رسالة مفتوحة إلى إخوتنا الأكراد
غازي التوبة
ما دعاني إلى الكتابة إليكم -أيها الأخوة الأكراد-أننا جزء من أمة واحدة، امتزجت دماؤكم ودماؤنا على مر التاريخ في مواجهة أعداء الأمة، وأبرزهم الصليبيون، حيث جاهدنا سويا تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي الذي هو كردي بالأساس وانتصرنا في حطين.
وما دعاني -أيضا- للكتابة إليكم، أنكم تمرون في مطلع القرن الحادي والعشرين بظروف تشبه الظروف التي مررنا فيها -نحن العرب- في مطلع القرن العشرين، وقد جاء التشابه في أمرين:
الأول: وعود الغرب لكم في إقامة دولة موحدة تمتد من إيران إلى البحر المتوسط مرورا بالعراق وتركيا وسوريا في مطلع القرن الحادي والعشرين، كما وعدنا -نحن العرب- في مطلع القرن العشرين بدولة واحدة تمتد من جبال طوروس إلى اليمن مرورا بالشام والحجاز والعراق، ودعانا إلى أن نقاتل الأتراك إلى جانبه، وفعلا قامت الثورة العربية الكبرى عام 1916 وأطلق الشريف حسين رصاصة الثورة من قصره في مكة وقاتلنا الأتراك، وحدث شرخ كبير بيننا وبين إخواننا الأتراك، ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم، ثم سقطت الخلافة العثمانية عام 1924، لكن ماذا كانت النتيجة بالنسبة للعرب؟
كانت النتيجة أن الغرب خان العهود التي أعطاها لنا، وجزأنا بدل أن يوحدنا، وتقاسمت إنجلترا وفرنسا المنطقة، فأخذت إنجلترا العراق والأردن وفلسطين، وأخذت فرنسا سوريا ولبنان، وكان كل ذلك نتيجة اتفاق سايكس بيكو الذي عقد عام 1916 في الخفاء بين ثلاث دول هي إنجلترا وفرنسا وروسيا، لكن روسيا انسحبت منه بعد أن انتصرت الثورة البلشفية على الحكم القيصري عام 1917.
وما دعاني -أيضا- للكتابة إليكم، أنكم تمرون في مطلع القرن الحادي والعشرين بظروف تشبه الظروف التي مررنا فيها -نحن العرب- في مطلع القرن العشرين، وقد جاء التشابه في أمرين:
الأول: وعود الغرب لكم في إقامة دولة موحدة تمتد من إيران إلى البحر المتوسط مرورا بالعراق وتركيا وسوريا في مطلع القرن الحادي والعشرين، كما وعدنا -نحن العرب- في مطلع القرن العشرين بدولة واحدة تمتد من جبال طوروس إلى اليمن مرورا بالشام والحجاز والعراق، ودعانا إلى أن نقاتل الأتراك إلى جانبه، وفعلا قامت الثورة العربية الكبرى عام 1916 وأطلق الشريف حسين رصاصة الثورة من قصره في مكة وقاتلنا الأتراك، وحدث شرخ كبير بيننا وبين إخواننا الأتراك، ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم، ثم سقطت الخلافة العثمانية عام 1924، لكن ماذا كانت النتيجة بالنسبة للعرب؟
كانت النتيجة أن الغرب خان العهود التي أعطاها لنا، وجزأنا بدل أن يوحدنا، وتقاسمت إنجلترا وفرنسا المنطقة، فأخذت إنجلترا العراق والأردن وفلسطين، وأخذت فرنسا سوريا ولبنان، وكان كل ذلك نتيجة اتفاق سايكس بيكو الذي عقد عام 1916 في الخفاء بين ثلاث دول هي إنجلترا وفرنسا وروسيا، لكن روسيا انسحبت منه بعد أن انتصرت الثورة البلشفية على الحكم القيصري عام 1917.
وأنتم الآن -أيها الأخوة الأكراد- تقاتلون في سوريا وتركيا والعراق ضد إخوانكم في هذه البلدان، وقد أعلنت كل من أميركا وفرنسا وأخيرا ألمانيا أنها تدعمكم في حربكم هذه.
ومن الجلي والواضح أن الغرب يستخدمكم في تمزيق المنطقة وتجزيئها، كما استخدمنا في تجزئة المنطقة، وسيخذلكم كما خذلنا في النهاية، وهذا حتمي ومؤكد لأن الغرب يريد أن تبقى إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، ولن يسمح لأي دولة بأن تقوم وتملك إمكانيات يمكن أن تكافئ قوة إسرائيل أو قدرتها.
كذلك من الحتمي والمؤكد أن الغرب سيحبط أحلامكم، وتكون النتيجة أن تتجرعوا مرارة الجراح والعداوات والحزازات وإثم تجزئة المنطقة، وتبقى إسرائيل هي سيدة المنطقة، كما حدث معنا بالضبط في مطلع القرن العشرين.
الثاني: والأمر الآخر الذي وقع التشابه فيه بيننا وبينكم هو القيادات القومية المعادية للدين، فقد قادتنا قيادات قومية عربية في مطلع القرن العشرين، اعتبرت القومية والأمة تقومان على عنصري اللغة والتاريخ، ولا تعتبر الدين عنصرا من عناصر بناء أمتنا، وقلدت هذه القيادات العربية القومية الألمانية في هذا الموقف، وأخذت موقفا معاديا للدين كما فعله الغرب إزاء الدين المسيحي.
وفي اعتقادي أن هذا العداء للدين من قيادات القومية العربية، لم يكن مبنيا على دراسة موضوعية وعلمية لمسيرة الدين الإسلامي ودوره الحقيقي في البناء الإيجابي للأمة، وإنما كان إسقاطا لواقع تاريخي آخر، وهو تاريخ الغرب على واقعنا، وإقامة التشابه من خلال النظر السطحي إلى دينين مختلفين، وهما الإسلام والمسيحية في مسيرتهما التاريخية، ومن خلال إصدار حكم واحد على شيئين متباينين في المبادئ التي يقومان عليها لمجرد اتفاقهما في مسمى الدين.
والأهم من ذلك أن هذا العداء للدين من قيادات القومية العربية، كان عاملا أساسيا في عدم استطاعة العرب أن ينهضوا، ولذلك تعثرت آمال العرب في النهوض على مدار القرن الماضي، ومن المؤكد أن هذا العداء للدين كان عاملا مهما من عوامل عدم قيام النهضة في المنطقة العربية، لأنه لم ينطلق من الواقع الموضوعي للأمة.
وأنتم -أيها الأخوة الأكراد- تقودكم الآن قيادات قومية كردية، تحمل موقفا معاديا للدين مثل موقف قياداتنا القومية، لأنها اعتبرت أن القومية الكردية تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، وأسقطت دور الدين في بناء الشعب الكردي، بل اعتبرته سلبيا، وتأثر بعضها بعامل آخر غير النقل من القومية الألمانية، وهو النقل من الفكر الماركسي، الذي اعتبر الدين أداة في يد الرجعية من أجل استلاب الإنسان وتخديره، واعتبر كل ما يقوم عليه الدين خرافات وأوهاما من اختراع رجال الدين لخدمة أصحاب الأموال والرساميل.
وقد عمم الفكر الماركسي أحكامه على كل الأديان بما فيها الدين الإسلامي، مع أن واقع الأمر يؤكد أن الدين الإسلامي كان له دور بارز في شحن الإنسان المسلم بالإيجابية والفاعلية لمواجهة كل أشكال الظلم والتعسف التي يمكن أن تقع في المجتمعات البشرية.
لذلك -أيها الأخوة الأكراد- يجب أن تستفيدوا من تجربتنا وأن لا تنساقوا وراء القيادات القومية المعادية للدين ولا تضعوا أنفسكم في خط العداء مع الدين، لأن نهضتكم ستتعثر -عندئذ- كما تعثرت نهضتنا.
مرة أخرى من منطلق الحب والأخوة التي تجمعنا، أذكركم -أيها الأخوة الأكراد- بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" (متفق عليه) ونحن لدغنا من جحر الغرب والقيادات القومية المعادية للدين في مطلع القرن العشرين، وها أنتم تلدغون من نفس الجحر في مطلع القرن الحادي والعشرين.
ولأن الإيمان بالإضافة إلى كونه شعورا وعاطفة، هو وعي في الوقت نفسه، أدعوكم إلى أن تعوا وتنتبهوا وتستيقظوا، ولا تكونوا أدوات في يد الغرب في إسالة الدماء، وفي مقاتلة إخوانكم، وفي تجزئة المنطقة التي هي في الأصل مجزأة، وسيخذلكم الغرب كما خذلنا، ولن تحصلوا على الدولة التي تحلمون بها، بل ستحصدون الخراب والوهم فقط، وسيكون عملكم في صالح إسرائيل.
كما أدعوكم -إخوتنا الأكراد- أن تعوا وتنتبهوا ولا تمشوا وراء القيادات القومية الكردية المعادية للدين، لأنها لا تنطلق من واقع الأمة الموضوعي ومن شخصيتها التاريخية بل هي تنقل أفكارا من الغرب جاءت حصيلة تجربة تاريخية غير متطابقة مع واقعنا التاريخي، لذلك لن تنفع في بناء النهضة التي نتطلع إليها جميعا.
وفي ختام رسالتي، أعتقد أن قياداتكم القومية الكردية تستغل المظلومية التي وقعت عليكم خلال القرن الماضي من قِبل بعض قيادات التيار القومي العربي والتي نعترف ونقر أنها كانت مخطئة، من أجل شحنكم العاطفي في اتجاه الأهداف التي يسعون إليها، لكن أقول لكم إن النهضة والحضارة والمدنية تحتاج إلى أمرين، عاطفة ووعيا، وأنا أعتقد أن ما تحتاجون إليه هو المزيد من الوعي والإدراك والتبصر في أحوالكم وأحوال من سبقكم من إخوانكم العرب، كي تتجنبوا الوقوع فيما وقعوا فيه.
متعلقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق