زيارة نتنياهو فشلت وأمريكا خسرت سمعتها
عامر عبد المنعم
صحفي وكاتب ، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.
لم ينجح نتنياهو في تبييض وجهه، ولم يستطع غسل يديه الملطختين بدماء الأطفال والنساء، ولم يحصل على إجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتأييده في مواصلة حرب الإبادة في غزة حتى تحقيق الانتصار المستحيل على حركة حماس، ورغم العرض المسرحي والتصفيق الاستفزازي من مؤيدي إسرائيل في الكونغرس خاصة أنصار ترمب فإن صوت الأمريكيين الرافضين للحرب ظهر بقوة، مما أجبر الإعلام الرسمي على تغطية وجهتي النظر بعد انحياز مطلق للاحتلال.
نعم أظهر استقبال نتنياهو السقوط الأخلاقي للنخبة السياسية الأمريكية، فاقدة الضمير وعديمة الإنسانية والمنحازة إلى العدوان، ولكن في الوقت نفسه ظهر إصرار الحركة المؤيدة لغزة والرافضة للعدوان على مواصلة نضالها سواء في شوارع واشنطن التي امتلأت بالمحتجين، أو في داخل الكونغرس حيث تغيَّب نصف الديمقراطيين، ومن حضر منهم عبَّر عن رفضه لاستقبال قائد الاحتلال بعدم التصفيق وعدم الوقوف، أو بإعلان الرفض للإبادة مثل رشيدة طليب التي رفعت ورقة كتبت عليها “مجرم حرب”.
جاءت الضربة المهمة لغطرسة رئيس الوزراء الإسرائيلي وأفسدت عليه حالة الزهو والفخر ببيان كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية التي تقترب من كرسي الرئاسة بقوة، عندما طالبت بعد لقاء نتنياهو بوقف الحرب، وأعربت بوضوح عن قلقها الشديد بشأن الوضع الإنساني العاجل في غزة، وقالت “لا يمكننا أن ندير وجوهنا بعيدا في خضم هذه المآسي، لا يمكننا أن نكون لا مبالين أمام هذه المعاناة، لن أبقى صامتة”.
موقف كامالا هاريس يختلف عن موقف بايدن “الصهيوني الفخور”، ويعبّر موقفها الأكثر وضوحا عن حالة الرفض داخل الحزب الديمقراطي لاستمرار الحرب، وجاء تعاطفها مع المدنيين في غزة استجابة لزملائها الديمقراطيين، المسلمين والسود والملونين وأصحاب الضمائر الحية من المسيحيين البيض، واليهود المعادين للصهيونية الذين يرفضون ارتكاب الإبادة باسمهم.
تعي كامالا هاريس جيدا أن تبنّي مطلب وقف الحرب على غزة هو طريقها للفوز على ترمب، فاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة بعد اعتصام طلبة الجامعات تشير إلى أن الرافضين للحرب أكثر من المؤيدين لها، كما أن الأقليات الدينية والعرقية التي تؤيد الحزب الديمقراطي ترفض الإبادة وتطلب الحرية لفلسطين، وقد عبَّر 100 ألف عضو في الحزب الديمقراطي في ميشيغان عن رفضهم تأييد بايدن لموقفه المخزي من غزة، ولو أن بايدن استمر في الترشح لكان سقوطه مؤكدا.
فضح كذب بايدن وإدارته
فضحت تصريحات نتنياهو كذب بايدن وأركان إدارته، وكشفت أنهم كانوا يكذبون طوال الأسابيع الماضية بتحميل حماس المسؤولية عن فشل الصفقة، واتهامها بأنها ترفض مبادرة الرئيس الأمريكي وأنها لا تريد وقف الحرب؛ إذ أعلن نتنياهو بوضوح لا لبس فيه أن الحرب لن تتوقف، وأنه لن ينسحب من غزة وسيبقى في ممر نتساريم ومعبر رفح، وعرض تصوره الإجرامي عن اليوم التالي الذي يعني عدم وقف الحرب، والبقاء في غزة، ومواصلة العمليات العسكرية، وتنصيب حكومة عميلة لإدارة القطاع!
كان بايدن وكيربي وبلينكن يرددون أن الصفقة مقترح إسرائيلي، وأن الإسرائيليين وافقوا عليها، وأن الكرة في ملعب حماس، وعندما وافقت حماس رفض نتنياهو ومعه تحالف المتطرفين من أحزاب الصهيونية الدينية، ولكن للتغطية على الرفض الإسرائيلي ظل الأمريكيون يتهمون حماس كذبا بأنها هي التي تعرقل الصفقة، وقبلوا على أنفسهم أن يكونوا لجنة دعاية زائفة لصالح نتنياهو الذي لا يريد وقف الحرب لأسباب شخصية.
فضحت صراحة نتنياهو الدور الذي مارسه الأمريكيون منذ بداية الحرب، فقد اعترف بالدعم السخي الذي قدَّمه الرئيس الأمريكي، الذي قرر التنحي والانسحاب من السباق الرئاسي أمام ترمب الذي يتحمس الإسرائيليون لإعادة انتخابه للحصول على أكثر مما أخذوا من بايدن، لكن الغرور جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يبالي بمصداقية بايدن وصورته داخليا وخارجيا عندما كرر في خطابه في أكثر من موضع أنه سيستمر في الحرب إلى ما لا نهاية، ولا موافقة على صفقة تنتهي بوقف القتال والانسحاب من غزة.
أقوال نتنياهو في الكونغرس تغلق أمامه كل فرص النجاة وتسد أبواب الهروب من محرقة غزة، فالنصر الذي يتحدث عنه مجرد سراب وأضغاث أحلام، فحماس بعد 9 أشهر من القتال في كامل قوتها، بينما الكيان في حالة انهيار، والأهم أنه بسبب الخسائر في المعدات والجنود، فإن قادة الجيش الإسرائيلي هم الذي يضغطون لوقف الحرب قبل أن يحدث التمرد ويهرب الجنود من ساحة المعركة.
الحرب مع الفلسطينيين الذين يدافعون عن أرضهم
ردد نتنياهو الكثير من الأكاذيب التي لا يصدقها أحد، فزعم أنه يدافع عن الحضارة ضد الوحشية والبربرية، وأنه يريد إحلال السلام في الشرق الأوسط، واتهم حماس بقتل الفلسطينيين حتى تعيش وتبقى، وادعى أنه يسمح بدخول المساعدات وأن حماس هي التي تستولي عليها، وأن الحرب في غزة هي الأقل ضحايا في الحروب في العالم، وأن عملية رفح لم يُقتل فيها إلا فلسطيني واحد فقط!
لكن وسط التصفيق الأعمى حاول نتنياهو تمرير بعض الأفكار الماكرة، أهمها أن الحرب ليست ضد الفلسطينيين وإنما ضد الإرهاب الإيراني وأدواته، وبما أن إيران تعادي أمريكا فهو يقوم بمهمة الدفاع عن الأمريكيين، ولهذا يريد إمداده بالسلاح لتحقيق الانتصار وحسم المعركة سريعا، والاستعداد لمواجهة إيران ومشروعها النووي، ودعا الأمريكيين إلى دعم تحالف أبراهام الذي يضم دولا عربية لمواجهة الإيرانيين، وهذا فيه مغالطة كبيرة، فالدور الإيراني مجرد إسناد لغزة، لكن الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين الذين يدافعون عن أرضهم ويرفضون تهجيرهم.
أكذوبة أرض إسرائيل
زعم نتنياهو أن فلسطين ملك لليهود منذ 4 آلاف عام، واستند إلى التوراة والوعد المزعوم الذي أعطاه الرب لإبراهيم وبني إسرائيل، وموضوع أرض إسرائيل أكذوبة لم تثبت تاريخيا، فاليهود عاشوا في فلسطين وسط القبائل الكنعانية معظم فترات وجودهم، وحتى في زمن داود وسليمان، حيث ظل الصراع مع الفلسطينيين مستمرا حتى انقسام دولتهم واختفائهم!
والوعد لإبراهيم لو كان صحيحا فإن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، ومع ذلك فإن إسماعيل “أبو العرب” من أبناء إبراهيم أي يشمله الوعد، وإذا قالوا إن الوعد انتقل إلى يعقوب وبني إسرائيل فإن نتنياهو ومؤسسي الكيان الصهيوني من هرتزل وحتى الآن لم يثبت أنهم من بني إسرائيل، وهم من اليهود الروس الذين ينتسبون إلى يهود الخزر وليس لهم صلة بيعقوب ولا ببني إسرائيل.
قد يستمر نتنياهو في حرب الإبادة، وقد يستمر الأمريكيون في دعمه، لكن كل يوم يمر يخسر الإسرائيليون ومعهم الأمريكيون، يخسر الإسرائيليون عسكريا وأخلاقيا وسيضطرون في النهاية تحت ضربات المقاومة إلى الاستسلام والقبول بشروط حماس صاغرين، وسيخسر الأمريكيون سمعتهم وهيبتهم التي بنوها منذ الحرب العالمية الثانية، وستخسر الدول الغربية سياسيا وعسكريا حيث يعجزون -بكل قوتهم مجتمعة- عن تحقيق النصر للكيان الاستعماري الاستيطاني الذي زرعوه كخنجر مسموم في عالمنا العربي.