الأحد، 31 مايو 2015

"تهابر السيسي" و"تخابر مرسي" وائل قنديل


"تهابر السيسي" و"تخابر مرسي"
وائل قنديل



حتى التراث الشعبي لم يسلم من ركاكة الجنرال زعيم المقبرة، فقرر أن "يهبر" قطعة من العامية المصرية، لبناء رؤيته العبقرية لبناء الأوطان.

يقول السيسي "كل مواطن لازم يهابر مع بلده، وينحت في الصخر عشان تقوم".
الرجل يبدو غريبا على العامية المصرية الصحيحة، إن اعتبرنا أنه جاهل بما يقول، وهو يستخدم الفعل" يهابر" في سياق الدعوة إلى النهوض بالوطن.
أما إذا كان يعني المفردة بمنطوقها الذي ورد في خطبته لعمال الترسانة، فأنت أمام حاكم يطلب من شعبه أن يسلكوا كالكلاب حباً في الوطن، فالمصطلح "يهابر" و"مهابرة" في العامية المصرية القديمة يستخدم للتعبير عن تلك الحالة التي تنتاب الجراء الصغيرة، فتمعن في النباح، وتبالغ في محاولات الاقتناص والخطف. لذا، كان أبناء القرى حين ينهرون أطفالهم ويعنفونهم، إذا صنعوا ضجيجا وشغبا، يقولون "كفاية مهابرة".

في العامية المصرية أيضاً، تسمع مصطلح "الهبرة الكبيرة" لابد أنك سمعته إذا كنت من متابعي الدراما، خصوصاً ما يعالج منها عالم الجريمة والفساد وأنشطة العصابات، وفي المعاجم اللغوية تجد "هبَرَ يَهبُر ، هَبْرًا ، فهو هابِر ، والمفعول مَهْبور وهبَر اللَّحمَ قطَعهُ قِطَعًا كبارًا :- هبَر الجزّارُ فَخِذَ الشَّاة .
إنهم "يهبرون" الوطن بكل إخلاص وتفان، إذن صارت "المهابرة" أو "التهابر" معيارا للوطنية، ووحدة قياس المواطن الشريف، ولأن "المهابرة" فعل تراكمي ممتد، فمن الطبيعي أن "يهبر" المجتمع بعضه بعضا، تهابر في الجامعة وفي المدرسة وفي الشارع، وفي المصنع، فيتحول الكل إلى عيون على الكل، وينتعش البصاصون من "المهابرين" أمنيا في حب الوطن، ويتحول كاتب رصين من أكاديمي رصين إلى "مهبر" في حب مصر.
في أجواء كهذه، من المنطقي أن ينشط عتاة "المهبرين والمتهابرين" في نهش أيوب السجون، الشهيد الحي محمد سلطان، بعد أن خيروه بين حياته والاحتفاظ بجنسية دولة بمواصفات خرابة، وأبعاد مقبرة، فاختار الحفاظ على حياته.
تسمعهم "يهابرون" على الشاشات، وصفحات الجرائد، ومواقع التواصل الاجتماعي، بحديث مهترئ عن وطنية فاسدة، تتأسس على منطق فاشي مؤداه إن من يرفض الموت تعذيبا على أرض بلده، ليس وطنيا، وهو منطق تتحول معه الجنسية، على أيدي القتلة والسفاحين، إلى مشنقة ومقصلة، ومن يرفض أن يضع رأسه فيها، يتهم بالخيانة والتخلي عن الوطن.
هذه الوطنية الفاسدة لها رعاة رسميون وآباء شرعيون، منذ حكم المجلس العسكري، وحتى حكم العسكري نفسه، حين فرضوا "الطريقة الزندية العكاشية" مذهباً وحيداً في حب الوطن، ولعلك تذكر أن "عكاشة القضاة" الذي عينوه وزيراً للعدل الآن، كان أول من نادى على باراك أوباما، لكي يتدخل لتغيير نظام الحكم المنتخب في مصر، في الوقت الذي كان فيه "زند الإعلام العسكري" يستغيث بزعماء الكيان الصهيوني، ويفاخر، على الهواء مباشرة، بعلاقته بهم، فيتحدث إليه أحد قادة المجلس العسكري، في مداخلة يصفه فيها "بنموذج الإعلامي الوطني".
لا غرابة، إذن، حين تجد هؤلاء الذين اعتبروا معانقة إسرائيل، ومعاقبة حماس، قمة الوطنية، يحاكمون الرئيس محمد مرسي بتهمة "التخابر" مع المقاومة الفلسطينية والدول العربية، ويعتبرون أميركا ربهم الأعلى، وفي الوقت نفسه، يخونون سلطان لأنه ذهب إليها هرباً من الهلاك.
إن الوطن هو المكان الذي تتحقق فيه إنسانيتك، وليس مقر تعذيبك، أو سرداب التخلص من جثتك، الوطن الحقيقي ليس سيارة ترحيلات تحترق على من فيها من سجناء.
إن الذين يأخذون على محمد سلطان استخدام جنسيته الأميركية فرارا من قتله بالجنسية المصرية، ويهرفون بكلام سقيم عن تفضيلهم أن يدفنوا في تراب الوطن، على الحياة خارجه، هم أنفسهم الذين رفضوا السماح لجثمان العميد طارق الجوهري بالعودة، لكي يوارى الثرى في مصر.
ويثير السخرية أن قطعان الوطنية الفاسدة تركت كل شيء في قصة التنكيل والتعذيب التي عاشها محمد سلطان أكثر من أربعمائة يوم، وتعلقت بلقطة سجوده لله شكراً على نجاته من بين براثن مصاصي دماء الشعوب.
 بعضهم، بمنتهى الوقاحة والقدرة على التدليس، اعتبرها سجوداً لأميركا، وكأن شكر الله لا يكون إلا على أرض مقبرة عبد الفتاح السيسي فقط.

ذكرى فتح القسطنطينية


ذكرى فتح القسطنطينية عام 1453م

بقيادة محمد الفاتح 


نعيش اليوم ذكري فتح القسطنطينية ، قبل قرون من الزمان تحققت النبوءة النبوية بشارة النبي صلّ الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية “لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ”  سقوط مدينة القسطنطينيو التابعة للدولة البيزنطية روما الشرقية التابعة لدولة الرومان علي يد السلطان محمد الفاتح بعد حصار أسابيع 29 مايو 857 هجرية الموافق 1453 ميلادية 

محاولات البداية لفتح القسطنطينية :-

كانت أول المحاولات لفتحها عام 49 هجرية في عهد الدولة الاموية معاوية بن أبي سفيان بقيادة فضالة بن عبيد الله الانصاري و لكن المسلمون لم يحرزا إنتصارات حاسمة بعد محاصة المدينة إضطروا لفك الحصار و العودة بعد موت الصحابي أبو أيوب الأنصاري ، كانت المحاولة الثانية عام 54 هجرية كانت منوشات بحرية و استأنف الزحف في عهد سليمان بن عبد الملك و لكن توفي في أثناء الحرب و الحصار و تولى عمرو بن عبد العزيز الملك فإرسل للجيش بفك الحصار و العودة بعد ذلك انتهت و خمدت المحاولات الإسلامية لفتح المدينة قرونًا طويلًا حيث غنقسمت الخلافة إلى دول و قامت دويلات على اطرافها ثم تعرض المشرق للغزو المغولي من التتار.

فكر السلطان بايزيد الاول حصار المدينة و لكن إضطر لعقد مصالحة مع عمانوئيل باليويوك إلى حين مجي السلطان محمد الذي لقب بالفاتح نسبة لفتح القسطنطينية ..


محمد الفاتح :-

هو السلطان السابع لدولة العثمانية حكم ما يقرب من ثلاثين عامًا توسعت الخلافة الإسلامية في عهده و إزدات رقعتها لقب بالفاتح و القيصر ،قضي نهلئيًا على الدولة البيزينطية يطلق على عهد نهاية القرون الوسطى و بداية العصر الحديث ولد السلطان محمد للسلطان مراد الثاني يوم 20 أبريل 1429 ميلادية في مدينة أدرنة ، أرسله والده لمدينة أماسيا للمارسة الحكم ترب التربية الإسلامية التي كان لها الأثر البالغ في تكوين شخصيته عاش الصراع البيزيطني و محاولات فتح القسطنطينية ، كان ملتزمًا بحدود الشريعة الإسلامية و كان له الدور البارز في ذلك هو معلمه الشيخ أق شمس الدين و تحبيه للجهاد و تذكيرة دائمًا بالحديث النبوي عن فتح القسطنطينية فتربي على ذلك ..

بعد وفاة والده السلطان مراد الثاني إعتلي الحكم عام 1451 ميلادية كانت دولة روما قاصرة على القسطنطينية فأخذ على عاتقة بعد والده تتميم فتح ما تبقي من البلقان و مدينة القسطنطينة و تكون جميع أملاك الدول العثمانية متصلة ..

داوفع فتح القسطنطينية :-
كان السلطان محمد أناذاك ابن 22عامًا كانت له عدد من الدوافع لفتح المدينة هو تنفيذ محاولات اجداده في الفتح و المسلمين السابقين و الدافع الدينى كان هو الأساس الذي يحركه بإستمرار و الدافع الأخير التخطيط السياسي و الإستراتيجي لدولته فقد كان يحاول عمل سياسية عالمية و كان العائق هو القسطنطنية كما أنها كان تشكل التهديد الصليبي لجميع الدول الإسلامية فكان لا بد من التخلص من هذا العائق كما انهم كانوا يهاجمون الدولة العثمانية من حين لأخر 

كما أنه ورث دولة كانت مقسمة لقسمين الأناضول أصبحت بلدًا إسلاميًا و الروملي و كانت ثغر و كانت القسطنطينة تشكل الصلة للثغره بالإضافة للدافع الدينى لتكون القسطنطينة العاصمة الجديده لبلاده بدأ السلطان بإعداد العدة للزحف كانت القسطنطينية تابعة للكنسية الأرثوذكسية ..
بداية الغزو :-
عقد السلطان محمد معاهدات مع جميع الأطراف حتى يتفرع للمدينة و لكي يتفرغ لعدو واحد فوقع معاهدة مع البندقية و المجر و و أرسل قوى صغيرة لفتح البلاد المجاوزة مثل المورة و طوماس و عزل القسطنطينة على العالم الغربي بتلك الفتوحات الصغيرة و قضى على التحالف البيزينطي  القرماني و تجهز لحصار القسطنطينة تلك المدينة التي تهدد المسلمين من الحين لأخر بعد ذلك أقام السلطان قلعة الروملي على الشاطيء الأوروبي للقسطنطينة و حيث جعل العثمانيين يسيطرون على مضيق البوسفور و يراقبون السفن القادمة من البحر الأسود ، حاول الرومان الحشد ضد المسلمون و فبدأ الباب بالجمع و الحشد لأنهم أدركوا أن أسوار القسطنطينة لن توقف عزيمة الرجال .

كان السلطان محمد في ذلك الوقت في مدينة أدرنة يستعد للفتح جمع جيش جرار كان أضخم الجيوش في زمانه من خيرة المشاة العثمانيين و الفرسان و و مد الجيش بجميع الأسلحة المعروفة في زمانها كان أهمها المدفع الذي استعمل لأول مرة في التاريخ كان من صنع مهندس ألماني مجري عرف بمدفع الهاون إلى جانب القوات البرية الأسطول البحري لفرض الحصار على المدينة لأنها كانت مكشوفة من ناحية البحر من ثلاث جهات و كذلك إستعد الرومان بالعدة و العتاد ..

بدأ الحصار الفعلي للمدينة في إبريل 1453 صلى السلطان و صلى الجيش كله وراءه و بدأ بتوزيع الجيش ثم أرسل في اليوم التالي للأمبرطور البيزيطنى لتسليم المدينة دون قتال و لكنه رفض و إختار القتال و بدأت الحرب صباح اليوم التالي 21 إبريل و ظلت المدافع تضرب أسوار المدينة طوال أسبوعين و لكن انهزم الأسطول العثماني البحري أخذ السلطان يفكر في الدخول إلى المضيق لإتمام الحصار حين إذ خطر على باله خطة غريبة لم تطبق من قبل هي نقل المراكب برًا عبر ميناء بشكطاس العثماني لتموهيه و حصر الجيش البيزيطنى بالخليج و حين إذ أمر بضربه بالمدافع في يوم 22 إبريل استيقظ أهل القسطنطينة على تكبير المسلمين و دهشوا لما شاهدوا السفن العثمانية يوم 28 أمر السلطان بإنشاء جسر ضخم ليضع عليه المدافع و لكن الأمبراطور البيزينطي أمر بإعدام الأسرى المسلمين البالغ عددهم 260 أسير عقد حين إذ السلطان إجتماعًا و استعد الجنود للهجوم و اقتحام المدينة و استمر حراك العثمانيون و المدفعية حتى 25 مايو أرسل أرسل إليهم لتسليم المدينة  دون إراقة الدماء و يخرج الأمبرطور و حاشيته ومعه ماله و رفض الأمبرطور البيزينطي .


في صبيحة يوم التاسع و العشرون من مايو بعد صلاة الفجر بدأ الهجوم الإسلامي على القسطنطينية و استمر الضغط العثماني و المدافعية و تم الفتح و الإنتصار للجيش الإسلامي فتحها القلاع الواحدة تلو الأخرى و أدى المسلمون صلاة العصر داخلها ..

كان أكبر وقائع التاريخ الإسلامي و العالمي حيث كانت حدًا فاصلًا بين عصريين

الصهاينة يعبرون عن ارتياحهم: السيسي سيضمن بقاء الجيش المصري متخلفا


الصهاينة يعبرون عن ارتياحهم: السيسي سيضمن بقاء الجيش المصري متخلفا


بقلم: د. صالح النعامي / كاتب ومحلل فلسطيني

أجمع معلقون "إسرائيليون" على أن تتويج عبد الفتاح السيسي رئيساً واستمرار بقاء بشار الأسد على كرسي الرئاسة في سوريا يحسن البيئة الإستراتيجية لـ"إسرائيل" بشكل غير مسبوق.

وقال المعلق العسكري، عمير رايبوبورت، إن أهم ما يثير حماس محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب لنظام السيسي حقيقة أن هذا التطور يضمن ليس استمرار مظاهر الشراكة الإستراتيجية، التي تكرست بعد عزل الرئيس محمد مرسي، بين تل أبيب والقاهرة، وفقط، ، بل إنه سيؤدي أيضا إلى تعزيز هذه الشراكة وتطورها.

وفي مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية أمس، أشار "رايبورت" إلى أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب ترى أن العوائد الإستراتيجية التي ستجنيها "إسرائيل" من وجود السيسي في الحكم ستسمح لها بالتفرغ لمواجهة تحديات إستراتيجية كثيرة.

ونقل رايبورت عن هذه المحافل قولها إن الحرب التي لا هوادة فيها التي يشنها السيسي على الجماعات الجهادية في سيناء وحرصه على "تقليم أطافر" حركة حماس يصب في صالح "إسرائيل".

وأعاد رايبوبورت للأذهان حقيقة أن "إسرائيل" خططت لاستثمار مليارات الدولارات في تعزيز الجبهة الجنوبية بعد ثورة 25 يناير وخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، تحسباً لحدوث تدهور أمني خطير على الحدود.

وكشف "رايبوبورت" أن أهم "عائد" إستراتيجي تنتظره "إسرائيل" من حكم السيسي هو ثقتها بأنه لن يدفع نحو تطوير الجيش المصري، بحيث إن "إسرائيل" ستكون مطمئنة إلى ثبات ميزان القوى الإستراتيجي الكاسح لصالحها.

ويذكر أن وزير الخارجية "الإسرائيلي" أفيغدور ليبرمان طالب بعد انتخاب محمد مرسي رئيساً بتدشين ثلاث فرق عسكرية جديدة والدفع بها إلى الحدود مع مصر، وإعادة بناء قيادة المنطقة الجديدة، علاوة على أنه طالب بتطبيق خطط تقشف اقتصادية لتمكين تل أبيب من تمويل متطلبات تعزيز القوة العسكرية.

وفي ذات السياق، نوه رايبوبورت إلى أن نجاح بشار الأسد في البقاء بعد ثلاث سنوات من الثورة ضده يمثل "بشرى سارة" بالنسبة لإسرائيل.

وأكد رايبوبورت أن التطورات التي شهدتها سوريا قد أخرجت الجيش السوري من دائرة التوازنات الإستراتيجية، إلى درجة أن "إسرائيل" تتعامل مع الواقع في سوريا وكأنه ليس هناك جيش قائم في واقع الأمر.

من ناحيته، قال ألون بن دفيد، معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة "الإسرائيلية" العاشرة إن الجيش المصري في عهد السيسي سيظل "جيش الأمس"، في إشارة إلى أن هذا الجيش لا يبذل جهدا يذكر في تطوير قدراته القتالية وتوظيف التقنيات المتقدمة في الجهد الحربي.

وفي تعليق على انتخاب السيسي نقل "بن دافيد" أمس عن مصادر مسؤولة في الجيش "الإسرائيلي" قولها إنه لم يحدث في تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي" أن حرصت تل أبيب على تسليح جيش عربي كما حدث في عهد السيسي، مشيراً إلى الضغوط التي مارستها "إسرائيل" على الكونغرس الأمريكي لضمان تزويد الجيش المصري بمروحيات "الأباتشي".

ونوه دافيد إلى أن "إسرائيل" لم تكن لتقدم على مثل هذه الخطوة لولا علمها بأن هذه المروحيات ستوظف لصالحها، مشيراً إلى الهجمات التي تنفذها هذه المروحيات في سيناء تستهدف الحركات الجهادية التي يمثل ضربها مصلحة ثابتة لإسرائيل.

تفاصيل مؤلمة يرويها محامي"عرب شركس" عن ليلة تنفيذ الإعدام

تفاصيل مؤلمة يرويها محامي"عرب شركس"


عن ليلة تنفيذ الإعدام



مفكرة الإسلام : سرد أحمد حلمي عضو هيئة الدفاع في قضية "عرب شركس" -الذي تم تنفيذ حكم الإعدام بحق معتقليها في صباح يوم 17 مايو الجاري- تفاصيل ليلة تنفيذ الحكم ، بسلسلة تغريدات عبر صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وحسب ما ذكرت المصريون، قال حلمي: " لو أنك علمت بتفاصيل ما جرى فى سجن الاستئناف فجر يوم الاحد 17 مايو 2015 لتعجبت من اقدار الله".
وبدأ حلمي روايته قائلا "صباح الاحد كنت قد وصلت الى الاسكندرية فوجئت برنين تليفونات لا ينقطع من السابعة صباحا وبدأت مداولتنا حول تنفيذ الحكم، وبالصدفة اتصل بى زميل محامى كان ذاهب فى زيارة لسجن الاستئناف كانت الساعة تقترب من الثامنة صباحا وكان يتصل ليسالنى عن حقيقة الخبر.
ويكمل: "فقلت له اين انت الآن فقال لى انا على باب سجن الاستئناف .. فقلت له انظر يمينك اعلى سارى علم السجن وقلى ماذا ترى فقال لي كان فى راية سوداء ..
بدأت وقتها اتأكد ان الحكم ينفذ فى السجن، حتى وصلنى خبر تأكيد نقلهم من طره فتأكدت. وتابع روايته قائلا :"الصدفة البحتة قادتنا الى معلومات عن ما جرى داخل سجن الاستئناف، وانها امور اعجب من الخيال ومصادرها من داخل السجن"
وأضاف:"دائما الافلام تصور لحظة تنفيذ الاعدام بعساكر تجر المحكوم عليه وهو غير قادر على الوقوف على قدمه خوفا من الاعدام.
وتابع:"سوء حظ ضابط جديد برتبة ملازم أول كان نبطشية ليل فى السجن انه حضر تنفيذ الحكم لاول مرة فى حياته شارك زملائه الضباط فى محاولة التنكيل بمن سينفذ فيهم الحكم ..
لكنهم كانوا يتقابلون ضاحكين مقبلين على الموت يقصد شباب عرب شركس، وتعمد السجان ان يتم تنفيذ الاعدام فى حضور كل المحكوم ضدهم لاحباطهم نفسيا والضغط عليهم ..
فقابله الشباب بصمود اسطورى، حتى انهم كانوا يلقنون الشهادة لبعضهم ويبتسمون ..
عبد الرحمن يتقدم لغرفة الاعدام كأول شخص سيتم تنفيذ الحكم عليه ، فينظر الى رفاقه للخلف مبتسما ويقول لهم انا منتظركم فوق ما تتأخروش .. فيلقنه هانى عامر الشهادة، وظل الموقف على هذا المنوال بين ضحكات الشهداء وغيظ الضباط حتى انهار الضابط الصغير وغادر مكان الاعدام بعد ان فلتت اعصابه من المشهد.
وأضاف:"فتخيل ان الضابط الصغير هو الذى يقول لزملائه الضباط خلصونا بقى من القصة دى انا مش قادر استحمل اكتر من كده .. ويغادر مكان التنفيذ. 
واكمل :"بينما الذين سيتم اعدامهم بعد لحظات يضحكون ويتبادلون العبارات وايات القرآن وهم يتقدمون واحد بعد الآخر. كان وقع تنفيذ حكم الاعدام على ضباط سجن الاستئناف مرهقا عصبيا لهم .. فكلما حاولوا التنكيل بالشباب قوبلوا بابتسامات ورضاء جعل اعصابهم تشتعل ، عبد الرحمن أول من صعد الى منصة الاعدام .. بكرى هارون اخر من صعد وقبله هانى عامر" 
وقال :"استمعت الى رواية يوم التنفيذ فوجدتها تطابق شخصية هانى وبكرى التى عرفتها .. نظرة حادة .. صمود اسطورى مؤمن تماما بما هو مقبل عليه ،بعض الكلام الذى انتشر عن ان التنفيذ رميا بالرصاص غير صحيح طبعا .. فالاعدام رميا بالرصاص يكون للعسكرى فى ارض المعركة فقط ،منطوق الحكم الاعدام شنقا .. وتم شنقا فعلا .. واثار الدماء بتكون نتيجة انكسار فقرة الرقبة بما يؤدى لخروج دماء من الفم والانف ، وكانت هذه ايضا من علامات الشهيد .. فقد روى اهلية الشباب ان الدماء لم تتوقف حتى اثناء الدفن .. وهى صفة الشهداء".

تفجير الدمام..داعش وإيران وخيار شمشمون


تفجير الدمام..داعش وإيران وخيار شمشمون 



شريف عبدالعزيز
للأسبوع الثاني على التوالي ، يتعرض أحد المساجد الشيعية في المملكة السعودية لتفجير دموي ، يستهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر ، على غرار ما حدث بالقديج الأسبوع الماضي ، ولكن هذه المرة بالدمام ، ولسنا في حاجة لتكرار ما ذكرناه من مبررات وأهداف وأطراف فاعلة بصورة مباشرة وغير مباشرة في هذا الحادث البشع ، فالجريمة واحدة ، والأطراف والأهداف واحدة ، ولكن هذه المرة سيكون الكلام عن مآلات هذه الحوادث العاجلة والآجلة .

أخطر أنواع الحروب والصراعات هو الصراع الاثني ، سواء كان طائفيا أو عرقيا أو دينيا ،لأنه عادة ما يكون صراع صفري وجودي لا يقبل القسمة على اثنين ، أما أنا أو أنت،
ولكن إذا كان هذا الصراع الاثني يدور داخل نفس البلد والوطن ، ويأخذ الصفة الأهلية ، فنحن عندئذ أمام أسوأ هذه الصراعات قاطبة ، فالمزيج الأهلي الطائفي هو المزيج الأشد تفجيرا للمجتمعات والأمم ، به تودع البلاد الأمن والأمان والاستقرار وكل شيء ، وبه يتسلل الخصوم والأعداء إلى ساحات الوطن الخلفية تسلل الأفاعي والحيات ، وبه تستباح الأعراض والحرمات ، وبه تذهب العقول والألباب ، وبه تخرج الأمم من ذاكرة الوجود والتاريخ، وانظروا ما جرى في روندا وبروندي ، وما جرى في البوسنة والهرسك ، وما جرى في إيرلندا الشمالية ، حروب طائفية دينية تأكل الأخضر واليابس ، وهو عين ما يريده ألد أعداء السعودية هذه الأيام ؛ إيران وداعش.

منذ نشأتها كدولة بالمعنى المتعارف عليه ، ذات هوية وبنية سياسية مستقلة عن جوارها الإسلامي، في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، والعاشر الهجري ، وتشكل إيران الصفوية معضلة كبيرة للعثمانيين أولًا ثم للدول العربية وتركيا بعد ذلك، فهي جار مسلم، تجمعه بجواره روابط الدين والتاريخ والجغرافيا، وبالتالي يفترض فيه التناغم والاتساق مع التوجهات والسياسات العامة للعالم الإسلامي ، ولكن هوية الجار الطائفية الخاصة ، ودموية التأسيس ــ قتل إسماعيل الصفوي قرابة المليون سنّي معارض ـــ وموجات طموحاته الإمبراطورية خلال القرون الخمسة الماضية، أسست لعلاقة متقلبة وغير مستقرة بين إيران وجوارها العربي والتركي، وما يشهده المشرق اليوم ليس سوى حلقة جديدة في اندفاعات التوسع الإيراني المتكررة في القرون الخمسة الماضية.

الحلقة الجديدة للتوسع الإيراني بدأت في الجوار العربي بصورة حثيثة منذ 2003 والغزو الأمريكي للعراق، وفي خلال فترة قصيرة، بدا واضحًا أن المشروع الأمريكي في العراق يواجه مقاومة صلبة من الشعب، وأن الطبقة السياسية العميلة لإدارة الاحتلال أعجز عن أن تقود دولة مثل العراق،تحول العراق إلى منطقة فراغ إستراتيجي هائل، أفسح المجال لاندفاعة إيرانية كبيرة وواسعة.

وقبل هذه الوثبة الإيرانية على الفراغ العراقي ،عززت إيران عبر حزب الله نفوذها في لبنان، وحافظت على علاقات وثيقة بدمشق، ولم تلبث العلاقات مع النظام السوري أن تحولت إلى ما يشبه الاحتلال الإيراني غير الرسمي لمؤسسة الدولة السورية، بعد أن أصبحت إيران السند الأكبر لنظام دمشق في حربه ضد ثورة شعبه، المندلعة منذ 2011.
كما توسع النفوذ الإيراني في اليمن، باستغلال الارتباط التاريخي مع الحركة الحوثية منذ نشأتها ارتباطًا دينيًا وسياسيًا ، وباستغلال مناخ الاضطراب وفقدان الاستقرار الذي ولد من الثورة اليمنية، مما سمح للحوثيين بالانتشار الكبير في البلاد، حاملين معهم نفوذًا إيرانيًا غير مسبوق .

هذا التوسع الإيراني الكبير أغرى ملالي إيران وأسكرهم إلى حد الحديث علانية عن ولادة إمبراطورية إيرانية في الشرق الأوسط، عاصمتها بغداد !!.

إيران حققت بوثبتها تلك تمددا غير مسبوق في تاريخ حركات التوسع الإيراني منذ نشأتها قبل أكثر من خمس قرون ، وبالتالي هي على استعداد لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على هذا التمدد والتوسع ، لذلك كانت عاصفة الحزم شديدة الوقع على ساسة طهران وأذرعها العسكرية والإعلامية المنتشرة في أماكن التمدد ، فطار صواب الكثيرين منهم ، فهددوا وأرعدوا وأزبدوا ، وتوعدو العربية السعودية بنقل الحرب إلى الداخل السعودي ، ومما زاد الأمر قسوة على إيران التحولات الكبيرة في المسار السوري ، وقرب سقوط حليفهم الوثيق بشار الأسد ، والانهيار الكبير الحادث داخل معسكره ، والهزائم المنكرة لمليشيا حسن زميرة في القلمون ، وذلك بعد التقارب السعودي التركي القطري بخصوص الملف السوري ، وأن الدول الثلاث أصبحت أكثر حرصًا على وحدة جماعات الثوار وانخراطها في عمل ميداني مشترك، منها إلى سياسات التفضيل والحظر والاستبعاد السابقة، حتى أصبح الحديث عن عاصفة الحزم السورية يتردد بقوة تزعج سدنة مشاريع التوسع الإيرانية ، وتقض مضاجعهم وتدفعهم لخيارات التصعيد الطائفي الجنوني الذي يشعل المنطقة بأسرها .

إيران تدفع المنطقة بأسرها باتجاه حرب طائفية أهلية تتفجر معها المجتمعات والدول، وتهدر فيها الثروات والامكانات ، وتنشغل كل دولة بنفسها ، في حين تبقى إيران تراقب المشهد من بعيد ، وهي آمنة في حدودها ، محتفظة بقوتها . والبداية كانت في العراق حيث تحول الصراع فيها إلى حرب أهلية طائفية بامتياز . 

فبعد سقوط الرمادي بيد قوات تنظيم الدولة ، وفرار قوات النخبة العراقية من أمام 150 مقاتل فقط من داعش ، خرج أحمد الأسدي، المتحدث باسم قيادة قوات "الحشد الشعبي" المؤلفة من فصائل شيعية تشكلت بفتوى دينية من مرجع شيعي، وتشكل حصرياً من وحدات شيعية، وينحدر أغلب قياداته وكوادره من تنظيمات شيعية طائفية، مارست القتل والخطف على الهوية والتفجير خلال سنوات التدافع الطائفي السابقة، تقاتل إلى جانب القوات الحكومية معلنًا انطلاق عملية تحرير الأنبار مطلقا على العملية العسكرية اسم "لبيك يا حسين" وهو شعار طائفي بامتياز في العراق، وذكر الأسدي أن العملية تستهدف مناطق شمال صلاح الدين وجنوب غرب تكريت وشمال شرق الرمادي، لتطويق المحافظة للبدء في تحريرها من عناصر داعش ، صمت الحكومة العراقية آذانها عن هذا الإعلان كالعادة وعن هذا الشعار،وكأن العبادي فهم كلام الولايات المتحدة عن سقوط الرمادي بأنه مدعاة لمزيد من الحشد الطائفي الروحي الشيعي .

وتكامل التهييج الطائفي بمنع النازحين من الرمادي وما حولها وهم أكثر من مائة ألف نازح من دخول بغداد بحجة أنهم إرهابيين وساعدوا تنظيم الدولة على السيطرة على الرمادي والأنبار .

هذا المنع الرسمي جاء من حكومة تفتح الحدود على مصراعيها للزوار الإيرانيين وتذلّل كافة العقبات التي تعترضهم، فلا رسوم عليهم ولا عرقلة في إجراءات دخولهم، بينما هم (أهالي الأنبار) يفترشون الأرض ويلتحفون السماء على حدود المناطق التي فرّوا إليها طلبًا للأمان ، مما زاد من الحنق الطائفي وأجج مشاعر العداء وزاد من أور الصراع بالعراق .

وعلى طريق تأجيج الصراع الطائفي وتفجير الحدود الآمنة وزعزعة استقرار دول الجوار، بدأت العمليات المريبة داخل السعودية باستهداف أماكن تجمعات الشيعة بانفجارات دموية بدأت وتيرتها في التصاعد من أجل تفجير مكوني المجتمع السعودي وإشعال حرب طائفية أهلية ، تنشغل بها السعودية بنفسها عن ردع التوسع الإيراني .

ملامح هذه الحرب الطائفية تجلت في خطاب حسن زميرة الجمعة 22 الماضي ، وهو يدعو الشيعة في كل مكان للتعبئة العامة والاحتشاد لحرب طائفية طويلة ، والثأر للشهداء، ومحاربة التكفيريين في كل مكان ، ومعروف أن وصف التكفيريين في الخطاب الإعلامي للدمى الإيرانية يقصد به أهل السنّة .

أما تنظيم الدولة أو داعش فهم لا يعذرون بالجهل ، ويتوسعون في التكفير ، ويسارعون في إصدار الأحكام، ويستهترون بالدماء, وهي النسخة الحديثة من حركة إخوان من أطاع الله التي حاربها مؤسس الدولة سنة 1929 ، والامتداد الفكري لجماعة جهيمان العتيبي عام 1979 واحدا من أكبر التحديات التي واجهتها الدولة السعودية.

تنظيم الدولة أو داعش تسعى للسيطرة على السعودية بوصفها زعيمة العالم الإسلامي ، وأرض الحرمين . وهي تلتقي في الأهداف والوسائل مع إيران ، فكلاهما يهدف إلى تدمير وتفكيك المملكة السعودية ، وبنفس الوسائل وهي إشعال الحرب الطائفية بين عناصر المجتمع السعودي ، فداعش بالتفجير ، وإيران بالحشد والتهجير ، مما يدخل المنطقة بأسرها في خيار شمشمون بهدم المعبد على رؤوس الجميع ، فلا ينجو أحد ، ولا تبقى دولة على حالها ، ويكون الفائز الوحيد في هذه الحرب الجهنمية هو الكيان الصهيوني المحتل ، والولايات المتحدة الأمريكية التي سوف يجلس رئيسها يحتسي فنجان قهوته في شرفة بيته الأبيض آمنا على جنوده واقتصادياته من التورط في حرب جديدة ، بعد أن أشعل الطائفيون نيران الحرب بدلا عنه.

عناق الممانع مع «الشيطان الأكبر» في العراق!!


عناق الممانع مع «الشيطان الأكبر» في العراق!!
ياسر الزعاترة


في معركة تكريت، لم يتدخل الطيران الأميركي بكثافة إلا بعد أن وافق حيدر العبادي على تحييد نسبي لما يسمى مليشيات الحشد الشعبي التي صنعها سليماني لهدفين: 
الأول كي تواجه مد تنظيم الدولة، فيما يتمثل الهدف الثاني في لجم تفكير العبادي بالخروج عن السرب ولو قليلا، مع أنه لا يفعل ذلك حبا في التمرد، بل إدراكا لحقيقة التجربة التي خاضها المالكي وأفضت إلى إبعاده.
العبادي لا يختلف من حيث التكوين الفكري والتوجهات الطائفية عن المالكي، لكن أدرك أنه لكي ينجح، فلا بد من سياسة تبتعد قليلا عن سياسة الإقصاء والطائفية التي انتهجها المالكي، والتي أعادت الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة من جديد، مع قدر من تفاهم مع تركيا والمحيط العربي، لكن إيران التي تعيش جنون القوة والغطرسة لم تسمح له بذلك.
إذا جئنا نرسم سياسة الأميركان في التعاطي مع الشأن العراقي، يمكن القول إنهم يديرون مساومة ذكية مع إيران، فهم لا يريدون للبلد أن يعود إلى الولاية الإيرانية كما كان حاله في ظل المالكي، في ذات الوقت الذي لا يريدون لتنظيم الدولة أن يتمدد أكثر لكي يعيد رسم الخرائط ويفرض واقعا يهدد المصالح الأميركية بمرور الوقت.
تدخل الأميركان بكثافة لمنع تمدد تنظيم الدولة نحو بغداد، وكذلك نحو الشمال، حيث الحلفاء الأكراد، وفي كوباني ألقوا بثقل هائل لم يكن بوسع تنظيم الدولة أن يواجهه، أما ديالي فهي قصة أخرى، ليس لأنها منطقة مختلطة (مذهبيا) وحسب، بل أيضا لأنها خاصرة إيرانية، وفيها ألقى الإيرانيون بكل ثقلهم، بما في ذلك الطيران، ما مكنهم من طرد تنظيم الدولة منها.
في معركة الأنبار، وقف الأميركان يتفرجون، وحين شاركوا كانت مشاركة خجولة، لكن واقع الحال أن الهزيمة ربما كانت أكبر من قدرتهم على منعها بالكامل، فقد كان مشهد فرار جنود الجيش مخزيا، وصار بوسع تنظيم الدولة أن يقول إنه نصر بالرعب، وهو كذلك بالفعل.
 أما الجانب الآخر، فيتمثل في أن الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة في الأنبار تحديدا تبدو كبيرة.
ثمة بسالة استثنائية في القتال من طرف عناصر تنظيم الدولة، وهذا مؤكد، فهم ليسوا موظفين، بل مقاتلون جاؤوا بمحض إرادتهم، وبروح استشهادية، وثمة فرق كبير، بينهم وبين جنود يتعاملون بمنطق من يريد النجاة بنفسه قبل أي شيء.
وقد نقل عن العبادي قوله أنه سأل الجنود وهو يتجول بطائرة في الجو (لماذا يهربون؟)، فكانت الإجابة أنهم يخشون أن يحدث لهم ما حدث للجنود في «سبايكر»، وهو المعسكر الشهير الذي قتل فيه عناصر تنظيم الدولة مئات المجندين.
اليوم، وبعد سقوط الرمادي بيد تنظيم الدولة يمضي مشهد العلاقة بين الأميركان وبين إيران والحكومة العراقية محطة أكثر وضوحا. فقد وافق الأميركان على مشاركة ما يسمى مليشيات الحشد في المعركة، فيما لم يعترض قادة تلك المليشيات على مشاركة الأميركان كما كانوا يعلنون في السابق (مجرد إعلان).
والنتيجة هي عناق سافر بين سليماني (صاحب الولاية على المليشيات)، وبين الأميركان، من دون أن يتوقف الجنرال عن التشكيك بجديتهم، في موقف يبدو أقرب إلى العتب منه إلى إظهار الوجه الممانع، لكن ذلك لن يكون سوى جزءٍ لا يتجزأ من المساومة على اتفاق النووي الذي يبدي المحافظون موقفا سلبيا حياله.
ولأن سليماني وعموم المحافظين في حاجة لانتصار يلملم شتاتهم بعد عاصفة الحزم في اليمن، وبعد التقهقر الكبير للنظام في سوريا (لهثوا من خلال حزب الله وبتدخل مباشر منهم خلف إنجاز في القلمون، فجاءتهم ضربة تدمر ثم أريحا)، فإن معركة الأنبار لن تكون هامشية، وقد يأخذ الأميركان مقابل مشاركة فاعلة فيها من إيران بعض التنازلات، سواء تعلقت بضمانات فيما يخص سلوكها في المنطقة، تجنبا لما حدث في تكريت، فضلا عن العلاقة مع العرب السنة (لإبعادهم عن تنظيم الدولة)، أو الفئة السياسية منهم، والأهم من ذلك كله هو ما يتعلق باتفاق النووي.
لا يعني ذلك أن القضية لا تحتاج لأكثر من قرار، فتنظيم الدولة ليس من النوع الذي يسلم بسهولة، حتى حين تكون المعركة خاسرة كما كان الحال في كوباني، كما أن ممارسات المليشيات قد تخلق ردة فعل أكبر ضدها في عموم الأنبار.
إذا مر اتفاق النووي، ستبدأ مرحلة جديدة في العراق، عنوانها مساومات تخص الداخل العراقي ومصالح الأميركان، لكن عموم المشهد سيبقى مرتبطا بصراع المنطقة مع النفوذ الإيراني، وهو صراع لا تقرر مصيره أميركا، بل إرادة العرب وتركيا، وكلاهما لن يقبلا بقاء العراق ولاية إيرانية، فضلا عن اليمن وسوريا ولبنان، ولا بد من تفاهم على كل الملفات، لكن المشكلة أن أية مؤشرات لم تظهر بعد على نوايا إيران الذهاب في هذا الاتجاه، وها إن تنظيم الدولة يستنزفها في العراق وفي سوريا (الفصائل الأخرى مجتمعة في سوريا أكثر تأثيرا بالطبع)، وصولا إلى اليمن الذي يتبلور فيه مشهد سوري سيمثل استنزافا لها (أعني إيران) لا يقل سوءا عن الاستنزاف السوري.

• @yzaatreh

السبت، 30 مايو 2015

الجنرال يبتسم في مقبرته السعيدة


الجنرال يبتسم في مقبرته السعيدة
وائل قنديل



لم تكن الطائرة التي تقل الشهيد الحي، محمد سلطان، قد هبطت في واشنطن،
حين كان عبد الفتاح السيسي يضحك بوسع شدقيه، وهو يمازح الحضور في الترسانة البحرية في الإسكندرية، بمقولة متفرّدة في ركاكتها وهزليتها، باعتبارها آخر ما وصل إليه "فساد الإدارة" أو "إدارة الفساد"، حين ينصح بالآتي "لو المسؤولين خدوا بالإجراءات وأخذوا بالأسباب، وكان هناك ضرر، لو الموضوع وصل إلى درجة السجن عشان نخدم البلد أخدمها، مش ممكن كلنا هندخل السجن".

"خذ قرارك وادخل السجن حبّاً في الوطن"، هذه هي فلسفة الجنرال في الحكم والإدارة، والتي تعني، صراحةً، أن دولة السيسي تعلن أنها غير مسؤولة عن حماية مسؤول شريف، يتخذ قراراً صائباً، من وجهة نظره ونظرها، فيكون مصيره السجن.

باختصار شديد، يقول السيسي للمصريين: القانون ليس معياراً وحكماً، وأن الخروج عن القانون لو كان في مصلحة الدولة، فهو عين الوطنية، ومنتهى البسالة والشجاعة.
والأخطر أنه يكرّس لمبدأ أن القانون ليس معياراً للفرز بين مواطن صالح وآخر طالح، ويؤسّس لأن المنفعة والمصلحة هي الأصل في الأفعال، بصرف النظر عن أخلاقيتها وقانونيتها.

هل السيسي، هنا، يعبّر عن الفلسفة النفعية، كما عرفها العالم منذ إرهاصاتها الأولى عن "أبيقور" قبل الميلاد، وحتى تحوّلها إلى نظرية عند الفيلسوف البريطاني جيرمي بينتام؟
بالتأكيد لا، فإذا كانت النفعية لدى هؤلاء تكرّس مبدأ أن الفعل الجيد هو الذي يحقق قدراً أكبر من اللذة والبهجة والمصلحة، لذا كانت محل استهجان، كونها تهمل تماماً الجانب الأخلاقي في الفعل، فإن "نفعية دولة السيسي" تنحدر إلى ما دون مستوى اللذة والبهجة والمصلحة، وتستقر عند مبدأ "الفهلوة"، تحقيقاً لقدر أكبر من الإيهام والخداع للجماهير، من خلال ترويج نجاحات كاذبة وإنجازات وهمية، يشهد بها ذلك الانحدار والانهيار في الأمور المعيشية، والأحوال الاقتصادية، ناهيك عن السقوط التام على صعيد الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية.
من هنا، تبدو فداحة المفارقة: زعيم "أو نسخة زائفة من زعيم" يتحدث عن وطن وتقدم وازدهار وإنجاز، بينما الوقائع على الأرض تنطق بمقبرة أو خرابة، محفوفة بالتراجع والعتمة والعجز والبلادة.. 
تكفي هنا تراجيديا الرحيل، أو الترحيل، المفاجئ لمحمد سلطان، "أيوب المعتقلات السيسية"، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن خيّروه بين الهلاك والفناء داخل مقابر الشرطة المصرية، التي يسمونها معتقلات، أو التنازل عن جنسيته، لكي تجري معاملته مواطناً يحمل الجنسية الأميركية، تفتح له المطارات، وتُسهّل له إجراءات السفر، وتنام من أجله القوانين وتعطّل الأحكام.

لا أتصوّر أنه من العدل أن يلوم أحد محمد سلطان على قراره بالرحيل من عذاب المقبرة، وهو على قيد الحياة، ذلك أنهم، باختصار شديد، أعلنوها صريحة: كونك مصرياً، فهذا يعني موتك، لو كنت معارضاً أو معترضاً على شروط الحياة داخل تراب المقبرة المقدس.
غير أن المفجع أكثر أن حكام المقبرة، الذين يعذبون الموتى والأحياء فيها، بحديث صاخب عن الوطنية والتحرر والأمن القومي، بدوا كالحملان المطيعة حين أومأت واشنطن "وغمزت بعينها" أن أطلقوا سراح محمد سلطان، فكان أن صدر قرار الإفراج والسفر ليلاً، من دون أن يقول لنا أحد: ماذا عن الكرامة والشموخ والزعيم الذي يهتز العالم إذا تنحنح؟
المسافة بين "محمد سلطان الأميركي" و"محمد سلطان المصري"، هي الفرق بين الدولة والمقبرة، وبين المجتمع الإنساني وتجمعات الوحوش البرية في مناطق البحيرات والمستنقعات العطنة، هي الفرق بين الإنسان وباقي الكائنات.

تخيّل، مثلاً، لو سألت مستشارة ألمانيا عبد الفتاح السيسي في أثناء لقائهما عن قصة إطلاق سراح محمد سلطان، ماذا ستكون الإجابة؟
أغلب الظن أنها لن تخرج عن "إذا أردت أن نعاملك كإنسان، تنازل عن جنسيتك المصرية".


عاجل

الافراج عن محمد سلطان وترحيله الى امريكا بعد عامين من اعتقالة و489 يوم من الاضراب عن الطعام











لماذا تستهدف إيران التجمع اليمني للإصلاح؟

لماذا تستهدف إيران التجمع اليمني للإصلاح؟

مهنا الحبيل

لا تكاد قوات التحالف الموالي لإيران في اليمن، وخاصة الذراع الحوثي تدخل بلدة ولا حياً وربما شارعاً في مدن اليمن، إلّا وتوجهت لمراكز التجمع اليمني للإصلاح والتي غالبيتها مراكز تربوية واجتماعية، وتستهدف قياداته بالاعتقال، ونهب محتويات المراكز وتحرقها، وهكذا عبر سلسلة بدأت منذ أول اجتياح للحوثيين بعد سقوط «دماج» وصولا الى اجتياح أيلول سبتمبر وما أعقبه.

ولم تكن بدأ خطة إيران في اليمن وخاصة استهداف تجمع الإصلاح وليد الاجتياح، بل تم الإعداد له مبكراً، من خلال املاءات الحوثيين وأخطرها توجيهات مستشاري المخلوع للرئيس هادي بنقض ترسانة الولاء العربي في الجيش اليمني وفي قطاعاته الحساسة المرتبطة بالإصلاح، وهو ما أقره الرئيس هادي في حينها ضمن الأخطاء الكارثية التي أوصلت اليمن لهذا المنزلق.

ولكن يعود السؤال من جديد لماذا الإصلاح وليس غيره؟
إن استهداف طهران للإصلاح اليمني، كونه الترس السياسي الاجتماعي والديني الوطني الوحيد الذي استطاع أن يشكل قاعدة تجمع اجتماعي عشائري وفكري وسياسي، يحفظ لليمن توازنه وممانعته العربية الإسلامية، أمام الاختراق الإيراني وأمام تغول المخلوع الغاشم، الذي بعثر واقع عشائر اليمن وقدراته، عبر سلسلة من نفوذ المال والميلشيا، والتحالفات الشيطانية.

ولا يُمكن أبداً ان تكون هذه الخطة التي صيغت بجدولة دقيقة لتفكيك معسكرات الجيش وتسليمها للموالين لصالح والحوثيين، قبل الاجتياح، قد رتُبت هكذا، ولكنّها نتائج اتفاق ولقاء مباشر وقديم بين صالح والإيرانيين، وذات موقف احمد علي صالح سفير اليمن المخلوع في «أبو ظبي» في العرض الذي قدمه للأمير محمد بن سلمان بالانقلاب على الحوثي مقابل عودة والده والاعتراف به وريثا له، وهو عرض في أصله يحمل نوايا الغدر المتجددة، ورَفَضَهُ وزير الدفاع، يوحي الينا بحجم هذه الترتيبات التي جرت مع الإيرانيين.

إن العودة لمعرفة النسيج الاجتماعي والثقافي للتجمع اليمني للإصلاح، تعطينا مؤشرا مهما عن هدف إيران من ضرب الإصلاح، وأنه يهدف ليس فقط اقتلاع مكامن القوة في الممانعة السياسية والعسكرية، بل مضامين الوحدة الاجتماعية بين اليمنيين وقبائلهم وكل نواحيهم، وهذا لا يعني عدم وجود تيارات قوية من إسلامية وقومية غير الإصلاح.

لكن الحقيقة الكبرى أن كل هذه القوى ليست قادرة على صناعة قاعدة المقاومة الاجتماعية، والثقافية للاجتياح الإيراني لليمن دون الإصلاح، وأن بعض هذه القوى، التي استحسنت اندفاع الحوثيين السابق باستغلال الموقف الخليجي لاجتثاث الإصلاح، على أمل وقوف الحوثي بعدها أمام توازن يخدمهم، عادت مرة أخرى لتكتشف أن ذلك الاجتياح لا يُبقي ولا يذر من آمال بقاء اليمن خارج عباءة ولي الفقيه وصناعة الدولة البائسة في أكمامه.

إن التجمع اليمني للإصلاح والذي ضم قاعدة الحركة الإسلامية في اليمن، والمتصلة الفكر بثورة آل الوزير وهم من مدرسة الإمام زيد، ضد الحكم الإمامي المستبد، ومحمد محمود الزبيري وروح الإسلاميين الأوائل وقامات من الفكر والشخصيات الاجتماعية، والتي لم تكن تمثل حالة تنظيمية للإخوان المسلمين بقدر ما هي حالة فكرية إسلامية تشمل مدرسة الاخوان ومدارس الفكر الإسلامي الحديثة، وحّدت الشافعية والزيدية في صناعة الفكر الإسلامي المعاصر لنهضة اليمن.

وحصد التجمع بقرار تشكيله بين الحركة الإسلامية والقبائل ذات التوجه الديني، ولاء قاعدة واسعة من الشعب اليمني رأى في وسطيته وانفتاحه وتدينه، مسارا مهما للولوج الى فكرة الدولة الحديثة، مع المحافظة على التوجه الإسلامي.

ورغم أن تيار الغلو والتشدد الذي أثر على علاقة الإنسان اليمني وصفاء الفكرة بين الزيدية والشافعية، قد اخترق بعض مجموعات الإصلاح التربوية والفقهية، وهو الغلو الذي ساعد الإيرانيين على خلق أرضية لفقه شيعي تكفيري متطرف الذي استدعته إيران وصنعت به ثورتها ومشروعها، وهو لم يكن له جذور في اليمن - إلا أن قاعدة الفكر الإسلامي الأولى بقيت لدى النظام الاجتماعي للإصلاح ليكون مظلة وطنية ودينية جامعة وقاعدة تدفع اليمنيين للوحدة، امام المشاريع الانشطارية للأرض والمجتمع.
ولذلك فإن اسقاط الإصلاح الذي بدأ بقرارات هادي عبر مستشاريه الموالين لصالح خلال فترة، خطأ تقديري كبير من دول الخليج العربي، كانت الترس الشرس الذي عَبَر من خلاله مشروع احتلال اليمن، وما يزال اليوم هو أيضاً بوابة أصلية من بوابات الإنقاذ لا يمكن أبدا للرئيس هادي الضعيف، أن يعوّض عنها، دون تواجد كبير لقدراتها السياسية وحلفائها في مصنع القرار المركزي، الذي سيُسهل عملية العبور السياسي لعاصفة الحزم والتنسيق العسكري اليمني المرتضى من الشعب.

وما يقوم به اليوم السيد علي سالم البيض والجهات المحسوبة عليه من هجوم على الإصلاح وكل الشمال اليمني ونعتهم بأوصاف سيئة، مستغلا الكفاح الفدائي العظيم لأهل الجنوب، هي مراهقة سياسية مرفوضة، وليس من حقه على الإطلاق تعقيد واقع الأرض والمعركة أمام المملكة، وتسخير أهداف الإنقاذ لمصالحه الفئوية والحزبية، مع ضرورة التأكيد أن من حق أبناء الجنوب الحصول على كامل حقوقهم السياسية في فدرالية مطلقة تنظم مصيرهم، لكن باتفاق سياسي تضمنه الرياض بعد النصر وتحقيق المصالحة اليمنية.

"كأنما تلقيتُ طعنة خنجر"



"كأنما تلقيتُ طعنة خنجر"


احسان الفقيه

"كأنما تلقيتُ طعنة خنجر"

هذا هو شعوره حينما تعرض لسؤال: "كيف يُمنع ارتداء الحجاب في جامعات دولة مسلمة كتركيا؟" عندما اضطر لإرسال ابنتيه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة تعليمهن الجامعي، بسبب منع ارتداء الحجاب في الجامعات التركية قبل تولي العدالة والتنمية الحكم في البلاد.

* جاء ذلك في كلمة للرئيس التركي خلال مشاركته في افتتاح مجموعة من المشاريع الخدمية في ولاية "أكسراي" وسط البلاد، حيث أضاف "سنواصل طوال عملنا السياسي الوقوف إلى جانب الشعب، وسنواصل تقديم الخدمات لكافة المدن التركية الـ 81".

لافتا إلى النقلة النوعية التي شهدتها مدينة "أكسراي" خلال 12 عاما في ظل الحكومة التي كان يرأسها.

وفي سياق آخر، انتقد أردوغان مسؤولي حزب "الشعوب الديمقراطي" ذو الأغلبية الكردية، وعلاقتهم بتنظيم الـ "بي كي كي" الإرهابي، لافتا أنهم يأتمرون بأوامر التنظيم الذي يقبع في الجبال. حيث تعهد زعيم الحزب "صلاح الدين ديميرطاش" بإزالة تعليم دروس الديانة من المدارس التركية وجعلها موادا غير إلزامية، في الوقت الذي قامت فيه رئاسة الشؤون الدينية بإعداد 10 آلاف نسخة من القرآن الكريم باللغة الكردية.

ولفت أردوغان إلى أهمية الانتخابات البرلمانية في السابع من شهر حزيران/ يونيو القادم، مؤكدا أن ذلك التاريخ سيكون منعطفا هاما سيفصل بين تركيا القديمة وتركيا الحديثة، من خلال تعديل الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي. للمضي قدما في تحقيق أهداف تركيا في دولة قوية في الذكرية المئوية لتأسيس الجمهورية التركية عام 2023.

====

ظل ذلك الشاب الذي لم يتجاوز العشرين عامًا يسبح بقوة برفقة أخيه الأصغر، وقد أصاب الإعياءُ هذا الأخير؛ فقرر العودة إلى الشاطئ.

ناداه أخوه راجيًا إياه ألا ينخدع بأولئك الذين يقفون على البرّ بأسلحتهم وقد نادوا عليهما يعطونهما الأمان، لكن فرط التعب قد جعل الصغير يجنح إلى الرجوع والتماس النجاة في وعد الأمان.

وبينما كان عبد الرحمن بن معاوية يصرخ في أخيه من قلب الماء؛ إذ بالغلام يصل إلى جند أبي جعفر المنصور.

وذبحوه..

نعم ذبحوه على مرأى عبد الرحمن، والذي أطبقت عليه السماء من فرط الهلع والحزن على أخيه، لكنّه قد واصل طريقه.

طريقه إلى إقامة دولة فتية في الأندلس، ولولا أن الله سخر هذا الرجل للأندلس لانتهى الإسلام فيها بحسب ما ذكر المؤرخون؛ فاستحق اللقب الذي اشتهر به: "صقر قريش".

ما أروع التمكين بعد الاستضعاف.. وما أجمل قطف ثمار الصبر.
في رائعة من روائع الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر، يتخيل حوارًا بين الزيت والماء ذلك أنهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء؛ فقال الماء للزيت منكرًا: لم ترتفع علي، وقد أنبتّ شجرتك؟ أين الأدب؟! فقال الزيت: لأني صبرت على ألم العصر والطحن، بينما أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة، وبالصبر يرتفع القدر.

ثرثارة أنا كعادتي معكم.. أعرف.

حسنًا.. دعونا من الزيت والماء، ولنعُد إلى صقر قريش.

لا ريب أنه بعد التمكين جلس يتذكر الماضي وطريق الأهوال، تمامًا كما رأيت أردوغان في خطاب له مؤخّرًا، يسترجع -بعد أن مكَّنه الله- ذكريات الماضي الذي امتلأت صفحاته بالأهوال أيضًا.

مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا


أطلق أردوغان هذه الأبيات من قلب ميدان ولاية “سيرت” في شرق تركيا، وهي للشاعر التركي "ضياء غوك ألب".

وللشعر سحر لا يُقاوم، إذا تولد من شعور صادق وانتظم في أبيات لها مكانها في مواقع الكلم، فكما قال بعض أهله: "يسمع المعنى نثرًا فلا يهز له عطفًا، ولا يهيج له طربًا، فإذا حُوِّل نظمًا فرح الحزين، وحرك الرزين، وقرب الأمل البعيد".

أو هو كما قال الرافعي في وحي قلمه: "إنما الوزن من الكلام كزيادة اللحن على الصوت، يراد منه إضافة صناعة من طرب النفس إلى صناعة من طرب الفكر".

يبدو أنني قد عاودتني الثرثرة أو عاودتها..

لا بأس في أن تصبروا على بعض عشوائيتي.

ما يجذب الانتباه في الحدث، أن أردوغان ألقى هذه الأبيات ذاتها في المكان نفسه قبل 18 عامًا، هي الفترة التي كابد فيها ابن حي قاسم باشا ورفاقه المشاق والصعاب، قبل أن يمُنَّ الله على الذين اسْتُضعِفوا ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.

ولكنّ الحدثين رغم تطابقهما، قد اختلفا في الأجواء والأصداء، ولكل منهما حكاية ورواية، وإشارات ودلالات.

عمدة إسطنبول خلف القضبان:

من كان يصدق أن إسطنبول سوف تكون أنموذجًا راقيًا تتطلع كل بلديات تركيا إلى اللحاق بها؛ فقط لأن العمدة كان ذلك الشاب من حزب “الرفاه”، الذي خطف بريقه كل الأنظار، واتخذ من العمل الجاد شعارًا ومن الإخلاص دثارًا.

لكنّ الآلة العلمانية الجبارة لم تكن لتسمح لهذا الشاب صاحب الجذور الإسلامية بالصعود والتنفّذ؛ فاستغلت يوم أن وقف بولاية سرت في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1997، وألقى تلك الأبيات ذات الصبغة الإسلامية الواضحة، فتقيأت تلك الزمرة من قاذورات مبادئها المتناقضة، وسُجن العمدة!

نعم سُجن أردوغان بتهمة تهديد أمن البلاد وزرع الفرقة واستنهاض مشاعر العداوة، وأوقعوه قسرًا تحت طائلة المادة 312 من قانون العقوبات التركي، كل ذلك من أجل أبيات تعبر عن هويته الإسلامية.

تم سجن أردوغان عدّة أشهر، لكنه أطلق كلمته التي وافقت ما جرت به أقلام القدر: "هذه ليست النهاية، بل البداية".

وفي يوم تنفيذ الحكم، تصل الحشود الرهيبة إلى منزل أردوغان، وتؤدي معه صلاة الجمعة في مسجد الفاتح، فألقى على مسامعهم خطبته التاريخية وكان مما قال خلالها:

"وداعًا أيها الأحباب، تهانيّ القلبية لشعب إسطنبول وللشعب التركي وللعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك.
إنني لست ممتعضًا ولا حاقدًا ضدّ دولتي، ولم يكن كفاحي إلا من أجل سعادة أمتي، وسأقضي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة، والتي ستكون إن شاء الله أعوامًا جميلة، سأعمل بجد داخل السجن، وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه".


"أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني وتدعوا لي بالصبر والثبات، كما أرجوا ألا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى وأن تمروا عليها بوقار وهدوء، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة".

وبعد 18 عامًا:

يقف أردوغان في ذات المكان بكل شموخ، ويتلو على مسامع شعبه ذات الأبيات، لكن الأجواء قد اختلفت، بعد أن هبّت رياح التغيير، وأينعت ثمرة الحرية.

"دخلت السجن بسبب قراءتي شعر “ضياء غوك ألب” في هذا الميدان بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 1997، رغم أن الشعر موجود في جميع المناهج التعليمية الرسمية ومُصدّق من قبل وزارة التعليم ومجلس التربية.

هل تذكرون ذاك الشعر؟

هل تعرفونه؟

هل نستطيع قراءته مرة ثانية؟

لنرَ سويًا إلى أين وصلت تركيا.. لنعرف معًا معنى الحرية”.

رسائل وإشارات

هل ترون أنها فكرة قفزت بغتة في ذهن أردوغان أن يسترجع الماضي بتلك الأبيات؟

لا أظن ذلك، فالرجل عهدناه حاد الذكاء، مستثمرًا للأحداث،
 فأرى أن أردوغان يبعث إلى أصدقائه وأعدائه معًا بعض الرسائل:

"لم أتغير ولكني تطورت"

تلك هي عبارة أردوغان التي أدلى بها بعدما صار زعيمًا لتركيا، وهي ذات الرسالة التي يبعث بها للجميع: "أنا لم أتغير، ولكني تطورت".

أراه يؤكد على هويته الإسلامية التي شكك بها البعض ووضعوه في خانة العلمانية والقومية.

يؤكد على أن تركيا مهما صيغ لها من توصيفات، فهي من التراث العثماني الإسلامي وإليه تعود.

إلى بني أتاتورك:
هي رسالة واضحة إلى العلمانيين، بأن عهد الدولة الكمالية قد ولى وانقضى زمانه، فلن تهيمن مبادئ أتاتورك على البلاد ثانية، ولتبقى على الجدران ممثلة في صورة أتاتورك حتى تأكلها الأرضة.

وليس أدلّ على ذلك من أنه في الخطاب نفسه، وجه تلك الصفعة للعلمانيين، عندما انتقد دعوات لرفع الأذان باللغة الكردية، وقال: "إن حزب الشعب الجمهوري، حاول في فترة الحزب الواحد، إبعاد الشعب التركي عن عقيدته، وتاريخه، وحضارته، وبناء مجتمع جديد يناسب "هواجسه الأيديولوجية"، مضيفًا أن "من يدعون إلى رفع الأذان بالكردية، يرغبون في إبعاد الأكراد عن عقيدتهم، وتاريخهم، وحضارتهم، وتحويلهم إلى أسرى لهواجسهم الأيديولوجية".

وفي معرض انتقاده لتصريح رئيس حزب الشعوب الديمقراطي "دميرطاش" الذي قال فيه: "كعبتنا هي تقسيم" (ميدان وسط إسطنبول)، قال أردوغان: "كعبتنا معروفة"، في إشارة إلى البيت الحرام، مشددًا على أن صناديق الاقتراع القادمة ستكون درسًا لهم.

عهد الحريات:
وكانت تلك رسالة وإشارة من أردوغان، إلى أن عصر الإرهاب والاستبداد وكتم الأنفاس وكبت الحريات قد ولّى، وأن تركيا في عهد العدالة والتنمية اتسعت فيها مساحات الحرية وامتدت، فلن تزج الكلمة المعبرة عن الرأي بصاحبها في السجون.

أردوغان بين شعبه:
وكانت رسالة من أردوغان، إلى أنه يحتمي بشعبه بعد الله تعالى، تلك الجماهير هي ما يعول عليه أردوغان، هي زاده، يعيش بها ولها، وليس هناك من حمى يطمئن فيه زعيم أو رئيس بعد الله من شعبه، لكنّ ذلك لا يكون إلا على مطية العدل والإخلاص.

ويا ليت بعض حُكّام أمتي يفقهون..

* هذا هو أخي المُسلم الذي وُلد وكبُر ومارس السياسة في دولة انتهجت العلمانية المُتوحشّة قبل أن يولد..

هذا هو أخي أردوغان..

الجمعة، 29 مايو 2015

"سيس عنخ آمون" في ألمانيا

"سيس عنخ آمون" في ألمانيا

وائل قنديل

لم يبق إلا أن يغلّفوا عبد الفتاح السيسي بورق سميك، قبل أن يشحنوه في حاوية مكتوب عليها "مصنّف أثري قابل للكسر".

الأجواء المصاحبة لزيارة نجم نجوم الانقلاب العسكري إلى برلين تزداد سخونة وهزلية، كلما اقتربت لحظة هبوط طائرة "تحيا مصر" في الأراضي الألمانية، إذ يواصل ما يسمى وفد "الدبلوماسية الشعبية" فقراته المسلية في المدن الألمانية، مواصلاً عروضه السياسية والإعلامية التي لا تختلف، شكلاً ومضموناً، عن الخطاب السياسي للزعيم، خليط فريد من الأوهام والأكاذيب الركيكة، تُقدَّم بأداءٍ تمثيلي يبعث على الملل، ولا تكفي لإقناع طفل.

الوفد المسافر لترويج الزعيم
"سيس عنخ آمون"، يتصوّر أنه بالإمكان تغيير الصورة التي عرفها العالم عن السلطة الفرعونية الجديدة في مصر، حيث تذهب واحدة من مندوبات تنشيط سياحة وسياسة زعيم الانقلاب إلى وصف رئيس البرلمان الألماني بأنه مجرد "باحث عن الشهرة"، لذلك يهاجم زعيمهم الأثري، كي يعرفه الناس.

يسلك هؤلاء، من دون تجديد أو تطوير، كما فعلوا في زيارة زعيمهم إلى نيويورك، للمشاركة في قمة المناخ، العام الماضي، يشعلون البخور ويدقون الطبول، ويقودون "زفّة شعبية" تغني وتهتف للزعيم، الذاهب لفتح أوروبا، بعد أن غزا أميركا.


في غزوة نيويورك، قلت إن نظام عبد الفتاح السيسي يخلط خلطاً عجيباً بين
"مصر" و"منتخب مصر"، وعلى ذلك، تأتي مشاهد البعثة الضخمة المرافقة له، في زيارته إلى نيويورك، أشبه بروابط مشجعي "منتخب علاء وجمال مبارك" لكرة القدم.
جمهور قائد الانقلاب ممّن استولوا على مقاعد قاعة الأمم المتحدة سلكوا، كما كان يفعل مشجعو المنتخب الكروي في المباريات التي يحضرها مبارك وولداه، ولم يكن ينقصهم سوى الطبول والدفوف والأعلام، وفنانات تجاوزن سن التقاعد، لكي نكون أمام مشهد ينتمي بالكلية إلى مدرّجات ملاعب الكرة.

ومن جانبه، لم يترك "اللاعب" شيئاً ممّا يصلح لمداعبة عواطف الجماهير، إلا وقام به، حتى الهتاف لم يتركه للجماهير المشحونة إلى نيويورك جواً، وقرر أن يهتف لنفسه "تحيا مصر"، قالها بالسين بدلاً من الصاد، على عادته في افتراس قواعد التخاطب ونهش اللغة العربية من رقبتها حتى ركبتها.

إعلام الجنرال، هو ذاته إعلام علاء وجمال، وروابط المشجعين ذاتها لم تتغيّر، ومن ثم نقل الإعلام الحدث (حدث هتاف السيسي لنفسه وتصفيق الجماهير المتعصبة له)، باعتباره صيحات تشجيع هادرة من الأسرة الدولية، إعجاباً وافتتاناً بمهارات اللاعب الجديد، وأدائه في أول ظهور له في الملاعب الأممية. هل يختلف ذلك عمّا كانت تصرخ به روابط مشجعي منتخب جمال وعلاء "زي ما قال الريّس منتخبنا كويّس"؟
والحاصل أن شعب السيسي يتعامل معه مثل شخصية "المبروك" في التراث الشعبي، لا يهم ما إذا كان يقول كلاماً معقولاً أم لا، لا يتوقف أحد عند مؤهلاته في الحكم والإدارة، بل يتحوّل إلى "تابو"، أو "تميمة مقدسة"، الاقتراب منها أو المساس بها، يستنزل اللعنات على من يجرؤ على النقد أو المناقشة.

في ألمانيا، كما في أميركا، يعرض عبد الفتاح السيسي بضاعته الوحيدة، خدمات أمنية، للبيع أو للإيجار، في سوق "الحرب على الإرهاب"، مع اختلاف جوهري، يتعلّق بالعوائد، فبعد أن كان المطلوب طائرات أباتشي ومعونات مالية، انخفضت المطاليب إلى إمكانية الرضا بصورة تذكارية مع مستشارة ألمانيا، أو حوار في محطة تلفزيونية أو صحيفة، مسبوقاً بلقب "الرئيس".
فالحاصل أن النظام لم يعد يشغله سوى اصطياد شهادات اعتراف به، مدفوعاً بذلك الإحساس بالخواء والعدم، الذي يجعله يتشكك، طوال الوقت، في شرعية وجوده في الحكم، ومن ثم لم يعد يعبأ بوضع مساحيق على وجهه الاستبدادي البشع، متصوراً أن "محاربة الإرهاب" تضمن الاستمرارية.

لقد اجتمع السيسي برؤساء أحزابه، قبل أن يشد الرحال إلى ألمانيا، وتخيّل السُذَّج، أمثالي، أنه سيقدِم على خطوة تبدو تمسّحاً في الديمقراطية، بالدعوة إلى انتخابات نيابية، غير أنه بقي مخلصاً لمحدودية قدراته حاكماً، وضيق أفقه السياسي، وخرج الجميع من اللقاء، يضربون كفاً بكف، ولا يجرؤ أحدهم على الاعتراف بأنه "مغفّل كبير".

روبرت فيسك: مجرم الحرب يستقيل

روبرت فيسك: مجرم الحرب يستقيل




 نص المقال

أخيرا، أسدل الستار على نهاية زمن توني بلير، مبعوثا للشرق الأوسط، ممثلا للولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبعد 8 سنوات من تقلده وظيفته، قدم بلير استقالته، مخلفا وراءه سؤالا مفاده: كيف لمجرم حرب أن يضحى أصلا مبعوثا للسلام؟

التساؤل السابق يدور على ألسنة شعوب الشرق الأوسط، ومعظم دول العالم، منذ تعيينه رجل اللجنة الرباعية في القدس( المحتلة)، ذي مهمة رسمية ويائسة تتلخص في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

هل كان يفترض أن تؤدي تلك المهمة الجديدة إلى غسل يديه من الدماء بعد كارثة غزو بوش- بلير للعراق، ومئات الآلاف من الأرواح البريئة التي أزهقت جراء ذلك؟

"بالنسبة للعرب والبريطانيين، الذين فقدوا أحباءهم في تلك الحرب المخزية، كان تعيين بلير مبعوث للجنة الرباعية إهانة بالنسبة لهم.

الرجل الذي لم يعتذر أبدا عن كارثته السياسية ذهب بعدها بأربع سنوات إلى القدس مع فريق عمل، مع إهدار الملايين في الإقامة وتذاكر السفر، دون أن يحقق شيئا على الإطلاق في فترة قاربت عقدا من الزمان.

وبدا بلير لا مباليا تجاه المعاناة الهائلة للفلسطينيين، وكان عاجزا بوضوح عن درء ذلك، وقضى معظم وقته بعيدا عن مأساة الشرق الأوسط، مسديا المشورة لطغاة العالم الإسلامي، ومخبرا العالم، من أجل إرضاء إسرائيل، عن المخاطر التي تمثلها إيران.

وكلما كان بلير أكثر ادعاء بعلم الغيب، كلما أصبح أكثر انفصالا، في عيون المنطقة المفترض أنه أرسل لحمايتها.

أحد أنصار بلير دافع عنه ذات يوم على القناة الرابعة مستشهدا بسفرياته التي قاربت مائة مرة، دون أن يذكر المفارقة الساخرة الأساسية، وهو أن المسؤول البريطاني الأسبق غادر المنطقة حوالي مائة مرة قاصدا وجهات أكثر إجزاءً بالنسبة له.

كان من المفترض أن ينتج بلير ما هو أكثر من ذلك الترياق السهل الذي يخرج من شفتيه، مثل ادعائه بأن حلحلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يكون أسهل من إنهاء أزمة أيرلندا الشمالية.

لكن الفلسطينيين لديهم ما يتجاوز كثيرا هؤلاء الكاثوليكيين الأيرلنديين الذين استئصلوا من أرضهم علي أيدي المزارعين البروتستانتيين في القرن السابع العشر.

لو كان بلير قد استقال منذ عامين فحسب، بعد وصف قيادات فلسطينية لوظيفته بأنها "بلا جدوي".

أما إسرائيل، فبكل تأكيد، لم تصفه أبدا بذلك الوصف.

وأدان بلير بقوة ما سماه حملة نزع شرعية إسرائيل،معتبرا ذلك، في انحياز واضح، "سبة للإنسانية"، وهي كلمات لم يستخدمها أبدا عند حديثه عن الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين بغزة.

العرب ينتظرون الآن إذا ما كانت اللجنة الرباعية ستتكرر حماقتها بتعيين شخص غير ملائم بالمرة، في تلك المهمة الصعبة، التي يطالب الكثيرون في المنطقة بإلغائها.

ومنذ ثماني سنوات، كان هناك مجرد أمل شحيح في ظهور دولة فلسطينية إلى النور، لكن الآن انعدم ذلك البصيص.



أزمة.. وتعدّي!

أزمة.. وتعدّي!


الجمعة 11 شعبان 1436 الموافق 29 مايو 2015

د. سلمان بن فهد العودة

لا يتعلَّم النسر كيف يطير إلا بعد ما تقوم أمه بحفزه على القفز؛ ليحصل على الطعام الذي أعدّته له، فيضطر إلى أن يفرد ريشه ويحاول أن يطير، وهي في حال استعداد لإسعافه إذا سقط..

هكذا هي الحياة والتحديات تجعلنا نفرد أجنحتنا ونتعوّد على التحليق!

هل نظرت إلى السماء وهي ملبَّدة بالغبار الأسود الكثيف؟ إن راكب الطائرة لا يراها كذلك بل يجدها ناصعة الصفاء.

السمو والنظر البعيد يجعلك ترى الأشياء بصورة أفضل.. ترى وجهها الجميل!

وربما أراد بك عدوك شراً، وأراد الله لك بهذا الشر خيراً، وإرادة الله غالبة لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (13:الرعد).

حياتنا مقرونة بقدْرٍ من القلق الإيجابي المثير؛ الذي كان وراء الكثير من نجاحات الحياة العظيمة.

كثيرون ألفوا وضعاً عادياً لا يحبون الخروج منه، فيريد الله أن يخرجهم إلى ما هو أفضل بواسطة أزمة عابرة تنتزعهم من الإذعان لذلك الواقع المنقوص..

والألم الذي تُحدثه الأزمة يُظهر أجمل مافي النفس من معاني الإيمان، والحب، والمعرفة، والتواضع، والطِّيبة، والإيثار، والنقاء، والبناء..

قبل طلوع الفجر تشتدّ الظُّلمة وتعصف الرِّيح..

في الأرض والنفس كنوز مخبأة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر أقبية الظلام.

كثير من الزهور الجميلة والنباتات لا تنمو إلا في الظلام.

في الظلام نتعلّم كيف نثق باليد التي تمسكنا دون أن نراها.. يد الله!

وقبل الولادة مخاوف وبكاء ومخاض ولكن النتيجة رائعة.. وجه كالقمر.. وعينان كغابتي نخيل!

عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ

أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ..


الإيمان بالله يشحن النفس بالثقة والأمل، ويجعل من الأزمات والضيقات مجالات خصبة للنمو، والبركة، والتجربة، والإبداع.

الأمل الإيجابي هو سحر الحياة وروحها..

تستطيع أن تعيش أربعين يوماً بلا طعام.

وثلاثة أيام بلا ماء.

وثمان دقائق بلا هواء.

ولا تستطيع أن تعيش ثانية واحدة حين تفقد الأمل.. حين يستبدّ بك اليأس!


الآلام تسوقنا إلى الله، وتذكّرنا بالطريق، وتُلهمنا الذكر والتسبيح.

بمقدورك أن تصبح أقوى من ألمك ليس بأن تتحمّله فحسب، ولا بأن تحوّله إلى وسيلة للتفوق والبناء فحسب، ولكن بأن تفيض من روحك على البائسين والمحرومين والمعذَّبين.

كثيرون يظنون أن قربهم من الله يحرمهم اللذة، والمتعة، وجمال الحياة.. والحق أن الإيمان بالله يُضاعف المتعة والبهجة، ويصنع سوراً منيعاً ضد الإحباط والقنوط.

الأكل من الشجرة المحرَّمة قصة بدأت مع آدم وهي تتكرر في حياتنا، ولكن لا يجب أن نفهم الأزمة على أنها (عقاب) محض.. هي تطهير ورفعة منزلة، وحماية من خطر قادم.

لو كنت أكثر قوة مما أنت، أو أكثر جمالاً، أو شباباً، أو مالاً، أو نفوذاً.. لربما صدر منك ما تعيبه على غيرك!

متى نعود إلى الله؟ الابن الشارد يعود إلى المنزل حينما يمرض، أو يفقد ثروته، أو يتحطَّم.. ولله المثل الأعلى.

الفلاح يذرو الحَبّ في الهواء؛ لتطير النخالة وتبقى الحنطة الصافية، وهكذا هي رياح المحنة تذهب رديئك وتبقي طيبك!



هل تقول إنك سَيِّء الحظ؟

كلا؛ فرُبَّ مُقعَد، أو أعمى، أو ضعيف، أو فقير.. كانوا أكثر سعادة، وأعظم تأثيراً من الملوك، والأغنياء، والأصحاء.

ليست الحياة حديقة زهور ولا هي حقل أشواك، ولكنها يمكن أن تكون كذلك إذا كنت مصرّاً على أن تفهمها هكذا.

أنت تثق بالمعلم، والطبيب، وقائد المركبة، والرسّام الماهر، وصانع الفيلم.. فكيف لا تثق بالله الرحيم، الحكيم، اللطيف، الخبير؟!

وإذا لم تفهم عقدة القصة أو سر اللوحة فأعد التأمل واستعن بخبير!

وإن بنيت علاقتك مع الله على المصلحة العاجلة فحسب فقد بنيت منزلك على رمال متحركة!

كيف تعاملت مع الأزمة؟


هل كنت ممن يحتفظ بها، ويغلق الباب على نفسه، ويستسلم للعواصف، ويجترّ الآلام ثم يتحوّل إلى الشرود، والإهمال، والتذبذب، والأمراض النفسية، والروحية؟

أم كنت ممن يتمرّد على الأزمة، فيتمرّد على قيمه الإيمانية، والروحية، والاجتماعية.. ويتحوّل إلى العنف، والقسوة، ومحاولة الانتقام من المجتمع؟

أم حاولت الهروب من الأزمة وتجنب التفكير فيها وعدم مواجهتها، وربما قتلت وقتك بالترفيه السلبي واللهو والإدمان؟

أم أنت من ذلك الصنف الواعي؛ القادر على مواجهة الأزمة بصبر وإيمان وخبرة بالحياة، وعقل منفتح على الخيارات، وروح هادئة تدري أن الحزن مقدمة السرور، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً؟

مفتاح الحل بيدك.. أن تنظر إلى الأمام.. إلى الممكن والمقدور، وتتكيّف مع المتغير سريعاً ودون إبطاء، ولا تطل الالتفات إلى الخلف إلا بقدر ما يتطلبه الوفاء والاعتبار، وإياك أن تكون كالشريف إذ يقول:

وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت عَنها الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ


{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (23:الحديد).