الاثنين، 31 يوليو 2017

رؤساء النينجا وملوك العرب والكوتشينة وافتح يا أقصى أبوابك نحن الأطفال

رؤساء النينجا وملوك العرب والكوتشينة 
وافتح يا أقصى أبوابك نحن الأطفال

أحمد عمر


زعم الفرزدق أنّ الملك سلمان هو الذي فتح أبواب القدس ورفض مرور المسلمين في ذل الإلكترونات الحقيرة، وليس شعب القدس، وهذا ما عدّه الشعب العربي اغتصاباً وسرقة موصوفة، والملك بريء من التهمة، فهو يعتكف في هذه الأيام في طنجة المكرّمة للعبادة، فقد ناف عن الثمانين لا أبا لك يسأم.
 
أعادنا مشهد مظاهرات القدس الشريف إلى أيام الربيع العربي المغدور، فأنعم بها وأكرم. 

قرأت منشوراً ممتعاً لشيخ من القدس، أقصد رجلاً كَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ، يروي فيه باللهجة المقدسية وقائع يوم دحر الأبواب الإلكترونية، وهي بكل يد مضرجة تدقّ، من غير خيل ولا ركاب. ومن غنائم المنشور وأنفاله: أنّ شباب بيت المقدس كانت توزع الماء البارد، والثلج، والآيس كريم، ولو كانت في الشام، لقالت فضائية الدنيا إنها مخدرات، فمن يجرؤ على مواجهة الاحتلال إلا كل مخدر ومحشش، وربما قالت: إنها توزع ألفي شيكل لكل متظاهر.  وكانت الشباب – لها الغد ومجدها المخلد - توزع قبعات الظل، وعليها جمل وعبارات تمجد القدس وتثني على الصمود، وتنسبه إلى أهله. وأنهم لما بلغوا أسوار المسجد أذّن المؤذن، ولكثرة الناس، وبعد الشقّة، واختلاط الأمر على من لا يعرف شعائر الصلاة، صلّى كثيرون قبل تكبيرة الإحرام في يوم حطّة، وهو غير حطين، لكن له به نسب وقرابة. 

ولشدة الزحام صلّى مقدسي في سيارته، وعرف الناس بسجوده من زمور السيارة، فكلما سجد، مسّ جبينه بوق السيارة، فزمّرت من شدة الخشوع، ونَحَبَ المعدن أيما نحيب. ولو كان في السعودية التّقية الورعة لأقيم على الساجد الحدّ، وربما اتهم بالتبديع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في السجن. 

وأكبر الضلالات في البلاد العربية العلمانية، هي عدم طاعة ولي الأمر، وكلها دول علمانية، وهذا ما سنبرهن عليه في المقال القادم بإذن الله، ولا نعرف ما رأي لجنة الإفتاء في السعودية في التظاهر في القدس، أحلال أم حرام؟ وهل يحرم في مكة ما يحلّ في القدس؟ أم إن رب البيت غير رب الإبل والبعير. 

ونتنياهو من أهل الكتاب، وهو متغلب بالتصويت والديمقراطية الكافرة، إنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، التصويت لليهود فقط.

وكانت تغريدة للقرني أصلحه الله قد انتشرت، وهي تدعو للمعتصم، الذي تداعى لنجدة الأقصى، فإما أن القرني سمع بالخبر من فاسق بنبأ، أو أنه أراد أن يتألّف قلب الملك تشجيعاً وإغراء له على الخير، أما السديس فذكرني بعلي جمعة وأحمد حسون عندما سمّى سلمانا: خادم الحرمين الشريفين والأقصى الشريف (وخود نفس)!

الأقصى هو شقيق الحرمين، ومن يخدم الحرمين سيخدم الأقصى، ولو بشق تمرة أو بهاتف مع ايفانكا يطلب منها المدد. فهو الذي فتح الردة حسب الديوان الملكي السعودي، وليس نصري شمس الدين، ولا وردة في سهرة الحب. جاء خبر هذا النصر من غير موعدة، والشعب العربي جائع في خمسة بلدان عربية، ويتضور جوعاً للقمة وهو للكرامة أجوع. 

النساء في هذه الأيام تتنكر في زي الرجالة من أجل العمل، بعد أن استشهد أزواجهن، فإن لم يكن من أجل اللقمة فخوفاً من التحرش، والرجال يتنكرون في زي النساء من أجل الهرب والمرور من الحواجز، أو من الحرب، والرجال تبيع كلاها، وكان حاتم الطائي، وهو من أجواد العرب، وقد طبقت شهرته الآفاق، حتى ضرب به المثل، حتى فكّ النبي الكريم أسر ابنته إكراماً له، ومتّعها وسرّحها.

وكان المسلمون قد أغاروا على صنم طيء، قبيلة حاتم، واسمه الفلس، فاستاقوا السبي، وكانت فيهم بنت حاتم واسمها سفانة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك، وخلِّ عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومي، يفك العاني، ويعفو عن الجاني، ويحفظ الجار، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ويحمل الكَلَّ(الضعيف)، ويعين على نوائب الدهر، وما آتاه أحد بحاجة فردّه خائباً، أنا بنت حاتم الطائي. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقاً. ثم قال: خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق).

ثم قال: (ارحموا عزيز قوم ذلّ، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين جهّال).

وتقول سفانة بنت حاتم: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني، وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام أي إلى ديارها.

قال عديّ أخوها: فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة (مسافرة في هودج) تصوّب إليّ تؤمّنا. قال:
فقلت: ابنة حاتم؟ قال: فإذا هي هي. قال: فلمّا وقفت عليّ انسلحت تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقيّة والدك عورتك ورحلت للاستجمام في طنجة وأغادير. قال: أي أخيّة، ابني سفير في واشنطن. وقعتُ مثل غيري في حب ايفانكا فاعذريني، القلب يعشق كل جميل. 
"بيضل العاشق عقلاتو صغار" كما قال نصري شمس الدين.

المهم في حديثنا الفالت من عقاله من الظلم وغياب الكرامة، أنّ زميلاً معاصراً لعدي بن حاتم، وكان عديّ سيد قومه ويأخذ المرباع، وهو مثل الخمس عند الشيعة، فاق حاتما في كرمه، وعندما فكَّ أسر ايفانكا، وسرّحها بعد أن أعطاها مائة مليون دولار تستعين بها على قضاء حوائجها، وقال: خلّوا عنها، فإن أباها ترامب يعلّم مساوئ الأخلاق. وكان قد بدأ ولايته الكريمة بمنع رعايا سبع دول مسلمة من دخول أمريكا، ومتّع أباها بخمسمائة مليار دولار، كي يمنحه الموافقة على غزو جارته قطر وحصارها. فهذا لعمري كرم لم ينل شرفه حتى حاتم الطائي.

وتقول أخبار من زوّدنا ومن لم نزود: إن للملوك الخمسة الذين نسب لهم فضل فتح أبواب القدس للصلاة، فضلاً في حصار المسجد، لولا أن جيش الحصار اليهودي لم يتحمل، لأنه جيش رقيق الحاشية، سريع الإفاقة، سريع الهراقة.

وزعم الفرزدق أيضاً أنه بعد قتل الصبي الأردني، اتصل نتنياهو بالمعتصم الأردني، ليعتذر عن قتل الصبي، فأغلق الملك الهاتف في وجهه، وأخشى أن داء الإعلام المصري، وهو العكشنة قد بلغ الأردن. وقد نسمع أن نتنياهو معتقل في الأردن، وربما يموت تحت التعذيب مثل قائد الأسطول السادس.

ونسبت مواقع مصرية شرف فتح أبواب القدس وإزالة الأبواب الإلكترونية وبأس الكاميرات المراقبة إلى السيسي، الذي ناجى مرتين إسرائيل همساً ورقةً: من فضلكم بلاش كده. ويقال: إنه هدّدهم هاتفياً: افتحوا الأبواب وإلا أحضرتك لكم سيخاً من كفتة عبد العاطي، أوله عندي وأخره في منابت الزيتون.

والمعلوم للقاصي في الأقصى والداني في مكة المكرمة، أنّ الملك السعودي أصلحه الله، يعتكف حالياً في طنجة وأغادير للعبادة، ولا أعرف ما الحكم الشرعي في الاستجمام، وأبواب الأقصى مغلقة، وأبواب الحرم أيضاً دونها عوائق في وجه الشعب القطري، وفي وجوه جميع المسلمين.

والحق، إني لا أطالب الملوك العرب بوقفة عزّ في وجه المحتلين، وهم من كل حدب ينسلون، من إيران ومن تل أبيب ومن أمريكا ومن روسيا.. ولا أطالبهم بجملة عربية، تامة المعنى، سليمة من اللحن، وإنما أدعو لهم بالسترة من أرذل العمر.

وقد يعذرهم رعاياهم، فالصيدلية العالمية لم تخترع بعد فياغرا الكرامة، والإعلام الرسمي ينصب لهم رايات النصر الزرقاء على رزّ الهزائم البيضاء.


المشروع الصهيوني.. واللاهوت البروستانتي



المشروع الصهيوني.. واللاهوت البروستانتي

د / محمد عمارة
الكيان الصهيوني القائم على أرض فلسطين هو مشروع غربي يحقق عقيدة دينية -أسطورية- تبلورت في اللاهوت البروتستانتي الغربي، تقول بأن عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة سعيدة مرهون بحشر اليهود في فلسطين وإقامة دولة صهيون، وهدم المسجد الأقصى ليقوم على أنقاضه الهيكل الثالث لليهود -شعب الله المختار!-.

ولقد التقت هذه العقيدة اللاهوتية بمصالح الإمبريالية الغربية في إقامة كيان مزروع في قلب الوطن العربي، يقطع وحدة أرضه، ويكون بمثابة قاعدة غربية -حضارية وعسكرية- لإجهاض نهضة الأمة العربية، ومنع تحررها وتقدمها..

وبعد تبلور هذا "المشروع الديني الإمبريالي" تم "تسويقه" في الأوساط اليهودية، فانعقدت الشراكة من أجل تنفيذه بين المسيحية الصهيونية الغربية الحاكمة لفكر المؤسسات الإمبريالية الغربية وبين الحركة الصهيونية الحديثة..
ولعل في وقائع التاريخ البراهين الساطعة على صدق هذا الذي نقول، فـ :
1- في أمريكا -على سبيل المثال- بلغت الكتب التي نشرت عن "المسيحية الصهيونية"-ما بين سنة 1800 أو 1875- حوالي ألفي كتاب!.
2- وفى سنة 1866 م أرسلت البروتستانتية الأمريكية أولى بعثات الاستيطان اليهودي في فلسطين، يقودها القس "آدم"، ومعه 150 قسيسا أمريكيا!.. وفى العام التالي -سنة 1867- قامت على أرض فلسطين أولى المستوطنات، بمشاركة 70 شخصية دينية من المسيحيين الصهاينة الأمريكان!..
3- وفى سنة 1918 م أعلن الرئيس الأمريكي "وليسون ( 1856 - 1924م) التزام أمريكا بتنفيذ وعد بلفور.. ثم صادقت عليه رسميا 1922.. وقرر مجلس النواب الأمريكي "ضرورة منح اليهود الفرصة التي حُرموا منها لإعادة إقامة حياة يهودية وثقافية في الأرض اليهودية القديمة"!..
4- وفى سنة 1948م كانت أمريكا أول دولة اعترفت بقيام إسرائيل.. وإبان الحرب الصهيونية العربية، التي اندلعت في ذات العام.. دعمت أمريكا والغرب التفوق الصهيوني.. ومكنت العصابات الصهيونية من تدمير 538 قرية فلسطينية، وطرد سكانها، والاستيلاء على أرضها.. -كذلك- على الأملاك الأميرية، وعلى أملاك الأوقاف.. ليقوم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين!.
5- وفى 5 يونيو سنة 1967 دعمت أمريكا إسرائيل في الحرب التي استولت فيها على كل فلسطين.. وعلى سيناء والجولان.. كما دعمتها سنة 1982م في الحرب التي استولت فيها على جنوب لبنان.
6- وفى 24 أكتوبر 1995 م قرر الكونجرس الأمريكي "اختيار القدس" عاصمة أبدية لإسرائيل، لأنها بنظره "الوطن الروحي لليهودية"!.. وجدد هذا القرار في سبتمبر 2002 م.. ووقع عليه الرئيس بوش الابن.. وشرعت أمريكا بناء سفارتها بالقدس على أرض مملوكة -في الأصل- للأوقاف الخيرية الإسلامية !.
7- وفى 14 إبريل سنة 2004م أعطى الرئيس بوش لشارون "رسالة الضمانات" ببقاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية جزءًا من إسرائيل! إذ نصت هذا الضمانات -التي حاكت وعد "بلفور"- على "أن الحقائق على الأرض ستؤخذ بعين الاعتبار في المرحلة النهائية في التسوية" -أي بقاء الواقع على الأرض- الذي ابتلع كل الأرض!!..

ومع هذه الحقائق -التي أشرنا إلى طرف منها- عن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل -يعلق كثير من النخبة العربية والإسلامية كل آمالهم في التسوية على أمريكا!. وكأن شعارهم ولسان حالهم يقول ـ دونما وعى أو حتى قراءة لحقائق التاريخ ـ : "أشكو منك إليك"!

الأحد، 30 يوليو 2017

فوبيا تدويل الحج

فوبيا تدويل الحج

 وائل قنديل
لم نسمع أو نقرأ أن قطر طلبت تدويل الحج والمشاعر المقدسة.. فقط سمعنا وتابعنا وزير الخارجية السعودي يقود أوركسترا رباعي الحصار، ليعزفوا لحناً، جديداً، رديء الإيقاع، يتوعد الدوحة بالحرب، ويصرخ، في هيستيريا، بأن المطالبة بتدويل المشاعر المقدسة بمثابة إعلان حرب، وأن السعودية تحتفظ بحق الرد.

لم يتغير منهجهم، على الرغم من أنه ثبت فشله، وبانت فضائحه: أن تصطنع كذبة، ثم تتعامل باعتبارها يقيناً، ثم تبني عليها مواقف، أو أن تأتي بفعلٍ مشين، وتلصقه بغيرك، ثم تسوّغ لنفسك اتخاذ رد الفعل.

هذا ما جرى في جريمة قرصنة وكالة الأنباء القطرية، قبل أكثر من شهرين، إذ نسبوا إلى قطر تصريحاتٍ ومواقف لم تصدر عنها، ثم تحدّثوا بخيلاء سفيهة عن حق الرد، وشنوا عدواناً شاملاً، ضد القطريين وجاليات عربية، تحت مظلة مهترئة تدعي الدفاع عن النفس، ثم حين انكشفت الجريمة الأم، ووقفوا عراةً أمام العالم، قرّروا افتعال حربٍ أخرى، لا تقل همجية، وضعوا لها عنواناً زائفاً: تدويل المشاعر المقدسة.

إنهم، مثل عبد الفتاح السيسي، يريدون صناعة "فوبيا" يحبسون شعوبهم داخل مراجلها التي تغلي بالخوف والقلق والرعب من شبح سقوط الدولة، يستحدثون "فوبيا الحج والمقدّسات" لابتزاز مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، من خلال ترويج عدوٍّ لا وجود له إلا في خيالهم المعتل، يهدّد الكعبة، ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فلتحتشد الأمة خلف القيادة الحكيمة التي إن سقطت سيسقط الإسلام، وإن اهتزّت عروشها، سوف تهتز العقيدة، وينهار الإيمان.

أبرهة على الأبواب، هكذا يتصايحون في أداء تمثيلي ركيك، ويحشدون المجاميع والكومبارس للمعركة الكبرى في العرض الدرامي المثير: أنقذوا الإسلام.

لم تطلب قطر أكثر من ألا يتم تسييس موسم الحج، وألا تتحوّل عبادة الله إلى عقوبة يفرضها خلق الله على خلق الله، ولم تتطرّق، من قريب أو بعيد، لوصاية السعودية على المشاعر المقدّسة، فقط أرادت معاملةً محترمةً لمواطنيها الراغبين في أداء الفريضة، فوجدت نفسها، 
فجأة، متهمة بمعاداة الحرمين الشريفين.

لا يتوقف أحدٌ من فرسان معركة الحرمين، تلك المعركة المزيفة، ليسأل نفسه: كيف تريد من قطر، في المساء، أن تكون علمانيةً، لا دينية، مثلها مثل "رباعي اعتدال"، ثم في الصباح يطلق نفير الحرب ضد الهجمة القطرية على الدين والمقدسات؟!
هل قطر ضد الإسلام، أم متمرّدة على علمانية الرباعي المرح؟
لا تجد إجابة، لكنك تجد في دفتر العبث أشكالاً من الدونيّة الحضارية والثقافية، لدى أنظمة الحصار، تدفعهم إلى اتخاذ مواقف بهلوانية، تتجلى فيها عقدة "الـ ونصف"، فإذا كان الغرب علمانياً، فهم علمانيون ونصف، ولو هناك ميل إلى الخلط بين المقاومة والإرهاب، أو بين المعارضة والتطرّف، فهم خلاطون ونصف، ولو أن الغرب يدلل إسرائيل، فهم يزايدون ويتفوقون في تدليلها.
يعتمد هؤلاء على جيش من الكذّابين الاستراتيجيين، والمطبلين الذين يبدلون مواقعهم ومواقفهم برشاقة، فلا تعدم، على سبيل المثال، شخصاً مثل مصطفى بكري، يسبغ على خادم الحرمين الشريفين، عبد الله ثم سلمان، صفات الزعامة الناصرية، ولا مانع من أن يجعله إماماً للاشتراكية، ويرتدي مسوح الحرب ضد قطر، جندياً في فيلق حماية المقدّسات من أي نسمة هواء تمر بالدوحة، وهو الذي قضى نصف سنوات عمره في الصحافة، يقود حملات تطالب بتدويل الحرمين الشريفين، ونزع ولاية السعودية عليهما.
يمكن لعادل الجبير وشلة أصحابه أن يعودوا إلى أرشيف صحيفة "مصر الفتاة" الحزبية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ليعلموا من يطالب بتدويل الحج، ومن يتربّص بالمشاعر المقدّسة، ومن يتاجر بالعبادة في سوق السياسة، ومن يتفنن في صناعة حروبٍ وهميةٍ للابتزاز واقتياد الجماهير إلى أفران  الفزع من أشباح المؤامرة الخارجية.

كيف افتتحنا بالبندقية وانتصرنا بالصلاة؟



كيف افتتحنا بالبندقية وانتصرنا بالصلاة؟


ساري عرابي 
ليلة الجمعة الماضية؛ 28 تموز/ يوليو كَسَرت إرادةُ المصلّين على باب الأسباط (الأسود) إرادة العدوّ المدجّج بالدبابة والجنود. أزال العدوّ كل إجراءاته التي اعتدى بها على المسجد الأقصى بعد يوم 14 تموز، وحاول بها التمهيد لسيطرة له كاملة على المسجد. بعد ذلك ورغمًا عن العدوّ، وفي مشهد وكأنه تمهيد لوم الفتح الأكبر، دخل المقدسيون المسجد الأقصى من باب حطّة.

بعد 14 تموز، كل الفلسطينيين التصقت أكفُّهم بقلوبهم، حشية على مسجدهم المقدس، ولكنّ العدوّ الخبير بالشعب الحامي للمسجد الأقصى، أدرك أنه اقترف حماقة كبرى، وأنّ سعيه كلّه الذي حثّ فيه حثًّا شديدًا في السنوات الأخيرة لتذليل قباب المسجد في طريق دبّابة التهويد، وأنّ تمهيده وبسطه مع بعض من حكّام العرب لكسر هيبة المسجد على الطريق إلى الصفقة الآثمة الكبرى؛ قد تحطّم على ظهر ساجد بباب الأسباط، ليُجدّد الفلسطينيون رسميًّا إعلانهم عن فاتحة الزمن الجديد.

بدأت الحكاية بعملية الفدائيين الثلاثة الذين يحمل كلٌّ منهم اسم "محمّد جبّارين"، في رسالة من القدر الذي حملهم على ذراعه من مدينة أم الفحم في الداخل المحتل إلى مدينة القدس. من التقط الأسماء وطبيعة العملية ومكانها وتوابعها، أدرك أنها فاتحة كبرى قد ضمّنها حامل المقاتلين الثلاثة رسائله. تلك الرسائل التي كُتبت برَكعات المرابطين على بوابات المسجد المقدّس.

جمعت بندقية الجبّارين الثلاثة المقدسيين على بوابات المسجد، وأخذت حشودهم في الاتساع، وعنادهم في الازدياد، وثباتهم في التجذر، كانت البندقية الصمغ السرّي الذي سوّى صفوفهم في طرقات المدينة وعلى بوابات المسجد، وكانت الفاتحة لواحدة من أعظم رسائل الحكاية الفلسطينية الكبرى، ولن تكون معركة إزالة البوابات الإلكترونية عن مداخل المسجد، وإزالة الكاميرات وأعمدتها وجسورها الحديدية، وفتح باب حطّة؛ إلا رافعة راسخة للفلسطينيين أولاً ومن خلفهم من عرب ومسلمين ثانيًا في تالي الأيام.

المقدسيون كانوا المركز، أو لبّ الفلسطينيين، الذين وحدهم يمكنهم أن يفعّلوا وظيفة الأقصى رافعة للأمة، وبهذا كانت عملية عمر العبد في مستوطنة حلميش، وبدء المواجهات في الضفة
لم تنبت أجساد المصلين المسوّرين لروحهم الكليّة المتجسدة في المسجد من عدم الزمان، وإنما اتّصلت بالكفاح العميق، غير الصاخب، منذ أربع سنوات، منذ تلك الهبّة التي بدأت مع أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل، وحرق الطفل محمد أبو خضير في القدس، والملحمة الكبرى في حرب "العصف المأكول" في غزة في 2014. لم يكن هذا الشعب إلا شعبًا واحدًا، ولم يكن كفاحه في حلقاته الثلاث الأخيرة في الخليل والقدس وغزّة إلا سلسلة متّصلة من الكفاح الوثيق.

في القلب كان المسجد الأقصى، ففي الأعوام الأربعة الأخيرة، بدا أن العدوّ شديد العجلة لفرض واقع تهويديّ ما فيه، وقد كان المسجد العقبة الكبرى دائمًا في طريق تصفية القضية الفلسطينية، ومنذ صعود الثورة المضادّة المدوّي في العالم العربي، أخذت النشوة بعقل العدوّ الذي توهّم أن الفرصة الآن باتت مواتية.

القوى العربية المجتمعية العميقة الأكثر ارتباطًا بفلسطين والمسجد الأقصى إما مقصاة في ظرف استئصال واجتثاث على يد الثورة المضادة، أو تستغرقها الصراعات والحروب الأهلية، والعدوّ يتمدد قويًّا مهيمنًا سيّدًا مطاعًا في غرف الحكم في بعض أهم العواصم العربية في المشرق، وعلى نحو غير مسبوق، وقد اطمأن إلى أن غزّة قد انشغلت بمأساتها الإنسانية، والضفّة قد دُجّنت، ولم يبق إلا إعلان الانتصار على المسجد، ولكن للحظة، وفي قليل من ليالي الرباط في القدس، وفي ستار مبارك من ليل الحادي والعشرين من تموز، في قلب مستوطنة حلميش علم العدوّ أن أمانيه أقرب للسراب، وأن كل ما بناه قلعة من قشّ!

اتصلت ليالي تموز المباركة وجمعه العظيمة بمثيلاتها في تموز 2014، ثم بالدفقة الثانية منها في العام 2015، ببندقية مقاتلي بيت فوريك (إيتمار) وبسكين مهند الحلبي. التشابه الشديد بين الحلقات الثلاث، لاسيما بين ما افتتحه المقاتلون في عملية بيت فوريك (إيتمار) في الأول من تشرين أول/ أكتوبر وعملية مهنّد الحلبي في الشهر نفسه، وبين الحلقة الأخيرة، لا يخلو من دلالة.

في ذلك كلّه كانت الطريق تقترب من المسجد أكثر، حتى كانت عملية الجبارين الثلاثة هذه المرّة في المسجد نفسه، تحمل رسالة تخصّ المسجد، والمعركة المباشرة على قضية متعلقة به وحده، أي إزالة عدوان العدوّ المستجدّ عليه، وكسر إرادته في السيطرة عليه.

والحقّ في ذلك كله، أن ملحمة غزّة في العام 2014، أعادت طرح الأسئلة على الفلسطينيين في كل مكان؛ عن دورهم، ووجابهم ووظيفتهم، وقد تأكد أن الفلسطيني يمكنه أن يستنبت القوّة من صحراء العدم، وأن يمرّغ كرامة المصفّحة في تراب غزّة، هذه الرافعة التي خلقتها حرب غزّة، لم تظهر على شكل شعار، وإنما في سلسلة متصلة من حلقات الكفاح في الضفة والقدس.

كانت هذه المعركة مهمّة جدًّا على صعيد كبح جهود العدوّ الساعية لتهويد المسجد، وضربة قويّة لجهود التطبيع التي تشتغل عليها دول عربية باتت معروفة اليوم
يمكن القول إن الفلسطينيين، يتصدّرهم المقدسيون هذه المرّة، وبانتصارهم في إزالة عدوان الاحتلال المستجدّ على المسجد، وكسر إرادته، وإثبات إمكان كسر إرادته بمحض الصمود والعناد، وبالإضافة للإنجاز الماديّ الفعليّ الملموس بتحقيق إرادتهم، قد بلّغوا ما يلي:

أولاً- سلاحنا الأمضى هو الصمود، وهو سبيلنا الوحيد المصاحب لنا، وأن افتقارنا لما يعزّزه في بعض الأوقات لا يعني التخلّي عنه، وفي معركة طويلة مفتوحة سيثمر.

ثانيًا- الكفاح حلقات متصلة، غير منفصلة، سواء كفاح الشعب المتفرّق في الزمان والمكان، أو أشكال الكفاح ما بين المسلّح والشعبيّ، وما هذا الإنجاز إلا تتويج لسلسلة من الكفاح بدأت في 2014، وما انتصار الرباط بالصلاة إلا ثمرة لبندقية الجبّارين الثلاثة.

ثالثًا- إمكانية تطوير أدوات النضال في ظل التغيرات العميقة التي طرأت على الاجتماع والسياسة في المشهد الفلسطيني، فنضال محلّيّ مكثّف على قضية واضحة يمكن حشد النّاس عليه، يمكن الاستفادة من تجربته لتطويره في بقية الساحات الفلسطينية.

رابعًا- الوحدة التي تحققت خلف مرابطي القدس، أساسها وحدة المقدسيين أنفسهم على قضية جامعة هي قضية المسجد الأقصى، ووحدتهم في الميدان، ووحدتهم في الصلاة بعد أن حوّلوها أداة للنضال، فلم يكن ثمّة أيّ فذلكة إيديولوجية تافهة تعترض على رمز القضية الذي هو الأقصى، أو على أداة النضال.

خامسًا- المقدسيون كانوا المركز، أو لبّ الفلسطينيين، الذين وحدهم يمكنهم أن يفعّلوا وظيفة الأقصى رافعة للأمة، وبهذا كانت عملية عمر العبد في مستوطنة حلميش، وبدء المواجهات في الضفة، والخشية من تمدد القصية إلى الساحات العربية والإسلامية، حاسمة في المعركة.

وأخيرًا، يمكن القول، كانت هذه المعركة مهمّة جدًّا على صعيد كبح جهود العدوّ الساعية لتهويد المسجد، وضربة قويّة لجهود التطبيع التي تشتغل عليها دول عربية باتت معروفة اليوم. كل ذلك ببندقية بدائية وأجساد مصلّين وسكين مسنون!

عاصفة الأقصى...ودرسُها الأقسى...

عاصفة الأقصى...ودرسُها الأقسى...

د.عبدالعزيز كامل
الانتصار الذي حققه المقدسيون مؤخرًا في معركة البوابات والكاميرات – بالرغم من أنه لم يتعد حدود العودة للوضع السيئ بعد طروء الوضع الأسوأ على المسجد الأقصى - يُسجَل للمقدسيين الفلسطينيين فيه فخار الوقوف وحدهم في وجه آلة الطغيان اليهودي الجبارة، كما يسجل على الأنظمة العربية عار تكرار الفرار من ميدان معركة الأمة ضد أعدائها الحقيقيين في فلسطين ؛ إلى معارك أخرى هامشية وفرعية ضد أعداء وهميين أو مختلقين ، برغم استمرار ضياع القدس وأسر الأقصى..

والعجيب أن تلك الأنظمة لا تمل من استثمار المصائب الواقعة على الأمة في فلسطين وغيرها، فالانتفاضات والهبات الفلسطينية التي كانت غالبا ردود فعل عزلاء على جبروت اليهود المتكبرين الأذلاء؛ كانت تجد دائمًا من زعماء العرب المزعومين من يتاجر بها، ويتصنع البطولة في دعمها والوقوف وراءها، في الوقت الذي يبذلون فيه قصارى جهدهم لاحتوائها والالتفاف الماكر عليها، لإنقاذ اليهود من تطورها وامتداد أمدها كلما تجاوبت وتفاعلت جماهير المسلمين معها..

لكن.. وبعد إدمان الفشل طوال ما كان يسمى بـ (الصراع العربي الإسرائيلي) وبعد مرور مئة عام على احتلال نصارى الإنجليز لفلسطين عام 1917؛ ومضى نحو سبعين عامًا على تسليمهم إياها لليهود عام 1947، وانقضاء خمسين عامًا على سقوط القدس بأيديهم عام 1967 ؛ لم يعد تحرير الأرض المقدسة ولا تخليص المسجد الاقصى بحاجة الى فورات وتظاهرات وقتية عارضة ؛ سرعان ما تنطفئ جذوتها وتنتهي صلاحيتها، بعد انفضاض الناس عن انتفاضتها، ولم يعد لبيانات الشجب والاستنكار والتنديد والوعيد أي احترام بعد أن أصبح - حتى العوام - يشجبونها ويستنكرون وينددون بصدورها ممن لا يقدر على التأثير في مجريات الأحداث بها..

لم تعد ردود الأفعال الموقوتة في زمانها ومكانها كافية للخلاص ولا شافية للصدور، ما لم يصحح المسلمون الصادقون في العالم بصورة جذرية مسار المسيرة المتجهة نحو النصر المنشود لاسترداد القدس والأقصى المفقود وغيره مما بِيع وضُـيع من المقدسات والمقدرات والحُرمات؛ بأن يضبطوا خُطاهم على منهاج الحق المبين ، ويربطوا خطط جماعاتهم بوثاق الاعتصام بحبل الله المتين. فالنصر الذي وعَد الله به مَنْ نَصَره ؛ له أهْلٌ هم للنصر أهْل ، وقد عُرفوا في شريعتنا بـ (الطائفة المنصورة) فاشتُق لهم من النصر اسمًا، لأنهم يمثلون طائفة من الأمة وُعدت بالنصر لحملها لمؤهلات ذلك النصر، وقد دلت نصوص السُّنة على أن تلك الطائفة تتجمع ، ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس؛ كلما أفسد اليهود وعلوا علوًا كبيرًا ، وكذلك فيما حوله من أراض النبوات والنبوءات ..

والحقيقة التي لا جدال فيها أن تلك الطائفة التي تواترت الأحاديث بوجودها وحتمية نصرها؛ مهما كان مقدار مخالفتها وخذلانها.. لم تعطها تجمعات ولا جماعات ولا هيئات المسلمين في الشام وما حولها لليوم الجهد الجدير بها، ولا التحري العملي الواجب لخصائصها، من حيث تحقيق مواصفاتها وتطبيق مؤهلاتها شرعًا...بدلًا من التغني بأحقية تمثيلها واقعًا ، أو التمني لحتمية ظهورها قدرًا...!!
دلوني... مَنْ مِنْ جماعات المسلمين اليوم – دعك من مجتمعاتهم وحكومات دولهم – تتطابق مواصفاتها مع خصائص تلك الطائفة؛ التي تواترت الأحاديث المصرحة بنصرها للحق كله، بما يمكنها من نصر الله لها على معسكر الأعداء كله.. 
وذلك في الحديث المروي بإسناد صحيح في مسند الإمام أحمد برقم (22320) والطبراني في الكبير برقم (7643) ؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( لاتزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).. 
غياب مواصفات تلك الطائفة - التي تواترت بشأنها الأحاديث - على الوجه المرجو.. هو أفصح إجابة... وأوضح تفسير؛ لأوضاع التردي التي تحياها أمتنا في مخاضها العسير..!

السبت، 29 يوليو 2017

الينايروفوبيا

الينايروفوبيا

وائل قنديل

يعرف عبد الفتاح السيسي جيداً أنه لا يوجد خطر خارجي على مصر، ويدرك يقيناً أن أحداً لا يتربص بها، لكنه يفهم جيداً أنه لن يكون مستقراً في حكمه لو كفر المصريون بهلاوس المؤامرة الكونية، وتمردوا على تعاويذ الفزع وتعاليم الوطنية الملوثة.
لا يعاني السيسي من فوبيا تدخل خارجي لإسقاط الدولة، لكنه يعاني من كل أمراض الكراهية لثورة يناير، هي بالنسبة له الفوبيا والرهاب والهذيان، إذ يعتبرها العدو والخطر الوحيد، الذي يشحن الناس بالخوف منه والكراهية والعداء له.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يربط فيها السيسي بين سقوط الدولة وبين ثورة يناير، فالثابت أن مشروعه كله قائم على اقتلاع ثورة يناير من جذورها، حتى وإن تملقها واستعملها، إلى حين، وقد عبر عن كراهيته العميقة وغله تجاهها في أكثر من مناسبة، منذ أحكم قبضته على السلطة.
لكنه في 2017 يبدو أكثر وضوحاً في التعبير عن مخزون حقده عليها، ورعبه منها، إذ استبق ذكرى الخامس والعشرين من يناير بتصريحات يمعن بها في تحريض الشعب على الثورة، باعتبارها مصدر الشرور ومنبع الأخطار، فقال نصاً: "في جهود اتعملت للإيقاع بين الشرطة والجيش في 2011.. وبين الشرطة والشعب في 2011، وبين الجيش والشعب في 2011".
وبالأمس يطور السيسي من شحن الجماهير ضد الثورة، حين يذكرها في سياق واحد مع فوبيا إسقاط مصر، غير أنه ينتقل من توصيفها مؤامرة للوقيعة بين الجيش والشرطة والشعب، إلى اعتبارها محاولة لإشعال حرب الشعب ضد الشعب، وصناعة احتراب مجتمعي، هو وحده، بانقلابه، الذي أفشله، وعلى ذلك فوجوده بالحكم يعني وجود الدولة، وذهابه عن السلطة يعني ضياع الوطن وإسقاطه.
هذه" الينايروفوبيا" تجعلنا نطمئن على أن ثورة المصريين لم تمت، ولا تزال مخيفة ومزعجة لمن يناصبونها العداء، فأن تكون كراهية السيسي مستمرة، فهذا يعني أن الثورة مستمرة، وقادرة على لملمة جراحها والنهوض من تعثرها وانكفائها، وأنها تبقى حيةً، قضيةً وحلماً وهماً، في وجدان أصحابها، كما القدس والأقصى داخل الوجدان الفلسطيني والعربي، تخفت أحياناً في دوائر الاهتمام العربي، حتى نتخيل أنها تراجعت ولم تعد قضية العرب الأولى، حتى يأتي حدث يؤجج الحلم في القلوب والغضب في الصدور، فتهتز الأرض تحت أقدام الغزاة والطغاة.
وأكرر أن ما بين الاحتلال والانقلاب ملامح مشتركة كثيرة، ومرتكزات وأسس أكثر، فكلاهما يكره حراك الجماهير، بوصفه طريقاً للتحرير عند الاحتلال، وسبيلاً للتغيير عند الطغيان والاستبداد، لذا من الطبيعي أن  تكره هذه السلطة المقاومة، كل مقاومة، تكره كل من يقاوم، سواء في غزة، أو في طرة و"أبو زعبل" أو أي معتقل آخر، وتطلق عليه فرق "القناصة" و"النهاشة" لتشرب من دمه، رافعة شعار: لا وقت للإنسانية وحقوق الإنسان، والحريات، ولا رحمة مع هؤلاء "الأعداء" الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، والثوار الذين يقاومون الانقلاب. 
لا تختلف تفاصيل مشروع الاستيطان وتهويد المقدسات في فلسطين، وعمليات "أسرلة" التاريخ والجغرافيا في الأراضي المحتلة، عن سياسات الإبعاد والإقصاء، والمحو التام لعلامات ثورة 25 يناير المصرية، التي تقوم بها دولة الثلاثين من يونيو/ حزيران في مصر.
في وسط هيستيريا الخوف من يناير يتم استدعاء اسم أحد كارهيها الاستراتيجيين مرة أخرى، جنرال الإمارات الآخر أحمد شفيق، منافساً للسيسي في العرض القادم من مسرحية الانتخابات الرئاسية، والواقع أن لا تناقض يذكر بين اثنين ينتميان للدولة العسكرية، وينتميان على نحو أعمق للمشيئة الإماراتية المتحكمة في السلطة المصرية، ويؤمنان أن هذا الشعب قد خلق ليُحكم "بضم ياء المضارع المبني للمجهول"، وليس ليَحكم، بفتح الياء، ولا يتصور أحدهما، أو يتحمل، أن يرى وجهاً مدنياً يأتي من هذا الشعب، ليعتلي حكم البلاد.
وعلى ذلك، فإن افتراض تناقض جوهري بين الجنرالين هو في أحد وجوهه استمرار للعبة الخداع الذاتي، وفي وجه آخر نوع من أنواع الاستجارة من الرمضاء بالنار، والمعنى الوحيد لطرح اسمه مجدداً هو الإمعان في محاولة قهر وإذلال جمهور ثورة يناير، من خلال غلق الدائرة على اثنين من خصومها الألداء، وادعاء حالة تنافس وهمي بينهما.
دامت لنا يناير نسمة تخفف عنا هجير الاستبداد، ودامت فوبيا الطغاة منها.

أنت الذي فتحت الأقصى

أنت الذي فتحت الأقصى
                              الغضب الساطع إذ يرفع العلم                   


وائل قنديل

لماذا يصرّ حكام العرب على بيع روايةٍ كاذبةٍ تقول إن جهودهم واتصالاتهم السفلية، وتفاهماتهم السرية، هي التي أجبرت إسرائيل على فك حصارها الشامل عن المسجد الأقصى؟
أزعم أن المسألة ليست محاولةً لركوب أمواج الأقصى، لإثبات وجود، أو تثبيت مكانة، أو خطف دور من أدوار البطولة الزائفة، ذلك أن قضية الأقصى لديهم من الأشياء الهامشية التي لا تمثل شيئاً إذا ما وضعت أمام مسألة توريث العرش، مثلاً، أو التسابق على مصافحة دونالد ترامب، أو التقاط صورة سيلفي مع إيفانكا.
ليس الأقصى معركة كبيرة بالنسبة لهم، فمعاركهم أكبر من ذلك بكثير: من نوعية حرمان قطر من استضافة كأس العالم 2022، أو ممارسة كل أنواع الضغوط على المجتمع الدولي، لإدراج حركات المقاومة العربية على لائحة الإرهاب، أو القتال ضد وسائل إعلام عربية، يعتبرونها معادية.
لماذا إذن تتجدّد لوثة الزعم إن هذا الزعيم أو ذاك، من الدول العربية المتحرّقة شوقاً للدخول في علاقات تطبيع دافئ مع إسرائيل، هو الذي فتح الأقصى؟
القصة باختصار أنهم جميعاً يكرهون الجماهير، ويحاربون منذ العام 2011 على كل الجبهات لقتل فرضية الفعل الجماهيري، القادر على تغيير الواقع السياسي والجغرافي في المنطقة، أو بالأحرى هم لا يتحمّلون أن يقال إن غضباً جماهيرياً حاشداً، في محيط الأقصى، وفي المدن والبلدات الفلسطينية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي العربية والعالمية، أجبر الكيان الصهيوني على التراجع عن القرارات الهمجية غير المسبوقة، خوفاً من امتداد ألسنة الغضب النبيل، على نحوٍ يهدّد بانتفاضةٍ شعبية، لا فضل لحركات سياسية منظمة فيها، تهدّد عمق الاحتلال، وتعرّي عروشاً عربية تستمرئ الانحناء أمام ما تريده تل أبيب.
لقد أنفقت إسرائيل والسعودية والإمارات عشرات مليارات الدولارات، من أجل إعلان نهاية موت الجماهير، فذلك الذي جرى في مصر، وامتد إلى ليبيا وسورية واليمن، كان الهدف منه قتل إيمان الجماهير بالقدرة على الفعل والتغيير والتحرّر، هذا الإيمان الذي أضاء داخل الذات العربية المسحوقة، مع اندلاع الربيع العربي وسريانه في أوصال الشعوب من تونس إلى القاهرة وصنعاء ودمشق وطرابلس والمنامة.
من هنا، كان احتشاد عرب الانقلابات والثورات المضادة لإخماد هذا اليقين الجديد، بما يحمله من أخطارٍ على أنظمة حكم ما كان لها أن تبقى، لو واصل الحلم بالتغيير وقيم الحداثة والدمقراطية والحرية سريانه في الخارطة العربية، وطوال السنوات الخمس الماضية، تخوض هذه الأنظمة حرباً قذرة، على كل الجبهات، وباستخدام كل الأسلحة المجرّمة قانونياً وأخلاقياً، لتحقيق هدفها النهائي: إنهاء زمن الجماهير، أو كما عبّر عن ذلك آخر الحقوقيين الكبار في مصر، اليساري النبيل أحمد سيف الإسلام، في خريف 2013، بالذهاب إلى أن خطورة مذابح رابعة العدوية، وما سبقها وما تلاها، أن الهدف منها هو إنهاء عصر الجماهير، من خلال تنفيذ ما من شأنه تآكل وتضاؤل وزن الجماهير قوة محرّكة في العمل السياسي، في المستقبل، وهو ما ستدفع ثمنه كل القوى السياسية، وليس فقط الإخوان المسلمون، وهو ما تراه ماثلاً أمامك الآن.
والحاصل أنه ليست الجماهير المصرية وحدها التي دفعت الثمن، بل دفعته الجماهير العربية كلها في سورية واليمن وليبيا، وصعدت أنظمة قتل الثورات على جثة الحلم بالتغيير، فتحوّلت الثورة السورية إلى فريسةٍ ممدّدةٍ على الموائد، تتناوب نهشَها كل القوى الإقليمية والدولية المتربصة بمشروع الربيع العربي، وباتت ثورة اليمن ساحةً مفتوحةً للنزاع الطائفي، وطموحات الوصاية والتمدّد، وفي كل ذلك أقصيت الجماهير، لتسود التحالفات الشريرة والعواصف المحملة بكل أنواع الجراثيم وروائح الحقد والكراهية.
ووسط هذا الظلام العربي الحالك، يأتي المرابطون في القدس المحتلة، ليعيدوا الاعتبار إلى الفعل الجماهيري، ويذكّروا الشعوب العربية بأبجدية الغضب الساطع، وموسيقى الهتاف الصادق وإيقاع الحراك الواثق، ثم يصمدون ويقاومون، ويعلنون للدنيا كلها أن المسجد الأقصى ليس الموضوع كله، بل هو أيقونة الصراع، ورمزه العريق، في معركة تحرير الأرض وتحرير الإنسان، وتحرير التاريخ من قبضة سارقيه ومزيفيه، ويسقطون مشاريع المستبدّين العرب لتغيير جغرافيا الوعي والعقيدة، تلك المشاريع التي أسندوا تنفيذها لأمثال يوسف زيدان وأنور عشقي، وعبوات صغيرة من مطبّعين يبحثون عن فرصة للصعود إلى حافلة نتنياهو.
هنا، وبعد أن اهتزّت الأشجار بفعل الغضب الجماهيري، كان طبيعياً أن يهرع حكام المسخرة العربية إلى التقاط الثمار، ثم الاستدارة لقطع الأشجار، كي لا يظن مواطنٌ على الأرض العربية أن الجمهور استعاد قدرته على الفعل.
وعلى ذلك، لن يمر وقت طويل على هذا الإنجاز، الشعبي، المذهل حتى تبدأ إسرائيل وحلفاؤها من الحكام العرب عملية معاقبة الجماهير على اجتراحها المعجزة، وإعادة الاعتبار إلى مفاهيم المقاومة والصمود والتشبث بالحلم.



الجمعة، 28 يوليو 2017

يقف الفلسطينيون وحدهم في معركة الأقصى


 يقف الفلسطينيون وحدهم في معركة الأقصى


ديفيد هيرست


"تم حتى الآن التنازل عن كثير من السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية حتى بات الأقصى بحق الخندق الأخير"


تبدأ كل عام بتفاؤل زائف. تقول لنفسك إن الأمور لا يمكن أن تزداد سوءا بالنسبة للفلسطينيين. ولكن يثبت خطؤك كل عام.
 
نجم عن الأزمة التي أحاطت بالمسجد الأقصى عدد من الأحوال غير المسبوقة: فتلك هي المرة الأولى التي يغلق فيها المسجد ولا تقام فيه صلاة الجمعة منذ عام 1969، وهي المرة الأولى منذ قرون التي يقاطعه فيها المصلون، وهي المرة الأولى التي يصبح فيها الفلسطينيون من مواطني إسرائيل ومن المقيمين في القدس في البؤرة المركزية للصراع.
 
إلا أن سابقة واحدة تتقدم على غيرها من السوابق: هذه هي المرة الأولى خلال خمسين عاما من النضال ضد الاحتلال التي يجد فيها الفلسطينيون أنفسهم وحيدين لا يقف معهم أحد.
 
لقد تم التخلي عن الفلسطينيين"لم يسبق أن اتسعت الهوة التي تفصل بين الشارع العربي وحكومات العرب حول فلسطين إلى الحد الذي وصلت إليه هذا الأسبوع."
 
زكريا الجواودة، والد الشاب الأردني ذي السبعة عشر ربيعا الذي قتله حارس أمن إسرائيلي زاعما أن الشاب هاجمه بمفك، قال منتقدا الملك عبد الله: "ندعو العشائر إلى المطالبة بمعاقبة الرجل (الحارس الإسرائيلي). نريد مقطع الفيديو. نريد أن نعرف ما الذي حدث لابني".
 
فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن استنفرت ثلاثة وزراء اصطفوا الواحد تلو الآخر ليقولوا للأب المكلوم إنهم لن يفعلوا ذلك أبدا. قال بشير الخصاونة، أحد الوزراء الثلاثة، والذي يشغل منصب وزير الدولة للشؤون القانونية: "مطلق النار الإسرائيلي يتمتع بحصانة دبلوماسية ولا يسمح لنا بالتحقيق معه، بموجب الاتفاقية الدولية. ولكننا نصر على الاستماع إلى شهادته".
 

على كل فات الفوت، فما لبث حارس الأمن زيف أن عاد سالما غانما ليستقبله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالأحضان.

 
عد عشرين عاما إلى الوراء وتأمل في الطريقة التي تعامل من خلالها والد الملك عبد الله، الملك حسين، مع نتنياهو في عام 1997 بعد محاولة فاشلة قام بها الموساد لاغتيال زعيم حماس خالد مشعل في عمان من خلال رش مادة سمية داخل أذنه.
 
حينها هدد ملك الأردن بتمزيق معاهدة السلام مع إسرائيل إذا ما توفي مشعل الذي كان وقتها في إغماءة. وحصل الملك يومها على المصل المضاد من رئيس الموساد داني ياتوم وضمن إطلاق سراح أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحركة حماس، ومزيد من السجناء الفلسطينيين والأردنيين فيما بعد.

 
لك أن تتصور حجم الفضيحة التي كانت ستنشب في أي مكان آخر في العالم لو أن الشرطة منعت من استجواب -ناهيك عن التحقيق- مع المتهم الرئيس في جريمة قتل مزدوجة لمجرد أنه يعمل حارسا أمنيا في سفارة أجنبية.
 
حدث ذلك في الأردن، وذلك لأن المملكة تعلمت القيام بما يأمر به سيدها، حيث اتصل جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط بالملك عبد الله. قبل عشرين عاما حصل العكس تماما، حيث إن الملك حسين هو الذي اتصل بالرئيس بيل كلينتون (واضعا شروطه).
 

قبل ما يزيد على عام بادر هذا البلد، الذي يتاجر بلقب "راعي الحرم الشريف"، إلى التنازل بشأن قضية نصب كاميرات الأمن في الحرم الشريف والمدينة القديمة، وهي نفس الإجراءات التي تسعى إسرائيل الآن إلى فرضها حول بوابات الأقصى والمدينة القديمة وهي تعلم يقينا أن "الراعي" يوافقها في ما تقوم به من إجراءات.
 
الأمر متعلق بالسيادة 

إلا أن الفلسطينيين لم يوافقوا من قبل ولا يوافقون الآن، على مثل هذه الإجراءات لأن الأمر بالنسبة لهم يتعلق بالسيادة وليس بالأمن. تم حتى الآن التنازل عن كثير من السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية (هناك ما يقرب من ألفي مستوطن في الحي المسلم من المدينة القديمة، كما أنه جرى سحب ما يزيد على 14,500 تصريح إقامة منذ عام 1967 وحتى 2014.

وهل تذكرون صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، الذي عرض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني "أكبر يورشاليم في التاريخ"؟) حتى بات الأقصى بحق الخندق الأخير.
 
بالنسبة لمحمود عباس والسلطة الفلسطينية، يعتبر استمرار مسؤولي الوقف في رفض الدخول إلى الحرم الشريف، أو ما يطلق عليه اليهود اسم جبل الهيكل، هبة من السماء، فهي الخطوة التي تجسد الاحتجاج غير العنيف بالإضافة إلى أنها تجري خارج نطاق سلطته في الضفة الغربية، ولذلك فهي لا تكلف رام الله شيئا.
 
يسمح ذلك لعباس بأن يشرف على المشهد دون أن يتكلف بأي من مسؤوليات القيادة، حيث يقول: "إننا معكم في كل ما فعلتم وتفعلون فأنتم مفخرة لنا وأنتم حريصون على أقصاكم وأرضكم وكرامتكم وشعبكم ودينكم ومقدساتكم، وهذا هو الرد على كل من يعتدي على مقدساتنا وكل من يريد أن يعبث بمقدساتنا، القدس لنا وهي عاصمتنا، وهي سيادتنا، لذلك ما تقومون به هو الصحيح، فقد نهضتم نهضة رجل واحد ورفضتم كل الإجراءات ونحن أيدناكم بكل ما قمتم به ونؤيدكم بكل ما ستقومون به".
 
ولكنهم في حقيقة الأمر لا يفعلون شيئا، ولا حتى السعوديون. هدفهم الاستراتيجي هو الاتجار مع الاسرائيليين أيا كانت الأوضاع. الجميع يهرول نحو الاعتراف بالدولة اليهودية. إن الزعيم الوحيد في المنطقة الذي صدرت عنه تصريحات ثابتة ومتطابقة في دعم المطالبة برفع كافة القيود عن الدخول إلى المسجد الأقصى هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهذه هي السابقة الخامسة (التي تجلت في هذه الجولة من الصراع) أما الدول العربية فلم يمر وقت كانت فيه أشد بكما في رد فعلها مما هي عليه الآن.
 ومع ذلك، فالقصة أطول وأعقد من ذلك بكثير.
 
نشطاء "حماس" و"فتح" معًا
أما في الشارع، فقد جمعت الأزمة ووحدت الفلسطينيين بغض النظر عن العشيرة أو الفصيل. لقد أثمرت قضية الأقصى ما فشلت به سنوات طويلة من المفاوضات وجهود المصالحة بين "فتح" و"حماس". ينشط الآن شباب "فتح" و"حماس" معا على الأرض ضمن حركة أكبر انضمت إليها جميع الفصائل الفلسطينية.
 
واحد من متصدري تلك الحركة، الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي يتبنى العصيان المدني غير العنيف، صرح لـ"ميدل إيست آي" بما يأتي: "نحن على عتبة نقلة كبيرة. ما يجري اليوم ليس عشوائيا ولا عابرا. يمكن أن يشكل بداية انتفاضة ثالثة تختلف عن سابقاتها. ما هو بديع في هذا الأمر هو أنه ليس ناجما عن فصائل بعينها وإنما حركة شعبية قادرة على جذب أعداد ضخمة من الناس. يمكن لهذه الحركة الشعبية أن تعيد شحن الشعب الفلسطيني. قد يستغرق ذلك وقتا ولكننا في الطريق إليه. سوف تتجاوز السلطة الفلسطينية، لدرجة أنهم لا يعرفون حتى أنها موجودة. وسوف ينجم عن ذلك تغيير في القيادة".
 
هل هذا إغراق في التفاؤل؟
بإمكانكم أن تروا انعكاسا لذلك في الخارج. فهذه هي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تسمى اختصارا "بي دي إس" تنتعش وتزدهر وقد بلغت من العمر اثني عشر عاما. لقد أصبحت "بي دي إس"، التي تعتبرها إسرائيل خطرا يتهدد وجودها، حركة عالمية تمتد من النرويج إلى تشيلي، ولها ملايين الحلفاء. ليست تابعة لأحد، وتتجاوز الدين والعرق والجنس، وتقوم على قاعدة المطالبة بحقوق مساوية للفلسطينيين، وشعارهم الذي يهتفون به هو: "فلتسقط جميع الجدران من فلسطين إلى المكسيك".
 
بدأت القضية الفلسطينية تغزو الأوساط السياسية الرئيسية حول العالم، فها هما بيرني ساندرز وجيريمي كوربن، اللذان كانا يعتبران في وقت من الأوقات خارج الخريطة السياسية، يصبحان أكثر نفوذا. في اختبار جرى مؤخرا في لندن، حضر ما يزيد على عشرة آلاف شخص نشاطا على مدى يومين اسمه "فلسطين إكسبو"، وذلك على الرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها اللوبي المؤيد لإسرائيل وحملته الشرسة التي شنها في محاولة لإلغاء النشاط.
 
خارج فلسطين وفي داخلها، ثمة جيل جديد يسعى لانتزاع السيطرة على هذا النضال من زعامة متحجرة فاسدة فقدت كل سلطة معنوية وسياسية على شعبها. فعملية السلام بالنسبة لهذا الجيل كأنها لم تكن أبدا، بل هي بالنسبة لهم خدعة قصد منها التغطية على تمدد إسرائيل فوق كل تلة وهضبة في الضفة الغربية. هل يمكن بسهولة أن يشترى هؤلاء وأن يتم احتواؤهم وتجريدهم كما حدث مع الجيل السابق؟ أم إنهم سيتمكنون من تحقيق ما عجز عنه الآخرون؟
 
بناء على ردود أفعال الزعماء العرب والدول العربية، لم يكن الفلسطينيون في يوم من الأيام وحيدين كما هم اليوم، ومع ذلك تكتسب قضيتهم زخما عالميا. ينبغي على هؤلاء الزعماء العرب أن يحذروا. فلقد وفرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية مصدرا مبكرا لانطلاق الربيع العربي، فما الذي ستفعله انتفاضة ثالثة تنطلق على أعتاب المسجد الأقصى؟



المصدر: ميدل إيست آي

مترجم عنPalestinians stand alone in Al-Aqsa battle
للكاتب David Hearst
لقراءة المقال كاملا بالانجليزية.. إضغط هنـــــا