محمد مرسي...ذلك البطل
عبد العزيز كحيل
محمد مرسي ليس مفخرة المصريّين وحدّهم بل يعتزّ به كلّ عربي قحّ وكلّ مسلم ملتزم بدينه وكلّ حرّ في هذا العالم، فهو أوّل رئيس عربي يختاره الشعب بحرية بدل تنصيبه من قبَل سلفه أو عبر دبابات الجيش أو من خلال انتخابات علنية التزوير، وهو – خلافًا لمعظم الزعماء العرب اللاشرعيّين – صاحب تخصّص علمي في الهندسة وله معرفة شرعية واسعة، بينما لا يقدر أغلب هؤلاء الزعماء على تهجية خطاب كتبوه لهم فضلا عن اكتساب المستوى الأكاديمي الرفيع، هذا الرئيس أثبت قدرته على التسيير منذ أوّل يوم، وأثبت أنه ديمقراطي يُشرك في شؤون الحُكم حتى معارضيه ويفسح المجال لذوي الكفاءة مهما كانت مرجعيتهم، ولكن ناصبه غلاة العلمانيّين العداء لسبب واحد هو مرجعيته الإسلامية وانتماؤه لجماعة الإخوان، لأنّ هذا الانتماء المزدوج يُرعب من تعددت أسماؤهم وحقيقتهم واحدة، إنّهم أنصار العلمانية المتطرّفة من ليبراليّين ويساريّين وقوميّين أدعياء " المدنية " الذين يرفضون كلّ ما له علاقة بالإسلام لأنّهم يخافون على مصالحهم المشبوهة وشهواتهم غير المكبوتة ، وكثير منهم من فلول نظام مبارك ومن المتضرّرين من الثورة سياسيا واقتصاديا، ولو تغنّوا نفاقًا بهذه الثورة وزعموا أنّهم مفجّروها وحُماتُها،، إذ لو كانوا كذلك لباركوا قرارات مرسي لأنها انحياز للثورة وانتصار لشهدائها وإزالة للعراقيل التي تحول دون اكتمالها.
إنّ هؤلاء المتمسّحين بالثورة المتباكين على تهديد مرسي يتّهمون الرئيس بالدكتاتورية وهم ماضون بجدّ في صناعة الفوضى والإحباط والتردّي، أي يهيئون الأجواء المناسبة لعودة الدكتاتورية في أبشع صورها، وهم إلى الآن لم يحدّدوا بالضبط ما الذي ينقمون عليه في قرارات الرئيس، وهم الذين كانوا يتنادَون بالقصاص للشهداء ومعاقبة مفسدي النظام البائد وجلاّديه ولصوصه، والقرارات تُتيح إنجاز هذه المطالب، وما الذي يبرّرون به تباكيهم على النائب العام المُقال، وهو من عرقل محاسبة رموز حُكم مبارك وصنع من نفسه مستبدًّا جائرًا لا يعبأ برئيس ولا بإرادة شعبية، يتلخّص دورُه في عرقلة الثورة وتبرئة القتَلة والمفسدين من الحزب الوطني المُحَل، ويُشهر سيف التهديد في وجه أي توجّه للإصلاح وإرساء قواعد الديمقراطية والحكم الراشد وكأنه في تواطيء مقصود مع المحكمة الدستورية التي ثبت ألف مرّة سعيُها لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي البائد ؟
إنّ محمد مرسي ليس رئيسا عاديا، فقد جعلت منه الأقدار أول رئيس شرعي في البلاد العربية ( مع المرزوقي في تونس مع شيء من الفارق) لأكبر بلد من الممكن أن يقود باقي الدول الشقيقة إلى ربيعها لإنهاء حقبة التسلّط والاستبداد التي عمّرت طويلا فأفسدت البلاد وأهانت العباد، وهو أوّل رئيس إسلامي بعد أن كان هذا من المستحيل تصوّره قبل عام واحد من الزمن، وأثبت منذ انتخابه أنّه رجل دولة بامتياز وديمقراطي كما كان يتغنّى العلمانيون، وجاءت الحرب على غزّة لتعطيه بُعدًا كبيرا وتجلب له تقدير العرب والمسلمين والدوائر العالمية ، وهذا ما زاد من حنَق الأعداء عليه في مصر وخارجها، لكن هذا قدَرُه، أن يثبت ويستمرّ في نهج الثورة والبناء المؤسّسي ويتحرّك بين الألغام، ولن تزيده التحديات إلا إصرارا على مواصلة التطهير وخاصة على مستوى الإعلام الذي غدا في معظمه وكرًا للثورة المضادّة يتحكّم فيه المرجفون والمتآمرون، وهذا أنسب وقت لبدء عملية التطهير، إلى جانب القضاء المتغوّل بغير حق، وعلى جميع أبناء مصر المخلصين أن يؤيدوه بقوة وبشتّى أنواع التأييد ليقطعوا الطريق على المتربّصين بل المجاهرين في رفض قواعد الديمقراطية لخوفهم من النموذج المصري الراقي الذي سيقضي محليا وإقليميا على مراكز القوة المشبوهة واللوبيات السياسية والمالية والإعلامية الفاسدة التي ترفض في آن واحد شريعة الله وحُكم الشعب، ولا بدّ من الإشادة هنا بأطياف الصف الإسلامي في مصر فقد كانوا على قلب رجل واحد في إبصار خيوط المؤامرة على مرسي والشعب والبلد فأجمعوا على تأييده وفضح المؤامرة، فليست القضية خاصة بجماعة الإخوان إنما هي قضية الشعب كلّه وفي مقدمته قواه الإسلامية الحيّة التي يثق فيها الشعب ويعقد عليا آماله قبل غيرها، ومن أصلب عناصر القوة التي يحظى بها الدكتور مرسي دون سواه من الزعماء العرب دعاء المسلمين الخالص له، فهو عندهم أوّل حاكم يختارونه بحرية، ملتزم بدين الله عامل له داعية إليه، لم يروا منه منذ توليه السلطة سوى ما يؤكّد هذا، فيأملون أن ينتقل بهم إلى الحكم الراشد العدل الذي ينتظرونه، فهم من غير شكّ يدعون له في أوقات الإجابة ويستعينون على أعدائه – ولا أقول خصومه السياسيين – بدعاء السَحَر وسهام القَدر، ومن كان الله – والمؤمنون أيضا - معه فمن عليه؟
سينتصر محمد مرسي بإذن الله وتنتصر معه أرض الكنانة على غلاة العلمانيّين المبغضين للإسلام والمسلمين وعلى الفلول الحاقدين وعلى المؤامرات الإقليمية والدولية، لترتسم صورة جديدة لمصر تجعل باقي الشعوب العربية تحذو حذوَها لتشيع قيم العدل والحق والحرية والكرامة، ويومئذ ستترك الأحلام مكانها للخطط الواقعية لتحرير فلسطين إن شاء الله، ولعلّ هذه هي الحرب الحقيقية التي تدور أولى رحاها اليوم في مصر، يحرّكها المطبّعون والمهرولون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.