الخميس، 6 أغسطس 2015

ماذا قال المؤرخون الأجانب عن قناة السويس

ماذا قال المؤرخون الأجانب عن قناة السويس

ا.محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
يصنع العسكر في مصر شعبًا من العبيد، لا يرون إلا ما يرى الفرعون ولا يسمعون إلا ما يسمع، والبشر – إلا القليل منهم- أتباع من غلب، ومن غرائب النفس البشرية أنها تُلبس قول القوي لباسًا من قوته وسطوته، فتصدق ما يقول مهما كان غريبًا، وقديمًا رُويت لنا قصة الملك الذي خدعه بعض حاشيته فأوهموه بقدرتهم على صناعة ثوب له من شعاع الشمس وضوء القمر، فانخدع واقتنع وخرج بين الناس عاريًا وقد تملكه الوهم بأنه يرتدي هذا الثوب المبهر، وسار بين الناس فلم يملك أحد أن يقول شيئًا حتى صاح صبي بريء لم يفهم سطوة القوة بعد: انظروا إني أرى الملك عاريًا! فسقط الوهم وانكشف كل شيء.

ذلك الوهم نفسه يسوقه السيسي وفئة العسكر بمشروع تفريعة قناة السويس الذي لا تبدو له بعد التدقيق أية فوائد إلا مزيد حماية لإسرائيل، بتوسيع القناة التي هي العازل المائي المشؤوم الذي فصل أرض مصر وعزل سيناء عن الوادي ومثَّل خطًّا حربيًّا دفاعيًّا متقدمًا لإسرائيل، هذه القناة التي منذ نشأت تمثل واحدة من أبشع جرائم التاريخ الإنساني في حق الشعوب، وقد دفع الشعب المصري فيها ما لا يقدر بثمن: من دمائه وأمواله وحريته واستقلاله وكرامته وأمنه.. وما يزال يدفع، وسيظل كذلك!

سيظل كذلك حتى تسقط الدولة العلمانية التي نشأت في مصر منذ مائتي سنة، وساعتها سيُسمح للصبي أن يصيح بما أراد ليكتشف ذلك الجيل كم كانت جريمة قناة السويس بشعة، وهو الجيل الذي لن يهدأ حتى يسترد الثمن المناسب من دول الاستعمار البغيض!

كتبت مقاليْن في هذا الموضوع (الأول، الثاني) فوصلني سيل من الشتائم ولم يصلني رد علمي واحد، طبيعي أن عبيد الطغاة والعسكر لا يحبون التفكير ويكرهون من ينغص عليهم عبوديتهم، فأحببت أن أزيدهم رهقًا بهذا المقال الثالث الذي يستعرض أقوال المؤرخين الأجانب عن هذه القناة وضررها على مصر، فتكون الحجة أبلغ، إذ ليس من بين هؤلاء إخواني أو حتى مسلم!

(1)


ونبدأ بالبريطانيين الذين كانوا أكبر المستفيدين قاطبة من قناة السويس، فبرغم هذا لم يستطع أحد تحدث عن قصة القناة – فيما أعلم- من زاوية المصلحة المصرية إلا واعترف بأنها كانت ضررًا على مصر.

فهذا ريمون فلاور، في كتابه “مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر يعتبر أن هذه القناة هي “أكبر عملية نهب فاقت كل شيء”(1) ،ويصف صاحب فكرتها ومنفذها فريدناند ديليسبس بقوله: “بكل تأكيد كان واحدًا من أعظم مقاولي عصره، إذ أن حجم ما أنجزه كان خرافيًّا… إنه والد كافة المحتالين الذين يسلبون الناس أموالهم بعد كسب ثقتهم. فالشيء المؤكد أنه منذ اللحظة التي خطط فيها لرحلته إلى مصر، لم يكن في ذهنه سوى هدف واحد هو أن ينتزع من صديقه الذي لا يشك فيه (الخديوي سعيد) امتيازًا لاقى كل من تقدم به الرفض”(2).

(2)



وهذا جورج يانج، في كتابه الذي ترجم جزء منه إلى العربية وطبع بعنوان “مصر من نهاية عهد المماليك إلى نهاية عهد إسماعيل” يروي قصة القناة الاقتصادية باختصار شديد فيصل إلى نتيجة عجيبة مفادها أن الخديوي سعيد لو أنفق كل هذه الأموال على ملذاته وزخرفة قصره لكان خيرًا للبلاد من إنفاقها على قناة السويس، يقول:
“وليس يخفى أن تورطه (الخديوي سعيد) في مشروع قناة السويس هو الذي دفع مصر إلى عقد أول قرض عام من بيت فريهلنج وجوشن (المالي) في لندن (1862م) وكانت شروط القرض تنذر بالشر وقد بلغ مقداره 3.3 مليون جنيه (إسترليني) وفائدته 7% وثمن السهم فيه 75% ولما أدركت سعيدًا الوفاة (1863م) بلغ مجموع ما على مصر من الديون الخارجية التي عقدت بشروط كهذه 10 ملايين جنيه، ولكن بعض الكتَّاب الإنجليز وبينهم لورد كرومر يقدرونها بثلاثة ملايين جنيه فقط ولكنهم يتناسون – على ما يظهر- مقدار الدين السائر.

ولما كان معظم هذه الديون إنما عُقِد للإنفاق على القناة لم يكن في فداحة هذه المبالغ الطائلة ما يمكن وقتئذ أن يُخشى منه على مستقبل الأمة المصرية من الوجهة المالية.
 أما من الوجهة السياسية فربما كان يكون خيرًا لمصر لو أن سعيدًا أنفق تلك الأموال كلها في زخرفة حجرة الاستقبال.
لأن امتياز قناة السويس قد ترتب عليه أن مصالح بريطانيا في مصر بعد أن كانت مجرد إحساس معنوي غامض بما يُحتمل أن يكون لمصر من الأهمية في نظر سياسة الإمبراطورية البريطانية، قد تحولت إلى اعتبارات مادية جدًّا لها ارتباط بالمسائل العسكرية والتجارية مما يؤثر أكبر تأثير في قوة بريطانيا البحرية وسيادة إنجلترا في الهند.
ثم إن بريطانيا كانت إلى هذه اللحظة قانعة بمنع الفرنسيين من أن تكون لهم السيطرة على القاهرة كما منعت من قبل سيطرة الروس على الآستانة.
ولكن مصلحتها الحيوية صارت من الآن فصاعدًا تتطلب انفرادها بالسيطرة على القاهرة دون سائر الدول الأخرى”(3).

ويرى جورج يانج أن الوقت الذي توفرت فيه عوامل نجاح المشروع كان أنحس وقت على مصر، يقول: “غرور الأسرة الحاكمة (أسرة محمد علي) وما تكدس تحت أيديها من موارد أنتجتها أعمال السخرة في مصر في خلال السنوات الأخيرة وما رأته من السهولة في عقد القروض الأجنبية إبان الأعوام الماضية كل ذلك ساعد على إنجاز المشروع في أنحس وقت بالنسبة لمصلحة الأجيال المصرية المقبلة”(4).

ويعترف الرجل بأن القناة أهم أسباب بقاء الاحتلال الإنجليزي في مصر ولكنه يدافع عن موقف قومه ويحمل المسؤولية للفرنسيين أصحاب فكرة القناة فيقول: “وغير خافٍ أن ما للقناة من الأهمية العظمى في سير العلاقات الدولية كان ولا يزال يعتبر إحدى الصعوبتين الرئيسيتين اللتين تحولان دون حصول مصر على سيادتها التامة. أما الصعوبة الثانية فهي طبعًا ما للمصريين من مصالح إمبراطورية في السودان. فالقناة إذن أهم عامل في سبيل وضع مصر تحت الإدارة البريطانية مدة ربع قرن كامل. لذلك نرى من حق الإنجليز أن يعلنوا على رؤوس الأشهاد أنهم لم يلزموا مصر بحفرها”(5).

(3)


وتنقل الكاتبة الروسية جالينا نيكيتينا في كتابها “قناة السويس ملكية وطنية للشعب المصري” -وهو كتاب تُرجم إلى العربية وصدر في القاهرة ضمن حملة إثبات حق مصر في القناة- قول المؤرخ والناشر الإنجليزي المعروف إدوارد ديزي: “لم يحدث أبدًا أن مُنِح امتياز يكفل مثل تلك المزايا للحاصل عليه، ويلقي مثل تلك الأعباء والتكاليف على عاتق من أصدره، مثل الامتياز الذي منحه سعيد باشا لشركة السويس”(6).

(4)

ونذهب إلى رواية القنصل الأمريكي في مصر حينذاك، ألبرت فارمان، وقد وضع مذكراته في كتاب ترجم إلى العربية ونشر بعنوان “مصر.. وكيف غُدر بها”، خصص منه فصلًا لمأساة قناة السويس، وبعد أن ذكر القصة المريرة في جانب الأموال وحدها قال في الختام:
“بالرغم من كل هذه التضحيات وبذل المال لم تحصل مصر على أية منفعة، فقد كلفت القناة مصر خسائر جسيمة أثَّرت على تجارتها، إذ كانت لها تجارة برية واسعة فقدتها كلية، وتمر السفن محملة ببضائع وفيرة خلال القناة التي تشق الصحراء شرق أراضيها الزراعية، ولكنها لا تعود على مصر بالفائدة كما كانت تمر خلال البحر الأبيض المتوسط”(7).

واتخذ فارمان قصة قناة السويس المأساوية ليجمل بها وجه بلاده (أمريكا) إذ هي صاحبة مأساة أخرى في قصة أخرى لقناة أخرى هي “قناة بنما”، فيجعل بلاده خيرًا للبنميين من فرنسا وإنجلترا للمصريين.

(5)


ويقول أولج فولكف في كتابه “القاهرة.. مدينة ألف ليلة وليلة” عن ضرر القناة الاقتصادي: “كان حفر قناة السويس ضربة قاضية لتجارة الترنزيت في القاهرة. فلم يعد للقاهرة من وظيفتها السابقة كمركز للتبادل التجاري وتجارة الترانزيت إلا الشطر الأول”(8).


***
هذه خمسة أقوال جمعناها بغير مجهود كبير، من كتب في متناول اليد (جميع مصادر المقال متوفرة على الإنترنت مجانًا للتحميل)، ومن بحث عن المزيد جاءه المزيد المرير.. ولكن أكثر الناس لا يفعلون!

المصادر
(1) ريمون فلاور: مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر ص136.

(2) ريمون فلاور: مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر ص142.

(3) جورج يانج: مصر من نهاية عهد المماليك إلى عهد إسماعيل ص196 وما بعدها.

(4) جورج يانج: مصر من نهاية عهد المماليك إلى عهد إسماعيل ص209.

(5) جورج يانج: مصر من نهاية عهد المماليك إلى عهد إسماعيل ص210 وما بعدها.

(6) جالينا نيكيتينا: قناة السويس ملكية وطنية للشعب المصري ص18.

(7) ألبرت فارمان: مصر وكيف غُدِر بها ص236.

(8) أولج فولكف: القاهرة ص148.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق