الأربعاء، 2 نوفمبر 2022

أزمة الشورى داخل الكيانات الإسلامية

 أزمة الشورى داخل الكيانات الإسلامية
د. عطية عدلان
مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد..

الشورى من المبادئ والقيم السياسية الراسخة في الإسلام، وقد تواتر في السيرة النبوية عمل النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا المبدأ، وهي -حيث تكون في تدبير الشأن العام- واجبة، وحيث وجبت فهي ملزمة، هذا هو الرأي الراجح الصحيح الذي تبناه أرباب العمل الإسلاميّ من الناحية النظرية، والشورى لها مجالات ودوائر، لكل دائرة منها أحكامها التي تنظمها.

   غير أنّ الشورى هذه التي تؤمن بها كافّة المكونات والتنظيمات والجماعات والأحزاب الإسلامية وتعدها من مآثر دينها لم يهر أثرها على قراراتها بشكل جاد؛

ذلك لأنّها لم تجر على نحو جاد، وفي وجهة نظري أنّ السبب الأول والأكبر في ذلك أنّ الشورى يتم الالتفاف عليها بسبب ضعف آليات الشورى، وبسبب ضعف أخلاق المتشاورين،

فمثلا عندما يتم تشكيل مجلس شورى بمعايير غير منضبطة، ويأتي فيه أشخاص متفاوتين،

ويحاول بعض من يملك القدرة على الأقناع أن يتواصل مع ضعاف الرأي الذين يميلون لرأيه؛

فإنّه يملك عندئذ القدرة على تشكيل عصابي (لوبي) يمثل جبهة تصويت غير إيجابية.

   ويرى الدكتور أحمد عبد الرحمن في كتابه (الحركة الإسلامية.. الأسئلة الصعبة والقرارات الجريئة) الجزء الأول..

أنّ هناك انحرافات خارمة في ممارسات الجماعة للشورى، كان منها ما يلي:

الأول:

ظل الرئيس التنفيذي هو نفسه رئيس الشورى في كل لوائح الجماعة من أعلى سلطة (مكتب الإرشاد) إلى أصغر وحدة (الشعبة)، فغاب بهذا الدور الرقابي والمحاسبي داخل الجماعة،

الثاني:

انتقلت كل صلاحيات مجلس الشورى العام للجماعة إلى مكتب الإرشاد، بما في ذلك اختيار أعضاء المكتب،

وذلك في الفترة من 1995م إلى بداية 2010م ولم ينعقد مجلس الشورى العام ولو بشكل حزئي طوال هذه الفترة،

والتي تعد من أهم وأخطر مراحل الجماعة،

فأدى هذا إلى أنّ الدور الوحيد لمجلس الشورى الذي كان يمارسه من قبل -وهو اختيار مكتب الإرشاد- توقف،

وأصبح مكتب الإرشاد هو الذي يختار أعضاءه، ورفضت في ذلك كل المحاولات التي أرادت عقد مجلس الشورى؛

بذريعة الحالة الأمنية التي كان من الممكن التغلب عليها بوسائل متعددة.

   الثالث:

حرصت الجماعة على ترسيخ مفهوم أنّ الفرد لا يجوز له الترشح للمناصب الإدارية داخل الجماعة،

من باب عدم تزكية النفس، ويطرح كل الأعضاء في مستوى عضوية معين كمرشحين،

وذلك في ظل حالة أمنية لا تسمح بالأعمال المجمعة والكثيرة التي تتيح تعارفا متينا بين الأفراد وتعرفا على القدرات والإمكانات لدى كل منهم،

ولا تسمح للفرد بالاطلاع على الأداء لدى كل هذه الأعداد؛ فبات الاختيار محصورا في الأسماء الأكثر شهرة في التنظيم بعيدا عن معايير الكفاءة.

   وهكذا.. في كل فصائل العمل الإسلامي تجد الخروقات الخطيرة في آليات التشاور وفي القواعد المنظمة للشورى،

تجدها بالغة التأثير إلى حدّ تحويل المسألة برمتها من وضع شوري إلى وضع استبدادي صرف وإن في لباس الشورى،

وهذا -لعمر الحق- التفاف على الشورى لا يليق بعمل ينتمي للإسلام؛

فلم يكن غريبا أن تأتي القرارات الكبيرة في التحولات الخطيرة على هذا النحو من الضعف والاضطراب؛

ما يعني أنّ الأمر ابعد ما يكون عن الشورى الحقيقية.

   ولا ريب أنّ الشورى فيي وضعها الصحيح هي المعتصم الأقوى لضمان إحراز الصواب في القرارات مع التشارك الحقيقي في تحمل المسئولية والتنمية العملية للخبرات والتجارب،

لذلك جاءت في كتاب الله مأمورا بها في آية،

وفي آية أخرى جاءت كصبغة طبيعية لهذه الأمة المهدية؛

 قال تعالى:(وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

(آل عمران: 159)

وقال عزّ وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، والله المستعان.

هناك تعليق واحد:

  1. معني يهر
    1- يهر : موضع واسع.
    2- يهر : تماد في الأمر، مثابرة، مواظبة.

    ردحذف