الاثنين، 3 أغسطس 2015

ماذا لو كان نجيب سرور بيننا؟

ماذا لو كان نجيب سرور بيننا؟
          ميدان الثورة في زمن العبث         


وائل قنديل

مجموعة شباب، مجهولين، نهشهم الواقع بعبثيته ولامعقوله، فهربوا إلى صحراء السخرية، اختاروا المكسيك ليؤسسوا منها "الأهرام" الجديدة.
تبدو الفكرة محاكاة ساخرة لدراما قناة السويس الجديدة.
صحيفة إلكترونية، يبدو على تصميمها الجدية، تبويب تقليدي، يوحي للرائي بأنه أمام نافذة خبرية رصينة، حتى يكتشف في النهاية أنه في قلب المسخرة التي لا تقل جنونا عن الواقع.
وهذه نوعية من المواد المنشورة فيها:
الأوقاف: قرار وزاري باعتماد مرتضى منصور إماما وخطيبا مدة عام.
انفراد بالصور: محاولة أميركية فاشلة لتفجير قناة السويس الجديدة.
بعد حفر قناة سويس جديدة: مصر تبحث عرض قناة السويس القديمة للبيع.
اللواء عبدالعاطي: الإخوان عطلوا علاج الإيدز بالكفتة وأحذرهم من محاولة خطفي مرة أخرى
رئاسة الجمهورية تمنع افتتاح أي محل عصير قصب أو كشري إلى حين الانتهاء من احتفالات افتتاح القناة.
المفاجأة أن العناوين، على عبثيتها وسخريتها، تعامل كثيرون معها باعتبارها أخبارا حقيقية، يستوي في ذلك أكاديميون وقعت أعينهم على هذه المواد المتناثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبسطاء عاديون، من جمهور القراءة السريعة.
صحيح أن لرصانة التصميم، واستخدام "الأهرام" علامة مشهورة، له دور في صناعة هذا الإرباك، إلا أن الشاهد في المسألة أن المسافة بين الواقع المصري وسخرية "الكوميكس"، أو بالتعبير الشبابي الدارج في مصر "القلش"، صارت صفراً، إذ لا يختلف هذا الخيال المجنح من شباب ساخرين عن تصريحات المسؤولين المصريين في سلطة الانقلاب، وبشكل خاص في موضوع مشروع قناة السويس، وما صاحبه من تجليات لرئيس هيئة القناة، اللواء مهاب مميش.
وهل هناك فرق بين أن يقال إن جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة حاول تنفيذ عملية لتفجير القناة الجديدة والقول إن البحرية المصرية أسرت قائد الأسطول السادس الأميركي، قبالة السواحل المصرية؟
من المساخر المنشورة في الموقع خبر يقول: "في خطوة رآها المراقبون أنها تتناسب مع أهمية الحدث، وقع اختيار هيئة قناة السويس على السيدة منى البحيري، لإلقاء كلمة نساء مصر في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة".
والسيدة المذكورة هي التي سبق أن دعاها منتدى دبي للإعلام في العام الماضي، لتمثيل المرأة المصرية، بعد أن شاهدها الجميع ضيفة على كل الفضائيات المصرية نموذجاً للوطنية الجديدة، في زمن عبد الفتاح السيسي، استنادا لصيحتها الشهيرة بالإنجليزية الركيكة "شات اب يور ماوس أوباما"، فما الغرابة في أن تمثل المرأة المصرية في الحفلة؟
يزدهر اللامعقول كلما انحشر المجتمع الإنساني في مآزق أخلاقية ووجودية.
بدأت الحكاية على نحو خافت في فرنسا، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وما خلفته من آثار كارثية، ثم مع انتهاء الحرب الثانية، اندلعت موجة من العبث واللامعقول في الأدب والمسرح، لا تزال مستمرة، ففي الخمسينيات من القرن الماضي، اشتعل مسرح العبث، وعرف العالم أسماء: أوجين يونسكو، صموئيل بيكيت، وآرثر أداموف، وهارولد بينتر، بموازاة انتعاش الفلسفة الوجودية مع جان بول سارتر وألبير كامو.
وفي مصر، ظهرت ملامح العبثية في بعض أعمال توفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور، غير أن التجسيد الأوضح والأفدح للأزمة الوجودية، بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967 كان صوت الشاعر والكاتب المسرحي الراحل نجيب سرور، من خلال ديوانه الممنوع الذي كان يتم تداوله سراً، مكتوبا ومسموعا، في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، حتى أصبح متاحا للجميع الآن مع الثورة الإلكترونية.
كما اشتملت بعض أعمال الثنائي المتمرد أحمد فؤاد نجم والشيخ امام على ذلك النفس العبثي الساخر، بمواجهة واقع أكثر عبثية، ومن ذلك القصيدة المغناة الشهيرة"موضوع الفول واللحمة" التي أطلقها الثنائي مع اشتداد أزمة اللحوم، حتى استعصت على الفقراء ومتوسطي الحال، وفيها:
عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر قال مسؤول
إن الطب اتقدم جدا والدكتور محسن بيقول
ان الشعب المصري خصوصا من مصلحته يقرقش فول
ثم أضاف الدكتور محسن إن اللحمه دي سم أكيد
فيكون الرد على الدكتور محسن في نهاية الأغنية:
إحنا سيبونا نموت باللحمة، وانتو تعيشوا وتاكلوا الفول
ما رأيك يا كابتن محسن مش بالذمة كلام معقول
عودة إلى موضوع "الأهرام المكسيكية"، يضع مصدروها جملة صغيرة، تكاد لا ترى، تعرفها بأنها "جريدة ساخرة، إلا أن الحقيقة والواقع أكثر سخرية".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق