الأربعاء، 31 يناير 2024

الحرب على غزة: الخيرية تقول إن شركة مصر المرتبطة بالمخابرات تتقاضى $ 5000 للحصول على المساعدة عبر الحدود


الحرب على غزة: الخيرية تقول إن شركة مصر المرتبطة بالمخابرات تتقاضى $ 5000 للحصول على المساعدة عبر 

الحدود


حصري: المنظمات غير الحكومية تزود MEE بالشهادة الأولى التي تشير إلى أن المسؤولين المصريين يستفيدون من الوضع الإنساني في غزة

ديفيد هيرست
 قافلة من الشاحنات تحمل إمدادات المساعدات لغزة من مصر تنتظر على 
طريق الإسماعيليةالصحراوي الرئيسي، في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2023            


ترجمة وتحرير نون بوست

اضطرت مؤسسة خيرية دولية تتمتع بخبرة واسعة في تقديم المساعدات الطارئة في الحروب والمجاعات والزلازل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وفي أفغانستان إلى دفع 5000 دولار أمريكي لكل شاحنة، لشركة مرتبطة بجهاز المخابرات العامة المصري لتوصيل المساعدات إلى غزة.

وتحدثت المؤسسة الخيرية، التي لا تريد الكشف عن اسمها لتجنب عرقلة جهود الإغاثة في غزة، إلى موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في حالة من الغضب بسبب اضطرارها إلى دفع ما تصفه علنًا بالرشوة إلى وكيل مرتبط بالدولة.

وقال متحدث باسم المؤسسة الخيرية: “لقد عملنا في جميع أنحاء العالم في أوقات الحروب والزلازل والكوارث الأخرى، لكننا لم نعامل بهذه الطريقة من قبل دولة تتربح من إرسال السلع الإنسانية. إن الرشوة التي تدفع مقابل تمرير كل شاحنة تستنزف الكثير من مواردنا”.

وقالت المؤسسة الخيرية إن الأموال تُدفع على شكل “رسوم إدارة” لشركة تابعة لأبناء سيناء للتشييد والبناء، وهي شركة إنشاءات ومقاولات يملكها رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، وجزء من مجموعة العرجاني التابعة له. وهو يرأس قبيلة الترابين في صحراء سيناء المتاخمة لإسرائيل ويمتلك شركة هي مشروع مشترك مع شركتين مملوكتين لجهاز المخابرات العامة.

وتزعم التقارير الإعلامية أن مجموعة العرجاني هي المستفيد النهائي من البيع المربح لتصاريح “المسار السريع” للفلسطينيين الراغبين في الهروب من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وخلص تحقيق أجراه “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” والموقع الإلكتروني المصري المستقل، “صحيح مصر”، إلى أن الوسطاء كانوا يبيعون تصاريح الخروج بأسعار تتراوح بين 4500 دولار إلى 10 آلاف دولار للفلسطينيين، و650 إلى 1200 دولار للمصريين.



وفي ظل تزايد اليأس في غزة، ارتفعت تكلفة الخروج من القطاع إلى 10 آلاف دولار للشخص الواحد، حسبما ذكرت صحيفة العربي الجديد مؤخرًا. ويبلغ سعر حركة المرور التجارية المتجهة إلى غزة والتي تفرضها الشركات المملوكة لشركة العرجاني 9 آلاف دولار للشاحنة، على الرغم من أن تكلفة الأجرة التي يتقاضاها سائقو الشاحنات تبلغ عادة 300 دولار فقط للحمولة.

في المقابل؛ قال متحدث باسم الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين التي تقدم الدعم الحيوي في غزة، لموقع ميدل إيست آي، إنها لا تدفع رسومًا لنقل المساعدات من مصر إلى القطاع.
الوضع قاتم

يُعد بيان المؤسسة الخيرية لـ”ميدل إيست آي” أول دليل ملموس على مطالبة مصر أو الأطراف المرتبطة بالحكومة المصرية بخفض المساعدات الإنسانية الموجهة إلى غزة، والتي تخضع بالفعل لتأخير لمدة أسبوع بسبب إسرائيل.


وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال جيمس هيبي، وزير الدولة البريطاني للقوات المسلحة، إن أكثر من 150 طنًّا من المساعدات الإنسانية التي سلمتها وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية إلى مصر في انتظار نقلها إلى غزة.

إن الوضع الإنساني في غزة قاتم؛ حيث قُتل أكثر من 26 ألف فلسطيني منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر، وقال خبير من الأمم المتحدة يوم الأحد إن المجاعة في القطاع “حتمية”.

وفي الأسبوع الماضي؛ تحدث موقع “ميدل إيست آي” إلى خمس عائلات من غزة أكدت جميعها أنها دفعت رسومًا بالآلاف، معظمها بالدولار الأمريكي أو خروجهم من غزة.

وفي الصدد ذاته؛ أوضحت بيسان، وهي فلسطينية رتبت لوالدتها مغادرة غزة، عن وسيطها المقيم في السويس: “أخبرنا أنه يعمل مع الأمن المصري وأنه سيتدخل لوضع اسم والدتنا على القائمة”.

ونفت مصر أنها تتربح من هذه التجارة على حدود رفح. وفي بيان نُشر في 10 كانون الثاني/ يناير، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، “الادعاءات التي لا أساس لها” بشأن فرض رسوم إضافية على الفلسطينيين عند المعبر.


يتلقى الفلسطينيون النازحون مساعدات غذائية في رفح في جنوب قطاع غزة في 28 يناير ( AFP )
يتلقى الفلسطينيون النازحون مساعدات غذائية في رفح في جنوب غزة ، في 28 يناير ( AFP )



واعتُمد نظام “المسار السريع” الموازي لعبور معبر رفح منذ سنوات، حيث يطالب العملاء في غزة بعدة آلاف من الدولارات للمرور السريع. لكن هذا السوق ازدهر منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي، ما جعل يأس الفلسطينيين النازحين داخليًّا يتزايد.

إحدى الشركات المزعوم تورطها في هذه التجارة هي شركة هلا للاستشارات والخدمات السياحية، وهي وكالة سفر مصرية، وهي إحدى ثماني شركات تعمل تحت شركة العرجاني الرئيسية، مجموعة العرجاني.

وتتورط شركة “مصر سيناء” في هذه الجهود، وهي مشروع مشترك مع المجموعة الصناعية التابعة لوزارة الدفاع المصرية، وجهاز مشروعات الخدمات الوطنية.

من جانبه؛ صرح العرجاني في مقابلة أجراها مع موقع “اليوم السابع” سنة 2014، إن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية يمتلك 51 بالمائة من أسهم شركة مصر سيناء، بالشراكة مع شركتين مملوكتين لجهاز المخابرات العامة. وأضاف العرجاني في المقابلة: “كما ترون، جميع كيانات الدولة موجودة في هذه الشركة. وهذا يمنحنا امتيازًا”.

إنكار المسؤولية


وظهرت شركات العرجاني لأول مرة في سنة 2014 عندما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن مبادرة لإعادة بناء المنازل التي دمرتها عملية الجرف الصامد الإسرائيلية في غزة، وعُينت مجموعة العرجاني كأحد المستفيدين.

وأُعيد تنشيط شركة هلا للاستشارات والخدمات السياحية في سنة 2021 “لتقوم حصرًا بنقل المسافرين من وإلى قطاع غزة”.

حينها، وصفت مصادر مصرية تحدثت لصحيفة “العربي الجديد” سنة 2021، حركة المرور عبر الحدود التي تديرها هلا، بأنها تأتي في إطار استجابة القاهرة لـ”مطلب كبير للفصائل الفلسطينية بشأن تسهيل السفر عبر معبر رفح لتخفيف معاناة الفلسطينيين”.

لكن مصر نفت التربّح من معبر رفح ومسؤوليتها عن طوابير الشاحنات الطويلة التي تحمل مساعدات إنسانية على الجانب المصري من الحدود.

وخلال دفاعه ضد اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في غزة، في قضية رُفعت إلى محكمة العدل الدولية في وقت سابق من هذا الشهر، اتهم فريق الدفاع الإسرائيلي القاهرة بالمسؤولية عن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

وفي حديثه في الصومال، اتهم السيسي إسرائيل باحتجاز الشاحنات على جانب غزة من حدود رفح وقال: 
“إذا كنتُ أنا السبب في عدم إدخال رغيف الخبز إلى غزة، فكيف أواجه الله؟”.                       
وطلب موقع “ميدل إيست آي” من الهيئة العامة للاستعلامات في مصر التعليق على ادعاء المؤسسة الخيرية بأنها اضطرت إلى دفع خمسة آلاف دولار لكل شاحنة لعملاء مرتبطين بجهاز المخابرات العامة، لكنهم لم يردوا بحلول وقت نشر التقرير، كما طلب موقع “ميدل إيست آي” من مجموعة العرجاني وأبناء سيناء التعليق.

المصدر: ميدل إيست آي

نكبة الفسابكة ونكبة البرامكة

نكبة الفسابكة ونكبة البرامكة

أحمد عمر


يبكي مشاهيرُ كثيرون مُلكهم الزائل في "فيسبوك" بكاء ذي القروح مُلك أبيه، وينعون حجب منشوراتهم، لقد "أمّم" الملك مارك الملكية، وختم بعض الحسابات بالشمع البرتقالي، وفرض على كثيرين من أمراء رعيته الإقامة الجبرية.

حذّرني صديقٌ، مبكّراً، من حُمّى "فيسبوك"، ومن بريق "اللايكات" الذي يذهب بالأبصار والأفئدة، والتي لم ينجُ من سحرها إلا أولو العزم، ورأيت أشرافًا من الناس يبوحون بأخصّ أسرارهم، حتى إنهم يجلون للعامّة نجوى النفس وحديث الروح، ويعرضون لهم أطعمتهم وصورهم مع أخصّ أهليهم، ويكشفون للناس ما لا يكشفونه للمخابرات تحت التعذيب، أو للكاهن المسيحي في غرفة الاعتراف، إنَّ هذا لهو البلاء المبين.

صحيحٌ أننا كسبنا أصدقاء من بلاد بعيدة، لكننا خسرنا جيرانَنا ومعارفنا بعد أن كشفنا سرائرنا، وأظهرنا معتقداتنا السياسية والدينية، وكان الله قد ستَرنا، فالأرض في "فيسبوك" زلقة، والصفحة مغوية بالنشر، وإعجاب "فيسبوك" لا يروي الظمأ ولا يشفي الغليل، فهو مثل المياه المالحة، كلما ذقتَه طلبت المزيد.

رأينا مرة صورة "لملكنا" في ديار فسبوك مارك وهو يزور مع أهله مزرعة أبقار، فعلق أحد الظرفاء بقوله: يستمتع بالحياة الطبيعية ويبيعنا لايكات في البحر.

كان أهم أسباب انتصار الملوك المعاصرين ودوام مُلكهم هو معرفةُ أسرار شعوبهم، وقد اطّلع مارك وجيشه من العاملين في فيسبوك على أخصّ أسرار رعيته على العام والخاص من غير تعذيب في مسالخ السجون، أو مغفرة في غرف الاعتراف، فنحن نعرضها على الناس متطوّعين من أجل حفنة لايكات لا طعم لها، وإن كان لها ألوان كثيرة، بل إنَّ تقارير إخبارية أميركية ذكرت أنَّ مارك باع بيانات رعيته في الانتخابات الأميركية، بل بلغ من قوة وسائل التواصل الاجتماعي أنّها أزرَت بالصحف، فكسدت بضاعتها.

وكانت سوق "فيسبوك" من أشيع وسائل التواصل الاجتماعي في سورية ومصر، فالصحف تقدّم مقالات رصينة وطويلة، وتنتظر أياماً للتحقّق من مصدرها وصدقها، بينما تعرض "فيسبوك" أخبار الناس في حينها، وتنشرها حيّة، نابضة، وأكاذيب كثيرة، من غير انتظار وتحقيق وأختام وتواقيع، ما جعل أخبار الصحف قديمة.

"فيسبوك" جريدة واسعة بلا صفحة أولى أو أخيرة، وتعرض على المتسوّق مقابل وقته ملايين القصص، بل إنّ الكاتب لم يعد يُقرأ إلا بعد أن ينشر مقالته على "فيسبوك" أو "تويتر"، واستغنى الناس عن التلفزيونات الفضائية التي صارت مملة، وما لبثنا إلا قليلًا حتى تقوّضت عروش فسبوك أيضاً، فباتت سوقاً قديمة، وانحسر مُلك مشاهيرها، فصدَق فيها الأثر القائل "ما رفع الله شيئًا إلا وضعه"، وشكا أكثر نجوم "فيسبوك" الحجب وقطع الأرحام الافتراضية، وبناء الجدران العازلة، وهذا دأبُ الطغاة، فهم يريدون رعية أسيرة وشفافة مثل أسماك السرمان، يُرى حتى طعامها في بطنها، فنزح أكثر الناس منها إلى ديار جديدة، مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب.. وهي أوسع، وأقل شرطة، وألطف أحكاماً عرفية، وأزكى قوانين طوارئ.

أما سبب إفراط الناس في المنشورات، فهو أنهم في وسائل التواصل عُميان أو أشبه بالعميان. لا يرى الناشر الناس، ويرونه، فهو كالأعمى... 

وَقيل لأبى العيناء: وَيحك مَا أوقحك، 

فَقَالَ: أما علمت أَنَّ للحياء شَرَائِط لَيست معي وَاحِدَة مِنْهُنَّ، 

قيل: فصفهن 

قَالَ: أولهنَّ في الْعَينَيْنِ. فالمرء ينشر على حسابه ما يشاء؛ طعامه والناس جياع، يسوق سيارته، يراقص زوجته، يشاتم خصومه، ولا يرتوي من الاستعراض، والتفاخر عرياناً، وليس في "فيسبوك" أوراق توت للسترة.

لقد حولونا إلى أطفال، نغضب بسرعة، نحبُّ بسرعة، ونكره بسرعة. وآن آوان الرحيل عن مرابع الطفولة في ديار "فيسبوك".

أَقفَرَ مِن أَهلِهِ فيسبوك/ وَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ.



لا تتركوا الأقصى وحده

لا تتركوا الأقصى وحده

صلاح الدين الأيوبي لن يأتي ونحن مجرد مشاهدين ندافع عن أمتنا بقلوبنا ونصمت كالشياطين الخرس، فالكلمة المكتوبة والمقروءة والمسموعة هي المدفعية الثقيلة


عامر عبد المنعم

01‏/08‏/2018
مع حالة الانكسار العربي وانخراط مصر والسعودية في صفقة القرن، ازدادت وتيرة الاقتحامات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، ودخول المستوطنين اليهود الحرم في حماية القوات الإسرائيلية، ولكن ما جري من اعتداء على المصلين عقب صلاة الجمعة الأخيرة وطردهم وإغلاق البوابات يؤكد أن الأمة أمام خطر عاجل يقتضي التداعي للتصدي له من دون انتظار الحكام والملوك الذين قرروا الانسحاب من المعركة.
نعم نجح المقدسيون في إجبار الاحتلال على الانسحاب وفتح الأبواب، بعد اعتصام على بوابات المسجد وصلاة العصر في الشارع لكن قضية الأقصى لم تعد ملكا للمقدسيين وحدهم، كما أن الهجمات اليومية للمستوطنين والوفود التي تزداد أعدادها بشكل مستمر تشير إلى الاستعجال الصهيوني في فرض السيطرة على المسجد تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.
كنا في السابق نطالب الحكام العرب بالتحرك، وكنا نضغط عليهم بالمظاهرات والاحتجاجات، فكانوا يصدرون بيانات الشجب والإدانة التي كنا نستهين بها، ومع ذلك كانت تفيد في تشكيل رأي عام ضاغط على الاحتلال، وكان هذا الضغط يجبر الجامعة العربية على عقد اجتماع وإصدار بيان يشعر الفلسطينيين بأن الأمة معهم، لكن بعد توافق القرار السياسي العربي مع الاحتلال الإسرائيلي اختفت الجامعة العربية واختبأت، وتوقفت بيانات الشجب!
التخلي العربي عن القدس
في كل الاعتداءات الأخيرة التي تعرض لها الأقصى غابت الحكومات والمنظمات العربية، ولأول مرة رأينا الموقف الرسمي العربي ضد فلسطين، وضد أي تحرك شعبي لنصرة القدس، ولا تتورع حكوماتنا عن ضرب  المظاهرات السلمية بكل عنف، لأن الاحتجاجات في نظرهم تشكل تهديدا لأنظمة الحكم وليس لـ"إسرائيل" ولهذا صمتت العواصم العربية التي كانت تشتعل غضبا، واختفت الأعلام الفلسطينية التي كانت ترفرف في الشوارع وفوق البيوت تأكيدا على مساندة الحق الفلسطيني.
لقد استغل الإسرائيليون أزمة السلطة في مصر والسعودية وهما أكبر دولتين عربيتين في تحويل اتجاه الموقف في القاهرة والرياض من داعم ثم وسيط إلى خصم للجانب الفلسطيني، وحليف للكيان الصهيوني، ولمزيد من الإذلال والمهانة تحولت اللقاءات والاتفاقات السرية مع الصهاينة إلى مواقف معلنة يتباهى بها القادة الإسرائيليون كمن يعلن انتصاره على العرب.
هذا التغير في عقيدة بعض الحكام العرب يشير إلى نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في تحويل القضية الفلسطينية من صراع بين اليهود والمسلمين أو بين الاسرائيليين والفلسطينيين إلى صراع متعدد الاطراف، وإدخال العرب كطرف ضد الفلسطينيين حتى أصبحنا نرى الحصار العربي المفروض على غزة أشد قسوة من الحصار الإسرائيلي.
الذي يحاصر قطاع غزة منذ أكثر من 11 عاما هم العرب ومعهم السلطة الفلسطينية الممولة من العرب، وأصبحت الحياة في القطاع لا تطاق حيث يتم خنق الفلسطينيين لإسقاط حكم حماس وتسليم الأسلحة والصواريخ التي فشل الإسرائيليون في تدميرها خلال 3 حروب، انتهت بخسائر فادحة في الكيان الصهيوني تفوق ما خسره سكان غزة.
ويظهر الموقف الرسمي العربي المعادي لفلسطين في الضغوط التي تمارس ضد مسيرات العودة الفلسطينية التي ينظمها الفلسطينيون كل يوم جمعة على السلك الشائك الذي وضعه الاحتلال على حدود غزة، فهذه المسيرات التي فضحت صفقة القرن وأعادت الملف الفلسطيني مرة أخرى إلى الواجهة تزعج بعض الحكام العرب أكثر مما تزعج الاحتلال، ولهذا يتعرض قادة حماس للمساومات من دوائر عربية لوقف هذه الفعاليات التي تطالب بحق عودة الفلسطينيين لأراضيهم التي طردوا منها.
الموقف الدولي
يحاول الإعلام الرسمي في الدول المتورطة في صفقة القرن تصوير الموقف الدولي وكأنه مؤيد بشكل كامل للاحتلال الصهيوني لتمرير الانقلاب على ثوابت الأمة، ونشر الإحباط لدى شعوبنا، وهذا غير صحيح، فالجامعة العربية ومعها مصر والسعودية والامارات هي التي انقلبت وراء ترامب ونتنياهو، ورغم أننا لم نعد نراهن كثيرا على الموقف الدولي لكن من باب التوصيف الصحيح فإن الصورة غير التي يراها البعض.
تركيا التي ترأس منظمة التعاون الإسلامي استطاعت أن تحل بدلا من العرب في قيادة الموقف الرسمي الإسلامي في الدفاع عن القدس، ومعها باقي الدول العربية التي أعلنت رفضها تمرير قرار التهويد الكامل للقدس.
أيضا كشف التصويت في الأمم المتحدة أن دول العالم، ومنها حلفاء أمريكا الأوربيون، قد تخلوا عن ترمب وأنها لا توافق على فكرة إنهاء قضية فلسطين حسب التصور الذي يطرحه الإسرائيليون.
دور الشعوب
في ظل حالة الضعف التي تمر بها الأمة يأتي دور الشعوب لقيادة معركة الدفاع عن المسجد الأقصى؛ فالقدس ليست مجرد مدينة تخص المقدسيين وحدهم، وإنما عقيدة تخص كل المسلمين، وتخلى الحكام لا يعفي الأمة من تحمل مسئولياتها، فكل مسلم مطالب بالدفاع عن الأقصى قدر استطاعته، وعلى القوى الحية المتبقية أن تتحد وتنسق جهودها لتعظيم جهودها في هذه اللحظة التاريخية التي تشهد تحولات خطيرة.
هنا يأتي دور الأفراد في الدفاع عن الأقصى، وإذا كان الصهاينة والدوائر التابعة لهم قد صادروا منابرنا السياسية والإعلامية لتجهيل الناس، وأغلقوا كل الأبواب أمام حركة التعبير والتضامن مع القضية الفلسطينية فليتحول كل عربي ومسلم إلى منبر وماكينة لفضح المؤامرة ونشر الوعي.
إذا كانوا قد أغلقوا الميادين والشوارع فإن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى فضاء أوسع أمام الملايين الذين يستطيعون توصيل أصواتهم إلى كل بيت، فالكلمة اليوم أصبحت أشد تأثيرا في فضح المكر المعادي وإفشال الخطط الشريرة، ولها دور مهم في صناعة تيار عام في مجتمعاتنا يحاصر خطر التهويد وفضح الأقنعة الزائفة.
لو كانت الكلمة غير مهمة وغير مؤثرة فلماذا يغيبون الإعلام بالسيطرة والإغلاق والتخويف حتى لا يعرف الناس الحقيقة؟
ولو كانت وسائل التواصل والإنترنت غير مؤثرة فلماذا ينفقون ملايين الدولارات على اللجان الإلكترونية والذباب الإلكتروني لصناعة قضايا رأي عام زائفة، وشن الهجمات على الصفحات الجماهيرية لإغلاقها؟
باستطاعتنا تحويل ساحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى سلاح فعال دفاعا عن الأمة بقليل من التركيز والتنسيق، فحروب اليوم إعلامية ومن يكسب العقول يكسب الأرض، وإذا خسرنا معارك العقول فتحنا أمام عدونا ساحاتنا يضاعف فيها خسائرنا ويشكل لنا رءوسا تفكر لنا لتستمر التبعية ولنعيش أبد الدهر في الهزيمة.
صلاح الدين الأيوبي لن يأتي ونحن مجرد مشاهدين ندافع عن أمتنا بقلوبنا ونصمت كالشياطين الخرس، فالكلمة المكتوبة والمقروءة والمسموعة هي المدفعية الثقيلة، ومن لا يستطيع التعبير فليشارك في توصيل الكلمة والصورة والمعلومة إلى الآخرين.
لاتستهينوا بالكلمة فالله سبحانه وتعالى أقسم بـ "القلم وما يسطرون"؛ ومن دون العلم والدراية لن يفكر العقل بشكل صحيح، ولا تنفع قوة قبل الوعي والفهم.

بيني وبينك.. عرسٌ في مَأتم

بيني وبينك.. عرسٌ في مَأتم

لا شيءَ غيرَ الدّمار والموت، لا شيءَ غير الجوع والأسى، لو أنّ حجرًا على حجرٍ بَقِي في هذا الموضع أُسنِدُ عليه جسدي الذّبيح من أنْ يسقط لفعلتُ! ولكنّ الحجارة نفسَها دُمِّرتْ، ونزحَ هؤلاء كلُّهم إلى هذه البُقَع المفتوحةِ على السّماء من الجهات كلّها في خِيَمٍ لا تقي من مطرٍ وبرد، تلعبُ بها الرّيح في كلّ اتّجاه، وتذروها كما تُذرَى بقايا العَصْف في الفراغ!

لكنّ هذا الموتَ المُخيِّم على كلّ شيءٍ ليسَ حائِلًا بينهم وبينَ الحياة، ليسَ مع جبروته -الّذي يقصِمُ ظهور الجبابرةِ- قادِرًا على أنْ يقضي على حُبّهم للحياة، ومُضيِّهم في دروبِها الشّائكة.

بأعمدةٍ خشبيّة مُبَلّلة بفعل المطر رفعَ (أيهم) سقفَ الخيمة، وبِكُراتٍ بلاستيكيّة صفراء وحمراء جُمِعَتْ من هنا وهناك زَيَّنَ صدر الخيمة على هيئة نصفِ دائرة، وبمفارِشَ من الخَيْش غُطِّيَتْ بأقمشةٍ مُهترئِة لكنّها مُلوّنة فَرَشَ البيتَ الخيمةَ، ثُمّ هاهي العَرُوس (سلمى) الّتي تلبَسُ ثوبَها المُزركَشَ بألوانٍ في سوادٍ قاتِمٍ حملتْه معها مِنْ بيتها المُهدَّم في الشّمال تبدو فَرِحَةً رغم الحُزن الّذي يُغلِّفُ كلّ شيءٍ. وها هم (المعازيم) تضيقُ بهم ساحة الطّين أمام الخيمة يُغنّون أهازيجَ وطنيّة حماسيّة رغم رنّة الشّجن الّتي تنبعثُ منها.

وها هُما (أيهم) و(سلمى) يجلِسان على دَكّةٍ خشبيّة جُمِعَ بعضُها إلى بعضٍ بشكلٍ عشوائي وغُطِّيتْ بحِرامٍ مُستعارٍ من الجيران، ثُمّ يمدّ لها خاتم الزّواج الّذي اشترَيَاه قبل الحرب، يُلبِسُه لها وعيناه تُشرِقان بفرحةٍ مُطفَأة، وتُلبِسه له ببسمةٍ مسروقةٍ على الشّفاه تحملُ من الغَصّةِ أكثرَ من الفرحة. ثُمّ يمدّ يدَيه فيرفعُ عن وجهها ملاءةً بيضاءَ ليسمح للنّور بأنْ يتسلّل من ذلك الوجه الجميل فيهزم جُيُوش الظّلام، ويقول لها: إنّه الحُبّ وإنّها الحرب، وأنا اخترتُ الحُبّ على الحرب. وإنّه الحزن ولا سِواه في النَّكَبات، وأنا اخترتُ أنْ أبحثَ عن الفرحِ في متاهات هذه المآسي، وأصنعه وسطَ هذا الخراب من أجل عينيكِ!

أمّا المدعوّون فيُصفّقون، ويبدؤون بالدَّبَكات، وتدور على الجالسين كؤوس الشّاي في ورقٍ صار هو الآخَر عزيزًا. ثُمّ يُدعَون بعدَ الدّبَكات إلى الوليمة الفاخرة، صحونٌ بلاستيكيّة تستقرّ في وسطها قطعةُ حلوى صغيرة في فراغٍ كبير، ويأكل الجميع سُعَدَاء، سُعَدَاء لأنّ هناك فرقًا بين العُرسِ الّذي دُعُوا إليه والمأتم الّذي يعيشونه في كلّ لحظة، هو فرقٌ بسيطٌ جِدًّا، ولكنّه يسمح لخيطِ السّعادة أنْ يتسلّل بينهما فيملأ هذه الوجوه بإشراقةٍ غريبة. ثُمّ ها هما يدخلان عُشَّهما، عُشَّهما الّذي كان يُمكن أنْ يكون غير هذا لو كانتِ الحربُ قد رحلتْ أو لم تأتِ من الأساس، ولكنّ الحربَ لا تمنع الفرح، والموتَ لا يُوقِفُ الحياة. وغزّة تأتي بكلّ عجيبة.


AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

فيديو اليوم

 فيديو اليوم


طبيب الحروب والنزاعات د.غسان أبو ستة يروي قصة وجع غزة




هل الدولة العربية دولة وطنية فعلا؟

 هل الدولة العربية دولة وطنية فعلا؟

نور الدين العلوي 


"طوفان الأقصى" تفرض العودة إلى الأسئلة المؤسسة، وأهم هذه الأسئلة في تقديرنا هي عن مصداقية الدولة العربية الحديثة ومدى وطنيتها. لقد ولدت هذه الدول بعد معركة تحرر دُفعت فيها أرواح غالية، وكانت شكلت أملا في الاستقلال التام وقادتها في بدايتها نخب سياسية شارك كثير منها في معركة التحرر. وأفلحت هذه الدول في كثير من المهام، مثل نشر قدر عال من التعليم والصحة، ورفعت من مستويات العيش للسكان، وهي مكاسب لا يمكن ابتذالها، لكن حصلت في تقديرنا ردة كبيرة عن المطامح الأولى وعلى مراحل حتى تلاشت الآمال والطموحات وتحولت هذه الدول إلى أجهزة قمع عارية لتغطي فشلها اللاحق وتوقف مشاريع الاستقلال.

وفي طوفان الأقصى اكتشفنا أو أيقنّا بفشل هذه الدول بلا استثناء في إسناد معركة تحرر وطني في بقية الرقعة العربية المحتلة احتلالا مباشرا (فلسطين)، وتبين لنا أن الوطنية قد صارت قوقعة صلبة تحتمي بها الأنظمة الحاكمة، وكل يوم يمر نزداد يقينا أن الأنظمة الحاكمة في كل قُطر تحتمي من شعوبها بموالاة العدو المحتل وخدمته، بما أفرغ هذه الكيانات من كل مشروع وطني. ويمكننا القول إن هذه الدول قد ماتت فعلا ولم يبق منها إلا جهاز القمع الأعمى المسلط على الشعوب المقهورة.

بين لنا أن الوطنية قد صارت قوقعة صلبة تحتمي بها الأنظمة الحاكمة، وكل يوم يمر نزداد يقينا أن الأنظمة الحاكمة في كل قُطر تحتمي من شعوبها بموالاة العدو المحتل وخدمته، بما أفرغ هذه الكيانات من كل مشروع وطني. ويمكننا القول إن هذه الدول قد ماتت فعلا ولم يبق منها إلا جهاز القمع الأعمى المسلط على الشعوب المقهورة

كيف أُفرغت الدولة الوطنية من مشروعها؟

تحت ذرائع وحجج التنمية والخروج من الفقر والجهل والمرض قبلت النخب الحاكمة البقاء على روابط قوية مع القوى التي احتلها، والأمثلة الأبرز هي دول شمال أفريقيا وفرنسا.. من هذا المدخل أمكن لقوى الاحتلال أن تعاود التسرب إلى مستعمراتها السابقة وغالبا باسم حجج أخلاقية سمحة، ولم يمر عقد على إعلانات الاستقلال حتى كانت هذا الدول خاضعة من جديد ولم يبق لها من السيادة إلا شكليات غير فعالة.

أفلحت قوى الهيمنة في ربط صلات أقوى بالدولة العربية مما كان لها تحت الاحتلال المباشر؛ عبر فرض ثقافتها ونظمها التعليمية وجهات نظرها التحديثية، ثم احتكرت أسواق مستعمراتها لمنتجاتها الصناعية فصارت الدول العربية أسواقا مفتوحة ملحقة باقتصاديات المحتل القديم، وكان يجب تكليف حراس على هذه الأسواق الغنيمة السهلة التي لا تكلف جنديا أو بندقية.

الحكام العرب جميعهم تحولوا في غفلة من الشعوب الطموحة إلى حراس أسواق الهيمنة وتلذذوا قبض الأثمان في حساباتهم الخاصة، حيث لا يمكن أن نجد حاكما مر من بلد عربي إلا وله أرصدة في بنوك أجنبية؛ تلقاها كرشى لمشاريع لم تستفد منها الشعوب بقدر ما استفادت منها شركات الهيمنة ودولها (نستثني فقط سوار الذهب السوداني ومحمد فال الموريتاني اللذين لم يعمرا في السلطة طويلا).

الدولة الوطنية صارت دولة حارسة لمصالح المحتل القديم وتلقت من أجل ذلك كل الدعم العسكري والأمني، وما من حاكم حكم إلا وحوله شبهة مؤكدة أن المحتل القديم هو الذي اختاره ونصبه وحماه من شعبه. هكذا أُفرغت الدولة الوطنية من كل مشروع.

"طوفان الأقصى" كشفت الفضيحة التامة

الدولة الوطنية صارت دولة حارسة لمصالح المحتل القديم وتلقت من أجل ذلك كل الدعم العسكري والأمني، وما من حاكم حكم إلا وحوله شبهة مؤكدة أن المحتل القديم هو الذي اختاره ونصبه وحماه من شعبه. هكذا أُفرغت الدولة الوطنية من كل مشروع


قوى الهيمنة وُضعت في خطة بعيدة المدى وبعقل إنجليزي مدرب على الكيد السياسي؛ نقطة عسكرية متقدمة بين الدول العربية وسمتها إسرائيل، واتخذت هذه الثكنة المتقدمة لإخضاع كل حاكم عربي يفكر في مشروع وطني لشعبة أو لأمته. وكلما استقوى هذا الكيان بالدعم الغربي كلما ضعفت أمامه الكيانات القُطرية المسماة دولا وطنية، بما في ذلك البلدان ذات الريع النفطي التي لا تحتاج دعما ماليا غربيا ولديها وسائلها لممارسة سيادتها.

كل محاولات تجنب مصادمة هذا الكيان باءت بالفشل، فتحول إلى حَكم يفصِّل المواقف ويملي القرارات حتى صار هو مصدر شرعية كل حاكم أو سبب بقائه أو سبب موته في سجنه، فلما انطلقت معركة الطوفان بتخطيط من المقاوم الفاقد لكل سند عربي اتضحت مواقع القوة ومواقع الضعف. ورأينا حكاما عربا في دول وطنية تقوم بحراسة الكيان من شعوبها المقهورة، بل تقوم بتمويل حرب العدو بخيرات شعوبها عندما توقفت مؤسساته الإنتاجية بفعل الحرب.

وقال كل مواطن عربي "هل صار العربي مواطنا فعلا؟".. سبب بقاء هذا الحاكم العربي هو خدمة العدو، والدولة العربية (الوطنية سابقا) هي أجهزة في خدمة العدو؛ تحميه وتغذيه ولا تنتظر حتى عبارات الشكر الرخيصة منه، وهي تتمسح على أعتابه لتحفظ مصالحها الفردية وحساباتها البنكية المكشوفة للعدو.

لقد كان التخلي عن معركة تحرير فلسطين شرط بقاء لكل حاكم عربي، بمن في ذلك الجزائر ذات التاريخ المقاوم والتي لا تنفك تفتخر بشهدائها المليون. وهذه الحقيقة كشفت زيف خطاب الدولة العربية منذ سبعين عاما بأن تحرير فلسطين هو تحرير الوطن العربي بكامله (وإن لم يكن موحدا في كيان سياسي واحد كما كان طموح البدايات). كانت كذبة كبيرة من أكاذيب الأنظمة العربية التي حكمت دولها فحولتها إلى حارس حدود للكيان المحتل، كذبة من جنس كذبة التنمية والتحديث.

كل نهاية بداية

"عرق وبدايات من حرف الياء".. هذا عنوان مجموعة قصصية لجبرا إبراهيم جبرا، الفلسطيني. خلاصة القصة العنوان هي أن بلوغ النهاية (حرب الياء في الأبجدية) بعد جهد يفرض بدايات من حرف الألف. حرب الطوفان أعلنت نهاية الدولة العربية أو حرف الياء لمعركة الاستقلال التي انتهت إلى احتلال ثان ناعم وفتاك مثل سم مدسوس في عسل، وهي تقول للشعوب العربية إن عليهم البحث عن حرف ألف جديد أي بداية جديدة.

انتهت الدولة العربية التي تسمت وطنية إلى حارس حدود للعدو بلا قيمة ولا مشروع لشعبه، وبقي على الشعوب أن تعيد النظر في وجودها كله، فهي شعوب بلا قيمة ولا مشروع إلا ما قد تخطط له مستقبلا على ضوء نصر طوفان الأقصى.

لقد هشّم الطوفان العصا المُشهرة في وجه الشعوب، ولكن عليها أن تتحلى ببعض الشجاعة لتخرج إلى شوارعها وتستعيد دولها التي ضحّى من أجلها الأجداد، فإن لم تفعل الآن وهنا فإنها ستزداد انحطاطا ويزداد عيشها مرارة وتتحول إلى أدنى من سوائم هائمة وراء القوت الرخيص.

لقد مات الغول الذي يحمي الأنظمة العربية ولم يبق له إلا نفَس أخير، فالنار دبت في ردائه ولن يبقى طويلا في مكانه ولن يمكنه استعادة مكانته ودوره الذي كان له، حتى لدى مموليه الغربيين، وطبعا هذا تفاؤل مفرط قبل أن تضع الحرب أوزارها. لكن كل العقل السياسي كان يرى ويرى الآن أوضح أن أسباب بقاء الكيان الذاتية والموضوعية قد تهشمت، ولا نشك لحظة أن من زرع هذا الكيان واستعمله كعصا غليظة على المنطقة يفكر اللحظة في بديل له، ومحاولات المد في أنفاسه بالمدد العسكري هي بمثابة هجوم أخير أقرب إلى الهجوم الانتحاري بشرط مهم؛ أن تقول الشعوب العربية لحكامها.. كفى.

صورة اليوم

 

صورة اليوم



بين ثورة يناير وطوفان الأقصى.. قصة مقاتل من أجل الحرية!

 

بين ثورة يناير وطوفان الأقصى.. قصة مقاتل من أجل الحرية!

لكنني بدأت التعبير عن حلم هو أن تتحرر مصر من التبعية، وتحقق استقلالها الشامل، وتقدّم للعالم نموذجها الديمقراطي؛ حيث يفرض الشعب إرادته، وتدير وسائل الإعلام مناقشة حرة بين كل اتجاهات الحركة الوطنية للاتفاق على مشروع وطني، وتقديم حلول جديدة وشجاعة للمشكلات، ومواجهة التحديات، وتحقيق التقدم.

بدأ طلابي يستمعون لكلام جديد يبدو أنه يقترب من المستحيل؛ لكنه أثار خيالهم، وشحذ عزيمتهم، وقلت لهم إن كلية الإعلام بجامعة القاهرة يمكن أن تتحول إلى بيت للحركة الوطنية المصرية، ندير فيها الحوار، ونتمتع بحقنا في الاختلاف، والتعبير عن مشروعاتنا، وإننا يمكن أن نتفق على استقلال مصر، والعمل على تحريرها من كل أشكال الاستعمار.

عندما أوشك الحلم أن يتحقق!

اشتعلت ثورة يناير، وشعرت وأنا أسير في مظاهرة أساتذة جامعة القاهرة المتجهة إلي ميدان التحرير بأن حلمي يوشك أن يتحول إلى حقيقة، خاصة وقد أدركتنا مظاهرة طلاب الجامعة، فالتف طلاب كلية الإعلام حولي في شارع قصر العيني، وهتفت معهم للعيش والحرية والكرامة الإنسانية، رغم اعتراضي على الترتيب، فأنا ما زلت أصر على أن الحرية هي أساس التقدم، وأن الشعوب عندما تختار قياداتها بحرية، يحرص هؤلاء القادة المنتخبون على البحث عن ثروات الوطن واستثمارها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذا هو طريق الغنى، وأن الحكم الاستبدادي أهم أسباب الفقر والقهر.

لكن الحلم انكسر!

تطورت الأحداث التي أفخر الآن بأنها أثبتت صحة نظريتي، فعندما تدفع الشعوب ثمن الحرية، وتقدّم التضحيات من أجلها، فإنها تستطيع أن تبني مستقبلها، وتحقق التقدم والغنى، وتواجه التحديات، وأننا نستطيع أن نقود ثورة عقول؛ فنبدع ونبتكر ونطور علوما جديدة، وننتج أفكارا تُشكل أساسا لحل كل مشكلاتنا، وأننا يمكن أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا؛ فلا يستطيع أحد أن يتحكم فينا.

وقد تفاعل طلابي في كلية الإعلام مع أفكاري، وأدركوا أنها يمكن أن تُشكل أساسا لبناء مصر القوية المستقلة والديمقراطية، لكن الحلم انكسر فجأة؛ فلم يكن أمامي سوى الخروج من مصر التي أحبها، أحمل ذكرياتي الأليمة وحلمي المكسور، وأواجه في المنفى خذلان الصحب وشماتة الأعداء، والحسرة على فراق جامعتي ومدرجي وطلابي، وعدم القدرة على نشر كتبي ورواياتي.

قد يبدو المنفى أخف قليلا من السجن، وفي أرض الله الواسعة يتمتع الإنسان بقدر من الحرية لا يعرف قيمتها إلا من عاش يقاتل دفاعا عنها، لكن هناك على أرض الوطن كل الذكريات والأهل والأصحاب والقبيلة، والحركة الوطنية التي كافحت طويلا لتوحيدها، والبحث عن الوسائل للتغلب على خلافاتها.

طوفان الأقصى يجدد الحلم

كانت أهم نتائج طوفان الأقصى أن الخيال انطلق؛ ليعبّر عن الحلم مهما افتقدنا الوسائل لتحقيقه، فالفرسان الذين تحدوا قوة جيش الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة أكدوا لكل الأحرار في العالم أنهم يستطيعون أن يغيّروا الواقع البائس الكئيب، ويفتحوا أمام الشعوب آفاقا جديدة للكفاح، وأنه لا يمكن تحقيق استقرار بدون عدل، ولا يمكن أن ينعم الغرب بالرفاهية التي حققها بنهب ثروات شعوبنا، ولا يمكن أن تحقق أي دولة الاستقرار باستخدام القوة الغاشمة.

حتى الآن ألقى جيش الاحتلال الاسرائيلي ما يعادل أكثر من ثلاث قنابل نووية على غزة، ودمر بيوتها، وهدم عمرانها، وقتل نحو 27 ألف شهيد، وأصاب أكثر من 65 ألفا لا يجدون علاجا بعد أن فرضت الأنظمة التابعة لأمريكا عليهم حصارا ظالما، ويحمل العالم كله عار هذا الحصار، ولكن على الرغم من ذلك كله ما زالت غزة صامدة وأبية وعزيزة، تقدّم درسها لكل الأحرار، ولن تستطيع إسرائيل وأمريكا وأوروبا وكل الدول التابعة كسر إرادة المقاومة.

بذلك جددت غزة حلم كل الأحرار، وأثبتت المقاومة أن الأحرار يمكن أن يقودوا ثورة عقول، لن تستطيع كل القوة الغاشمة قهرها أو التحكم فيها.

وثورة قلوب أيضا!

حماس أوضحت لكل الأحرار أن الشعوب يجب أن تنتفض؛ لتقوم العقول بدورها في إنتاج الأفكار والتخطيط الاستراتيجي، والبحث عن وسائل لتحقيق الأهداف، وحلول للمشكلات، وفتح آفاق جديدة للكفاح.

لكن الشعوب تحتاج أيضا إلى قلوب تؤمن بالله، وتثق بنصره، ولا تخضع للواقع، فشجاعة أبطال غزة كانت نتيجة لعملية تربية، فمعظمهم حفظوا القرآن وفهموا معانيه، وتعلقت قلوبهم بالله، فأصبحوا عبيدا لله وحده، ورفضوا العبودية لسواه، وتطلعوا إلى الشهادة، فتقدموا ليفجروا دبابات العدو من المسافة صفر.

لذلك لا يمكن الاعتماد على العقل وحده في تحليل الأحداث وتفسيرها، فالمقاتل الذي يرى أنه يدافع عن الحق، ويعمل لتحرير القدس وفلسطين، يستطيع أن يتحدى بشجاعته القوة الغاشمة.

وعلى الذين يريدون عقد مقارنة مع غزة أن يدركوا أن الشعب في غزة يجوع لأنه يحلم بتحرير أرضه وقدسه والعودة إلى دياره، فلماذا تجوع الشعوب المقهورة لتحقيق الاستقرار للأنظمة؟

وفي ذكرى ثورة يناير وعلى أضواء الأقصى، يمكن أن نطلق خيالنا، ونحلم بالحرية والتحرير والكرامة الإنسانية، وبالعيش الذي نحصل عليه بعزة.

المقاومة في الضفة أمام سيناريوهات صعبة

 

المقاومة في الضفة أمام سيناريوهات صعبة

تشبه الحالة العامة في الضفة الغربية اليوم تلك الحقبةَ التي سادت بين عامَي 1967 و1987، فإرهاصات التحول والعودة إلى الجذور اليوم في الضفة تشبه تلك التي سادت عشية الانتفاضة الأولى عام 1987، بينما تتشابه حالة الانتكاسة العامة وضعف المقاومة في الضفة مع تلك السنوات ما بين نكسة 1967 والانتفاضة الأولى.

كانت الفترة بين النكسة والانتفاضة الأولى هادئة إلى حد كبير في الضفة الغربية التي عايشت صدمة الاحتلال المفاجئ، وهزيمة الجمع العربي النكراء. صحيح أن العمل الفدائي كان موجودًا لكنه لم يعبّر عن حالة عامة لدى المجتمع، وتركز في الخارج، مع بضع من الأعمال المحدودة المتباعدة زمنيًا في الداخل.

اعتبر ذلك سلوكًا طبيعيًا لمجتمع كان عليه أن يستوعب صدمة النكسة، حين خرج الناس في بعض البلدات ليستقبلوا الدبابات القادمة إليهم ظنًا أنها دبابات عربية ليتفاجؤُوا بأنها إسرائيلية، وأن جيش الاحتلال احتاج فقط لعبور الطريق من أجل احتلال الأرض؛ فلا العرب أعطوهم السلاح ليقاتلوا ولا هم قاتلوا بجيوشهم كما كان مأمولًا؛ ولكي لا يتم تحميل الناس أكثر مما تحتمل في تلك الفترة، يكفي الإشارة إلى أن أعظم إرباك قام به المجتمع للمشروع الصهيوني، هو أنهم لم يرحلوا عن مدنهم وقراهم كما جرى في حرب عام 1948، وهو ما لم تستطع المؤسسة الصهيونية ابتلاعه حتى اليوم.

برز في السنوات الأخيرة جيل جديد متمرد يمتاز بشراسته ورفضه الواقعَ، ويحاول جسر الهوّة بين الأصيل والطارئ، محبًا للمقاومة، لكنه لا يمتلك الخبرات الكافية، يتصرف بعفوية ولا يمتلك إمكانات التسليح الجيد

احتاجت الضفة الغربية وقطاع غزة بعد النكسة عقدين كاملين حتى أخذتا زمام المبادرة، فكانت الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة)، التي اعتبرت أعظم حراك شعبي تحرري في القرن العشرين. ثم جاءت مرحلة السلطة الفلسطينية، فانتفاضة الأقصى، لكن المرحلة الأخطر هي المرحلة التي تلت نهاية انتفاضة الأقصى، وهنا بدأت حالة التمايز بين واقع المقاومة في الضفة الغربية، وواقعها في قطاع غزة.

يكمن أحد الفروق الجوهرية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في أن نهاية انتفاضة الأقصى شملت انسحابًا إسرائيليًا من القطاع عام 2005، كما أن المقاومة في غزة راكمت كمًا ونوعًا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى يومنا هذا، وساعد على ذلك سيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في غزة منذ العام 2007. بينما سادت في الضفة الغربية حالة شبيهة بحالة ما بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، وحالة ما قبل نكبة عام 1948، حيث تم تجريدها من كل مقومات القوة العسكرية والمجتمعية وكل عوامل المَنعة.

