الجمعة، 6 فبراير 2009

الديمقراطية التي يبشرون بها

الديمقراطية التي يبشرون بها


هذا رد للأستاذ جلال كشك على “الصادق النيهوم” وهو علماني عمل في خدمة النظام الليبي ،كتب النيهوم مقالا بعنوان : الافتقار إلى لغة الديمقراطية ، فكان هذا الرد من الأستاذ جلال كشك وقد عنونه بـ :
 في خدمة العسكر : محلك سر !

في كتابي (طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية) فسرت نكسة الحضارة الاسلامية وعجزها عن إنجاز الثورة الصناعية، وقد كانت منها قاب قوسين أو أدنى في منتصف القرن الحادي عشر. فسرت ذلك بالحروب الصليبية والاجتياح المغولي، وقلت إن من أخطر نتائج هذا الحدث تراجع طبقة المثقفين والتجار وتولي العكسر مقاليد الأمور في العالم الاسلامي تحت مبرر أولوية الدفاع عن الوجود، ولو على حساب الحضارة والتمدين أو التقدم. وهكذا تجمد المجتمع، وتحول المثقف من دور المفكر المحاور المطور للمجتمع، إلى نديم أو فقيه السلطان الذي يبرر ويحلل وينظر لحكم العسكر ثم حكمتهم!
وتتابع التراجع والانهيار، وحتى عندما جاءت الهبة العثمانية التي رفعت راية المسلمين على أسوار فينا، ورغم المستوى الثقافي الرفيع الذي كان لأوائل سلاطينهم إلا أنهم بحكم الروح العسكرية التي كانت تسيطر على العالم الاسلامي كله رأوا الخطر عليهم من ظهور قيادة مدنية تركية لا شك أنها وحدها كانت القادرة على إقامة المجتمع التجاري المنفتح، والسفر إلى أعالي البحار لمزاحمة تجار غرب أوروبا في العالم الجديد، ثم إنجاز الثورة الصناعية الكبري. لكن سلاطين آل عثمان استمروا في الاتجاه نفسه الذي بدأه الأيوبيون، عندما فرضوا العسكر على الرعية ولم تكن الانكشارية التي اعتمدوا عليها وسلطوها على المجتمع المدني إلا مماليك الدولة العثمانية الذين حموها بسيوفهم وإخلاصهم، ومدوا حدودها في جميع أنحاء المعمورة أو الثلاث قارات المعروفة وقتها.
 وفي الوقت نفسه قضوا على فرصتها في دخول العصر الحديث، ثم كانوا أعجز عن أن يخلقوا حضارة وأقوى من أن يرغموا على قبولها!
ومن دلالات التاريخ أنه كما كانت الحروب الصليبية هي التي دفعت طبقة العسكر إلى الصدارة في المجتمع الاسلامي وما ترتب على ذلك من ضياع فرصته في العصر الرأسمالي ـ الصناعي، فإن الحرب نفسها أحدثت العكس تماماً في أوروبا إذ خلصت المجتمع المدني من العسكر (ذبح عسكر المسلمين فرسان أوروبا، فحرروا عدوهم التاريخي!) واستعان ملوك أوروبا من ثم بالمثقف والتاجر في بناء الأوطان الموحدة والمجتمع المدني، ثم حضارة العصر الصناعي أو النظام الرأسمالي الذي استخدم العسكر لبناء الامبراطورية ولم يستخدمه العسكر.
فلنقصر حديثنا هذه المرة على العلاقة بين المثقف الذي أصبح رعية والعسكري الذي أصبح حكومة، فمنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم يتعرض المثقف المسلم لاغتصاب العسكر. وتتفاوت مواقف المثقفين..
منهم من يرى برهان ربه وشعبه فيستبق الباب هارباً بدينه وشرفه الثقافي ويقد قميصه من دبر، كما فعل المثقفون المصريون زمن فرعون، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات. وكما فعل المئات وربما الألوف من الذين شنقوا وعذبوا أو تشردوا منذ انقلاب حسني الزعيم.
 ومنهم من يوضع في قميص المجانين أو يسلم الروح، ولا يفرط في قميصه.
 ومنهم من لا ينجح في الإفلات ولكنه يقاوم حتى يقد قميصه من قبل ومن دبر. والغالبية تكتم عارها وتستسلم مكتفية بلعن المنكر في صيغة اضعف الإيمان. ولكن هناك فئة فضلت التكسب بقميصها فهي تخلعه راضية وتفرشه للمغتصب على الرملة، وهناك من يعلنون رضاهم وامتنانهم لما يفعله العسكر. وبعضهم، وهم شر الناس، يفلسفون الاغتصاب وينظرونه ويدعون أنهم هم الذين اقترحوا الاغتصاب، وأن الأمة كانت تتمنى هذا الذي يفعله العسكر بها وهو العلاج الوحيد لكل متاعبها. من هؤلاء الفيلسوف الكبير الأستاذ صادق النيهوم، ودعكم من كل العجيج والضجيج الثوري الذي يغطي به ثقب قميصه.
العسكر في العالم الثالث، والعالم العربي بالذات لا يحبون الديموقراطية على الطراز الغربي، ولا يسمحون بالأحزاب ولا البرلمان ولا الانتخابات ولا حرية الصحافة.
وهذا ما يوافقهم عليه النيهوم حرفياً، ويتطوع بأن يعلن شرعية هذه النظم، إذ إن هذه الديموقراطية لا تصلح لأمتنا! فنحن محرومون منها ليس بسبب ديكتاتورية العسكر بل لأنها رجس من عمل الشيطان كما يقول الفقيه التقليدي، أو من سلوكيات الملائكة لا يطيقها ولا هي فرضت على العربي، لا تصلح لنا ولا نصلح لها كما يقول الصادق النيهوم:
(الصحافة والدستور والحرية لا مكان لها في المجتمع العربي أو الاسلامي المعاصر أو الثالث خلف جبل طارق لأنها نظام خاص بالغرب وحده. شرط قيامها هو وجود نظام رأسمالي غربي وهو لا يمكن تقليده أو فهمه أصلاً إلا في مجتمع صناعي يشكل فيه رأس المال قوة قادرة على ردع الإقطاع ويشكل فيه العمال قوة قادرة على ردع الإقطاع ويشكل فيه العمال قوة قادرة على ردع رأس المال ومن دون هذا التوازن المعقد… إننا لا نستطيع أن نكون مثل الأوروبيين).
أرأيت؟! لقد عمل العسكر ما فيه صالحنا وعسى أن تكرهوا!
وحكام العالم الاسلامي الذين يرفضون الديموقراطية بالصيغة العالمية المعروفة يرفضون أكثر دعوة العودة للاسلام، ولكنهم لأسباب جماهيرية وتاريخية لا يستطيعون معارضة الاسلام من أساسه، ولا حتى في حدود ما فعله أتاتورك.
ومن ثم فهم يدعون إلى التمسك بجوهر الاسلام ويتركون للمثقف المغتصب طرح صيغة أو تفسير للاسلام لا تهدد سلطتهم ولا دورهم في إطار المسموح به عالمياً. وهذا ما قام به النيهوم بجهد يثاب عليه بدون شك.
وبالنسبة إلى واقع النيهوم الخاص فإن النظام هناك اختار صيغة اللجان الشعبية التي يحاولون وصفها بالديموقراطية المباشرة التي كانت تطبق في بداية حضارة المدن في اليونان القديمة، ويطلقها البعض على نظام الحكم في سويسرا.
الصادق النيهوم نظر الواقع السياسي العربي. ولم يهاجم الديموقراطية، لا، هو أذكى من ذلك. الديموقراطية هي أعظم نظام لكن لا حظ لنا فيها ومن العبث المطالبة بها لأنها اختراع غربي نشأ مع المصرف والمصرف ظهر مع استعمار العالم الجديد. وبما أننا لم نحضر حفلة اكتشاف أميركا فلا يمكن أن تقوم عندنا ديموقراطية، بل يتحتم على السلطة أن تحل وتمنع كل الأحزاب لأنها ظاهرة مستوردة فاشلة وأفشلت جهودنا نحو التقدم وسرقت الحرية من الشعب. يقول المفتي الثوري:
(نظام الأحزاب ليس ضمانة للديموقراطية، إلا في بلد فاحش الثراء، عايش تجربة الثورة على الكنيسة، وشارك في الغارة على قارات المحيط).
(بدون هذه الشروط مجتمعة، تصبح الأحزاب مجرد نواد سياسية، معرضة لإغلاق أبوابها فوراً عند أول انقلاب يقوم به رجال الدين، كما حدث في إيران، أو الجيش كما حدث في مصر).
(استعارة نظام الأحزاب من دول الغرب وهي فكرة أقرب إلى الشماتة منها إلى النصح، لأن العرب لا يملكون رأس المال نفسه، ولا يملكون العمال، ولا الأسواق، ولا المصانع، وليس بوسعهم أن يؤسسوا أحزاباً لا تجد ما يدعوها إلى التحزب).
(فالديموقراطية القائمة على تعدد الأحزاب صيغة رأسمالية محضة، تخص الأوروبيين الرأسماليين وحدهم ولا يمكن نقلها إلى بيئة أخرى).
هذه فتاوى جديرة أن يكتبها طغاة العالم الاسلامي بالإبر على أماق البصر، وهم يكتبونها فعلاً بالسياط على جلود الشعوب!
وكان بغايا الفكر وما زالوا يتهمون الاسلاميين بأنهم هم الذين يعادون الأحزاب، وها هو عدو الاسلاميين اللدود ينسف أي أساس للمطالبة العامة التي تجتاح العالم الاسلامي اليوم، من اجل حق تشكيل وتعدد الأحزاب، وهو لا يفسر لنا كيف ألغيت الأحزاب في ألمانيا وإيطاليا بالسهولة نفسها التي ألغيت بها في مصر، رغم أن ألمانيا وإيطاليا عندهما الاسم الأعظم وهو المصرف، وشاركتا في حفل اقتسام العالم، ووصلتا إلى أعلى درجات السلم الرأسمالي ورغم ذلك، بل وبسبب ذلك أمكن قيام ديكتاتورية فيهما ألغت الأحزاب وحلت البرلمان وادعت الحكم باسم الشعب!
وهناك أيضاً وجد هتلر وموسوليني. ولا ننسى ستالين، فهو من فلسف لهما أن الأحزاب والبرلمان والديموقراطية اختراع يهودي شرير أو من صنع الرأسمالية عدوة العمال.
 ثم انتهى هذا الزيف وألقيت بقاياه في المحيط يلتقطها بعض السيارة في العالم المتخلف.
وقادة العالم الثالث ورعاته لا يحبون البرلمان ولا الانتخابات وقد جاء في الكتاب الأخضر أن التمثيل تضليل، وهنا يتقدم المفتي لينظر ذلك ويحلله فيقول إنه لا يمكن قيام برلمان إلا بالأحزاب ولا أحزاب ولا صراع إلا إذا أقام المصرف وأصبح المجتمع من طبقتين طبقة العمال وطبقة الرأسماليين وحيث إن… إذن لا يكون.. وما يجري هو بالضبط ما يجب أن يكون (فكل مخ) باطمئنان واقرأ الفاتحة للسلطان!
ويلخص النيهوم رأيه بأنه يدعو للديموقراطية المباشرة التي هي (ليست الفوضى وليست فكرة خيالية، بل هي فكرة حية ومعمول بها في بلدان كثيرة على درجة عالية من التنظيم والتطور منها دولة الإتحاد السويسري التي تجمع أربعة شعوب مختلفة تحت قبة برلمان واحد).
لا يجوز القول بأن سويسرا تحكمها اللجان الشعبية فسويسرا منذ 1848م يحكمها برلمان من مجلسين على طراز الكونغرس الأميركي، مجلس نواب من 200 عضو ومجلس المقاطعات أو الكانتونات. والمجلسان أو البرلمان السويسري يختار الحكومة ويراقب نشاطها. وفي سويسرا 12 حزباً رئيسياً ممثلة بالبرلمان وتشكل 8 تكتلات برلمانية.
 وفي الانتخابات الأخيرة كان 2و4 مليون نسمة لهم حق الانتخاب و 2400 مرشح على 222 قائمة. ويحتكر الحكم في سويسرا منذ 1959 تحالف من أربعة أحزاب. أما الديموقراطية المباشرة في سويسرا والتي تسبب الخلط في بعض الأذهان ويستخدمها البعض لتبرير قرارات الشرطة عندهم، فهي تعني حق الشعب في اقتراح القوانين أو طلب إلغاء قانون أو تعديل الدستور، كما تعني الاستفتاء الشعبي الذي أخذ به السادات وأسرف.
في سويسرا يحق أن يطلب خمسون ألف مواطن إعادة عرض قانون أقره البرلمان في استفتاء عام، كما يستطيع المواطنون طلب تعديل الدستور بشرط أن يجمعوا مائة ألف توقيع خلال مدة أقصاها 18 شهراً.
 ثم يطرح المطلب للتصويت العام ويشترط حصوله على أغلبية عامة على مستوى الدولة كلها، ثم أغلبية الكانتونات وهي الوحدات التي تكون الاتحاد السويسري الفيدرالي. فالاستفتاء الذي تجريه الحكومة والاستفتاء الذي تجبر عليه الحكومة هما العنصران الرئيسيان لما يسمى بـ (الديموقراطية المباشرة). وفي داخل الكانتونات يصوت الناخبون على كل إضافة للميزانية فوق حد معين.
 وكما حدث في مصر يعترض الكثير من فقهاء القانون والسياسييين في سويسرا على أسلوب الاستفتاءات لأنهم يعتقدون أنها وسيلة لتضليل الشعب لحساب المصالح الاحتكارية الكبرى التي تتمكن من خداع المواطن العادي بعكس الحال مع النواب في البرلمان.
أما عن ديموقراطية الهواء الطلق كما يسمونها في سويسرا وهي القشة التي يتشبث بها النيهوم، فهي تمارس في خمسة كانتونات فقط من 26.
 وذلك حين يجتمع الشعب كله لإقرار ميزانية الكانتون والقضايا الهامة للكانتون، وقد أصبحت أشبه بمهرجانات لإحياء التقاليد وجذب السياح. ففي كانتون (ابانزل) لا بد أن يحمل الرجال السيوف لإثبات حقهم في التصويت (لأن حمل السيوف كان محظوراً على العبيد والنساء) وقد اضطروا لإعطاء النساء ترخيصاً كتابياً بالحضور. وهذا يؤكد أنها تقاليع ومهرجانات سياحية وليست طريقة جادة لحكم البلاد.
باختصار الديموقراطية التي يبشر بها الصادق النيهوم، بعد أن شرق وغرب وأتى بكل طريف ومستغرب، هي اللجان الشعبية ولكن لو كتب ذلك لما أصبحت له ميزة عن الكتاب الوافدين، ومن ثم يفاجئك النيهوم بقنبلة الجامع:
(لا بد من العودة للجامع فهو بداية ديموقراطيتنا. هو الحل لمشاكلنا. هو المحرر للاسلام الأسير والمسلمين المستضعفين. هو البديل عن المصطلحات الديموقراطية الرأسمالية) إنه مقر مفتوح في كل محلة يرتاده الناس خمس مرات كل يوم. لهم حق الاجتماع فيه، حتى خلال ساعات حظر التجول. تحت سقفه مكفولة حرية القول، وحرية العقيدة وسلطة الأغلبية في لغته كل المصطلحات المطلوبة، وكل كلمة حية ترزق).
فكيف يطالب النيهوم بالعودة إلى المسجد أو حتى بحكم المسجد؟ هل سيقول إن الحل هو الإسلام؟!
هل آثر النيهوم الحرية وقرر أن ينطلق مع قوافل الشهداء، أم أن ا للجاجة والتفاصح أوقعاه في شر أفكاره وأطبقا عليه فخه؟!
هيهات!! إنه عبقري من الطراز النادر. ولعله وصف فكره فأبدع عندما قال:
(تعرضت الأغلبية لحملة نفسية مروعة قادها السحرة منذ عصر سومر لتبرير سلطة الملك ـ الإله في برنامج معقد من الخرافات والأساطير استهدف تخريب عقول الناس وحرق كل جسر يربطهم بواقعهم).
هذا تعريف شديد الدقة لما يقوم به الساحر المعاصر الصادق النيهوم. وإذا كان النيهوم يرفض البرلمان كما يرفضه كل العسكر، ولكن على أساس أن كلمة برلمان لا وجود لها في لغتنا! إلا أنه لا يتمسك بهذا الاعتزاز الوطني في نظريته عن المسجد، إذ يرفض اللفظ الذي ورد في القرآن ويصر على كلمة الجامع التي لم ترد ولا مرة واحدة لا في القرآن ولا في السنة. وهو على أية حال يرفض السنة، ولا يساير في ذلك العسكر وحدهم، بل الخوارج الذين ما زال نفوذهم الفكري يترك بصماته على تفكير الكثيرين من العرب حتى النيهوم!
هو ضد المسجد الذي يضم المسلمين المصلين والعابدين والعاكفين. وهو يريد جامعاً يجمع الناس:
(بغض النظر عن دياناتهم وشعائرهم).
(المسجد فكرة قديمة عرفتها كل الحضارات، ولها اسم في كل لغة أما الجامع فهو فكرة أخرى، لم يعرفها أحد ولم يدع له أحد إلا الإسلام).
نعم، ولا عرفها الاسلام ولا الله سبحانه وتعالى الذي فضل لفظة المسجد ولم يذكر الجامع قط!
الجامع الذي يطالب به النيهوم هو النقيض لمسجد المسلمين، ولا يمكن أن يكون إلا كذلك. فهو مكان يريد النيهوم أن يجمع فيه:
(الناس المتفرقين بين المساجد والكنائس والمعابد في جهاز إداري موحد (…) هذا الجامع لم تعرفه ثقافتنا العربية أبداً لأنه انتهى قبل أن تولد، وتركها تنمو في المساجد لكي تصبح نصف ثقافة، لغتها تقول شيئاً وواقعها يقول شيئاً آخر (…) .
فالمسجد كان النكسة والمطلوب الآن تحرير الجامع من المسجد. تحريره من الاسلام وسيطرة المسلمين، وجعله مرتعاً لغزلان وملتقى صلبان ونجمة داود.
النيهوم يدعو لدين جديد غير الاسلام الذي يتبعه المسلمون واتبعوه، هو ضد حديث أركان الاسلام الخمسة. فهذا الحديث:
(هو الذي أضاع الاسلام ومكن بني أمية من سلب حقوق الناس).
ليس كلامنا هنا بهدف نقد أفكار النيهوم، وإنما تأصيلها، بردها لجذورها وكشف ادعائه لثورية كاذبة، وإلا لقلنا متى وكيف مكن هذا الحديث بني أمية من سلب حقوق الناس؟ هل توجد دولة في تاريخ العالم واجهت ثورات وتمردات مثل دولة بني أمية فأين تأثير هذا الحديث؟ وهو يرفض الصلاة كعبادة ويعتقد أنها ضرب من اليوغا أو برنامج لجني فوندا سابق لعصره.
(إن حركات الصلاة الاسلامية ليست رموزاً بل أوضاع يتخذها المصلي لتمرير ضغط الهواء في جميع أنحاء جسده بتوقيت الشهيق والزفير).
ولن فقهاء الاسلام لم يكونوا يتقنون علم الشهيق والزفير مثل النيهوم، فإنهم لم يكتشفوا أبداً لماذا:
(اختار الرسول (ع هذه الحركات من دون سواها. مما دعاهم إلى تفسيرها تفسيراً بلاغياً بحتاً فالوقوف في الصلاة هو المثول بين يدي الله والسجود هو إبداء الخضوع (…) إلخ).
وهو غاضب جداً لأن أطفالنا يجبرون على تلاوة القرآن قبل أن يتموا العاشرة، وغاضب لتحريم الفقه زواج غير المسلم بالمسلمة.
والاسلام دين عنصري لأن المسلم يعتقد أنه:
(هو عبد الله الصالح الذي وعده ربه بالخلود في الجنة، ووعد غيره بالخلود في النار. إنه مثل الرجل الأبيض الذي يعتبر لون جلده مبرراً شرعياً بالتفوق (هل الدين يقوم على الاختيار الحر والمفتوح لكل من شاء. ألم نقل إننا أمام نصب فكري؟!) ويتابع: (وهي فكرة تناقض نصوصاً قرآنية صريحة، لكنها أصبحت قاعدة لقوانين اسلامية متعددة، منها تحريم زواج المسلمة من غير المسلم (القوانين العربية تحرم زواج الليبية والكويتية من المصري أو السوداني.. إلخ. وكما قلنا إن الاسلام قطع نصف الطريق بأن أباح الأسرة المتعددة الأديان، بزواج المسلم من غير المسلمة وهذه خطوة لم يقم بها أي دين آخر، فهل يستحق الذي قطع نصف الطريق أن يخص بالهجوم والنقد بينما لا ينتقد موقف الآخرين الذين يرفضون إلى اليوم زواج الرجل أو المرأة ولو حتى من مذهب آخر داخل الدين نفسه.. عجبي!).
الصادق النيهوم عندما يتحدث عن الجامع هو يعني اللجان الشعبية وليس المسجد فهو ضد المسجد الذي أضاع الجامع (ضاع الجامع وراء المسجد). وهو ضد الحل الاسلامي والاسلاميين، مثل السلطة كل السلطة في العالم الثالث، بل ومثل حكومة فرنسا وأميركا وتل أبيب (…) إلخ. فهو يقول:
(فالدعوة التي ترتفع حالياً في أرجاء الوطن العربي، مطالبة ]بإحياء الاسلام[ دعوة لا تطالب بإحياء صوت المواطن المسلم في مؤتمر يوم الجمعة، بل تهدف إلى تكريس إلغاء الحوار باسم الاسلام نفسه).
ثم يفقعنا حكمة:
(الاسلام الذي يبشر به القرآن ليس شريعة تطبقها دولة، بل دولة أخرى في حد ذاتها).
وهو يزيدنا تعريفاً بجامعه الذي هو نقيض مسجدنا فيقول:
(بيت لا تسري عليه قوانين الدولة).
إن كان يقصد اللجان الشعبية فهو يخدعنا، لأنها تشكلت بموجب قرار من رئيس الدولة وتسري عليها قوانين الدولة بالطبع وبالوضع. وإن كان يتحدث عن مسجد المسلمين فهو بالطبع تسري عليه قوانين الدولة التي تشرعها بموجب دين المسجد، وقد يكون التشريع في المسجد أو خارجه ولكن المهم هو أن يكون بوساطة أهل الحل والعقد. وبموافقة الأمة بالاسلوب الذي يضمن شرعية وجدية ونزاهة وصدق هذه الموافقة. المسجد لم يصنع المواطن الحر بل صنعه القرآن والسنة. نعم السنة التي علمت المسلم، أنه لا قدسية لبشر ولا عصمة لقرار، بل حتى قرارات رسول الله في أمور الدنيا قابلة للخطأ وللمراجعة والتصحيح. المسلم الذي تعلم ذلك في غزوة بدر، هو الذي علم المرأة أن تصيح في المسجد: ليس لك هذا يا عمر! وعمر تعلم من سنة الرسول أنه لا بد أن يرجع عن الاجتهاد الخاطئ، متى نبه له. فالأصل هو الاسلام، هو المجتمع المسلم. هو المواطن المسلم. أما الجامع الذي يضم كل الأديان فهو هايد بارك أو لعله دعوة بهائية ستكشف عنها الأيام! كذلك رفض الاسلام سياسة القطيع الذي يحشد في مكان عام ويصيح موافقون موافقون. أو ما يسميه النيهوم بالديموقراطية المباشرة. ولما حدث ذلك بادر رسول الله بأبي وأمي فقال:
(لا! ولكن اختاروا من بينكم نقباء يرفعون إلينا رأيكم).
هذه هي الديموقراطية الحقة دون حاجة للمصرف اليهودي ولا غزو أميركا وإبادة الهنود الحمر!
(وقد تعمد رسول الله أن يوكل إمامة الصلاة الجامعة إلى المسؤول السياسي شخصياً، لتسهيل مهمة الحوار السياسي بالذات).
وتحلو له لعبة البيضة أو الفرخة (أو حاوريني يا طيطة) فنحن لا نستحق البرلمان ولا الديموقراطية قبل أن نمتلك المصرف ولا سبيل لمصرف إلا بالديموقراطية و:
(تطبيق الشريعة يحتاج أولاً إلى مجتمع شرعي).
ولا يخبرنا كيف يصبح المجتمع شرعياً أو (كوشير) من غير شريعة أو قبل أن نطبق الشريعة!
(إن كل قانون تسنه الشريعة تحت سلطة الإقطاع يصبح قانوناً مسخراً لخدمته. وكل سلاح تشهره الشريعة للدفاع عن الناس، يتحول إلى سلاح إلهي ضدهم، لأن الخلطة نفسها مستحيلة من أساسها).
الخلطة فاسدة جداً. الشريعة لا تشرع تحت سلطة الإقطاع وإنما هو الإقطاع الذي يشرع حتى لو ادعى أنه يشرع باسم الشريعة. فنحن غير ملزمين بتصديقه. والثورة على الإقطاع تمت باسم الشريعة، وهي التي حررت الانسان المسلم من ذل الإقطاع قبل إنسان أوروبا بألف سنة. لم ينوجد في العالم الاسلامي (حق الليلة الأولى)، ولا بيع الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً، ولا كان الفلاح المسلم يعتقد أن دم النبيل أزرق.
دعنا من الجامع والمسجد ولنتوقف قليلاً عند تسبيح النيهوم بالمصرف والنظام الرأسمالي، وسنكتشف أنه إنما يعبر عن إعجابه وامتنانه لليهود، فهم اذين أهدوا البشرية مفتاح الكنز وهم أصل الحضارة واقرأ معي هذا:
(جلس قادة العبرانيين الهاربين برؤوس أموالهم من مصر (حتى التوراة اعترفت أنهم سرقوها من المصريين، ولكن الكاتب الليبي الثوري يشهد بأنها رؤوس أموالهم! حقهم هربوا من الطغيان أو النهب المصري لكي يكتبوا النسخة الأولى من دستور الدولة الرأسمالية الحديثة، ويؤسسوا أول جمهورية ديموقراطية في التاريخ).
(دولة على رأسها نبي ويديرها كهنة وبموجب لوح عليه وصايا من السماء تكون ديموقراطية وجمهورية لمجرد أنها يهودية الدين؟! أما الاسلام فمحرم ورجعي طوال عمره). فهو يقول:
(إن أربعة عشر قرناً من الاسلام لم تنتج في واقع العرب سوى حكومة اسلامية واحدة).
أما دولة اليهود التي قامت على الذبح والتذابح، فقد وضعت أول دستور ديموقراطي وأول جمهورية، بل الدستور الأم الذي بقي إلى اليوم. فهو يتابع:
(وهو دستور سوف يستعيره اللورد كرومويل، عندما يفتتح عصر الجمهوريات الأوروبية، ضامناً لليهود جميع حقوق التأليف).
ولا مناحيم يبغن في جهله وصلفه قال ذلك، أو يمكن أن يدعي أن اليهود هم أصل الحضارة! هذه طبعة جديدة شديدة الادعاء للتوراة، وتقرب كاتبها من جائزة نوبل، لولا خلوها من أي أساس أو حياء علمي!