الشيخ الشعراوي.. و"سواقط القيد"!
سليم عزوز
في منتصب الثمانينيات، صدر كتاب الدكتور يوسف إدريس "فقر الفكر وفقر الفقر"، وقد حدثت أزمة كبرى ضد الكتاب ومؤلفة؛ لأن الصحفي محمد عبد القدوس ضبطه متلبساً بالهجوم على الشيخ الشعراوي، وقد وصف الشيخ بـأنه "فنان نصف موهوب"، وأخذ عبد القدوس هذه العبارة لاستطلاع رأي نجوم المجتمع من أهل السياسة فيها، ولم يكن من بينهم رجل دين واحد، فاستنكروا ما قاله إدريس بشدة، ونُشرت تعليقاتهم بالصحيفة الأكثر توزيعاً حينها، وهي "أخبار اليوم"، والتي كان توزيعها يتجاوزها المليون نسخة، فتحولت الكلمات الغاضبة إلى بيانات إدانة ضد الكتاب ومؤلفه!
ولم يجد "يوسف إدريس" ما يقوله دفاعاً عن نفسه، في مواجهة هذه الثورة، إلا أن يتراجع ويعلن أن ما جاء في الكتاب هو خطأ مطبعي، لكنه لم يقل ما هو الصواب، ولم ينتظر أحد منه أن يفعل؛ لأنه كان دفاعاً متهافتاً، وقد تم ضبطه متلبساً بهجومه، فأراد أن يتراجع عن ما كتبته يداه بأي شكل، فلم يجد أمامه سوى شماعة المطبعة ليعلق عليها الأمر.
الأمن على الخط:
لكن بعد هذا بسنوات، تم الدفع بمحرر شاب بمجلة "روزا اليوسف"، هو "إبراهيم عيسى"، ليهاجم الشيخ الشعراوي، وذلك لأن سمعة الشيخ كانت قد وصلت الآفاق، والقرار الأمني بتحديد سقف الشهرة صدر حديثاً، فلم تجد الأجهزة أمامها من سبيل سوى السماح بالهجوم عليه في "روزا اليوسف". وقد ظن الفتى أن الطريق أمامه مفتوحاً، فكتب يهاجم شيخ الأزهر، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، في نفس التوقيت، لكن إدارة التحرير بالمجلة منعت نشر المقال، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها على أن ليس كل العمائم مسموحا بمهاجمتها، ليكشف هذا عن دخول الأجهزة الأمنية على الخط، في حملة الهجوم على الشيخ الشعراوي، وقد وصلت إلى توظيف شعبيته كمادة للإلهاء بعد الانقلاب العسكري بالهجوم المتكرر عليه لصرف الناس بعيداً عن فساد الحكم وحكم الفساد. فلا يكاد ينسى الناس هجوماً على الشيخ حتى ينبعث آخر يهاجمه. فلم نكد ننسى هجوم "مفيد فوزي"، حتى كان هجوم ابنة الفنان شريف منير. وهو وابنته ليسا بعيدين عن الاستخدام الأمني!
وليس الشيخ الشعراوي فوق النقد، أو معصوما من الخطأ، فرجل وقف في مواجهة الكاميرا، وأمام الناس لأكثر من ثلاثين سنة، من الجنون تصور أنه لم يخطئ في رأي أو في فتوى. وقد انتقدت مواقف له عندما كان وزيراً للأوقاف، فلا يمكن للمرء أن يتجاوزها، لكن من ينتقد أمراً خاصاً بتفسير الرجل للقرآن أو فتاويه الدينية، فلا بد أن يكون ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه (ولا أقول أن يكون عالم دين)، وأن يكون مدركاً لما يقول، وهو ما نفتقده في الحملات الأمنية التي يستغل فيها الأفراد، من مفيد فوزي، إلى ابنة الممثل "منير شريف"، التي وصفته بالتطرف، وأنها لا تقبله، كما لو كانت تتحدث عن "أكلة"، أو نوع من الطعام، دون أن تقدم رأياً، أو تقول مبرراً منطقيا، أو غير منطقي!
ثم ما مناسبة الكلام عن الشيخ وهو لا يعيش بين ظهرانينا، وليست هذه الأيام ذكرى مولده أو وفاته؟!
من فضيحة لفضيحة:
لا نرى لذلك مناسبة، سوى أن أهل الحكم في ورطة، فلا يكادون يخرجون من "حفرة" حتى يسقطوا في دحديرة، ومن فضيحة القصور الرئاسية، إلى وقوف الرأي العام على فشل سياسة عسكرة وزارة النقل، فأرادت السلطة أن تصرف انتباه الناس بعيداً عن فشلها وفضائحها، فكان هذا الحديث من جاهلة عن رمز ديني، تحت لافتة "حرية الرأي"، وكأنها مكفولة في مصر، وكأن ما قالته هو "رأي" لنطلب له الحرية.
ولنا أن نعلم أن المذكورة جرى جلبها ووالدها لتقديم برنامج بقناة "أون"، وهي القناة المملوكة لشركة إعلام المصريين، المملوكة بدورها للأجهزة الأمنية، بعد إجبار مالكها نجيب ساويرس على التنازل عنها لصالح المخابرات، دون أن تكون هناك سابق خبرة لابنة الفنان في التقديم التلفزيوني، ودون أن يكون والدها مذيعا، في بلد صار التقديم التلفزيوني (كما الصحافة) مهنة من لا مهنة له، وتطبيقا لسياسة السيسي في إبعاد المحترفين، وخلق جيل جديد من المذيعين، من خارج المهنة. وكانت بداية تدشين هذه السياسة باستدعاء المخرجة السينمائية "ساندرا نشأت" لتحاوره، مع وجود عشرات المذيعين أصحاب الفضل عليه، والذين كانوا أداة في إسقاط الحكم المنتخب، وتمهيد الأجواء للانقلاب العسكري، ليصبح هو رئيساً للبلاد، وهو ما يفوق أكثر أحلامه جنونا.
قبل هذا التعاقد مع شركة اعلام المصريين، وقبل الهجوم على الشيخ الشعراوي، لم نكن نعرف "حبيبة والديها"، ولم يكن هناك من يعرف أنها صاحبة وجهة نظر في الشعراوي وغيره، وعندما أدت المهمة، طلب والدها التماس العذر لها؛ لأنها لا تعرف اللغة العربية، ليمثل ما قاله دليل إدانة لعملية توظيفها كمذيعة، وفي قناة ناطقة بلغة الضاد، ليكشف هذا الاعتراف وهذا التعاقد عن جريمة يقوم بها الحكم العسكري، تتمثل في تجريف مصر، وتدمير مهنة الصحافة التي لفظت أنفاسها الأخيرة هذه الأيام!
وبهذه العلاقة التعاقدية بين الإعلام الأمني، والممثل المذكور وكريمته، فإن هذا الاستخدام في مهمة الإلهاء يأتي كجزء مكمل للتعاقد، وهي أجهزة تدرك العاطفة الدينية عند الناس، الذين تركوا ما في أيديهم وانشغلوا بالهجوم على هذه "المغمورة"، وليحققوا بهذا خطة الأجهزة التي دفعت بابنة شريف منير لإطلاق قنبلة غاز لستر العورات التي تبدت للناظرين، والطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
التوابع:
لقد ظللت يوما كاملاً لا أشارك في ردود الفعل، التي انطلقت تدافع عن الشيخ الشعراوي، إيمانا مني بأنه لا قيمة للقائلة، ولتفويت الفرصة على من يبغونها عوجا، ويريدون أخذ الرأي العام بعيداً عن جرائم الحكم وفساده، لكن في اليوم التالي تبين أن للمخطط توابعه، إذ هربت الفتاة من المعركة بالاعتذار، فقد أدت الغرض ولا داعي للتمترس في موضوع لا ناقة لها فيه ولا جمل. لكن "التوابع" كانت لشخصيات معروفة، لا يشغلها من حرية الرأي، إلا أن تتطاول على الرموز الدينية، وعلى الدين نفسه. ولا تعني الحرية المطلوبة عندها إلا حرية استفراغها ما في بطونها في وجوهنا، والحجة دائماً أنه لا أحد فوق النقد، وفي بلد يسجن في الأطفال لحملهم "مساطر" تحمل صوراً يرفضها النظام، دون أن نسمع لهم ركزا.
إنها قوى الكفاح الفاشل، وقد انبرت في حملة منظمة تكمل المهمة التي بدأتها الفتاة، فكان حقاً علينا أن نضع النقاط فوق الحروف، وأن نكشف "فقر الفكر وفكر الفقر"!
إن حرية الرأي، لا تعني حرية الجهل، فالرأي لا ينتجه عقل فارغ، وذمم فاسدة!
لقد قالوا إن الشعراوي نشر الفكر الوهابي، فأيقنت أننا أمام جهلة وسواقط القيد!
ولم يجد "يوسف إدريس" ما يقوله دفاعاً عن نفسه، في مواجهة هذه الثورة، إلا أن يتراجع ويعلن أن ما جاء في الكتاب هو خطأ مطبعي، لكنه لم يقل ما هو الصواب، ولم ينتظر أحد منه أن يفعل؛ لأنه كان دفاعاً متهافتاً، وقد تم ضبطه متلبساً بهجومه، فأراد أن يتراجع عن ما كتبته يداه بأي شكل، فلم يجد أمامه سوى شماعة المطبعة ليعلق عليها الأمر.
الأمن على الخط:
لكن بعد هذا بسنوات، تم الدفع بمحرر شاب بمجلة "روزا اليوسف"، هو "إبراهيم عيسى"، ليهاجم الشيخ الشعراوي، وذلك لأن سمعة الشيخ كانت قد وصلت الآفاق، والقرار الأمني بتحديد سقف الشهرة صدر حديثاً، فلم تجد الأجهزة أمامها من سبيل سوى السماح بالهجوم عليه في "روزا اليوسف". وقد ظن الفتى أن الطريق أمامه مفتوحاً، فكتب يهاجم شيخ الأزهر، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، في نفس التوقيت، لكن إدارة التحرير بالمجلة منعت نشر المقال، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها على أن ليس كل العمائم مسموحا بمهاجمتها، ليكشف هذا عن دخول الأجهزة الأمنية على الخط، في حملة الهجوم على الشيخ الشعراوي، وقد وصلت إلى توظيف شعبيته كمادة للإلهاء بعد الانقلاب العسكري بالهجوم المتكرر عليه لصرف الناس بعيداً عن فساد الحكم وحكم الفساد. فلا يكاد ينسى الناس هجوماً على الشيخ حتى ينبعث آخر يهاجمه. فلم نكد ننسى هجوم "مفيد فوزي"، حتى كان هجوم ابنة الفنان شريف منير. وهو وابنته ليسا بعيدين عن الاستخدام الأمني!
وليس الشيخ الشعراوي فوق النقد، أو معصوما من الخطأ، فرجل وقف في مواجهة الكاميرا، وأمام الناس لأكثر من ثلاثين سنة، من الجنون تصور أنه لم يخطئ في رأي أو في فتوى. وقد انتقدت مواقف له عندما كان وزيراً للأوقاف، فلا يمكن للمرء أن يتجاوزها، لكن من ينتقد أمراً خاصاً بتفسير الرجل للقرآن أو فتاويه الدينية، فلا بد أن يكون ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه (ولا أقول أن يكون عالم دين)، وأن يكون مدركاً لما يقول، وهو ما نفتقده في الحملات الأمنية التي يستغل فيها الأفراد، من مفيد فوزي، إلى ابنة الممثل "منير شريف"، التي وصفته بالتطرف، وأنها لا تقبله، كما لو كانت تتحدث عن "أكلة"، أو نوع من الطعام، دون أن تقدم رأياً، أو تقول مبرراً منطقيا، أو غير منطقي!
ثم ما مناسبة الكلام عن الشيخ وهو لا يعيش بين ظهرانينا، وليست هذه الأيام ذكرى مولده أو وفاته؟!
من فضيحة لفضيحة:
لا نرى لذلك مناسبة، سوى أن أهل الحكم في ورطة، فلا يكادون يخرجون من "حفرة" حتى يسقطوا في دحديرة، ومن فضيحة القصور الرئاسية، إلى وقوف الرأي العام على فشل سياسة عسكرة وزارة النقل، فأرادت السلطة أن تصرف انتباه الناس بعيداً عن فشلها وفضائحها، فكان هذا الحديث من جاهلة عن رمز ديني، تحت لافتة "حرية الرأي"، وكأنها مكفولة في مصر، وكأن ما قالته هو "رأي" لنطلب له الحرية.
ولنا أن نعلم أن المذكورة جرى جلبها ووالدها لتقديم برنامج بقناة "أون"، وهي القناة المملوكة لشركة إعلام المصريين، المملوكة بدورها للأجهزة الأمنية، بعد إجبار مالكها نجيب ساويرس على التنازل عنها لصالح المخابرات، دون أن تكون هناك سابق خبرة لابنة الفنان في التقديم التلفزيوني، ودون أن يكون والدها مذيعا، في بلد صار التقديم التلفزيوني (كما الصحافة) مهنة من لا مهنة له، وتطبيقا لسياسة السيسي في إبعاد المحترفين، وخلق جيل جديد من المذيعين، من خارج المهنة. وكانت بداية تدشين هذه السياسة باستدعاء المخرجة السينمائية "ساندرا نشأت" لتحاوره، مع وجود عشرات المذيعين أصحاب الفضل عليه، والذين كانوا أداة في إسقاط الحكم المنتخب، وتمهيد الأجواء للانقلاب العسكري، ليصبح هو رئيساً للبلاد، وهو ما يفوق أكثر أحلامه جنونا.
قبل هذا التعاقد مع شركة اعلام المصريين، وقبل الهجوم على الشيخ الشعراوي، لم نكن نعرف "حبيبة والديها"، ولم يكن هناك من يعرف أنها صاحبة وجهة نظر في الشعراوي وغيره، وعندما أدت المهمة، طلب والدها التماس العذر لها؛ لأنها لا تعرف اللغة العربية، ليمثل ما قاله دليل إدانة لعملية توظيفها كمذيعة، وفي قناة ناطقة بلغة الضاد، ليكشف هذا الاعتراف وهذا التعاقد عن جريمة يقوم بها الحكم العسكري، تتمثل في تجريف مصر، وتدمير مهنة الصحافة التي لفظت أنفاسها الأخيرة هذه الأيام!
وبهذه العلاقة التعاقدية بين الإعلام الأمني، والممثل المذكور وكريمته، فإن هذا الاستخدام في مهمة الإلهاء يأتي كجزء مكمل للتعاقد، وهي أجهزة تدرك العاطفة الدينية عند الناس، الذين تركوا ما في أيديهم وانشغلوا بالهجوم على هذه "المغمورة"، وليحققوا بهذا خطة الأجهزة التي دفعت بابنة شريف منير لإطلاق قنبلة غاز لستر العورات التي تبدت للناظرين، والطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
التوابع:
لقد ظللت يوما كاملاً لا أشارك في ردود الفعل، التي انطلقت تدافع عن الشيخ الشعراوي، إيمانا مني بأنه لا قيمة للقائلة، ولتفويت الفرصة على من يبغونها عوجا، ويريدون أخذ الرأي العام بعيداً عن جرائم الحكم وفساده، لكن في اليوم التالي تبين أن للمخطط توابعه، إذ هربت الفتاة من المعركة بالاعتذار، فقد أدت الغرض ولا داعي للتمترس في موضوع لا ناقة لها فيه ولا جمل. لكن "التوابع" كانت لشخصيات معروفة، لا يشغلها من حرية الرأي، إلا أن تتطاول على الرموز الدينية، وعلى الدين نفسه. ولا تعني الحرية المطلوبة عندها إلا حرية استفراغها ما في بطونها في وجوهنا، والحجة دائماً أنه لا أحد فوق النقد، وفي بلد يسجن في الأطفال لحملهم "مساطر" تحمل صوراً يرفضها النظام، دون أن نسمع لهم ركزا.
إنها قوى الكفاح الفاشل، وقد انبرت في حملة منظمة تكمل المهمة التي بدأتها الفتاة، فكان حقاً علينا أن نضع النقاط فوق الحروف، وأن نكشف "فقر الفكر وفكر الفقر"!
إن حرية الرأي، لا تعني حرية الجهل، فالرأي لا ينتجه عقل فارغ، وذمم فاسدة!
لقد قالوا إن الشعراوي نشر الفكر الوهابي، فأيقنت أننا أمام جهلة وسواقط القيد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق