الاثنين، 30 أبريل 2018

لماذا يهاجمون مسلسل أرطغرل الآن؟

لماذا يهاجمون مسلسل أرطغرل الآن؟

عامر عبد المنعم


لقد لاحظت أن هؤلاء الذين انتقدوا مسلسل أرطغرل لم يشاهدوه، ولهذا كان موقفهم ضعيفا وكلامهم ليس مقنعا لدى الملايين الذين يتابعونه

حملة الهجوم على مسلسل قيامة أرطغرل تقف خلفها دوائر منزعجة من تأثير هذا العمل الفني المبهر، الذي أحدث نقلة نوعية في الوعي الإسلامي، ليس في تركيا فقط وإنما في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، فالمتابعون بالملايين، ينتظرونه كل أسبوع في سلوك غير مسبوق منذ ظهور المسلسلات على شاشات التلفزيون.
أرطغرل ليس مجرد عمل فني عالمي وإنما حدث ثقافي هو الأول من نوعه في تاريخ التلفزيون، حيث يتم تقديم مسلسل به جرعة من الفكر والحكمة ومكارم الأخلاق وتقديمها بشكل مشوق لجمهور واسع متعدد المشارب والأعراق، ومن كل الطبقات والأعمار بلغة متقنة، وبصورة مبدعة تجعل المشاهد لا يمل من رؤية الحلقات مرات ومرات.
من الطبيعي أن يأتي الطعن في المسلسل من أطراف معادية للإسلام لأنه يفضح الخونة والجواسيس في دوائر الحكم وعلاقاتهم بأعداء الخارج، لكن أن يتورط بعض المحسوبين على الإسلام في الهجوم فهذا أمر مؤسف، لا يمكن تفسيره إلا أنه يأتي في إطار محاولات بائسة للتقليل من قوة تأثير المسلسل في تنمية الوعي والنضج السياسي والقراءة الصحيحة لقضية الصراع بين الإسلام وخصومه.
بالتأكيد هناك ملاحظات كثيرة على المسلسل لكن مجمل العمل يخدم الإسلام ويذكرنا بأبطال المسلمين في فترات العز والانتصار، ورغم أنه مسلسل تاريخي فإنه يشرح لنا الواقع اليوم وما يجري فيه، وهو يدعو للتعصب للإسلام وليس للقومية التركية كما يزعم البعض، فالشخصيات الشريرة التي قدمها المسلسل كنموذج للخيانة شخصيات تركية مثل كورد أوغلو وأورال وأخرها سعد الدين كوبيك وزير السلطان السلجوقي الذي تحالف مع كل أعداء الأمة، منذ بداية المسلسل حتى مات في الحلقة 115 على يد أرطغرل الذي قطع رقبته.
لقد حاول العلمانيون دوما إبعاد الإسلاميين عن الثقافة والأدب والفن مع أن المسلمين هم أصحاب اللغة والأدب والمعلقات وآداب القصة والأسطورة وقد خسرنا كثيرا عندما أهملناها. وإذا كان الشعر قديما ديوان العرب فالمسلسلات الآن هي ديوانه، فالصورة المرئية اليوم تدخل كل بيت.
الدعاية المجانية لابن عربي!
لا يشغلنا كثيرا ما يردده الخصوم ولكن هؤلاء الذين يريدون أن يقولوا إن مشاهدة المسلسل حرام لم يجدوا غير شخصية "بن العربي" التي ظهرت في المسلسل.
لقد لاحظت أن هؤلاء الذين انتقدوا مسلسل أرطغرل لم يشاهدوه، ولهذا كان موقفهم ضعيفا وكلامهم ليس مقنعا لدى الملايين الذين يتابعونه، وليس من الإنصاف ولا من المنطق أن ينتقدوا شيئا لا يعرفونه ولم يطلعوا عليه؟
ومع هذا فإن التركيز على موضوع ابن عربي مبالغ فيه، ويؤدي إلى نتيجة سلبية على غير ما يزعم الناقدون، للأسباب التالية:
1- ابن العربي في المسلسل (بالألف واللام) لم يقل كلاما مخالفا، بل على العكس كان كلامه حكيما يستند إلى الكتاب والسنة ويدعو لمكارم الأخلاق بأسلوب هاديء ومقنع.
2- الذين يركزون على شخصية ابن العربي في المسلسل يروجون لابن عربي القديم، ويجعلونه وكأنه محور المسلسل رغم أن دوره ليس رئيسيا، وينسون أن المسلسل كله يدور حول قصة أرطغرل وبداية تأسيس الدولة العثمانية.
3- ليس جديدا أن نقول إن الأتراك صوفيون، يرتبطون بمشايخهم، ويحرصون على وجود الشيخ في مجلس السلطان والاعتزاز باستشارته في كل الأمور، ومعروف أن الإنكشارية وهي القوات المقاتلة في الدولة العثمانية كانوا يسندون مهمة تعليمهم وتربيتهم إلى العلماء لربطهم بدينهم، أي أن وجود الشيخ في المعسكر أساس عملية تأهيل الجندي المقاتل.
4- الذين يختزلون المسلسل المبهر في ابن العربي هدفهم التشويش فقط، ويريدون أن يأخذونا لجدال في مساحة ضيقة يحفظونها حول أفكار ابن عربي الذي هو غير موجود في المسلسل، وليس لها أي أهمية لدي المشاهدين، وإلا ما معنى الهجوم على العمل الفني الوحيد الذي يتابعه المسلمون، وتجاهل عشرات الآلاف من المسلسلات الفاسدة التي تغرق الشاشات؟
5- الناقدون يزعمون أنهم يخافون على الأمة من أفكار ابن عربي بينما هم يروجون له، حيث يشرحون للعوام أفكاره ويذكرون أسماء كتبه ومؤلفاته، ويستطردون في شرح الأفكار المنحرفة وإعادة الحياة لأقوال ماتت منذ مئات السنين.
6- الذين يفتعلون معركة مع ابن عربي لم يراعوا أن ابن العربي في المسلسل له تأثير إيجابي وربطه بابن عربي القديم يحسن صورته وليس العكس، وهذا نوع من التأثير العكسي غير المحسوب ويظهر عدم الحكمة في وزن الأمور.
7- كان من المفيد ذكر بعض السلبيات بدون مبالغة أو تهويل للتنبيه حتى يستفيد الناس وليس مجرد افتعال معركة خاسرة.
فشل لعبة ضرب أرطغرل بمحمد الفاتح
أحدث مسلسل أرطغرل تغييرا كبيرا في المجتمع التركي ونجح في تذكير الأتراك بأصولهم وتدين أجدادهم وتضحياتهم لتأسيس الدولة على أساس الإسلام، فتسبب في تحولات كبيرة وأعاد تشكيل المجتمع التركي وبدد الكثير من آثار الحقبة العلمانية، وزاد من تأثير أرطغرل أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الداعم الرئيسي له، وأظن أن بعض الجمل والعبارات ذات الدلالات السياسية المحملة برسائل ذات مضامين مهمة للواقع اليوم مكتوبة بقلم أردوغان وليس بقلم كاتب السيناريو العبقري.
وبسبب هذا التأثير الطاغي أنتج العلمانيون مسلسل محمد الفاتح بغرض منافسة أرطغرل وسحب المشاهدين منه، ورصدوا له ميزانية ضخمة ولكنه فشل، وأشارت الأخبار هذا الأسبوع أن المسلسل سيتوقف عند الحلقة السادسة، بسبب تجاهل الشعب التركي له والتوقف عن مشاهدته، وهذا يعطي إشارة مهمة لتغير ميول الأتراك إلى رفض المسلسل العلماني الذي يشبه مسلسل حريم السلطان الذي شوه صورة السلطان سليمان القانوني.
لقد حاول من وقفوا خلف مسلسل محمد الفاتح تشويه السلطان المسلم، وأظهروه وكأن فتح القسطنطينية مجرد عقدة نفسية يرفضها الأتراك بمن فيهم والده السلطان مراد صاحب الفتوحات، وجعلوا ساعده الأيمن وكأنه معتوها، حتى لا يقدموا للأتراك قدوة على النحو الموجود في أرطغرل، وساروا على سيرتهم الأولى بالزج بقصص الحب والغرام وصدور النساء العارية في قصة الأمير الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الفشل.
بؤكد إخفاق مسلسل محمد الفاتح أن أرطغرل أحدث زلزالا، وأن صناع الدراما الذين أفسدوا الأجيال بأعمال رديئة واحتكروا تغييب وعي الشعوب لسنوات انكشفوا أمام أول مسلسل هادف يحكي قصة حقيقية من القصص العظيمة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.
إن الصراع مع خصوم الأمة لم يعد فقط في ساحات المعارك والاقتصاد والسياسة فقط وإنما امتد إلى ساحات الثقافة، وقد أشار العلامة محمود شاكر في كتابه المهم "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" إلى أن المعركة الهائلة الدائرة ليست في ميادين القتال بل في ساحات الثقافة.
 علينا أن ندعم أي جهد مخلص في الساحات التي تأخرنا عنها وتركناها لغيرنا، وأن نقدم النصيحة للتجويد والتحسين، حتى لا نترك عقول الأجيال تتربى على ما فيه تخريب الوعي ولإنقاذ الأمة من التغريب الثقافي الذي يهدف إلى أن نبقي أبد الدهر بعيدين عن أصولنا، تائهين في دروب الأفكار التي تطعن في قيمنا وأخلاقنا. 
***
إن الهجوم على مسلسل أرطغرل يحسب له، ودعوة للمشاهدة، لكثيرين ربما لم يفكروا يوما في متابعته، ولكن من باب الفضول سيبحثون عنه ليكتشفوا بأنفسهم أن الذين انتقدوه ولم يشاهدوه لم يكونوا منصفين ولم يكونوا صادقين في النصيحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق