نظرات وعبرات تجريم حماس.. هل يصحح مسار القضية الفلسطينية؟
محمود عبد الهادي
أصدرت بريطانيا يوم الجمعة الماضي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قرارها باعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منظمة إرهابية، وبهذا تلحق بريطانيا بالاتحاد الأوروبي الذي أصدر يوم الثلاثاء الماضي 23 نوفمبر/تشرين الثاني قراره بإعادة اعتبار (حماس) منظمة إرهابية، بعد أن نقضت محكمة العدل الأوروبية قرار المحكمة العامة الصادر عام 2019 بحذف حماس من قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية، التي أدرجت حماس فيها عام 2003. وكانت "منظمة الدول الأميركية" (OAC) -التي تضم 35 دولة من الأميركتين- أعلنت قراراً مماثلاً مايو/أيار الماضي إثر صواريخ حماس التي أطلقتها على الكيان الصهيوني في معركة "سيف القدس". فما الآثار المترتبة على هذه القرارات؟ وهل يمكن أن تدفع هذه القرارات حماس إلى تعجيل الخطى باتجاه تصحيح مسار القضية الفلسطينية؟ أم أن القرارات ستزيد من مأزق حماس الإقليمي والدولي؟
القاصي والداني يعلم أن حركة حماس تمثل حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وأن حركة الإخوان المسلمين منذ عدة سنوات تقع في بؤرة الاستهداف الصهيوني والعربي والدولي، وأن الظروف الاستثنائية التي تعيشها حماس حاليا في قطاع غزة لا تجعلها خارج نطاق هذا الاستهداف.
تداعيات قرارات اعتبار حماس منظمة إرهابية
من الواضح أن تزامن هذه القرارات في العام الجاري لم يكن مصادفة، والرابط الوحيد بينها هو رد فعل هذه الدول على موقف حماس في معركة القدس، وهذه القرارات سيكون لها آثار وتداعيات كثيرة على حماس في عديد من المجالات، خاصة السياسية والاقتصادية والتنظيمية:
أولا: سياسيا
- ستفقد حماس مساحة جغرافية كبيرة كانت تتحرك فيها تشمل نحو 70 دولة غربية ولاتينية، لكسب التأييد وتوضيح المواقف وفضح ممارسات الكيان الصهيوني.
- ستفقد حماس كثيرا من دعم أتباعها ومؤيديها من الفلسطينيين والعرب المقيمين في هذه البلدان، ومن المتضامنين معها من مواطنيها، بسبب خشيتهم من الوقوع تحت طائلة قوانين الإرهاب، التي تجرم كافة أنواع الدعم والتأييد للمنظمات والكيانات المدرجة في قوائم الإرهاب.
- ستتوقف المسيرات الشعبية العارمة المناصرة لحماس والقضية الفلسطينية التي كانت تخرج في عديد من هذه البلدان -خاصة في بريطانيا- وكذلك الحال بالنسبة للفعاليات التضامنية التي كانت تنظمها المؤسسات المدنية المؤيدة لحركة حماس والقضية الفلسطينية.
- ستخسر حماس علاقاتها مع الأحزاب السياسية والشخصيات البرلمانية والنخبوية المؤيدة لحماس والقضية الفلسطينية، والمعارضة لممارسات الكيان الصهيوني، وفي مقدمة هذه الأحزاب حزب العمال البريطاني.
- ستخسر حماس الحملات التضامنية التي كانت تصل إلى قطاع غزة عن طريق البحر والجو.
- زيادة التنسيق الأمني الغربي مع الدول العربية المعادية لحماس، لتشديد الخناق عليها، وإخضاعها لمخططاتهم الجديدة الخاصة بالمنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
- زيادة الحرج الواقع على الدول العربية والإسلامية والأفريقية والآسيوية التي تتعاون مع حماس وتستقبل وفودها وتسمح بأنشطة وفعاليات مؤيدة لها، مثل قطر والمغرب وموريتانيا والكويت وعُمان وتركيا وإندونيسيا وباكستان وجنوب أفريقيا.
- تضييق الخناق على حركة وفود حماس وقياداتها في دول العالم، وصعوبة سفرهم باعتبارهم شخصيات إرهابية.
- تشجيع الدول التي تفكر في التطبيع مع الكيان الصهيوني، للاستعجال في ذلك وقطع علاقاتها مع حماس، وإدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية.
ثانيا: اقتصاديا
- تجميد أنشطة وحسابات المؤسسات الخيرية والتجارية المسجلة بأسماء أشخاص معروفين بانتمائهم لحماس أو بتأييدهم لها وتضامنهم معها.
- توقف المساعدات الإنسانية التي كانت تصل إلى قطاعات غزة مباشرة بالتنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وبين حماس.
- وقوف هذه الدول إلى جانب الكيان الصهيوني في تشديد الحصار الاقتصادي على حكومة حماس في قطاع غزة.
- زيادة عجز موازنة حكومة حماس في قطاع غزة.
ثالثا: تنظيميا
من المتوقع كذلك أن تؤثر هذه القرارات على حركة حماس في الجوانب التالية:
- لجوء القسم الأكبر من المنتسبين للحركة إلى العمل السري، وعدم التصريح بانتمائهم للحركة، خاصة أولئك الذين تضطرهم مصالحهم إلى السفر عربيا ودوليا.
- احتداد النقاش في أروقة الحركة بين التيارات المختلفة بحثا عن حلول عملية ناجحة للتعامل مع هذه القرارات، وإفرازاتها الحالية والمستقبلية.
- حدوث خلافات بين قيادات الحركة حول الأشخاص والأحداث المتسببة في هذه القرارات، والخسائر التي قدمتها حماس بسبب ذلك، وقد تؤدي هذه الخلافات إلى إشكالات تنظيمية بنوية لم تكن في الحسبان.
أزمة حماس الكبرى
أثارت هذه القرارات من جديد الحديث عن الأزمة الحقيقية التي تواجهها حركة حماس، والتي يحب البعض القفز عنها، تحت ذرائع ومبررات عمومية غير محددة، وتتجلى جوانب هذه الأزمة -من وجهة نظرنا- في 5 جوانب رئيسية، كما يلي:
- الفشل الفلسطيني المتواصل في ترتيب البيت الفلسطيني، والاتفاق على برنامج تحرر وطني مشترك؛ هذا الفشل يصبغ المشهد السياسي الفلسطيني بأكمله داخليا وخارجيا، ويقدم المبررات المنطقية لجميع الأطراف المتحالفة مع الكيان الصهيوني عربيا ودوليا، لتفعل ما تريد.
- السياق الدولي والإقليمي الراهن، الذي يشهد عملية تنفيذ خطط تحويلية متعددة المستويات والمجالات، سياسية واقتصادية وتنموية وتقنية؛ فهذا السياق لا مكان فيه لحركات وتنظيمات الإسلام السياسي، ومن بينها حركة حماس بفكرها الحالي.
- أن التصور الحالي الذي تسير فيه القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين -القائم على حل الدولتين- إنما هو حل وهمي لا يمكن أن يتحقق.
- أن القاصي والداني يعلم أن حركة حماس تمثل حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وأن حركة الإخوان المسلمين -منذ عدة سنوات- تقع في بؤرة الاستهداف الصهيوني والعربي والدولي، وأن الظروف الاستثنائية التي تعيشها حماس حاليا في قطاع غزة لا تجعلها خارج نطاق هذا الاستهداف.
- أن حماس -حتى الآن- تمتلك برنامج مقاومة، وليس لديها برنامج سياسي واضح ومحدد بأطر زمنية محسوبة يراعي الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية للقضية الفلسطينية: الفلسطينية والصهيونية والعربية والإسلامية والدولية. كما أن برنامج المقاومة لن يحسم الصراع عسكريا مع الكيان الصهيوني، ولن يقدم حلا للقضية الفلسطينية يوقف معاناة الشعب الفلسطيني، ويحقق له التطلعات التي طال انتظاره إياها.
الدولة الواحدة وتحويل الأزمة إلى فرصة
هذه الجوانب الخمسة الاستشكالية تحتم على حركة حماس أن تعيد حساباتها، وتعمل على ترتيب أولوياتها، وتمرحل أهدافها، وأن تلتف على الجدار بدلا من الاستمرار في مناطحته بغية أن ينهار، كما أن تعاملها مع هذه الجوانب بالطرق التقليدية أو بدبلوماسية الممكن والمتاح لن يمكّنها من النجاح في التغلب على النتائج التي أفرزتها -وستفرزها- قرارات إدراجها ضمن قوائم المنظمات والكيانات الإرهابية، وهذا يعيدنا من جديد إلى ما سبق أن طرحناه في هذه الزاوية، ونعيد التذكير به -من جديد بمناسبة هذا المأزق- كونه حلا مثاليا للخروج من هذا المأزق وتحويل الأزمة إلى فرصة، وذلك بالعودة إلى خيار الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي في فلسطين.
- فحل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي سيعيد خلط الأوراق وإعادة حسابات جميع الأطراف الفلسطينية والصهيونية والعربية والدولية من جديد.
- فحل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي يحرج الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي والشعوب الديمقراطية في العالم، ويقضي على فكرة الكيان العنصري، وهو الأمر الذي سينسف المشروع الصهيوني من أساساته.
- حل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي يصلح ليكون المشروع الوطني المشترك الذي تلتقي عليه جميع القوى الفلسطينية، والقادر على إنهاء الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحماس.
- حل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي سينهي مشروع أبراهام، وسباق التطبيع المحموم الذي تقوم به بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني.
- حل الدولة الواحدة هو المشروع السياسي الجاهز القادر على فتح جميع الأبواب أمام حركة حماس، وإلغاء كافة التصنيفات الظالمة والعقوبات المترتبة عليها.
- حل الدولة الواحدة هو الحل الوحيد الواقعي القابل للتحقيق، والقادر على وضع حد لمعاناة الشعبين الفلسطيني واليهودي.