عملت سلطات الانتداب البريطاني في الفترة من 1936 وحتى 1947 على قتل وإبعاد وسجن كل النخبة المقاومة في فلسطين التي أُنهكت وتم تصفيتها في إطار ملاحقات ما بعد ثورة 1936، فلما جاءت النكبة كان المجتمع منهكًا، وقيادته المقاومة بين قتيل وسجين ومبعد؛ تمامًا كما هو حال الضفة الغربية عشية نهاية انتفاضة الأقصى والتي تم إعادة هندسة السلطة الفلسطينية فيها بعد انتخاب الرئيس محمود عباس عام 2005 بشكل أنهى كل مظاهر المقاومة المسلحة، وأدخل المجتمع في نمط حياة استهلاكي لا يتلاءم مع واقع شعب تحت الاحتلال.

تقف الضفة اليوم على صفيح ساخن مشابه لعتبة عام 1967، وكأن عقدَي ما بعد النكسة مشابهان للعقدين الأخيرين؛ لتتأهب لمرحلة جديدة بدأت منذ سنتين ونصف بحالات المقاومة المتفرقة في الضفة الغربية والعمليات الفردية الجريئة، رغم أنَّ "طوفان الأقصى" كشف أكثر عن هشاشة وضعف هذه الحالة لظروف موضوعية وذاتية معروفة.

تسعى دول الإقليم بكل قوة فيما تتشارك معها القوى الدولية والسلطة الفلسطينية ذات التوجه لضرورة الحفاظ على سياسة الوضع القائم في الضفة الغربية، وعدم انخراطها بشكل فاعل في المقاومة مع غزة، فيما أعادت إسرائيل تصنيف الحدود مع الأردن على أنها حدود ساخنة أمنيًا لمنع تهريب السلاح إلى الضفة، ورغم نجاحهم في تحييد الضفة حتى الآن فإنَّ استمرار ذلك مشكوك فيه.

كشفت معركة "طوفان الأقصى" عمق حالة السوء التي تمر بها الضفة الغربية التي لم تغادرْ بعدُ، وإن كانت في طريقها لمغادرة دائرة الاغتراب التي دخلتها في المرحلة الفياضية وما تلاها (تولى رئيس الوزراء السابق سلام فياض رئاسة الوزراء من 2007-2012) والتي تم هندستها وفق سياسات النيوليبرالية الجديدة والبنك الدولي، وبما يتوافق مع متطلبات الرباعية الدولية للسلام الاقتصادي، ومرحلة الرئيس محمود عباس الذي لا يؤمن مطلقًا بالمقاومة المسلحة، وهو مسكون أكثر من اللازم بمرارة الخوف من الفشل والتفوق الإسرائيلي في علاقاته التاريخية مع الفلسطينيين.

ارتفعت في هذه الفترة الممتدة من 2005-2023 مستويات الدخل بشكل كبير في الضفة الغربية، لا يعود ذلك لسياسات السلطة الاقتصادية، ولكن لسياسات نتنياهو في السماح بعمل نحو 200 ألف عامل من الضفة في الداخل ضمن سياسة الاحتواء.

تم مقابل هذا الهدوء المجاني في الضفة خلال العقدين الماضيين، تقديمُ الضفة الغربية على طبق من ذهب للمستوطنين الذين أحكموا سيطرتهم التامة على الواقع المعاش في الضفة الغربية بكل تفاصيله، وزحفوا أكثر مما كانوا يحلمون، ولم يبقَ لهم من إجراء فعلي يقومون به لإكمال مشروعهم في الضفة سوى الإعلان الرسمي عن ضم الضفة الغربية، علمًا أن الضم الفعلي قد تم.

أسهمت هذه الفترة في تفكيك حاضنة المقاومة في الضفة الغربية، فلا الضفة قاومت بالسلاح، ولا قاومت شعبيًا، وكل شعارات المقاومة الشعبية لم تكن سوى وقفات تذكارية لالتقاط الصور، باستثناء بعض الفواعل الشعبيين الجادين محدودي التأثير؛ إذ إن للمقاومة الشعبية التي يتم ترديدها رسميًا قواعد واستحقاقات لم نرَ أيًا منها في الضفة الغربية طيلة العقدين الماضيين.

أمام كل ذلك، برز في السنوات الأخيرة جيل جديد متمرد يمتاز بشراسته ورفضه الواقعَ، ويحاول جسر الهوّة بين الأصيل والطارئ، محبًا للمقاومة، لكنه لا يمتلك الخبرات الكافية، يتصرف بعفوية ولا يمتلك إمكانات التسليح الجيد، فغالبية العمليات الجريئة في الضفة كانت فردية الطابع، وتتم بسلاح بدائي مصنّع محليًا يخذل صاحبه بعد عدة طلقات، فتكون النتائج متواضعة.

توصف المقاومة في الضفة بأنها لا راعيَ لها، صحيح أنَّ كثيرًا من المجموعات خاصة شمال الضفة الغربية تتلقّى دعمًا وتمويلًا من حركات المقاومة، لكن حركات المقاومة ما زالت عاجزة عن بناء بنية تحتية تراكم فعلًا للمقاومة في الضفة، لا سيما أنَّ سياسة جزّ العشب الإسرائيلية تستخدم قبضة حديدية مبالغ فيها، مقارنة بقدرات مقاومي الضفة؛ حتى لا تسمح لهم بالتراكم، بينما تحافظ السلطة الفلسطينية على التنسيق الأمني الذي يضمن لها بقاءها، وتعتبر هذه المجموعات مهددًا لسيطرتها.

يفاقم الحالة ضعفًا وهْنُ الحاضنة الشعبية الداعمة في الضفة وهشاشتها؛ نتيجة إعادة هندسة المجتمع في العقدين الماضيين، ما جعل العلاقة بين الضفة وغزة في هذه الحرب توصف بعلاقة الخِذلان، حيث لا يوجد وصف آخر يليق بهذه الحالة.

تقف المقاومة في الضفة الغربية وَفق هذه التحديات أمام سيناريوهات صعبة، فحالة الحيادية السلبية العامة والمقاومة العشوائية الضعيفة باتت غير مقنعة، لكن اللافت أنها تتطور باتجاه أن تكون متمرسة أمام تصميم جيل شاب على إحداث التحول؛ يساعد على ذلك طول أمد المعركة في قطاع غزة، وازدياد عنف المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة، والقرصنة في حجب أموال الضرائب الفلسطينية، ومنع دخول العمال، حيث لا يترك ذلك مجالًا سوى للانفجار.

سيغلق ملف الحرب على غزة في لحظة ما، عندها ستبدأ مرحلة الأسئلة الصعبة في الضفة الغربية وصراع المسارات، ومع عدم الخوض كثيرًا في ذلك، فإن التقديرات لا تشير إلى العودة إلى الاستقرار الذي تحاول القوى المختلفة إعادة ضبط الضفة حوله، يوجد شيء مختلف لا يحتاج إلى كثير ذكاء من أجل قراءته في جيل الشباب والتغيرات التي أحدثها "طوفان الأقصى" فيه.

سيفرض ذلك التحول نفسه بأشكال أكثر عنفًا، ولأن التاريخ وإن تشابهت أحداثه فإنها لا تتطابق فإنَّ نهاية هذين العقدين الهادئين في الضفة سيتمخض عنها حالة جديدة لا هي الانتفاضة الأولى ولا هي انتفاضة الأقصى الثانية، لكن تحديد ملامحها مرتبط بنتائج الحرب على غزّة.

سردية جديدة للمحتل وهرولة من مؤيدية قبل القيام بالتحقيق

 

سردية جديدة للمحتل وهرولة من مؤيدية قبل القيام بالتحقيق


بقلم رئيس التحرير

د.محمد السيد رمضان

نائب رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

أزمة جديدة يختلقها الاحتلال لقتل المزيد من أبناء قطاع غزة ، لم يكتفي القتلة بتدمير كافة مرافق القطاع وقتل أكثر من 26 الف من أبناءها وجرح أكثر من 60 الف جلهم اصابات خطيرة لم تجد لها علاج بعد تدمير كافة المستشفيات ونفاذ الادوية والمستلزمات الطبية ..لم يكتفوا بكل هاته الجرائم وحتي بعد قرار محكمة العدل الدولية والذي ادان الأفعال الاجرامية لهاته العصابة التي تجاوزت أفعالها كافة الخطوط الحمراء.. كان قرار المحكمة صادم لهؤلاء القتلة فارادوا ان يجيشوا المنافقين والمنبطحين من دول العالم لتايد سردية جديدة وهي ان بعص العاملين في منظمة غوث وتشغيل اللاجئين ( الاونروا) شاركوا في هجوم 7اكتوبر الماضي … هاته السردية الفجة وجدت مؤيدين لها فاعلنوا وقف المساعدات المقدمة للهيئة الدولية ليشاركوا الاحتلال في جريمة جديدة بعدما فشلوا في وقف المحاكمة ورد الدعوي أمام محكمة العدل بلاهاي.

فاعلان كل من امريكا وكندا وأستراليا وإيطاليا والنمسا ودول اخري حجب المساعدات المقدمة للهيئة ستكون له انعكاسات خطيرة علي الاوضاع المنهارة اصلا في القطاع نتيجة التدمير الناتج عن القصف المتواصل من الطائرات والمدفعية فأصبح أكثر من مليون ونصف المليون الذين توجهوا جنوبا يعانون من نقص حاد في المياة الصالحة للشرب وكذلك شح كبير في الغذاء ، ويجدر الاشارة ايضا الي تعنت قوات الاحتلال في منع دخول المساعدات بحجج واهية لقتل المزيد من أبناءه جوعا وعطشا .

لقد كان طوفان الاقصي كاشفا للمواقف الدولية فالذين تماهوا مع السردية التي روجها الاحتلال في اليوم الأول من قتل للنساء وقطع رؤوس الاطفال هم الان من يمارسون نفس الدور والترويج للرواية الجديدة !

لقد اصبحت غزة البقعة الصغيرة في العالم تشهد اسوء كارثة انسانية عرفتها البشرية فحجم الدمار فاق كل توقع وتجاوز ما حدث في دول كبري شاركت في الحرب العالية الثانية، ان ما يحدث الان هو إبادة بمعني الكلمة وانضمام دول تتغني بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان الي هاته الكارثة في غزة لهو دليلا جديدا علي بغض وكره الغرب لكل من هو عربي مسلم ويوكد ان لا حقوق ولا حريات مادامت تتعارض مع أهدافها الاستعمارية البغيضة.


أين دور العرب والمسلمين ؟

سؤال يبحث عن اجابة.. فمنذ 7 اكتوبر ولم يتحرك العرب والمسلمين كقيادات لتقديم الدعم الواجب لغزة ..فقد اكتفوا بمؤتمر باهت دون نتائج علي الأرض حتي أصبح اهل غزة يستصرخونهم ” وين العرب وين الحكام المسلمين ”
وحتي القضية التي رفعت ضد الاحتلال الصهيوني أمام محكمة العدل بلاهاي تكفلت بها دولة لا عربية ولا اسلامية ولا حتي لها حدود مع غزة …انها جنوب افريقيا !

فاين العرب؟

واين الشعوب ؟ …لقد ناديت لو اسمعت حيا ..لكن لاحياة لمن تنادي …بل شاركت دول منهم في ضرب القطاع بطائراتها وجيشت وسائلها الاعلامية لنعتهم بابشع الألفاظ كما منعت اي لافته او علم لمناصرة اهل غزة …
وعندما قرر الحوثيون منع اي سفينة تبحر في اتجاه مواني الاحتلال قامت دول اقليمة بمد الاحتلال بكافة احتياحاته عبر شاحنات ضخمة امر عبر اراضيها حتي الحدود مع الاردن لكي لا يشعر المحتل القاتل باي نقص في المواد الغذائية وعلي النقيض تمنع اي مساعدات عن المحاصرين من اهل غزة ويتم مساومتهم ايضا .
فإذا كانت الدول التي تمول الانوروا أوقفت اسهاماتها فلماذا لا يتم تعويض هاته الاسهامات من دول الخليج والدول الاسلامية ايضا ؟

فالإجابة ببساطة ان القرار السياسي يصنع في أمريكا وكافة الدول العربية ماهي إلا توابع للامريكان ينفذون ما يملي عليهم ولا يستطيع اي حاكم ان يخرج عن النص المكتوب له والا !!
لقد أعاد طوفان الاقصي الامل في الأمة رغم الألم… واصبحت الشعوب تعي أكثر من أي وقت مضي ان الطغم الحاكمة هي العائق الأول لتحرير القدس والمقدسات وهي ايضا السيف المسلط من الأعداء لقد الحريات استباحت الأعراض والمحرمات.
لقد علمت غزة باطفتاها وشبابها وشيبتها العالم اجمع ان الحقوق تنتزع ولا ينتظر من محتل غاصب قاتل ان يتنازل او يمن عليهم بحقوقهم المسلوبة منذ عقود رغم الثمن الباهظ الذي دفع ولا يزال يدفع الي الان

رد المفوض العام للوكالة الدولية فيليب لازاريني علي ادعاءات الاحتلال بكلمة واحدة..“صادم”
الجدير بالذكر ان الأونروا تساعد نحو ثلثي سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

وقال لازاريني في بيان “هذه القرارات تهدد العمل الإنساني الجاري حاليا في المنطقة خاصة في غزة”.

وأضاف “إنه لأمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على الادعاءات بدون تحقيق ضد مجموعة صغيرة من الموظفين“، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية التي “يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة”.

بعد قرار دول عدة بوقف تمويلها.. ما هي الأونروا وماذا تقدم للفلسطينيين؟

تعتبر وكالة الأونروا ملاذا للاجئين الفلسطينيين، وتقدم العون لهم لحين التوصل إلى حلول لمعاناتهم.

منذ بدء النزاع العربي-الإسرائيلي وحتى إقرار الهدنة في يناير/كانون الثاني 1949، اضطر أكثر من 760 ألف فلسطيني للفرار من منازلهم أمام تقدّم القوات اليهودية أو تم تهجيرهم وطردهم من منازلهم بالقوة، وقد لجأ معظم هؤلاء إلى دول مجاورة.

وهناك ما مجموعه 58 مخيماً للاجئين تعترف بها الوكالة الأممية، بينها 19 مخيّماً في الضفة الغربية، الأرض الفلسطينية التي تحتلّها إسرائيل عسكرياً منذ 50 عاماً.

وهناك أكثر من 5 ملايين و900 ألف لاجئ فلسطيني يعتمدون على المساعدات من الوكالة التي تأسست في الأصل لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وإيجاد فرص العمل لهم، ونجحت في تخفيف مصاب ملايين اللاجئين على مدار 7 عقود ونصف، وبلغت أحدث ميزانية لها 1.74 مليار دولار.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة في أغسطس/آب الماضي، فإنّ 63% من سكّان قطاع غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على المساعدات الدولية. ويعيش أكثر من 80% من السكان تحت خطّ الفقر.

ويضم القطاع الصغير الواقع بين إسرائيل والبحر المتوسط ومصر، ثمانية مخيّمات وحوالى 1,7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقاً للأمم المتحدة.
ويبلغ إجمالي عدد سكان غزة حوالى 2,4 مليون نسمة.

ومن بين موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزّعين على أكثر من 300 منشأة موجودة على مساحة 365 كيلومترا مربّعاً، وفقاً لموقع المنظمة على الإنترنت.

وتستفيد وكالة الأونروا من دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك الحكومات الإقليمية والاتحاد الأوروبي، وتمثل هذه المصادر أكثر من 93.28% من التبرعات المالية للوكالة.