الجمعة، 31 مارس 2023

«لا مجال لليأس»: حوار مع د. محمد حامد الأحمري

 «لا مجال لليأس»: حوار مع د. محمد حامد الأحمري

  



 محمد الأحمري

«أيام بين شيكاغو وباريس»، «نبت الأرض وابن السماء: الحرية والفن عند علي عزت بيجوفيتش»، «مسؤولية المثقف»، «مذكرات قارئ»، «ملامح المستقبل»، «الديموقراطية: الجذور وإشكالات التطبيق».. هي عناوين لبعض مؤلفات د. محمد حامد الأحمري، التي عشنا في أجوائها وعوالمها الثرية أثناء التحضير لهذا الحوار… بين تعدد الاهتمامات الثقافية، وتنوع حقول المساهمات المعرفية والأنشطة المؤسسية، وخلال مسيرة حافلة امتدت من مدينة أبها في المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة الدراسات العليا والحصول على درجة الماجستير، ثم إلى لندن للحصول على درجة الدكتوراه، ثم مرة أخرى إلى الولايات المتحدة التي شغل بها منصب رئيس «التجمع الإسلامي في أميركا الشمالية»، وأخيرًا إلى الدوحة التي يشغل بها حاليًا منصب مدير «منتدى العلاقات العربية والدولية»؛ نجد أنفسنا أمام سيرة ثرية ومثيرة للأسئلة والفضول الثقافي، وهي الأسئلة التي تعكس جوانب من التجربة الشخصية لضيفنا، وهمومه التي هي بالتبع هموم العالمين العربي والإسلامي، وتعكس أيضا تحديات الراهن ودروس الماضي القريب. 

وفيما يلي نص الحوار:

 (س)- هل ترون ثمة ضوء يلوح في آخر ذلك النفق المظلم لمجتمعاتنا العربية المأزومة سياسيًا واقتصاديًا، بعد هذا العقد المنصرم الذي شهد انهيارًا مدويًا للأحلام والآمال العريضة بالديمقراطية والإصلاح السياسي في منطقتنا العربية؟

(ج)- الحياة مستمرة وشعوبنا حية وشابة وتموج بالنشاط والأفكار وتحدياتها كبيرة ولا مجال لليأس، أما اليائسون فهم موجودون بعد وقبل كل الأحداث المهمة، ولكن علينا بعث الهمم وتجديد الأفكار وبعث النشاط، والتغييرات الكبيرة قادمة، أحب من أحب وكره من كره. وإذا استمر الإصرار فلا سبيل للهزيمة، فقد ثار الروس عام ١٩٠٥ ثم فشلت الثورة ولكنها قامت مجددًا عام ١٩١٧، وثار الشعب على الشاه بقيادة مصدق في إيران عام ١٩٥٣، ثم استطاعت بريطانيا وأمريكا تدمير خيار الشعب ولكنه انتقم من الهزيمة وثار واستعاد بلاده من العملاء بثورة ١٩٧٩، ربما لم يكن الثوار جاهزون للانتصار وضيعوا مكاسبهم بسرعة، ولكن الجولات القادمة سيفهمونها بشكل أفضل، وسيعرفون كيف يحافظون على مكاسبهم.

 (س)- من وجهة نظركم د. الأحمري، ما هي أبرز الأخطاء السياسية التي ارتكبتها الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم عقب ثورات الربيع العربي في كل من مصر وتونس والمغرب؟

(ج)- لا أظن أن الأحزاب الإسلامية قد وصلت إلى سدة الحكم في أعقاب الثورات العربية بل هي توهمت أنها قد وصلت، وبقي القرار الخارجي نافذًا عبر وكلائه ممن يسمون بالحكومات العميقة ولا أسميها الدولة العميقة. أما الإشكالية الأكبر فهي أنهم لم يكونوا عارفين بطرق إدارة الحكم حتى يشاركوا فيه وكانوا يقدمون الطيبين والموثوقين ولا يعرفون الأكفاء من أنفسهم حتى يقدموهم، ثم أضاع التنافس غير الشريف بينهم فرصهم -لو جاءت- وهُم في النهاية نِتاج معارضة لنظم فاسدة، فأصابتهم أمراض حكوماتهم، مثل تقديم الأقارب والولاء والمال والواسطة. وظهرت فيهم هذه العيوب الموروثة عن خصومهم، رغم أنهم لم يحكموا فعلا.

(س)- بحكم تجربتكم وإقامتكم الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعملكم السابق كرئيس للتجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، كيف ترون مستقبل الإسلام والأقليات المسلمة في الغرب، في ظل الصعود السياسي لأحزاب اليمين الجديد الشعبوي، وتنامي خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؟

(ج)- العالم المسيحي عالم شديد الكراهية للمخالفين دينيا وتلك حقيقة حضارية شواهدها في البلقان وعموم شرق أوروبا وإسبانيا، وقد تحدث عن هذه الحقيقة أساتذة غربيون مرموقون عن بلادهم وأنهم لا يقبلون التنوع، وتحدث رحالة مسيحيون عجبوا من التنوع في العالم الإسلامي ومن بقاء النصارى واليهود في بلداننا قرونًا عديدة سكانًا محترمين لهم حضورهم، وأحيانا تولوا وزارات وكان لهم نفوذ كبير، وقد هرب بعض النصارى واليهود من الغرب إلى العالم الإسلامي، وهذا سجله كثير من مؤرخيهم حتى المتعصبين، والحديث يدور هذه الأيام عن المسلمين في الغرب عمومًا والمقولات الذائعة أنهم أصبحوا جزءا من العالم الغربي وهذه حقيقة ففي أوروبا حيث يوجد حوالي ثلاثين مليونا وفي بعض الدول نسبتهم تزيد عن ثمانية في المائة، وأقول لو بقي الغرب متنوعًا وديموقراطيًا، وظل للعلمانية والليبرالية مكان في تلك المجتمعات فقد يأمن المسلمون على أنفسهم، ولكن كلما زادت المواجهات مع العالم الإسلامي وزادت أزمات الغرب فسيكون المسلمون ضحية الخلاف الداخلي والأزمات الخارجية. ولا ننس أن أحد المفكرين المسلمين حذر من أن تتكرر المذابح أو الهولوكوست في أوربا مشيرا إلى أن الضحايا قد يكونون هذه المرّة مُسلمين.

(س)- بحسب عدد كبير من الإحصاءات والتقارير المؤكدة، ثمة ظاهرة في الولايات المتحدة، ألا وهي انتشار الإسلام داخل السجون الأمريكية. بحكم خبرتكم الحياتية والمعيشية في الولايات المتحدة ونشاطكم المؤسسي الأسبق المتصل بمثل هذه القضايا، نود أن نعرف منكم د. الأحمري رأيكم الخاص عن أسباب هذه الظاهرة الدينية والاجتماعية اللافتة ودلالتها؟

(ج)- ظاهرة الإقبال على الإسلام في الغرب كبيرة وفي أمريكا خاصة بين الأقليات كالسود بالدرجة الأولى ثم المساجين من أصول إسبانية، ومن الأسباب صفاء وقت السجين فعنده وقت زائد وحرية معدومة أو كما يقولون سعة في الزمان وضيق في المكان، ويجد مسلمين معه مضطهدين عندهم أخلاق ودين ومروءة وبلا انحرافات فيجذبونه إليهم، والوقت الواسع والقراءة والنقاش دفعت الكثيرين إلى الإيمان بالإسلام، إضافة إلى أن بعضهم ينبه بعضا بأن أصل أجدادكم من المسلمين، وعامل آخر وهو أن قيادات السجون من الشرطة وغيرهم لاحظوا أن السجين إذا أسلم تحسنت أخلاقه وقلل من الخلاف مع قيادة السجن، فسبب ذلك طلبات مستمرة من إدارة السجون للجاليات الإسلامية أن ترسل دعاة إلى السجون للمساهمة في تخفيف الأزمات التي تواجهها إدارات السجون مع المساجين.. هذه بعض العوامل.

 (س)- تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس والضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة حالة من التوتر الشديد للغاية، وتصاعد غير مسبوق لعنف القوات الأمنية الإسرائيلية والمستوطنين الموجهة ضد المدنيين الفلسطينيين. في هذا السياق، نود أن نسألكم دكتور عن رؤيتكم لمستقبل القضية الفلسطينية؟ وعن موقفكم من مناداة البعض بحل “الدولة الواحدة” ومواجهة الكيان الصهيوني من منطلق أنه دولة فصل عنصري “أبارتهايد” كما يطرح بعض المثقفين والسياسيين الفلسطينيين؟

(ج)- بحكم آثار دراسة التاريخ عليّ فلا أظن أن هناك مستقبلا بعيدا للوجود الصهيوني على أرض فلسطين، فليس لديهم أي عمق لا عرقي ولا لغوي ولا قبلي ولا ديني في هذه الأرض. وهم كيان اختار أن يكون معاديا بإقدامه على مذابح دموية وتطهير عرقي وعلى نسق أسوأ من النمط الاستعماري بعد انقضاء زمن الاستعمار. وهم جزيرة صغيرة معادية في بحر من العرب والمسلمين، فكلنا نعرف أن النصارى الصليبيين وتلك تسميتهم لأنفسهم، الأوربيين الذين سماهم المسلمون وقتها بالفرنجة لأن أغلبهم كانوا فرنسيين بقوا قرنين من الزمان ثم هربوا أو أسلم عدد منهم أو هرب للصحاري؛ فكيف الآن بعدد قليل قهر المسلمين بسلاح المسلمين فأنى له أن يبقى، أما حل دولتين فلن يقبل به الغزاة إلا بالقوة، ولا بحل الدولة الواحدة إلا بالقوة، فاليهود أسسوا لعلاقة دموية لا يقبلون إلا بها، والفلسطينيون حاصرهم عدوهم وأملى عليهم هذا الخيار في التعامل. وهم قد جاءوا بالسلاح ولا يقبلون إلا به وسيلة للتعامل، ويوم يضعفون فإن خصمهم سيعطيهم ما أعطوه.

استطلاعات الـ”تيك أواي” لا تصنع مرشحا بل تهدم الأمم

استطلاعات الـ”تيك أواي” لا تصنع مرشحا بل تهدم الأمم

ياسين أقطاي


إنه منذ اللحظة الأولى لدخول التقويم الرسمي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية حيز التنفيذ، التي ستجرى في 14 مايو/أيار المقبل تم إيقاف الأعمال الأُخر كلها حتى ذلك التاريخ، ولم يبق هناك مجال لأي موضوع آخر في تركيا غير المسألة السياسية وعلى رأسها الانتخابات. حتى إن كارثة القرن التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف مواطن التي كانت متصدرةً للمشهد وحديثَ وسائل التواصل كلها، قد تنحت فجأة عن السياق مع الانشغال بأجندة الانتخابات، وبدا الأمر كما وأن آثارها قد انتهت في وقت لا يتناسب مع حجم الكارثة.

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي..

وهكذا فالأحداث الجديدة عالمية كانت أو محلية تتصدر المشهد لمدة، وكأنها صور عدة متحركة على شاشة عملاقة تأخذ كل واحدة منها مساحة تبعًا لحجمها وحداثتها، وذلك مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي دخلت عامها الثاني، والاحتجاجات الشعبية الحاشدة في فرنسا، واحتمال اعتقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قريبًا، والتقارب بين تركيا ومصر الذي يعد أهم تطورات السنوات العشر الماضية، وافتتاح الرئيس أردوغان لشركة إنتاج البورون كربيد في مدينة “باليكسير بانديرما”، وصدور أولى منتجات سيارة (TOGG)، وبداية الحصول على طلبات الشراء بعد إنتاج أول طائرة قتال تركية وطنية (MMU) وطائرة التدريب والقتال الخفيف التركية (HURJET)، تأتي أجندة الانتخابات التركية لتتصدر المشهد الآن.

ورغم أن العالم سيشهد في العام الحالي 2023 عددًا من الانتخابات في مناطق متفرقة، فإن تركيا هي الأخرى على موعد مع الانتخابات التي ستؤثر في الموازين العالمية بشكل أكثر مقارنة بغيرها من الانتخابات التي ستُجرَى في جميع أنحاء العالم، ويبدو ذلك واضحًا من نظرة الصحافة العالمية والدوائر الدولية إلى الانتخابات التركية واهتمامها الكبير بمتابعة أحداثها حتى قبل أن تنطلق فعليًا، إذ لا يخفى على الإطلاق أن الرئيس أردوغان يمثل نموذجًا غير مألوف في النظام العالمي الحالي، كما أن توجه القوى العالمية لدعم معارضة أردوغان ليس سرًّا وبالطبع ليس من المتوقَّع أن يسفر هذا الدعم عن نتائج تصب في صالح تركيا.. كَيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأْسِكَ؟!

فإن أيًّا من الدوائر الدولية غير المتوافقة مع إدارة أردوغان لا تريد الخير لتركيا، وإنها ليست راغبة على الإطلاق في حدوث أي تطور حقيقي في تركيا، ولذلك نجد أنفسنا أمام تساؤل مشروع، هو: هل تريد اليونان والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا أن تصبح تركيا دولة أكثر ديمقراطية؟! هل مشكلة هؤلاء الحقيقية مع الديمقراطية؟! هل يريد هؤلاء رفاهية الشعب التركي؟! والإجابة بالتأكيد ستكون بالنفي.

إِنَّ الرَّائِدَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ.. لا تكن سببًا في خداع الآخرين..

ليس لدى الولايات المتحدة ولا أوربا أي تطلعات أو رغبات حقيقية بشأن أن يصبح أي مكان في العالم الإسلامي أكثر ديمقراطيةً.. إنهم لا يريدون سوى حكومات أكثر انسجامًا مع أجنداتهم ومصالحهم، وهذا غير ممكن في الأنظمة الديمقراطية، ولذلك تجدهم يتواصلون ويتعايشون بشكل أفضل مع الأنظمة الاستبدادية غير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم الإسلامي في تناقض عجيب في الموازين. ومشكلتهم الحقيقية مع أردوغان ليست أنه غير ديمقراطيّ بما فيه الكفاية، بل لأنه ديمقراطي أكثر من اللازم أكثر مما يريدون أنه يمثل شعبه ولا يمثل الأجندات الخارجية..

ولو كانت الحقيقة خلاف ذلك لما كان -كما هو واضح- لديهم مثل هذه العلاقات الوثيقة مع أنظمة الشرق الأوسط، حيث لا تُشَمُّ رائحة الديمقراطية، لذلك وبغض النظر عما تَعِدُ به المعارضةُ الشعبَ التركي اليوم، فإنها لا تقدم سوى تقديم تنازلات للأوساط الدولية دون الانشغال بالداخل التركي، الأمر الذي يجعل المعارضة مفضلة لدى الخارج وأكثر انسجامًا معها.

الاستطلاعات من تأسيس للحقيقة إلى صناعةٍ للوهم..

استطلاعات الرأي التي هي إحدى الوسائل الروتينية في العملية الانتخابية التي تعد مؤشرًا مهمًا في بيان ثقل كفة مرشح على آخر إذ إنها عندما تُجرى بشكل صحيح تقنيًّا يمكن الحصول على نتائج حقيقية وبيانات موثوقة حول الاتجاهات العامة في مدة زمنية معينة، لكن أكبر عقبة أمام الوصول إلى ذلك بشكل صحيح هي أن تلك الاستطلاعات غالبًا تكون موجهة، أي يتم إجراؤها حسب الطلب، أي أنها تُجرَى لعرض نتائج معدة سلفًا، فعندما تريد المنظمات القائمة عليها رفع بيانات الواقع الفعلي لا تكون هناك مشكلة حقيقية، ولكن عندما يوجهونها لتصل عادةً إلى النتائج التي يرغبون فيها لا النتائج الحقيقية، فإن النتائج -ظاهريًّا- تأتي كما يرغبون، وتكون تلك الاستطلاعات مجرد توجيهات من المستوى الأعلى ولا علاقة لها بما يجري في ميدان المنافسة الحقيقي.

لو يَعْلَمُ المَرْءُ مَا بِالنَّاسِ مِنْ دَخَنٍ..

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عندما نعرض صورة من المجتمع الدولي نجد أن استطلاع رويترز ذات الاتجاه المعروف فيما يتعلق بالنظام السياسي في تركيا منذ البداية، لا يعدو كونه استطلاعًا مُعَلَّبًا يسير في الطريق نفسه الذي كانوا يسلكونه بشكل روتيني طوال 20 عامًا، فذلك الاستطلاع الذي يَرى أو يُظهِر فرقًا بمقدار 10 نقاط بين أردوغان وكليتشدار أوغلو لصالح الأخير لا يعدو كونه عرضًا لأحلام حزب الشعب الجمهوري، وبالطبع ليس من المفاجئ أن تلعب منظمة مثل رويترز دورَ مفسر أحلام حزب الشعب الجمهوري، لكن دعونا ننتهز هذه الفرصة للتذكير ببعض الحقائق العامة حول استطلاعات الرأي التي تهم الجميع.

بادئ ذي بدء، أدت تقنيات الاتصال الجديدة وأجهزة الكمبيوتر والهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تسريع أعمال الاستطلاع وتسهيلها، وهي إلى جانب ما توفره من وسائل الراحة فإنها تتيح إجراء أنواع الحيل جميعها والخدع كلها، إنها لا شك وسائل وأدوات وأسلحة ذات حدين، وحينما يكون مقصدها الاستجابة للتوجيهات على الفور وفي أي وقت دون رعاية الحقائق فإنها تصير أدوات شيطانية يمكنها الاستجابة للنداءات على الفور وفي أي وقت، لكن الأهم من ذلك كله، أنها تضلل المتابعين لا سيما الذين لا يقفون على أرض صلبة في هذه المسائل المطروحة للنقاش، إذ تمكن بعض المتكبرين من التسويق لأنفسهم قبل أحزابهم السياسية بما تمدهم به من المواد والأرقام التي لا أساس لها في الواقع، لكنها مضلِّلة وتبني للمتابعين بيوتًا من الوهم لا تلبث أن تتلاشى وتترك وراءها حقيقة مُرَّة للغاية.

ومرة أخرى فإن الاستطلاع هو عمل مشروع يمكن إجراؤه بشكل صحيح وبشفافية تامة من قِبَل الذين لديهم رغبة حقيقية في السؤال عما هو واقع في الساحة بالفعل، سواء كان موافقًا لهواهم أو لا. فالذين يقومون بذلك الاستطلاع لا ينبغي أن يكون لهم توجه معين فيما يتعلق بالنتائج، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن عملية الاستطلاع لا تزيد عن أن تكون مجرد سؤال أحمق: أخبرني، هل هناك من هو أفضل مني؟! على غرار الساحرة الشريرة ومرآتها السحرية.

ولذلك فإن واحدةً من نقاط قوة حزب العدالة والتنمية منذ البداية هي أداؤه في إجراء استطلاعات الرأي العام دون إثقال كاهل أيٍّ منها أو توجيه نتائجها، فقد اهتمت قيادة الحزب وخاصة أردوغان بالاختبار الذاتي من خلال إجراء استطلاعات رأي متعددة تختبر بعضها بعضًا دائمًا فيما يتعلق بتداعيات سياسات الحزب. على الرغم من وجود انطباع عام بأن البحث الاجتماعي لم يحظ بقدر كبير من الاهتمام كما كان من قبل، إلا أن اهتمامه بهذا الموضوع لم يكن غائبًا أبدًا، وقد أحدث هذا فرقًا ملحوظًا مقارنة بمنافسيه.

يكفيك أن تدق الباب أو تطل بوجهك من النافذة.. لا حاجة إلى اللف والدوران

إن كليتشدار أوغلو -كما ذكرت من قبل- حينما وُجِّه إليه منذ سنوات عديدة سؤال: “حزب العدالة والتنمية يجري استطلاعات الرأي باستمرار، فهل سبق لك أن فعلت ذلك؟” فأجاب قائلًا: “ليس لدينا أموال ننفقها على الاستطلاعات، فنحن نخصص ميزانيتنا للإعلام”، وهي إجابة تُظهر في الواقع كم كان بعيدًا عن الحوار السياسي أي أنه بعيد عن قياس نبض الشعب وأن يتحاور مع الشعب، إذ إن الإعلام السياسي هو عمل يهدف إلى توجيه الناس دون الاستماع إليهم، فهو كلام “غطرسة نخبوية” من جانب واحد، من خلال تقديم نفسك فقط للآخر. في حين أن الاستطلاع يتطلب منك الاستماع إلى الأشخاص الذين تمارس السياسة معهم.. إنه يجعلك تتطلع دائمًا إلى الإصغاء لصوت الناس والاستماع إلى مخاوفهم باستمرار ومعرفة آرائهم والاستفادة منها في السياسات التي ستضعها والبرامج التي ستنفذها.

الآن نرى أن حزب الشعب الجمهوري ينشر الكثير من استطلاعات الرأي، ويكلف بها الشركات القريبة منه، ومعظمها استطلاعات تسعى لتفسير أحلامهم، ولا تنطلق من الواقع، لأن الحزب ذاته لا يهتم بها كما قال كليتشدار أوغلو، وكنا نود أن نرى اهتمام حزب الشعب الجمهوري بإجراء استطلاعات رأي حقيقية بدلًا من الإعلام، لكن الأمر يبدو خارج طاقته ليستمر الوضع على المنوال المعهود نفسه، إذ لا يجري حزب الشعب الجمهوري استطلاعات الرأي للتحقق من نبض الشعب أو لاختبار سياساته أو خطاباته على أرض الواقع، لكن ليستفيد من تلك الاستطلاعات التي يشتريها -تيك أواي- أو يتصنعها ثم يحولها إلى مواد إعلامية ودعائية لرسم صورة من الضباب الذي سرعان ما ينقشع مع أول ضوء للشمس.

الإمام الشافعي بين الفقه والفن

 الإمام الشافعي بين الفقه والفن

كتب الأستاذ العلّامة محمد أبو زهرة سلسلة كتب عن الأئمة الأعلام، في مقدمتهم الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، ولما سئل الشيخ محمد الغزالي صاحب البيان السهل الممتنع، والقلم السيال الممتع، لماذا لم تكتب عن الأئمة وقد كتب عنهم أبو زهرة؟ فقال لا يكتب عن الأئمة إلا إمام!

هذا حال الشيخ محمد الغزالي الملقب بأديب الدعوة وفارس الكلمة، مع أئمة المسلمين القدامى والمحدثين، حيث يرى أن خوض غمار التأريخ والتأليف عن الأئمة، لا يتأتى إلا لمن سلك دربهم وعرف مسالكهم، وارتقى درجات سلم الوصول الذي حازوا به السبق والفضل.

استحضرت ذلك وأنا أتابع النقاش الدائر حول مسلسل الإمام الشافعي، الذي يذيعه الإعلام المصري، وما حمله في طياته من طوام، أظهرت العمل وكأنه أعد لتشويه التاريخ وتغيير الحقائق، وإلا ففي أي إطار يفهم حديث من يقوم بدور الشافعي باللهجة العامية الحالية؟ وتجري على لسانه تعبيرات من الدارجة المصرية الشعبية، ناهيك من المغالطات التاريخية في حوادث مشهورة ووقائع معلومة مثل تبني المأمون فكر المعتزلة، وامتحان الناس في قضية خلق القرآن، وكل ذلك حدث بعد وفاة الشافعي بزمان، وزاد الطين بلة، وكشف قلة التحقيق وانعدام التدقيق، جريان أبيات على لسان شافعي المسلسل، على أنها من شعره، وهي لشاعر سوري معاصر يدعى حذيفة العرجي، الذي عدَّ أن ما حصل يدل على جهل فظيع من صناع العمل بهذا الإمام الجليل وبلغته الشعرية.

وحاول أصحاب المسلسل تبرير ما وقعوا فيه بأنه من دواعي الحبكة، ليخرج العمل في صورة درامية مشوقة، وأن هذا متبع في الأعمال الفنية كلها، وفاتهم أن الحبكة غير السرقة، وإن لم تكن سرقة فهي عين الغفلة، ودلالة واضحة على عدم الإلمام بجوانب الشخصية، لأن الإمام الشافعي لو لم يكن فقيهًا لكان في مقدمة الشعراء، ومع انشغاله بالفقه عن الشعر ومنسوب إليه:

وَلَولا الشِعرُ بِالعُلَماءِ يُزري…

لَكُنتُ اليَومَ أَشعَرَ مِن لَبيدِ.

إلا أنه ترك ديوانًا شعريًا جمع في 600 صفحة. 

علم أصول الفقه

إن تناول حياة إمام مجدد، يتبع مذهبه الملايين، وتدور وقائع أيامه حول الفقه والفتوى والاجتهاد والاستنباط، حتى أرسى قواعد علم جديد ينسب إليه ويعرف به هو علم أصول الفقه، لا يمكن أن يوكل ذلك كله لمجموعة من الهواة، لأن ما يتعلق بحياته من قضايا كُبَر لا يتأتى أن يضطلع بها من لا يقيم جملة صحيحة، ولا يعرف اللغة الفصيحة، ولا يؤتمن على حفنة بقل.

إن أقوال الإمام الشافعي وكلماته، فتاوى فقهية واجتهادات أصولية، لا يسمح بالزيادة فيها أو الحذف منها، حتى ما تغير فيه اجتهاده حفظه تلامذته، ونقله لنا رواة المذهب وأساتذته، فيما عرف بروايتي الشافعي في القديم والحديث.

إن الدول التي لها مشاريع واضحة، تستخدم التمثيل لحفظ التاريخ وربط الحاضر بالغابر، وتقديم القدوات الصالحة، التي تملأ عقول الناشئة بأمجاد الأجداد، وتحضهم على الحفاظ على الموروث، والعمل على استكمال ما بدأه الأوائل، لذا كانت الجناية على الأمة كلها في تقديم أحد أبرز أعلامها في صورة مسخ مشوه.

إن سيرة الإمام الشافعي وتقديمها ينبغي أن ينبري لها أفذاذ الأمة، كل في مجاله وفيما يحسنه، ليس فقط لأنه رابع فقهاء الأمة، بل وهو واسطة العقد بينهم، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره، فهو تلميذ مالك بن أنس إمام دار أهل الهجرة، وأستاذ الإمام المبجل أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، الذي ولد في عام 150 هجرية أي في العام نفسه لوفاة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وكان مولده في غزة أو عسقلان، واشتهر بالشافعي، واسمه محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، وكان أبوه قد هاجر من مكة إلى فلسطين بحثًا عن الرزق، لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة، فنشأ محمد يتيمًا فقيرًا، وشافع بن السائب هو الذي ينتسب إليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، وأم الشافعي يمانية من الأزد، وقد رجعت به إلى مكة ليتعلم فيها، ثم انتقلوا إلى المدينة النبوية، ليأخذ عن عالمها مالك بن أنس الذي تفرس فيه النجابة حين رآه، وقال له اتق الله يا محمد، فإنه سيكون لك شأن، وكان قد حفظ القرآن الكريم في سن السابعة، وحفظ كتاب موطأ مالك في الثالثة عشرة من عمره، وقد أثنى عليه العلماء ثناءً عظيمًا، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: “ما أحد مس بيده محبرة ولا قلمًا إلا وللشافعي في رقبته منة، ولولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث، وكان الفقه مقفلًا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي”.

وقال أيضًا عندما سأله ابنه، فقال له: يا أبت أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر الدعاء له، فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟

بيان سيرته

وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوًا من أربعين سنة، وكان يقول في الحديث الذي رواه أبو داود مِن حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللهَ يَبعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا” قال: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية.

وفي الختام رحم الله الشيخ الإمام ، وكما يأتي الخير من الشر، فقد فتح هذا المسلسل القاصر، بابًا للحديث عن الإمام الشافعي وبيان سيرته ومسيرته، ومناقبه ومذهبه، وعلى ذكر مناقبه فإني وجدت أكثر من 70 مؤلفًا تحمل عنوان مناقب الشافعي أو فضائله، كتبها أئمة المسلمين المتقدمين كالإمام البيهقي والفخر الرازي، ولا أحصي ما كتبه المعاصرون، ولا أخال أن صناع المسلسل اطلعوا على شيء من ذلك، أو سمعوا عنه، وهنا يأتي دور الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية والغيورين من المحامين لإيقاف هذا العبث بالتاريخ، وتشويه صورة المصلحين.

برنامج: فوق السلطة 330 ساعة للمسلمين وساعة للمسيحيين

 برنامج: فوق السلطة  330

ساعة للمسلمين وساعة للمسيحيين


فوق السلطة- الإمارات تعفو عن إسرائيلية محكومة بالإعدام بمناسبة رمضان.. والبحرين توثق علاقاتها بتل أبيب

رصد برنامج “فوق السلطة” إنهاء أحد الملفات العالقة بين الإمارات وإسرائيل، وذلك بإصدار أبو ظبي عفوا عن سيدة إسرائيلية، بمناسبة شهر رمضان المبارك، كان قد حكم عليها بالإعدام بعد إدانتها بتهريب مخدرات.

وتناولت حلقة (2023/3/31) من البرنامج، إفراج السلطات الإماراتية عن السيدة فداء كيوان، وهي من مدينة حيفا، والتي كان قد حكم عليها بالإعدام في أبريل/نيسان 2021، بعد أن اعتقلت قبلها بأيام وبحوزتها نصف كيلوغرام من الكوكايين.

وبعد نحو عام من الإدانة، أسقطت الإمارات حكم الإعدام إلا أنها ظلت قيد الاعتقال، فيما صدر قرار العفو مع دخول شهر رمضان المبارك هذا العام، في أعقاب توجه الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" بطلب لرئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.

كما رصدت الحلقة مواصلة البحرين تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، في الوقت الذي تتابعت فيه إدانات دول عربية ومنها الإمارات لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش" التي تنكر فيها لحق وجود الشعب الفلسطيني، واستخدامه خريطة لإسرائيل تضم أجزاء من الأردن.

وأبرزت الحلقة وصول وفد من رجال الأعمال العرب الإسرائيليين إلى البحرين، في استمرار مساعي تعزيز علاقات الجانبين، ونقلت تصريحات أحدهم والذي أبدى سعادته بالأجواء التي شهدها، مقدما شكره لرئيس وزراء بلاده بنيامين نتنياهو.

وإضافة إلى هذين الموضوعين، تناولت حلقة "قوق السلطة" المواضيع التالية:

– سفير إسرائيل يعود إلى المغرب وسفير الجزائر يعود إلى فرنسا

– هل ينهي نتنياهو دولة الاحتلال؟.. الرئيس الإسرائيلي لا يستبعد

– توقيتان في لبنان واحد للمسلمين وآخر للمسيحيين وباسيل: لن نمشي على توقيت المتخلفين

– السيسي يفتتح مسجد مصر الكبير، وخالد الجندي: بناء مصنع أفضل من بناء 20 ألف مسجد

– صحيفة لوبوان: ماكرون عاجز ومتقاعد في سن الخامسة والأربعين

– محمد عبده يدلكم على الطريقة التي تتأكدون بها ما إذا كنتم تتقون الله!

«في أروقة المحن».. «محمد علي والبلاط الأجنبي»

 «في أروقة المحن».. «محمد علي والبلاط الأجنبي»

محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

استحدثت سطلة محمد علي عددًا من الإجراءات التي كان جماعها فتح أبواب الهجرة الأجنبية إلى الشام وإلى بيت المقدس على وجه الخصوص،

وذلك عبر الرفع الدائم من شأن الأجانب الذين اتسع نفوذهم اتساعًا واسعًا

وصارت لهم الكلمة العليا في معظم شؤون الحكم ما مثَّل انقلابًا حقيقيًّا في ميزان العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الأجانب وبين أهالي البلاد.

لقد كان بلاط محمد علي أجنبيًّا، وكان رجال حكمه من الأجانب، الفرنسيين خصوصًا،

وكانت دولته محسوبة على فرنسا في الصراع العالمي بين الإنجليز وفرنسا ذلك الوقت،

وقد نقل المؤرخ إلياس الأيوبي المعجب بمحمد علي أن لفرنسا يد في توليته حكم مصر،

إذ لما فشلت حملة نابليون أرادت فرنسا أن تبحث في العساكر العثمانيين عن رجل تمهد له حكم البلاد فيكون رجلها،

فقام تييه ديليسبس القنصل الفرنسي بهذه المهمة بالضغط على السلطان لتوليته حاكمًا لمصر،

ولا ينقص هذا من مهارة ودهاء محمد علي الذي أدار معركته بين القوى المصرية حتى جعل نفسه مطلبها الذي أصرت عليه في وجه السلطان العثماني.

ولئن كان مفهومًا كثرة الفرنسيين في بلاط محمد علي إلَّا أنَّ المثير للشكوك هو استكثاره من اليهود،

فلقد كانت نظرته العملية وتطلعاته الإصلاحية كانت في صالح اليهود، فلقد استخدم اليهود في الإدارة،

وحررهم من الابتزازات المالية التي فُرِضت عليهم في الماضي، بل إنه شجع هجرة اليهود إلى مصر،

واليهود من ناحيتهم لم يتأخروا بل بدؤوا في التدفق على مصر ليشاركوا بقوة في النشاط الاقتصادي،

حتى صارت مصر الموضع الوحيد في الدولة العثمانية التي فيها شارك اليهود بشكل كامل في حركة الإصلاحات بتحفيز من ذلك المستبد (محمد علي).

انعكست هذه السياسة على الوضع في الشام، فقد اتخذ إبراهيم باشا عددًا من الإجراءات التي قلبت الموازين، من أهمها:

تشجيع الحجاج اليهود والنصارى على التدفق إلى بيت المقدس.

ما إن دخل إبراهيم باشا إلى بيت المقدس حتى أذاع أمرًا عامًا، وجهه إلى قاضي القضاة وشيخ مسجد عمر والمفتي والنائب وسائر السلطات،

أزال به كل الضرائب التي كانت تؤخذ من الحجاج المسيحيين واليهود إلى بيت المقدس،

هذا نصه:

«في القدس معابد وأديرة وأماكن للحج تأتي إليها من أبعد البلدان كل الشعوب المسيحية واليهودية من مختلف الطوائف الدينية.

وكانت ترهق هؤلاء الحجاج إلى الآن ضرائب ضخمة في أداء نذورهم وفرائض دينهم.

ورغبة منا في استئصال هذا العسف، نأمر كل متسلمي إيالة صيدا وسنجقيْ القدس ونابلس بإلغاء هذه الضرائب على كل الطرق بلا استثناء.

يقيم في أديرة القدس وكنائسها رهبان ومتعبدون لقراءة الإنجيل وأداء الطقوس الدينية لمعتقداتهم.

والعدل يقتضي أن تعفى من كل الضرائب التي فرضتها عليها السلطات المحلية بشكل تعسفي.

ولهذا نأمر بأن تلغى إلى الأبد كل الضرائب التي تُجبى من أديرة ومعابد كل الشعوب المسيحية المقيمة في القدس من يونانيين وفرنجة وأرمن وأقباط وغيرهم،

وكذلك الضرائب القديمة والجديدة التي يدفعها الشعب اليهودي. ومهما كانت الذريعة أو التسمية

التي تؤخذ بها هذه الضرائب هدية عادية وطوعية أو إلى خزينة الباشوات أو في مصلحة القضاة والمتسلمين والديوان وما شابه ذلك،

فإنها جميعًا ممنوعة منعًا باتًّا. وتلغى على حد سواء الكفارة

التي تجبى من المسيحيين عند دخول كنيسة قبر السيد المسيح أو عند التوجه إلى نهر الشريعة (الأردن).

وعليكم، ما إن نقرأ هذا البيورلدي (الأمر)، أن تسارعوا إلى تنفيذه كلمة كلمة،

وتوقفوا فورًا جباية كل الضرائب المذكورة أعلاه وغيرها من الضرائب القائمة على العادة وكل مطلب من أديرة القدس

ومعابدها العائدة إلى مختلف الشعوب (الأديان), المسيحية واليهودية، شأن الكفارات، كأمر مناف للقانون.

بعد إعلان هذا الأمر سيُعاقب بصراحة كل من يطلب أقل إتاوة من المعابد والأديرة المذكورة والحجاج».

يتبع



محمد علي باشا مؤسس إسرائيل (1)

كيف سهَّل محمد علي باشا تدفق اليهود على فلسطين؟(2)

كيف حول محمد علي باشا إسرائيل من حلم إلى مشروع؟(3)

كيف أسس محمد علي باشا للأجانب في بيت المقدس؟(4)

تعرّف على حكاية رُحل النيل

         تعرّف على حكاية رُحل النيل.    

يسكنون النيل ولا يملكون من الدنيا شيئا سوى قواربهم التي ولدوا فيها.



الخميس، 30 مارس 2023

استبداد الفن وفن الاستبداد: الإمام الشافعي مثلًا

 استبداد الفن وفن الاستبداد: الإمام الشافعي مثلًا

وائل قنديل

عندما تضع على لسان الإمام الشافعي أبياتًا من الشعر على أنها من إبداعاته، ثم يتبيّن أنّها لشاعر سوري نشرها قبل عشر سنوات فقط، فماذا تسمّي ذلك؟. 

سمّاه المراجع اللغوي لمسلسل "رسالة الإمام" خطأ لا يُغتفر، بينما يسميه القانون واقعة تزوير للتاريخ، فيما يمكن أن تعتبره، بمعيار النقد الفني المحايد، دليل رداءة درامية وركاكة في الصناعة، يهدم العمل كله ويثير الريبة.

الشاعر السوري، حذيفة العرجي، صاحب الملكية الفكرية لأبيات الشعر المنسوبة زورًا للإمام الشافعي اعتبر أنّ "ما حصل في المسلسل يدلّ على جهل فظيع لصنّاع العمل بهذا الإمام العظيم وبلغته الشعرية على وجه التحديد، ولك أن تتخيّل ما سيكون من كوارث أخرى، إذا كان تفصيلٌ بسيطٌ كهذا لم ينتبهوا له، إن أحدهم لم يكلّف نفسه تصفّح ديوان الشافعي للتأكّد من البيتين، وأشك أنهم قرأوا سيرته أصلا".

هل يعدّ ما سبق احتقارًا للفن أو هجومًا على الإبداع أو استهدافًا للدراما المصرية والعربية من مشاهدين متطرّفين ومستبدين يكرهون الإبداع ويحرّمون الفنون بإطلاق، ومن ثم وجب إبلاغ السلطات عنهم لضبطهم وإحضارهم وإيقافهم عند حدودهم؟. من أسف أنّ هذا ما حصل من "سيادة النقيب أشرف زكي" نقيب الممثلين في مصر، والذي يرى في كلّ نقد أو هجوم على دراما رمضان الواقعة في أخطاء كارثية استهدافًا للدولة المصرية وقواها الناعمة.

كنّا دائمًا مع حرية الإبداع والفكر، ضد تغوّل السلطات المستبدّة عليها، مستعينة بمن تُطلقهم ضد الأعمال الفنية والأدبية، فيما عرف باسم "قضايا الحسبة". وكنّا نظن أنّ حرية المتلقي، الذي هو القارئ والمشاهد، ينبغي أن تكون محلّ اعتبار هي الأخرى، لأنّ العلاقة بين المبدع (المنتج) والمتلقي (المستهلك) محكومةٌ بمعايير واضحة وبسيطة للغاية تحكُمها ذائقة المتلقّي الذي يحتفظ بحقوقه كاملة في الإقبال على ما يراه جيدًا ومعبّرًا وحقيقيًا وذا قيمة عنه والإحجام عمّا يجده رديئًا ومزيفًا وغثا، من دون أن يجد نفسه متّهمًا بالتطرّف والتآمر على الوطن والتربّص بالفن والإبداع.

ما الذي يدفع نقيب الممثلين المصريين إلى تبّني المنطق الأمني في التعامل مع مهاجمي المسلسلات، مهما كانت حدّتهم في الهجوم؟ فتّش عن الجهة التي تنتج هذه الأعمال وتفرضها دروسًا في التربية الوطنية على المشاهدين، إنها "المتحدة"، الشركة التابعة للجهات الأمنية (السيادية) التي فرضت هيمنتها على الإنتاج الدرامي والصحافي والتلفزيوني، في عودة إلى زمن التوجيه والإرشاد وفرض الحصار والوصاية الكامليْن على عقل المشاهد ووعيه، حتى وصلنا إلى مرحلة اعتبار الهجوم على مسلسل من إنتاجها هجومًا على الوطن نفسه، وهي اللوثة الوطنية الزائفة التي بدأت بمسلسل "الاختيار"، واستمرّت حتى طالت المسلسلات الدينية والتاريخية التي تقول الكلام نفسه، وتوصل الرسالة ذاتها المعبّأة في مسلسلات وأفلام "الجيش والشرطة والقائد والوطن".  

الهجوم الحادّ، العنيف أحيانًا، على مسلسلات مثل "رسالة الإمام" و"سرّه الباتع" الحافلين بالأخطاء الدرامية والتاريخية لا يمكن اعتباره حملة من أفراد متطرّفين دينيًا، يحرّمون الفن ويكرهون الوطن، ذلك أنّ المعالجة السطحية استفزّت قطاعاتٍ لا يُستهان بها من المشاهدين، لا يمكن عقلًا تصوّر أنهم طلاب شهرة أو ناقصو الانتماء، كما أنه ليس تقييمًا للفن بمعايير دينية، كما تستسهل طائفة النقاد الوطنيين، إذ تدافع عن أعمال الدراما السيادية باللجوء إلى اللعبة السخيفة التي تحاول إظهار الدين مناقضًا للفن والأدب، وتصرخ مستغيثة من تغوّل رجال الدين والمتدينين على الفن، وتقول كما الناقد طارق الشناوي "يجب تنحية الدين جانبا عن الفن، لأنّ  تعليمات الله أرقى وأعظم من الموضوعات والقضايا التي تتناولها السينما والدراما".

حسنًا، فليكن. ولكن في المقابل هل من الممكن أن يتواضع المشتغلون بالفن قليلًا ويتوقفوا عن التغوّل على الفتوى في الدين، وتناوله بمقاييس الفنانين والفنانات، ويتنحوا عن مسائل الجنة والنّار والبعث والحساب وعذاب القبر لمشيخة الأزهر مثلًا؟ هل  تهدأ الصحافة السيادية وتتمهّل في نشر تصريحات فنانات الترند باعتبارها أخبارًا عظيمة لا تقبل التأجيل؟

في موضوع مسلسل "الإمام الشافعي"، أنت بصدد دراما عن الدين وأحد أئمته الكبار. وبالتالي، من المعيب أن ترى في تقييم رجال الدين له استبدادًا وتطرّفًا وإقحامًا للدين في قضايا الفن ... هذا تنطّع ممجوج.