الحوار والبشارة
موقف الفاتيكان من مؤمنى الديانات الأخرى |
الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
|
"حوار وبشارة" هو عنوان وثيقة صادرة عن المجلس البابوى للحوار بين الأديان ومجلس تبشير الشعوب ، وكلاهما يترأسه أحد الكرادلة ويعملان تحت إدارة البابا مباشرة. وقد تم نشر الوثيقة فى 20 يونيو 1991 ، تنفيذا لقرارات مجمع الفاتيكان الثانى التى تضمنت أساسا وبكل جبروت قرار تنصير العالم. ونقول بكل جبروت طبعا ، بما أن عبارة "تنصير العالم" تعنى أولا وأخيرا إقتلاع كل الديانات الأخرى من العالم وأولها الإسلام ، كما هو منصوص ، لفرض كاثوليكية روما. وبما ان عملية التبشير والتنصير وصلت حاليا إلى مستوى أقل ما توصف به هو الجنون أو الهيستيرية المحمومة ، وبما أن معظم القراء لا يهتمون بإصدارات الفاتيكان على أنها مواد لاهوتية متخصصة لا تعنيهم ، غير مدركين إلى أى مدى تتحكم هذه المؤسسة فى حياتهم السياسية بل واليومية فى كل المستويات ، إعتمادا على منظمات مهولة العدد قادرة على اختراق كافة المجالات بإمكانياتها الرسمية وغير الرسمية. لذلك رأيت تقديم هذه الوثيقة لأهميتها علها تفيد فى الأحداث الدائرة حاليا ، وحتى يمكن لكل فرد أن يدرك مجرياتها وخباياها ليتمكن على الأقل من مواجهتها والدفاع عن دينه. وقبل عرض هذه الوثيقة اشير إلى عناوين الوثائق الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثانى المتعلقة بنقطة تنصير العالم لتوضيح أنها ليست مجرد قرار عابر وإنما هى فى واقع الأمر قرار لا رجعة فيه كما تقول هذه الوثائق. فأثناء إنعقاد مجمع الفاتيكان الثانى وضع البابا بولس السادس إدارته الرسولية تحت راية الحوار مع الأديان الأخرى. وأهم الوثائق الصادرة عن هذا المجمع والمتعلقة بتنصير العالم هى : "نور الأمم" البند 17 خاصة ؛ علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية (فى زماننا هذا) ؛ الكنيسة فى هذا العصر ؛ قرار حول النشاط التبشيرى للكنيسة ؛ وحول حرية العقيدة. الأمر الذى يوضح إلى أى مدى قرار تنصير العالم بالنسبة لهؤلاء القوم هو قرار ليتم تنفيذه بكل الوسائل بموجب هذه الوثائق المتعددة المجالات. كما أصدر توصية لعمل دراسة لاهوتية متعمقة فى كل منطقة ثقافية كبيرة بغية تنصيرها عمقا ، أى إعتمادا على تغيير ثقافاتها ومفاهيمها وتراثها وعاداتها بل وشكلها. وهو ما نطالعه قد تم فعلا فى مختلف البلدان الإسلامية ، وأهمها ما يدور فى مصر حاليا، ووصل إلى درجة تستوجب وقفة حاسمة إن لم تكن من المسؤلين فلا بد وان يتولاها عقلاء الطرفين وخاصة المسلمين .. ومن كل هذه الوثائق التى تتناول نفس التخطيط ، من المهم الإشارة إلى بداية البند 16 من الدورة الخامسة المنعقدة فى 21 نوفمبر 1964 ، لوثيقة "قانون مجمعى عقائدى للكنيسة" فى الفصل الثانى ، لنرى إلى أى مدى لم تعد الوقاحة خافية مخفية وإنما باتت تُعلن بأعلى صوت : "وأخيرا ، فإن الذين لم يتقبلوا الإنجيل بعد مأمورون بمختلف الطرق أن ينضموا إلى شعب الله. وأولهم ذلك الشعب الذى كان قد حصل على العهد والوعد ، والذى أتى منه يسوع وفقا للجسد (راجع رومية 9 : 4-5) ،وهو شعب محبوب جدا وفقا للإختيار بسبب آبائه : لأن نداء الرب يكمن فى الإرتداد (راجع رومية 11 :28-29). إلا أن غاية الخلاص تضم أيضا أولئك الذين يعترفون بالخالق ، ومنهم أولا وقبل أى شىء المسلمون الذين يقولون أنهم يؤمنون بابراهيم ويعبدون معنا الإله الوحيد ، الرحيم ، الذى سيحاكم البشر فى آخر يوم". ودون أن نتناول هذا النص بالتحليل الدقيق لكى لا نبعد عن الموضوع الأصلى للمقال ، تكفى الإشارة إل ثلاث ملاحظات أساسية : إن عبارة "المسيح وفقا للجسد" تناقض وتلغى فكرة بنوة يسوع من الله كما تلغى تأليهه وتثبت أنه كان إنسانا وفقا للجسد ومن سلالة داوود . كما أن عبارة "اليهود" ليست واردة فى النص وإن كانوا هم المقصودون بالأمر الخاص بإعتناقهم المسيحية. وهنا لابد من أن نتسائل مع تزايد التنازلات التى يقدمها البابا بنديكت 16 لإخوانه الكبار كما يطلقون عليهم ، ترى هل سيقوم بتنصيرهم خاصة فى زمن لايمكنه فيه حماية أقراته فى أرض فلسطين المحتلة والمنهوبة؟ والملاحظة الثالثة متعلقة بتنصير المسلمين ، وهنا لابد من التوضيح لذلك البابا أن المسلمين لا يعبدون نفس الإله الذى يعبده المسيحيون ، بما أن إلاهنا هو الواحد الأحد الذى ليس كمثله شئ ، والمسيحيون يعبدون إنسانا تم تأليهه فى مجمع نيقيا عام 325 ، وهو ما يمثل شركا لا يُغتفر بالنسبة للمسلمين. أما وثيقة "حوار وبشارة" فهى تتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. ومنذ الفقرة الأولى بها يتم تعريف القارئ بالأسباب التى صيغت من أجلها لنطالع بوضوح : "ان إكتشاف القوة العددية والحيوية الشديدة للديانات الكبرى للإنسانية، من جهة ، وان إنتشار المسيحية لم يضعفها ، وان أعضاؤها الذين كان يُطلق عليهم قديما "الوثنيون" ، ثم تطورت إحتراما إلى "غير المسيحيين" ، هم اليوم معروفين فى شرعية إنضمامهم إلى دين له مكوناته الذاتية ، ويمكننا أن نتذكر فى فرنسا الإنتقال الذى تم فيما يتعلق بالعمالة القادمة من شمال إفريقيا وتم إعتبارهم لفترة طويلة أنهم "جزائريون" ثم تم التعرف عليهم فجأة على أنهم مسلمون ينتمون إلى واحدة من كبرى الديانات فى العالم" (صفحة 3). ومن الملاحظ أن النص يقطر بالعنصرية فى مختلف المسميات التى ألصقها بالمسلمين ، وخاصة الجزائريين التى وضعها البيان بين شولتين ، وهو ما يعنى نوعا من التحقير الضمنى المعلن. لذلك تساءل هؤلاء القادة للمؤسستين اللتان تعملان مع كل الهيئات المختصة بالتنصير والحوار بين الأديان فى العالم : " كيف يمكن التوفيق بين الواجب الدائم للإعلان عن يسوع مع الإحترام الواجب مراعاته لعقائد الآخرين ؟" ويا له من خداع بدعوى الأمانة ! وتخرج الإجابة مباشرة من هذا التساؤل بعد عدة عقود من التبشير الإجبارى فى الأرض ، وهى أن التبشير قد لجأ إلى كافة وسائل التعامل بوجهين ، الممكن منها وغير الممكن ، مستعينا بكل الأحاييل التى يصعب حصرها هنا ، وذلك وفقا للتعليمات الواردة فى فقرات هذه الوثيقة. وهو ما سوف نراه بشئ من التفصيل. ومن الملاحظ أن هاتين الوثيقتان قد صدرتا على مسافة خمسة أشهر : الخطاب الرسولى المعنون "يسوع فادى البشر" ، فى 7 ديسمبر 1990 ، والذى سنتناوله فى مقال لاحق ، ووثيقة "حوار وبشارة" الصادرة يوم 19 مايو 1991. وتكمن أهمية الوثيقة الأولى فى أنها توضح وتفرض "العلاقة بين فداء يسوع وإرتباطه بكل البشر ، وبكل شخص ، بلا أى إستثناء" (بند 14). وذلك يعنى أنه إبتداء من هذا الخطاب الرسولى الملزم لكافة القيادات المسيحية أياً كانت ، كنسية أو مدنية، والذى يمهد الطريق للوثيقة الثانية ، يملى أن الإيمان بيسوع أمر مفروض على كافة البشر دون أى إستثناء ! أما الوثيقة الثانية فهى بمثابة كيفية التنفيذ العملى لهذا القرار. وأثناء المؤتمر الصحفى المقام لتقديم وثيقة "حوار وبشارة" قال الكاردينال طومكو ، رئيس لجنة تنصير الشعوب ، أن أهم ما يعنيه هو كيفية التوفيق بين عملية الحوار وكل المعوقات التى تفرضها عملية التبشير. إذ ان هذه الوثيقة قائمة على توضيح وتوجيه عملية التنصير وهى موجهة أساسا إلى العاملين فى هذا المجال. أما الكاردينال آرنزى ، رئيس المجلس البابوى للحوار بين الأديان فيقول " أنه منذ عام 1986 والإعداد لهذه الوثيقة قائم بين مختلف الهيئات التبشيرية فى العالم ، وقد حظيت بمختلف الملاحظات ".. مما يكشف عن الأهمية المضفاه على هذا العدوان السافر الذى تم التخطيط له على الصعيد العالمى. ونطالع فى مقدمة الوثيقة أنها تأتى بعد مرور 25 عاما على وثيقة "فى زماننا هذا" ، وهى واحدة من أهم الوثائق الصادرة عن الفاتيكان ضد الإسلام ، الذى تضعه ضمن الديانات الأسيوية. وهو ما يمثل أول محاولة فى العصر الحديث لإقتلاع الإسلام باستبعاده رسميا من المكان الذى اُنزل فيه كرسالة توحيدية تقوم بتصويب ما تم من تحريف فى اارسالتين السابقتين. وفى البند 4 من هذه الوثيقة نطالع : "ان الديانات لا تكتفى بمجرد أنها قائمة أو لا تزال حيّة ، ففى بعض الحالات نراها تمثل صحوة حقيقية ، وتستمر فى التأثير على الملايين من أتباعها" ، وهو ما يمثل عقبة أمام التبشير فى نظرهم. وعن عبارة التبشير تقول الوثيقة فى البند 8 : "ان الكنيسة تبحث عن كيفية إرتداد من تخاطبه بالطاقة المنبثقة من الرسالة التى تقوم بتبليغها ، لتغيير الضمائر الخاصة والجماعية ، والنشاطات التى يقوم بها البشر ، وأساليب حياتهم ،والأماكن المحددة التى يعيشون فيها". أما مصطلحات "الأديان والتقاليد الدينية" فنطالع فى البند 12 "أنها تضم الديانات الأخرى التى يروق لها أن تنسب مرجعيتها إلى أبراهام كالمسيحية ، وذلك كالديانات الأسيوية الكبرى فى آسيا وشمال إفريقيا وباقى أنحاء العالم" ، ولم يرد ذكر الإسلام حتى بين هذه الديانات الأسيوية. وهنا لا بد من الإشارة الى أن عملية تحريف جديدة تقوم بها المؤسسة الفاتيكانية بعبارة "الديانات التى يروق لها ان تنسب مرجعيتها إلى أبراهام" ، وهو ما يلغى صلة المسلمين بسيدنا إبراهيم عليه السلام ، وأنه الجد الأكبر للمسلمين ، بما ان إبنه البكر هو إسماعيل ، الوارد ذكره فى سفر التكوين ، والذى تم عهد الختان على يديه حين كان فى الثالثة عشر من عمره ، ولم يكن إسحاق قد وُلد بعد ! فهل إلى هذا الحد يجهل الآباء الأجلاء نصوصهم أم ان حب التحريف والتزييف قد أفقدهم البصر والبصيرة ؟! ومنذ الفصل الأول للوثيقة والمعنون "الحوار بين الأديان" ، يشير البند 22 المتعلق برسالة يسوع: "ان الزمن قد اُكمل وملكوت الرب قريب" لأنها من ناحية العبارة الوحيدة التى كان يسوع يعلنها ويبشر بها ، إقتراب ملكوت الرب ، وذلك بخلاف قوله "أنه لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة".. ومقولة أن ذلك الملكوت قد "اقترب" وعلى وشك التحقيق ، قد مضى عليها أكثر من الفى عام ولم تتحقق بعد ، لذلك تتضافر الجهود بين القيادات المسيحية للإعداد لمعركة هرماجدون المزعومة ليسوعٍ لا علاقة له بكل ما تم نسجه فى المسيحية الحالية من فريات يجهل هو عنها كل شئ. إلا أن من أهم الفريات الواردة فى الوثيقة ما نطالعه على لسان البابا السابق ، فى البند 28 ، ويعترف فيها صراحة "بوجود الروح القدس الفعّال المؤثر فى حياة أعضاء الديانات الخرى" ، موضحا : "أنه لا يوجد سوى مخطط واحد للخلاص قائم بيسوع الذى بتجسده قد إتحد بصورة ما بكل شخص فى العالم".. وتصل الجرأة فى التلفيق إلى مداها حين يضيف : "ان المسيحيين مدركين لذلك تماما بفضل إيمانهم ، بينما الآخرين لا يزالوا يجهلون أن يسوع المسيح هو أصل خلاصهم " (بند 29). وهنا لا يسعنا إلا أن نؤكد لسيادة البابا أو لمن صاغوا له هذه الوثيقة أننا كمسلمين لا نؤمن ببدعة الخطيئة الأولى وان خلاصنا لا يعتمد مطلقا على يسوع المسيح ، ولا على هذه الأسطورة المختلقة ، وإنما يعتمد على إرتباطنا بديننا وبالأعمال التى نقوم بها والتى سيحاسبنا الله عز وجل عليها يوم الحساب. ونظرا لمبدأ حرية العقيدة المتاح لكافة المجتمع الدولى ، فإن المؤسسة الفاتيكانية ليس من حقها فرض عقائدها وإختلاقاتها الدينية على العالم ، وخاصة على المسلمين ، ولا أن تكتب فى الوثيقة قائلة : "ان أعضاء الديانات الأخرى مأمورون أو موجهون للإنضمام إلى الكنيسة" (بند 35) .. فنحن نأخذ أوامرنا الدينية والشرعية من الله سبحانه وتعالى وليس من الكنائس أيا كانت ! وفى الحديث عن مختلف أشكال الحوار تتحدث الوثيقة عن حوار الحياة ، وحوار الأعمال ، وتبادل اللاهوت ، وعن التجارب الدينية ، لتفرض بكل سوء نية : "ان الكنائس المحلية وكل أعضاء الكنيسة مأمورون بالمشاركة فى الحوار" (43) ، غير مدركين ان هذا الفرض هو السبب الحقيقى لكل التوترات القائمة حاليا فى مختلف البلدان المسلمة ، فمن البديهى ان تتم محاولة إقتلاع شعب من دينه ولا تكون هناك ردود أفعال لردها. لذلك يتعين على قادة هذا المخطط الفاضح مراجعة نصوصهم وقراراتهم لأنه لا يحق لهم بأى حال قول عبارة من قبيل : "لذلك ورغم كل الصعاب ، إن إلتزام الكنيسة بالحوارحازم ولا رجعة فيه (بند 34) ، أو "أنها تبحث عن تغيير الفكر والثقافة بقوة الإنجيل" (بند 75) ، أو أن تضيف بعد قليل : "لا يوجد ما يدعونا أن نؤكد مرة أخرى على أن الإعلان عن إسم يسوع عاليا ودعوة كل البشر ليصبحوا أعضاء فى الكنيسة هو واجب هام ومقدس ولا يمكن للكنيسة أن تتخلى عنه". كما ان فقرة من قبيل البند 82 التى تؤكد : "أنه يتعيّن على كافة المسيحيين الإنضمام شخصيا والإشتراك فى المجالين الحوار والتبشير ليكتمل إتحادهم بالكنيسة" ، فذلك يعنى بخلاف فرض اشتراك كافة المسيحيين فى عملية إقتلاع الإسلام ، ربط مدى إيمانهم هم كمسيحيين بعملية هذا الإقتلاع .. وهو ما يعنى أننا فى حرب صليبية حقيقية معلنة رسميا ، يقودها ويقوم بها كافة المسيحيين، بينما تتغافل عنها القيادات المسلمة. ومن ناحية أخرى فإن هذا القرار المخزى يوضح ويؤكد تلك الصيحة التى أعلنها جورج بوش فى سبتمبر 2001 بتحالفه مع الفاتيكان ليبدأ تلك الحرب الصليبية إعتمادا على أكاذيب فضحتها وسائل الإعلام ولا تزال ، كما فضحت الفرق العسكرية الغازية المحتلة الهادمة لكل شئ ، وقد إصطحبت معها ضمن عتادها الفرق الأخرى من المحتلين الغزاة : الكنسيين المبشرين مقتلعى الأديان والعقائد .. ألم يحن الوقت لقف هذه العمليات الإستعمارية التنصيرية الكاسحة المزدوجة الهدف ، وان يتكاتف العقلاء من كل الأديان لصد هذه المخططات المفضوحة ، تحسبا وتجنبا للمأساة الكبرى الوشيكة الإندلاع والتى لن تترك أثرا لإنسان ؟! 22 / 12 / 2009 |
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الأربعاء، 30 ديسمبر 2009
الحوار والبشارة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق