أخلاقيات السياسة الشرعية في التعامل مع العدو المحارب
د. كمال أصلان
الحروب في الإسلام ليست دينية، أي يمليها التعصب
الديني ضد أتباع الديانات الأخرى، فالإسلام دين
التسامح الذي يُقر بوجود الأمم والشعوب والأديان
الأخرى، ولا يريد إبادة المخالفين في الدين، ولا
يجيز الإكراه على الدين أو الاعتقاد، ويتعايش
المسلمون مع غيرهم على صعيد راسخ من السلم
والأمان، وحرية ممارسة الشعائر الدينية لغير
المسلمين، قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256).
وقال ابن تيمية: «لا نُكره أحداً على الدين، والقتال لمن حاربنا ماله ودمه، وإذا لم يكن من أهل القتال لا نقتله، ولا أحد ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكره أحداً على الإسلام، لاممتنعاً ولا مقدوراً عليه، ولا فائدة في إسلام مثل هذا، لكن منأسلم؛ قُبل منه ظاهر الإسلام»(السياسة الشرعية، ص 123).الحروب في الإسلام ليست دينية يمليها التعصب ولا إبادة المخالفين في الدين
والإسلام كدين شامل وضع أسساً واضحة للتعامل مع الأعداء المحاربين، سواء في حالة الحرب أو السلم، هذه الأسس تستند إلى مبادئ العدل، والرحمة، واحترام الكرامة الإنسانية، حتى في خضم الصراعات الدامية، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8).
أولاً: عدم قتل غير المحاربين وحماية الممتلكات العامة:
ثانياً: عدم قتل المتعبدين والرهبان:
ثالثاً: تجنب الخيانة والغدر:
الإسلام وضع أسساً للتعامل مع الأعداء المحاربين منها العدل والرحمة
رابعاً: عدم استهداف المدنيين والدبلوماسيين:
فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريب كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان المسلمون يحرصون أشد الحرص على الحفاظ على العمران في كل مكان، وظهر ذلك واضحاً في كلمات أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما وصّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مما جاء فيها: «ولا تفسدوا في الأرض»؛ وجاء أيضاً في وصيته: «ولا تُغرقُن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة».
خامساً: الإحسان إلى الأسير والإنفاق عليه:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز قتل الرهبان والأحبار المسالمين في صوامعهم
وموضوع الأسرى يخضع للسياسة الشرعية والواقع، ولا مانع من الالتزام بالمواثيق الدولية في هذا الأمر إذا احترم العدو هذه المواثيق ولم يخالفها.
ودعا الإسلام إلى الإنفاق على الأسير، وذلك بحكم ضعفه، وانقطاعه عن أهله وقومه، وشدة حاجته للمساعدة، وقد قرن القرآن الكريم البِر بالأسير ببر اليتامى والمساكين؛ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان: 8).
سادساً: الرحمة وعدم التمثيل بالجثث:
حرّم الإسلام التمثيل بجثث العدو بعد الظفر بهم والنصر عليهم بأي نوع من أنواع التمثيل، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلَة والنُّهبَى، فروى عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَةِ» (رواه البخاري)؛ والنُّهْبَى: أَخذ المرء ما ليس له جهاراً، والمُثْلَة: التنكيل بالمقتول، بقطع بعض أعضائه.ورغم ما حدث في غزوة «أُحُد» من تمثيل المشركين بحمزة عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يُغيِّر مبدأه، بل إنه هدَّد المسلمين إن قاموا بالتمثيل بأجساد قتلى الأعداء، فقال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلاَلَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْـمُمَثِّلِينَ» (رواه أحمد).
إن أخلاقيات السياسة الشرعية في التعامل مع العدو المحارب تُظهر مدى رُقي الإسلام وتكامله كدين يدعو إلى العدل والرحمة واحترام الكرامة الإنسانية، حتى في أوقات الصراع، وهذه المبادئ الأخلاقية ليست فقط تعاليم دينية، بل هي أيضاً قواعد أخلاقية وإنسانية يمكن أن تسهم في تقليل وحشية الحروب وحماية المدنيين من آثارها المدمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق