الأحد، 17 فبراير 2013

إضاءات مسكوت عنها

إضاءات مسكوت عنها

alt
لأن الأخبار السارة شحيحة في الوقت الراهن، فإن فوز باحث مصري بجائزة دولية في التنمية الذاتية يصبح خبرا يستحق الحفاوة.
وإذا كان الفوز بحد ذاته شيئاً مهماً، فإن الأهم منه هو موضوعه الذي يبدو أنه غير مدرج على جدول أعمال المرحلة في مصر.
 الباحث هو الدكتور حامد الموصلي الأستاذ المتفرغ بهندسة عين شمس، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية. وقد فاز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر (أبوظبي دورة 2013). وقيمتها نحو 400 ألف جنيه مصري، قرر الرجل التبرع بها لصالح الجمعية التي تضم عددا من الخبراء المصريين الذين نذروا أنفسهم لرسالة النهوض بالمجتمعات الريفية.
المهمة التي أنجزتها الجمعية، والتي كانت سببا في حصول الدكتور الموصلى على الجائزة، تتلخص في أنها نجحت في تنفيذ مشروع لنشر الصناعات الصغيرة القائمة على خامات النخيل، وقد تم اختيار قرية القايات، التي تعد واحدة من أفقر عشر قرى بمحافظة المنيا، لتكون المختبر الذي أقيمت فيه التجربة، التي تم تمويلها بمنحة قدمتها مؤسسة «مصر الخير».
نجح الدكتور حامد الموصلي والفريق العامل معه في تصميم وتصنيع معدات متبكرة بواسطتها تم تحويل جريد النخيل إلى سدائب منتظمة القطع، وكذلك ألواح منتظمة السمك والعرض، الأمر الذي مكنهم من تصنيع ألواح «باركيه» وألواح «كونتر» تفي بمتطلبات المواصفات القياسية العالمية، وتضاهي مثيلاتها المصنعة من الأخشاب المستوردة.

 ليس ذلك فحسب وإنما نجح خبراء المشروع في استخدام مفروم الجريد في صناعة المصبعات كوقود حيوى قابل للتصدير، وهذه المصبعات يمكن استخدامها للتدفئة في المنازل بدلا من الفحم الحجري، كما يمكن استخدامها في تشغيل محطات القوى الكهربائية بدلا من الفحم والمازوت. وهذا المنتج يمكن في حالة تصديره أن يحقق عائدا مجزيا بملايين الدولارات.
من مفروم الجريد نجحت تجارب صناعة أعلاف الدواجن، ومن خوص النخيل نجحت تجارب تصنيع «الكارينة» التي تستخدم فى التنجيد، الأمر الذي يفتح آفاقا واسعة للنهوض بالريف المصري اعتمادا على موارده المحلية.

 وإذا علمنا أن في مصر نحو 12 مليون نخلة (تركز في الصعيد والواحات وشمال سيناء) فلك أن تتصور العائد الذي يمكن أن يتحقق من استثمار هذه الثروة وتوظيفها في تنمية المجتمعات المحلية وانعاشها.
هذا الجهد يمثل سباحة ضد التيار السائد، الذي اعتادت رموزه أن تمد أبصارها إلى الشاطئ الآخر وتتلهف على الاستيراد من الخارج، دون النظر تحت الأقدام ومحاولة التفكير في الإفادة من الخامات والخبرات المحلية.

ومن الواضح أن مدرسة استدعاء الخارج ما تزال تمثل مركز قوة مؤثر وغلاب في مصر. وحرص الحكومة على حل الأزمة الاقتصادية من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية شهادة، تدل على أن السلطة تضرب المثل في المضى في ذلك الاتجاه.
 وليس غريبا والأمر كذلك أن تواجه جهود الدكتور الموصلي ورفاقه الذين تصدوا للدعوة إلى الانطلاق من التنمية الذاتية صعوبات جمة، من جانب الشرائح صاحبة المصلحة في الاستيراد من الخارج، فضلا عن الحرب الشرسة التي فرضت عليهم من جانب البيروقراطية المتربصة بأي انجاز، التي شرعت أكثر من مرة في تعويق المشروع وتشويهه وصولا إلى هدمه.
ما حققته جمعية التنمية الذاتية نموذج له نظائره المضيئة في الواقع المصري، التي تلمع في أفق لا تكترث به سائل الإعلام، وللأسف فإن الذين يقدمون تلك النماذج لا يلقون حقهم في التقدير من جانب الدولة أيضا (لاحظ أن تقدير جهود الدكتور الموصلي جاءت من خارج مصروما زلت غير مصدق ما قيل من أن الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى بالمنصورة لم يمنح جائزة الدولة التقديرية بسبب موقفه السياسي، رغم النموذج الباهر الذي قدمه هو وزملاؤه في إقامة مركز طبي عالمى يعالج المواطنين بالمجان، ويعتمد في تمويله على مساندة المجتمع بالدرجة الأولى.

وهناك مؤسسات طبية وتعليمية مماثلة، ومشروعات للتنمية الذاتية أقامها نفر من الوطنيين المخلصين الذين اختار بعضهم أن يظلوا جنودا مجهولين، ولكنهم جميعا يستحقون منا الحفاوة والتشجيع.
 إلا أننا لم نستطع أن نوفيهم حقهم، بسبب البيروقراطية التي لا تسمع ولا ترى، ولأن أغلب سائل الإعلام عندنا دأبت على أن تحتفى بالذين يشعلون الحرائق بأكثر من حفاوتها بالذين يحيون الآمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق