الدوحة وملفات الانهيار العربي.. المستقبل الجديد
يعيش الوطن العربي اليوم بين فقدان التوازن الوجودي، أو مشروع فشل الدولة، ومحاولة النهضة والإنقاذ الجديد، وخصوصا في تطورات القرن الأفريقي، ويبقى الحضور العربي الممكن اليوم محصوراً بين التأثير الإعلامي والمهمة الدبلوماسية التي تُخفف من واقع المآسي التي تحيط بالشعوب العربية، وهو تحدِ جديد لقطر، يفتح لها الباب لمعالجة إشكالات سابقة، استغل ملفاتها محور الثورة المضادة، لتعود في سياق مختلف، لا يُخاطر بالتوسع الضخم الذي يهدد أمنه ومصالحه، ولكن يخلق له أرضية تأثير تُكسبه دبلوماسية شعبية مهمة. وأظن أن هذا الأمر سيشمل التوازن الذي يحتاج إليه الحليف التركي لقطر في ظل هذه التطورات، فتركيا اليوم في الحالة السودانية بعيدة عن التجاذب السياسي، ولكن لديها مصالح قومية في الصومال، وهناك تطوّر في تأثير وجودها فيه، فيما للسودان وضع مختلف اليوم، ومستقبل تركيا السياسي المحموم والصراع مع المعارضة، وتحول التخلص من الملفات العربية، وخصوصا السوري، الى ملف قومي في تركيا، يشمل الحكم والمعارضة، لا يساعد أبداً بأي نوع من التدخل التركي داخل الأقطار العربية.
أما قطر، فأثر النموذج الجديد الذي ظهر في سياستها مع تونس الرئيس الراحل الباجي السبسي برز في الانعزال عن تفاعلات الثورات، وعدم التدخل فيها، خصوصا بعد كارثة مصير الثورة السورية، وفشل المشروع العربي التركي، ثم تحول أنقرة إلى التحالف الاستراتيجي مع إيران والروس، وهو دلالة مهمة لخطورة هذا الإرث الخطير الذي تغير في مسار تونس. ويبقى البعد الإعلامي والفكري مشروعا قويا للدولة القَطَرية، في نموذجي قناة الجزيرة والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فهو يملك مساحة تأثير يمكن تسييرها بقدرة مرنة، ضمن مصالح قطر والدول العربية المعنية الذي يتفق مع طموح شعبها في التغيير، من دون التورّط في نزاعها الداخلي، فهذا البعد أسلم وأكثر كسبا لقطر وللأفق النهضوي للوطن العربي، والذي
أعتقد أن الدوحة تقيّمه اليوم.
وفي الحالة الصومالية، فإن الإرث المتبقي من الحرب الأهلية، وعهد المحاكم الإسلامية التي واجهت التدخل الأميركي السافر، ثم نفوذ حركة الشباب الإرهابية، يدل اليوم على الإشكالية الخطيرة لواقع الشعب الصومالي، حيث يعاني الرئيس محمد عبدالله فرماجو وتحالفه للنهضة الذي انخرط فيه حشد من شباب المستقبل، لإنقاذ الصومال وإحيائه مدنيا، من تجاذباتٍ محلية شرسة، وثقافة عنف وتشدد مخالفة للإسلام ولأي نهضة مدنية، تستغلها أطراف خارجية، فهذه المجموعات التي دخلت عليها الثورة المضادة اليوم تمثل خيوطاً خطيرة على مشروع إنقاذ الصومال، وفتيل حريقها سينتقل إلى مناطق أخرى، فمن المهم أن تكون شراكة الدوحة مع الصومال داعمة مشروع الاستقلال المدني الذي يقوده الرئيس فرماجو، وأن يدعم ملف المصالح مع تركيا، في إطار منهجي استراتيجي لاقتصاد البلدين، يساعده التعاون النوعي بين الدوحة ومقديشو، ويتجاوز كلياً إطار العلاقات الدينية المشيخية، أو المصالح الذاتية للشخصيات. ومن خلال هذه الترويكا، تنظم الصومال علاقاتها مع تركيا، من دون أن تُستخدم العلاقة مبرّراً للمحور الآخر، لتمكين لعبة الإرهاب، بناء على الصراع الإقليمي الشرس.
وفي المجمل، أمام الدوحة مستقبل كبير وناجح، إذا تم تطوير نموذج التعاطي في تونس، وإعادة ترتيب بعض الملفات، والعودة الإيجابية كخطوة إلى الوراء، تستشرف المستقبل الإقليمي، وتُحدث أرضية للحياد الإيجابي الذي يسعى إلى دعم الشعوب ونهضتها، ولكن لا ينخرط في التجاذبات المحلية الداخلية لدول الربيع وغيرها. وهذا ما قد يُحقق لها مشهداً في الضمير العربي والإسلامي الذي يعاني من بغي محور أبو ظبي، وتحفّزه ضد حريات العرب ومشروعهم المدني، وخصوصا حين يتحول نجاح صمودها في أزمة الخليج إلى صورة ثابتة للدولة الصديقة التي تدعم مشاريع النهوض والسلام بمسافة موحدة مع الجميع. أما المكسب الثاني، فهو أن صفاء الصورة المستقبلية سيمهد الطريق لحضور مختلف لمنبر الدوحة الذي اشتغل بقضايا سلام ومفاوضات متعددة قديما، ولكن إرث تلك المرحلة كان ثقيلا على هذه المبادرات. أما حين تُضبط المسارات في إطار علاقات متوازنة، لا تلغي الإحسان الإنساني لعلماء الدين، أو شخصيات الدعوة الإسلامية وغيرهم من المطاردين، ولكن تعزّز موقفها عبر صورة الدولة المتوازنة، صغيرة الحجم نعم، ولكنها كبيرة الأثر، ومتوازنة في علاقتها بالدول والشعوب، وفقا لمعادلة الدعم لنهضة أي وطن عربي أو مسلم.
هنا سنلاحظ أن ما يجري اليوم في الشرق هو مقدمات سقوط جديدة كبرى، والكارثة المركزية
أن الوطن العربي في حالة فراغ قاتل، قاده إليه محور أبو ظبي الذي استغل أيضا أخطاء جماعات دينية وسياسات إقليمية متضاربة، والتنسيق المطروح بين الدول الإسلامية الثلاث، باكستان وتركيا وماليزيا، مشروع مفيد جداً للشرق إذا صمد، وباشر مشاريع تنموية كتكتل نهضة للشرق المسلم، ولكنه يشير إلى الواقع العربي الغائب المؤلم. والذي تتفاعل أحداثه، بما فيها تصفية ملف الثورة السورية، مهما كانت التكلفة على الشعب، وهذا قد يوجد حالات اضطرابٍ شرسة يولّد جماعات عنف جديدة، كما أن هذا الانهيار اليوم أو غداً يؤثر على بقية البلدان، بما فيها قطر، وحماقة مشروع أبو ظبي لا يحيّده، ولا يخفف من أثره، الرد المطلق عليها، إنما الرد النوعي المنهجي الذي يدفن حفر الحرب التي تشعلها، ويسعى إلى روابط حوار وإنقاذ مدني للشعوب، وهو اليوم بوابة المرحلة، حيث لا يمكن أن تقوم نهضة في ظل هذه الحروب.
وقد أصبح العربي طريدا في كل مكان، لا يجد قوته ولا أمن عياله ولا يأمن مضيفه، وبالتالي فإن رسالة السياسة الناجحة اليوم التي ستعزّز مقعدها الدولي والإقليمي، هو كيف تُنقذ هذه الشعوب والأوطان من حالة الحرب، وكيف يهيئ لسلام اجتماعي، لن يخرج من الاستبداد الكلي اليوم، وإنما تنقذ حياة الشعوب، ويلتقط دعاة الحرية والنهضة أنفاسهم، لعل الله يبعث هذا الشرق من جديد.
وفي الحالة الصومالية، فإن الإرث المتبقي من الحرب الأهلية، وعهد المحاكم الإسلامية التي واجهت التدخل الأميركي السافر، ثم نفوذ حركة الشباب الإرهابية، يدل اليوم على الإشكالية الخطيرة لواقع الشعب الصومالي، حيث يعاني الرئيس محمد عبدالله فرماجو وتحالفه للنهضة الذي انخرط فيه حشد من شباب المستقبل، لإنقاذ الصومال وإحيائه مدنيا، من تجاذباتٍ محلية شرسة، وثقافة عنف وتشدد مخالفة للإسلام ولأي نهضة مدنية، تستغلها أطراف خارجية، فهذه المجموعات التي دخلت عليها الثورة المضادة اليوم تمثل خيوطاً خطيرة على مشروع إنقاذ الصومال، وفتيل حريقها سينتقل إلى مناطق أخرى، فمن المهم أن تكون شراكة الدوحة مع الصومال داعمة مشروع الاستقلال المدني الذي يقوده الرئيس فرماجو، وأن يدعم ملف المصالح مع تركيا، في إطار منهجي استراتيجي لاقتصاد البلدين، يساعده التعاون النوعي بين الدوحة ومقديشو، ويتجاوز كلياً إطار العلاقات الدينية المشيخية، أو المصالح الذاتية للشخصيات. ومن خلال هذه الترويكا، تنظم الصومال علاقاتها مع تركيا، من دون أن تُستخدم العلاقة مبرّراً للمحور الآخر، لتمكين لعبة الإرهاب، بناء على الصراع الإقليمي الشرس.
وفي المجمل، أمام الدوحة مستقبل كبير وناجح، إذا تم تطوير نموذج التعاطي في تونس، وإعادة ترتيب بعض الملفات، والعودة الإيجابية كخطوة إلى الوراء، تستشرف المستقبل الإقليمي، وتُحدث أرضية للحياد الإيجابي الذي يسعى إلى دعم الشعوب ونهضتها، ولكن لا ينخرط في التجاذبات المحلية الداخلية لدول الربيع وغيرها. وهذا ما قد يُحقق لها مشهداً في الضمير العربي والإسلامي الذي يعاني من بغي محور أبو ظبي، وتحفّزه ضد حريات العرب ومشروعهم المدني، وخصوصا حين يتحول نجاح صمودها في أزمة الخليج إلى صورة ثابتة للدولة الصديقة التي تدعم مشاريع النهوض والسلام بمسافة موحدة مع الجميع. أما المكسب الثاني، فهو أن صفاء الصورة المستقبلية سيمهد الطريق لحضور مختلف لمنبر الدوحة الذي اشتغل بقضايا سلام ومفاوضات متعددة قديما، ولكن إرث تلك المرحلة كان ثقيلا على هذه المبادرات. أما حين تُضبط المسارات في إطار علاقات متوازنة، لا تلغي الإحسان الإنساني لعلماء الدين، أو شخصيات الدعوة الإسلامية وغيرهم من المطاردين، ولكن تعزّز موقفها عبر صورة الدولة المتوازنة، صغيرة الحجم نعم، ولكنها كبيرة الأثر، ومتوازنة في علاقتها بالدول والشعوب، وفقا لمعادلة الدعم لنهضة أي وطن عربي أو مسلم.
هنا سنلاحظ أن ما يجري اليوم في الشرق هو مقدمات سقوط جديدة كبرى، والكارثة المركزية
وقد أصبح العربي طريدا في كل مكان، لا يجد قوته ولا أمن عياله ولا يأمن مضيفه، وبالتالي فإن رسالة السياسة الناجحة اليوم التي ستعزّز مقعدها الدولي والإقليمي، هو كيف تُنقذ هذه الشعوب والأوطان من حالة الحرب، وكيف يهيئ لسلام اجتماعي، لن يخرج من الاستبداد الكلي اليوم، وإنما تنقذ حياة الشعوب، ويلتقط دعاة الحرية والنهضة أنفاسهم، لعل الله يبعث هذا الشرق من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق