إنه حكم العسكر يا رفاق!
سليم عزوز
اللهم لا شماتة ولكن عظة وتذكيرا..ففي يوم واحد، طالعنا ما جرى لاثنين من الكتاب، على يدي حكم العسكر، يجمع بينهما أنهما ينتميان للتيار الناصري، وأنهما يؤيدان الانقلاب العسكري الذي أفرز عبد الفتاح السيسي رئيسا، والثورة المضادة التي أعادت نظام مبارك ورجاله وسياساته إلى الحكم من جديد.
الأول هو "سليمان الحكيم"، الذي كان يستشهد عبد الفتاح السيسي ببعض مقولاته في خطبه، ومنها أن "الجيش هو شعب مصر المسلح"، وهي مأخوذة من مقال أثار أزمة في العهد الناصري، عندما تجرأ أحد الكتاب ونفي مقولة أن "الجيش هو شعب مصر المنظم".
كما استشهد الحاكم العسكري عبد الفتاح السيسي بعنوان مقال كتبه الزميل "الحكيم" كان نصه: "اغضب يا سيسي"، وردد ذلك في خطاب له، ليوحي أن هناك مطالب جماهيرية له بالغضب على معارضيه، لكنه أبدا لن يغضب!.
الثاني هو "عبد الحليم قنديل"، وهو كاتب انتقل من معسكر الثورة، التي رفعت شعار "إسقاط حكم العسكر"، إلى الثورة المضادة الذي دشنت لمرحلة جديدة من الحكم العسكري المباشر.
وقد كان يصب غضبه في عهد مبارك على أحد رموز اليسار وهو الدكتور رفعت السعيد، الذي اندمج في نظام مبارك، وكان "قنديل" يصفه بأن الذراع السياسي للأمن المركزي، فأثبتت الأيام أن هذا الهجوم كان بدافع الغيرة، فلما وجد فرصة لأن يكون "رفعت السعيد"، عض عليها بالنواجذ، وعمل موردا للأنفار الذين مثلوا غطاء ثوريا للثورة المضادة، فلم يعد سرا الآن أن العناصر الشبابية التي تشكلت منها حركة تمرد، تمت باختيار من اثنين هما عبد الحليم قنديل، وضياء رشوان، ليجري تخليقهم في حضانات المخابرات الحربية!.
صاحبنا "الحكيم"، تعرض للإهانة الشديدة في "كمين للجيش" في يوم كان الشعار فيه أن "مصر بتفرح"، إذ جرى الاعتداء عليه وهو في طريقه لمحافظة الإسماعيلية حيث يقيم، ومن الواضح أنه لم يتلق دعوة لحضور مهرجان افتتاح "التفريعة".
ولا نعرف تفاصيل ما جرى، وحدود الاعتداء المهين، لكن من الواضح أنه كان قاسيا، على نحو جعله يندم على موقفه "المنحاز لبلاده"، الذي انتهى به مهاناً على يد واحد في سن أبنائه وفي نهايات عمره. وفي مقطع آخر يقول أنه سيقدم طلب هجرة لإسرائيل.
لاحظ أنه اختار إسرائيل بالذات، وهو الناصري الذي لا يزال إلى الآن يتعامل مع الكيان الصهيوني على أنه عدو. ولو فكر لعلم أنه لن يذهب بعيدا عن نفوذ السيسي، الذي ليس هو عبد الناصر، فانقلابه يجد الرعاية من إسرائيل، التي لا أظن أنها ستقبل طلب "الحكيم" للهجرة، ليس لكونه ينتمي للتيار الناصري، ولكن لأنه سيخرج من "طوع" من يرونه أفضل بالنسبة لهم من كنزهم الاستراتيجي المخلوع مبارك!.
"عبد الحليم قنديل"، فقد ذهب لمطار القاهرة متوجها إلى الأردن للمشاركة في مؤتمر حول جمال عبد الناصر، وهناك وجد نفسه ممنوعا من السفر، وعبثا حاول إفهام المسؤولين الأمنيين بالمطار بأن قرار منعه قد ألغي بحكم قضائي، لكن فاته أن الدولة العسكرية التي ساهم في بعثها بانحيازه لانقلاب يوليو 2013، تحكم بالتعليمات الأمنية وليس بأحكام القضاء!.
موعد إقلاع الطائرة كان في الساعة الثامنة من صباح السبت (8 أغسطس)، وبحسب قوله فقد حاول الاتصال بمسؤولين في الدولة، لكن لأن الوقت كان مبكرا فلم يردوا. وهو أمر غريب فقد شاهدنا شعارا رفع مع تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد رسميا، مفاده أن الحكومة سيبدأ يومها مبكرا وفي الساعة السابعة صباحا، وأقيمت زفة بمناسبة هذا التوجه حيث لم تنس وسائل الإعلام أن تنسب الفضل لأهل والقرار للسيسي!.
"قنديل" قال إن منعه من السفر كان للمرة الثانية في نظام ما بعد 3 يوليو 2013، ووصف القرار بالفضيحة مرة، والمسخرة مرة أخرى، وقال إن هذه المسخرة لم تحدث له في عهدي "الرئيس الأسبق" مبارك، و"الرئيس السابق" محمد مرسي. ولا نعرف محل "عدلي منصور" من الإعراب إذا كان مرسي رئيسا سابقا؟!.
قد يتصل هذا المسؤول أو ذاك فيطيب خاطر "الحكيم" فيدفعه للتراجع عن تقديم طلب الهجرة لإسرائيل، وقد يتم تطيب خاطر "عبد الحليم"، وفي ظني أنهما سيقبلان بالحد الأدنى من الاعتذار، فليس مطروحا على جدول الأعمال أن يغادرا معسكر الثورة المضادة، ويقوما بالالتحاق من جديد بالثورة، فلم يكن مغرراً بهما وهما ينحازان للانقلاب العسكري، وحكم العسكر ليس اختراعا لم يجر تجريبه، فمثل هذه التصرفات معلومة منه بالضرورة، لكن ربما هالهم أن يكونا هما من ضحاياه، ولو درسا تاريخ حكم ضباط الجيش بعد يوليو 1952، لوجدا أنه جرى التنكيل بكثيرين ممن أيدوا حركة ضباط الجيش ودافعوا عنها!.
"سليمان الحكيم" أكثر دراية بما جرى في العهد الناصري لمؤيدين لعبد الناصر من تنكيل، فقد دون كثيرا من مذكرات قادة هذه المرحلة، ولم يمنعه هذا من أن يكون "ناصريا".
وإن كان "عبد الحليم قنديل" ليس مهتما إلا بالانجاز الوطني الذي تحقق، ولم تشغله التفاصيل، إلا أنه يعرف أن المؤسسة العسكرية الحالية ليست منتمية لعبد الناصر ولكنها من إفراز عهد مبارك، ومع هذا فقد كانت خياره، لأنه وجد أنها الفرصة التي جاءته بعد حرمان ليكون في صدارة المشهد، ولو من باب مقاول الأنفار، كما جرى في تأسيس تمرد، وكما جرى بعد ذلك من اصطحابه لمجموعة من "الأنفار" في لقاءات السيسي في فترة ترشحه لتمنحه تأييدا ناصريا، لاحظ أن منسق "حركة كفاية" كان حاضرا أيضا هذا اللقاء الطيب المبارك!.
ويبدو أن هذا ليس هو الموضوع، فقد راعني أن الزميلين العزيزين بدا كما لو أنهما يؤيدان "على حرف" المنقلب على المسار الديمقراطي عبد الفتاح السيسي، فعند أول صفعة، أعلن "الحكيم" ندمه، وقال إنه سيهاجر لإسرائيل، واضطرب "قنديل" ووصف القرار بـ "المسخرة"، وبـ "الفضيحة"، وفي اضطرابه لم يجد مانعا من يشهد لصالح الرئيس الأسبق والرئيس السابق، وهما من لم يرتكبا هذه "المسخرة" أو "الفضيحة" رغم أنه كان من أشد المعارضين لهما!.
ليبقى السؤال: ماذا لو نالهما ما نال الشيوعيون الذين جرى التنكيل بهم في عهد عبد الناصر، وخرجا من السجون مستمرين في تأييده حتى بعد وفاته، وماذا لو تعرضا لما تعرض له "شهدي عطية"؟!
اليساري الذي سجن في عهد عبد الناصر وعذب لكنه لم يكفر به، ولم يفقد الأمل حتى وروحه تصعد لبارئها من أن ناصر عندما يعلم بأمره سيقتحم السجن ويأخذه في سيارته ويعتذر له على تصرف جرى معه قام به رجال الثورة المضادة ليسيئوا للثورة الطاهرة!.
أعترف أن موقف الشيوعيين في تأييدهم لعبد الناصر بعد أن أهينت كرامتهم شغلني كثيراً في فترة الشباب، فلم أستوعب تأييدهم له، ولم أهضم ما قاله خالد محيي الدين من أن عبد الناصر اضطهده ومع هذا أحبه والسادات سمح له بحزب ومع هذا كرهه!
وفي محاولة البحث قيل لي إن الشيوعيين كانوا حكاما في عهد عبد الناصر يخرجون من السجن للحكم، كما قيل لي، لأن دور عبد الناصر في قضية التحرر الوطني وفي انحيازه للفقراء ما جعلهم يتعالون على جراحهم الشخصية!.
وباستدعاء هذا على المشهد الحالي فإنه يفسر لماذا اضطرب "قنديل" و"الحكيم"، ووصف الأول ما جرى بـ "الفضيحة". وهل يجوز القول إنه في نظام السيسي ترتكب الفضائح والمساخر؟!..
أما الثاني فقد دفعته الإهانة، وهي لم تكن موجهة من قيادات السلطة، لأن ينطق بالحق ويكتب مقالاً مهماً في جريدة "المصري اليوم" بمناسبة "المولد" المنصوب احتفالاً بالقناة الجديدة فيقول: "ليست قناة وليست جديدة"، "هي مجرد تفريعة رابعة سبقتها تفريعات ثلاث جرى حفرها في عهد مبارك دون ضجيج أو صخب وبلا تعبئة أو شحن إعلامي، وبدون احتفال أسطوري"!.
ولعل "الصديق القديم"، الذي بيننا "عيش وملح" توصل الآن إلى ما كان سببا في حيرته في برنامج تلفزيوني وهو يحاول أن يفهم موقفي فيتساءل: "ما الذي جعله يتخذ هذا الموقف وهو ضد الإخوان وكان صديقا لشخصيات من أمثال فرج فودة وسعيد العشماوي".. قبل أن يتساءل: "هل من أجل الفلوس؟!".
ولو استدعى مناقشاتنا القديمة، لعلم أن رفضي لحكم عبد الناصر، كان بسبب ملف حقوق الإنسان وما جرى في عهده من تعذيب لم تعرفه مصر في عهد الاحتلال. ولعلم أيضا أن رفضي لحكم العسكر سابقا على انقلاب عبد الفتاح السيسي، ولو فكر وقدر لعلم أن من يريد "الفلوس" وبشكل آمن فسوف يكون مع الانقلاب وليس في "غربة قسرية"، لم تكن في تفكيره في يوم من الأيام، حتى ونظام مبارك يحيلني للتقاعد المبكر، ويمنعني من الكتابة لتسع سنوات كاملة.
وكل ما في الأمر أنني ضد الاستبداد وإن كان موجها لغيري، وهناك من لا يمانعون إذا نال من خصهم السياسي ويظنون أنهم سيكونون بحكم القرب من السلطة بعيدا عنهم.
ما علينا، فلم يكن في موقف الزميلين "الحكيم" و"قنديل" ثباتا كالذي ميز أهل اليسار في سجون عبد الناصر، وكالذي ميز "شهدي عطية" وهو يلفظ أنفاسه الأخير تحت سياط الجلادين، فانحيازهم انحياز "مصالح"، فالسيسي ليس له جانبا مضيئا يدفع للتعالي على الجراح الخاصة، من أجل القضايا الكلية، فهو يمثل التبعية لا التحرر، وهو امتداد لحسني مبارك وليس لجمال عبد الناصر، والمناضل متقاعد "عبد الحليم قنديل" هو خير ما يعلم!.
لقد كان هناك من يلمحون إلى أن الطرف الثالث المسؤول عن الفوضى بعد الثورة يقوده الجنرال عبد الفتاح السيسي، وهناك كلام كان يقال على استحياء عن دور قادة الجيش في قتل المتظاهرين الأقباط المتظاهرين أمام ماسبيرو، لكن قنديل كان واضحاً فقال في مؤتمر ونقلت الصحف ما قال: "إن قضايا الدم بين الشعب والمجلس العسكري لا تسقط بالتقادم"!.
وفي نفس المؤتمر الذي عقد قبل الانقلاب العسكري بستة شهور قال: "إدخال القوات المسلحة المجال الاقتصادي جعل طموح الضابط أن يصبح أحمد عز وليس عرابي أو عبد الناصر". ويقول من باب الاستنكار "الجيش يسيطر على 40 في المائة من الاقتصاد". وفي مجال آخر أعلن أن قيادات المجلس العسكري يملكون ثروات تزيد على ثروة أحمد عز. لمن لا يعلم فإن عز المذكور هو رمز الفساد في عهد مبارك، وهو عنوان خلط المال بالسياسة، قبل أن يحصل على البراءة القضائية في عهد عبد الفتاح السيسي!.
فلم يكن "قنديل" ممن يخلطون بين الجيش وقيادات المجلس العسكري الذي هم من الاختيار الحر المباشر لمبارك، وعندما ينحاز لانقلابهم، ويؤيد رئاسة أحد رموزه، فإنه انحياز وتأييد "المصلحة"، والتي قد تبدأ من إيثار السلامة وأن يكون المرء في الصورة، و"أبي سفيان يحب الفخر"، إلى ما فوق ذلك من مكاسب، تصل إلى الإحساس بأنه شريك في السلطة، ألم تغن ريا وسكينة من قبل لمجرد أن "الشاويش عبد العال" خطب إحداهن: "نسبنا الحكومة وبقينا حبايب.. حبايب قرايب"، فما بالك بالمشير وليس "الشاويش عبد العال"؟!!.
"عبد الحليم"، وكذلك "سليمان الحكيم"، لا يعلمان أن بحكم النشأة والتكوين لا يحبون فكرة الشراكة هذه، وظني أنها لاحت للأول وهو يتلقي خبر أنه ممنوع من السفر، كما لاحت للثاني وهو يتلقي الصفعات في "الكمين"، وهناك حالات اعتقالات جرت في عهد عبد الناصر ليست بهدف سوى لوضع النقاط فوق الحروف، ليخرج إحسان عبد القدوس بعد سجن دام ثلاثة شهور ليتوقف عن استخدام لقب "جيمي" ويستخدم لقب "الريس" عند مخاطبته لجمال عبد الناصر، وهو من كان يظن أن حملته على الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 مثلت شرارة ثورة يوليو، وأنه الأب الروحي لقائدها عبد الناصر!.
وقد بدأ السيسي بالتخلص من شركائه الحقيقيين فأطاح بوزير الداخلية محمد إبراهيم ويفكر في تعديل المادة التي تحصن منصب وزير الدفاع ليصبح له حق إخراجه أو الإبقاء عليه فيصبح هو مولانا ولي النعم. كما أنه أنهي جبهة الإنقاذ والتي تحولت بعد انقلابه إلى هشيم تذروه الرياح!.
هذا فضلاً عن أن ما جرى للزميلين ليس بتعليمات من السيسي، لكن من المؤكد أنه ليس مهتما بهم حد التدخل السريع ولو لتطيب الخواطر، فهما ينتميان لثورة يناير، التي سيدفع كل من شارك فيها الثمن، بعضهم بقرار من السيسي زعيم الثورة المضادة، والبعض الآخر بتوجيهات من الجهات الأمنية، التي عادت للحكم بوقوع الانقلاب، و لها ثأر شخصي مع كل من شارك فيها، فقد يتأخر دورك لكنه قادم لا محالة!.
حسنا، فبعيدا عن موقف "قنديل" وصاحبه، الذي تكفي مكالمة هاتفية لتضمد الجراح وتوقف الدم السائل، فإن الواقعتين من وقائع كثيرة حدثت تؤكد أننا في ظل حكم الثورة المضادة التي أعادت سياسة الحكم في عهد مبارك من عدم احترام كرامة المصريين ولهذا كانت الكرامة الانسانية من مطالب ثورة يناير التي تلخصت في هذا الشعار: "عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية"، فصار إهانة الناس عملاً من أعمال الأجهزة الأمنية وقوات الأمن. وفي قرارات المنع من السفر، وهو حق دستوري، ما يؤكد أننا فعلاً في ظل ثورة مضادة انقلبت على ثورة يناير، التي أيدها "قنديل" و"الحكيم" بكل الإجرام الذي ترتكبه ضد الآخرين وكان لزاماً أن ينالهما من الحب جانباً.
فاللهم لا شماتة ولكن عظة وتذكيرا.
azouz1966@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق