أحمد فلوكس الشهيد الحي!
لم يأت الممثل المصري الشاب أحمد فلوكس أمراً نُكرا، عندما يتماهى مع دور قام به في فيلم، فيعتقد أنه شهيد لم يمت، أو أنه الشهيد الحي، فهو يعيش زمن تجسيد الأدوار.
فالراعي الرسمي للفيلم ينظر لنفسه وقد حلت فيه روح الأنبياء جميعاً، فصار نبيا يوحى إليه.. ألم يستدع من قبل الآية الكريمة: "ففهمناها سليمان"، وبطريقة توحي بأنه كما لو كان هو المقصود بها، حتى حمدنا الله على أنه ليس سليمان، وإلا قال لنا إن اسمه مذكور في القرآن الكريم!
"فلوكس" ممثل شاب، لا يعرف كثيرون عنه إلا أنه نجل الفنان الكبير فاروق فلوكس، وقد ذكر اسمه قبل أربع سنوات مقرونا باتهامات في قضايا شيكات بدون رصيد وما إلى ذلك، لكنه دخل التاريخ بمشاركته في فيلم "الممر"، الذي يروي قصة الحرب السابقة على حرب أكتوبر المجيدة، وهي حرب الاستنزاف. وهو الفيلم الذي يعد السيسي المنتج له، ويعد باكورة استحواذ الجيش على المجال الفني، ليكون القرار العسكري بإحالة عادل إمام للتقاعد، وإنتاج نجم جديد للمرحلة، هو "محمد رمضان"، تماشياً مع التحولات الكبرى في عقيدة القيادات العسكرية، وفي المرحلة التي بدأت على اليدين المباركتين للمشير محمد حسين طنطاوي، وفي عهده تم استدعاء الفنان تامر حسني للغناء في احتفال الجيش بانتصار أكتوبر في إحدى السنوات، وبعد اتهامه بالتهرب من أداء الخدمة العسكرية، وتزوير شهادة تفيد بأدائها!
أبو الشهداء:
ولأن عبد الفتاح السيسي هو صفر اليدين في ساحات الوغى وميادين القتال، فإنه يتصرف على أنه الوريث الشرعي لكل حروب الجيش، عدا حرب سنة 1967، فالانتصار له ألف أب والهزيمة لا أب لها. ومن هنا جاءت إشادة السيسي بفيلم الممر، وطالب بفيلم كل ستة شهور. وإذ تقمص المذكور دور البطل في انتصارات الجيش المصري وحروبه، فقد تقمص الممثل الشاب أحمد فلوكس دور الضابط الشهيد، و"عاش اللحظة"، وذهب بصفته "الشهيد" إلى المدارس والمنتديات، متحدثا عن دوره، وعن لحظة استشهاده دفاعاً عن الوطن، ولا ينسى أن يهدي نضاله لأبي الشهداء عبد الفتاح السيسي!
وهي حالة أثارت الاستهجان على نحو تذكرت معه، واقعة مرتبطة بفيلم "الطريق إلى إيلات"!
لقد فوجئ الناس في بلدي بأن اللواء سمير يوسف، محافظ أسوان عندما عُرض الفيلم، هو أحد أبطال هذه العملية، ولأن الرجل (المتوفى في سنة 2009) لم يكن محافظاً ناجحاً، وبينه وبين القوم مشاحنات لم يكن صالحاً لإدارتها بشكل جيد، فقد قرروا أن ينكروا عليه انتصاره، وفق قواعد البسطاء!
قال أحدهم: إنه من تراجع عن القيام بالمهمة في اللحظات الأخيرة وهتف: "مش عاوز أموت". ليذهب الآخر بعيداً: "إنه الضابط الذي مات في العملية"!
وهكذا، فقد تعامل الفنان مجسد الدور على أنه الشهيد صاحب البطولات في الفيلم، وهو يتصرف على أنه "الشهيد بإذن الله" في الواقع، في زمن التقمص، والناس على دين ملوكهم، وذلك بدلاً من أن يكون الفيلم سبباً في البحث عن الأبطال الحقيقيين لهذا النضال الوطني، ولمن كانت لهم أدوار بارزة في حرب الاستنزاف. وليمتد أثر الفخر إلى عوائلهم، لمن فارقوا الحياة، ونحن نعلم بأن معظم من كانت لهم أدوار مهمة في الحروب المصرية، لم تكن حياتهم سلسة. ولست هنا أتحدث عن القادة، ورئيس أركان الجيش المصري أُدخل السجن الحربي بقرار من المحكمة العسكرية، في ظل حكم العسكر، بعد أن قضى سنوات من عمره مطارداً خارج البلاد وحُرم من تجديد جواز سفره. فمن أبلوا بلاء حسنا من الجنود، مثل العظيم عبد العاطي صائد الدبابات، مات قبل سنوات قليلة فقيراً، لا يحد ثمن العلاج!
محنة الجمسي:
وقد أذاع المهندس حسب الله الكفراوي، وزير الإسكان والتعمير في عهد مبارك، قصة رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر ووزير الحربية الأسبق المشير عبد الغني الجمسي، وكيف انتهى به المطاف وسيطاً لدى الوزير لصالح مقاول صغير لإنهاء مستحقاته على الوزارة، واعترف القائد العسكري الكبير للوزير بأنه يفعل هذا من أجل الحصول على مبلغ زهيد نظير ذلك. وما أغضب الكفراوي أن تكون هذه نهاية الجمسي، فذهب لمبارك يستثير نخوته العسكرية، فإذا برد الفعل عنيفاً، فقد ذهبت قوة لا يعرف أحد هويتها وحطمت منزل الجمسي في غيبته، وفهم الرجل الرسالة، وطلب من وزير الإسكان أن يصرف نظر عن ما طلبه منه.
فدائما هناك من يستحوذ على كل هذه الأدوار لصالحه، وكما اختزل مبارك نصر أكتوبر في الضربة الجوية، وهذه الضربة في شخصه، ليمثل الأمر له شرعية في البقاء بالحكم ليوم يبعثون، فإن هدف السيسي هو السطو على كل الأدوار وعلى كل الأمجاد العسكرية، باعتباره الوريث الوحيد للعائلة العسكرية، ومن ثم يكون له وحده الحق في الحكم نيابة عن الجيش، متفوقا على مبارك نفسه.
فمبارك لخص كل أدواره العسكرية في الضربة الجوية، وكل المعارك في نصر أكتوبر، ولم يجد نفسه مدفوعا للدفاع عن حرب الاستنزاف مثلا. وعندما كتب المؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان أنها كانت استنزافاً للجيش المصري، في سلسلة من المقالات بمجلة "أكتوبر"، غضب وزير الدفاع ولم يغضب مبارك، وتدخل الوزير لمحاكمة رئيس التحرير "إسماعيل منتصر"، فلم يكن بمقدوره أن يقدم رمضان للمحكمة، لقربه من مبارك، والذي لم يكن يرى مشكلة في الكتابة السلبية في الحروب السابقة لحرب أكتوبر.
وفيلم "الممر" يتحدث عن بطولات الجيش في حرب الاستنزاف، من خلال أدوار عدد من العسكريين، فقد احتكر السيسي ذلك لأنه بلا تاريخ عسكري، ويرى في كل الأمجاد العسكرية أنها آلت إليه بالوراثة، وهو يُغيب من بقي من قادة في الحروب، ومن بينهم مبارك، وسامي عنان، وأحمد شفيق، ويتقدم هو، متقمصا دور البطولة!
والحال كذلك، فقد تقمص الممثل الشاب فلوكس الدور الذي قام بتمثيله، لدرجة الاعتقاد أنه الشهيد، فيذهب ليتحدث عن بطولته ليس في الفيلم ولكن على أرض الواقع، ولم يتبق له إلا أن يحدثنا عن سكرات الموت التي عانها، وعذاب القبر ونعيمه وهو البرزخ.
إنه زمن التقمص..
يتقمص فلوكس دور الضابط الشهيد.. ويتقمص السيسي دور الوريث الشرعي لبطولات الجيش المصري.. وإن لم يخض حرباً.. فهل استشهد أحمد فلوكس حقا في حرب الاستنزاف؟!
لتكون الإجابة: وهل السيسي هو الوريث لانتصارات الجيش؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق