اندثرت أو تحوَّلتْ إلى ذرات في جسم حضارات أخرى، بعد أن ابتلعتْها في أحشائها وحوَّلتْها إلى جزء منها، ويومًا ما ستصل الحضارة الغربية إلى ساعة الأُفول، أو الانتحار، أو الامتلاء لدرجة الموت، وقد تقوم حضارة أخرى أكثر روحانية وإنسانية وتوازنية، لكن التسلسل والدور لا يمكن أن يستمرَّا متتابعين دون نهاية؛ فوجود الزمان المطلق المتحرر المجرد معنًى شِعريٌّ أكثر منه معنى واقعيًّا!
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].

عن غياب الرئيس وحضوره


عن غياب الرئيس وحضوره



alt

إذا كان سفر الرئيس محمد مرسي إلى الخارج مهما فإن بقاءه في مصر أهم، لا أريد أن أقلل من قيمة مشاركته في مختلف المحافل التي يمثل فيها الرؤساء.
 أو زيارته للعواصم التي ينبغى التواصل معها.
 كما أنني مستعد للمزايدة على الجميع والدعوة إلى وجوب حضوره مؤتمرات القمة العربية والأفريقية لما يمثله ذلك من أهمية خاصة بالنسبة لمصر.
 ومستعد أيضا للقبول بفكرة أن الرئيس لا يذهب سائحا، ولا مستمتعا بالانتقال بين مختلف العواصم، ولكنه يؤدي عملا لا يكاد ينتهي منه حتى يسارع بالعودة إلى القاهرة، حتى إن مرافقيه أصبحوا يتحدثون عن الساعات وليس الأيام التي تستغرقها كل رحلة.
وقد قيل لي إن رحلته إلى جنوب أفريقيا استغرقت 18 ساعة، في حين أنه قضى هناك 16 ساعة فقط.
 ورحلته إلى تركيا استغرقت عشر ساعات، كما أن سفرته إلى ألمانيا لم تتجاوز الساعات العشر.
 أما رحلته إلى طهران فلم تستغرق أكثر من 4 ساعات.
 وقد أمضى في باكستان عشر ساعات، وكانت أطول رحله له إلى الصين التي قضى فيها 48 ساعة والهند التي أمضى فيها 36 ساعة.
هذا كله أفهمه، ولا أنكر أيضا أن رحلاته لها فوائدها.

 وقد فهمت أن أهم ما خرج به من اجتماعات القمة العربية في الدوحة، تجدد ثقته في مساندة قطر للحكومة المصرية واقتناعه بسلبية موقف بقية الدول على ذلك الصعيد، بما في ذلك الدول التي كانت قد وعدت في السابق بالوقوف إلى جانب مصر في أزمتها الاقتصادية.
ناهيك عن الدول التي لم تقدم وعدا وكان ردها حين أثير الموضوع معها تلخصه عبارة «يصير خير».
 ومن أهم ما تحقق أثناء حضوره قمة مجموعة دول «البريكس» في جنوب أفريقيا (التي تضم إلى جانب جنوب أفريقيا روسيا والصين والهند والبرازيل) اجتماع مطول (استغرق ساعتين) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولقاء الرئيس مرسي مع رؤساء الدول الأفريقية الذين شهدوا المناسبة، وهو ما اعتبر حلقة في مسعى تجديد وتنشيط علاقات مصر الأفريقية التي تجاوزت مرحلة الركود خلال الأشهر الأخيرة.

قصدت التفصيل في إيجابيات تواصل الرئيس مع العالم الخارجى، لكي أدلل على اقتناعي بأهميتها، ولكي لا يتصور أحد أنني أدعو إلى الانكفاء على الذات وإدارة الظهر للخارج في زمن العولمة الذي سقطت فيه الحدود الجغرافية بين البلدان، لكنى مع ذلك ما زلت أدعي أن الداخل هو الأهم كقاعدة، ثم إن الظروف المضطربة التي تمر بها مصر تضاعف من تلك الأهمية.

 ولا يعني ذلك انقطاعا عما يجري خارج الحدود، ولكنه يعني أن سفر الرئيس ينبغي أن يكون في أضيق الحدود، ولا يتم إلا حين يتأكد أن المصلحة المرجوة لا تتحقق بغير وجوده، وأن تمثيل مصر برئيس الوزراء أو الوزراء والسفراء قد يهدر تلك المصلحة.
وأرجو ألا أكون مضطرا إلى التنبيه إلى أن ثمة فرقا بين الوجود والحضور، لأن الوجود حالة مادية محملة بفكرة السكون.
أما الحضور فهو فعل إيجابي تجسده الحركة، علما بأن هناك وجودا يستوي معه الغياب، ووحدها الحركة التي تحوله إلى حضور محسوس.

 وحين أدعو إلى بقاء الرئيس مرسي في مصر فإنني أتحدث عن حضوره المتمثل في سهره علي تحقيق الوفاق الوطني وإشاعة الاستقرار والأمن في البلد.
وتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة، وليس مجرد وجوده بمكتبه في قصر الاتحادية ملتزما الصمت ومتفرجا على ما يجري.
إن الرئيس يرى بشعبه وليس فقط بشخصه، رغم ما قد يتمتع به من فضائل وسجايا.

والذين يستقبلونه في أي محفل أو عاصمة يحترمونه بمقدار التفاف شعبه حوله ورضائه عنه، وليس صحيحا أن السياسة الخارجية منفصلة عن الداخلية. وإنما الأخيرة هى الأصل وهي المرآة التي يرى فيها وجه الرئيس، كما أن السياسة الخارجية تعد صدى وترجمة للسياسة الداخلية.
 إذ عندما يكون الأمن منفلتا ومهددا في مصر، والاقتصاد مأزوما والفوضى السياسية تطل برأسها في الميادين فإن الذين يستقبلونه في أي مكان بالخارج يجاملونه ولا يقدرونه، ويعطفون عليه وربما يرثون لحاله بأكثر مما ينصتون إليه ويأخذونه على محمل الجد.
 إن شئت فإن الرئيس حين يذهب إلى الخارج وسط الأنواء التي تعصف ببلده فإنه يُرى عليلا ومجرحا والأجانب الذين يجلسون أمامه في جلسات الحوار أو العمل لا يرون قسمات وجهه، ولكنهم يطالعون صورة شعبه ويستمعون إلى صوته.
يمتدح المتصوفة الرجل الذي إذا غاب حضر (أي افتقده الناس بشدة وظلوا يبحثون عنه).
وتلك مرحلة لم نبلغها بعد، لكننا نريد أن نتجنب موقف الرجل الذي إذا حضر غاب.

 وغاية ما نطمح إليه الآن أن نصبح بصدد رئيس حضر ولم يغب.
ولأن الرئيس مرسي يتأهب للسفر إلى السودان في نهاية الأسبوع فإنني أذكره بأنه إذا كان للسفر سبع فوائد كما قيل، فإن بقاءه مع حضوره المرجو بمصر في الوقت الراهن له سبعون فائدة على الأقل.